|
#1
|
|||
|
|||
شجرة الهيــــــــل بقلم : محمد الشحري
شجرة الهيل محمد الشحري نزعت قفازات يدي وجلست بين سريريهما فهذه آخر ايام ما قبل الاجازة، تعمدت المكوث بينهما رغم انتهاء مناوبتي، احاول ان ازرع فيهما مسرة غادرتهما منذ ازل، حاولت ان اعيدهما الي سن الطفولة بكل اسرارها وخباياها رغم تخطيهما التيار السبعيني في محيط العمر كما اظن، حاولت ان افتش عن حكايات وقصص في حقائب الذاكرة المركونة في ظل طفولتهما التي جمعتهما بين احضانها وخَاطتها الايام والليالي قبل ان يبعثرها الزمان فيما مضي، واعاد المرض ترتيب اوراقها في هذا المستشفي المركزي، (بن كزابة) و(ابا دريشة) اصدقاء في السراء والضراء، بن كزابة عاوده المٌ كان في شبابه قد اصيب به حين تسلق نخلة وانزلقت قدمه عن موضعها فاصطدم بجذع النخلة مما ادي لانتفاخ اسفل بطنه، ومثل هذا الحادث متفشٍ لمتسلقي النخل في الحي والمدينة التي يسكنها، ويرقد ابو دريشة في المستشفي منذ ايام بعد ارتفاع الضغط والسكري عليه، محملا مسؤولية ذلك للزبائن الذين يساومونه علي بضاعته المبثوثة في السوق الشعبي، ثم يولّونه الادبار الي بضاعة اخري، والاثنان من حارة (السواقي) الواقعة علي شاطئ البحر في مدينة يسيّرها التهميش والبذخ والحسد احيانًا. حاولت ان اسمعهما اغنية شعبية من جيلهما تقول: يا سين علي زين الغواني الصدر مركب والبندر عماني لو كنت لي كنت سيد زماني اسمعك نجدي واهز لك مراويس فمن في عمرهما يستهويهم الحديث عن الغواني ولحظات الطعان والهزات واللهاث المتقطع انصاف الليالي، و يستحسنون ذكر تلك المكاسب التي ظفروا بها خلال صراعهم الذي لا يُحسم مع (حواء)، كالجنود المتقاعدين او المسرحين من الخدمة يحكون لمن جالسهم امجادا وبطولات ما كانت لتحدث لولا اقدامهم وشجاعتهم او تخطيطهم، استدرجتهما للحديث بعد ان فحصتهما الممرضة تهامسا بلهجة لا توحي بالعفة ولا تفهمها الممرضة، التي انهت فحصهما بسرعة، فقلت لهما: في اي صنف من النساء تضعون هذه الممرضة؟، ضحك بن كزابة وقال: يا ولدي خليك في شغلك، لا تتخابث معنا، ولكنك سألت، وحق علي السامع رد الجواب، ولكن هذا يدل علي جهل جيلك بعوالم النساء، اسأل عمك ابا دريشة. رفع أبو دريشة رأسه وعدّل من موضعه علي السرير. وقال: اهيه بن كزابة يعيد للمروّح روح ، واكمل بن كزابة حديثه دون ان يعطي فرصة لابي دريشة: مثل هذه المرأة لا تختارها امًّا ولودا بل عشيقةً ضحوكا، هذه المرأة زهرها ذبول، وحلوها لا يدوم، يا ولدي اختر لابنك امرأة لا حمراء ولا سمراء نحاسية تلِد لك رجالاً اقوياء كالجلاميد، واياك والبيضاء كاللبن فما هي الا متاع الليالي، تشيخ بعد بطن او بطنين، ولا تتحمل معك الصعاب وتدميها اشواك الزمان. قهقه ابو دريشة بامتعاض وقال: يا ولدي لا تصدقه هذه المرة، فانا اعرف لماذا يكنّ بن كزابة للمرأة البيضاء كل هذه البغـــضاء، فهو قد احب امرأة من ذلك النوع ولكنها صدته من المحاولة الاولي، وهكذا اضافها لقائمته السوداء الشبيهة بقلبه. انفعل بن كزابة حتي خشيت ان تنفجر الكرة التي بين فخذيه، وقال: ماذا تعرف انت عن النساء يا ابا دريشة؟ انت لم تتزوج الا امرأة واحدة، تزوجتها دون ان تعرف ما هي وما لونها فقط امك هي التي اختارتها لك. اما انا فلم يخطئ سهمي حيث انخت ركبي، ذقت كل اصناف الفواكه مرها وحلوها، ففي كل المرافئ التي يرسو فيها مركبنا للتزود بالماء والحطب، لا اقصد المعابد والتسوق والتنزه بل اسأل عن خمارة البلد ودار البغاء . شعر ابو دريشة بالاهانة وارتفع ضغط الدم قليلاً، وقال: انسيت انني اولّ من ادمي شجرة الهيل؟ طلبت مِنهُما الهدوء والتوقف عن المبارزة الكلامية، وناولت ابا دريشة حبة لتهدئة اعصابه، وطلبت من بن كزابة ان يباعد بين رجليه حتي لا تنفجر كرته، ولحسن الحظ فان غرفتهما كانت خالية من المرضي، وسألت بهدوء وحذر عن قصة شجرة الهيل، رد ابو دريشة بانفعال: انت ممرض تعالجنا ام تتسلي بنا؟!، قاطعه بن كزابة: يبدو ان جلوسه علي مصاطب دكانه انساه اجابة المتسائلين، حتي كلامه يريد بيعه. ينظر اليّ بن كزابة يقول: يا ولدي شجرة الهيل التي تسأل عنها شابة ذات حسنٍ وجمال ورب الكعبة لم ارَ لها مثيلا و لم اسمع اطراءً لافضل منها، هناك من يقول انها اتت من جنوب شرق الجزيرة، وهناك من يقول انها ترعرت في الخليج ثم هربت الي هنا، المهم انها حين وطأت ارضنا احببناها بكل جوارحنا شيباً وشبّاناً، وزاد تعلقنا بها بعد ان رفضت الزواج من الوالي (ابي شكة) وتغنينا بها شجرة الهيل هي قصدنا/ ساحرة الالباب وقصة حبنا ، آه يا ربي لقد حلّ النسيان برأسي وتركهُ بورا لا يُخصب ذكري، لم اعد احفظ الا هذا المقطع، لطفك يا رب. قال ابو دريشة وقد عاد اليه قليلٌ من الفرح والبهجة: دعني اكمل الحديث فقد فتحت اغوار الذاكرة يا بن كزابة علي صناديق كانت تحوي اسراراً مكدسة بعد ان اختفي بو شكة او ابو مشكة نسيت الاسم، ولا نعرف كيف اختفي ولم نسأل عنه، فرمينا خلفه ثلاث حصوات كي لا يعود. حاولت شجرة الهيل ان تبسط نفوذها وان يكون لها القرار الاول والاخير في حياتنا.اما نحن فاصدقك القول يا بني انا كنا كالشمع كلما رأيناها، فما ان تتكلم حتي تصبح انهار الرغبة طوفاناً، واتفقنا علي لحس اقراص العسل وقطف الثمار قبل ظفر الغريب بها، واستغرق التخطيط منا وقتاً ليس بالقصير، واستعملنا كل الطرق للايقاع بها وقربنا الصديق ورشونا العاذل والرقيب، واتفقنا مع اقرب الاقربين منها لاحضارها الينا، وتم فتح حبات الهيل ولا انكر اني كنت السّباق الي ذلك، اعتذر واطلب الغفران، ولكن لمن اعتذر وعشاقها تناثروا في الاصقاع، منهم من ابحر مع التيار ومنهم من هدد ووعد بالانتقام، وما قصدهم الا الحصول علي بقايا الهيل، ولكن تهديدهم ووعيدهم انتهي كحمل امرأة كاذب. وقطع حديثه شخير بن كزابة الذي غطّ في نومٍ عميق، طلبت من ابي دريشة ان يكمل حديثه في الغد. في اليوم التالي جئت مبكراً، ولدي العديد من التساؤلات وفي الذاكرة متسعٌ لحفظ المزيد من الحديث، ولكن وجدت السريرين فارغين، وباقي الاسِرّة يشغلها العديد من المرضي قضوا مدة طويلة كما يبدو هُنا، ظننت اني اخطأت الغرفة ولكن هل يعقل ان ينسي الطبيب مرضاه بين يوم وليلة؟!، سألت الممرضة عنهما فقالت: لا يوجد لدينا مرضي بهذا الاسم، حاولت ان افهمها اني عالجتهما بالامس، قالت الممرضة: السريران فارغان منذ اسبوعين، راجعت الملفات التي بخلت عليّ بالاجابة، سألت بعض الاطباء المناوبين فلم يسعفوني، وكأنني اسأل عن عمر او المعتصم او الايوبي في عصرنا. لملمت بقاياي واعتذرت منسحبا قبل الشك في مداركي العقلية وايداعي لدي الدكتور حسين، وصورة بن كزابة وابي دريشة تتراءظــي لي في السراب، بن كزابة في مركبهِ يُريد ارساءهُ في احد الموانئ، وابو دريشة يُجادل زبائنه، والعشاق يتنازعون علي عظمٍ يابس، والجميع في عباءة والٍ عقيم. ہ قاص من سلطنة عُمان مقيم في تونس القدس العربى 25/8/20060 |
مادة إعلانية
|
#2
|
|||
|
|||
ما شأء الله مبدع
|
أدوات الموضوع | البحث في الموضوع |
|
|
تقييم هذا الموضوع | |
تقييم هذا الموضوع:
|
|
|