سبلة العرب
سبلة عُمان الصحيفة الإلكترونية الأسئلة الشائعة التقويم البحث مواضيع اليوم جعل المنتديات كمقروءة

العودة   سبلة العرب > السبلة الدينية

ملاحظات

 
 
أدوات الموضوع البحث في الموضوع تقييم الموضوع
  #1  
قديم 11/11/2006, 11:55 AM
سليمان بن موسى سليمان بن موسى غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ الانضمام: 14/10/2002
الإقامة: غرداية-الجزائر
المشاركات: 651
الشيخ سعيدالقنوبي،فتاوى:الحج ومناسكه، برنامج"سؤال أهل الذكر"حلقة13شوال1427هـ(5/11/06)

بسم الله الرحمن الرحيم

فهرس لحلقات من برنامج " سؤال أهل الذكر " التي كان المفتي فيها الشيخ سعيد بن مبروك القنوبي

برنامج " سؤال أهل الذكر " من تلفزيون سلطنة عُمان

حلقة 13 شوال 1427هـ، يوافقه 5/11/2006م

المفتي: الشيخ سعيد بن مبروك القنوبي

الموضوع: الحج ومناسكه

تستطيع تحميل الملف الصوتي لهذه الحلقة من هــــــــــنا

س1: مَن تُوُفِّيَ قَبل أن يُتِم مَناسِك الحج، كيف يتصرَّف أولياؤُه ؟ وهل يُلزَمون بإتْمَام هذا الحج عنه بالتأجير أو نَحو ذلك ؟ وهل في كل الـمَواقِف التي يُتوفَّى فيها يُمكن أن يُقال بِهَذا الأمر أو لا ؟
ج: إنَّه مِمَّا لا يَخفَى على أحدٍ أنَّ الله-تبارك وتعالى-قد افتَرضَ الحج على المستطيع مِن عباده، وقد ورَدَت فرضيتُه في كتاب الله(1)-تبارك وتعالى-وسُنَّة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، فهو واجبٌ باتّفاق الأمّة الإسلامية على كل مَن استطاع إليه سبيلا، ومِن فَضل الله-تبارك وتعالى-أنَّه لَم يُوجبه إلا على المستطيع-كما قلتُ-وأنَّه لَم يوجِبه-سبحانه-إلا مرة واحدة في العُمُر، فلا يَجب على الإنسان أن يَحج إلا مرة واحدة في عمُره إلا إذا أَوجَبه على نفسه بِنذرٍ أو نَحوه.

وأمَّا ما رُوِيَ عن بعضهم مِن أنَّه يَجِب على كل أحدٍ استطاع سبيلا إلى الوصول إلى الحج كل خَمس سنوات فهو قَولٌ باطلٌ إن صحَّت نِسبته إلى قائله، وإن كنتُ أشك في ذلك، وأنَّ كلامه ذلك يُمكن أن يُحمَل على غير ذلك وإن نَسَبَه مَن نَسَبه إليه مِن بعض أهل العلم.

فإذن الحج واجِب مُتحتِّم على مَن تَوَافَرَت فيه شُرُوط الوجوب.

وذَهبت طائفة كبيرة مِن أهل العلم إلى أنَّه يَجب على الفَوْر، فَمَن توافَرَت فيه الشُّرُوط فإنه يَجب عليه أن يذهب فورًا إلى الحج، وليس له أن يُؤجِّل مِن سَنَة إلى سَنَة، كما يفعله كثيرٌ مِن الناس، فلابد مِن أن يُؤدِّيَ هذه الفريضة على الفور، وهذا القول هو القول الظاهر، وذلك لأنَّ الحج فريضة مُتحتِّمَة على المسلم كما بيَّنتُ، وقولِي: " على المسلم " بِمعنَى أنَّها لا تصح إلا منه وإلا فإنَّها واجبة على الكافر، بِمَعنَى أنَّه يُؤاخَذ عليها يوم القيامة كما يؤاخَذ على سائر الفروع وإن كانت لا تصح منه.

فمَن وَجَد الاستطاعة لابُد أن يذهب فورًا، وليس له أن يؤخِّر، كما يفعله كثير مِن الناس .. يؤخِّرون مِن سَنَة إلى سَنَة، وكثير منهم لا يُؤدُّون الحج بعد ذلك وإنَّمَا يُوصُون به، وقد يَتهاوَن ذلك-أيضا-الذي عليه أن يُنفِّذ الوصية فيؤخِّر مِن سَنَة إلى سَنَة بِدعْوَى أنَّ ذلك لا يَجب على الفور، وليس الأمر كذلك، فإذا كان الحج واجبًا وكان الإنسان لا يدري متى يأتيه الموت فما مِن لَحظة مِن لحظات حياته إلا ويُمكن أن يُفاجِئه فيها الموت فكيف يُمكن أن يُرخَّص له في التأخير فيُقَال له: " الحج واجب مُتَحتِّم عليك ولا يَجوز لك أن تتركه بِحال ولكنه يُمكن أن تُؤخِّر مِن سَنَة إلى سَنَة ومع ذلك أنتَ لا تعرف متى يأتيك الموت فمَا مِن لَحظة-كما قلتُ-إلا ويُمكن أن يَمُوت الإنسان " ؟! فهذا مِن التناقض بِمكان، كما هو واضحٌ لا يَخفَى.

فمَن وجد الاستطاعة-إذن-لابد مِن أن يُبَادِر إلى الحج:

مَن وَجد استطاعةً عليه *** بالفور أن يعجِّلَن إليه(2)

هذا هو المذهب الظاهر الذي تقتَضِيهِ الأدلة.

وأمَّا ما استدَلَّ به مَن قال بِخلاف ذلك مِن أدلة أخرى فلا دلالة فيها على المطلوب.

وقضية الوصِيَّة-في الواقع-ليس للإنسان أن يتَّكِل عليها، فذلك لِمَن لَم يستطع أن يَصِل إلى ذلك بِأنْ كان يَملك المال ولكنَّه فقير(3) أو ما شابه ذلك، فهذا هو الذي يُمكن أن يُنِيب غيره، أمَّا أن يُقال بأنَّه يُوصِي ويتَّكِل على هذه الوصية فهذا مِمَّا لا ينبغي أن يُصار إليه .. نعم مَن لَم يَحج وأوصى فلابد مِن إِنْفاذ وصيته.

الذي خرج مِن بَلده إلى الحج ولَم يُؤخِّر فريضة الحج فَمات فَلا شيء عليه فوق ذلك، لأنه لَم يُؤخِّر فريضة الحج بعد أن وَجَبت عليه الفريضة خَرج مِن بيته سواءً أحرَم أو لَم يُحرم وسواءً أدَّى شيئًا مِن المناسك بعد الإحرام أم لَم يُؤَدِّ منها شيئًا، فهو لَم يُؤخِّر الفريضة ولا شيءَ عليه بِمشيئة الله تبارك وتعالى.

وأمَّا إذا كان قد تَهَاوَن فهذا الذي يُقَال بأنَّه تُكمَل عنه تلك الفَريضة:

فإذا وقف بعرفة-مثلا-ذهبت طائفة كبيرة مِن أهل العلم إلى أنَّه يطُوف عنه بعض أقاربه ويسعى عنه ويأتي بِبَقِيَّة المناسك التي لَم يأتِ بِها، فهو قد أدَّى الرُّكن الأعظم الذي هو الوقوف بعرفة وبعد ذلك تُؤدَّى عنه تلك الأركان الـمُتبَقِّية وتلك-أيضا-الواجبات والسُّنن التي لَم يأت بِهَا.

أمَّا إذا كان لَم يقِفْ بِعَرفة فهو لَم يأتِ بِرُكن الحج الأعظم الذي هو الوقوف بِعَرفة:

فبناءً على مذهب القائلين بأنَّ مَن لَم يأتِ بالحج ولو لَم يوص به يُحَجُّ عنه مِن ماله فإذن هذا الشخص يُحَج عنه مرة أخرى.

أمَّا على رأي مَن لا يقول بذلك فهو لَم يُوصِ، أمَّا إذا كان قد أَوصَى فإنَّ الحجَّة لابد مِن أن تُنفَّذ عنه.
وبعض العلماء يقول بأنَّه إذا وقف بعرفة فلا تُكمَلُ عنه تلك الحجة بل يُعتبَر قد أدَّى ما عليه ولا شَيء عليه، وذلك لِما ثَبت مِن أنَّ رَجُلا وقف بعرفة ثُم بعد ذلك مات في حَجَّةِ النبي-صلى الله عليه وسلم-ولَم يَثبُت أنَّ النبي-صلى الله عليه وسلم-أمر أحدًا بأن يُكْمِل عنه بقيَّة مناسك الحج.

وأنا قلتُ بأنَّ هذا الشخص إذا كان لَم يتهاون فالأمر فيه واضِح فلا يَحتاج أن يُكمِل عنه أحد، لأنَّه لَم يُفرِّط في شيءٍ مِن مناسك الحج .. وجَبَت عليه الـحَجَّة وخَرَج فَورًا وأدَّى ما استطاع على تأدِيته ولا يكلَّف بعد ذلك فوق ذلك، أمَّا إذا كان قد تَهَاون فلا ينبغي أن تُترَك بَقِية الـمَنَاسك التي لَم يأت بِها بعد وقوفه بعرفة، فهذا حَسَن أمَّا الجزم في ذلك بِشَيْء فهو متوقِّف على معرفة الدليل الواضح ولكن مِن الـمَعروف بأنَّ هذا الشخص لَم يأتِ بالحج ومن الـمَعروف بأنَّ الطواف رُكن مِن أركان الحج وبِما أنَّه لَم يأتِ بِه وقد تأخَّر فلا ينبغي التهاوُن بِتَرك هذا الرُّكن، وهكذا بالنسبة إلى السَّعْي سواءً قُلنا: " إنَّه رُكن " كما هو مذهب طائفة كبيرة مِن أهل العلم أو " هو وَاجب " أو " سُنَّة " كما ذهب إلى كُلٍّ مِن هذيْن القولَيْن طائفة مِن أهل العلم؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم، و-طبعًا-الرمي تَابِع، وهكذا بالنِّسبة إلى بَقِيَّة المناسك.
ــــ
(1)قال الله تعالى: (( ... وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ )) [ سورة آل عمران، من الآية: 97 ].

(2)الإمام نور الدين السالمي، جوهر النظام في علمي الأديان والأحكام، كتاب الحج، باب النيابة في الحج.

(3)قال الشيخ: " فقير " والظاهر أنه سبق لسان، ولعل الشيخ قصد أن يقول: " مريض ".

آخر تحرير بواسطة سليمان بن موسى : 11/11/2006 الساعة 05:30 PM
  مادة إعلانية
  #2  
قديم 11/11/2006, 12:00 PM
سليمان بن موسى سليمان بن موسى غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ الانضمام: 14/10/2002
الإقامة: غرداية-الجزائر
المشاركات: 651
س2: بالنسبة للصبِي الـمُمَيِّز إن أُخِذَ إلى العمرة أو الحج .. وكلامنا عن الحج، مَن يتحَمَّل تَبِعَات الأخطاء إذا وقع فيها هذا الطِّفل ؟
ج: على كل حال؛ ثَبَت في السنّة تأدية الصبيان للحج، فقد أدَّى ابن عباس-رضي الله تبارك وتعالى عنهما-وطائفة مِن الصحابة الحج وهم لَم يبلُغُوا .. أَدَّوْا ذلك على مسمعٍ ومرأى مِن النبِي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، بل أمَرَ طائفةً منهم بالتقدُّم مِن المزدَلفة إلى مِنى، ففي هذا وفي غيره دلالة واضِحة جَليَّة على مشروعية الحج وإن كان ذَلِك لا يدُل على أنَّ تلك الـحَجَّة تُجْزِي عن فريضة الإسلام بل الأدلة قَد نادت بأعلَى صوت مِن أنَّه لابد مِن الإتيان بالحج بعد البلوغ لِمَن استطاع إلى ذلك سبيلا.

أمَّا مَن وقع في شيءٍ مِن مَحظُورات الحج أو ما شابه ذلك مِن الصِّبيان فهل عليه الجزاء وهكذا بالنسبة إلى الفِدْيَة وإلى غير ذلك مِن الأُمُور التي تَجب على الكِبَار أن لو وَقَعوا فيها ؟ فللعلماء في ذلك خِلاف:

1-بعض العلماء يقول: إنَّ الصِّبيان لا يَجب عليهم شيء.

2-ومنهم مَن قال بوجوب ذلك، واختلَفوا على مَن يَجب.

والذي يظهَرُ لي هو القَوْل الأوَّل، وهو أنّ الصبِي ليس عليه شيء، فإذا وقع في شيءٍ مِن الـمَحظُورَات فلا يَجب عليه شيء ولا يَجب على وَلِيِّه الذي أحرَم له أو أمره بالإحرام إذا كان يعْقِل ذلك .. لا يَجب عليهم شيء .. هذا الذي يظهر لي، وذلك لأنَّ الصبِي مرفُوعٌ عنه قلم التكليف وإنَّما له الأَجْر مِن عند الله-تبارك وتعالى-إذا أَتَى بشيءٍ مِن الـمَندُوبَات كما تدُل عليه الأَدِلة، أمَّا ما عَدا ذلك مِن الـمُؤاخَذَة بِشيءٍ مِن الـمَحظُورَات أو ما شابه ذلك فذلك مِمَّا لا يُؤَاخَذ به .. هذا الذي أَراه بل إنَّه لو أحلَّ مِن إحرامه ولو لَم يأتِ بالعُمْرَة أو الحج فلا شَيء عليه على حسب ما أرى، كَما هو مذهب طائفة مِن أهل العلم، ومَن قال بِخِلاف ذلك فهو مُطالَبٌ بالدليل الخاص، أمَّا الأدلة العامة فهي مُخصَّصَة بِما ذَكرتُه مِن الأدِلَّة الدالة على رَفْع قَلمِ التكليف عن الصبِي؛ والعلم لله تبارك وتعالى.
  #3  
قديم 11/11/2006, 12:27 PM
سليمان بن موسى سليمان بن موسى غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ الانضمام: 14/10/2002
الإقامة: غرداية-الجزائر
المشاركات: 651
س3: موضوعي لا يتعلق بالحج ولكنه في غاية الأهمية وأرجو التكرم بالإجابة عليه: لدي سلدَيْنَا قريبٌ يَرقُد في المستشفى وقد تَرَاكَمَت عليه الأمراض مِن كل حَدب وصَوْب وهو الآن في غَيبُوبة تامة منذ زمن وبَقاؤُه على قيد الحياة مُعلَّق برحْمة الله-تبارك وتعالى-ومِن ثَمَّ بأجهزة الإنعاش بِمُختلف أنواعها مِن تنفُّس اصطناعي وأجهزة النَّبض والـمَحَاليل الوَرِيدِيَّة وقد تَم تصنيفه ضِمن الحالات الـمَيْؤُوس منها أو التي لا يُرتَجَى شفاؤُها وبين الحين والآخَر يطلُب منَّا الأطباء الـمُوافقة على نَزع الأَجهزة وتركه تَحت رحْمة الله علمًا بأنَّ نَزع أيٍّ مِن هذه الأجهزة سيؤدِّي حتمًا إلى وفاته بِحجَّة أنّ بقاءه على هذا الحال أشدُّ عذابًا له ومِن ناحية مادية فهو مُكلف ويشغَل سريرًا قد يَحتاجه مَن هو أشَد منه ويرتَجَى شفاؤه، فهل يَحقُّ لنَا أن نُوافق على مطلبهم في نزع الأجهزة ؟ وإذا كان لا يَحق، فما حكم مَن يتعمَّد ذلك مِن الطَّاقم الطبِّي ؟ أفيدونا ولكم الأجر.(1)
ج: هذه الـمَسألة-في الحقيقة-تَحتاج إلى شيءٍ مِن الدراسة.

وقد ذهب بعض العلماء إلى أنَّه إذا قرَّر طائفة مِن الأطباء الذين يُوثَق بِهِم ويُؤْتَمَنُون في مثل هذه القضِيَّة بأنَّ هذا الشخص لا يُمكن شِفاؤُه أبدًا وبأنَّه بِمُجرَّد نزع هذه الأجهزة سَيَمُوت .. لا فائدة أَبدًا وإنَّما يعيش بِسبَب هذه الأجهزة، فهو لَولا وُجُود هذه الأجهزة مَيِّتٌ لا مَحالة .. ذهبت طائفة مِن أهل العلم إلى جواز نزع هذه الأجهزة، وإذا أَخذُوا بِهذا الرأي فلا بأس بذلك إن شاء الله تبارك وتعالى، وإلا الـمسألة-كما قلتُ-بِحَاجة إلى دِرَاسَة .. إنَّمَا ذكرتُ قولا مِن أقوال أهل العلم.
ـــــــــــــــــــــــــ ــــــ
(1)هذا نص السؤال كما ورد في المكالمة.
  #4  
قديم 11/11/2006, 03:31 PM
سليمان بن موسى سليمان بن موسى غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ الانضمام: 14/10/2002
الإقامة: غرداية-الجزائر
المشاركات: 651
س4: خَرجُوا مِن الـمُخيَّم في مِنى للرمي ليوم الثاني عشر قبل الغُرُوب ولكن نظرًا للأمطار تأخَّرُوا إلى ما بعد الغُرُوب ؟(1)
ج: هذه المسألة اختلَف فيها أهل العلم:

ذهب الأكثرون إلى أنَّه لابد مِن أن يَخرُج الشخص مِن حُدُود مِنَى قبل غروب الشمس مِن اليوم الثاني عشر فإن لَم يَخرُج فلابد مِن أن يَرجع إلى مَكانِه ويَبِيت في ذَلك الـمَوطن ثُم يرمي في اليوم الثالث عشر.
وذهبت طائفة مِن أهل العلم إلى أنَّه إذا شَرَع في الخروج مِن المكان الذي كان يَسكُنُ فيه فإنَّ له أن يُوَاصل السَّيْر ولو لَم يتجاوز حُدُود مِنَى إلا بعد غروب الشمس، وأنا أرى أنَّ هذا القول هو الأرْجَح، وهو أَيْسَر لِلأُمّة.

وأنا لَدَيَّ قاعدة أسيرُ عليها-والحمد لله-وهي أنَّه إذا لَم يكن هنالك دليل يدُلُّ على وُجُوب أمر أو تَحريم أَمر فإنَّ الأَصل أنَّ الإنسان لا يُلْزَم بِذلك .. بأنْ يَفْعَل ذلك الشَّيء في حالة الوُجُوب أو أن يَمْتَنِع عن ذلك الأمر في حالة تَحريـم ذلك الأمر، فليس لدينا ذلك الدليل الذي يدُلُّ على وُجُوب الـمَبِيت في مِنَى على مَن شَرَعَ في السير بل الدليل يقتَضِي أنَّ مَن شَرَع في السَّيْر فإنَّ له أن يُواصل .. هذا الذي أراه، وهذا أيْسَر وأَسْلَم(2)، أمَّا مَن أراد أن يَخرُج مِن الخلاف ويَحتَاط لأمرِ دِينِه فذلك بابٌ واسع ولكن ليس كُلُّ الناس يستَطِيعون على ذلك، وأيضا لا يستطيع عليه كل أحد في أيِّ وقت مِن الأوقات، فَمِثل هذه الأوقات التي فيها هذه الـمَشقَّة وهذا العُسر فالدِّين أيْسَر مِن ذلك .. نعم عندما يُوجَد الدليل الواضح الجلي الذي يدُل على وُجوب أمرٍ أو مشروعِيته أو ما شابه ذلك فليس للإنسان أن يتجاوز الدليل بِدَعْوَى أنَّ الأمر الفلاني أيْسَر وأنّ الشريعة تقتضي التيسير أو ما شابه ذلك، فهنالك أمورٌ لابد مِن الالتزام بِهَا.

فمثلا كثيرٌ مِن الناس يطلُبُون التَّرخِيص في الخروج مِن عرفة قبل غُرُوب الشمس ونَحن قلنا: إنَّه ليس لأحدٍ أن يَخرُجَ مِن عرفة إلا بعد أن تغرُب الشمس ويتحقَّق دُخُول الليل، وذلك لأنَّ الدليل قد نادى بأعلى صوت وصَرَخ بأعلى حُجَّة بأنَّ السنّة تقتضي أن يبقى الناس في ذلك المكان، فَلِمَاذا يترك الإنسان هدي النبِي-صلى الله عليه وسلم-ويتَّبِع هدي أهل الشرك والأوثان الذين كانوا يَخرُجُون قبل غُروب الشمس ؟!

فإذن أَمْرُنا مُتَّبِعٌ لِلدليل .. عندما نَجِد الدليل لا ننظُرُ إلى قضية تيسيرٍ أو ما شابه ذلك وهذا لا يتنافى مع يُسْر الشريعة وسَمَاحَتِهَا والحمد لله؛ والعلم عند الله.
ـــــــــــــــــــــــــ
(1)هذا نص الحوار كما دار في المكالمة بين الشيخ والسائل:
" السائل: ذَهبنا في سَنَة مِن السنوات إلى الحج وقَصَدْنَا التعجِيل .. ليوم الثاني عَشَر وذهبنا إلى الرَّمي وبعد ذلك تأخَّرنا عن الخروج مِن مِنى بِسبب الأمطار وبسبب بُعْدِ الحافلة وذلك قبل السنة الماضية .. كانت هناك أمطار قوية جدًّا تسببت في تأخُّرنا عن الخروج في الوقت الـمُحدَّد وخَرجنا تقريبا بعد غروب الشمس ؟
الشيخ: لكن خرجوا قبل الغروب مِن البيت الذي يسكنون فيه في منَى ؟
السائل: نعم خرجنا قبل الغُرُوب ولكن لَم نَخرج مِن حدود منَى.
الشيخ: وعندما خرجتم كنتم تقْصِدُون الخروج ؟
السائل: نعم نقصد الخروج. ".

(2)قال الشيخ: " وأَسْلَم " والظاهر أنه سبق لسان.

آخر تحرير بواسطة سليمان بن موسى : 11/11/2006 الساعة 04:02 PM
  #5  
قديم 11/11/2006, 03:59 PM
سليمان بن موسى سليمان بن موسى غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ الانضمام: 14/10/2002
الإقامة: غرداية-الجزائر
المشاركات: 651
س5: هل يجوز الحج عن شخص لم يُشهَد له بالصلاح وهو لم يوص بذلك في حياته ؟ وهل يجوز الحج عن شخص لم يوص وهو كان مُقتدِرا في حياته ؟(1)

ج: على كل حال؛ أنا قُلتُ: إنَّ الإنسان عليه أن يذهب إلى الحج بعد تَحقُّقِ شُرُوطه فورًا وليس له أن يتأخَّر مِن وقتٍ إلى آخَر، كما يَصنَعُه كثير مِن الناس مِمَّن شاهدنَاهُم وسَمِعنَا عنهم:

وأغلب الناس يُؤخِّرونا *** وأنَّه كالدَّين يزعُمُونا
وهم لَعَمْرُ الله مَغرُورُونا *** بِزُخْرُف القول يُخادِعونا(2)

فليس للإنسان أن يتأخَّر بل عليه أن يبادِر، وعلى تقدير أنَّه تأخَّر لِمُدَّة مُعيَّنَة فعليه أن يتوب إلى الله وأن يُبادِر إلى الحج.

أمَّا مَن مات ولَم يَحج وأوصَى بِذَلك فلابد مِن تَنفيذ وصيته لكن إذا كان ذلك الشخص غير مُتولَّى .. أيْ ليس مِن أهل الصلاح بِأَن كان فاسقًا أو كانت حالَتُه لا تُدْرَى هل هو مِن أهل الصلاح أو مِن غيرهم:
فإنَّ بعضَ أهل العلم يقولُون: لا ينبغي لأحدٍ أن يَحُج عنه.

وذهب بعضُهُم إلى أنَّه لا بأس بِشَرط ألاّ يَدْعُوَ له ذلك الشخص بِخَيْرٍ اللهم إلا أنْ يَدْعُو بدعاءٍ عَام(3) .. يَدْعُو للمسلمين فإن كان ذلك الـمَجهُول صالِحًا في واقع الأمر فإنه سيكون داخلا في ذلك الدُّعَاء العام بإذن الله-تبارك وتعالى-وإن كان طَالِحًا فيمكن أن يكون قد تاب وأناب إلى الله قبل أن يَخرُج مِن هذه الحياة الفانية فأيضا سَيَكون داخلا في ذلك الدُّعَاء العام بِمشيئة الله-تبارك وتعالى-ولكن-خاصَّةً في الـمَجهُول-قد يكون معروفًا بالصَّلاح عند بعض الناس وإن لَم يكن كذلك عند غَيْرِهم(4) فلماذَا يقُوم هذا الشخص الذي لا يَعرفُ ذلك الشخص .. لا يعرف حَالَه هل هو مِن الصالِحِين أو مِن غيرهم ويَحُج عنه مع إمكان أن يقوم بعضُ الناس الذين يعرِفُون حالَه-إن كان معروفًا عند بعض الناس بالخير والصَّلاح-وسيدعون له بِخَيْرِ الآخرة ؟!

أمَّا إذا كان ذلك الشخص لَم يُوصِ فالعلماء قد اختلَفوا في مثل هذه القضية:

ذهب بعض العلماء إلى أنَّ مَن لَم يُوصِ بالحج وبالزكاة فإنَّه لابد مِن إخراج الزكاة مِن ماله ولابد مِن الحج عنه مِن مَالِه ولو كان لَم يوصِ بِذلك، لأنَّ الحديث جاء فيه: ( فَدَيْنُ الله أحقُّ أن يُقضَى )، ومِن المعلُوم بِأنَّ دُيون العباد تؤدَّى ولو لَم يُوصِ بِها ذلك الميت إذا قامت الـحُجَّة الواضحة على أنَّ ذلك الدَّيْن واجبٌ على ذلك الشخص، فإذا أَقَام الذي له الدَّين الـحُجَّة البيِّنَة الواضِحَة بأنَّ هذا الشخص عليه دَين فلابد مِن أداء ذلك الدَّيْن، وهكذا إذا كان أهل الميت يعرِفُون ذلك .. الحاصل إذا قامت الـحُجَّة عليهم لابد مِن أن تُؤدَّى تلك الدُّيون التي عليه للعباد، والحديث قد دَلّ بأنَّ دُيون الله-تبارك وتعالى-مُقدَّمةٌ على دُيُون العباد .. هذا في الحج، وأمَّا في الزكاة فَفِيها حقٌّ للفقراء والمساكين ومَن ذَكَرَهُم الله-تبارك وتعالى-في سورة التَّوبَة(5)، وأمر الزكاة واضح لا ريب فيه، لأنَّ فيها حقًّا للعِبَاد، فلابد مِن تأدِية ذلك ولو لَم يُوصِ به لكن بِشَرط أن يَثْبُت ثُبُوتا لا شك فيه بأنَّه لَم يُزكِّ.

أمَّا الحج:

فذهب بعضُ العلماء إلى هذا.

وذهب بعض العلماء إلى أنَّه لا يُخرَج عنه.

والمسألة في الواقع لا تَخلُو مِن حاجةٍ إلى شيءٍ مِن النَّظَر، أمَّا التبَرع عنه بأنْ يتَبَرَّع عنه شخص فلا بأس بِذَلك، أمَّا الصالِح الذي لَم تُعرَف عنه معصية وقامت الـحُجَّة بأنَّه مِن الصالِحِين فلا شك بأنَّ الحج عنه مَطلُوب مِن وَرَثته أو مِن أَقَاربه، أمَّا مَن كان مَجهولا فكذلك بالشرط الذي ذكَرتُه، وأمَّا مَن كان طَالِحًا فإذا حجَّ عنه بعضُ أقاربه ولَم يدعُوا له بِخيرٍ أُخْرَوِي بأنْ دَعَوْا لِعموم المسلمين فذلك خيْرٌ، لاحتمال أنَّه قد تاب ورجع إلى الله تبارك وتعالى، أمَّا مسألة الحج مِن مَالِه فعلى الخلاف السابق الذي ذَكرتُه؛ والعلم عند الله.

س: مَن لم يُشهَد له بالصلاح وكذا مَن كان مُقتدِرا في حياته .. لو حُجَّ عنهما وهما لم يوصيا بذلك في حياتهما، هل تَنفعُهما تلك الـحَجَّة ؟(6)
ج: نَكِلُ أَمْرَ ذَلك إلى الله لكن الأحاديث قد دَلَّت بأنَّه يُحَج عنه وهذا-طبعًا-إذا لَم يُفرِّط أو أنَّه مَات على توبةٍ إلى الله تبارك وتعالى، ومعنَى ذلك أنَّه ينتَفِع بذلك .. إذا كان-مثلا-هُنالِك ما يَمْنعُه .. لديه الـمَال-مثلا-ولَم يأمر غيره بأن يَحُجَّ عنه أو ما شابه ذلك، وثُمَّ-أيضًا-المسألة خلافِيَّة بين أهل العلم .. أعنِي الفور وعدم الفَور فيها خلاف بين أهل العلم .. إلى غير ذلك، فالحديث قد دَلَّ على مشروعِيَّة الحج عنه، وذلك ثابتٌ مِن طرق متعدِّدَة.

أمَّا مَن ذهب إلى أنَّه لا يُشرَع لأَحدٍ أن يَحُج عن أحدٍ فهو قول مُخالفٌ للصواب، لِمُخالفته للأحاديث الثابتة عن النبِي صلى الله عليه وسلم، وما دامت الأحاديث ثابِتة فلا ينبغي لأحدٍ أن يُخالِفَ الحديث، ومَن خَالَفه لِعَدَم ثُبُوته عنده أو لِعدم اطِّلاعِه عليه فلا ينبغي لأحدٍ أن يقتدِيَ به وإنَّمَا يُلتَمَس له العُذْر في مُخالَفَتِه تلك، لاحتمال أنَّه لَم يَصِل إليه، أو وَصَل إليه مِن طريقٍ لا تقوم بِها الـحُجَّة، أو أنَّه ظن بأنه خاص بِبَعض الأفراد، أو بِمَا شابه ذلك مِن الاحتمالات الكثيرة.

أمَّا بالنسبة إلى الطَّالِح ففي حقيقة الواقع أنَّ مَن ارتكب كبيرة مِن كبائر الذنوب لا ينتَفِع بشيءٍ مِن أعماله الصالِحة، لأنَّها تكون مُحبَطَة بِتِلك الكبيرة لكن لاحتمال أنَّه قد تاب إلى الله-تبارك وتعالى-وأَناب إليه سبحانه وَرَجَع إليه ولَم نعلم نَحن بتوبَتِه فَإذا حجُّوا عنه فذلك فيه خير بِمشيئة الله لِهذا الاحتمال لكن أن نَجزِم بأنه ينتفع به أو لا ينتفِع به فذلك موقوف على الأمر الذي ذكرتُه وَرَدُّ العلم إلى الله هو الأَسلَم؛ والله أعلم.
ـــ
(1)هذا نص السؤال كما ورد في المكالمة، ويبدو حسب جواب الشيخ عليه أنه أشمل مِن هذا: " هل يَجوز أن يُحج عمَّن لَم يُشهَد له بالصلاح وأيضا هو لَم يُوصِ ؟ ".

(2)الإمام نور الدين السالمي، جوهر النظام في علمي الأديان والأحكام، كتاب الحج، باب النيابة في الحج، وورد في الطبعة التي بأيدينا هكذا:
وأكثر الناس يُؤخِّرونا *** وأنَّه كالدَّين يزعُمُونا
وهم لَعَمْرُ الله مَغرُورُونا *** بِزُخْرُف القول مُخادِعونا


(3)" س: المستأجِر هناك عِندَما يُؤدِّي هذه الحجّة ... هل يَدعُو لَه في كلِّ منسك مِن مناسِك الحج ؟
ج: على أيّ حال؛ يَدعُو لِمَن تَولاه .. إن كان مُتَوَلى فإنَّه يَدعُو لَه. " المفتي: الشيخ أحمد بن حمد الخليلي.
المصدر: برنامج " سؤال أهل الذكر " من تلفزيون سلطنة عُمان، جزء مِن الجواب على السؤال الرابع مِن حلقة 16 ذو القعدة 1423هـ ( 19/1/2003م ).


(4)أي وإن لم يكن معروفًا بالصَّلاح عند البعض الآخَر مِن الناس.

(5)[ الآية: 60 ]، قال الله تعالى: (( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ )).

(6)هذا نص السؤال كما استفيد مِن المكالمة، وهو أوضح مِن هذا: " مَن لَم يُوصِ، هل ينتَفِع بأنْ لَو حُجَّ عنه على كِلا القولين ؟ ".
  #6  
قديم 11/11/2006, 04:08 PM
سليمان بن موسى سليمان بن موسى غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ الانضمام: 14/10/2002
الإقامة: غرداية-الجزائر
المشاركات: 651
س6: يسأل عن الاشتراط عند الإحرام سواءً كان للعمرة أو الحج.(1)
ج: الاشتراط .. أَنَا أجبْتُ عنه في العام الماضي بِجوابٍ طويل عريض(2)، وذكرتُ فيه أدلَّة العلماء في هذه القضية، لأنَّ العلماء قد اختلَفوا فيه اختلافًا كثيرًا، واستدلُّوا على ذلك بأدلة مُختلِفَة، وأجابوا عنها مِن حَيث الأسانيد والـمُتُون .. لا أدري هل بإمكانه أن يرجِعَ إلى ذلك الجواب أو لا، أمَّا الجواب الـمُختَصَر على هذه القضِيَّة:

العلماء اختلَفوا في قضِية الاشتراط:

بعض العلماء يقول بِعدم مشروعِيَّتِه الآن، وأنَّه كان خاصا في قضية مِن القضايا ولا يُمكن أن يُقَاس عليها غيرها.

وذهب بعض العلماء إلى مشروعِيَّته، وقالوا: إنَّ مَن أراد أن يُحرم فَيُسَنُّ في حقِّه أن يَشترِط سواءً كان يَخشَى مِن عدم إتْمَام الحج أو العمرة أو أنَّه كان لا يَخشَى مِن ذلك لاحتمال أن يُصَادِف شيئًا لَم يَحسب له حسابًا مِن قبل.

وذهب بعض العلماء إلى أنَّه إنْ كان يَخشَى مِن أن يَمنَعه مانِع مِن إتْمَام حجِّه أو عُمرَته فإنَّه يُشْرَع له أن يَشترِط، أمَّا مَن كان لا يَخشى شيئًا فإنَّه لا يُشرع له ذلك، وذلك لأنَّ النبِي-صلى الله عليه وسلم-لَم يَشترِط ولَم يأمر صحابتَه-رضوان الله تبارك وتعالى عليهم-باستِثناء تلك المرأة التي أمرها صلى الله عليه وعلى آله وسلم بسبب مَرَضها؛ وهذا القول هو القول الراجح، فمَن كان يَخشَى مِن أن يَمنَعه مانع بأنْ كان مريضًا أو المرأة كانت تَخشى مِن أن يَحُولَ الحيض أو النفاس بينَهَا وبين إتْمام الـمَنَاسِك .. مثلا كانت المرأة ذاهبة مع مَحْرَمها لِتأدِية العمرة فخافت بأنَّ هذا الدم لن يتوقَّف قبل رُجُوعهم إلى بلدهم وليس يُوجد معها مَن يُمكِنُه أن يبقى معها أو ما شابه ذلك فلها أن تَشترِط، فالحاصل أنَّ هذا يُؤخَذ به عند الحاجة .. هذا الذي دَلَّت عليه السنّة، فَهُو القول الوسط الذي أَرى أنه الصواب؛ والعلم عند الله.

ـــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــ

(1)نص السؤال كما ورد في المكالمة: " ما الراجِح عند الشيخ في مسألة الاشتراط في الحج والعمرة ؟ هل يكون في كل مرة يحرم الإنسان بالحج والعمرة يَشترِط ؟ ".

(2)في حلقة 17 رمضان 1426هـ ( 21/10/2005م ) السؤالان الأول والثاني:


س1: ما حُكْمُ الاشتِراطِ في الإحرام ؟
ج: إنّ هذه المسألة قد اختلَف العلماءُ فيها.

ومِن المعلوم أنه إذا وُجِدَ خلافٌ بيْن علماءِ المسلِمِين في مسألةٍ مِن المسائل فإنه يَنبغِي لِلعالِم أن يَرجِعَ إلى كتابِ الله-تبارك وتعالى-وإلى سنّةِ رسولِ الله-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-أو ما يَرجِع إليهما بِوجهٍ مِن وجوهِ الحجّية حتى يَتبَيَّنَ لَه ما هو الراجِح في تلك القضية.

وقد نَصَّ المحقِّقون مِن أهلِ العلم أنه ليس لأحدٍ أن يُخالِفَ ما جاء في كتابِ الله-تبارك وتعالى-وسنّةِ رسولِه-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-ولو قال بِخلافِ ذلك مَن قال مِن العلماءِ الكِبار.

وقد أَحْسَنَ الإمام السالمي-رحمه الله تبارك وتعالى-حيثُ قال:
ولا تُناظِر بِكتـابِ الله *** ولا كلامِ المصطفى الأوّاهِ
معناه لا تَجعَل لَه نظِيرا *** ولو يَكونُ عالِما خبِيـرا

وأَحْسَنَ حيثُ قال في قضيةٍ مِن القضايا:
المصطفى يَعتبِرُ الأوصاف *** ونَحن نَحكِي بعدَه خِلافا
لا نَقبَلُ الخلافَ فيما وَرَدَ *** فيه عن المختارِ نَصٌّ أُسنِد

وقال:
حسبُك أن تَتّبِعَ المختار *** وإن يَقولُوا خالَفَ الآثار

وأَحْسَنَ الإمام سعيد بن خلفان-رحمه الله تبارك وتعالى-حيثُ قال لِسائلٍ اعتَرَضَ عليه حيثُ خالَفَ قولا مشهورا عندَ العلماءِ السابِقِين .. فقالَ لَه الإمام رحمه الله تبارك وتعالى: " ومِن العَجَبِ أن أَنُصَّ لَك عن رسولِ الله-صلى الله عليه وسلم-وأنتَ تُعارِضُنِي بِعلماءِ بيْضَةِ الإسلام بِغيْرِ دليلٍ ولا واضِحِ سبِيل، أَلَيْس هذا في العيَانِ مِن الهذَيَان ".

وأَحْسَنَ الإمام الخليلي-رحمه الله تبارك وتعالى-حيثُ قال: " وقولٌ بِخِلافِ الحدِيث يُضرَبُ بِه عرض الحائط "، وقال-رضوان الله تبارك وتعالى عليه-في قضيةٍ مِن القضايا: " وما مِن عالِم إلا في قولِه المقبولُ والمردود ما خلا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ... " إلى آخِرِ كلامِه رحمه الله تبارك وتعالى.

ولِلعلماءِ في ذلك نُصوصٌ كثِيرَةٌ في هذا المقام، لا حاجَةَ لِلإطالةِ بِها في هذا الوقت.

ونَحن إذا نَظَرْنا إلى قضيةِ الاشتراط فإننا نَجِد العلماءَ قد اختلَفوا في هذه القضية:

منهم مَن قال بِمشروعيةِ ذلك.

ومنهم مَن قال بِعدمِ مشروعيتِه.

وإذا أَتْيْنا إلى معرفةِ الراجِحِ مِن هذيْن القوليْن فلا شك أنّ القولَ بِمشروعيةِ الاشتراطِ في الإحرامِ هو القولُ الصحِيح، وذلك لِما جاء في الحديثِ عن السيدة عائشة-رضي الله تعالى عنها-أنّ الرسولَ-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-قال لِضُبَاعَة بنةِ الزبيْر .. ابنةِ عمِّه صلى الله عليه وسلم: ( حُجِّي واشتَرِطِي )، وذلك بِأن تَقول: " مَحِلِّي حيثُ حَبَسْتَنِي " عندَما تُرِيدُ الإحرام، وهذا الحديثُ حديثٌ صحِيحٌ ثابِتٌ عنه صلى الله عليه وسلم .. رواه الإمام البخاري والإمام مسلم، ورواه-أيضا-النسائي وابن خزيمة وابن حبان وابن الجارود، ورواه أحمد وإسحاق والطبراني في " الكبير " والطحاوي في " المشكِل " والدارقطني والبيهقي والبغوي، وهو حديثٌ صحِيحٌ ثابِت.

ولا عبرةَ بِإِعلالِ الأَصِيلِيِّ لَه، والأَصِيلِيُّ هذا فيما يَظهَر أنه مُتَسَرِّعٌ في إِعلالِ بعضِ الأحاديث بل ليستْ لَه تلك الدرايَة بِمعرفةِ أئمةِ الحديث فضلا عن الرواةِ العادِيِين، ويَكفِي في التدلِيلِ على ذلك أنه حَكَمَ بِجَهالةِ الإمامِ الشهِير الجبلِ الراسِي جابرِ بن زيد-رحمه الله تبارك وتعالى-الذي وَثَّقَه كِبارُ الصحابة فضْلا عن أئمةِ الحديث.

والعَجَبُ مِن القاضي عِياض حيثُ إنه ذَكَرَ أنّ هذا الحديث تَفَرَّدَ بِه مَعْمَر عن الزُّهْرِي كما نَقَلَ ذلك عن الإمامِ النسائي، والنسائي-فيما يَظهَر-لَم يُرِد بِذلك إِعلالَ الحدِيث، وذلك لأنّ هذا الحديث قد جاء مِن غيْرِ طرِيقِ مَعْمَر عن الزُّهْرِي، وبِغَضِّ النظَرِ عن هذه الروايَة-فإنّنِي لستُ أُرِيدُ أن أُطِيلَ المقال بِالكلامِ عليها، وإلا فإنّ لَنا مقالا معرُوفا في ذلك-فإنّ هذا الحديث قد جاء مِن طُرُقٍ أخرى عن الراوي عن السيدةِ عائشة رضي الله-تبارك وتعالى-عنها، وجاء عن غيْرِها مِن صحابةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فلَو سُلِّمَ جدَلا بِإِعلالِ هذه الرواية التي ذَكَرَها القاضِي عِياض-مثلا-فإنّه لا يَضُرّ ذلك ما دام الحديثُ قد ثَبَتَ مِن غيْرِ هذه الطرِيق.

والحديثُ قد جاء-أيضا-مِن طرِيقِ ابنِ عباس رضي الله-تبارك وتعالى-عنهما، رواه مسلم وأبو عوانة والنسائي والترمذي والدارمي وابن ماجة، ورواه أحمد وإسحاق وابن حبان وابن الجارود والطبراني في " الكبير " والطحاوي في " شرح مشكل الآثار "، ورواه ابن عَدِي وأبو يعلى وأبو نعيم في " الحلية " وأبو علي الطوسي في مُسْتَخْرَجِه على الترمذي، وهو حديثٌ صحِيحٌ ثابِت عنه صلوات الله وسلامه عليه.

وقد جاء لِهذيْن الطرِيقيْن شواهِدُ مِن طُرُقٍ أخرى عن صحابةِ رسولِ الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، فقد جاء ذلك مِن طرِيقِ أم سلمة ومِن طرِيقِ جابر بن عبد الله، وذَكَرَ الترمذي بِأنه جاء مِن طرِيقِ أسماء، وجاء-أيضا-مِن طرِيقِ سُعْدَة بنتِ قيْس جدّةِ ابن الزبير، وجاء عن غيْرِ هؤلاءِ مِن صحابةِ رسولِ الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم .. إنْ صَحَّتْ الرواية فقدْ جاء عن ذُؤَيْب الأسلمي، ولستُ أُرِيدُ أن أُطِيلَ الكلام على صِحَّةِ هذه الروايات، فإنّ بعضَها حَسَن وبعضُها صالِحٌ لِلاستشهادِ بِذلك، وعلى تقدِيرِ عدمِ ذلك-إذا تَشَدَّدَ مُتشدِّدٌ في بعضِها-فإنّ الطريقيْن السابقَيْنِ صحِيحانِ ثابِتانِ عن رسولِ الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وقد اعتَرَضَ كثِيرٌ مِن الناسِ على هذه الأحادِيث:

منهم مَن اعتَرَضَ بِأنها ضعِيفة، وقد تَقَدَّمَ الكلامُ على ذلك، فلا حاجَةَ لإعادَتِه.

ومنهم مَن ادّعَى بِأنّ ذلك خاصٌّ بِالعمرةِ وليس في الحج، والحديثُ يُنادِي بِأعلى صوت ويَصرُخ بِأقوى حُجّة بِأنّ الحديثَ وارِدٌ في الحج، ثم ليْتَ شِعرِي ما الفرْقُ بيْن الحج والعمرةِ في هذا ؟! فما صَحّ في العمرةِ فإنه يَصِحّ في الحج إلا إذا دَلَّ دلِيلٌ على الفرْقِ بينهما وليس هنالِك دَلِيلٌ البتّة، ومَن ادَّعَى خِلافَ ذلك فعليه الدلِيل ولا سبِيلَ إليه.

وادَّعَى بعضُهم بِأنّه خاصٌّ بِضُبَاعَة، وهذا باطِلٌ كما وَصَفَه الإمام النووي، وهو حَقِيقٌ بِذلك.

ومنهم مَن ادَّعَى بِأنّ ذلك إذا ماتَتْ فيُحمَل الحديثُ على ذلك، وهو قولٌ كَلِيلٌ ودَلِيلُه عَلِيل فلا يَنبغِي أن يُلتَفَتَ إليه ولا أن يُعَوَّلَ عليه.

وادَّعَى بعضُهم بِأنه منسوخ، وهو كلامٌ باطِل وعن الدلِيلِ عاطِل، فهذا الحديثُ كان في حَجَّةِ الوداع ولم يَأْتِ حدِيثٌ آخَر يَدُلُّ على خِلافِ ذلك.

وادَّعَى بعضُهم-كالطحاوي في " شرح المشكل "-بِأنه مُخَالِفٌ لِلإجماع، وهو كلامٌ عجِيب غرِيب، فإنّ العلماءَ قد اختلَفوا-مِن قبلِ أن يُولَدَ الطحاوي-في هذه القضية، وقد رُوِيَ القولُ بِالاشتراط عن طائفةٍ كبِيرةٍ مِن صحابةِ رسولِ الله-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-وإن كان لَم يَصِح عنهم جَمِيعا، فقد رُويَ ذلك عن عمر وعن عثمان وعلي وابن مسعود وعمّار وعائشة وأم سلمة، وإن كان-كما قلتُ-لا يَصِحُّ عنهم جميعا، وقالتْ بِه طائفةٌ كبِيرةٌ مِن أهلِ العلم، فكيف يَدَّعِي بعدَ ذلك مُدَّعٍ بِأنّ العلماء قد أَجْمَعُوا على خِلافِه ولا يَجُوزُ لأحدٍ أن يُخالِفَ الإجماع ؟!

ونَحنُ عندَما نَنظُرُ في كتبِ الفقْه وكتبِ الأصول فإننا نَجِدُ كثِيرا مِن دَعَاوَى الإجماع .. يَدَّعِي مُدَّعٍ بِأنّ هذه القضية قد أَجْمَعُوا عليها وقد يَكونُ جُمهورُ الأمّة على خِلافِ ذلك، وسَمِعتُ أَحَدَ الناس يَذكُرُ مسألةً وذَكَرَ فيها قولا وادَّعَى بِأنّ هذا القولَ مُجمَعٌ عليه وأنا قدْ رأيتُ في المسألةِ عشرة أقوال مِن غيْرِ أن أبْحثَ عن ذلك، وبعضُهم حكى الإجماعَ في بعضِ القضايا وحكى بعضُهم الإجماعَ على عكسِ ذلك القول تَماما، فلا يَنبغِي لأحدٍ أن يَرْهَبَ هذه الحكايات التي يَحكِيها بعضُ أهلِ العلم مِن غيْرِ أن يَتَثَبَّتُوا في ذلك، ولنا كلامٌ طوِيل عرِيضٌ في الإجماع الذي هو حُجّة، لا أُطِيلُ بِه المقام.

وبعضُهم احتَجَّ على عدمِ مشروعيةِ ذلك بِما ثبتَ عن ابن عمر-رضي الله تبارك وتعالى عنهما-حيثُ قال: " حسبُكم سُنَّة نَبِيِّكُم " .. معناه أنّ النبي-صلى الله عليه وسلم-لم يَشترِط، وهذا غرِيب، فمِن المعلوم أنه ما مِن عالِم-وإن بَلَغَ السماء وناطَحَ الجوزاء-إلا وقد خَفيَتْ عليه بعضُ أحادِيثِ النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، فإذا كان ابن عمر لَم يَعلَم بِذلك وقد عَلِمَ بِه طائفةٌ مِن صحابةِ رسولِ الله-صلى الله عليه وسلم-فهل يُمكِن أن نَرُدَّ بعدَ ذلك الرواية التي ثبتتْ عن أولئك بِدَعْوَى أنّ بعضَ الصحابة لَم يَسْمَع بِذلك ؟! هذا مِمّا لا يُمكِن أن يُحْتَجَّ بِه.

وأما عدمُ اشتراطِ النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-فلا يَدُلُّ ذلك على بطلانِ الاشتراط، لأنه إذا وُجِدَتْ أدِلةٌ مُتعدِّدة في قضيةٍ مِن القضايا فإنه يَنبغِي أن يُجْمَعَ بيْن تلك الأدِلة، ويُنظَر تارة يُمكِن أن يُجمَعَ بينها على أنّ هذا مسنون وهذا جائز أو أنّ هذا لِبيانِ الجواز أو هذا لِعِلّة أو هذا يُحمَل على كذا مِن الـمَحَامِل إلى غيْرِ ذلك، فالنبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-لَم يَكن يَعلَم بِأنّ قريشا ستَصُدُّه عن الحرَم حتى يَشتَرِط، وأما في حَجَّةِ الوداع فإنه لَم يَكن بِحاجةٍ صلوات الله وسلامه عليه إلى ذلك.

وعلى كل حال؛ فإنّ مَجالَ القولِ يَطُولُ في هذه القضية، وأَرَى أن أَكتَفِيَ بِهذا المختصَر، ولنا عودَة إلى ذلك في مناسبةٍ أخرى بِمشيئة الله تبارك وتعالى، لأنّ في هذا الأمر مِن التيسِيرِ ما لا يَخفَى، فإنّ كثيرا مِن الناسِ قد يَحتاجُون إليه فلِماذا يُمنَعُونَ منه بِدَعْوى أنّ بعضَ الناس يَقول بِخِلافِ ذلك ؟! وقد يَدَّعِي مُدَّعٍ بِأنّ العلماء قد اختلَفوا في هذه القضية فالأحْوَط تَرْكُ ذلك، وأقول: إنّ الاحتياط يُصَارُ إليه عندَما تَتَعارَضُ الأدِلّة ويَصْعُبُ الترجِيح وقد يُمكِنُ الترجِيح ولكن ذلك بِأمْرٍ مُحتمِل، أما عندَما تَكونُ الشمسُ طالِعَةً واضِحَةً لِكلِّ ذِي عَيْنيْن فلا يَنبغِي أن تُتْرَكَ السنَن الثابِتة عن النبي-صلى الله عليه وسلم-ولاسيما عندَما يَحتاجُ إليها الإنسان في مِثلِ هذه القضية بل السنَن التي لا تُفعَل .. في وقتِ الحاجَة لا يَنبغِي أن تُتْرَك لِمَقولَةِ قائِلٍ بِخِلافِ ذلك لِعدمِ إِطّلاعِه عليها أو لإطِّلاعِه عليها مِن طرِيقٍ لا تَثْبُتُ بِها الـحُجَّة.

وقد أَحْسَنَ الإمام الشافعي حيثُ عَلَّقَ ذلك على ثبوتِ هذا الحديث، والحديثُ قد ثَبَتَ وصَحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ والعلمُ عندَ الله تعالى.

س2: ولكن ما فائدة هذا الاشتراط في الإحرام ؟
ج: العلماء قد اختلَفوا في ذلك، منهم مَن قال: إنّ هذا لا فائدة لَه وإنما هو لفظٌ يُتَعَبَّدُ بِه كغيْرِه مِن الألفاظ التي يُتَعَبَّدُ بِها، وهذا كلامٌ غرِيب .. قولٌ علِيل لا قيمةَ لَه وحكايتُه تُغْنِي عن ذِكْرِه، فإنَّ ضُباعةَ-رضي الله تعالى عنها-قد ذَكَرَتْ لِلنبي-صلى الله عليه وسلم-أنها تُرِيدُ الحج-وفي بعضِ الروايات أنّ النبي-صلى الله عليه وسلم-اقْتَرَحَ لَها ذلك وأَخْبَرَتْه بِأنها مرِيضة-فذَكَرَ لَها النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه-ذلك، فإذا كان لا فائدةَ لَه فما قيمة أن تأتِيَ بِه ضُباعة ؟! فهذا كلامٌ غرِيبٌ لا قيمةَ لَه، وإنَّما الصوابُ أنّ لِذلك فائدةً سأبَيِّنُها بعدَ قليلٍ بِمشيئةِ الله تبارك وتعالى.

مِن المعلومِ أنّ مَن أَحْرَمَ وصُدَّ عن ذلك بِعدُوٍّ أو لَم يَتَمَكَّن مِن فِعْلِ ذلك بِسببِ مرضٍ أو نَحوِه وتَعَذَّر عليه الوصولُ إلى الحرَم وتأدِيةِ العمرةِ أو تَعَذَّرَ عليه أن يَأتِيَ بِالحج في وقتِه .. أما تأدِيةُ الحج في وقتِه ففيها كلامٌ طوِيلٌ، لا أَتَعرَّضُ لَه في هذا الوقت، وإنما أَتَعَرَّضُ لِمَن لَم يَتَمَكَّن مِن ذلك رَأْسًا .. قد اختلَفَ العلماءُ فيه:

مِنْهُم مَن ذَهَبَ إلى أنه إذا لَم يَتَمَكَّن مِن ذلك أبدا فعليه أن يَذْبَحَ ذَبِيحةً كما هو ظاهِرُ كتابِ الله تبارك وتعالى:  ... فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ...  [ سورة البقرة، من الآية: 196 ]:

وإذا كان سائِقًا لِلهدْي فإنّ الأمْرَ متّفَقٌ عليه بيْن العلماء.

أما إذا كان لَم يَسُق الهدْي فإنّ العلماءَ قد اختلَفوا في ذلك:

منهم مَن قال: لا هدْيَ عليه في هذه الحالة، وهو قولٌ مُخالِفٌ لِظاهِرِ الكتابِ العزيز.

ومنهم مَن قال: عليه أن يَشترِيَ ذلك، وهذا هو الحق .. هذا إذا كان واجِدا لِلقِيمة التي يُمكِن أن يَشتَرِيَ بِها الهدْي فإن كان لَم يَجِد فقد اختلَف العلماء في ذلك:

منهم مَن قال: عليه أن يَصومَ عشرة أيام كحالِ مَن لَم يَجِدْ الهدْي(*).

ومنهم مَن ذََهَبَ إلى أنه لا شيءَ عليه.

ومنهم مَن ذََهَبَ إلى أنه لا شيءَ عليه في ذلك الوقت وعندَما يَتَيَسَّرُ لَه الهدْي فإنه يَهدِي.

ومنهم مَن ذَهَبَ إلى أنه يَصومُ ثلاثةَ أيام.

ومنهم مَن قال: إنه يُقوِّمُ الذبيحةَ بِالطعام ثم يُخرِجُ بعدَ ذلك طعاما-والواقِع أنَّه إذا قَوَّمَها وكان يَجِدُ الطعام فهو يَستطِيعُ أن يَشترِيَ ذبيحة وإنما يَكونُ ذلك إذا كان لا يَجِدُ ما يَشترِيه ففي مثل تلك الحالة يُقَالُ ذلك-أما إذا كان لا يَستطِيعُ على شراءِ الطعام فإنه يُقوِّم ذلك .. يَصُومُ عن كلِّ مُد، وهذا فيه مِن المشقّة ما فيه، فإنّ ذلك يَقتضِي أن يَصومَ ستّ مئة يوم أو أكثَر، لأنّ الذبيحة تُقارِب ثلاثِين رِيالا-مثلا-أو ما شابه ذلك فإذا قدَّرَها بِالأَمْداد فلا شك بِأنه يَصِلُ إلى عَددٍ كبِير ومعنى ذلك أنه يَصومُ عن كلِّ مُدٍّ يوما ففي هذا مِن المشقّة ما فيه، والدِّينُ أَيْسَرُ مِن ذلك.

ومنهم مَن قال: لا يُطعِم وإنما يَصومُ مِن أوّلِ وهْلَة.

ومنهم مَن ذَهَبَ إلى غيْرِ ذلك مِن الآراء.

و-على كلِّ حال-هذه الأقوال لا دليلَ عليها، فإذا كان لَم يَجِد هدْيا فإنه ليسَ في كتابِ الله-تبارك وتعالى-ولا في سنّةِ رسولِه صلى الله عليه وسلم ما يَدُلّ على أنه يَصنَع شيئا مِن تلك الأقوال التي ذَكَرْناها، وإنَّما عليه أن يَحلِق أو يُقَصِّر وإن تَمكّنَ بعدَ ذلك مِن الهدْي ففي ذلك خير.

على أنّ أقوى تلك الأقوال التي قِيلَتْ بعدَما ذَكَرْناه قولُ مَن قال بِأنه يَصومُ عشرة أيام، ولكن فيه ما فيه، فلا يُمكِن أن نَحكُمَ بِه، لأنّ مالَ المسلِم معصومٌ بِعصمةِ الإسلام لَه(**)، فليس لأحدٍ أن يُلزِمَ عبادَ الله-تبارك وتعالى-بِما لَم يُلزِمهُم الشارِع بِه وإنما يُمكِن أن يَذْكُرَ ذلك لِمَن شاء أن يَأخُذَ بِه مِن باب الاحتياط في الدِّين والخروجِ مِن الخِلاف إن أَمْكَنَ وإن كان لا يُمكِن أن يَخرُج بِذلك مِن الخِلاف لِكثرةِ ما ذَكَرْناه في هذه المسألة.

و: 1-كذلك عليه بعدَ أن يَذبَح أن يَحْلِقَ أو يُقَصِّر. 2-وقيل: لا يَلزَمُه أن يَحْلِقَ أو يُقصِّر بل يَذبَح إن وَجَد وَإلا فلا شيءَ عليه-أو عليه ما ذَكَرْناه مِن تلك الأقوال-وهو قولٌ ضعِيفٌ جِدا، مُخَالِفٌ لِظاهِرِ الكتابِ العزيز، وكذلك هو مُخالِفٌ لِلسنّةِ الصحِيحةِ الثابِتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، حيثُ إنه صلوات الله وسلامه عليه حَلَقَ وأَمَرَ أصحابَه بِالحلْقِ أو التقصِيرِ وحَثَّ على الحلقِ ودعا لِلحالِقِين أوَّلا ثلاثا ثم بعدَ ذلك لِلمقَصِّرِين، فإذن هذا ثابِتٌ بِظاهِرِ الكتاب ونصِّ السنّةِ الصحِيحةِ عن النبي صلى الله عليه وسلم.

إذا علِمنا ذلك فمَن اشترَطَ في إِحرامِه إن لَم يَتمكَّن مِن تأدِيةِ حَجِّه أو عُمرتِه فإنه يَحِلُّ بِذلك مِن غيْرِ أن يَحتاجَ إلى هدْي، فهذه إذن فائدةُ الاشتراط(***)-خِلافا لِمَن زَعَمَ أنه لا فائدةَ لِذلك-وإنَّما هنالِك فرْقٌ في الصيغة .. إذا قال: " فمَحِلِّي حيثُ حَبَسْتَنِي " أو ذَكَرَ بِأنه إذا حُبِسَ سيَحِلُّ مِن إِحرامِه، فإن قال: " ... مَحِلِّي ... " فبِمجرّدِ عدم قدرتِه على إِتمامِ ما أَحرَمَ بِه فإنه يَكونُ حَلالا بِذلك، وإذا عَلَّقَ ذلك بِإرادتِه لِلإحلال فمعنَى ذلك أنه لابد مِن أن يَنوِيَ ذلك.

فإذن:

مَن لَم يَشترِط عليه أن يَنوْيَ الإحلال ويَذبَح ما استطاع ويَحلِق أو يُقَصِّر.

ومَن قال: " مَحِلِّي حيثُ حَبَسْتَنِي " لا شيءَ عليه.

ومَن عَلَّقَ ذلك بِأنه سيَفعَلُ ذلك فهو إذا نَوَى الإِحلال فإنه يَكون بِذلك حلالا.

هذه هي فائدةُ الاشتراط.

هذا وقد اختلَفَ العلماءُ في حكمِ الاشتِراط:

منهم مَن قال: هو واجِب، وهذا قولُ الظاهِرِية الذين يَأخُذُون بِظاهِرِ الألفاظ، ولَيْتَهُم يَأخذُون بِظاهِرِ الألفاظ بعدَ أن يَنظُرُوا إلى الأدِلّةِ جميعا، فإنّ النبي-صلى الله عليه وسلم-والجمهورَ الأعظَم-حتى أنّ بعضَ العلماء ذَكَر أنه قد بَلَغَ عَدَدُ الحجّاج في تلك السنة إلى مئة ألف، ونَحن لا نُرِيد أن نُقَدِّر العَدَد ولكنهم كانوا بِعشراتِ الألوف-لَم يَشترِطوا لِعدمِ حاجتِهم إلى ذلك، فهل يُمكِن أن يُقال بِوجوبِ ذلك أو أنَّه لَم يَرِد عنهم ذلك ؟! هذا ما لا يُمكِن أن يُقالَ بِه.

ومِن العلماء مَن قال: هو سنّة مستحَبّة.

ومنهم مَن قال: هو جائِز وليس بِمستحَب إلا لِمَن كان مُحتاجا إليه، وهم وإن كانوا لَم يَذكُروا هذا الشرط ولكن لابد منه.

ومنهم مَن قال: هو سنّة لِمَن كان مُحتاجا إليه وأما مَن لَم يَكن مُحتاجا إليه فهو ليس بِسُنَّة في حَقِّه، وهذا هو الصحِيحُ عندِي، فالنبي-صلى الله عليه وسلم-لَم يَكن مُحتاجا إلى ذلك فلَم يَشترِط، وهكذا بِالنسبةِ إلى الصحابةِ الكِرام-رضي الله عنهم-وإنما كانَتْ ضُباعَة هي الـمُحتاجَة إليه فأَرْشَدَها النبي صلوات الله وسلامه عليه.

بَقِيَ على رأيِ مَن يَقول بِعدمِ سُنّية ذلك إلا لِمَن كان مُحتاجا إليه، فما حُكْمُ مَن اشترَطَ ولَم يَكن مُحتاجا إليه ثم احتاجَ بعدَ ذلك إليه .. هل يَستفِيدُ مِن ذلك أو لا ؟

قيل: لا فائدة له مِن ذلك، لأنّ هذا مُخالِفٌ لِسنّةِ النبي صلى الله عليه وسلم-أعني الاشتراطَ مع عدمِ الحاجةِ إليه-فعندَما يَحتاجُ إلى التّحلُّل فلابد مِن أن يَنوِيَ ذلك وأن يَذبَح إن كان معه الهدي أو كان معه ما يَشترِي بِه الهدْي ويَحلِق أو يُقصِّر.

وقيل: يَنفعُه ذلك.

وبِذِكْرِ الاشتراط تَنْحَلُّ كثِيرٌ مِن المسائِل:

كثِيرٌ مِن النساء يَذهَبْنَ في مُدَّةٍ وَجِيزَةٍ لِتأدِيةِ العمرةِ-مثلا-ويُمكِن أن يَأتِيَها الحيض في تلك المدّة وهي تَعرِفُ مِن نفسِها بِأنَّها لَن تَتَمَكّن مِن البَقَاءِ في مكة المكرمة إذا أَتَاهَا الحيض فتَضطَرُّ إلى الرجوعِ بِسببِ أنّ رفْقَتَها لا تُسَاعِفُهَا على البقاءِ في تلك البقاع فهنا يُمكِن أن تَشترِط ذلك، وعليه إذا اشترَطَتْ ولَم تَتمَكَّن مِن ذلك فلَها الإحلالُ بِذلك.

وهكذا مَن كانتْ تُصِيبُهُ بعضُ الأمراض .. مثلا في موسِمِ الشتاء أو ما شابه ذلك أو تُؤثِّرُ عليه الأسْفار يُمْكِنُه أن يَشترِط ويَكون مُستفِيدا مِن ذلك.

ولِلأسف أنّ كثِيرا مِن النساء يَذهَبْنَ إلى تأدِيةِ العمرةِ أو الحج وتَأتِيهِنَّ العادة الشهرِية المعروفَة وبعدَ ذلك لا يَعرِفْن ماذا يَصْنَعْن فتَرجِع الواحِدة بِإِحرامِها وهي تَظُنّ أنَّها قد أَحَلَّتْ .. تَذهَبُ وتَسعَى، لأنَّها قَد سَمِعَتْ بِأنّ المرأة إذا أتاها الحيض لا تَطُوف فتَظُن أنّ الطواف يَسقُطُ عَنْهَا، وقد تَسمَع بِالحديثِ الذي فيه أنّ النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-أَسْقَطَ الطواف عن إِحدَى أَزواجِه عندَما أتاها الحيض ولكنّ ذلك في طوافِ الوداع وليس في طوافِ العمرة أو في طوافِ الزيارة أو الإفاضة-الذي هو طوافُ الحج-فهذا رُكن .. أعني طوافَ الزيارة وكذلك بِالنسبة إلى طوافِ العمرة فهما لا يَسقُطانِ بِحيضٍ ولا غيْرِه ولكن يُؤجَّلانِ حتى تَطهُر المرأة وتَتَطَهَّر وفي تلك الحالة تَطوفُ ثم بعدَ ذلك تَسعَى .. فتَذهَب وتَسعَى وتُقَصِّر وتَرجِع بعدَ ذلك وهي مُحْرِمَة-وقد وَقَعَ كثِيرا هذا على حسبِ ما سَمعت، وقد سألنِي عن ذلك غيْرُ واحِد-فهذا مِمّا لا يَصِح .. إذا وَصَلَتْ لابد مِن أن تَبقَى هناك حتى تَطهُر وتَتَطَهَّر وبعدَ ذلك تَطوفُ ثم تَسعَى، فالطوافُ ركنٌ مِن أركانِ العمرة بل هو ركنُها الأعظَم، وكذلك هو ركنٌ مِن أركانِ الحج-أعني طوافَ الزيارة-لا يَسقُطانِ أبدا، وإنما يَسقُطُ طوافُ القدوم لِلحاج وطوافُ الوداع لِلمرأةِ الحاجّة أيضا، أمَّا مَا عدا ذلك فلا، فيَنبغِي أن يُنتَبَهَ لِذلك جيِّدا.

وأن يَتعلَّم الواحِد قبلَ أن يَذهَب إلى تلك البِقاع ما هو الذي يَجوزُ لَه وما هو الذي يَجِبُ عليه وما هو الذي يَحْرُم عليه وما هو الذي يُكْرَه في حَقِّه وما هو الذي يُباحُ لَه.

و-كذلك-بعضُ الجهلةِ الأغْمار يُفتُون .. بعضُ الناس عندَما تأتِيهِ المرأة: " أنا أَتَتْنِي الدورَة .. ماذا أَصنَع ؟ ": " اسْعَي وقَصِّرِي "، مِن أَيْن لَك ذلك ؟! لِماذا تَتَقَوَّلُ على الله بِغيْرِ عِلم ؟! فليَتَّقِ الله-تبارك وتعالى-مَن لا يَعرِفُ شرْعَ الله-تبارك وتعالى-ثم بعدَ ذلك يَتَقَوَّلُ عليه سبحانه؛ والله-تبارك وتعالى-ولي التوفيق.

ومِن المسائِلِ التي أُنَبِّهُ عليها-وتَقَعُ لِبعضِ الناس في بعضِ الأحيان-أنّ الوضوءَ قد يَنتقِض بِخروجِ رِيحٍ أو ما شابه ذلك ويَستحيِي ذلك الطائف ولاسيما إذا كانتْ امرأة .. تَستحِي أن تَقول بِأنها قد انتَقَضَ وضوؤها-ومع أنّ الوضوء قد يَنتقِض بِهذا أو غيْرِه مِن النواقِض-ولاسيما إذا كانتْ قد ذهبَتْ مِن غيْرِ مَحرَمٍ منها أو زوجِها فتَرجِع وهي لَم تَطُفْ وهي على إِحرامِها فتَرتكِب الـمَحذُور، فالطوافُ مِن شرْطِه الطهارة، فهي شرطٌ مِن شروطِ صِحّتِه، فإذا انتَقَض فلا يَجوزُ إلا بِطهارة، وإذا انتَقَضَتْ لابد مِن الوضوء وإعادة الطواف بعدَ ذلك .. هذا أمرٌ لابد منه، ولا عبْرَةَ بِالحياء .. هذا الحياء لا خيْرَ فيه .. الحياءُ الذي فيه الخيْر هو الذي يُوافِقُ شرعَ الله تبارك وتعالى، أما هذا فهو باطِلٌ وَزُور .. مُنكَرٌ مِن المنكَرَات يُؤدِّي إلى الوقوعِ في معصيةِ الله-تبارك وتعالى-على أنّ المرأة عندَما تُرِيدُ أن تَذهَب إلى حَجٍّ أو عُمرَة فلتَذهَب مع زوجِها أو مع مَحْرَمٍ منها، لا مع أَجنبِي عنها؛ والله ولي التوفيق.
ـــــــــــــــــــــــ
(*)(( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضا أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ )) [ سورة البقرة، الآية: 196 ].

(**)هذه الجملة تحتاج إلى تبين مع الشيخ.

(***)قال الشيخ: " الهدي " بدلا مِن " الاشتراط " والظاهر أنه سبق لسان.

آخر تحرير بواسطة سليمان بن موسى : 11/11/2006 الساعة 05:19 PM
  #7  
قديم 11/11/2006, 05:25 PM
سليمان بن موسى سليمان بن موسى غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ الانضمام: 14/10/2002
الإقامة: غرداية-الجزائر
المشاركات: 651
س7: ما الرَّاجح لَدَيكُم في الأوقات التي يُمنَع فيها الطَّوَاف والسَّعي ؟
ج: الحائض تُمنَع مِن الطَّواف بالبَيْت لَكن إذا كان الطَّواف طواف العمرة أو كان طواف الحج فإنَّه لابد مِن أن تبقى تَنتَظر حتى تَطهُر وتتطهَّر .. أي حتى تَطْهُر مِن حيضها أو نفاسِهَا وتغتسل ثُم بعد ذلك تطُوف وتَسْعَى.

أمَّا إذا كان هذا الطواف طواف قُدُوم فتُعذَر مِن ذلك اللهم إلا إذا طهُرَت وتطَهَّرَت قبل أن يَحِينَ موعِد الذهاب إلى عرفة فإنَّهَا تَطُوف طَوَاف القُدُوم في ذلك الوقت .. مثلا لو أَتَت مُفْرِدة أو أَتَت قارِنَة بين الحج والعمرة وحَانَ وقت الذهاب إلى عرفة فتَذْهَب إلى عرفة وتُعذَر مِن طواف القُدُوم، وهكذا بالنسبة إلى طَوَاف الوَداع إن لَم تتمكَّنا-أعنِي الحائض والنُّفَسَاء-مِن طواف الوداع فلا شيءَ عليهما بِمَشيئَة الله تبارك وتعالى .. هذا هو القول الحق الذي تدُلُّ عليه السنّة الصحيحة الثابِتَة عن النبي-صلى الله عليه وسلم-ثبوتًا لا غُمُوض فيه.

المرأة إذا أَتَت بِعُمرة ولَم تتمكَّن مِن الإتيان بالعمرة وحَان وقت الذهاب إلى عَرَفَة فإنَّهَا تُلبِّي بالحج والعمرة معًا .. كانت تُلبِّي بالعمرة ولكن لَم تتمكَّن مِن أدائها وحان وقت الذهاب إلى عرفة فإنَّهَا تُلبِّي بالحج والعمرة معا فتكون قارنَة بعد أن كانت مُعتمِرة، كما فعلتْ السيدة عائشة-رضي الله تعالى عنها-بِأمْرِ النبِي-صلى الله عليه وسلم-لَهَا بِذَلك، وهذا يُجْزِيهَا عن حَجِّها وعمرتِهَا، وكذلك طوافُهَا بالبيت وسَعْيُها بين الصفا والـمَروة يُجْزِيَانِهَا عن حجِّها وعمرتِها، كما تدُلُّ على ذلك السنَّة الصحيحة الثابتة عن النبِي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم .. هذا بالنسبة إلى الحائض والنفساء.

و-للأسف-كثيرٌ مِن النِّساء لَم يَعرِفْن هذا الأمر .. تأتي الواحدة إلى تِلك الـمَواطِن وعندما تَصِل إلى البَيْت وتكون في حالةِ حيض أو نفاس-والغالب طبعًا يقع ذلك في الحيض، لأنَّ أكثر النِّساء في حالة النفاس لا يذهبْنَ إلى تأدية الحج والعمرة وإنْ كان ذلك جائزًا بالشرط الذي ذكرتُه، وقد فَعلتْ أمُّ مُحمد بن أبي بكر .. زوج أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنها ذلك بِأمرِ النبِي صلى الله عليه وسلم .. أَحْرَمتْ وهي نفساء-عندما سَمِعْن بِأنَّ الحائض لا تطُوف تَرَكْن الطواف .. منهُن مَن تذهب وتأتِي بِمَا يأتِي به الـمُحِل .. تَظُن بأنَّ عُمرتَهَا بَاطلة ثُم بعد ذلك عندَمَا ينتَهِي حيضُهَا وتغتسل تذهَب إلى " التَّنعِيم " وتُحْرِم بالعُمرة، ومنهن مَن يَذهبْن إلى السعي مباشَرة .. يَسْعَيْنَ وبعد ذلك يأتي وقت الإحلال عندَهن بِحَسْبِ جَهْلِهِن، وهذا باطل .. لَم يقل به أحد مِن أهل العلم ولا دَلَّ عليه دليل بَل الدليل يدُلُّ على خلاف ذلك والأُمَّة مُتّفِقة على خِلاف ذلك .. نعم هنالك خِلاف بين أهل العلم في قَضية أنَّ الـمُعتَمِرَة إذا لَم تتمكَّن مِن الإتيان بالعمرة قبل الذهاب إلى عرفة .. بعض العلماء يقول بأنَّها تترك العمرة وتلبِّي بالحج فَتكون مُفرِدة .. هذا رأيٌ موجودٌ عند بعضِ أهل العلم ولكنّ الصَّواب بِخِلافه، فلم يقُل أحدٌ مِن أهل العِلم بأنَّه لا طَواف عليها .. أعنِي طواف العمرة أو طواف الحج .. الذي هو طواف الزيارة أو الإفَاضَة .. لَم يقل أحد مِن أهل أنَّها تكتفي بالسعي، وكذلك لَم يقل أحدٌ مِن أهل العلم بأنَّها تُحِل ثُم بعد ذلك تذهب وتَعتمِر مِن " التَّنْعِيم " أو مِن غيره مِن الحِل، أمَّا أمرُ النبِي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-للسيدةِ عائشة-رضي الله تعالى عنها-بِأن تَعتمِر مِن " التَّنْعِيم " بعد الانتهاء مِن مَناسِكِ الحج عندَما استَأذَنَتْه فذلك لِعمرةٍ جديدة .. لا علاقة لَها بِالعمرة الماضية .. عندَما ظنَّت بِأنَّها لَم تأت بِمَا أتَت به .. بل هي كذلك لَم تأتِ بعمرةٍ مُفرَدَة وطَلَبَتْ مِن النَّبِي-صلى الله عليه وسلم-بِأن يَأْذَنَ لَها .. أَذِنَ لَها صلوات الله وسلامه عليه .. لابد مِن معرفة هذا الأمر مَخَافَة الوقوع في المحظور.

أمَّا السعي فإن كانت المرأة قد طَافَتْ بالبيت فَتَسْعى بعد الطواف ولا إشكال، أمَّا إذا كانت لَم تَطُفْ فتُؤخِّرُ السعي، وليس لَها أن تُقدِّمَ السعي على الطواف في مثل هذه القضية، لِمَا ثَبَتَ عن النبِي-صلى الله عليه وسلم-أنَّه لَم يَأمُر السيدة عائشة بالسعي بل أَمَرَها بِأن تَسعَى بعد ذلك.

و-على كل حال-إن كان قد انتهى الوقت فإنَّ الجواب لَم يَنتَهِ، ويُمكِنُ أن نُكْمِلَه في مناسبةٍ أخرى؛ والعلم عندَ الله.

ـــــــــــــــــــــــــ ــــ

وأسأل الله - تعالى - أن يتقبل من جميع الإخوة الذين ساهموا في رقن هذه الحلقة من الشريط وتصحيحها و...، كما أسأله - سبحانه - أن يوفقنا لعرض الحلقات الأخرى للشيخ سعيد - حفظه الله تعالى - وعسى أن يكون ذلك قريبا.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 

أدوات الموضوع البحث في الموضوع
البحث في الموضوع:

بحث متقدم
تقييم هذا الموضوع
تقييم هذا الموضوع:

قواعد المشاركة
ليس بإمكانك إضافة مواضيع جديدة
ليس بإمكانك إضافة ردود
ليس بإمكانك رفع مرفقات
ليس بإمكانك تحرير مشاركاتك

رموز الصور لا تعمل
رموز لغة HTML لا تعمل

الانتقال إلى


جميع الأوقات بتوقيت مسقط. الساعة الآن 09:56 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions Inc.
سبلة العرب :: السنة 25، اليوم 126
لا تتحمل إدارة سبلة العرب أي مسئولية حول المواضيع المنشورة لأنها تعبر عن رأي كاتبها.