سبلة العرب
سبلة عُمان الصحيفة الإلكترونية الأسئلة الشائعة التقويم البحث مواضيع اليوم جعل المنتديات كمقروءة

العودة   سبلة العرب > سبلة الثقافة والفكر

ملاحظات

 
 
أدوات الموضوع البحث في الموضوع تقييم الموضوع
  #1  
قديم 11/08/2005, 08:11 AM
سويري سويري غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ الانضمام: 13/02/2003
الإقامة: فى عمان الحبيبة
المشاركات: 837
Lightbulb رواية أمير سعودي: قصور وحريم وتاريخ لا يرحم لئيما

رواية أمير سعودي: قصور وحريم وتاريخ لا يرحم لئيما
2005/08/11

د. مضاوي الرشيد



قلب من بنقلان عنوان لرواية كتبها سيف الاسلام بن سعود بن عبد العزيز نجل الملك المخلوع سعود. ظهرت هذه الرواية فجأة في بيروت عام 2004 عن دار الفارابي للنشر ومن ثم اختفت بصورة سريعة بعد ان سحبت من الاسواق والمكتبات. تعتبر هذه الرواية والتي تخلط بين القصة والتاريخ فريدة من نوعها اذ ان كاتبها يستعرض احداثا ووقائع تبتعد عن السرد التاريخي العام ويلجأ الي تصوير المعاناة الشخصية لوالدته، الطفلة البلوشية التي وقعت بيد من يتاجر بالبشر ويبيعهم لجده الملك عبد العزيز والمعاناة الشخصية لامرأة مسلمة حرة تحولت الي جارية ومن ثم ام لطفل من ضمن مجموعة تضم اكثر من مئة ابن وابنة من امهات متعددات، بعضهن جاريات واخريات من بنات البلد. كذلك هذه القصة التاريخية تتعاطي مع احداث حصلت بين اخوة يتصارعون علي الحكم يطحنون بعضهم البعض لتصفية حسابات واعادة توزيع الثروات. هي قصة قصور مهجورة واخري مشيدة. هي كذلك قصة تسطر حلقات ظلم ذوي القربي وكذلك قصة عزيز قوم ذل. اهم حلقاتها تلك العلاقة بين الام وابنها وهي بالفعل علاقة حميمة خاصة عند غياب الاب وهو قريب، هي رحلة لاكتشاف الماضي من اجل محاسبة الحاضر. سطورها تسطر علاقة امة بملك، وجلاد بضحية، وزوج بزوجته ضمن اطار سياسي تجرد من كل قيمة انسانية ودينية وشرعية ففقد كل ضابط اخلاقي.
رغم ان هذه الرواية تتبع الاسلوب القصصي الا انها اولا واخيرا محاولة لصياغة ذكري والد الكاتب هذه الذكري التي طمسها استيلاء الملك فيصل علي الحكم وتجريد نسل سعود من صلاحياتهم والتي ضمنها والدهم عندما كان ملكا. انها محاولة متأخرة لاعادة كتابة التاريخ وفق سرد تاريخي لاحداث عتم عليها طاقم كبير من المؤرخين الذين لزموا الصمت تجاه هذه المرحلة التاريخية الحرجة والتي انفجر فيها الصراع علي السلطة بين الملك سعود وبعض اخوته وولي العهد فيصل واخوته.
من كتب تاريخ هذه الحقبة كان دوما حريصا علي تكريس صورتين متناقضتين لشخصيتين من الامراء السعوديين. الاولي صورة الملك سعود والاخري صورة الملك فيصل. الصورة الاولي كتبتها اقلام وابواق المنتصر في معركة الصراع علي السلطة لذلك كانت دوما صورة قبيحة سوداوية اختلطت فيها الاسطورة والواقع بالمؤامرة والسرية وبناء القصور الفاخرة وتبذير الاموال في الداخل وصرفها علي مؤامرات في الخارج. لا أحد يتوقع ان تكون صورة الملك المخلوع بهذه البشاعة والقبح ولكن فضل الملك المنتصر ان تطمس هذه الحقبة التاريخية ويتم الغاؤها من الذاكرة التاريخية وازالتها من الوعي الجماعي. اختلطت هذه الصورة باحصائيات تظهر مدي نهب الخزينة العامة لدرجة انها افرغت من محتواها بل تراكمت عليها الديون منذرة بانحدار قوي ومزلق عميق يقض مضاجع الجميع وينذر بالعدم. عند هذه اللحظة تطل الصورة التاريخية الاخري، صورة المنقذ الحكيم المصلح المثبت لدعائم الدولة والمؤسسات هي صورة الملك الزاهد يركع فاتحا كفيه يدعو الله ان يمن عليه بصلاة في القدس بعد تحريرها من مغتصبيها. صورة المصلح هذا تختلط بصورة المحدث المعلم الذي انتشل نساء الجزيرة من امية معممة علي الجميع وعلمهن الحروف الابجدية رغم معارضة عاتية من قوي التخلف و الغلو هو ايضا من طوع التكنولوجيا الحديثة لخدمة الاسلام فأدخل التلفاز الي مجتمع منغلق يكره كل ما هو غريب ويصفه بأنه بدعة مخلة بالدين والعقيدة. استعمل التلفاز عندها للدعوة والارشاد وتصدرت برامج الفتاوي علي الهواء منذ الستينات الشاشات ليتعلم الناس دينهم وطقوسهم فتبلورت المعرفة وانتشر دعم الاسلام وبركته علي الجميع.
هاتان الصورتان ليستا من نسج الخيال او من انتاج مخيلة خصبة بل هما حاضرتان في المخيلة التاريخية. هذه المخيلة لطالما تعرضت لعملية صياغة واعادة صياغة من قبل الصورة المنتصرة. سيف الاسلام بروايته هذه يحاول اعادة بعض الاعتبار لوالده الملك المخلوع الذي قضي ايامه الاخيرة بعيدا عن قصره في الناصرية ولجأ الي اليونان بعد ان مارس الاخوة الاعداء الضغط علي دول الجوار العربية لمنع استقبال الملك الراحل.
يحاول سيف الاسلام ليس من خلال وثائق تاريخية او مقولات ماضية او خطابات وشهادات من عاصر هذه الحقبة بل من خلال القصة اعادة صياغة حياة والده مبتدئا بتجربة والدته البلوشية في قصر الملك المخلوع وتجربته كطفل لم يعرف معني الابوة الحقيقية ولم يعش حياة اسرية طبيعية اذ انه واحد من مجموعة كبيرة رقم آخر يضاف الي احصائية ديموغرافية كغيره من احفاد وابناء المؤسس الملك عبد العزيز، بفقدان رابطة الابوة لم يبق للطفل سوي اقوي الروابط الا وهي رابطــة الام وابنها.
يستعرض سيف الاسلام هذه العلاقة التي تغلب عليها علاقة المحبة والحنين عكس العلاقات الاخري التي طغت علي العلاقات الاسرية بين اخوة يتصارعون فيما بينهم جمعتهم روابط ابوية واهية ووحدتهم روابط الامومة. الحنين الي بلوشستان ما هو الا حنين لهذه الامومة. بلوشستان هي الام، هي الحاضنة الاولي في زمن الغربة. القصة عودة للماضي الذي يفضل ان لا يعود والذي طمسته عمليات تزوير التاريخ وكتابته من قبل المأجور المطبل لذلك الذي يدفع الاجر.
لو كتبت مثل هذه القصة جين ساسون الكاتبة التي بنت ثروة علي خلفية قصص تزعم انها تتداول حياة اميرات سعوديات في قصور شامخة لتجاهلناها. ولكن هذه القصة كانت قد كتبت من قبل شخص من الداخل وليس من الداخل. امير وليس كالامراء اذ ان الطبقية والاضطراب في توزيع الثروة وانعدام العدالة الاجتماعية و الاقصائية و عدم القبول بالآخر تصيب الامراء وابناء الاسرة الواحدة في نظام كالنظام السعودي فهذه الآفات الاجتماعية والسياسية ليست حكرا علي الشعب بل هي تصيب رأس الهرم كما تصيب ذوي الاصول الوضيعة واصحاب الدخل المحدود.
الامراء درجات منهم من يعتلي الدرجة الاولي ومنهم من يعتلي درجة ثانية ومنهم من لا يعترف بأمارته مطلقا منهم ابن القبيلية الحرة ومنهم ابن الحضرية ومنهم ابن البدوية ومنهم ابن الكرجية ومنهم الابيض، ومنهم الاسود ومنهم من يتعدي نسبه لجهة الام الحدود المعترف بها دوليا فهناك ابن اللبنانية وابن النصيرية وابن الارمنية الي ما هنالك من جنسيات وطوائف.
ادي هذا التشعب الي ولادة مجموعة هي بالفعل كوزموبوليتان تنصهر فيها الاجناس والاعراق دون ان تذوب فيها العنصرية. دليلنا علي هذا هو رواية سيف الاسلام بن سعود ذاتها.
يتعاطي المؤلف مع ظاهرة وان وجدت في المجتمع السعودي الا انها كانت تتبلور بقوة في قصور الناصرية وغيرها من قصور الامراء. معضلة تعدد الزوجات (هنا لا نتكلم عن اربع فقط) بل نحن بصدد اعداد هائلة من جوار جاءت من بقاع العالم كبلوشستان وغيره. فرغم ان الشرع قد حلل الرقم اربعة تحت ضوابط معروفة للجميع الا ان ما يصفه سيف الاسلام يتجاوز كل معيار وضابط.
هل يا تري هذا النمط طبيعي علي صعيد المجتمع في تلك الحقبة ام انه مرتبط بالملك والثروة والصولجان؟
جميع الدراسات الاجتماعية التاريخية تشير الي ظاهرة تعدد الزوجات علي كافة اصعدة المجتمع في الماضي والحاضر وكذلك ظهرت عادات التسري خاصة عند الطبقات ذات الشأن والمال اذ ان انتشارها كان مرتبطا بقدرة المرء علي شراء جارية او جوار. من هنا يجب ان لاتقارن تجربة الملوك بتجارب المجتمع رغم ان هؤلاء قد يكرسون نمطا سلوكيا معينا يظنه البعض النمط الطبيعي الممارس من قبل الجميع. يجب ان ننظر لمشكلة سيف الاسلام مع هذا النمط من العلاقات الاسرية من منظور آخر. زيجات والده وجده وأعمامه لا تفسر علي انها مشاريع شخصية خاضعة لأهواء الفرد وقدرته الشرائية بل يجب ان تناقش مثل هذا السلوك الشخصي من باب السوسيولوجيا السياسية.
من فسر تعدد الزوجات علي مستوي القيادة علي انه محاولة لصهر هذه القيادة مع المجتمع فهو مخطيء. كذلك من فسرها علي انها محاولة لمد جسور من الاحلاف والتحالفات مع قوي اجتماعية مختلفة (كالقبيلة والبدو والحاضرة والمناطق) هو ايضا مخطيء اذ هذا لا يفسر الزيجات من الجواري. فهل كان يا تري الملك سعود يرغب بحلف مع بلوشستان او كان والده يطمح بحلف مع الارمن في ارمينيا؟ بالطبع لا. كذلك لا يمكن تفسير هذه الزيجات المتعددة علي انها نابعة من نفوس شبقة شهوانية رغم ان هناك مصداقية لمثل هذا التحليل.
زيجات القيادة السعودية كانت استراتيجية سياسية خاصة تلك الزيجات مع بنات الجزيرة العربية. هدف هذه الاستراتيجية اخضاع المجتمع من خلال بناته لسلطة كانت في طور التبلور. تمت معظم هذه الزيجات بعد ان اخضعت كل قبيلة وعائلة لسلطة جديدة فكانت كل زيجة تختتم فتحا مبينا يتم الاحتفال به من خلال اخضاع نساء المجموعة للفاتح.
اتسمت هذه الزيجات بطابع يخلو من مؤهلات الزيجات الطبيعية اذ انها بمجملها زيجات سياسية بحتة. اما الزيجات من الجواري فليس له تفسير الا انه هروب من العقم العاطفي الذي سيطر علي النوع الاول والقحط النفسي الذي لازم الزيجات السياسية فارتمي الملوك وابناؤهم في احضان الغريبة الآتية من بعيد ولكنها قريبة. ودون ان نخوض في تفاصيل اخري ذكرها مؤلف الرواية نستنتج استنتاجات تسلط الضوء علي السلوك الفردي الذي قامت عليه دولة.
كتبت هذه الرواية ليس من باب ثورة الابناء علي الآباء ولكنها سطرت من باب ثورة الابناء علي الاعمام يحاول سيف الاسلام انصاف والده ولكن محاولته هذه خنقت بعد فترة قصيرة جدا من خروجها الي النور. تبقي هذه الرواية تفضح اسرار القصور وتدون سيرة الحريم خلال فترة حرجة تحتاج الي تدقيق وتمحيص علميين لتعاد كتابة تاريخها ليس من قبل المشوهة سمعته وليس من قبل المحسنة صورته.
هذه الحقبة التاريخية كتاريخ الجزيرة العربية كله يحتاج الي عملية اعادة النظر. هذه العملية تبدو مستحيلة في الوقت الحالي خاصة بعد سيطرة النظام علي مراكز البحوث والنشر ليس فقط في الداخل بل حتي في الخارج ايضا. هذه السيطرة شملت حتي المصادر التاريخية والمراسلات الموجودة في الخارج والتي تشتريها الدولة السعودية من مصادرها في محاولة السيطرة عليها وتنقيحها ومن ثم اخراجها علي الملأ بصورة تناسب الخطاب الرسمي. لم يبق للمؤرخين سوي بعض المصادر التاريخية في ارشيف الدول الغربية كبريطانيا وامريكا وفرنسا فعليهم الاطلاع عليها قبل ان تشتريها الاموال السعودية. كذلك عليهم بتقصي المرويات الشفوية ممن عاصر هذه الحقبة التاريخية المهمة في داخل المملكة وخارجها. وهذا ليس بمشروع يخص ابناء الجزيرة فحسب وانما يخص غيرهم من العرب الذين عايشوا هذه المرحلة وخاصة في الستينات من القرن الماضي.
هذا المشروع قد يخرجنا من مأزق الصورتين المتناقضتين التي روجها الاعلام ووثقها المؤرخون بقراءة منحازة للمصادر التاريخية. كذلك سنخرج من مأزق منظورة الابيض والاسود وربما نفيق من غفوتنا ونري لونا رماديا اقرب الي الواقع التاريخي، خاصة واننا علي عتبة حقبة قادمة قد تعيد الي الذاكرة الصراعات القديمة وتعود الصور المتضادة والمتنافرة والتي هي في واقعها وجهان لعملة واحدة. نحو اليوم نقف امام مرآة تعكس وجوها مختلفة الملامح والتفاصيل لكنها مظاهر خداعة وبريق مزيف لمعدن قد اصابه الصدأ. ولا تحزن يا قلبا من بنقلان فقد اثبت اهل بلوشستان رجولة حقيقية بدون قطرة نفط.

القدس العربى
  مادة إعلانية
 

أدوات الموضوع البحث في الموضوع
البحث في الموضوع:

بحث متقدم
تقييم هذا الموضوع
تقييم هذا الموضوع:

قواعد المشاركة
ليس بإمكانك إضافة مواضيع جديدة
ليس بإمكانك إضافة ردود
ليس بإمكانك رفع مرفقات
ليس بإمكانك تحرير مشاركاتك

رموز لغة HTML لا تعمل

الانتقال إلى


جميع الأوقات بتوقيت مسقط. الساعة الآن 01:12 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions Inc.
سبلة العرب :: السنة 25، اليوم 126
لا تتحمل إدارة سبلة العرب أي مسئولية حول المواضيع المنشورة لأنها تعبر عن رأي كاتبها.