سبلة العرب
سبلة عُمان الصحيفة الإلكترونية الأسئلة الشائعة التقويم البحث مواضيع اليوم جعل المنتديات كمقروءة

العودة   سبلة العرب > سبلة الثقافة والفكر

ملاحظات

 
 
أدوات الموضوع البحث في الموضوع تقييم الموضوع
  #1  
قديم 07/03/2004, 03:34 AM
داهية الشرق داهية الشرق غير متواجد حالياً
عضو متميز
 
تاريخ الانضمام: 12/12/2002
الإقامة: عمان
المشاركات: 1,947
Post أبو الأعلى المودودي...

بقلم البروفيسور/ أليف الدين الترابي

ولد الإمام "المودودي" في عام 1903م في (أورنك آباد) بمدينة (حيدر آباد) في الهند، وأسس الجماعة الإسلامية في عام 1941م، وتوفي في عام 1979م، بعد جهاد في سبيل الدعوة لأكثر من نصف قرن، بدأ من بداية الربع الثاني للقرن العشرين الميلادي، واستمر إلى بداية الربع الأخير من منه، ويتبين من دراسة الأوضاع في ذلك العصر أنه كان عصرًا مليئًا بالتيارات الهدامة، والتحديات المعادية، فقد كان العالم الإسلامي في ذلك الوقت يتعرض لأبشع أنواع المخططات الاستعمارية؛ نتيجة لسيطرة الاستعمار الغربي وغارته الفكرية والحضارية على كثير من البلدان الإسلامية.

وظهر الانحطاط في العالم الإسلامي بعدما كان المسلمون يقودون البشرية فكريًا وحضاريًا لعدة قرون، وكان من سوء حظ البشرية ظهور العديد من الفلسفات الجاهلية الحديثة في الغرب مثل نظرية التفسير الجدلي للتاريخ لـ"هيجل"، ونظرية التفسير المادي للتاريخ لـ"ماركس" ونظرية التطور والارتقاء لـ"داروين" ونظرية التفسير الجنسي لعلم النفس لـ"فرويد" ونظرية فصل الدين عن الدولة لـ"ميكيافلي"، وعلى الرغم من أن هذه النظريات والفلسفات الجاهلية لم تقم على أساس علمي ولم تكن لها مكانة من الناحية العلمية، لكن الجو الذي سيطر على الغرب في ذلك الوقت، نتيجة لانتصار الحركة العلمية على الكنيسة، ما أدى إلى قبول عام وانتشار واسع لهذه النظريات واعتبارها حقائق علمية؛ حتى وصل الأمر إلى أن أصبحت المبادئ الأساسية للحضارة الغربية الحديثة، وهكذا فإن النظم السياسية والاجتماعية الأخرى التي تولدت من هذه الفلسفات مثل الدمقراطية الليبرالية والعلمانية والقومية والشيوعية وما إلى ذلك من النظم السياسية والاجتماعية تقوم على الأسس اللادينية، كما أن فلسفة الأخلاق التي ظهرت وانتشرت كانت مادية من أولها لآخرها.

ونتيجة لذلك تغيرت موازين الصواب والخطأ والحلال والحرام، وأصبح المقياس الوحيد الذي اختاره الناس للرد والقبول هو مايسمى بالنفعية المادية، وزاد الطين بلة خضوع أكثر البلاد الإسلامية للدول الاستعمارية فشبه القارة الهندية احتلها الاستعمار البريطاني ومصر احتلها الاستعمار الفرنسي ثم الانجليزي وإندونسيا سيطر عليها الاستعمار الهولندي وليبيا استولى عليها الاستعمار الإيطالي ووقعت الجزائر تحت الاستعمار الفرنسي، وسقط معظم الدول الإسلامية تحت احتلال هذه الدولة الاستعمارية أو تلك.

ولعل أبشع وأشنع ما لحق بالمسلمين في تلك الفترة إلغاء الخلافة الإسلامية عام 1922م على يد كمال أتاتوك لأن الخلافة العثمانية كانت علامة بارزة لاتحاد العالم الإسلامي ورمز لقوة المسلمين فقام الاستعمار بوضع المخططات والمؤامرات للقضاء عليها، والجدير بالذكر أن اليهود كان لم دور كبير في هذه المخططات الهدامة، وذلك لأن الخليفة العثماني السلطان عبد الحميد -رحمه الله- لم يوافق على بيع أرض فلسطين لليهود وزاد "مصطفى كمال" بأن أنشأ دولة علمانية قومية مكان الخلافة، وأحل القوانين الوضعية الإفرنجية محل الشريعة الإسلامية وغير الحروف العربية إلى اللاتينية بهدف قطع علاقة تركيا مع بقية العالم الإسلامي.

ولم تكتف الدول الاستعمارية الغربية بالسيطرة على الدول الإسلامية فحسب بل قامت بالعديد من الأساليب لقطع العلاقة بين هذه الدول حكومات وشعوبًا مع الإسلام والحضارة الإسلامية كما قامت بنشر الحضارة الغربية فيها بكل الوسائل، ومن أهمها:

أولاً: فرض المنهج التعليمي الغربي مكان المنهج التعليمي الإسلامي بهدف تعميم الثقافة الغربية والحضارة الغربية في المجتمعات الإسلامية لإيجاد جيل مسلم في الدم والسلالة إفرنجيا في السيرة والسلوك.

ثانيًا: استبدال القوانين الوضعية الإفرنجية بالقوانين الشرعية بما أدى إلى تحليل كثير مما يحرمه الإسلام وتحريم كثير من يحله الإسلام.

ومن جانب آخر قامت القوى الاستعمارية بإنشاء العديد من الحركات الهدامة لتشويه الصورة الحقيقية للإسلام ولشخص الرسول- صلى الله عليه وسلم- مثل الحركة التنصيرية وحركة الاستشراق، وحركة التغريب، كما غزت العديد من الدعوات والنعرات الجاهلية لتمزيق وحدة الأمة الإسلامية مثل القومية والوطنية أو القومية اللسانية وما إلى ذلك، وهكذا نشأ العديد من الدعوات والحركات باسم حقوق المرأة أو من أجل تحرير المرأة.

وما هو أقبح من ذلك إلا أن الاستعمار قام بصناعة العديد من القيادات في المجتمعات والبلدان الإسلامية لتعمل على مصالحه الاستعمارية، وتحمل راية هذه الدعوات والحركات الجاهلية
جملة القول إن هذه الغارة الشاملة أثرت في كل دائرة من الدوائر الحياة الفردية في والاجتماعية في كل البلدان الإسلامية ويقول الإمام البنا عن مدى تأثير هذه الغارة الحضارية الشاملة: "نجح هذا الغزو الاجتمتاعي المنظم العنيف أعظم النجاح فهو محبب إلى النفوس لاصق بالقلوب طويل العمر قوي الأثر؛ ولذلك هو أخطر من الغزو السياسي والعسكري بأضعاف الأضعاف" (رسالةبين الأمس واليوم).

عصر التحديات:

يتبين من سبق أن عصر الإمام "المودودي" كان عصر التحديات والتيارات المعادية للإسلام وعصرًا نحي فيه الإسلام عن قيادة البشرية لتحل محله الجاهلية الحديثة، وعصرًا وقع فيه المسلمون في العبودية الفكرية للحضارة الغربية الجاهلية، وفقدوا إيمانهم في صلاحية الإسلام لقيادة البشرية وحل مشكلات الحياة عصر سيطرت فيه الدول الاستعمارية على كثير من الدول الإسلامية عصر ألغيت فيه الخلافة، وتشتت فيه المعالم الإسلامية إلى دويلات.

في ذلك العصر عاش "المودودي"، وقام بالدعوة واستمر في مواصلاتها ومواجهة التحديات والتيارات المعادية قرابة نصف قرن، ولكن قبل القيام بعمل الدعوة في ذلك العصر رأى ضرورة أن يعد لهذه المهمة الكبرى فيقول: "من عام 1929م إلى عام 1939م أفرغت العديد من خزانات الكتب والمراجع في ذهني؛ استعدادًا للمهمة الجديدة مهمة الدعوة إلى الإسلام في عصر مُلِئ بالأفكار والتيارات يفرض على الداعية أن يتزود بزاد كمي علمي سامٍ وأن يحظى بعصا من البرهان يتوكأ عليها ويهش بها على غنمه، ويحقق بها المآرب الآخرى،
ويقول "المودودي" عن منطلق دعوته: "حينما بدأت دراسة القرآن الكريم والأحاديث الشريفة والسيرة النبوية لإمعان النظر والدقة، اتضح لي أن القرآن الكريم هو كتاب بدأت الحركة الإسلامية بنزوله، فكيف لنا إذن أن نكتفي بدراسته دون أن نقوم بإنشاء الحركة الإسلامية، فلابد من أن نبدأ بالحركة التي قد بدأت بنزول هذا القرآن، وإنني ظللت أفكر في هذا الموضوع حتى وفقني الله أن أقوم بتأسيس الجماعة الإسلامية في أغسطس1941م.

ويقول في مكان آخر: لما قرأت القرآن بعيني المفتوحة شعرت بأن كل شيء قرأته حتى الآن كان تافهًا غير ذي بال، وقد وجدت الآن أصل الأصول في باب العلم وأصبح يترآى لي كلٌّ مِن "كانت وهيجل ونيتشه وماركس وسائر المفكرين الذين يسير بذكرهم الركبان في العصر الحديث أقزامًا يستحقون العطف"؛ لأن المسائل والتعقيدات التي أفنوا حياتهم في حلها وألفوا فيها كتبًا طائلة لم يحالفهم فيها التوفيق، مع أن القرآن الكريم أوجد لها حلاً في آية أو آيتين، فليس لي من كتاب أعتبره مُنقذًا لي في الحياة إلا القرآن- والقرآن فقط- الذي غير مجرى حياتي وحولني من حيوان إلى إنسان، وأخرجني من الظلمات الى النور، جعل في يدي مصباحًا إلى أي شيء أنظر في ضوئه فتنكشف لي حقيقة أمره واضحةً جليةً لا خَفاء فيها، ويوصف ذلك المصباح باللغة الإنجليزيةmaster key-- بالمفتاح الرئيس الذي ينفتح به كل قفل، لا أستعلمه في قفل من أقفال المعضلات البشرية إلا وينفتح بسرعة.

هكذا جعل "المودودي" القرآن الكريم مركزًا ومحورًا لدعوته، وبهذا الكتاب العظيم واكب التحديات المعاصرة وحل المعضلات والتعقيدات وسعى للقضاء على العبودية الفكرية للحضارة الغربية وإعادة ثقة الجيل الناشئ المثقف في صلاحية الإسلام لقيادة البشرية.

واستمر "المودودي" يواصل دعوته أميرًا للجماعة الإسلامية، وزعيمًا لها يواجه التحديات التي جاءت بها الحضارة الغربية، ويرد على أباطيل المستشرقين والمبشرين والمتفرنجين ويبين أن الإسلام دين ودولة يشمل كل المجالات للحياة الفردية، والاجتماعية وكل ذلك بالبراهين العلمية والأدلة العقلية القاطعة، وفي صدده ألف "المودودي" أكثر من مائة كتاب حول مبادئ الإسلام الأساسية والتحديات المعادية والقضايا المعاصرة كما ألف تفسيره الشهير (تفهيم القرآن) ونذكر هنا أسماء بعض هذه الكتب القيمة لتتبين شمولية كتبه لكل جوانب الحياة الفردية والاجتماعية وجميع التحديات والقضايا المعاصرة، وأهم هذه الكتب: "مفاهيم إسلامية حول الدين والدولة"- "نظام الحياة في الإسلام ومبادئه الأساسية"- "معضلات الإنسان الاقتصادية وحلها في الإسلام"- "أسس الاقتصاد بين الإسلام والنظم المعاصرة"- "نحن والحضارة الغربية الرأسمالية والشيوعية"- "الحجاب"- "الإسلام في مواجهة التحديات المعاصرة"- "الإسلام والمدنية الحديثة"، وقد ترجم بعض هذه الكتب لأكثر من 35 لغة عالمية ليستفيد منها العاملون في مجال الدعوة، ولا شك أن هذه الكتب قد غيرت مجرى حياة ملايين من المثقفين الجدد في البلاد الإسلامية المختلفة، وبفضل الله ثم هذه الكتب تشرف كثير من غير المسلمين بنعمة الإسلام

تأثير عميق:

إن تأثير فكر "المودودي" ودعوته ليست محدودة في مجال خاص ولا بلد خاص بل تشمل كل مجالات الحياة الفردية والاجتماعية، كما تشمل جميع اللبدان الإسلامية وله دور كبير في إحياء التصور الصحيح للإسلام لقيادة البشرية، كما تعتبر مؤلفاته دعمًا روحيًا كبيرًا للحركات الإسلامية في أنحاء المعمورة... يقول الأستاذ الداعية والمفكر الإسلامي "محمد قطب": "كتابات الأستاذ الكبير أبي الأعلى المودودي تعتبر من منارات الفكر الإسلامي المعاصر أدت دورًا كبيرًا في تقديم حقائق الإسلام للمسلم المعاصر بطريقة مبسطة مبلورة يسهل فهمها واستيعابها".

ويقول العلامة الشيخ "أبو الحسن الندوي" رحمه الله: "إنني لا أعرف رجلاً أثر في الجيل الإسلامي الجديد مثل تأثير الراحل العظيم لا في العمق ولا في السعة، وقد كان السيد "جمال الدين الأفغاني" من أقوى الشخصيات الإسلامية التي نبغت في القرن الماضي وأكبرها نفوذًا في عقول الشباب المثقف وسيطرةً بل سحرًا عليها وتأثيرًا في الأفكار والاتجاهات والأساليب الأدبية والكتابية والخطابية، حتى كان صانع جيل ومفتتح عهد..، ولكن الحق يقال إن سيطرته العقلية والنفسية كانت محدودة في السخط على الأوضاع السياسية القائمة والاستعمار الأجنبي وفي إثارة الأنفة والنخوة في الشعوب الإسلامية والعمل للجامعة الإسلامية ولم ترافقها فكرة منسقة ولا دعوة إيجابية تقوم على الدراسات الإسلامية العميقة بخلاف الأستاذ أبي الأعلى المودودي، الذي قامت دعوته على الأسس العلمية أعمق وأمتن من أسس تقوم عليها دعوات سياسية وردود فعل الاستعمار الأجنبي، ومما يجب أن يسجل في مآثره الخالدة أنه كان لكتاباته فضل كبير في إعادة الثقة إلى نفوس الشباب المثقف الذكي لصلاحية الإسلام لمسايرة العصر الحديث، بل لقيادته والتغلب على مشكلاته الطارئة ومعالجتها، بل للمنع عن وقوعها ومحاربة مركب النقص في نفوس هؤلاء الشباب.


-------
منقول....

آخر تحرير بواسطة داهية الشرق : 10/03/2004 الساعة 01:00 AM
  مادة إعلانية
 

أدوات الموضوع البحث في الموضوع
البحث في الموضوع:

بحث متقدم
تقييم هذا الموضوع
تقييم هذا الموضوع:

قواعد المشاركة
ليس بإمكانك إضافة مواضيع جديدة
ليس بإمكانك إضافة ردود
ليس بإمكانك رفع مرفقات
ليس بإمكانك تحرير مشاركاتك

رموز لغة HTML لا تعمل

الانتقال إلى


جميع الأوقات بتوقيت مسقط. الساعة الآن 05:35 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions Inc.
سبلة العرب :: السنة 25، اليوم 126
لا تتحمل إدارة سبلة العرب أي مسئولية حول المواضيع المنشورة لأنها تعبر عن رأي كاتبها.