سبلة العرب
سبلة عُمان الصحيفة الإلكترونية الأسئلة الشائعة التقويم البحث مواضيع اليوم جعل المنتديات كمقروءة

العودة   سبلة العرب > سبلة الثقافة والفكر

ملاحظات

 
 
أدوات الموضوع البحث في الموضوع تقييم الموضوع
  #1  
قديم 08/08/2006, 09:48 PM
صورة عضوية النجمة اللامعة
النجمة اللامعة النجمة اللامعة غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ الانضمام: 30/08/2001
الإقامة: تاج راس الدنيا "مسقط"
المشاركات: 355
من منكم قرأ احد هذه الكتب ؟؟ يعطينا رايه

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يا جماعة الخير اذا حد منكم قرا احد هذه الكتب يا ريت لو يعطينا رايه
اتمنى المشاركة الجماعية
(( ولا تقولوا لي ترى كل واحد و ذوقه انا ابغى اشوف كل الاذواق مو مشكلة بستحمل المالح والحار ))
نبدأ........
احدى عشر دقيقة : باولو كويلو
مقام عطيه : سلوى بكر
هي البداية : مها الهنداوي
الروايه: نوال السعداوي
مئة وهم حول الشرق الاوسط: فريد هاليداي
ملامح : زينب حنفي
الاسبوع الاخير : هالة كوثراني
ذكريات عربي افغاني : ابو جعفر المصري
الاخرون : صبا الحرز
المطاوعة : مبارك الدعيلج
قرات لك من عيون الكتب : عبد العلي الجسماني
مدام بوفاري : غوستاف فلوبير
اصابع : منى ظاهر
شبح كانترفيل : اوسكار وايلد
ريح الجنة : تركي الحمد
عروس تزف الى قبرها مصطفى الرافعي
وحي القلم
حديث القمر
وفيه بعد كتب بالانجليزي للي يقرأ بالانجليزي يا ريت لو يفيدنا
From my sister lips - Na'ima B Robert
Afsaneh : short stories by Iranian women - Kaveh Basmenji
The Sunburnt Queen - Hazel Crampton
The Tribes Triumphant - Charles Glass
Life Guard - Andrew Gross
Elements Of Style- Wendy Wassorstein
Thefl - peter carey

عاد لا تبخلوا علينا بالرد
  مادة إعلانية
  #2  
قديم 09/08/2006, 11:15 AM
صورة عضوية asha3er
asha3er asha3er غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ الانضمام: 13/05/2006
الإقامة: السلطنة الحبيبة
المشاركات: 647
" الجواب يبدو من عنوانه " واغلب الظن أختي الكريمة " النجمة اللامعة " أن هذه الكتب لم يسمع بها أحد سمع أو لم يطلعوا عليها لذلك كثر قراء الموضوع ولكن تجاوزوا عن الرد لعدم قراءتهم لهذه الكتب وأنا للأسف الشدي واحد منهم حيث لم تتح لي الفرصة لأطلع على أي كتاب من الكتب السالفة الذكر حسب معلوماتي إن لم تخني الذاكرة..
واسمحي لي بهذا السؤال: لماذا وضعت هذه الكتب بالذات؟! وما الهدف من معرفة آراء الآخرين لأنها من وجهة نظري المتواضعة لن تؤخر ولن تقدم إلا إذا كانت كدراسة نقدية لهذه الكتب فذلك شأن آخر؟؟!!..

دمت بود وهنااااء وعز وإباااااء

آخر تحرير بواسطة asha3er : 09/08/2006 الساعة 11:18 AM
  #3  
قديم 09/08/2006, 01:08 PM
صورة عضوية النجمة اللامعة
النجمة اللامعة النجمة اللامعة غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ الانضمام: 30/08/2001
الإقامة: تاج راس الدنيا "مسقط"
المشاركات: 355
معقولة ما حد قرأ ولا كتاب واحد من هذه الكتب
  #4  
قديم 09/08/2006, 05:14 PM
مخاوي الهم مخاوي الهم غير متواجد حالياً
خــــــاطر
 
تاريخ الانضمام: 01/08/2006
المشاركات: 9
مساء الخير....
أنا قريت مدام بوفاري في أيام طفولتي.. أو مراهقتي البكر.. عندما كنت من قراء روايات الجيب..
وهي من منشورات المؤسسة العربية الحديثة بمصر، ترجمة (حلمي مراد) _ إذا لم تخني الذاكرة_ ...
وفي الحقيقة لم أستطع أكمالها.. قرأت نصفها وعندما ارتفع ضغطي وضعتها في الدرج حيث نسيتها إلى يومك هذا..
ربما لأن سني حينذاك لم تستوعب أدب كبير كمدام بوفاري..

لكم مودتي..
  #5  
قديم 09/08/2006, 08:08 PM
صورة عضوية عماني جدا
عماني جدا عماني جدا غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 05/10/2004
الإقامة: الباطنة / مسقط
المشاركات: 3,801
مع الأسف لم أقرأ أي منها ...
  #6  
قديم 10/08/2006, 01:41 AM
العسل المذاب العسل المذاب غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ الانضمام: 18/10/2002
المشاركات: 99
مدام بوفاري جميلة مؤلمة عميقة
كل كتابات سلوى بكر رائعة
عروس تزف لقبرها لالالالا
  #7  
قديم 10/08/2006, 01:42 AM
العسل المذاب العسل المذاب غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ الانضمام: 18/10/2002
المشاركات: 99
احدى عشر دقيقة مهمة ف التعرف ع عالم العاهرات لكنها لم تجذبني
الرواية للسعداوي دمها ثقيل
  #8  
قديم 10/08/2006, 01:49 AM
العسل المذاب العسل المذاب غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ الانضمام: 18/10/2002
المشاركات: 99
أما روايتي ملامح والاخرون فهما من قبيلة بنات الرياض هههههههههه
  #9  
قديم 11/08/2006, 10:14 PM
صورة عضوية النجمة اللامعة
النجمة اللامعة النجمة اللامعة غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ الانضمام: 30/08/2001
الإقامة: تاج راس الدنيا "مسقط"
المشاركات: 355
مشكورين على الرد
الحمد لله حد عبرني
لكن وين البقية ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
على بالي بتكون مشاركاتكم كبيرة
بس يمكن عشان الكتب معظمها جديد كذا ما حد قرأها
  #10  
قديم 12/08/2006, 04:39 AM
ملعقة عسل ملعقة عسل غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2005
المشاركات: 55
مرحبا النجمة اللامعة
ملامح : زينب حنفي ... اليوم أشتريتها من معرض الكتاب بصلاله ...
وتوني فتحت الرواية ...
بس الرواية أخذت حقها من الأعلام ... ولاحظت الأقبال الكبير ع شرائها ...
بس باقى الروايات ما قرأتها ... وكان بعضها موجود فى القائمة اللي أريدها بس ما حصلتها فى المعرض .
  #11  
قديم 12/08/2006, 07:04 AM
الحاج فلوس الحاج فلوس غير متواجد حالياً
عضو عميد
 
تاريخ الانضمام: 07/05/2005
الإقامة: ~5956~
المشاركات: 26,861
وعليكـم السلام والرحمه
للاسف لم يحصل لي الشرف.
  #12  
قديم 12/08/2006, 10:15 AM
يوميات وطن يوميات وطن غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ الانضمام: 30/07/2005
المشاركات: 240
قرأت منها رواية " ريح الجنّة " للدكتور تركي الحمد ..
هي تتطرق لأحداث سبتمبر ( تفجيرات أمريكا ) ..
يحاول الكاتب أن يتعمّق في الدوافع التي أدّت إلى ذلك الفعل ..
يبحث عن الأسباب الدينيّة والاجتماعيّة والثقافيّة ..
بأسلوب روائي ..
لقد قرأت كل روايات الدكتور تركي الحمد .. برأيي أن هذه هي الأسوأ ..
شعرت وكأنها كتبت على عجل ..!
  #13  
قديم 12/08/2006, 11:41 AM
ظبية ظبية غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ الانضمام: 28/08/2002
المشاركات: 365
Post

بالنسبة لرواية (( احدى عشر دقيقة : باولو كويلو ))
هذا ما قرأت عن هذه الرواية :

(( اليوم التقيت "ماريا". كانت هي.. تجلس بصمت بين أضواء قليلة خافتة توزعت على ملامح وجهها الغامض فيما شكلت خصلات شعرها ذات اللون الأشقر بفعل مواد الصبغة غيمة كبيرة.
كانت ترتدي الأسود كما في الصورة تماما.. كيف سقطت ماريا من رواية "باولو كويلو" سألت نفسي.. هل ستكون رواية "احدى عشر دقيقة" بلا بطلتها تساءلت وأنا اطلق لخيالي العنان...
هي نسخة عن بطلة كويلو أم بطلة حقيقة؟
لكن هذه المرة ماريا لم تأت من بلاد الشمس والكرنفالات، بل أتت من بلاد البرد والعطور.
كانت ترمقني بين الحين والآخر بنظرات حزينة وتبتسم.. ملامحها قلقة كما هي دوما.. تنتظر ان يحدث شيء ما، تبحث في الوقت عمّا يجعلها سعيدة ولو قليلا.
شربت كأسا من البيرة ما لبثت بعده أن غسلت دموعها آثار المكياج عن وجهها.. راودتني رغبة بالاقتراب منها. استأذنت من "زبونها غير العادي" الجالس قربها وأخذتها من يدها الى المرحاض. سوّت شكلها متخوفة من أن أنعته بال`leicifrepus وأفضت لي ببعض مكنوناتها بشكل مبهم.. لم أفهم شيئا. ما الذي دفع بها للمجيء الى هنا؟ وما الذي دفعها لأن تكون ماريا في الأساس؟
أقنعتها بالعدول عن شرب كأس آخر وعدنا الى مكان "الزبون غير عادي". كان يغازلها حينا ويتركها حينا آخر ليغازلني.. وماذا يريد هو منها غير "إحدى عشر دقيقة" في اليوم؟! حتى أنه ليس مضطرا لأن يدفع مقابل ذلك فرنكا واحدا، فهي تتكفل بكامل المصاريف..
شيء ما مختلف بشأنها كان يجول في عقلي.. كانت تبدو مختلفة اليوم، بلا هدف تسعى إليه، وبلا أي نية لوضع حد لحياتها الميتة. كانت تختفي "ماريا" التي أعرفها تحت أفكاري سوى من الغيمة الشقراء التي تغطي رأسها الضائع.
سألتني إذا ما كانت تستطيع أن تبيت في منزلي، فتراءت لي على الفور ملامح وجه والدي عندما يراها تقف على مدخل البيت بشكلها ال`leicifrepus هذا! سؤالها البسيط يشكل مغامرة متهوّرة بالنسبة لي، لن أخوضها على رغم رغبتي الجامحة في ولوج دهاليز حياتها..
كان الأمر غريبا حقا..أن ألتقي "ماريا".. كنت قلقة عليها، وفي الوقت ذاته وجدت نفسي أصدر أحكاما تدينها ولكن من غير أن أتكلم. كنت أعاقبها وأعاتبها بشدة، لأنها لم تكن تشبهني في شيء من مبادئي.. كانت بعيدة جدا، حتى عن نفسها، التي كانت قد عاهدتها بأن لا تفكر بالحب. ولكن ها هي تسقط مجددا في الفراغ. كانت فقط "تحلم، مثل جميع الفتيات، بذلك الرجل الذي يستطيع أن يكتشف فيها امرأة حقيقية ورفيقة مثيرة وصديقة، رغم أنها كانت تعرف أن شيئا من هذا لن يحدث في أي لقاء".
استأذنت "ماريا" لتدخل المرحاض مجددا، حدجت "الزبون غير عادي" بنظرات استفهام واستغراب، ضحك بلا مبالاة وأخبرني أنها تتقيّأ إذا ما أحسّت أنها أكلت كثيرا، وأنها تبكي دائما بعد احتساء الكحول، وأنها جاءت لتمضي معه شهرا كاملا (وبذلك لا بد وأنه سيحظى بحوالي ثلاثمائة وثلاثين دقيقة)، وأنها تعاني من اضطرابات نفسية مستعصية وأنها تحبه وهو "بصراحة"، لا يحبها.
كنتُ هناك، شخصية ما في الرواية وجزء منّي خارج المشهد تماما. يراقب الأحداث، يبحث عن زمان ومكان ومشكلة، يحاول ربطها جميعا ليصل الى نهاية غير سعيدة البتة.
كم تمنيت في تلك اللحظة أن أجلس مع "ماريا"، وأقول لها أن ما تفعله خطأ. وأنه "يحق لنا أن نرتكب الكثير من الأخطاء، إلا تلك التي تدمرنا" كنت أريد أن أنصحها بأن تأكل جيدا "لأنه ليس الشر في ما يدخل في فم الإنسان، وإنما في ما يخرج منه". كنت أريدها أن تفهم أنّ "من يحب بشكل لا حد له يفهم معنى الحريّة"، وأنه "عندما نحب يصبح للأشياء معنى أكبر". كنت أشعر بأنها بحاجة لأن تسمع كلمات تحمل معنى ما..
لكن إذا كانت هذه الفتاة هي ماريا فعلاً فأنا بالتأكيد لست "باولو كويلو"... وبطلتي هذه، التي تحمل اسم لينا، تقحمني في فراغ الكلمات..))
هذا ما كتبته ( سناء راضي )

في حين ما تقوله الكاتبة السعودية ( وجيهة الحويدر ) أكثر جراءة ، بل تفصل هذه الرواية على الواقع العربي الذى هو مومس أكثر ابتذلا ، وأكثر بشاعة وقرف ، فلنتابع هذه الكاتبة وما تقول :

(( تاريخيا وجِدَت مهنة المومس او البغي للسبب عينه الذي وجِدَت من أجله المهن الأخرى، الكدح من اجل البقاء. في جميع الثقافات المحافظة وغير المحافظة كانت مخادع المومسات وما زالت مأوى للنزلاء الذكور المحمومين. يأتي الذكر وهو محمل بمحنته التي لا يعرف أسبابها، لكنه يُدرك ان العاهرة لديها ما يخفف من وطء اوجاعه. يـُقبل الذكر على المومس وكل عضو فيه مستسلم ذابل، وذهنه مسلوب من كل السبل التي قد تحفظ له بقايا كرامة فيه. يخلع ملابسه قطعة وراء الأخرى بلهفة، وحين يكشف اسلحته التي يشهرها دائما ليثبت انه المخلوق الأكثر حقوقا واهمية، يسلمها بخنوع وانكسار لأضعف وأذل اناث الأرض. يلقي بجسده المصاب بحمى الابتذال على جسد تلك الانثى التي لا ترى فيه سوى قروشه التي يسكبها عليها كل مرة، بعدما يدلق على فراشها حياءه الملطخ بمائه، ويرمي في عرض البحر جميع ما يميزه عن دواب الأرض البائسة ويصنفه على انه بشر.



في راوية "إحدى عشر دقيقة" للكاتب البرازيلي "باولو كويلو" ، تكشف المومس الشابة "ماريا" مشاعرها تجاه من يعربدون على جسدها من الرجال، وتفضح خفايا صنف ذكوري وضيع، مستَعمَر بما بين فخذيه. "ماريا" مومس جميلة عاملة جنس متمرسة للطبقة الغنية، تعنى بتخفيف العُقد الجنسية المعتلة بها نفوس الذكور المترفين. معظم زبائنها من رجال الاعمال، ومن اصحاب المراكز الحساسة الذين بإمكانهم ان يحركوا العالم من حولهم بأطراف أناملهم، لكنهم يعجزون عن رفع انفسهم قيد انملة امام جسدها الغض الملتهب. هؤلاء رجال يعدّهم عالمنا الذكوري عظماء وناجحين ، لكنهم حالما يدخلون محراب المومس الشبقة يتحولون الى حيوانات مستأنسة ذليلة، تتضرع وتتوسل من اجل اطفاء ذاك اللهيب الذي يحرق أجسادهم، ويهيّج كل عضو فيها ويشعله.


المرأة المومس تكاد تكون أسطورة قديمة كُتبت برموز عجيبة محيرة، لأن الكل عجز عن تفكيك طلاسمها، ربما لأنها ُصبت بماء شهوة يتلظى، لا يكف عن اثارة مكامن من يدنو منها وتأجيج مشاعره.


مهنة الدعارة تُعد قصيرة الأمد، مثل أي مهنة يُستهلك فيها البدن بطريقة مكثفة. لذلك المومس تتقاعد مبكرا، فيما عدا بغايا العرب. بغايا العرب لسن نساء لكن أمرهن يستدعي الالتفات والتوقف عنده بجدية. فهن بغايا لسنوات وعقود بل بعضهن لقرون مديدة. شِخنَ وَعَبَثَ الزمن بتقاسيمهن وترهلن بكل ما تحمله تلك الكلمة من قرف. بغايا العرب بعضهن مسنات وذابلات، لكن الذكور ما زلوا يصرون على اعتلاء صهوتهن واستغلال كل جزء فيهن. هن لسن بإناث لكن سحرهن على كل من حظي بعضو ذكر يفوق بشكل كبير على سحر جميع حسناوات العالم وبغاياه. هن بالتحديد ثلاث بغايا يظهرن بأقنعة مختلفة:العروبة، والعصبية الدينية، والديمقراطية. الديمقراطية أضيفت حديثا بسبب تداعيات 11 سبتمبر، لكنها ابهرهن واينعهن واكثرهن جاذبية. ثلاث عاهرات للعرب يفرغن فيهن كل الهزائم والشعور بالدونية والخذلان.



المومس الأولى هي العروبة صارت اقل جاذبية في الزمن الراهن، لأن الردح معها او عليها أو ربما فيها لم يعد ذا جدوى، بسبب المشاحنات والنزاعات المبطنة والمعلنة المغروسة بين البلدان العربية حكومات وشعوبا. فالحروب الأخيرة والاعتداءات العسكرية واللفظية التي جرت بين العرب وبالتحديد في العقدين الأخيرين، دفعت بالأقطار العربية التي تفتقر لجيش مدجج، أن ترمي بنفسها بين احضان الدول العظمى لتشرف على حمايتها. صارت العروبة مثل عاهرة رخيصة تخترقها خوازيق حثالة الحارة وداعري الحارات المجاورة، فلم يعد زيت العرب في دقيقهم خاصة من بعد سقوط الكويت ونهوضها.



العصبية الدينية هي المومس الثانية، فهي ذات جاذبية خلابة وجسد متوهج بالرغم ان عمرها يُحسب بقرون عدة. العصبية الدينية منذ أن أفرزتها الأمة العربية وحتى اليوم لم تزل فاتحة جميع منافذها المحللة والمحرمة، لمن أراد ان يثبت للمسلمين كافة انه حامي الحمى وناصرها حتى آخر نَفَس فيه. العجيب فيما يجري على ارض العرب أن ذكورهم لا يكلون ولا يملون من ركوب تلك المومس والوصول الى ذروة الخلل العقلي والنفسي وقبلهما العقائدي. تدب شهوة الجنون في اجسادهم فتتمدد ألسنتهم وتشتد زنودهم وتقوى عزيمتهم، فيهبّون كالمعتوهين لخوض معارك فاقدة الصلاحية وعديمة الفائدة. يتحولون كالوعول المفترسة المصابة بسعار ****** وجنون البقر والثيران حين تمسهم عصبيتهم الدينية. بين تارة واخرى يجولون في الشوارع بهتافات تنم عن جهل قبيح وعصبية متأصلة حتى العظام والادمغة المعطوبة. مومس العروبة ومومس العصبية الدينية يعتليهما كل من هب ودب من ذكور العرب، من اجل ان يواروا ذكوريتهم المخصيّة، ويخفوا رجولتهم المأزومة.



المومس الثالثة هي الديمقراطية من ألذ المومسات وأكثرهن شبابا وانتعاشا وحيوية. مومس طبقة انصاف المثقفين وانصاف الآلهة الذين انزلوا على هذه الأرض في صور مسئوولين وحكام عرب. الديموقراطية باغية نضرة ترتدي كل يوم لباسا مثيرا ومهيجا لكثير ممن "لحسوا حبرا" كما يقول الاتراك، الذين يعدون انفسهم مثقفين ويودون تجميل قبح هذا الشرق الخَرِب. مرة تلبس الديمقراطية ثوب نشر ثقافة حقوق الإنسان واحترام الحرية الشخصية، ومرات إعطاء حقوق للأقليات وبث مفاهيم التسامح وقبول الآخر، وتارات تمكين المرأة ومساواتها في الحقوق والواجبات، لكن اذا اشتد شبق الذكور وهاجت رغباتهم ألبسوا تلك العاهرة رداء مزركشا ومشعا ليستروا به عوراتهم، وتصايحوا بالحريات الدينية بأصوات تفوح منها اقذر اصناف النفاق والتملق.



بغايا العرب تلك ستبقى مخادعهن جاهزة ومهيئة لمن أراد أن يسجل أسمه في قائمة مرتادي المواخير الأقحاح. فالعروبة والعصبية الدينية والديمقراطية عاهرات باقيات لعقود طويلة بين أبناء الأمة من اجل أن يعتلوا صهواتهن، ويظهروا بأردية الوطنية، والولاء الديني، والتحضر في آن واحد. ما عليهم سوى ان يمسوا ما هو جنوني ومثير وسيَرَوا الكثير من غوغاء امة محمد يهللوا ويكبروا لهم "بالروح بالدم .." ويعدوهم قناديل يهتدون بهم في عتمتهم الداكنة. مرتادو بغايا العرب يتشابهون في تقاسيمهم المحمومة سواء كانوا أثرياء مترفين أو فقراء معدمين، فهم مثل مرضى العلل المزمنة، يكابدون آلاما لا رجاء من شفاءها، لكنهم يصرّون بحماقة المدمن على تعاطي نفس العقاقير التي تزيدهم تقهقرا ووهنا وانتكاسا.))

هذا حوار إجرته ( جـمـانـة حـدّاد ) مع الكاتب :
(( أنا الساحر أنا محارب الضوء أنا بائع الزجاج أنا الرسام الذي أغرمت به ماريا وأنا ماريا نفسها

بـاولـو كـويـلـو: يـقـول لـي الـوسـواس الـذي يـغـويـنـي

لـقـد نـجـحـتَ يـا كـويـلـو فـلـمـاذا لا تـتـوقـف الآن؟

الرحلة التي قمت بها لإجراء حوار مع الكاتب البرازيلي باولو كويلو بدأت مرهقة جسديا ونفسيا. ستّ ساعات في القطار من باريس الى بلدة تارب الواقعة في منطقة البيرينيه، أمضيتها في التفكير كم أن موعدي هذا يصلح الى حدّ ما حبكة لقصّة بوليسية أو لفيلم هيتشكوكي. إذ لم يكن كويلو قد أعطاني عنوان منزله، ولا رقم هاتفه، ولا أي سبيل من سبل الاستدلال الى ملاذه الريفي الفرنسي. جلّ ما كتبه لي في ايميله الأخير، الكلمات الآتية: "إذهبي الى تارب وانزلي في فندق هنري الرابع وانتظري اتصالي". عند خروجي من المحطة صعدتُ في التاكسي وسألتُ السائق بلهفة: "هل تعرف باولو كاويلو؟". نظر إليّ في عتاب وأجاب: "سيدّتي، لا نعرف سواه هنا!"، فاطمأننت. حسناً، لن يصعب عليّ أن أجده إذاً، حتى إذا كان قد نسي الموعد.

تأمّلتُ من نافذة السيارة المشهد الجبليّ الممتد من حولي، فتخيّلتُ نفسي أجتاز العقبات وأتسلّق الأسوار وأعبر السهول والأودية كي أعثر على صومعة "الحاجّ"، ثم انتبهتُ الى أني ربما أبالغ في الخلط بين الكتب وكاتبها، وبين الوهم والواقع- تساعدني في ذلك، أعترف، مخيّلةٌ هي أصلا على قدر لا بأس به من الدراما، وتميل تلقائيا الى أسوأ السيناريوهات. لكنّي نفضتُ سريعا غبار الوساوس عن ذهني: "لا، لا يُعقل أن يكون قد نسي. لا بدّ أن الموعد مدوَّن في أجندته السوداء - تخيّلتها سوداء - أو في مفكّرة سكرتيرته ماريا دي لورديس، ولربما هو يريد اختبار قدرتي على الاستسلام للأقدار". في أي حال، أجواء هذا اللقاء كانت تشبه مغامرة قدرية تليق بالصورة التي رسمتُها في رأسي عن الرجل. "كل شيء سيكون على ما يرام"، قلتُ لنفسي مثل بطلة إحدى رواياته، فيرونيكا. لكني لم أقرّر مثل فيرونيكا "أن أموت"، بل وجدتُ من الأنسب، نظرا الى الظروف، أن أقرّر بكل بساطة الكفّ عن القلق. وقد أصبتُ في حدسي، إذ ما كدت أصل الى الفندق حتى جاءني الاتصال المنتظر. "أهلا وسهلا بكِ. نلتقي في منزلي في السادسة. لا تنسي الحفلة مساء غد أيضا". الحفلة؟ أي حفلة؟

لا يمكن أن نقول إن باولو كويلو، المولود عام 1947 وصاحب الروايات السبع ومجموعة من المؤلفات الأخرى، يشبه رواياته، رغم أننا نصدّقه حين يعلن أنه صادق مع نفسه ومع قرّائه الى أقصى الحدود. ولكني لم أجد في "الخيميائي"، ولا في "حاج كومبوستيلا"، ولا في "الجبل الخامس"، ولا حتى في "الشيطان والآنسة بريم"، تلك النظرة الإيبيكورية البرّاقة التي تلمع في عيني الرجل الذي التقيته. ضغطتُ على زرّ الأنترفون فخرج لملاقاتي في باحة المنزل: مشية ديناميكية، جسد رياضي في جينز وتي شيرت أسودين، إبتسامة مضيافة، مصافحة قوية، وأسلوب تخاطب بسيط وعفوي منذ اللحظة الأولى. إنه إنسان مؤثّر من دون شك، واثق من نفسه بالتأكيد، كاريزماتي جداً وعارف بذلك، وساحر بالمعنيين الحرفي والاستعاري للكلمة. رأيتُ أمامي مزيجا من النزق والحكمة، من الحسّية والفلسفة، من التوتّر والثبات، من المرح والعمق، من الطفل الدائم الدهشة، والداهية الذي اختبر ما لا يمكن تصوّره وعاش حياته "طولا وعرضا".

ما أن عبرنا الباب حتى توجّه كويلو فورا نحو جهاز الكومبيوتر الموجود على مكتبه في إحدى زوايا الغرفة وقال لي: "تعالي، تعالي اقرأي ما قاله عني الممثل راسل كرو في حلقة الأمس من برنامج أوبرا الشهير" (يبدو أن "الخيميائي" هو كتاب أوبرا الأثير، لكنّي لم أتمالك أن افكّر أنه ربما الكتاب الوحيد الذي قرأته فعلا مقدّمة البرامج الأميركية التي تحبّ أن تدّعي الثقافة الى حد تأسيسها نادياً للكتب)، ثم أردف الكاتب: "هل تعرفين موقعي على الشبكة؟"... دخلنا غرفة الجلوس: "بلدكِ جميل جدا. زرته مع بعض الأصدقاء عام 1996 في شكل غير رسمي، وقد سحرتني روعة صيدا وجبيل وبعلبك وجبال الأرز".
لم أكن أعلم أنّ كويلو جاء لبنان من قبل، بل كنتُ أنوي أن أوجّه إليه دعوة خاصة بإسم "مكتبة البرج" لكي ننظم له لقاء أسطوريا مع عشّاقه اللبنانيين."تصوّري، هي المرة الثالثة هذا الأسبوع توجَّه اليّ دعوة لزيارة لبنان. تعالي إقرأي الايميلين الآخرَين. (ننهض ونتوجّه مجددا الى جهاز الكومبيوتر): "أنظري، الدعوة الأولى هي من ناشري في لبنان، والثانية من شخص يريد أن ينشر كتابي بالأرمنية". وعندما أخبرتُ كويلو أني أجسّد الدعوتين، بما أن في عروقي دماء ارمنية من جدّتي لوالدتي، قال: "حسنا، أفكّر في الموضوع، في أي حال أنا أؤمن بأن الأشياء تأتي دوما ثلاثا، ولربما هذه المرّة هي الحاسمة. لا أعرف بالنسبة إلى لبنان، لكنّي أرغب حتما في زيارة ارمينيا قريبا".

سألني كويلو، المترجَم الى نحو 60 لغة والصادرة كتبه في 155 بلدا، عن مستوى توزيع كتبه في البلدان العربية. سألني أيضا عن النسخ المقرصنة من رواياته رغم أنه اعترف بأن الأمر لا يزعجه البتة، لا بل يشعر بالإطراء إزاءه، وأنه يقلق فقط من نوعية ترجمة الأعمال المقرصنة التي قد لا تكون في مستوى الترجمة الرسمية. هنا تحدّثنا عن مترجمته البارعة ماري طوق، وعن اللبنانيين في البرازيل، وعن الحفلة - انكشف اللغز- التي يقيمها في الغد في داره والتي يدأب على إقامتها في التاسع عشر من آذار من كل سنة احتفالا بشفيعه القديس يوسف، وأيضا عن خصلة الشعر الطويلة في مؤخرة رأسه التي يحتفظ بها كذكرى من أيامه هيبياً، وعن المصحّ العقلي الذي احتجزه فيه والداه عند بلوغه السابعة عشرة من العمر، عندما أطلعهما على رغبته أن يكون كاتبا لا مهندسا. تحدّثنا أيضا عن الثقافة العربية وغناها وتأثيرها في لاوعيه الإنساني والصوفي والأدبي، وعن "ألف ليلة وليلة" ومدى افتتانه بأجوائها وشاعريتها وحكاياتها منذ صغره، وعن جبران خليل جبران ورسائله الى ماري هاسكل، التي لم يكتف كويلو بترجمتها بل أجبر كذلك دار النشر التي يتعامل معها على نشرها في عدد كبير من البلدان.

أجل، الرحلة التي سأرويها بدأت مرهقة، لكنّ "الساحر" عرف كيف يحوّل حصاة التعب وردةً بحركة سريعة من يديه الرشيقتين. عندما هممنا ببدء الحوار تربّع على الأرض أمام المائدة الواطئة التي تتوسّط الغرفة وبادرني قائلا: "هل تمانعين إن جلستُ هكذا أثناء حديثنا؟". لحظاتٌ تمالكتُ خلالها دهشتي، وما كان منّي إلا أن ترّبعتُ قبالته بسرور. أدرتُ المسجّلة: "هل أنت جاهز سيّد كويلو؟". "دائما"، قال.



لا بدّ سيكون حديثا مشوّقاً.

*بما أنّكَ لست رجل الوجهات العادية، وغالبا ما تردّد انك تعشق السباحة ضد التيار، لنمش القهقرى ونبدأ حوارنا من الأحدث. لقد تناولتَ في "احدى عشرة دقيقة"، وللمرة الأولى، موضوع الجنس واللذة والجسد، مما فاجأ قرّاءك الذين اعتادوا معك دخول عوالم أخرى، روحانية ورمزية للغاية. ألم تتخوّف من ردود الفعل التي سيثيرها هذا التغيير؟

- لطالما كنتُ راغبا في تأليف كتاب يدور حول موضوع الجنس وموقفنا إزاءه، لكني لم أكن أجد خيط الفكرة الموجِّه قبل لقائي ماريا. فالجنس هو إحدى الطاقات الحيوية الأكثر قدرة على تغيير التاريخ، وهو في مفهومي لا يُمارَس فحسب، لذلك لا احبّذ عبارة "فعل الحبّ" مثلا. الجنس ليس فقط ما نفعله، بل ما نكونه أيضا وخصوصا. ربما كنتُ قلقا بعض الشيء من أن اصدم البعض، لكني أثق في قرّائي واعتقد أن على المرء أن يكون صادقا مع نفسه في الدرجة الأولى: وبما أن ذلك هو الكتاب الذي كنتُ أهجس بكتابته، وتلك هي القصّة التي كانت محفورة في روحي، لم أتردّد في تلبية النداء. أما ردود الفعل فقد جاءت ايجابية جدا، حتى أن "إحدى عشرة دقيقة" كان الكتاب الأكثر مبيعا في العالم عام 2003، يليه على اللائحة "هاري بوتر".



رؤية طوباوية للحب والجنس؟

* لكنّي شعرتُ إذ أقرأ هذا الكتاب بأن رؤيتك للحب والجنس طوباوية للغاية، لا بل ساذجة في بعض الأحيان، لكأنك تروي لنا خرافة تنتهي بأن يعيش الأمير والأميرة حياة سعيدة معا الى أبد الآبدين...

- تعتقدين؟ أجل، ربما أنتِ على حق... في أي حال، لقد فكّرتُ مليا في نهاية القصّة، لأنه كان أمامي خياران: الخيار الأوّل أن أضع له خاتمة مأسوية، والثاني أن أخلص لقصّة ماريا الحقيقية، التي تزوّجت فعلا في آخر المطاف بالرجل الذي تحبّ.



* في رأيي أن هذا المصير الذي اخترته لهما، أي الزواج، أكثر مأسوية حتى من انفصال محتمل بين الحبيبين!

- (ينفجر ضاحكا) لا لا لا! في أي حال، لا يعني ذلك اني أعتبر الزواج أسطورة من السعادة والهناء. ونعرف جميعا أن قصص الحبّ التي تنتهي "على خير" نادرة. ولكن في هذه القصّة بالذات، آثرتُ ان انقل بإخلاص ما حدث مع ماريا، تلك الصبية التي التقيتها فعلا وروت لي حياتها، وإن لم يكن حبيبها رسّاما كما في الكتاب. قصّتها كانت، كما قلت، الخيط الموجِّه الذي لطالما بحثتُ عنه.



* لكنّك روائي ولست كاتب سيرة، أي أنه كان في وسعك ان "تقطع وتربط" ما شئت من الخيوط وأن تعجن القصّة على هوى رؤاك...

- طبعا، وهذا ما قمتُ به في اي حال، إذ أبدلتُ بعض الأحداث والشخصيات، وأضفت تأملاتي الخاصة كرجل - وتأملاتي الخاصة كامرأة تسكن في روح كل رجل - في موضوع الجنس. الخلاصة التي توصّلتُ إليها في حياتي هي أن الحبّ الجسدي هو احد تعبيرات الحبّ الروحي، وأنه من المهمّ ألا نفصل جسدنا عن عاطفتنا. هل اجمل من أن يكون الاثنان على تناغم، فيغدو ما يطلبه الأول هو ما يريده الثاني والعكس بالعكس؟ الجنس بلا عاطفة عنف نمارسه على أنفسنا. وما أذهلني هو العدد الهائل من الإيميلات التي تلقيتها حيث يقول لي القراء إن "إحدى عشرة دقيقة" أضاء لهم نواحي كثيرة كانوا يجهلونها عن حياتهم وسلوكهم الجنسيين. إن الناس يحاولون منذ البدء اتباع سلوك جنسي نمطي، فيتجاهلون أهمية السعي الخاص، وينسون أن كل واحد منا فريد في روحه وجسده وجنسانيته، وأن ما ينطبق على الأول لا ينطبق على الثاني وهكذا دواليك. نتيجة ذلك، نجتاز المراحل ونعيش عددا كبيرا من التجارب، لكننا غالبا نفوّت "الإكتشاف": أي قبول واقع أننا مختلفون، ومشاركة هذه الاختلافات مع شريكنا وحبيبنا.


* أليس هذا التناغم الكامل بين الجسد والروح رؤية تبسيطية و"مثالية" عن علاقة بالغة التعقيد؟

- مثالية؟ لا أعتقد. المطلوب فقط أن نحاول دائما إعطاء أفضل ما عندنا، أن نحارب لكي نصل الى الحب الحقيقي، من دون أن نتوّهم طبعا أنه الفردوس. بل على العكس من ذلك، الحب يزعزع، يخلخل، ينهك، يقلب كل حياتنا رأسا على عقب. الحبّ هو تحدّ يومي، يمكنه أن يبنينا، كما يمكنه أن يدمّرنا، تماما كالكلمة. نحن الرجال مثلا نمضي حياتنا ساعين الى إظهار ذكورتنا ورجولتنا، والى إثبات أننا قادرون على الانتصاب وبارعون في أداء الفعل الجنسي. إلا انّ الحب ليس هذا، بل هو الحنان والملامسة والإصغاء والانسجام والتواطوء.



* لكنّه الجنس أيضا...

- نعم، نعم، هو الجنس ايضا بالتأكيد، لكني اشدّد على أهمية الحب في بعده الشعوري-العاطفي، حتى إذا كان معظمنا يخاف أن يحب، لأننا عانينا وتعذّبنا عندما أحببنا بلا خوف. ولكن رغم المعاناة يجب ان نحبّ.



* ألا تعتقد أن ثمة لديك نزعة الى الوعظ والإرشاد؟

- (بإستنكار شديد) واعظ؟ أنا؟ أبدا، ابدا! قد يخال المرء أنك تحاولين استفزازي بشتى الطرق! انا لا اسعى الى إرشاد أي كان، بل أؤمن ان لكل منّا طريقه، ولست أقول إن على الناس ان يبحثوا قصداً عن الالم والمعاناة والتجارب الصعبة. ان الرسالة التي اريد توجيهها هي ألا يهربوا من هذه حين تواجههم، فالمشكلة ليست في ان نخسر معركة مع الآخر، بل في ان نعرف أي نقطة أدركنا بالضبط في نضالنا الذاتي. وهذا ما وعته ماريا مثلا، عندما تمكّنت اخيرا من أن تفهم جنسانيتها وأن تتقبلها.



* وكم احتجتَ من الوقت لكي تفهم أنتَ شخصيا هذا الجانب من ذاتك ؟

- إسمعي، انا في السادسة والخمسين من العمر، اي أنني عشتُ الكثير: نمرّ جميعا في مراحل تعرّف وتيه وكذب وتأقلم وانقلابات، قبل أن نكتشف ماهية جنسانيتنا. هل لجأتُ يوما الى المومسات؟ أجل، مرتين أو ثلاثاً، في السادسة عشرة، فذلك امر طبيعي جدا عندنا في البرازيل، كتمهيد أو مدخل الى عالم الذكورة. لكني لا اذكر من تلك التجربة سوى خوفي، وشعوري باني لستُ مرتاحا. بعدها جاء تيار الهيبي في الستينات، ومعه الجنس الحرّ الفالت من اي قيود، تلته مرحلة محافظة جدا في ما يتعلق بي على هذا المستوى. لكني أعتقد اني ما زلت في طور اكتشاف هذه الناحية من كياني، كما نواح أخرى طبعا. ولهذا السبب كتبتُ "إحدى عشرة دقيقة": إنه يعكس جزءا مني، على غرار كل كتبي السابقة.



أنا كاتب صادق

* فعلا، فحتى إن لم يكن في الإمكان رصدكَ في شكل مباشر في رواياتك، إلا انك حاضر فيها وبقوة. هل عندك ظمأ ملحّ الى الكشف عن نفسك؟

- لنقل على الأصحّ ان عندي ظمأ ملحّ إلى اكتشاف نفسي ومعرفتها. أكتب عن مسائل تهمني وتشغلني، عن امور أهجس بها، بمعزل عمّا يتوقّعه مني القراء. أعتقد ان من المرهق للغاية أن يحاول المرء الإختباء طوال الوقت. أنا لا اريد الاختباء، لا أريد الاقنعة، بل أودّ بكل بساطة أن اتقاسم نفسي مع الآخر: نعم أنا حاجّ كومبوستيلا، انا محارب الضوء، أنا بائع الزجاج والراعي، أنا الرسام الذي أغرمت به ماريا وأنا ايضا، في شكل ما، ماريا نفسها! كل كتبي محاولات لكي أجيب عن اسئلتي الخاصة حول الحياة. أنا كاتب صادق جدا وقرّائي يعرفون ذلك، وإلا كانوا ليتوقّفوا عن قراءتي لو شعروا بأني مزيّف.



وصفة كويلو

* في الحديث عن قرّائك، وهم كثر كثر، ما سرّ نجاح "وصفة كويلو" في رأيك؟

- عندما يأتي اليوم الذي أعرف فيه سبب نجاحي اكون قد انتهيت. تتحدثين بمكر عن "وصفة" (يرميني بنظرة من قبض على مذنب بالجرم المشهود)، لكني أجيبكِ بأنه لغز. كيف تريدينني أن افهم سبب وصول كلماتي الى هذا القدر من الأرواح؟ هذا السؤال يُطرح عليّ غالبا، ولكن إذا كان القرّاء يتوهمون اني اعرف الإجابة عنه، حريّ بهم ان يكفّوا عن قراءتي في هذه اللحظة بالذات. عموما، يمكن ان اقول إن ثمة عاملين يساهمان في مساعدة شخص ما في تحقيق حلمه. الأول هو ان يكون الحالم مؤمنا بما يحلم به. فأنا مذ قررت أن اكسب عيشي من الكتابة كففت عن ممارسة أي عمل آخر. اما العامل الثاني، فهو أن يعي الحالم أنه لن يستطيع أن يحقق حلمه بمفرده. في ما يتعلق بي، كان حلفائي القراء، فهم الذين ساهموا ، بحماستهم وحبّهم، في نشر أعمال كاتب غير معروف في بداية الطريق.



* لكنك روائي يثير جدالات حامية، فثمة الشغوفون بك الى حدّ انه ليس من المبالغة تسميتهم "أتباعا"، وثمة كارهوك حتى التجاهل التام. وهناك من يتساءل ما إذا لم تكن هذه الملايين من الكتب المبيعة قد جاءت نتيجة عملية تسويق بارعة أكثر منها نتيجة نوعية أدبية عالية. لا بل انّ البعض يذهب حد القول إنك "منتج تجاري" أو آلة تصنيع بست سيللر، وإنك تناسب القرّاء الذين لا يقرأون، وقد كتب أحد النقاد عنك: "لم اقرأ كويلو، ولم يعجبني". فما موقفك من كل هذا اللغط؟

(هنا ينهض كويلو ويتوجّه نحو مكتبه. أتراه امتعض من سؤالي؟ أتراني زدتُ "العيار" وغاليتُ في استفزازه، على غرار تلك الصحافية الألمانية التي أخبرني عنها قبل بداية حوارنا، والتي كانت عدائية الى حدّ أنه طلب خروجها من قاعة المؤتمر الصحافي كشرط لكي يتابع الحديث مع زملائها؟ لا، لا، ها هو يعود- مبتسما- وفي يده علبة سجائر. "هل تنزعجين من الدخان؟". أتنفّس الصعداء في سرّي. "أبدا على الإطلاق". يشعل سيجارة وبعد نفس عميق يجيب).

- الناس موهوبون في قول التفاهات، وذلك امر لا يفاجئني ولا يؤثر فيَّ، بل أجده طبيعيا للغاية. فالغيرة عنصر كلاسيكي من عناصر الطبيعة الانسانية، وهذا النوع من الكلام يُظهر أيضا ان عملي موجود، فلو لم يكن حاضرا بقوة لما اثار هذا الكمّ من ردود الفعل. في أي حال ليس لنجاحي اي علاقة بميدان التسويق، فقد صلبني النقّاد طوال اعوام وقسوا جدا عليّ. الإعلام لم يكن حليفا، لذلك أستطيع أن اقول بفخر إن نجاحي حصل بالتواتر، بالعدوى بين القرّاء إن صحّ التعبير. ليس ثمة كاتب برازيلي، او حتى فرنسي، مترجم الى هذا العدد من اللغات، ومقروء في هذا العدد من البلدان. وانا في المناسبة جاهل تماما في مجال الماركتينغ ومتطلباته وشروطه: أذكر أني في صباي، كنت أصغي الى اغاني البيتلز وأهتف: يا للروعة، ما أعظمهم! وكانت أمي تقول لي: "دعك منهم، نجاحهم نتيجة عملية تسويق ولن يستمروا". لكنهم استمروا، وما زال العالم كلّه يحبّهم بعد أجيال.



* وهل تعتقد ان العالم كلّه يحبّك؟

- لا، لم اقصد ذلك، ولكن يحتاج بعض الناس الى التفسيرات للأسف، يريدون تشريح النجاح وتحليله، يبحثون عن إجابات منطقية وماتيماتيكية لكي يفهموا ويصدّقوا. إنّهم توما العصر، لكني لا أملك الإجابات. لماذا ابيع هذا القدر الهائل من الكتب؟ حريّ بمن يريد ان يعرف، أن يطرح السؤال على الشارين. الحكم الحقيقي في هذه المسألة ليس الناقد، بل القارىء الذي يدفع المال لكي يقتني رواياتي، ولقد اصدر القرّاء حكمهم في ما يتعلق بي. الحقيقة هي أن عملية الخلق الأدبي سرّ غامض لا يمكن تفسيره، وذلك ما ينساه النقّاد المتحجرون في كليشيهاتهم.



أعيشها

* بما انك ذكرت عملية الخلق الأدبي، سبق أن قلتَ في كتابكَ "اعترافات الحاجّ" إن الكاتب شبيه بالمرأة الحامل التي تلد طفلا، وأنك عاجز عن الكتابة ما لم "تمارس الحبّ مع الحياة". يهمّنا ان نعرف كيف تفعل ذلك...

- كيف أمارس الحب مع الحياة؟ أعيشها، بكل بساطة، اعيشها بكل ما أوتيت من شغف وجنون ومتعة وعطاء. كلما عشنا حياتنا بقوة، ازدادت فرص أن نجد طريق لغتنا الخاصة. أحاول أن امنح كل لحظة الاحترام والسحر اللذين يستحقهما غموضها. طبعا تحوم في رأسي افكار كثيرة على غرار كل الروائيين، ولكن هناك فكرة محددة تستيقظ وتنمو وتناديني، واشعر بالحاجة الى تقاسمها مع الآخرين.



* ألهذا السبب تكتب؟ أهو فعل مشاركة بالنسبة إليك في الدرجة الأولى؟

- أجل، فالمشاركة وجه مهم من الطبيعة الإنسانية. إنني في حاجة إلى مشاركة إنسانيتي، وحبّي، وعملي، مع الآخر. أكتب أيضا لكي أقول الأشياء لنفسي، فانا قارئي ايضا وخصوصا، وأنتظرني مع كل رواية جديدة. وهذا الصدق هو ربما ما يدفع الناس من كل الأعمار الى قراءتي. في وسعكِ ان تقولي كذلك إني أكتب لكي أخاطب الطفل الذي نحمله داخلنا.



الطفل الذي في داخلي

* غالبا ما تتحدث عن هذا الطفل. لقد قلتَ للتو إنك بلغت السادسة والخمسين من العمر، ألم يشخ باولو الطفل فيك؟

- لا، وأعترف أني لا اتطلّع الى النضج. بل سأقول لكِ إن النضج هو بالنسبة إليَّ الوقت الذي تبدأ فيه الثمرة في التعفّن. إن القادرين على فهم الحياة هم الأطفال أو اولئك الذين ينظرون إليها كالأطفال. الطفل الذي فينا هو الذي يشعرنا بأن كل شيء، كل شيء لم يزل أمامنا، وبأننا لا نريد ان نكف عن التوغّل في مغامرة الحياة اكتشافا تلو اكتشاف. الطفل حيّ وخالد، لا عمر له. ولهذا السبب أحرص على ألا يشيخ الطفل في داخلي: فالدهشة التي يمنحني إياها هذا الطفل، وانتظار الدهشة التالية التي لا مفرّ ستأتي، يجسّدان معنى ان أكون حيّا. البالغو النضج يقيسون الأشياء بالمتر ويزينونها بالكيلو، ويعيشون في الماضي أكثر من الحاضر، ولهذا السبب لا يفهمون الجديد ولا يرونه حتى حين يمرّ في محاذاتهم. يفوّتونه على أنفسهم لأنهم لا يستطيعون تمييزه. لا يعني ذلك اني أخجل من تقدّمي في السن، فأنا لا اخبّىء تجاعيدي ولا أصبغ شعري الأبيض. إلا اني ارفض النضج في معناه الكلبيّ.



* وهل هذا الطفل الذي تخاطبه هو السبب في استخدامك لغة بسيطة ومباشرة الى هذا الحدّ؟

- (يتحمّس) إسمعي، استطيع ان أؤلّف كتابا معقّدا جديدا كل أسبوع، لكني أؤثر بدلا من ذلك ان اؤلّف كتابا بسيطا ومباشرا كل عامين: كتاب بلا زخرفات أدبية ويخترق قلوب الناس. المعقّد لن يفهمه أحد، إلا أن الأغبياء سوف يتملكهم الانطباع بأنه عمل عبقري لأنهم تحديدا عاجزون عن فهمه. وراء كل تعقيد فراغ مرعب. قد يبدو اسلوبي سطحيا لأني أتقشف في لغتي الى اقصى الحدود، لكني أفعل ذلك لكي اتيح للقارىء أن يستثمر خياله معي. أستفزّه، أحرّضه، اهزّه من جموده ومن موقعه، أي موقع المراقب الحيادي غير المتورّط. لكني أحفظ الجوهر الذي تشحنه الفكرة، والرمز الكامن وراء الكلمات. كل الناس يريدون أن يكتبوا "عوليس"، ولكن إذا قمتِ غدا باستفتاء لمعرفة عدد الذين قرأوا "عوليس" كاملا، ستجدين أنهم قلّة. لست أكتب وفق شروط "المؤسسة"، إلا أني واثق من أن هذه اللغة العصرية هي أداة أدب المستقبل.



إدمان لذائذ الشبكة

* في الحديث عن ادوات المستقبل، لمستُ أنك على علاقة وطيدة مع عالم الانترنت...

- آه اجل، بل إن تحديد "علاقة وطيدة" لا يكفي، وأعلن أني مدمن لذائذ الشبكة. إنه عالم يعزز التواصل والتقارب بين الناس في رأيي، على العكس مما يزعمه البعض. أذكر أني كنتُ اقيم في ما مضى في مبنى ضخم يضم ما يزيد على أربعين عائلة، وكان تواصلي مع جيراني يكاد لا يتعدّى كلمة "صباح الخير" عندما نلتقي في المصعد. أما مع الانترنت فإنك تكتبين وتتواصلين وتتشاركين تجاربك وروحك مع اولئك الذين ينتمون الى عالمك ويشبهونك، والذين يُـشعرونك بأنك لست وحيدة. الانترنت قاتلة الوحدة وليست مربيّتها. طبعا، الشبكة الآن متاهة مرعبة، ومما لا شك فيه أنه يمكن استخدامها لنشر الشرّ، لكن المسؤولية لا تقع على عاتق التكنولوجيا، بل هو الانسان يختار طوعا الجانب الجيّد او السيء من الأشياء.



* كل رواياتك تقريبا تدور عن هذا الصراع بين الخير والشر، بين الجانب الطيّب والجانب السيء. هل يصحّ هذا الفصل؟ أليس الطيب والسيء وجهين للعملة نفسها؟ ألسنا جميعا هجينا من الدكتور جيكيل والمستر هايد؟

- أرى ان الانسان مانوي في طبعه، وأعتقد أننا نملك القدرة لكي نعرف متى نخطىء ومتى نصيب، متى نجرح ومتى نساعد، حتى من دون الحاجة الى قوانين اجتماعية. إن هذه البوصلة التي تتيح لنا التمييز بين الخير والشر موجودة في داخلنا. نحن الاثنان طبعا، بل كل شيء في الحياة ثنائي، الحب أيضا يحمل نوره وظلامه، والكتابة مثلا مزيج من النشوة والتوتر. ولكن يكفي أن نستخدم الطاقة الايجابية التي نملك، فالانسان طيّب في جوهره، إلا أن الشيطان المقموع فيه لا بد ان يطلع الى السطح احيانا...



لِمَ لا تتوقف يا باولو؟

* وماذا عن شيطانك أنت؟ لكل إنسان تفاحّته، فأي شكل لتفاحتّك؟

- أعتقد أن الوسواس الأكثر خطورة الذي يغويني يتخذ شكل الكلمات الآتية: "لقد نجحت يا باولو، فلم لا تتوقف وترتاح؟". ذلك هو الإغراء الذي أقاومه بكل قواي، أما ما تبقّى من تفّاح، فأقطفه وأقضمه بلا تردد! (ضحك) أنا أقبل تجاربي وأقبل الوقوع فيها. من جهة أخرى، يميل الناس الى اختراع شياطين اصطناعية تتحكّم بهم، ويكفي لكي ندمّر هذه ان نحرمها السلطة، أي ألا نؤمن بوجودها.



* هل يعقل أن تكون الحياة بهذه السهولة؟ عندما تتحدث عنها تبدو معادلة لا لبس فيها: هناك واحدة للنجاح وأخرى للفشل، واحدة للسعادة، وثانية للتعاسة...

- لنقل إني مقتنع بأنّ أمرين فقط يحولان دون أن يحقق المرء حلمه: الأول هو أن يظنه مستحيلا، والثاني أن يستسلم للخوف. الشجاعة هي الفضيلة الوحيدة التي لا غنى للإنسان عنها، لأن الخوف يمنعه من تغيير قدره ومن ايجاد اسطورته الخاصة.



* وممّ يخاف باولو كويلو يا ترى؟

- من الحديث أمام حشد من الناس مثلا: لا اظن أني سأعتاد يوما هذا الأمر. أقوم به طبعا، فهو جزء من روتين حياتي، إذ ألقي باستمرار محاضرات وأعقد لقاءات في جميع أنحاء العالم، لكنه موقف يخيفني. أخاف أيضا من نفسي... تعرفين، الشجاعة لا تعني غياب الخوف، بل منعه من ان يشلّنا. جميعنا نخاف: إنه رد فعل غريزي، لكن الشجاعة تتيح لنا المضي قدما رغم وحش الخوف.



الموت ليس عدوّي

* وماذا عن الموت؟ ألا تخاف الموت؟

- الموت؟ الموت بالنسبة إليَّ امرأة جميلة جالسة بقربي، تغازلني وتريد تقبيلي، لكني أقول لها: لا، ليس الآن، إصبري قليلا يا امرأة، اقبّلك في ما بعد...

* إمرأة جميلة؟ هل هو مغرٍ الى هذا الحدّ في نظركَ؟

- لا، لم اقصد أن أقول إنه يغريني، بل إنه ليس عدوّي. نحن صديقان متلازمان الى الأبد. إنه كائن يرافقني كظلي، يفتح عينيّ، ينبّهني وينصحني: "إسمع يا صديقي، يجب ألا تنتظر حتى الغد. أُنظر، ألمس، تذوّق، عش بكل الحدّة والكثافة اللتين تستطيعهما لأن ما بين يديك اليوم قد يصبح ملكي غدا". لذلك أستطيع أن اؤكّد لكِ أني لا اخاف الموت.



* لكم توحي السلام الداخلي! هل انت فعلا متصالح الى هذه الدرجة مع نفسك؟

- هل أبدو لكِ هادئا حقا؟ ربما لأني عدت للتو من ممارسة رياضتي الأثيرة، اي الرماية بالقوس والنشّاب، وهي رياضة تريح أعصابي وتتيح لي التأمل وتدفعني الى الاسترخاء. في الواقع لستُ من طينة الهادئين، فأنا رجل قلق وشغوف جدا. ولكن ما كنتُ أعنيه هو اني لا اهاب النهاية لأني عشتُ في حرية وتطرّف كل التجارب التي مرّت في حياتي، الجيدة منها والسيئة على السواء. تزوّجتُ بالمرأة التي احبّها، وكتبتُ أعمالا أنا فخور بها لا لشيء سوى لأنها ساعدت ملايين الأشخاص في إدراك انهم قادرون على التحكّم بقدرهم إن هم شاؤوا ذلك. ثم إني أحاول أن اكون كاثوليكيا صالحا: ولكن لا تفهميني خطأ، فأنا لستُ بكاتبٍ كاثوليكي.



* إن لم تكن كذلك كيف تفسّر ظهور مريم العذراء على ماريا في "إحدى عشرة دقيقة" إذا؟

- ظهور مريم العذراء على ماريا؟ هل تصدّقينني إن قلت لكِ إني لا أذكر حتى هذا المقطع؟ ربما هو خيال ماريا الذي جعلها تتصوّر هذا الأمر. (صمت). غريب... انتِ الشخص الوحيد الذي انتبه الى هذه النقطة وقام أمامي بهذا التعليق. في أي حال، انا إنسان مؤمن، وأرصد هذا الإيمان كاعتراف بأن الحياة هي أكثر مما نلمسه فيها ومنها بأيدينا. الايمان يتطلب أيضا قدرة على الحلم وتخطي الذات.



الطقوس تتجاوز الطبيعة البشرية

* لكنّ الأديان ما زالت تُستخدم ذريعة لشنّ معظم الحروب ولتفشي الضغائن بين البشر...

- كل الأشياء المهمة في الحياة، كالحب والدين والحرية والحقيقة، يمكن ان تُستخدم للخير كما للشرّ. منذ اللحظة التي نبدأ فيها الانفتاح على العالم الروحاني، يولد فينا الخوف من المجهول. وهناك اشخاص على هذا الكوكب بارعون في استثمار هذا الخوف من المجهول لدى الاخرين، وفي التلاعب به. لكنّ ذلك لا يعني أن الدين هو سبب الحروب. الدين سرّ إلهي يتجاوز الطبيعة الانسانية. سوف اعطيك مثالا بسيطا يشرح كلامي: أنا أحضر القداس مرّة كل أسبوعين على الأقل. القداس هو ان نتشارك سرّا ضمن إطار طقس محدد، وحين أنظر الى الكاهن الذي يحتفل بهذا الطقس لا اسأل نفسي: "هل هذا الكاهن رجل مثالي؟ هل هو خال من العيوب؟ هل هو شرير أم طيّب؟". فهذه الأمور لا تهمني ولا تعنيني، لأن طقس القدّاس يتجاوز الطبيعة الانسانية.



* وهل تعترف بخطاياك كذلك لدى الكاهن؟

- نعم، أعترف.



* لا بد انها جلسات طويلة!

(يضحك) طويلة جدا، أنتِ على حق! ولكن هذا لا يعني أني اوافق الكنيسة الكاثوليكية في كل شيء، إذ ثمة لديها مواقف لا أؤيدها شخصيا، إلا أني اخترت بكل حرية ان أكون كاثوليكيا، لا لأني اعتقد ان الكاثوليكية افضل من الإسلام أو البوذية أو سواها من الأديان، ولكن لأني اردت العودة الى جذوري، مما يتطلّب مني احترام تقاليد هذه الجذور. يجب فصل البشري عن السر العظيم الذي يمثّله، فحتى لو كان الكاهن رجلا سيئا، إلا انه لحظة الاعتراف يتجاوز ذاته. يجب أن نتحلى بالتواضع أمام السرّ، يجب ان نطيع الطقوس ونملك الشجاعة لكي نحبّ بلا شروط. في أي حال، ليس الدين وحده ما يُستغلّ في أيامنا هذه، بل كل شيء تقريبا يتعرّض للاستغلال. لقد رأيتِ ما حصل في الولايات المتحدة مثلا: لقد استخدموا اعتداءات 11 أيلول ذريعة لشنّ الحرب على العراق. إنه لأمر فظيع. لقد تلاعبوا بالمأساة على نحو يجعلها تخدم مصالحهم الخاصة.



* أثنار حاول أيضا فعل الشيء نفسه اخيرا في إسبانيا، إثر المأساة التي ضربت مدريد.

- بالضبط، لقد حاول استثمار الاعتداء بنشره الاكاذيب لكنه لم يوفّق. غالبا ما يتوهّم الناس انهم قادرون على التلاعب بأفكار غيرهم وتسييرها على النحو الذي يلائمهم. إنه أحد تجسّدات الأنانية الانسانية والماكيافيلية الجبانة التي يتسلّح بها اولئك الذين يمارسون الشر خوفا من ان يكونوا طيّبين، ويستسلمون للطمع خوفا من ان يكونوا قانعين، ويلهثون وراء المال خوفا من ان يكونوا فقراء.



* تصريح غريب صادرا عن "مولتي ميليونير" مثلك...

طبعا أنا مليونير، اجني اموالا طائلة مع كل كتاب، وفي وسعي ان اقول إني أملك من المال ما يكفيني لثلاث حيوات مقبلة. أنا ساحر كما تعرفين! لا اعني أن المال شرّ، بل انّ طرق استخدامه تكون شريرة احيانا.



نادم لأنها حماقة

n هذه الثروة الطائلة التي تملكها بدأت مع النجاح الباهر الذي حققه كتاب "الخيميائي"، الذي ترجم الى ما يزيد على ستين لغة وصدر في أكثر من 155 بلدا، والذي تم اقتباسه أيضا في المسرح والاوبرا والموسيقى. ويبدو انك سوف تجني قريبا المزيد من الملايين جرّاءه لأنه سيتحوّل فيلما.

- لا تذكّريني، يا لها غلطة! (عند هذه النقطة ينتبه كويلو الى ان المساء قد أسدل بعضا من عتمته على الغرفة، فيسألني إن كنتُ أحتاج الى نور الكهرباء. "لا. لا بأس. دعنا هكذا، فالسحرة يفضّلون الظلال") آمل ألا يتحقق مشروع الفيلم. إني نادم لأني بعت حقوق الكتاب في بداية مسيرتي العالمية، وقد ادركتُ في ما بعد أنها حماقة لأن هذا التطوّر ليس طبيعيا. لا شك عندي في أن لورنس فيشبورن كاتب سيناريو ومخرج ممتاز للغاية، لكن شركة "وارنر" التي تملك الحقوق تعمل الآن على تغيير سيناريو فيشبورن، وهذا لا يروقني البتة. من بعد "الخيميائي" منعتُ بيع حقوق أي من أعمالي الى الصناعة السينمائية. فأنا أريد ان اتيح لكل قارىء أن يكتب السيناريو ويخترع الشخصيات الخاصة به. لا أريد أن أكتب الرواية "الواحدة". فسحة الحرية والخيال تلك جزء لا يتجزأ من المبادىء التي اتبعها في كتابتي، رغم أن ليس ثمة صيغة اكررها في كل كتاب.



الريشة البيضاء

* بل يخيّل إليّ ان ثمة صيغة تكررها، إذ تناهت إليّ قصّة "الريشة البيضاء". فما هو هذا الطقس الغامض وكيف ولد؟

- آه، ارى أنّك تحرّية بارعة! بدأت القصّة عام 1987، عندما قرّرتُ أن أكتب عن رحلة الحجّ التي قمت بها الى كومبوستيلا. كنتُ يومها خائفا ومترددا رغم أن الكتابة هي حلمي الأول والوحيد. فرحت اتساءل: "هل أكتب؟ ام لا أكتب؟". إنه القلق الطبيعي الذي يعتريكِ عندما تعرفين انك ستقومين بخطوة من شأنها أن تغيّر حياتك في شكل جذري. أخيرا قلت لنفسي: "إذا رأيتُ ريشة بيضاء اليوم، أهمّ بالكتابة"، وهذا ما حصل. فكتبت. ثم حصد الكتاب نجاحا كبيرا، وتحقق الحلم، و منذ ذلك الحين أنتظر هذه الإشارة قبل أن ابدأ في كتابة اي عمل جديد. لقد وجدتُ الى اليوم ثماني ريشات اخرى. قد أنتظر اسابيع أو أشهرا، لكني لا أشرع في الكتابة إلا بعد أن اجد ريشتي البيضاء. البعض يعتبر ذلك نوعا من التطيّر، لكني افضل أن اسمّيه طقسا.



* أكان طقسا أم تطيّرا، إنّه يفسّر سبب إقامتك في وسط الريف: فلو كنت من سكّان المدن لكانت فرص وقوعك على ريشة بيضاء أكثر ضآلة، ومن يعرف كم من أعمالك ما كانت لترى النور!

(يضحك كويلو ثم يطلب منّي وقف التسجيل لبضع دقائق لكي يعرّفني الى زوجته ورفيقة دربه منذ 25 عاما، كريستينا، التي عادت لتوّها الى المنزل مع والدتها. تخبرني كريستينا، وهي رسّامة، انها عرضت أخيرا بعض لوحاتها في لبنان في إطار معرض جماعي، وأنها تحلم بأن تزور بلدنا يوما، ففكّرتُ في سرّي: "حسنا، لقد عرفتُ الآن من اين تؤكل كتفك يا باولو، ووجدتُ الحليفة المناسبة لإقناعك بالمجيء الى بيروت قريبا!".

يمازح الزوج زوجته، ثم يقبّلها. يدخل الى المطبخ، يداعب حماته ويقبّلها بدورها، وأخيرا يستفهم من كريستينا عن ثمن شمعدانات من الكريستال جلبتها معها وراحت توزّعها على الطاولات حولنا. غمزني قائلا: "أرأيتِ؟ حتى إن كنتُ مليونيرا، هذا لا يعني أني لا اكترث بثمن الأشياء". مزحة جديدة - هو لا يكفّ عن ذلك - وبضع ضحكات مدوية، ثم نتابع حديثنا من دون ان أحتاج الى تكرار السؤال، فخيميائي الكلمات لا يدع خيط افكاره يفلت من قبضة رأسه).

- سأقول لكِ لماذا أقيم في الريف. لبضعة اعوام خلت، أدركتُ مرحلة في حياتي سألتُ فيها نفسي: "ما الذي تحتاجين اليه يا ترى؟"، وكان جوابها كالآتي: "أحتاج الى جهاز كومبيوتر فاعل، وبضع قمصان من نوع جيد، والعدد نفسه من السراويل، وحرية ان اكون على احتكاك مع الحياة.



* وماذا عن الناس؟

- أجل، الناس ايضا، احتاج طبعا الى الناس. في الواقع، حياتي اليوم منقسمة ايقاعين: الألليغرو تارة، والأداجيو طورا. الآن عدتُ لتوي من عالم الألليغرو، إذ كنتُ في بلاد الباسك في الأسبوع الماضي، والأسبوع المقبل سأغرق في الألليغرو ايضا إذ إني ذاهب الى موناكو للمشاركة في منتدى. أما في هذه اللحظة، هنا، فأعيش مرحلة الأداجيو، إذ إنني منسحب من الأضواء في عزلة بيتي. هل يمكنني أن احتمل استمرار احد الايقاعين من دون ان يليه الآخر؟ لا.



* وهل لديك طقوس كتابة أخرى سوى مسألة الريشة البيضاء؟ هل تتبع نظاما معينا؟

- لا، فأنا لا اكتب بالتقسيط، بل ابدأ الكتاب وأنهيه دفعة واحدة. لا اتوقف إلا عندما اكتب الخاتمة. إنجاز الكتاب الواحد يتطلّب مني ما بين اسبوعين وشهر من الكتابة المتواصلة. هذه هي طريقتي في إنجاز الأمور منذ أيام مراهقتي. لم اكن يوما من محبّي النظام والانضباط، ولطالما كنتُ شخصا متمرّدا.



* تتكلم في صيغة الماضي. أترى لم يبق شيء من ذلك المتمرّد؟

- بل بقي كل شيء! فشعلة التمرّد مهمّة للغاية. هذا لا يعني أن يناضل المرء من اجل حماقات، ولكن من المهم أن يستمر في النضال من أجل الأمور التي يؤمن بها. أنا خبير تمرّد، أو متمرّد متمرّس إذا اردت. أؤمن بالثورة، بالتغيير، وأؤمن بأن العالم لا يتحوّل إلا بفضل شعلة التمرّد. لطالما كنتُ - ولم ازل - رجل التطرّف والشغف والحدود القصوى. وفي وسعي أن افهم الأشخاص الملتهبين أو الشديدي البرودة، لكني لا افهم الفاترين على الاطلاق.



الندوب تكسوني

* الشغف غالبا ما يوقعنا في ورطات. فإلى أي هاويات اودى بكَ تطرّفك وشغفك؟

- لقد انجرحتُ كثيرا. انا مكسوّ بالندوب، ولكن هل تعلمين شيئا؟ إنني فخور بندوبي. فهي الدليل على اني قد عشت ولم اكن جبانا. قد تكون الشجاعة ميزتي الوحيدة، أكان ذلك في الحب ام في العمل أم في السعي الروحي. ثم إنني لستُ بنادم على شيء. ربما المرحلة الوحيدة التي اندم عليها أحياناً هي عندما أدمنتُ المخدرات. فالمخدرات فخ رهيب.



* اخال انك تتحدّث عن تجربتك مع الهيبي، عندما كنتُ تكتب الأغاني لمغني الروك راوول سيشاس؟

- نعم، تلك هي المرحلة التي اختبرتُ فيها المخدرات بكل أنواعها، ما عدا الهيرويين. المخدرات خطيرة جدا، ليس لأنها سيئة بل لأنها تمنحنا شعورا جيدا. وأسوأ ما فيها انها تقتل القدرة على اتخاذ القرارات. تحتجزنا في فردوس مزيف لا يسعنا فيه أن نختار ولا أن نقرر. في مرحلة ما انهرتُ تماما. لكنّي لستُ نادما حقا، إذ أؤمن ان كل شيء في الحياة يحصل لفائدة.



*إذا كنتَ فعلا تعتقد ذلك يا سيّد كويلو، إشرح لي إذا فائدة موت الأطفال جوعا؟ فائدة العنف وعمليات الاغتصاب؟ فائدة التعصّب والبؤس والاضطهاد؟

- (لحظات من الوجوم فالصمت فالتأمل) حسنا، إن قلت لك إني اعرف الجواب اكون كاذبا. لا اعرف. لكني اعلم ان ثمة سببا لكل ذلك. ما الذي أفعله من جهتي إزاء هذه البشاعة؟ احاول أن أقوم بدوري، من خلال المؤسسة الخيرية التي أنشأتها والتي تعنى بالاطفال والمسنين في البرازيل. لا ينفع البحث عن تفسيرات، بل الأجدى أن يقوم كل واحد منّا بما يستطيع وسط هذه المعمعة الفظيعة: ان يعطي، ان يحبّ، ان يتقاسم، أن يكتب...



تشييد الجسور

* أن يكتب؟ تصدر اليوم ملايين الكتب التي لا تدفع عجلة العالم قيد انملة نحو الأفضل. هل تظن أن الأدب يمكن ان يكون عامل تغيير إيجابي في وسط هذه المعمعة التي ذكرت؟

- عامل تغيير؟ لا. لكني أعتقد ان الأدب يمكن ان يكون محفّزا. ثمة في كل كتاب نقرأه أمور كنا نعرفها اصلا، ولكننا عندما نقرأها نتماهى مع كاتبها ومع الشخصيات التي تنقلها إلينا، وذلك يثير فينا ردود فعل، كما يمنحنا الشعور بأننا لسنا وحيدين. الأدب يشيّد الجسور: هكذا يمكن كلمات شاعر صيني أن تؤثر في روح رجل إيراني، ورواية كاتب برازيلي ان تلمس روح قارئة لبنانية... أليس كذلك؟



*طبعا، ولكن في الحديث عن البرازيل، انت تشكّل استثناء بين كتّاب أميركا اللاتينية، الذين تحضر أجواء بلدانهم دائما في كتاباتهم، فنقرأ مثلا كولومبيا مع ماركيز، والبيرو مع يوسا، والبرازيل مع أمادو، الخ... في حين لم تجر احداث اي من رواياتك في البرازيل. لماذا؟

- أولا لأني شديد التجذر في بلادي، ولأني اعرفها. أعرفها الى حد أن عينيّ لا تملكان البراءة الكافية لكي اتحدّث عنها وأكتبها واراها كما لو ان مخيلتي عذراء. زيدي على ذلك ان أمادو الذي ذكرتِ هو بمثابة ايقونة بالنسبة إلي، ولقد كتب برازيلنا على نحو رائع لا يمكن إزاءه سوى التزام الصمت احتراما. ولكن حتى عندما اكتب رواية تدور أحداثها في البلقان أو اسبانيا او الشرق الأوسط، فإني اكتب كبرازيلي، وكثر يعجزون عن إدراك ذلك لأنهم يرون العالم المرئي فقط. أنت تعلمين ان في بلادي ليس ثمة فصل بين المقدّس والدنيوي، بين المعلوم والمجهول، بين السحريّ والواقعي...



* ومن هنا يأتي سؤالي الأخير: هل انت ساحر حقا كما يصفك البعض، أم انك بارع في معرفة ما يودّ الناس سماعه فحسب؟

- (بدهاء) من يدري؟ ولكن لا تقولي كلمة "الأخير" هذه. اكرهها، فهي تعني، بالنسبة إليّ أنا الكاتب، اننا لن نعود لنلتقي مجددا ابدا. وذلك نذير شؤم.



* أنت على حقّ، لقد فكّرتُ في ذلك بدوري وأنا اقولها. لكأنك تفهم روحي. حسنا إذا، سأطرح عليك سؤالا إضافيا كي نعكس مفعول تلك الكلمة: ما هي العبارة التي غالبا ما تسمعها من قرّائك في جميع أنحاء العالم؟

- (بلا تردّد) أنت تفهم روحي!

***

ثم نهض الساحر فجأة وقال لي: "والآن، هيا بنا الى الخارج نطلق بعض السهام. انتِ من برج القوس مثل زوجتي وحماتي، ولا بدّ أنك تحملين غريزة الصيّادة في جيناتكِ. أريد أن أختبر قدراتكِ".

هكذا خرجنا الى الحديقة، وارتأينا أن تكون الرمية الأولى لي بما اني المبتدئة، والثانية له. فاتخذتُ الوضعية التي علّمني إياها، وتحدّيتُ المرمى بنظراتي كما اوصاني، وأطلقت سراح النشّابة. ولكن لم يشفع بي برجي على ما يبدو، ولا رغبتي الجامحة في أن أصيب اللوح الأبيض المستدير، إذ إني أخطأت الهدف بكيلومترات، ولا أعتقد أن أحدا سيجد ذلك السهم يوما داخل الأراضي الفرنسية. أما وقد حان دور كويلو...

فهل أحتاج حقا بعد هذا كله إلى ان اخبركم كم هو رامٍ ماهر؟ ))

وهناك الكثير بل الكثير جدا عن هذا الكاتب وعن هذه الرواية المتعبة ،

آخر تحرير بواسطة ظبية : 12/08/2006 الساعة 12:05 PM
  #14  
قديم 12/08/2006, 01:46 PM
صورة عضوية النجمة اللامعة
النجمة اللامعة النجمة اللامعة غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ الانضمام: 30/08/2001
الإقامة: تاج راس الدنيا "مسقط"
المشاركات: 355
مشكور يا يوميات وطن على المعلومات
وانت يا ظبية نعم انك ما قصرتي
مشكورين
  #15  
قديم 12/08/2006, 10:43 PM
angel22 angel22 غير متواجد حالياً
خــــــاطر
 
تاريخ الانضمام: 23/05/2006
المشاركات: 11
حسب معلوماتي انها كتب مملة وغير مشدة للانتباه
علشان كذه قرائها قليلون فقط لمحبين الكتب الادبية..........
  #16  
قديم 13/08/2006, 09:18 AM
ظبية ظبية غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ الانضمام: 28/08/2002
المشاركات: 365
Post

[مقام عطيه : سلوى بكر :
****************
تقول سلوى بكر صاحبة رواية ( مقام عطيه ) تحولت الثقافة إلى أداة لتكريس الاستبداد ، هذا ما قالته هذه الكاتبة فى حوار مطول أجرته معها عناية جابر

الحوار :

"سلوى بكر الروائية لا تنفصل عن سلوى بكر المناضلة، فمنذ البداية كتبت سلوى بكر أدباً يحترم الواقع ويحترم القضايا، رواياتها لذلك تتناول، وبدون خيانة للفن، مسائل راهنة، إذا قالت سلوى بكر أن الروائي هو المؤرخ فهي تعنى ما تقوله. أنه المؤرخ الذي يلتقط ما يفوت المؤرخين في سلسلة روايتها الأخيرة "سواقي الوقت" هي أيضا نبش لخبايا الواقع المصري والذات التي دنها أو كونها هذا الواقع في القاهرة كان هذا الحوار معها:

• روايتك "سواقي الوقت" صادرة عن دار "الهلال" عن ماذا تتحدث؟.

• تتناول رواية سواقي الوقت المتغيرات والتحولات التي طرأت على الشصية المصرية من خلال المتغيرات السياسية والاجتماعية والسياسية داخل المجتمع المصري. "فمصلح الساعات" الذي ظل سنوات طويلة قابعاً داخل دكانة القديم مهموماً بإصلاح ساعات زبائنه القديمة يتحول مع هذه المتغيرات المجتمعية إلى وكيل لشركة ساعات شهرية، ومعه تنقلب حياته وشخصيته وكأنه ليس بالشخص القديم الذي تراكم بداخله تاريخ المدينة الطويل.

• إلى أي حد ابتعدت أو اقتربت هذه الرواية من تصوير الواقع؟.

• أنا مؤمنة تماماً بأن الواقع يفوق الخيال وعندما أتحدث عن الفساد من خلال ع عمل روائي فأنا أتحدث أو أتناول جزءاً من كل وقليل من كثير، فالكارثة في أن الفساد أصبح آلية من آليات الحياة اليومية في مصر وفي الكثير من البلدان العربية، فكل إنسان يستيقظ في الصباح وهو يبتدع آلية جديدة كي يكون فاسداً من أعلي الطبقات إلى أقل الطبقات فقراً ، فالماضي كنا نشاهد من يخرجون في مظاهرات احتجاجية طلبا للقمة العيش أو استنكاراً لسلطة مستبدة فاسدة، ربما هذا الفساد الراهن يبرر لماذا تحولت هذه المشاهد القديمة إلى مشاهد سينمائية لا نشاهدها إلا في ظلمة قاعات العرض أحيانا.

• هذه الرواية تحاول أن تتلمس مسارات الفساد البطيئة والحثيثة داخل الوجدان الإنساني وفخرها الدءوب في روحه ينفر فيها من كل محتوى يتعلق بالجميل والسامي. إنها محاولة لرثي الوقت ومفرداته غير المرئية .

• أين تقع هذه الرواية بين خارطة رواياتك؟.

• يصعب الجواب على هذا السؤال غير أنه ربما يكون من المفيد التنوية بفكرة أن الدأب المتعلق بالتأمل تجربة الكاتبة يحتل بعض التجارب الروائية تجب تجارب أقدم للكاتب أو الكاتبة نفسها.

• هل الرواية العربية الآن مطالبة بملاحقة الفساد. أو هل استطاعت الرواية الإمساك بالمفاصل المحورية بالفساد في العالم العربي ؟.

• المشكلة الأساسية في العالم العربي هي أن الفساد هو عرض لمرض . والمرض قديم ومزمن وأساسه الاستبداد السياسي وكأن مقولات الكوكبي في القرن التاسع عشر مازالت قادرة على الحضور بقوة في كل لحظة من لحظات حياتنا الراهنة.

• قد استطاع مرض الاستبداد السياسي الخطير والمزمن أن يلتهم بجراثيمه الفتاكة كل محاولة تستهدف العدالة الاجتماعية في معانا الإلزامي الأعمق، واستطاع هذا الاستبداد أن يدمر كل محاولة سياسية دافعة . والنهضة في العالم العربي عبر أساليبه المراوغة والملتبسة في معظم الأحيان والواضحة في أحيان أخرى. مما أدى في النهاية بأن يكون الفساد أي كل الأساليب قادرة بدورها على الالتواء وتفادي المواجهة ، أن الكاتب أو الروائي عليه أن يمسك بهذه الأساليب يكشفها ويفضحها. عليه أن يكون مؤرخا لما لا يؤرخ له. وقد بات التاريخ رهينة آلة إعلامية وجهنمية مرعبة تجير الحقيقة باتجاه طاغوت الاستبداد وتنفي كل ما هو إنساني وناهض بالجمال والصدق المطلوب. حقا أن الكاتب الروائي هو المؤرخ بامتياز لهذه اللحظة المنحطة وهو القادر على الكشف والسير والغوص إلى الأبعد ويالها من مهمة، وليعينه الله عليها ....

لكنة الحزن

• ما الذي يثير غيرتك خارج هذا الوطن العربي الثقافي، في المحافل الثقافية التي تدعين إليها في العالم العربي؟.

• إنها ليست الغيرة ولكنه الحزن والآسي فهاهي كلمات محمد عبده القديمة " رأيت مسلمين بلا إسلام ويقصد الغرب بالطبع وأشار إلينا بأننا مسلمون بلا إسلام".

• كان ذلك عندما ذهب إلى باريس ، ولكن الآسي ينبع من أن ليست باريس فقط ولكن الصين وكوريا وماليزيا وعشرات البلدان في المعمورة بات بها أناس كان المسلمون أولي بأن تكون لهم خصالهم فهم صادقون لا يسرقون ولا ينهبون أوطانهم ويتقنون أعمالهم لا يبزرون فقد أعطاهم الله . هذا هو الحزن.

• أما الأسى فعلى كل ذلك الهدر والضياع لطاقتنا وإمكانيتنا كشعوب تم تصنيفها بعد مرور سنتين من الألفية الثالثة كأفقر شعوب الأرض حيث الغنى الديمقراطي واقلها استمتاعاً بالحرية والشعور بالاطمئنان السعادة. وفق لتقرير التنمية البشرية الشهير. وهو تقرير متواضع صادر عن "لبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة". وأقول متواضع لأنه تجمل وتهذب وخجل من أن يقول كل الحقيقة لأنها بشعة وقاتمة وميئسة لكل نفس تتوق إلى الاعلي.

• هل يدخل الواقع الثقافي بكل تلاوينه ضمن منظومة الفساد المشار إليها؟.

• في الواقع أن آفة حياتنا الآن هي الثقافة. فالثقافة التي كانت يفترض أن تكون وسيلة دافعة لنهضة المجتمعات العربية ونهضة المواطن العربي تحولت إلى وسيلة وأداة لتكريس كل استبداد سياسي ومحاولة دؤبة لتمييع كل قضايا وإشكاليات الحياة العربية.

• المثقف الآن هو بعيد بعداً شديداً عن الحياة اليومية للمواطن العربي. وبدلاً من أن يكون طليعة مرشده لطريق مستقبلي آثر أن يكون نخبة متعالية تترفع عن اليومي والمعتاد، وتربع على حجور السلطات. لقد ضيع كل الجمل المفيدة في دهاليز المصطلح وسراديب التجديد الزائف. أن الثقافة لم تعد مبشرة ومستشرقة وآخذة بيد المجتمع كما كان دورها التاريخي القديم وأنا هنا أتحدث عن ثقافة اليمين واليسار، ثقافة الديني العلماني، فالجميع بات داخل النفق المظلم. فحتى الأزهر "عمل المثقفين " التاريخي لم يعد إلا مؤسسة هاشة تتبع رئاسة الجمهورية في أفضل الأحوال.

• هل النقد الأدبي يلعب دوراً في إضاءة هذا الواقع ومواجهته أم يعد امتداداً له؟.

• قبل النقد الأدبي فالتحدث عن الجامعة والأكاديميات ودورها في المجتمعات العربية ، فالجامعات لم تعد معامل فكر ترفد المجتمعات العربية بأفكاراً ووجهات نظر ونظريات مرشدة بأزماتها في كافة المجالات سؤال ما العمل لم يعد سؤالاً مطروحاً داخل الجامعات العربية. إذا النقد هو ضمن هذه الرؤية أنه الجناح الهش لطائر كسيح عاجز عن الرفرفة بجناحيه حتى وهو يراوح مكانه. هو مسخ عن نظريات جاءت على ارض أخرى لتلبي وتنجز مهام مجتمعات أخرى بات الفارق الحضاري مع التجديد بيننا وبينها كبيراً وواضحاً للغاية.

مفكر بلا تيار

• هل سمة أعمال أخرى، كتبها كتاب آخرون استطاعت أن تعبر عن هذا الفساد المستشري لكتاب آخرين؟.

• أضن أن قصة "الشرنقة" لسليمان الفياض هي من عبقريات الأعمال التي تناولت مسألة الفساد في مستواها الأعمق. أنها قصيرة مكثفة ودالة وتظل عبارتها صالحة لإثارة الدهشة حتى وقتنا هذا. أيضا هناك ديوان صدر للشاعر بهيج إسماعيل "طائر الغيب وطفل الشهادة"

• بغياب ادوارد سعيد المثقف النقدي . هل لدينا مثقفون ينهضون بذات الدور؟

• قد عرف التاريخ العربي الحديث حالة المثقف المفكر الذي يلعب دوراً ريادياً عبر جماعة أو تيار فكري بعينة، هكذا كان الكواكبي هكذا كان محمد عبده وكثيرون ... ولكن ادوارد سعيد مفكر ومثقف كبير بلا تيار ولا جماعة فاعلة تسترشد بأفكاره ورؤياه لديه بالطبع معجبون كثيرون وأنا واحدة منهم. ولكن هذا أمر مختلف فالجماعة الفاعلة وفق ونسق عملي ومنظومة من الحركة الاجتماعية أتمر مختلف تماماً ليست المسالة في مفكر فرد نفتقده ولكن ما نفتقده فعلاً الآن هو حركة فكرية تتصادم مع البائد والمعوق وتسعي لتجذير فعل مرتبط بفكرة تنهض بالمجتمع ويدفعه إلى حياة معاصرة حقيقة.


سلوى بكر ينطلق معمارها اللغوي إلى العالمية
حوار: سمر نور
"سلوى بكر روائية مصرية لها خصوصيتها المحلية، التي فرضت نفسها على العالم، فترجمت أعمالها إلى اللغات الأوربية. سلوى لا تكتب أدبا نسائياً، لكنها تكتب أدبا رفيعاً متميزاً، له نكهته المتميزة، وتكاد شخوصها تخرج من بين سطور أوراقها لتعبر عن الحدث الذي تلعبه. التقيناها بعد عودتها من سويسرا، حيث تتابع ترجمة أعملها .. في هذا الحوار.

• سلوى بكر لها العديد من الأعمال المترجمة .. فهل يعنى هذا بالضرورة انتشار مؤلفاتها في الخارج؟.

• ترجمت ثلاثة كتب إلى الألمانية "العربة الذهبية – زهرة المستنقع – مقام عطية" أيضا جرت ترجمة العربة الذهبية إلى الأسبانية والهولندية والإنجليزية والكورية ولدى كتب أخرى مترجمة للغات مختلفة مما يعنى نجاح تجربة الناشر فإن لم يكن هناك إقبال فلا أظن يقبل على ترجمة كتاب جديد.

• من واقع تجربتك وبعد رحلتك القصيرة إلى سويسرا، ما قيمة أعمالنا الأدبية بالخارج؟.

• لكي نثمن قيمة أدبنا ومقارنته مع الأدب العالمية الأخرى فإن ذلك يستوجب أولا أن نكون معياريين في تعاملنا مع هذه الآداب .. فالآداب في العالم يثمن عادة بعدد النسخ المباعة من كل كتاب أدب .. وثانيا من حيث الاهتمام النقدي الذي يمكن أن يلفت الانتباه إلى ذلك الأدب وجانب كبير من الأدب العربي المترجم استحق الاهتمام ولفت الانتباه بناء على المعايير المشار إليها فنجيب محفوظ على سبيل المثال تبيع أعماله مثلما تبيع أعمال أي كاتب غربي كبير ولكن هناك بعض الكتب الترجمة لكتاب آخرين لا تتجاوز أعمالهم المباعة عدة نسخ .. لا نستطيع أن ننكر انتشار البعض من خلال الترويج الإعلامي أو السياسي ولكن إذا كان الكتاب هو الذي "يبيع" فهذا يعنى قيمة خاصة بي فأحد مؤشرات القيمة عدد القراء وهذا يعنى أن الكاتب مقبول لدى قطاعات متباينة ثقافيا.

• النشر الآن متاح على نحو أفضل من الماضي.. فهل هذا في صالح أم ضد الأعمال الأدبية المطروحة؟.

• بالفعل النشر الآن متاح على نحو أكثر مما كان في الماضي فطالما يوجد ناشر خاص يتسلم نقدا تكلفة الكتاب وطالما توجد المحسوبيات في معظم دور النشر التابعة للدولة فباستطاعة أي قادر على الإنفاق أن ينشر وباستطاعة أي "واصل" إلى أصحاب القرار في دور النشر التابعة للدولة أن ينشر.

• وبذلك فالأمر لا يمكن أن يعد ضد أو مع العمل الأدبي .. فالعمل الجيد يفرض نفسه وباستطاعة القارئ تحديد العمل الذي يخاطب عقله ومشاعره ويعبر عنه.

• وماذا عن تجربة النشر بالنسبة لـ "سلوى بكر"؟.

• عندما بدأت الكتابة اضطرت لنشر أول كتاب على نفقتي الخاصة بدون ناشر.

• "المهمشين" فئة تتضح معالمها في كتابات سلوى بكر؟ الكتلة البشرية الأساسية في مجتمعنا هي كتلة مهمشة خصوصا بعد الخضوع للغرب وتطبيق سياسات اقتصادية تستهدف تحويل الوطن إلى سوق كبير فالغالبية العظمي من الناس باتوا غير منتجين وبلا خبرات حقيقية تؤهلهم لاتخاذ القرارات سواء أكانت خاصة أو عامة، إذا عندما أتحدث عن المهمشين أعطي منحا إنسانيا لكتاباتي.

• مجموعة "مقام عطية" تزخر بهذه الفئة .. فنتحدث عن تجربة مقام عطية؟.

• تجربة اللغة في مقام عطية مختلفة .. اللغة من وجهة نظري يجب أن ترسم الشخصية وتعبر عن عالمها ومستوى وعيها وإدراكها.. في مقام عطية كانت هناك أصوات لغوية متعددة وهذه الأصوات شكلت المعمار اللغوي حيث تباينت فاستبانت معها معالم هذا المعمار.. هناك صوت الشاعر الرهيف المختلف عن صوت الطالب المثقف المتباين مع صوت المرأة الشعبية المعدمة وهو ما يناقض صوت حفار القبور وهكذا .. كل صوت هو عالم قائم بذاته لكنه يتداخل مع أصوات العوالم الأخرى.. هذا التداخل يمنح النص قيمة والجدة هنا لا تكون قائمة على ضوء التقنيات التي سبق ابتاعها " تعدد الأصوات" ولكن تقوم على مدى حدة عنف خفض وعلو هذه الأصوات.

• وماذا عن آخر أعمالك المطروحة؟.

كان عملا روائياً "البشموري" صدر عن دار الهلال في شهر أكتوبر الماضي وهو يتناول نضال الفلاحين والمصريين ضد الحكم خلال القرن التاسع الميلادي والتضامن بين المسلمين الفقراء والأقباط الفقراء ضد الحكم الأموي والعباسي الذي تواطأت معه الكنسية المصرية ذاك الوقت.

عجين الفلاحة
ما هو العالم الذى تدور حوله مجموعتك الجديدة " عجين الفلاحة"؟

• ليس هناك عالم واحد داخل المجموعة... هناك عوالم مختلفة وشخصيات مختلفة لكن بصفة عامة يمكن الحديث عن نوعيات من النساء موجودة في الواقع. ربما بصورة هامشية لكنى أحاول الكشف عن عوالمها الداخلية، وهمومها وعلاقتها بالمحيط الاجتماعى الذى تعيش فيه.

ولماذا أبطالك دائما من النساء؟

• لا يوجد اصرار على ذلك لكنى أكتب عن عالم أعرفه. فلا أستطيع الكتابة عن عالم لا أعرفه.

"عجين الفلاحة" هى المجموعة القصصية الثالثة بعد "زينات في جنازة الرئيس" و"عن الروح التى سرقت تدريجيا" وبعد روايتك" العربة الذهبية لا تصعد إلى السماء" ماذا أضفت فنيا فيها؟

• من الصعب أن اقول أنا ماذا أضفت في عجين الفلاحة لكنى حاولت في بعض القصص تقديم نوع من الرمزية ليس بالمعنى الكلاسيكى الجامد ولكن بالمعنى الذى يمكن أن يصل إلى قارئ عريض يستطيع أن يكتشف الرمز ويكتشف معه المرموز اليه في الحياة وفى الواقع.. من ناحية أخرى هناك تجربة القصة المبنية على قصة مع الاحتفاظ باستقلالية كل نص قصصى على حدة كما في تجربة "شال الحمام" و"اشياء صغيرة لا تمضى" فيمكن قراءة كل منهما على حدة وفى الوقت ذاته يمكن التعامل معهما كنصين مرتبطين.

أيهما تفضلين الرواية أم القصة القصيرة؟

لا يوجد تفضيل لنوع على نوع، لكل محاولة للكتابة تحدد شكلها.... فلم أقصد حين كتبت "العربة الذهبية لا تصعد إلى السماء" أن تكون رواية... حتى اكتشفت أثناء كتابتها امكانياتها الروائية. كما أن بعض قصصى القصيرة مثل "زينات في جنازة الرئيس" و"أم شحته" التى فجرت الموضوع، رأى البعض أن مساحتها مساحة رواية.. لكن تبقى بنظرى تجربة كتابة الرواية أكثر خصوصية من القصة القصيرة.
الوطن . الخميس 5 يوليو 1990

العدد 5526


عن الروح التى سرقت شيئا فشيئا
اكتب عن كل ما يثير الدهشة .. وهو كثير!


حلمى النمنم - القاهرة
مجموعتها القصصية الأولى تفوح منها رائحة الفقراء، وراحت في الأخيرة تمسك بتلابيب النساء من الطبقة المتوسطة وما أحدثته فيهن فترة الانفتاح الاقتصادى. المرأة عموما قضية مهمة في قصص الأديبة" سلوى بكر".. ولكنك لن تعدم وجود آخرين غيرها.. وقضايا أخرى، صدرت لها مجموعة قصصية جديدة"عن الروح التى سرقت تدريجيا".

الوطن التقت سلوى.. وسألتها عن الأدب والواقع والمستقبل.. فكان هذا الحوار:

الكتاب الاشتراكيون

معظم أعمالك تدور حول الطبقات الدنيا.. لماذا التركيز عليها بالذات؟

• أنا لم أقصد ذلك، وأظن أن أردأ أنواع الكتابة التى يكون بها تقصد، وقد منينا بآفة الأدب الواقعى في الخمسينات تحديدا، حينما كتب الاشتراكيون عن الفقراء أعمالا أدبية، فجاءت الكتابة مفتعلة، مشوهة وغير مقنعة. وتعكس بشكل جلى فكرة الدبة إلتى قتلت صاحبها، فأنا لا أقصد الكتابة عن الفقراء والطبقات الشعبية.. ولكن أنا مهمومة ليس بشئون الفقراء ولكن بالظواهر الاجتماعية التى نعيشها لأنها ظواهر تستدعى الاهتمام وتستنطق الخرس.. وأدبنا متخلف كثيرا عن الواقع رغم أنه غنى بالتناقضات والظواهر الغربية على أى عقل أو وجدان وعلى الكاتب أن يدقق النظر في حياتنا ليستشف منها ويكتشف أشياء كثيرة. بالمناسبة كنت أتأمل قريبا في "أرخص ليالى" كيف كتبها "يوسف ادريس"وكل ما فعله أنه تأمل ظاهرة موجودة بالفعل. وهذا التقى مع قدرته وموهبته فأفرز ذلك العمل العبقرى وعندما أقرأ لكثيرين أشعر أنهم أصيبوا بتورم الذات فعجزوا عن رؤية الواقع وبددوا موهبتهم، في حين أن الواقع ملئ بالمتناقضات اللاانسانية وتستحق كل دهشة واستنكار من هذه الزاوية تأتى كتاباتى عن الفقراء والطبقات الشعبية.

لحظات بلا أدب

هذا يقودنا إلى التساؤل حول فترة الانفتاح الاقتصادى وما أحدثته فينا.. اذ لم نجد عملا أدبيا كبيرا في حجم ثلاثية "نجيب محفوظ" أو مدن"عبد الرحمن منيف" يتناولها ويعبر عنها؟.

• سأرد على سؤالك بسؤال آخر.. فترة حفر قناة السويس والتحولات الاجتماعية التى حدثت بتسخير آلاف العمال وبناء 3مدن جديدة هل قرأت شيئا عنها؟. حرب القناة سنة 51 والنضال الوطنى والشعبى ضد الانجليز لم يتناولها أحد، بل اتساءل حول ثورة يوليو بكل التحولات الاجتماعية التى أحدثتها، ولم يتناولها عمل أدبى كامل. وتأمل كل اللحظات المهمة بالسلب والايجاب والتى أحدثت تغييرا فعليا في مجرى الحياة الاجتماعية ولم يتم رصدها بشكل أدبى.. وفى تصورى أن فترة الانفتاح كتب عنها أكثر من لحظات أخرى أكثر أهمية، ربما لأنه جاءت في فترة كان فيها عدد كبير من الأدباء والكتاب وكان هناك تبلور فعلى في مجال الابداع والقصة بينما في أوروبا ما زالت تقرأ قصصا وروايات جديدة ربما عن أحداث في القرون الوسطى.

نفتقد في عالمنا العربى إلى الأديب الذى يمكن أن يقدم تصورا أو رؤية مستقبلية للانسان ولمجتمعنا.. في تصورك لماذا؟

• بداية الأديب المتشوق للمستقبل نادر ليس في ثقافتنا فقط ولكن في تاريخ العالم الذى فعل ذك تشيكوف وأسماء نادرة. وفى مجتمعنا عموما نفتقد حتى للرجل الاقتصادى والسياسى الذى يمتلك القدرة على التنبؤ. وذلك أن المناخ العام لا يساعد المرء على اكتشاف الحقيقة فلا توجد معطيات يستطيع خلالها الانسان أن يكتشف الحقيقة الممكنة، ايضا غياب حركة سياسية بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، ولا يمكن أن يكون هناك أدب أو فن عظيم الا اذا واكبتها حركة سياسية عظيمة، ولنأخذ مثالا على ذلك، فجيل العمالقة ورجال التنوير عاش مدا سياسيا قويا وكانت هناك المشاركة وكان المواطن فاعلا وعندما يحتدم المناخ السياسى تحتدم الأفكار ويحدث الحوار "عودة الروح" فيها ذلك الجو نحن الآن في حالة موات ولا يمكن أن تحدث رؤية مستقبلية من قبل الكاتب الا في اطار هذا الحوار ونحن الآن لدينا حوار من طرف واحد.

نونة الشعنونة

"نونة الشعنونة" قصة قصيرة بطلتها خادمة صغيرة، تريد أن تتعلم الحديث عن عالم الخادمات بعيدا عن الرغبة الجنسية للسادة أمر نادر في أدبنا ورواياتنا ماذا يعنى ذلك عندك؟

• لدى الطبقات الشعبية شوق للمعرفة، بينما المثقفون يعتبرون أنفسهم صفوة مميزة وهيئة اجتماعية خاصة تتعالى على الواقع.. المشكلة أنه لدى الطبقات الشعبية ميل عام للمعرفة وغالبا ما تكون السبل مسدودة أمام هذه الطبقات.. والمرأة بالذات في تلك الطبقات لديها ميل كبير للمعرفة، بينما الدور الاجتماعى لها غير ذلك، والمشكلة أن غياب المعرفة وتعثر القطاعات العريضة من الناس في ايجاد سبل لترقية معارفهم ووعيهم كل هذا يضر بالهيئة الاجتماعية ككل وهذه حقيقة ولو أتيحت الفرصة للجميع كى يتعلموا ويعرفوا سيكون لديهم أفضل كمبدعين وكمثقفين.. ان لدينا طاقات هائلة معطلة وغائبة ومكبلة بالجهل.

هموم جديدة

انتقلت المجموعة الجديدة "عن الروح التى سرقت تدريجيا" لتتناول هموم خريجى الجامعة الجدد وابناء الطبقة المتوسطة وهذا لم يكن متوافرا في المجموعتين كيف حدث هذا التطور؟

" عن الروح " تتناول القطاعات الكبيرة من الشباب التى تتراكم عاما بعد عام وتعيش الاحباط الحقيقى، والمشكلة هنا أن المجتمع افتقد الهدف الواحد والأمل العام وحينما يحدث هذا تتيح أشياء مرعبة، فقدنا الرغبة في الحياة بأى شكل وفقدنا الارادة والقدرة على الحياة، هذه المجموعة محاولة لتتبع كيف حدث هذا، وربما كانت مجاملة للتساؤل كيف ولماذا يحدث ذلك؟!!

حوار مع الكاتبة "سلوى بكر"
"غايتى أن أضع العلاقة بين الرجل والمرأة
في دائرة التأمل والنقـــــد"

حوار: جيهان عرفة

مع القاصة والروائية سلوى بكر، نغوص في عالم المرأة، فالمرأة عندها هى ضمير العالم: واقعا ورمز. ولسلوى بكر عدة مؤلفات قصصية "زينات في جنازة الرئيس" و"الروح التى تصعد تدريجيا"، و"مقام عطية" قد صدرت لها في الاونة الأخيرة رواية "العربة الذهبية لا تصعد إلى السماء"، وكان هذا اللقاء مع سلوى بكر، تتميز بطلات ســـلوى بكر بشئ من الجنون. فهن لا يخضعن في رأى النقاد للمألوف وهذا ماجعل أحد النقاد يقول عن بطلاتك انهن امرأة واحدة ما رايك في هذه المقولة؟

• هذه مبالغة في القول وفى الرؤية. ان شخصياتى عندما توجد في حالة جنون فانما هو جنون العقل وهو جنون لأنـــــــــه خارج عن المألوف والمعتاد ولكن أيضا يحاول أن يعيد ما هو غير مألوف ومعتاد ليأخذ حقه ووضعه في الاعتيـــــــــــاد والألفة.

تتسم أعمال سلوى بكر في رأى بعض النقاد بالتقريرية والخبرية. فما هو تعليقك؟

• ليست هناك وصفة سحرية محددة لكيفية كتابة القصة أو الرواية أو أى جنس أدبى آخر وليس هناك قانون موحـــد والا كانت كل القصص قد تشابهت في طرائق كتابتها وطرائق صياغتها. وأظن أن كل عمل يرى كاتبه أن هناك شكلا ملائما له والخروج عن المألوف وعن المعتاد في شكل هذا العمل، يوقع في الحيرة وتزداد الحيرة كلما افتقد المتلــــــــــــــــقى القوالــــــــــب القياسية التى يمكن أن يخضع هذا العمل الابداعى له وينشأ أيضا عن افتقاد سببية درامية لا يسعـــــــى المتلقى إلى اكتشافها ويرجع ذلك إلى عدم تأمل امكانيات التعبير ولذلك أظن أن كل الأعمال الريادية على صعيد الشكل وعلى صعيد البنية تدفع ضريبة ذلك الاعتياد وعدم الرغبة فيما هو متقدم ولكن هل عكس الأدب المصرى هموم المرأة المصرية ومشاكــــــلها وتفاصيلها الحياتية؟ ان الأدب المصرى عامة قاصر عن التعبير عن الحياة وعن التحولات سواء بالرفض او الايمان ورصد المناطق الهامــة في حياتنا وهو مثلا وحتى الآن لا يستطيع أن يعكس هموم وحياة المرأة بما يكفى.

تناول المرأة عند سلوى بكر في رواية "العربة الذهبية" خاصة هو تعرية للمجتمع بعلاقاته. المتشابكة ما مدى صحــــة هذا القول ؟

• في " العربة الذهبية" المقصود ليس هو خرق التابو، وليس المقصود ادانة الرجل وتجريمه لأن تجريم المرأة يجــــرى على قدم وساق فى العمل ذاته ولكن المستهدف أساسا هو في ادانة مجمل القيم والمواصفات الاجتماعية والمفاهيـــــــــم ومظلة الموروث الفكرى المعرقلة للتحليق الانسانى اننى لم أقصد في "العربة الذهبية" أن أدين أو أشجب ولا أن أقــــدم ميلودراما ربما جرى تناولها عالميا منذ القرن الثامن عشر ولكن المقصود هو وضع العلاقات الانسانية، العلاقة بيـــــــن المراة والرجل، والعلاقة بين المرأة والمرأة في بؤرة التأمل والبحث والنقد.

القصة القصيرة ثم الرواية القصيرة ثم الرواية فهل هذا هو تطور العالم القصصى عند سلوى بكر؟

• لا أظن أن نوع الكتابة يأتى بقرار فكل عمل يملى على الكاتبة شكله ومتطلباته من حيث البنية والحجم المتاح للتعبـــــــير عــن تكامل هذا العمل وهذا ليس تطورا بمعنى التحول الضرورى.. ولكن أشكال أدبية تعبيرية متباينة يتحدد وقــــــــــــت ميلادها.


حوار حول البشموري

أمل فؤاد

من دهاليز المهمشين والبسطاء. إلى خبايا الوجع النسائى في مجتمع الهيمنة الذكورية، حققت الروائية اللامعة سلوى بكر مكانة راسخة في عالم الأدب. وفى اختراق جرئ للعلاقة التاريخية بين الأقباط والمسلمين في مصر كتبت آخر رواياتها"البشمورى" بجزءيها سابحة في تيار لغة جديدة وأجواء عتيقة من العصر الوسيط انجزت خلالها ما أطلقت عليه" رواية التضامن بين أبناء الشعب المصرى في زمن المحن".. كما أنها رصدت أعلى مبيعات في معرض الكتاب عام 2000 حسب تقدير وكالة الأنباء الفرنسية.

" البشمورى" رواية عن الوحدة الوطنية العتيقة!

• عن خلفية الرواية ودوافعها لكتابتها تقول سلوى بكر قادنى ولعى بقراءة التاريخ إلى الاطلاع على المؤلف النفيس للأب ساويرس ابن المقفع عن تاريخ الكنيسة القبطية والذى تعلم لأجله اللغة العربية حتى يصيغه ويحفظ التاريخ القبطى فى ذاكرة الأجيال القبطية التى كادت تتراجع لغتها في مواجهة اللغة العربية ولقد فتنت بهذا الكتاب ليس من الزاوية الدينية فأنا مسلمة، ولكن من زاوية من منهج التأريخ حيث يخلط بين الأحداث التاريخية الكبرى وتفاصيل الحياة اليومية للانسان وقد أسس له الأب ساويرس وسار عليه فيما بعد ابن الميسر والمسبحى والمقريزى وابن اياس والجبرتى كما أن مستوى اللغة في هذا الكتاب بهرنى ايضا فهى لغة قريبة إلى حد مذهل مع اللغة التى نتكلمها الآن كما تتشابك مع عدة لغات أخرى كالمصرية القديمة والقبطية والفارسية والسريانية واليونانية وغيها.. من هنا بدأت أكتب رواية البشمورى حيث اسست الرواية على حدث خطير تضمنه كتاب الأب ساويرس هو ثورة البشامرة في الدلتا وعنه أخذ كل المؤرخين الذين أتوا بعد ذلك بمن فيهم المقريزى.

قيل ان البشمورى رواية الحساسيات الدينية وان سلوى بكر كتبتها وعينها على القارئ الأجنبى الذى تستهويه السباحة ضد التيار والخوض في التابوهات والمحرمات المقدسة؟!

• يبدو للوهلة الأولى أن البشمورى هى رواية الحساسيات الدينية وهذا غير صحيح على الاطلاق اذ هى رواية التضامن بين أبناء الشعب المصرى جميعا عند حلول أى محنة فالفلاحون الفقراء من الأقباط ثاروا ضد ولاة العرب المسلمين وانضم اليهم في هذه الثورة العرب المسلمين الذين استوطنوا مصر وعملوا بالزراعة ولم يواصلوا الفتوحات الاسلامية وعانوا ضريبة خراج الأرض مثل الأقباط بلا تفرقة وقد قامت وقتها الكنيسة القبطية بمساندة الحكم الاسلامى في قمع الثورة وحثوهم جميعا على دفع الخراج وهو نظام كان قائما ومعمولا به منذ الحكم الرومانى قبل دخول الاسلام لأسباب اقتصادية اذن لا يمكن قراءة الموضوع على أرضية الصراعات الدينية بل لا بد من النظر عبر زاوية الصراعات الاجتماعية والتسامح الدينى التاريخى في مصر والرحابة الدينية واسعة الأفق التى كانت سمة دائمة من سمات التدين المصرى. أما وأننى كتبت وعينى على القارئ الأجنبى فهذا غير صحيح فالدافع الذى حفزنى للكتابة هو هويتنا المصرية وكان كتاب ساويرس بالنسبة لى هو فتح وكشف عن بعض ملامح هامة في تلك الهوية والبشمورى كما قال عنها معظم النقاد هى الرواية المتحف لملامح هويتنا وعن مدى التداخلات الثقافية والحضارية التى تمت على أرض مصر قبل أن تتحول إلى دولة عربية اسلامية بالمعنى الذى نعرفه كما أنها تحوى متحفا لغويا حيث تتداخل فيها عدة لغات كانت مستخدمة آنذاك وهى ليست رواية تاريخية بل تستلهم التاريخ وكنت قد قرأت عبارة في كتاب تاريخ كنيسة انطاكية لابن العبرى دفعنى لكتابة الجزء الثانى من البشمورى، تقول العبارة انه عندما قضى الخليفة المأمون على ثورة البشامرة (وهى ثورة كانت تهدد الحكم الخلافى في بغداد).. قام الخليفة بأسر ثلاثة آلاف متمرد وهو ما ذكره المقريزى فقال ان كل من رفع السلاح في وجه الخليفة بيع في أسواق نخاسة الشام، أما في كتاب التاريخ الكنسى لابن العبرى فوجدت ذكرا عن طبقة المنبوذين (الظط) وهم أفقر وأحقر الطبقات الاجتماعية في المجتمع العباسى وكيف أنهم ثاروا فى زمن الخليفة المعتصم فقام الخليفة بجلب القبط من أنطاكية لأنهم كانوا يسبحون كالسمك في الماء وتمكنت من معرفة أن هؤلاء القبط هم البشامرة الذين عوقبوا بالبيع في أسواق النخاسة وهكذا شرعت في كتابة الجزء الثانى بعد أن تجلى مصيرهم أمامى.

البشمورى رواية بنيت على طبقات تاريخية عديدة فكيف أسست لها دراميا فهى مغايرة لكل ابداعاتك السابقة التى أعتمدت على الرصد الواقعى المعاصر للشخصيات بالذات؟

• أصنع لرواياتى دائما بنية هيكلية أولية، وفى البشمورى كرواية معلوماتية كان الجهد أشق وأكبر ففيها تأريخ قبطى وعربى وايديولوجى ودينى، لم أجد منظورا موضوعيا.. لقد كانت في مصر ثلاث لغات قبطية معروفة قبل دخول الأسلام من ضمنها اللغة البشمورية ومدينة "قفط" كما ذكر الرحالة سترابون تكاد تكون نصف عربية اذ كان أهلها يتكلمون لغة العرب حتى قبل دخول الاسلام اما الاسكندرية فكانت مدينة اغريقية لغة وهوية.. والأخميمية كانت لغة الجنوب أما البشمورية فهى لغة شمال الدلتا.. والمشكلة أن تاريخ مصر منذ القرن الأول الميلادى وحتى دخول العرب هو تاريخ مبهم إلى حد كبير ولو أن ذلك يبدو مفهوما بسبب تأريخ الرومان لدولتهم دون تدوين موضوعى لحال وتاريخ شعب مصر وقتها فهناك في هذا الصدد غموض اجتماعى ودينى مرعب دفعنى إلى مشقة البحث الدءوب عن التداخل الدينى في مصر وقتها كمدخل للرواية، فمصر لم تكن أبدا قبطية حتى دخول العرب ولا اسلامية تماما بعد دخول المسلمين لكن مصر حتى الدولة الفاطمية كانت محكومة بعرب مسلمين وبها ديانات مختلفة من بينها الكنيسة القبطية وديانات وثنية كالملكانيين، فمصر بلد ذات جغرافيا طولية وفتوحات أتت متأخرة نسبيا ومنذ الفتح العربى لها في القرن السادس الميلادى وحتى القرن العاشر الميلادىمع حكم الدولة الفاطمية بدأت حينها فقط تأخذ الصبغة الدينية الاسلامية والرواية معنية بالتداخلات الثقافية الحضارية التى تمت على أرض مصر قبل أن تتحول مصر إلى دولة اسلامية بالمعنى المتعارف عليه.

يقال ان الكاتب يلوذ بالتارخ والأساطير عندما يفشل في مواجهة الواقع.. هل هذا ما دفعك لابداع البشمورى في اطار تاريخى ؟!

الكتابة بالنسبة لى تحل اشكاليات مستحيلة أيا كانت وأنا أكتب لكى استمتع بفعل الكتابة ذاته أما اللجوء للتاريخ فانه يمثل ولعا ذاتيا به أما الأساطير فهى نوع من البحث عن بدائل للمستحيل الذى نحياه فالواقع في رائى أكثر استحالة من الأسطورة وآخر كتاباتى مسرحية في هذا الاطار بعنوان" حلم السنين" تدور في أجواء تاريخية أسطورية وهى زاخرة بالرموز سأترك للقارئ حل شفراتها.
آخر ساعة 14/3/2001

تكتب لتعيد النظر في الأحلام والأوهام والانتكاسات
سلوى بكر: سعادتى الحقيقية في قارئ مجهول...
والمرأة مازالت موضوعا وليست ذاتا

القاهرة- السياسة

الكاتبة سلوى بكر .. قلقة ومتوهجة في آن معا.. ولجت للحركة الابداعية في مصر بمسار ذات تفرد وخصوصية مشتبكة بالكثير من الرؤى والهواجس والمنغصات والأحلام والأوهام في مزيج من الدهشة والترقب والحذر مغلفة بأطر انسانية فعلية لتأتى أعمالها العشرة.. ما بين روائية وقصصية" مقام عطية، العربة الذهبية لا تصعد إلى السماء، وصف االبلبل،ارانب، ليل ونهار، البشمورى، ومجموعات قصصية، زينات في جنازة الرئيس، عجين الفلاحة، ايقاعات متعاكسة، عن الروح التى سرقت تدريجيا... بالغة حد النضج والكمال.. مترجمة إلى أكثر من خمس لغات هى الالمانية والانكليزية والهولندية والفرنسية والسويدية والكورية..

البحث عن غيفارا

سألناها في بداية الحوار:

درست ادارة الأعمال والنقد المسرحى ومارست الصحافة قديما في مصر وبد عربية أخرى.. اذا ما الدافع للكتابة بهذا الشكل الراصد لماهية الحب والدين والفلسفة والموت بهذه البساطة المستفزة ؟

• قالت الدافع للكتابة كان وما زال بالنسبة لى اعادة النظر في كافة المشكلات والأحلام والأوهام والانتكاسات والاخفاقات والطموحات الكبرى التى لمستها وتأثرت بها وأثرت في... بداية من ثورة يوليو التى تفتحت عينى على شرارتها الأولى وقت أن كنت طالبة.. الهزيمة العسكرية فى يونيو 67 وما أعقبها من هزائم كثيرة ومتنوعة هزيمة اقتصادية وتمثلت فيما سمى بعد ذلك بالانفتاح الاقتصادى والسوق المفتوح... أنتمى لجيل عاش متغيرات سياسية ومجتمعية كثيرة ومتلاحقة خلال حقبة زمنية ليست بالكبيرة.. والأخطر أن ما كنا نحلم به لم يتحقق ولن يتحقق.. وهذا لأنه تأكد لى بعد هذه الرحلة الطويلة.. ان البدايات الأولية في حياة أى فرد لها دور أساسى وكبير في رسم حدوده ومساره ومواقفه.. عرفت العمل السياسى العام في أقصى أشكاله في المشاركة في المظاهرات والاعتصامات.. شاركت في أدنى أشكاله مثل المساهمة في محو الأمية ومشروعات خدمة البيئة.. كنا نريد تحقيق المقولة الشهيرة لصلاح جاهين.. تمثال شهير ع الترعة وأوبرا.. وتضيف سلوى، فقنا من كل هذا بخيبة أمل كبيرة .. واكتشفنا أن ما كنا نحلم به ما زال بعيدا جدا.. ولن يتحقق.. كان صباحنا القراءات الصحافية لهيكل وفى الظهيرة خطابات الزعيم الراحل جمال عبد الناصر وفى المساء نسهر ونحلم وننام على صوت أم كلثوم وحليم.. تعرضنا لتيارات باردة وساخنة طوال الوقت.. وربما مثل هذه الاشكالية ليست موجودة بهذا الشكل عند الأجيال الجديدة؟! كنت تسأل أية فتاة عن مثلها الأعلى.. أو عن الفتى الذى تحلم به.. تقول لك ومن دون تردد فارس أحلامى هو غيفارا.. أو بن بيلا.. وتستكمل الأديبة سلوى بكر قائلة، وجاءت الصدمات في ضربات متلاحقة ومتنوعة اختلط فيها العام بالخاص الذاتى جدا وهذا هو القاسم المشترك الذى طال وصبغ كل الأشياء.. راينا الانفتاح على الغرب والسوق المصرى مفتوح يباع فيه كل شئ تحت مسمى الانفتاح والاطلاع على الآخر ومسميات أخرى كثيرة.. فكان التغيير والتمرد على كل ما هو حاصل في محاولات للخلاص أخذت اشكال ومسارات أخرى للبحث عن ايجاد بنية ثقافية جديدة كان يعاد تشكيلها وقتذاك.. وبشكل خاص جدا حاولت أنا اعادة النظر في بداياتى لصوغ أحلام جديدة أكثر ثباتا وواقعية فقط أدركت كم هو عال ومر جدا شعورى بالهزيمة وبحثت عن حل عملى للخروج من هذا المأزق باشكاليته المتناقضة بين العام والخاص باحثة وبشغف مكسو بالحسرة عن طريقة للتعبير عن الذات من خلال طرائف ووسائط مغايرة للوسائط التى تعودنا عليها.. فكانت بداية الكتابة كمحاولة لاحداث توازن ما.

اعتراض أنثوى

القمع والقهر والاستبداد والتشوه الحاصل للانثى في عالمك الذاتى مطروح في كتاباتك بصوت عال وصارخ أحيانا .. حددى لنا المعوقات الدقيقة التى تقف حائلا ضد انطلاق الأنثى.. ذاتيا أو ابداعيا؟

• تقول سلوى.. أولا أنا أعترض بشدة على تعبير الأنثى .. أو كتابات الأنثى ليست هناك كتابة ذكورية وكتابة أخرى نسوية هناك ابداع فقط.. هذه كتابة أم لا. أما تعبيرات الأنوثة والذكورة في معناها المتداول فهى مرتبطة بعلم التشريح الجسمانى أو البيولوجى ليس هناك شك بأن مشاكل ومعاناة المرأة لها طبيعة خاصة.. ولكن الأمر بالنسبة لى ولكتاباتى مختلف فأنا أرى أن مشاكل الرجل والمرأة في مجتمعنا متشابهة إلى حد كبير كوننا نعيش في مجتمع عربى.. أنا أحاول في كتاباتى طرح المهم الجدلى المتداخل في ذاتى وذوات من حولى وعلاقة هذا وذاك بمؤسسة القانون عندنا، المرأة في مجتمعاتنا تعامل باعتبارها موضوعا وليست ذاتا موضع للحب والزواج والأسرة والانجاب والأمومة وكل هذه المفاهيم تتبع المؤسسة المعوقة للذات الأنسانية الفاعلة في المجتمع. وتضيف قانونا.. تحجم مجتمعاتنا دور المرأة الاجتماعية .. بل تكبل خصوصيتها ى مجال الأحوال الشخصية وهذا قصور في قاعدة المؤسسة القانونية التى يجب أن تضع وتنظم العلاقات بين أفراد المجتمع.. بل تقننها لصالح كافة أفراده.. لا أنكر أننا في مصر أكثر تطورا من بعض المجتمعات العربية الأخرى ولذا نصف أنفسنا أحيانا بالتطور وهناك من يقول أن هذه قمة القصور.. ولكن تفسيرى الواعى لهذه المراوغات هو بعدنا عن الآليات المدنية في كل شئ حتى في التعليم وهذا هو الأخطر.. نحن نكرس جملة من المفاهيم والأفكار تعوق الدفع بطاقات أفراد المجتمع إلى حدها الأقصى.. عشوأة المرأة من أللف إلى الياء نربى أطفالنا ونعلمهم ونحفظهم مقولات.. بابا يعمل.. ماما تطبخ.. تحديد الوظيفة وتقسيم الأعمال اجتماعيا ومنذ اللحظة الأولى للطفل في احكام بدائية تعلم الأولاد في المدارس.. وعلى صعيد الكتابة فبلا شك أن مجال هذه السباقات غير المدنية تحجم انطلاقات وتحليقات المرأة المبدعة في الكتابة.. الكتابة من وجهة نظرى ليست هى خرق التابو المحرم ولكن الحق في طرح السؤال بجرأة وربما كان هامش الحرية في التعبير أوسع وأرحب بالنسبة للرجل في الشرق ولكن تظل الاشكالية بمكبلاتها هنا وهناك.

الغرب ومناحى الحياة

اذا كيف يأتى الانجاز لابداعى الحقيقى من وجهة نظرك؟

• ساضرب لك مثالا أحاول أو أوضح فيه الفارق بين منجزاتنا الابداعية في الشرق ومنجزات الآخر أو الأخرى في الغرب..فى الغرب أعاد وأطرح السؤال الخطير وبشكل متجدد ما عن دور الكنيسة ودور الدين في كل مناحى الحياة في العلاقات الانسانية في الحب في الزواج في التعليم في الموت.. هناك سعى لايجاد اجابات جديدة تلائم المجتمع في كل لحظة من لحظاته.. وعلى هذه الأرضية جاءت كتابة وابداع المرأة عندهم.. المرأة في الغرب طرحت السؤال حول علاقتها بالرجل وبمؤسسة الزواج ودورها في المجتمع وعلاقتها تحددت دون مراوغة ولا ضغوط فرأينا كتابات عميقة وحيادية.. واذا انحازت فتنحاز للفضيلة والحق والخير والجمال.. اذا لا حدود لطرح السؤال..

واضح من خلال حديثك أن هناك ولعا بمسار وكتابات المرأة في الغرب.. فبمن تأثرت الكاتبة سلوى بكر؟

• ليس هناك كاتب بعينه غربيا أو شرقيا ولكنها كتابات انسانية كانت وستزال تشكل تراثا خالدا.. وليس هناك مثل أعلى على المسار الحياتى سواء امرأة أو رجل، فلا زلت حتى لحظتى هذه أذكر قصص، الجاريات الثلاثة، في كليلة ودمنة رغم أن الكلمات جاءت على ألسنة الحيوان.. قرأت الف ليلة وليلة أكثر من مرة.. وأعمالا عدة لفوكنر وتشـكـوف وشتاينبك.. وغيرهم كثيرون.. قرأت لعشرات الأسماء عظم صدقها ولا زلت أقرؤها.. وهناك كتاب وكتب لم أقرأها.. فأنا ارى أن التأثر بالابداع ليس مرتبطا بكاتبة أو كاتب أو عنوان بعينه وأن شعورك بالتشبع ولمسك الصدق وجماليات العمل الفنى ليس حكرا على الكتابة الروائية أو القصصية فقط.. هناك الشعر والرسم والنحت والرقص والسينما.. ولذا يظل التأثر الابداعى رافضا للحدود الزمانية والمكانية في الطرح والتلقى والاشتباك.. فربما كانت مشكلة الابداع الحقيقى من وجهة نظرى انه يؤثر بشكل مباشر.. فالعظمة الحقيقية أنه يؤثر على المدى الطويل.. استيعابك له، وتذوقه في كافة اشكاله لهضمه.. والطبيعى في هذه الحالة أنك تتأثر به فيك وعليك في روحك ووجدانك وعلى عقلك وطريقة تفكيرك وأسلوبك في العيش والحياة وكل شئ جوهريا كان أو مظهريا في لبسك مثلا واختيارك للالوان.

بعد هذه الرحلة ماذا حققت لك الكتابة.. وما الحصاد أو الملاذ الذى ينتظره المبدع بعد اختفاء زملائه وتنظيرات نقاده وأضواء اعلامه؟

تقول : ليست هناك أى ضوء من أى جهة اعلامية وليست لى آية قناة أو منبر أمتدح فيه أو أمدح فيه حدا لكى يرد لى هذا المديح في قنواته.. لا أتبع أى حزب من الأحزاب سواء يسار أو يمين أو وسط.. بل كنت ولا زلت أطمع في المزيد واسعد باعجاب القارئ العادى غير المختص أو غير المتخصص.. لا تتصور فرحتى ونشوتى العالقة بذاكرتى بخصوص حدثين هامين في هذا المسار الذى اعنيه بخصوص القارئ العادى.. الحادثة الأولى في المغرب منذ سنوات بعيدة قابلنى شخص بالصدفة في مؤتمر صغير وحدثنى كم أثرت فيه رواية من رواياتى وجعلته يعيد النظر في علاقة خاصة جدا يحبها.. لا أحد يتصور مدى سعادتى من يومها وحتى لحظتى هذه.. الحادثة الأخرى كانت بمدينة ميونيخ الألمانية في مقاطعة اوسبرج وكانت درجة البرودة 7 تحت الصفر في شتاء فبراير والثلوج تغطى الشوارع وفوجئت بامرأة تنتظرنى على ناصية شارع لكى أوقع لها على نسخة من كتاباتى لأننى انتصرت في هذه الرواية المعنية للحقوق الانسانية للمراة كبشر يتعذب ويخطئ وينجح ويفشل.. كانت امرأة لا أعرفها ولا تعرفنى.. هذه هى سعادتى الحقيقية. وتضيف، هنا تكمن الماهية للكاتبة ولدور الكاتبة فالكتابة بالنسبة لى ركيزة وأساس ضرورى للحفاظ على توازنى في لحظتى ويومى وحياتى وبها ومن خلالها أواجه كل ما يعترينى من خلل مثلا في صراعات واحتدامات مرعبة تحيط بانسان الحياة المعاصرة في أعلى لحظات هزيمته.. وفى هذه الحالة ووسط هذا الانحطاط العظيم يصبح صعبا بل مستحيل أن يراهن البنى آدم على أى شئ لا على انسان ولا على قوة جبارة يدفع بها أى ألم يواجهه في الحياة وعلى أى مستوى خاصة أن الكتابة في مجتمعاتنا العربية وفى مصر بالذات لا تدر ربحا.. ولا تحقق أى مكسب يذكر بل هى تستهلك أعز الأشياء من عمر ونظر وصحة ومال الكاتب.. أما أى شئ غير ذلك فلا أتوقف عنده كثيرا ربما يكون القارئ المجهول هو أسعد شئ بالنسبة للمبدع.. بل هو العزاء الوحيد لمعاودة الكتابة مرة أخرى.

الرواية ليست ديوان العرب
الشارقة – "الخليج"

استضاف النادى الثقافى العربى في الشارقة، مساء أمس الأول: الكاتبة الروائية سلوى بكر، في ندوة حول الرواية العربية المعاصرة، قدمها وأدار الحوار الشاعر حسين قباحى.

وقالت الكاتبة: ان الانتاج الروائى من حيث الكم اوحى للبعض أن الرواية تعيش عصرها الذهبى، الا أنها أوضحت أن هذا الفرح بالرواية والحماس لها يحتاج إلى وقفة تأمل، لأن هذا الانفجار الروائى لا يعنى بالضرورة ازدهارا، ومشهد الرواية ليس بالضرورة مشهد الازدهار الغنى، فربما هو مشهد الازدهار البائس، والذى لا يمكن رصده كظاهرة الا ضمن ظواهر الواقع العربى المتردية على المستويات والصعد كافة سياسيا وثقافيا. وأضافت سلوى بكر: لقد زاد الطين بلة ذلك الكم الهائل من الوسائط التعبيرية الاعلامية، وتدفقها المذهل على مستوى الوطن العربى كله، والتى ضيقت من حدود التعبير نتيجة الآليات الملتوية التى تستخدمها لحجب كل فكرة لا تتماهى مع الخطاب القائم، مما أدى إلى البحث عن وسائط بديلة للتعبير، وكانت الرواية احدى هذه الوسائط الممكنة، فهى مطية طيعة لهذا التعبير المكبوت، كما أنها تمنح صاحبها فضاءا لا محدودا لاطلاق رؤيته وموقفه من عالم يعيش وينخرط فيه. وفسرت الكاتبة التناقض الواقع بين الوضع الفعلى للمراة العربية، التى باتت شريكا لايمكن تجاهله، ومظلة القيم والمفاهيم المتجاهلة لهذا الوضع المتحول لدور المرأة، وهى قيم مرتكزة على مفاهيم قديمة جامدة ترسم حدود عالم المرأة الذى لا يجب تجاوزه. واستعرضت الكاتبة من وجهة نظرها أسباب اختلافها مع من يرى أن الرواية هى ديوان العرب، الآن متكئة على أن هذا الكم الروائى الذى يهلل له البعض لا يجب التوقف عنده من دون النظر إلى مستواه الكيفى حتى لا يمكن التوصل إلى مستوى توصيفى موضوعى للحالة الروائية العربية الراهنة، واستنتاج مدى كونها ازدهارا حقيقيا لهذا الجنس الأدبى من عدمه، مبينة، أن تراكم الأعمال الروائية يعود لأسباب تتعلق باغواءات أخرى لا علاقة لها بفن الكتابة، وهى اغواءات يمكن قراءتها ضمن منتجات علم النفس في المقام الأول، وبلغت ذروتها مع اصدارات روائية بائسة من قبل بعض المسؤولين. هى في جوهرها تفتقر إلى الابداع ولا تقل بؤسا عن ممارساتهم السلطوية. ولا حظت سلوى بكر التناقض الواضح في عدد قراء الرواية، وكيف تزدهر الرواية مع تراجع عدد القراء على الرغم من أن تعداد العرب يزيد على مائتين وخمسين مليونا، فان متوسط ما يطبع من أى رواية لا يزيد على ألفى نسخة، وهذا العدد لا ينفد من عند الناشر الا بعد مرور سنوات عدة على النشر، حتى ان ناشر أعمال نجيب محفوظ بات يشتكى من أن حائز جائزة نوبل لم تعد كتبه توزع بالقدر المطلوب، اضافة إلى وجود تلاعب في أساليب وطرق النشر لبعض الدور المدعومة من الدولة، والتى تصر على أن يبتاع الكاتب ألف نسخة من عمله. واشارت إلى النقد الذى يلعب دورا مهما فى ترسيخ مقولة ازدهار الرواية، وانها يجب أن تحتل راس الأولويات في أجندة الثقافة العربية. اذ يفرد هؤلاء النقاد صفحات مطولة لتقريظ روايات من هنا وهناك، وتبقى الحقيقة على الأغلب في اطار حسابات أخرى لا علاقة لها بالرواية قدر علاقتها بمؤتمرات الرواية التى لا تخلو من بريق، ويكون للنقاد فيها صولات وجولات، مع تلك الميزانيات الضخمة المرصودة لهذه المؤتمرات التى تعرف أن الترويج للرواية، انما هو ترويج للنقد أساسا. وعن الترجمة قالت بكر، ان الترجمة هى بالفعل المحك الأساسى للقيمة، غير أن قيمتها الأساسية تكمن في كونها محكا يمكن من خلاله تثمين العمل الروائى في سوق عالمية هائلة وعالية المنافسة، لا ترحم ولا تلتمس الأعذار، ولا تلتفت إلى أى قيمة غير قيمة الكتابة الروائية ذاتها، لذا فقليل من الأدب العربى لاقى قبولا فى العالم بعد ترجمته، وهذا ما يدل على أن معاييرها لا تتماهى بالضرورة مع معايير التقويم الأدبى للثقافة العربية السائدة، وهو ما يلفت النظر إلى أهمية اعادة النظر. واختتمت سلوى بكر مداخلتها بالقول، رغم أن مقولة "دع ألف زهرة تتفتح" تظل صالحة لعالم الرواية العربية، فان رصد الحالة الروائية يطرح تساؤلا مشروعا أيضا، وهو كم زهرة تفوح عبيرا في حقل هذه الرواية الآن.

الروائى هو مؤرخ هذه اللحظة المنحطة الاستثنائى
سلوى بكر : تحولت الثقافة إلى أداة لتكريس الاستبداد

عناية جابر ( القاهرة )
سلوى بكر الروائية لا تنفصل عن سلوى بكر المناضلة، فمنذ البداية كتبت سلوى بكر أدبا يحترم الواقع ويحترم القضايا، رواياتها لذلك تتناول، وبدون خيانة للفن، مسائل، راهنة، اذا قالت سلوى بكر أن الروائى هو المؤرخ فهى تعنى ما تقوله، انه المؤرخ الذى يلتقط ما يفوت المؤرخين. في سلسلة مؤلفاتها روايتها الأخيرة" سواقى الوقت" هى أيضا نبش لخبايا الواقع المصرى والذات التى دجنها أو كونها هذا الواقع. في القاهرة كان هذا الحوارمعها.

روايتك "سواقى الوقت" صادرة عن دار"الهلال" عن ماذا تتحدث؟

• تتناول رواية سواقى الوقت المتغيرات والتحولات التى طرأت على الشخصية المصرية من خلال المتغيرات السياسية والاجتماعية والسياسية داخل المجتمع المصرى. "فمصلح الساعات" الذى ظل سنوات طويلة، قابعا داخل دكانه القديم مهموما باصلاح ساعات زبائنه القديمة يتحول مع هذه المتغيرات المجتمعية إلى وكيل لشركة ساعات شهيرة، ومعه تنقلب حياته وشخصيته وكأنه ليس بالشخص القديم الذى تراكم بداخله تاريخ المدينة الطويل.

إلى أى حد ابتعدت أو أقتربت هذه الرواية من تصوير الواقع؟

• أنا مؤمنة تماما بأن الواقع يفوق الخيال، وعندما أتحدث عن الفساد من خلال عمل روائى فأنا أتحدث أو أتناول جزءا من كل، وقليل من كثير. فالكارثة هى أن الفساد أصبح آلية من آيات الحياة اليومية في مصر وفى الكثير من البلدان العربية، فكل انسان يستيقظ في الصباح وهو يبتدع آلية جديدة كى يكون فاسدا، من أعلى الطبقات إلى أقل الطبقات فقرا، في الماضى كنا نشاهد من يخرجون في مظاهرات احتجاجية طلبا للقمة العيش أو استنكارا لسلطة مستبدة فاسدة، ربما هذا الفساد الراهن يبرر لماذا تحولت هذه المشاهد القديمة إلى مشاهد سينمائية لا نشاهدها الا في ظلمة قاعات العرض أحيانا. هذه الرواية تحاول ان تتلمس مسارات الفساد البطيئة والحثيثة داخل الوجدان الانسانى وفخرها الدؤوب في روحة ينقر فيها من كل محتوى يتعلق بالجميل والسامى، انها محاولة لرثى الوقت ومفرداته غير المرئية.

أين تقع هذه الواية بين خارطة روايتك؟

• يصعب الجواب على هذا السؤال، غير أنه ربما يكون من المفيد التنويه بفكرة ان الدأب المتعلق بالتأمل وتجربة الكتابة يحتل بعض التجارب الروائية تجب تجارب أقدم للكاتب أو الكاتبة نفسها.

هل الرواية العربية الآن مطالبة بملاحقة الفساد. أو هل استطاعت الرواية الامساك بالمفاصل المحورية للفساد في العالم العربى؟

• المشكلة الاساسية في العالم العربى هى أن الفساد هو عرض لمرض، والمرض قديم ومزمن وأساسه الاستبداد السياسى وكأن مقولات الكواكبى في القرن التاسع عشر ما زالت قادرة على الحضور بقوة في كل لحظة من لحظات حياتنا الراهنة. لقد استطاع مرض الاستبداد السياسى الخطير والمزمن أن يلتهم بجراثيمه الفتاكة كل محاولة تستهدف العدالة الاجتماعية في معناها الانسانى الأعمق. واستطاع هذا الاستبداد أن يدمر كل محاولة سياسية دافعة. والنهضة في لعالم العربى عبر أساليبه المراوغة والملتبسة في معظم الأحيان والواضحة في أحيان أخرى، مما أدى في النهاية لأن يكون الفساد أى كل الأساليب قادرة بدورها على الالتواء وتفادى المواجهة، ان الكاتب أو الروائى عليه أن يمسك بهذه الأساليب يكشفها ويفضحها عليه أن يكون مؤرخا لما لا يؤرخ له. وقد بات التأريخ رهينة آلة اعلامية جهنمية ومرعبة تجير الحقيقة باتجاه طاغوت الاستبداد وتنفى كل ما هو انسانى وناهض بالجمال والصدق المطلوب. حقا ان الكاتب الروائى هو المؤرخ بامتياز لهذه اللحظة المنحطة وهو القادر على الكشف والسير والغوص إلى الأبعــــد ويا لها من مهمة وليعينه الله عليها..

لكنه الحزن

ما الذى يثير غيرتك خارج هذا الوطن العربى الثقافى. في المحافل الثقافية التى تدعين اليها في العالم الغربى؟

• انها ليست الغيرة، ولكنه الحزن والأسى. فها هى كلمات محمد عبده القديمة" رأيت مسلمين بلا اسلام". ويقصد الغرب بالطبع واشار الينا بأننا مسلمون بلا اسلام. كان ذلك عندما ذهب إلى باريس. ولكن الأسى ينبع من أن ليست باريس فقط ولكن الصين وكورا وماليزيا وعشرات البلدان في المعمورة بات بها أناس، كان المسلمون أولى أن تكون لهم خصالهم فهم صادقون لا يسرقون ولا ينهبون أوطانهم ويتقنون أعمالهم، لا يبذرون وقد أعطاهم الله. هذا هو الحزن، أما الأسى فعلى كل ذلك الهدر والضياع لطاقتنا وامكانيتنا كشعوب تم تصنيفها بعد مرور سنتين من الألفية الثالثة كأفقر شعوب الأرض من حيث الغنى الديمقراطى وأقلها استمتاعا بالحرية وشعورا بالاطمئنان والسعادة. وفقا لتقرير التنمية البشرية الشهير، وهو تقرير متواضع صادر عن البرنامج الانمائى للأمم المتحدة" واقول متواضع لأنه تجمل وتهذب وخجل من أن يقول كل الحقيقة لأنها بشعة وقاتمة وميئسة لكل نفس تتوق إلى الأعلى.

هل يدخل الواقع الثقافى بكل تلاوينه ضمن منظومة الفساد المشار اليها؟

• في الواقع ان آفة حياتنا الآن هى الثقافة. فالثقافة التى كان يفترض أن تكون وسيلة دافعة لنهضة المجتمعات العربية ونهضة المواطن العربى تحولت إلى وسيلة وأداة لتكريس كل قضايا واشكاليات الحياة العربية. المثقف الآن هو بعيد بعدا شديدا عن الحياة اليومية للمواطن العربى. وبدلا من أن يكون طليعة مرشدة لطريق مستقبلى آثر أن يكون نخبة متعالية تترفع عن اليومى والمعتاد، وربع على حجور السلطات، لقد ضيع كل الجمل المفيدة في دهاليز المصطلح وسراديب التجديد الزائف، ان الثقافة لم تعد مبشرة ومستشرفة وآخذة بيد المجتمع كما كان دورها التاريخى القديم. وأنا هنا أتحدث عن ثقافة اليمين واليسار. ثقافة الدينى والعلمانى. فالجميع بات داخل النفق المظلم. فحتى الأزهر " معمل المثقفين" التاريخى لم يعد الا مؤسسة هشة تتبع رئاسة الجمهورية في أفضل الأحوال.

هل النقد الأدبى يلعب دورا في اضاءة هذا الواقع ومواجهته أم يعد امتدادا له؟

• قبل النقد الأدبى فلنتحدث عن الجامعة والأكاديميات ودورها في المجتمعات العربية. فالجامعات لم تعد معامل فكر ترفد المجتمعات العربية بأفكار ووجهات نظر ونظريات مرشدة بأزماتها في كافة المجالات، سؤال ما العمل لم يعد سؤالا مطروحا داخل الجامعات العربية، اذن النقد هو ضمن هذه الرؤية انه الجناح الهش لطائر كسيح عاجز عن الرفرفة بجناحيه حتى وهو يراوح مكانه، هو مسخ عن نظريات جاءت على أرض أخرى لتلبى وتنجز مهام مجتمعات أخرى بات الفارق الحضارى مع التجديد بيننا وبينها كبيرا وواضحا للغاية.

هل ثمة أعمال أخرى. كتبها كتاب آخرون استطاعت أن تعبر عن هذا الفساد المستشرى لكتاب آخرين؟

• أظن أن قصة " الشرنقة" لسليمان فياض هى من عبقريات الأعمال التى تناولت مسألة الفساد في مستواها الأعمق. انها قصيرة مكثفة ودالة وتظل عبرتها صالحة لاثارة الدهشة حتى وقتنا هذا. أيضا هناك ديوان صدر للشاعر بهيج اسماعيل " طائر الغيب وطفل الشهادة".

بغياب ادوارد سعيد المثقف النقدى، هل لدينا مثقفون ينهضون بذات الدور؟

لقد عرف التاريخ العربى الحديث حالة المثقف المفكر، الذى يلعب دورا رياديا عبر جماعة أو تيار فكرى بعينه هكذا كان الكواكبى، هكذا كان محمد عبده وكثيرون، ولكن ادوارد سعيد مفكر ومثقف كبير بلا تيار ولا جماعة فاعلة تسترشد بأفكاره ورؤياه، لديه بالطبع معجبون كثيرون وانا واحدة منهم، ولكن هذا أمر مختلف، فالجماعة الفاعلة وفق نسق عملى ومنظومة من الحركة الاجتماعية أمر مختلف تماما، ليست المسألة في مفكر فرد نفتقده ولكن ما نفتقده فعلا الآن هو حركة فكرية تتصادم مع البائد والمعوق وتسعى لتجذير فعل مرتبط بفكرة ينهض بالمجتمع ويدفعه إلى حياة معاصرة حقيقية.

في كتاباتى أبحث عن مسألة التواصل الفاعل مع القارئ
مريم كافية
القاصة والروائية المصرية سلوى بكر من الوجوه الأدبية البارزة في مصر وفى الوطن العربى ساهمت بعمق وثراء منذ السبعينات في الحياة الثقافية المصرية وأسست رفقة ثلة من الكتاب للفعل الابداعى العربى المسؤول. وهى تعتبر الكتابة الأدبية تحقيقا للذات الانسانية وبحثا مستمرا في القيم والمفاهيم والصيرورة، سلوى بكر تملك مشروع قول تروم ابلاغه إلى القارئ العربى وهى تبدع النص الأدبى من أجل الانسان دائما وابدا بعيدا عن حرب الأجناس وهى تلزم الذات الكاتبة باحداث التساؤل أملا في تجاوز مأساوية الواقع الراهن. واذا كانت ترنو الى التجاوز الفنى الجمالى والفكرى الدلالى من خلال كتاباتها فان أعمالها الأدبية المنشورة قد تجاوزت لوطن العربى ليكتشفها العالم كله حيث ترجمت أعمالها إلى الفرنسية والانقليزية والألمانية ومن هذه الأعمال الهامة نذكر:" العربة الذهبية لا تصعد إلى السماء" و"وصف البلبل" رواية. سلوى بكر امرأة فكر وثقافة وهى ملتزمة في كتاباتها شأنها في انسانياتها. حلت مؤخرا ضيفة على النادى الثقافى الطاهر الحداد مساهمة في الندوة التى نظمت تحت محور " صورة المرأة في الرواية العربية فكان لنا معها هذا الحوار ل" الملحق الثقافى":

وأنت تحلين ضيفة على هذه الندوة كيف وجدت صورة المرأة من خلالها؟

• في الحقيقة كانت معظم الأوراق فاحصة وثابتة في صورة المرأة العربية سواء التى يكتبها الرجل أو تكتبها المرأة ويلاحظ أن هناك اجماعا على أن ما تكتبه المرأة يجب أن يخضع لما يكتبه الرجل فيما يتعلق بتقنيات السرد وفنية الكتابة الذى هو المعيار الأساسى الذى من خلاله يمكن البحث عن تميز لكتابة المرأة.

أنت قاصة وروائية مهمة تبدين ملتزمة في كتاباتك وفى رؤاك. فما معنى الالتزام في الكتابة الأدبية؟

• أنا لا أبحث عن الالتزام في كتاباتى ولكن أبحث عن مسألة التواصل مع القارئ، هذا التواصل يتطلب أن يكون بيننا مشتركات ومتفقات قيمية ولغوية، قاموس انسانى مشترك ومن هنا قد تبدو أعمالى ملتزمة في مظهرها وهو التزام لا أقصده . أنا أبغى التواصل الفاعل مع القارئ من خلال تجديد الأسئلة القديمة واعادة طرحهاولعله هاجسى الأهم من خلال ممارستى الأدبية. وبالتالى أنا أسعى إلى استخدام لغة وطرائق تعبيية وسردية تقدم خطابا روائيا مؤسسا وفاعلا دون التصادم مع الآخر فتحقيق ا لرسالة الفنية لا يكون الا عبر التواصل مع الآخر.

في ممارستك للأدب رغبة عارمة في التواصل مع الآخر ولكن الممارسة الأدبية في مختلف أجناسها قد تكون توثيقية وقد تكون تصفية حسابات فكرية ما هو رايك؟

• في الحقيقة الكتابة عملية لذة حقيقية بالنسبة إلى، هى نوع من التحقق الانسانى، الكتابة دفع إلى التساؤل في القيم والمفاهيم والصيرورة الانسانية ماضيا وحاضرا ومستقبلا. تعتنى معظم كتاباتى بالعالم الذى لا يستدعى الكتابة عنه عادة، عالم البسطاء والنساء الفقيرات الواتى يعشن خارج المؤسسات الاجتماعية التقليدية وهى مؤسسة الزواج سواء في التاريخ السحيق أو المعاصر. همومى تتناول أيضا البحث في فكرة العدالة الانسانية ومفهومها ومدى تغير هذا المفهوم وعلاقته بالسياقات التى تنتجه. أنا لا أصفى حسابات مع المجتمع وليست لى منطلقات ذاتية في الكتابة، كما أسلفت أنا لست معنية بالكتابة الذاتية معنية فقط بكونى امرأة جزء من كل، أهتم بجدل العلاقة بين الجزء والكل، بين النسبى والكلى.

نعود إلى الحديث عن صورة المرأة في الرواية العربية اذ يتجلى في بعض الكتابات الروائية النسائية تعظيم واعلاء الأنا الأنثى إلى درجة اقصاء الرجل، فكيف تعلقين على هذا الموقف وما هو رايك في كتابات نوال السعداوى باعتبارها من الذين يتبنون إلى حد ما هذا الموقف؟

• دعنى أقول لك أمرا، اذا أشرقت الشمس غدا واصبحت المرأة تعامل وتحصل على ما تبغيه لتحقيق انسانيتها كما الرجل، قانونها بالفعل مع الرجل، وتعليم يتاح لها كما الرجل واعلام لا يميزها عن الرجل.. اذا تم ذلك عما سوف تكتب النساء العربيات؟ عندما تكتب المرأة العربية عموما فهو نوع من التعويض عن غياب الأطر التى تعبر من خلالها عن قضاياها وهو ما تفعله فئات أخرى من الرجال... فيما يخص نوال السعداوى وجب الاعتراف بأنها رائدة في الكتابة الأدبية، فقد كتبت عن نوع من هموم المرأة واشكالياتها ونحن في كل الأحوال لا نتحدث عن كتابة امرأة انما عن أدب ورواية وفن .

في كتاباتك لا حظنا نزوعا إلى التعقيد في العناوين سواء عن طريق تعدد الألفاظ مثل" العربة الذهبية لا تصعد إلى السماء" أو الغموض مثل " البشمورى" فلماذا هذا الاختيار؟

• ماهى وظيفة العنوان؟ العنوان يكثف الخطابة الروائية حتى يبقى في ذهن القارئ والغموض في العبارة هو الذى يثير التساؤل والعبرة بالنص الروائى في حد ذاته هل هو قادر على طرح الأسئلة لدى القارئ. واذا ما نجح في تحريك السواكن فالعودة إلى العنوان قد تعين على ايجاد اجابة.

لنختم بسؤال حول ما يقال عن اعادة اكتشاف الكاتب لذاته من خلال قراءة الآخر لنصه وهل حدث معك هذا على الأقل من خلال قراءة الأستاذ حسن حميد لروايتك"الصعبة" على حد قوله؟

• نحن غرفة أصداء للآخرين وأى منظور نقدى لأعمالى يعنينى ويدهشنى في أن المخيلة الانسانية بلا ضفاف وبلا حدود والنقد هو ابداع على ابداع وهو لا يقل أهمية ولا خطورة على الابداع. وأنا في المقام الأول أصاب بالدهشة من قراءة الآخر لأعمالى اذ أجد في النقد جمالا وثراء وعمقا قد لا أجده في النص ذاته.

سلوى بكر : أنقب في هوامش التاريخ والجغرافيا لأكتشف حقيقة اللحظة الراهنة

القاصة والروائية المصرية ل الشرق الأوسط : شخوصى مسلحة بارادة المقاومة ولا تنحاز لأيديولوجيا محددة
الملحق الثقافى
الحرية – الخميس 26 فبراير 2004


أنا ضد الصدام مع القارئ

راشدة رجب
سلوى بكر واحدة من جيل السبعينيات في الوطن العربى، صحيح أنها لم تنشر الا في الثمانينيات، ولكنها تحمل هموم جيل كسرته هزيمة يونيو بعد أن كان يتناول افطاره مع مقالات هيكل وغداءه مع صوت عبد الناصر وعشاءه مع صوت الست أم كلثوم، في هذا الحوار تتحدث سلوى عن رواياتها الجديدة" البشمورى" التى أثارت ضجة قبل صدورها وعن الكتابة النسوية وعن الواقع الثقافى وعن التفرغ وأهمية الابداع في واقع ضد الابداع.

لماذا أثارت روايتك الأخيرة " البشمورى" ضجة كبيرة قبل صدورها؟

• لا اعرف فهى لم يقرأها أحد بعد حتى تثير هذه الضجة، وهى ليست تاريخية بل رواية أجواء تاريخية تتحدث عن مصر خلال فترة تحول المجتمع ما قبل الاسلامى ولا أقول القبطى، فمصر كانت تضم فسيفساء دينية تجمع بين القبطية والمذاهب المسيحية والوثنية والديانات المصرية القديمة. وكانت تتحدث القبطية واليونانية ولغات أخرى أقدم. وهذه معلومات أولية تحاول الرواية تقديمها. فهى تقدم الأجواء المصرية خلال تلك الفترة، كيف فكر الناس في الحب والدين والفلسفة والموت والمرض والزواج وكيف كانوا يمارسون تفاصيل حياتهم اليومية؟ و"البشمورى" تتناول ثورة قام بها الفلاحون الأقباط الفقراء في شمال الدلتا، رافضين دفع الضرائب للولاة المسلمين الأمويين، وبينما انضم اليهم العرب المسلمين المشتغلون بالزراعة تحالفت الكنيسة المصرية مع الحكم الاسلامى لقمع الثورة وهذه مفارقة وتناقض. وقد ظلت الثورة مستمرة حتى بدايات العصر العباسى حين قام الخليفة المأمون في جيش مكون من 40 ألف جندى يقمع الثورة وأخذ الفلاحين أسرى إلى بغداد، هؤء الفلاحون يسمون "البشموريون" أى الذين يتحدثون بلسان قبطى يختلف عن لسان الصعيد الأخميمى واللسان البحيرى للاسكندرية وغرب الدلتا، وليست بالرواية آية مشاهد ذات طابع جنسى كما أنها تحمل احتراما شديدا لجميع الأديان والعقائد.

هل هناك علاقة بين تأخر ظهور الرواية ولجنة تقصى الحقائق التابعة للكونجرس الأمريكى؟

• بالعكس فهذه الرواية تثبت لهذه الجنة وحدة الأقباط والمسلمين في مصر منذ زمن بعيد جدا. ولا تتحدث عن صراع بين المسلمين والأقباط لأن هذا لم يحدث تارخيا، والصراع كان قائما بين الكنيسة القبطية والكنائس المسيحية المصرية الأخرى. فالكنيسة القبطية كانت وطنية وغنية وتخشى ضياع ممتلكاتها وكانت علاقتها بالحكم الاسلامى قوية. وربما كانت هناك حساسية من وجود اللجنة في الفترة التى كانت "دار الهلال" تعد فيها لنشر الرواية ولهذا أساء البعض فهم الموضوع.

ما حكايتك مع منحة التفرغ هذا العام؟

• حصلت على منحة التفرغ ثلاث سنوات متتالية وقدمت" ايقاعات متعاكسة" ثم "ليل ونهار" ثم " البشمورى" ومشروعى الذى تقدمت به هذا العام هو الجزء الثانى من رواية " البشمورى" ويتناول "ثورة الزنج" وهى النسخة العراقية من ثورة البشموريين حيث يعيشها أحد الشخصيات التى أسرهم المأمون ويتحول في النهاية من قبطى إلى متصوف اسلامى وهذه هى المرة الأولى التى أفصح فيها عن محتويات الجزء الثانى فقد كتبت فقط أننى ساقدم جزءا ثانيا الا أننى فوجئت في أثناء سفرى إلى الخارج بالاستاذ فاروق خورشيد يكتب " لن تجدد منحة التفرغ لسلوى بكر" بينما جرى العرف على أن تعلن أسماء الذين تمنح لهم المنحة فقط واستثنائى بالذكر غير مفهوم ورغم ذلك التزمت الصمت، أما المرة الثانية فقد كتب الأستاذ فتحى غانم في روز اليوسف أنه أقنع لجنة التفرغ بألا تعطى المنحة لسلوى بكر لأنه لا يجوز أن تنفق الدولة على مثل هذه الأعمال. وهنا بدأت أتكلم لأن العبار ملتبسة ولذلك طالبت الأستاذ فتحى غانم بأن يفصح عن مغزى هذه العبارة وأتساءل اليس شيئا غريبا أن تلعب الجنة المكونة من أدباء ونقاد وأساتذة أكاديميين ومخصصة لمناقشة ما هو أدبى وفنى في العمل دورا شبيها بدور الرقيب بينما المفروض فيها الاستنارة وسعة الأفق ؟ والأستاذ فتحى غانم أديب كبير ويجب أن يحرص على ما يقوله أو يكتبه وخصوصا اذا كان يمس الاخرين.

قلت انك ستتقدمين بشكوى ضد الأستاذ فتحى غانم إلى اتحاد الكتاب ونقابة الصحفيين؟

• ما زلت أطالبه برد واضح ومعلن، كما أطالب أعضاء اللجنة وأمين عام المجلس الأعلى للثقافة د.جابر عصفور بالرد وأنا لست في خصومة مع أى منهم بل أحمل لهم جميعا كل تقدير واحترام.

بدأت الكتابة في الستينيات ولم تنشر أعمالك الا في الثمانينيات فما سبب هذا الاختفاء؟

• أول كتاب ظهر لى عام 86 لكن أول نشر كان في عام 79 من خلال كراسات صغيرة غير دورية هى (افاق79) وكان يشرف عليها الفنان التشكيلى محمود بقشيش وهو أحد أجمل المشروعات الصغيرة التى كانت تتكلف قروشا قليلة وأخرجت جيلا من الكتاب.

لكن قبل عام 79 أين كان انتاجك؟

• عمرى الآن 49 سنة وجيلى يسمى جيل الثورة وهو جيل عاش تغيرات سياسية واجتماعية واقتصادية كثيرة وسريعة وتعودنا طوال الوقت أنه لا فرق بين العام والخاص، فكنا في طفولتنا نغنى الأغانى الوطنية ونخرج في المظاهرات، كنا نفطر على كتابات محمد حسنين هيكل ونتناول الغذاء مع خطب جمال عبد الناصر وليلا نسمع أم كلثوم، وارتبطنا بالسياسة والعمل العام حتى كانت هزيمة 67 بصدمتها الشديدة والتحقنا بالمعارضة السياسية حتى بداية السبعينيات واكتشفت أن العمل العام صار مليئا بالتناقضات وبدأت أبحث عن طرائق جديدة للتعبير عن ذاتى فكتبت القصص.

اذن حلم الكتابة لم يكن منذ البداية؟

• كنت أحب القراءة عموما وقراءة الأدب بشكل خاص طوال عمرى الا أننى لم أكن أفكر في أن أكون كاتبة وأول نشر لى كان عمرى فيه 30 عاما، ولم نكن مشغولين بهذه الأمور. كنا مشغولين بأن الثورة سوف تحدث"صباح الغد" وأن البلد سوف يتغير لتصبح فيه "تماثيل رخام ع الترعة وأوبرا" كما يقول صلاح جاهين. وكان رد الفعل عنيفا فأصيب البعض بالمرض النفسى وهاجر آخرون وانهارت الأحلام. هل هذا ما حاولت أن تعكسيه في "ليل ونهار" بانتحار الشخصيات.. أو انفصالها تماما عن المجتمع وهل نسمى تلك واقعية أم تشاؤما خاصة أن أحداث الرواية تنتهى عام 2005؟ التفاؤل والتشاؤم يكونان على ضوء معطيات الحياة ومعطيات الحياة الراهنة لا تدعو إلى التفاؤل وأتمنى أن أكون مخطئة، ولكن في"ليل ونهار" كانت المسألة أبعد من التفاؤل والتشاؤم فقد حاولت أن أرصد نموذجين قابلين للانسحاب أحدهما من الطبقة البرجوازية العليا في مصر ويمثلها "زاهر كريم" وهى الراسمالية المصرية التى تكونت بين الحربين وولدت مرتبطة بتقسيم العمل الرأسملى الدولى فكانت نشأة مشوهة ولم يكن لديها مشروع بالمعنى الحقيقى وقد بدأت بصناعة النسيج والصناعات المتوسطة في محاولة للانتقال إلى الصناعات الثقيلة الا أنها انتهت بصناعات اللبان والشيكولاته ولهذا أرى أنها تنتحر، أما الطبقة الثانية فهى البرجوازية الكبيرة وتسعى إلى الالتحاق بها وبرغم ما لديها من طموح انسانى الا أنها تراهن على جواد خاسر.

كتبت مرة ما الأدب النسائى لا يحرر المرأة فقط ولكن يحرر الرجل أيضا كيف يكون ذلك؟

• لا بد أن نتفق أولا على مفهوم للآدب النسائى فليس كل أدب تكتبه المرأة هو أدب نسائى، فالأدب النسائى هو محاولة للتعبيرعن العالم من موقع المرأة ككائن والذى يختلف كثيرا عن موقع الرجل بلا شك وتختلف أيضا تجربتا في الحياة، وبالتأكيد فان التصورات والمفاهيم عن العالم ستختلف عندما تكتب أو تبدع أى نوع من الابداع. والأدب النسائى مطالب اليوم بأن يعيد صياغة المفاهيم المتعلقة بحياتنا مثل العلاقة بين الرجل والمرأة. المرأة كذات- لأن المرأة متناولة دائما على أنها موضوع للحب والجمال والأسرة. ايضا المفاهيم الخاصة بالمسئولية الاقتصادية التى يلقى بعبئها كاملا على الرجل وتجعل ملايين الشباب عاجزين عن الزواج، ان اعادة قراءة وصياغة هذه المفاهيم ستحرر الرجل أيضا الذى سيكون في لحظة ضحية لهذه المفاهيم. وأتصور أن هذا هو دور الأدب والفن، فليس دوره هو تقديم التسلية ولكن أن يستحضر شيئا في وجدان الناس، بطريقة تختلف عن المقال الصحفى ويمس الشعور والوجدان وبدون ذلك يفقد الابداع والفن والأدب المعنى.

أدبك يجعل المرأة دائما محور الأحداث والرجل شخصية مشوهة أو ثانوية فهل هذا مقصود؟

• ليس عندى رجل مشوه فقط ثانوى وليس هناك كره للرجال وحتى في رواية " العربة الذهبية لا تصعد إلى السماء"الادانة للقيم والمفاهيم الاجتماعية وليست للرجال وفى أعمالى توجد صور ايجابية وأيضا سلبية للرجل كما أن في روايتى الأخيرة الرجال شخصيات محورية والنساء ثانوية. وهذا يرجع لطبيعتى فقد توفى والدى وأنا صغيرة ولم أر رجالا، وأمى سيدة صعيدية لم تكن تدخل البيت رجالا الا في المناسبات وفى حالة القرابة الشديدة كزيارة عمى الينا في العيد ولهذا نشأت ومعظم محيطى من النساء وتحديدا نساء خارج مؤسسة الزواج كالأرامل والمطلقات من صديقاتى والدتى. أما النقطة الأخرى فاننى فعلا من موقع المرأة أكتب ما أعرفه وهذا لا يعنى أننى لا اعرف الرجال لكن ما أستطيع التعبير عنه أكثر هو موقع المرأة ولكن أعبر عنه ليس من خلال رؤية نسوية. وأنا مهمومة أكثر بمسألة البشر المهمشين الذين حدثتك عنهم مثل شخصية الرجل في قصة "أرانب" الذى يريد أن يزيد دخل اسرته بتربية الأرانب لكن لا توجد لديهالخبرة ليقوم بذلك.

هل تعنى جملتك "لدى رقيب داخلى" البعد عن التابوهات؟

• أنا ضد الصدام مع القارئ لأننى أعتبر نفسى النسيج القيمى ذاته ولهذا اضع نفسى موضوع القارئ، وأراقب رد فعلى وأبحث عن طرائق للتعبير غير صادمة فمثلا لو اختلف مفهومه للجنس عن مفهومى الخاص لا الغى مفهومه لكننى أناقش مفهومى بما يجعله يتقبله منى.

كيف ترين الكتابات الشابة الجديدة؟

• هناك ظاهرة صحية وجميلة حيث عشرات الأقلام والزهور تتفتح. المشكلة في النقد والاعلام، فالنقد في كثير من الأحيان متسرع ولأسباب غير موضوعية مما يضر بالحركة الثقافية كما يضر بالمبدع لأنه يكون نوعا من الخديعة سواء بالسلب أو الايجاب. أما بالنسبة للاعلام فهى مسألة أخطر لأن معظم المسئولين عن الصفحات الثقافية ليسوا من المتخصصين وهناك تركيز على أشياء لا علاقة لها بالقيمة الفنية لأعمال الشباب ولهذا فهى مضللة للقارئ من ناحية وللمبدع من ناحية أخرى.

الأهرام العربى العدد 86/14 نوفمبر 1998


أدب وثقافة
الغرب والعالم الاسلامى
محاولة لازالة السدود الشعورية

أمل فؤاد

الأديبة سلوى بكر: قضية فلسطين هى المحنة الكبرى مع الغرب! شُهر هذا الكتاب كسلاح دفاعى مشروع، عن هوية وعقيدة وحضارة اسلامية مهددة بدعوى الارهاب.. والفاعلة هى الأديبة المصرية سلوى بكر التى شاركت في تحريره مع ستة مثقفين اختارتهم وزارة الخارجية الألمانية، ومعهد شتوتجارت الألمانى للعلاقات الخارجية، من أقطار اسلامية مختلفة هى مصر وفلسطين وسوريا وماليزيا والبوسنة وباكستان، كى يضعوا رؤى مغايرة للغرب عن العالم الاسلامى ترمم الصورة الرديئة عنه من خلال تقرير جماعى صدر في كتاب جديد بعنوان: الغرب والعالم الاسلامى.. "نظرة اسلامية" وهى بالفعل النظرة التى يحتاجها الغرب ليتوازن ازاء الاسلام وشعوبه بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 وما تلاها من انفلات أمريكى لتأديب وعقاب المتهمين في أفغانستان ثم العراق. فيما أطلق عليه الرئيس الأمركى جورج بوش" الحملة الصليبية" ليستعيد تاريخا بغيضا ضد المسلمين، قالت في شأنه كارين أرمسترونج الكاتبة البريطانية المعنية بالاسلام السياسى والأصوليات اليهودية والمسيحية.." لم يكن بمقدور الرئيس بوش أن يختار كلمة أكثر اثارة لعداء حلفائه المسلمين المحتملين" وعبر قلم آل على نفسه وصاحبته أن يصد الظلم والقهر، كانت مشاركة الأديبة سلوى بكر في هذا الكتاب ولنفس الهدف.. تقول:

• صدر هذا الكتاب الذى شاركت في مادته بعد انعقاد مؤتمر سابق عليه ببرلين كان الهدف منه اجراء حوار بين العالم الاسلامى والغرب بعد أحداث 11/9/2001 وذلك لحاجة الغرب إلى فهم أعمق للعالم الاسلامى بعد تلك الأحداث وقد شارك في المؤتمر مفكرون من حقول معرفية مختلفة ومن بينهم رئيس وزراء سابق للأردن والشاعر العربى الكبير أدونيس الذى قدم خلاله ورقة هامة، وقد تمخض المؤتمر بعد حوارات طويلة ووجهات نظر متباينة عن قرارات وتوصيات كان منها عمل كتاب يستدل به الأوروبيون في محاولاتهم لايجاد صيغة تفاهم مشتركة مع العالم الاسلامى، وقد جاءت المبادرة من وزارة الخارجية الألمانية التى قامت بتمويل هذا الكتاب مع معهد شتوتجارت للعلاقات الخارجية، وتم تكوين لجنتين كنت أحد أعضائهما وذلك لوضع تصورات عن المعوقات بين أوروبا والعالم السلامى ومن مفاجآت الأمر أن اكتشفنا فهمنا كأطراف من عالم اسلامى متباين الثقافات حتى معرفتنا بقضايا بعضنا البعض فالمدهش مثلا أن المشاركين القادمين من ماليزيا والبوسنة وباكستان وهم أساتذة متخصصون أدركوا أن قضية فلسطين هى السبب الرئيسى في المحنة الحالية بين الغرب والعالم الاسلامى وبالذات تجاه السياسة البغيضة للكيل بمكيال مختلف ازاء التحيز الواضح لاسرائيل .. وقد كانت المنطلقات والمرتكزات في معظمها تتعلق بصعوبات الحوار بين الطرفين الغربى والاسلامى.

في مقدمة الكتاب، ملحوظة هامة عن مدى توافق الرؤى بين المشاركين الستة في تحقيقه،فرغم تباين البيئة واللغة حدث نوع من التوحد بينكم.. هل يكمن السبب في انتمائكم لعالم الثالث في مواجهة التفوق الغربى؟

• ربما كان ذلك صحيحا بعض الشئ ولكن التوافق في رأيى حدث بعد مداولات ومناقشات طويلة ومتعمقة بيننا، وربما يلاحظ قارئ هذا الكتاب أنه يحتوى انتقادا موضوعيا للذات ومحاولات لتفهم الغرب وأن نراه بكل ماله وما عليه. وليس ما عليه فقط.. لقد حاولنا أن نزيل التجمد ونغير الرؤية الثابتة والمسبقة في أذهان كل طرف عن الآخر فاذا كان الغرب يرى في الشرق تخلفا وتعصبا وضيق أفق فنحن أيضا لدينا رؤى مسبقة عن الغرب منذ أزمنة الحروب الصليبية التى ساهمت في رسم صورة سلبية عنه، كما رسم الاستشراق صورة سيئة عن الشرق ساهم المفكر الراحل ادوارد سعيد في تصحيحها، وهناك بالطبع نوع من التوحيد بيننا كعالم اسلامى وعالم ثالث مغبون، غير أننا لو نظرنا إلى حالة دول أمريكا اللاتينية التى لها مع الغرب وأمريكا بالذات مواطن صراع مشتعل، سنجد أنهم لم يواجهوا معها تهديدات صليبية ولا استشراق مثلما حدث مع العالم الاسلامى ولكنهم تعرضوا مثلنا للنهب والاستعمار وبالتالى فنحن نشترك معهم في الأطماع الغربية الموجهة نحونا. في ظل الفتوحات الاسلامية مثل فتح الأندلس ثم الفتوحات العثمانية كانت الحالة الاسلامية في الغرب جسيمة وموحشة تشبه في تأثيرها عليهم ما فعلته بنا حملاتهم الصليبية القديمة وغزواتهم الاستعمارية الحديثة.

هى اذن حالة تبادل أدوار، ينبغى على أطرافها تأطير الأهداف التوسعية في السياسة والسيطرة الاقتصادية على ثروات الأمم، بمعزل عن صراع الأديان والحضارات المزعوم فما رأيك؟

• اذا كنا نتحدث عن الحروب الصليبية وفظائعها. فالدولة العثمانية قامت بدور مواز وتلك هى الرؤية الموضوعية التى يطرحهاالكتاب فقد قلنا فيه مالنا وما علينا، ذكرنا بصراحة أنه كانت هناك ممارسات في الفتوحات الاسلامية بنفس المنطق. والهدف هنا من هذه الاستعادة أن يحاول الطرفان تجاوز ما حدث. فلم نقم بتقديم أنفسنا على شاكلة مثالية ولا قلنا اننا كنا مظاليم على الدوام، لكن الاستعمار الحديث المتمثل فيما يحدث الآن نحو العالم العربى والشرق الاسلامى من الامبريالية الرأسمالية الغربية هو الأبشع بين كل صور الاستعمار التى شهدها التاريخ!

يعرفك القارئ الغربى من خلال الترجمات السابقة لمؤلفتك الأدبية ولعل أهمها روايتك اللافتة "البشمورى" لما تحتويه من رؤية مكتنزة بالدلالات عن التوافق التاريخى في مصر بين المسلمين والأقباط، فهل كانت الرواية احدى دعائمك في المداولات مع الأطراف الغربية؟

• كانت روايتى " البشمورى" أحد أرصدتى في المداولات والحوارات التى سبقت تحقيق الكتاب، وقد حضرت في المانيا بالذات منتديات سابقة وعديدة تتعلق بالحوار العربى الاسلامى وبوضع المرأة في العالم الاسلامى حيث تترسخ لديهم صورة ثابتة سابقة التجهيز لقهر المرأة وعالم الجوارى والمحظيات وافراط الرجل في الزواج بأربع في مواجهة صورة أخرى ثابتة لدينا في الشرق عن انحراف وتسيب نساء الغرب، والصورتان بالطبع عقيمتان وربما كان هذا المرتكز دافعا لدعوتى إلى هذا المؤتمر ففى السابق شاركت مع د. نصر حامد أبو زيد ود. حسن حنفى في ألمانيا أيضا في مؤتمر هام كان عنوانه الأصولية في الغرب المسيحى والشرق الاسلامى ونبعت أهمية المؤتمر من موضوعيته في تناول الاتجاهين بتواز في الشرق والغرب.

استعادة الأزمة، واحياء الأمكنة، خصائص مميزة للأديب تصيغ قدرته على تلقيح الحاضر بثراء الماضى.. هكذا أطللتم في هذا الكتاب على عبرات سابقة فتحت نوافذ الاستيعاب للآخر.. وفى مؤتمر الرواية العربية القادم المزمع عقده في شهر فبراير بالقاهرة مزيد من الولوج إلى الماضى عبر عنوان دال هو " الرواية التاريخية" كيف ستدلفين اليه؟

أقوم حاليا بالاعداد لكتابة ورقة بحثية عن اشكالية الجغرافيا التاريخية في الرواية، فالرواية فعل متخيل للشخوص والزمان والمكان.. وتخيل المكان في الرواية ينطلق جغرافيا من رؤية واعتياد للمكان بشكل أو بآخر والسفر إلى جذوره العتيقة.. رغم معاصرته عبر قراءات ودراسات وتأملات وخيال يشيده على النحو القديم فرواية عن حى السيدة زينب مثلا في القرن السادس عشر أو السابع عشر تستدعى المخيلة بالضرورة ما كان عليه حال شارع بورسعيد الذى كانت تشقه ترعة وكانت به كذلك بركة تعرف ببركة الفيل، وكذلك بركة الأزبكية وبركة الرطل، وهذه الجغرافيا المكانية هى اشكالية هامة في الروايات التاريخية وسوف استند في بحثى بشكل رئيسى على تجربتى الخاصة في كتابة رواية البشمورى التى أسست بناءها المكانى على قراءات تاريخية متعددة للأمكنة التى صنعت فيها الأحداث.

لا يعنينى مقدار عطاء "السلطة" للثقافة والأدب !
أيمن السيسى

تمثل الكاتبة والأديبة سلوى بكر حالة من حالات الوعى النسوى المصرى. ليس فقط لكونها أديبة معروفة على المستويين العربى والعالمى، ولكن أيضا لأنها قدمت النموذج الجيد لمرأة المصرية التى تجابه التدنى والانحدار، وتطرق ابواب العقل بعنف أحيانا، وبرقة في أحيان أخرى، لتطرح تساؤلا يثير تساؤلات أخرى تراها هى الأفضل في تجديد الوعى، وتقريبا في كل أعمالها كانت هذه الأسئلة في روايتها " البشمورى" التى تحتاج إلى متخصصين في اللاهوت والتاريخ والفلسفة ليقدموا قراءة نقدية حقيقية لها، وفى" العربة الذهبية" عن الحرية بمعناها الانسانى للسياسى وللمواطن العادى، وفى "كوكو سودان" وغيرها حتى لتحسب أن أدبها هو أدب التساؤل! وسلوى بكر مناضلة قبل أن تكون كاتبة اهتمت بالعمل العام. وبالنضال قبل أن تخلص للكتابة.. وهذا من أسباب خصوصيتها وتفردها.

عندما ذهبت إليها في بيتها بـ" المقطم" باغتنى ابنها "حليم" (التلميذ في الصف الثانى الاعدادى) بسؤاله لى:

ما رأيك في قضية هند الحناوى وأحمد الفيشاوى؟

• فالتقطت السؤال ووجهته اليها، باعتبار أن الأمر قد أصبح قضية عامة وحالة من حالات المجتمع المصرى.

• تقول سلوى بكر: فتح الملف ولا يمكن أن تغلقه، ولا يجب فهناك مئات الحالات يوميا تحدث في المجتمع المصرى، ومسكوت عنها. وهند الحناوى تنتمى إلى أسرة متعلمة مثقفة. وهى محظوظة في أن والديها كانت لديهما الشجاعة لفتح هذا الملف في حين أن الأوساط الشعبية والفقيرة تقتل البنت فيها بيد أخيها أو أبيها أو حتى أمها ، أو تقتل نفسها، وفى أحيان كثيرة تقتل جنينها، وفتح الملف هو محاولة لدرء الكذب والنفاق الاجتماعى الذى تتم به معالجة مثل هذه الحالات عن طريق الطب الأسود والاجهاض، وأنا أرى أن فتح الملف بهذه الجرأة فيه قدر كبير من العدل فهناك طرفان مخطئان ولكن لماذا تتحمل المرأة وحدها النتيجة؟!.

وهل ذلك في صالح المجتمع؟

بالتأكيد..، الغربيين تقدموا لأن لديهم الشجاعة فى اعادة طرح الأسئلة القديمة وترديدها، لمحاولة الاجابة عنها، لماذا يتزوج الشباب عندنا بهذه الطريقة؟ لماذا نأكل هذا الطعام؟ وهكذا وعندما تعيد طرح السؤال تكون قادرا على تجديده، وهذا التجديد الدائم يقدم الاجابات الصحيحة.
وهل ذلك في صالح المجتمع الذى يفور الآن بأسئلة أخرى؟

في أى مجتمع توجد جماعة قادرة على المبادرة وتمتلك الشجاعة على المواجهة وهناك جمود فكرى وقيمى ومعتقدى وبعض المجتمعات تعيد التفكير ومجتمعات أخرى لا تفعل ولذلك لا تتقدم.
ولكن ألا تمثل مثل هذه الحالة شكلا "للفضيحة" في هذا المجتمع؟

ليس لدينا احصائية تقول أن ذلك يمثل فضيحة، هل قام أحد المراكز أو احدى الصحف بعمل استطلاع رأى وأخذ عينات عشوائية تمثل المجتمع لسؤال المجتمع عن رايه؟ لم يحدث، لسبب بسيط وهو أن كلا منا نصب نفسه متحدثا رسميا باسم المجتمع، وأنا شخصيا أثناء ظهور المشكلة كنت في عيادة طبيبة محجبة وفتح الموضوع وفوجئت بأنها متفهمة ومقدرة لهذه الأسرة، صحيح هناك رأى آخر، ولكن لا أنا ولا أنت نزعم أن الذين صادفناهم يمثلون المجتمع، أين الصحافة، واستطلاعات الرأى والمراكز البحثية؟ ما قرأته فقط مقالات رأى، وللآسف هذه الحالة تحدث يوميا وعلى كل المستويات الاجتماعية.
ولماذا في رايك يحدث ذلك؟

لأن طريقة الزواج التى تتم على هذا النحو الذى نراه تؤدى إلى عنوسة كثير من البنات، فالزواج أمر أصبح صعبا ومشاكله كثيرة ويحتاج إلى قدرات مالية كبيرة، وكل ذلك يحتاج إلى اعادة نظر حتى لا يستمر الزواج على أنه موضوع اجتماعى تتدخل فيه أطراف كثيرة وتكون حساباته مالية فيؤدى إلى الهروب إلى الزواج العرفى.
وما دور الأدب في ذلك؟

من وجهة نظرى أن تعقد الحياة والمجتمعات جعل الخير والشر غير واضحين، ففى أزمنة قديمة كان كل شيئ واضحا، لا تسرق، لا تزن، لا تقتل، هذه الوصايا الموجودة في كل الأديان وتفرز الخير والشر وكل من الشر والخير معقد جدا، وربما الوظيفة الأولية للأدب هى التمييز بين الخير والشر في تعقداتهما المعاصرة.
كيف؟

أنت تعيش في مدينة كبيرة، والتقيت بشاب قد ترى أنه يضر نفسه بفعل ما، يمكنك أن تقول له: لا تفعل، ولكن بسبب تعقد علاقات المدينة الانسانية. اصبح كل انسان غير معنى بالآخرين فتحجم عن الارشاد والأدب هو العين التى ترى ما لا يراه العاديون في تعقيدات حياتنا المعاصرة، ويحاول أن يستشف ويستنبط ما يرشد الناس إلى طريق الخير ويستطيع أن يرينا صورتنا الحقيقية عندما ننظر اليها في المرآة، ويشير إلى عيوبنا ومثالبنا الانسانية .
وهل استطاع الأدب فعل ذلك؟

نعم وقدم نماذج كثيرة عالجت خللا في المجتمع، وأعادت قراءة العلاقات الانسانية فيه بدءا من نجيب محفوظ وسليمان فياض ويوسف ادريس وغيرهم. أعاد الأدب قراءة المجتمع وتعقيداته وقدمها لنا. وآخر تلك النماذج "عمارة يعقوبيان"وهى رواية حديثة نسبيا لعلاء الأسوانى، وأنا قدمت في "العربة الذهبية" أحوال النساء في السجن والصور المسكوت عنها.
وهل أثر هذا الأدب في المجتمع بمعنى هل عولج الخلل فعلا؟

تأثير الأدب على المجتمع تأثير بعيد ولا تتضح نتائجه على نحو سريع وفورى. الأدب أكبر طارح للأسئلة ومجدد للأسئلة المتعلقة بالحياة الاجتماعية والتى تقود إلى التغيير عبر سعى المجتمع لايجاد اجابات جديدة عن اسئلة قديمة.
وهل ذلك موجود الآن في المجتمع المصرى؟

نعم، بدليل تعديل بعض مواد الدستور اليس هذا التعديل هو نتاج تساؤلات داخل المجتمع تتعلق بالديمقراطية وطبيعة الحياة السياسية منذ سنوات؟ وهذا المجتمع عندما تبرز فيه الآن ظاهرة مثل الزواج العرفى، أليس هذا حراكا للقيم والمفاهيم الاجتماعية سواء بالسلب أو الايجاب؟ بمعنى: لماذا لم يكن الزواج العرفى ظاهرة في الجامعة منذ خمسين سنة مثلا؟.
قدمت في روايتك " البشمورى" ثورات الأقباط ضد الحكم الاسلامى.. هل كان ذلك أيضا صيغة لاعادة طرح السؤال؟

البشمورى هى أول رواية تتعرض لثورات الأقباط ضد الحكم الاسلامى( وليس ضد الاسلام) فهناك فرق لأن هذه الثورات كانت ذات طابع اجتماعى اقتصادى في المقام الأول ولا علاقة لها بالدين. عصر الولاة. حيث قام الولاة الحاكمون لمصر بفرض ضرائب باهظة على الفلاحين الفقراء مما أدى في النهاية إلى تدهور العمل الزراعى، وانخفاض انتاجية الأرض، واستمر الأمر حتى بداية العصر العباسى الأول، وقد كتب المقريزى مبحثا كاملا في تاريخه عن ثورة لقبط، وهو مؤرخ مصرى وقام الخليفة المأمون بقمع هذه الثورات التى استمرت حتى نهاية عهده ومن الطريف أن العرب المسلمين المشتغلين بالزراعة انضموا إلى الفلاحين الأقباط لأنه باتت تفرض عليهم ضريبة أرض زراعية، دون تمييز عن الأقباط في هذا الأمر وقد خلط بعض قراء الرواية بين هذا الأمر كثورة اجتماعية وبين ما هو ثورة ضد الاسلام، وارادوا أن يعزوه إلى ما هو دينى، وهذا لم يرد اصلا في الرواية التى هى معنية في الأساس بالتداخلات الثقافية الحضارية التى تمت داخل مصر خلال القرون الوسيطة الأولى وهى معنية بالدين كجزء من الثقافة عموما، وتحاول الرواية أن تطرح جملة من الأسئلة عن الهوية المصرية والطبقات المكونة لها، كما تطرح أسئلة قديمة وتجددها بخصوص تدين المصريين ودخولهم الاسلام.
تناولك التاريخى في العديد من ابداعاتك... هل يعنى الكتابة باطار مسبق وترصد للموضوع؟

أنا أكتب على هوى القلب وعندما أتحمس لموضوع ما أو لفكرة أو قضية أجدنى مدفوعة للكتابة فيها. ولا ابحث عن الاطر ولا عن موضوع للكتاب بمعنى أننى لا أذهب اليها وانما هى- الكتابة- التى تجئ إلىَّ واذا كانت لدى هواجس من قضية ما أو موضوع ما فاننى أتلمس طريقى لكتابته ولكن لا أحدد سلفا، هذا لا يحدث ولا يمكن أن تكون عناوين بهذا المعنى منتجة لأدب حقيقى وقوى.
عملت لفترة في الصحافة وكانت لك كتابات مهمة فيها، ورغم ذلك تناولت أسوء ما فيها في "ليل ونهار" لماذا؟ لأننى رأيت فيها نماذج اعلامية أثارت دهشتى لفرط سخافتها وفسادها وهى كانت دوافعى لكتابة "ليل ونهار" وهو ما يفسر غموض عملية الكتابة، لماذا تكتب في أمر ما دون غيره، أنا لا أعرف وليس لدى شئ من هذا المعنى ولكن ما اثارنى هو تزييف الواقع بكل تفاصيله وضياع الحقيقة بين الكذب الذى يتم عبر آليات معقدة وفساد كبير، وهناك علامات استفهام كبيرة من المشروع التساؤل عنها.
وهل لتراجع النقد وضعف دوره أثر فى ذلك؟

النقد اشكالياته تكمن في جملة من الموضوعات الاجتماعية والسياسية والناقد الذى ينكب على عمل بالبحث والتمحيص لا يجد عادة ما يستحقه اقتصاديا مقابل جهده فالمردود بسيط جدا وبخاصة أن النقاد أكاديميون يعملون بالجامعة فهل يمكن أن يجلس ليقرأ رواية قراءة نقدية ويكتب عنها بخمسين جنيها؟ واذا كتب فأين المساحات المتاحة للكتابات النقدية والتى تسمح بنقد جاد؟ والنقد في الصحافة الآن عبارة عن عمود فقط لا يسمح بالحديث عن العمل بشكل جيد، ولكن الأخطر هنا هو غلبة النقد الاعلامى السريع على حساب النقد الجاد الذى يتناول الأعمال على نحو عميق ولذا لا يجب أن نحاكم النقاد.
حدثينا عن تجربة السجن لماذا اعتقلت ولماذا لا تكتبين عنها ذاتيا؟

اعتقلت أثناء اضراب حلوان وعندما توجه الضباط للقبض على في منزل أمى(وكنت قد تزوجت وانتقلت إلى منزل آخر) تطوع ابن شقيقتى الصبى ببراءة شديدة بارشادهم إلى منزلى الجديد! ومكثت في السجن خمسة عشر يوما فقط، وكانت تجربة الاعتقال الوحيدة، ولم أكتب عن ذاتى ربما لأن الفترة كانت قصيرة ولأننى كنت في حالة دهشة من النساء في السجن وعلاقة المرأة بالجريمة، بمعنى أن دوافع المرأة للجريمة مختلفة، وقد اكتشفت من خلال حكايات السجينات ذلك، فجريمة الرجل هى نتيجة الصراع على الحياة، أما جريمة المرأة فهى جريمة رد الفعل وفى كثير من الاحيان هى جريمة حركتها دوافع عاطفية. وفى ذلك أيضا تساءلت عن هاجس الحرية عند السجينة العادية، هل السجن والحرية مسألة تؤرق السياسى فقط أم تؤرق كذلك المجرم السجين؟ فوجدت أنها تؤرقه ورغم أنه مجرم فانه ضحية لجملة من المفاهيم والأوضاع الاجتماعية ومن هنا كتبت "العربة الذهبية".
رغم أنك دارسة للمسرح لم تكتبى سوى مسرحية وحيدة هى:"حلم السنين" ولم تجد من يخرجها على المسرح.. لماذا؟

لأننى لا أمتلك علاقات، ولا أجيد فن طرق الأبواب، ورغم أن أحدا لم يهتم باخراجها في مصر فقد قدم لى عملان على المسرح في الولايات المتحدة أخذا عن قصتين الأولى هى "كل ذلك الصوت الجميل" وهى في الأساس مونولوج تقوم به زوجة تحدث نفسها كثيرا، وتكتشف أن صوتها جميل وتتساءل: لماذا لا أغنى؟ وتخبر زوجها وتقول للبقال وغيرهما والجميع يقولون لها" اعقلى" وفى أمريكا قدموا لها معالجة جميلة وحولوا المونولوج الداخلى للبطلة إلى ثلاث شخصيات وكل واحدة منهن في صراع مع الأخرى. وتصاعدت الدراما المسرحية من خلال الصراع بين هذه الشخصيات الثلاث، وكانت معالجة جيدة، وقراءة موفقة للنص القصصى وقدمت بشكل جيد، ودعونى لمشاهدتها في ميتشجان. أما القصة الثانية فهى "احدى وثلاثون شجرة جميلة" وقدمت مسرحيا باسم " مدينة كريمة" ومثلت المسرح الأمريكى في مهرجان المسرح التجريبى بالقاهرة العام الماضى وأعجبنى أيضا تناولهم لها وأيضا كانوا متفهمين لطبيعة النص وروحه.
هل أخذوها عن الترجمة أم ترجمت لهم خصيصا؟

أخذوها عن الترجمة.
وهل التوزيع لأعمالك المترجمة مقبول؟

ليس لدى احصائيات ولكنى أستطيع أن أرصد انتشارها ومدى قوة الترجمة من خلال لقاءاتى مع الجمهور الأجنبى فعندما أقرأ في ألمانيا مثلا أجد جمهورى متجاوبا مع الأعمال، وفى احدى المدن الألمانية كانت درجة الحرارة 6 تحت الصفر في ليلة قراءة عمل لى وفوجئت بحضور كبير واذا بامرأة تتقدم منى وتطلب توقيعى على رواية "العربة الذهبية" وأظن ذلك رد فعل جيد، وأرى أن الأعمال وصلت إلى الجمهور بصورة طيبة.
كيف ترين علاقة المثقف بالسلطة في مصر؟

هذا موضوع معقد وواسع ويصعب تلخيصه في سطر أو سطرين، ولكن ربما اختلف مع الكثيرين فيما يتعلق بذلك، فأنا لا يعنينى ماذا تقدم السلطة للثقافة والأدب واذا أردنا أن نحاكم السلطة الثقافية فلنحاكمها في سياق السلطة السياسية فمثلا الهجوم على المؤسسات الثقافية ومن يمثلونها طوال الوقت يتم وكأنها معزولة عن بقية مؤسسات الدولة وهذا غير جيد بينما ارى أن أداءها الآن هو أفضل أداء لمؤسسة مقارنة بمؤسسات الدولة الأخرى.
لماذا لم تستمرى في العمل بالصحافة؟

عملت في الصحافة العربية بقبرص وبيروت وعندما عدت إلى مصر كانت الأبواب مغلقة ولم يعد العمل الصحفى فيها متاحا للجميع على أساس من الكفاءة والخبرة.

مصريات نابهات.. يتحدثن لـ نصف الدنيا


الجنس والدين والسياسة هى طابوات، اذا لم يقتحمها الكاتب فمن يقتحمها؟

أنوال العدد 2115 الثلاثاء 27 أغسطس 1996

كلما تحدثت إلى الكاتبة المصرية المتميزة سلوى بكر: أحسست برغبة حقيقة لمزيد من الحديث، وقد تطول ساعات النقاش، دون أن تحس بالملل، لأن الحديث مع سلوى هو حديث شمولى وله أكثر من محطة، في احدى هذه المحطات، ساقنا الحديث إلى هذه الأسئلة، فكانت هذه الأجوبة التى هى جزء من لنقاش الذى دار بيننا، نشارك القارئ العزيز فيه، وليكن محطة ثالثة لمزيد من الحوار.

أنوال: الأستاذة سلوى بكر، أول سؤال عام يتبادر إلى الذهن، هو سؤال عام لم يحسم فيه حتى الآن، ويتعلق بمفهوم الكتابة السردية النسائية. ما هو رأى الأستاذة في هذا المفهوم هل هو مفهوم صحى للظاهرة أم أنه مفهوم يدخل فقط في ما هو منهجى، معرفى للفصل بين الكتابة الذكورية والكتابة النسائية. وبالتالى البحث عن خصوصية تميز هذه الأخيرة؟

ج: أود أولا، قبل الاجابة عن هذا السؤال، توضيح عدة ملابسات تارخية حول كتابة المرأة العربية. فالمرأة العربية دخلت ميدان الكتابة في العصر الحديث متأخرة نسبيا عن الرجل بسبب التعليم وبسبب المواصفات الاجتماعية والأدوار الاجتماعية المخصصة لها اذن فتجربة المرأة العربية في ساحة الابداع لا زالت في نظرى تجربة جنينية، محدودة، لم تراكم بما يكفى، لدينا بالفعل كاتبات شاعرات منذ عصور الازدهار العربى، ولكن أنا أتحدث عن الكتابة التى تقدمها المرأة في اللحظة الراهنة. فمعظم الكتابات التى قدمت منذ نهاية القرن الماضى وحتى بداية الستينيات كانت بمثابة كتابة ترفيه لم تضف اضافات حقيقية إلى خريطة الكتابة العربية ككل.وبالتالى فهذا السؤال يجب أن نتعامل معه في سياق الخريطة التى رسمتها المرأة العربية لكتابتها، لكى أتحدث عن كتابة أدبية ينبغى أن أتحدث عن قاموس أدبى وعن ملامح خاصة في السرد وفى طرائق التعبير والبنية الخطابية المقدمة من خلال النص الابداعى.. وبالتالى واستنادا إلى كل هذه الأشياء، لا أتصور أن الكتابات التى قدمتها المرأة حتى الآن، يمكن أن تفيدنا في تخليق اجابة عن هذا السؤال. المشكلة أن لدينا أسئلة كثيرة نتلقاها من الغرب ونطرحها في مجتمعاتنا وهى مجتمعات غير مهيأة بالفعل لتلقى مثل هذه الأسئلة في الغرب كانت هناك حركة نسائية منذ وقت مبكر كانت أحد ارهاصات الرأسمالية الغربية ومحاولة التحرر منها فكانت هناك حركات نسائية تشابه الحركات الاجتماعية الثورية كحركة العبيد، وهذه الحركات أفرزت أدبيات نسائية على مدى تاريخ طويل متراكم وهذه الأدبيات هى التى طرحت في النهاية السؤال حول كتابة نسائية متميزة لها قاموس خاص وطرائق تعبير خاصة، ولكن أين نحن من كل هذا؟ قد يكون هناك عدد من الكاتبات اللواتى برزن منذ الستينات والسبعينات إلى الآن، ولكن السؤال هل هناك طرائق تعبيرية خاصة بالمرأة دون الرجل تتبدى وتتضح من خلال هذه الكتابات بحيث نستطيع أن نتحدث عن الأدب النسائى، أتصور أنه حتى الآن، يصعب أن نقول ذلك، هناك محاولات ربما من بينها محاولاتى الكتابية، ولكن هذه المحاولات لا زالت جنينية وبدائية ولم تتضح بالكامل. اذن، فالاجابة عن مثل هذا السؤال تتطلب وقتا طويلا يسمح بتلقى ابداعات نسائية تكرس منظورا نسائيا للعالم ومنظورا نسائيا في طرائق التعبير والكتابة.
أنوال: سلوى إلى من ترجعين هذا الغياب للمرأة على مستوى الكتابة الابداعية هل هو غياب ناتج عن المسار الثقافى للمرأة العربية. أم هو غياب ناتج مضايقة المرأة وحضور الرجل وتكريسه مثلما هو الحال بالنسبة للحقل السياسى؟

ج: لقد أجبت جزئيا عن هذه الاشكالية، ولكنى سوف أحاول من جهتى أن أضع هذه الاشكالية في وضعها الأعم. أولا علاقة المرأة بالثقافة ليس اشكالية تتعلق بالمرأة العربية فقط. بل هى اشكالية موجودة في جميع انحاء العالم. وبلدان العالم تجاوزتها بدرجات متفاوتة بشكل أو بآخر. لكن منبع الاشكالية هو أن المرأة يجرى التعامل معها مجتمعيا كموضوع لا كذات مستقلة. يجرى التعامل معها كموضوع للجنس. كموضوع للانجاب وللاسرة والعمل المنزلى، وتقسيم العمل الاجتماعى ينطلق من هذه الفكرة. المرأة موضوع وليست ذاتا، حتى القانون يتعامل مع المرأة على هذا النحو، اذن ابعاد المرأة تاريخيا عن ساحة الثقافة كان يجرى مع سبق الاصرار والترصد. وظلت السلطة البطريركية تمارس عليها طويلا، ولم يتبق للمرأة الا هامشا ثقافيا مرتبطا بالثقافة الشفهية حيث نجد أن المرأة الحكاءة أى راوية الحكايات والأشعار الشفوية، وكل تفصيلات التراث الشعبى نجد المرأة حاملة له. ولكن مع تطور المجتمعات وتقدمها بدأت الصورة تتغير، وان ظل الجوهر موجودا: المرأة موضوع وليست ذاتا. وتحديدا المرأة العربية ظلت موضوعا لمجموعة من التقنيات الاجتماعية التى تتجلى في القيم والقانون ومنظومة الأفكار الدينية، لكن بعض النساء العربيات بدأن يعين الأمر على نحو مختلف، بدأن يعين ذواتهن كذوات مستقلة وليست مجرد موضوعات لأية احتياجات عملية من قبل الرجل، من هنا بدأت المرأة تلج عالم الكتابة وعالم الثقافة بخطوات حثيثة، ولكن حتى الآن هذا الدخول هو دخول بطئ وهاجسه الأساسى هو الرجل. لأن الرجل ما زال هو عالم المرأة انما المرأة هى جزء من عالم الرجل. ومعظم النساء ربين على هذه الفكرة، وهكذا فبقدر دخول المرأة إلى مناطق أكثر وعيا بذاتها، بقدر ما ستنجز انجازات هامة على صعيد الكتابة. وبقدر ما سوف تتسع خريطة الابداع الأدبى النسائى. وحتى الآن المرأة العربية مهمومة بهموم أخرى غير هموم الثقافة والأدب، ففى وسائل الاعلام خاصة التليفزيون غالبا ما تسأل المرأة الفنانة أو الشاعرة أو اراقصة عن أسرتها، فهناك دوما تذكير بهذا الدور التقليدى المنوط بها. وكأن دورها الاساسى هو الانجاب والعمل المنزلى فقط.. وكأنه لا يكفيها أن تكون مبدعة أو فنانة لأن النجتمع سوف لا يعترف بها. ان العمل المنزلى يحد بالفعل من زمن أو وقت الابداع لدى المرأة في حين نجد أن الرجل هامشا من الحرية والوقت لتفرغ للكتابة، بينما تظل المرأة مكبلة بالعديد من الوظائف الاجتماعية الأخرى المعادية للابداع.
أنوال: الأستاذة سلوى نرجع إلى جانب آخر. كلما فكرت في كتابات سلوى كلما طرحت لدى أسئلة عميقة تتعلق بالاجناس الأدبية، فالملاحظ أن سلوى تهتم بجنس القصة بالأساس مع الأعتراف بالطبيعة الاشكالية لمفهوم الجنس الأدبى، سلوى بكر من هذا المنطلق المفاهيمى والاشكالى، لماذا تلتجئين إلى كتابة القصة عوض الرواية؟ هل هذا يرجع إلى النفس القصير لسلوى أم أنك تجدين في القصة التقنية المناسبة لتبليغ هوسك الابداعى والكشف عن ذاتك أولا وبالتالى الكشف عن التجليات الاجتماعية والثقافية ولم لا السياسية للمرأة العربية عموما؟

ج: في الحقيقة أنا لا أتصور أن القضية هى قضية أنفاس فالقضية أساسا هى أولا ليس هناك قرارا مسبقا يكون لدى عند الكتابة، فأنا لا أقول اننى سأكتب رواية أو سأكتب قصة، ولكن عندما تختتم فكرة ابداعية معينة في رأسى اسعى مباشرة إلى كتابتها، ومن خلال كتابتها يتحدد شكلها وتحدد بنيتها أى هل ستكون قصة أو رواية، وثانيا هناك اشكالية أخرى، فالرواية تحتاج إلى مدى زمنى طويل، تحتاج إلى جهد وكد، وحياتى. كحياة المرأة عموما. تجعلنى ليس لدى هامش كاف من الوقت لكتابة رواية رغم أن لدى أفكار كثيرة لكتابة رواية أو روايتين طويلتين. ورغم أن لدى لحد الآن ثمانية كتب فأنا أتصور أننى لم أبدأ الكتابة بعد. فأنا ليس لدى تقصد في تفضيل القصة عن الرواية أو الرواية عن القصة. ولكن هناك أفكار وموضوعات تلائمها القصة أكثر من الرواية.
أنوال: عندما نقرأ نصا ابداعيا لسلوى بكر تفاجئنا الجرأة في اقتحام المقدس وطرق مواضيع تتعلق بالثالوث المحرم الذى ساد بشكل أو بآخر الكتابة الذكورية وساد بشكل آخر الكتابة النسائية الجريئة ككتابت سلوى. فمن أين لك يا سلوى كل هذه الجرأة؟

ج: لا أنا أتصور أن موضوع الجرأة هو موضوع نسبى بمعنى أن ما هو جرئ بالنسبة إلى قد لا يكون جريئا بالنسبة لك. ولكن أنا أتصور أن همى الأساسى هو القيم السائدة في المجتمع والتى يجب اعادة النظر فيها، وهذه القيم الجامدة التى نعانى منها هى التى تدفعنى إلى مناطق جريئة، اذا جاز هذا التعبير في الكتابة. كيف ندير حياتنا من خلال هذه القيم؟ فهذه اشكالية حقيقية تعوقنا فأنا الاحظ أننا لا نعرف كيف نحب، كيف نسعد، كيف نحزن، كيف نتزوج.. كل هذه القيم يجب اعادة طرحها من خلال الأدب، وربمل هذا هو ما يجعل بعض المناطق في كتاباتى جريئة، فالجنس والدين والسياسة هى تابوهات واذا لم يقتحمها الكاتب فمن الذى سيقتحمها اذن؟ وعلى الكاتب أن تكون لديه درجة من الريادة، ودرجة من النبوة، ودرجة من الجرأة في أن يرى ما لا يراه الآخرون في المجتمع، وهذه الجرأة هى الضريبة التى يدفعها الكاتب في الكتابة، فالجرأة هى محاولة المساك بما هو مغمض عنه في حياتنا الاجتماعية.


أتناول المرأة بشكل لا شعورى وحين كتبت عن الرجل بدت القصة مصطنعة

حوار القاصة المصرية سلوى بكر :

" زينات في جنازة الرئيس" هو عنوان المجموعة القصصية الأولى للكاتبة المصرية سلوى بكر. هذه المجموعة التى تحمل في ثناياها شهادة متوثية، تحمل الكثير من النوايا الطيبة، فنيا وفكريان ففيها تحاول الكاتبة أن تقول- من منظارها-واقع مصر الآن، حالة ناسه. وبشكل أكثر تحديدا حالة قطاع عريض فيه تمثله المرأة داخله سلوى بكر، اذن في قصصها هذه تضع قصة عن المرأة، المرأة المحددة، الملموسة عيانيا واجتماعيا، ولكنها- كما تقول – لا تضع أدبا نسائيا، بل أدبا انسانيا، وحين جاء هذا الحوار مع الكاتبة، فلأن لديها ما تحكيه في هذا الجانب. ولديها ما تدافع عنه. فهى تصنعه قصة واقعية. وهى أيضا بذلك تقف إلى جانب اختيار جديد. تصنعه القصة المصرية الشابة، أو تصنعه بضع محاولات جادة ضمنها.

واذا كانت القاصة "بكر" معنية بشكل خاص بالأسئلة هنا، الا أن هذا لا يعنى أن نفس الأسئلة أيضا، قد تطرح على كامل التجربة القصية الجديدة، ليس في مصر وحدها، وانما في نقاط عربية أخرى متعددة :

سأبدأ من نقطة أن قصصك في اطارها العام. تطمح إلى أختيار حالة انسانية لامرأة، أو تتخذ من نموذج نسائى محورا لها.. عليه هل تعتقدين أن هذا هو أحد الهموم الأساسية لعملك الفنى؟...

المفترض أن يتناول الكاتب في عالمه، ما يعرفه، يلمسه ويحسه، ويستطيع التعبير عنه، أظن، بسبب كونى امرأة، امرأة عربية، أى عضوة في مجتمع ذى طبيعة فصامية صارخة، على أساس نوعى جنسى، فان الكتابة عن المراة كحالة انسانية، يقترب من الوضعية الحتمية، لذلك فعندما أكتب أجدنى أتناول شخصيات نسائية بشكل لا شعورى، ولا أخفى عليك أننى حاولت الكتابة عن الرجال، لكننى شعرت أننى أصنع قصة، أفتعلها ولا أكتب عملا أدبيا ناتجا عن عملية ابداعية شعورية حقيقية.

من نفس الجانب هل تعتبرين أن ما تقدمينه يقع ضمن اطار القصة النسائية، أو ما اصطلح على تسميته أدب المرأة؟..

أدب المرأة تعبير رجالى" ليس رجولى" يستهدف تكريس حالة الفصام المشار اليها بين الجنسين، هذا التعبير بدأ تخليقه عندما أخذت المرأة في الكتابة، قبل ذلك كان الكلام يجرى عن أدب فقط. لم يكن هناك تعبير أدب الرجل. ان هذا التصنيف، يكرس في النهاية دونية وضع المرأة الاجتماعى، محاولة تخصيصها للعمل الأدبى، حتى على الصعيد الابداعى، عموما فان هذه التقسيمات لا تعنيني الا في دلالتها الاجتماعية، ومؤشراتها العامة.

ليس صدفة أن يلاحظ القارئ أن الهم الاجتماعى يشغل جزءا هاما في مساحة القصة لديك.. هل تفكرين كثيرا بهذا أثناء الكتابة؟..

في الفترة الراهنة، فترة الانحطاط العربى العام، وانعكاسات هذا الانحطاط على حياتنا الثقافية، فان العودة للبديهيات تصبح ضرورة، ومن لبديهيات الأولى أن الأدب معنى أساسا بالانسان، عالمه، مجتمعه والخروج عن ذلك استثناء مغامر محدود الآفاق، بديهية أخرى: هى أن الأدب ضرورة اجتماعية. الكتابة خارج ما سبق تصبح تجربة انسانية عبثية، واستطيع القول أن أزمة الرواية والقصة العربية الراهنة، تتأتى أولا من محاولة الابتعاد عن هذه البديهيات الأولى، لقد أصبحت الواقعية سبة وعارا عند البعض، وأصبحت الكتابة عن الهم الاجتماعى. أدبا من الدرجة الثانية، ان محاولة تسييد المنهج الشكلى في الأدب والفن في واقعنا الثقافى، مسألة مقصود لها تماما خلال هذه المرحلة، ودعاتها يلعبون دورهم عن قصد، ولم يكن مستغربا بالنسبة لى، يوم. دخلت مكتب أحد أعندة الأدب الشكلى، أن أجده يضع صورة زعيم طائفى كبير على الحائط فوق راسه.

غلاف المجموعة..

في نفس هذا الاطار الاجتماعى كم تشعرين بمصريتك.. بتعبير آخر كم تخضع قصتك لهم المصرى الخاص؟..

بلا شك ، هناك هم مصرى خاص بداخلى، يتعلق أساسا بحالة التدهور والانحطاط الحضارى، التى تعيشها أمة كانت في يوم ما من أرقى الأمم في الأرض، في قصصى أتناول البحث عن مواطن النهوض، امكانيات البحث في الشخصية المصرية، لكن أظن أيضا أن همومى ككاتبة هى أبعد من همومى المصرية فأنا أؤمن أنه لا نهوض لأمة في المنطقة، الا بنهوض المنطقة بأسرها، أؤمن أن هناك منطقة تسمى المنطقة العربية، لها وضعية تاريخية خاصة في خريطة العالم، منطقة تحاج إلى بعث ونهوض حقيقى، ووعى موضوعى بالذات وبالغير، لقد عشت في بيروت حتى ما بعد الحصار الاسرائيلى لها، حيث كانت بيروت عدسة لأمة، يتجمع فيها كل ما يجرى في المنطقة العربية والعالم، من خلال بيروت يمكن اكتشاف ضرورة البحث عن مصالح عربية مشتركة، مصالح بين شعوب المنطقة أساسا لذلك فالهم العربى، هو هم كامن في أعماقىأيضا.

لكن انحصار أعمالك بجانب محدد في التناول هو الذى يدفعنى للسؤال عن النخطيط المسبق للقصة؟.. هل أنت مع مثل هذا التخطيط؟ هل أنت مع القصة، النموذج؟

قلت لك أننى أكتب عما أعرفه وأحسه، أنا أكتب عندما تكون هناك شحنة شعورية كاملة بداخلى تدفعنى للكتابة، الكلام هنا عن تخطيط مسبق للقصة غير وارد، وأنا لا أكتب القصة على مراحل، بل أكتبها مرة واحدة عندما تكون مكتملة التكوين بداخلى حيث يجرى نقلها إلى الورق بعد ذلك، هناك طبعا عمليات تعديل وحذف واضافة، لكن كل ذلك يبقى في حيز الرتوش أو اللمسات الأخيرة، وأنا لا أحمل فكرة مسبقة أسعى لنسج قصة حولها، لكنى أحمل بداخلى دوما شخصيات وأنماطا انسانية لا أكف عن التفكير فيها مثلا أم شحتة، نموذج لامرأة شعبية تكاد تكون كلية القدرة، هذا النموذج هو شخصية حية أعرفها بدرجة أو بأخرى، ملامح شخصيتها تقترب كثيرا من ملامح شخصية أم شحتة مع اختلاف عالم الأخيرة تماما عن عالمها لكن هناك الايجابية المبادرة، الميل لرفض ما هو مفروض في الواقع، السلاسة في التعبير عن الذات، التفكير في الآخر والمحيط، طبعا هناك خيال ومبالغة ومحاولة لاستدعاء ما هو ايجابى في الشخصيات وقادر على المواجهة.

في التفاصيل: ثمة لغة ساخرة أو روح سافرة في قصصك.. بم تعللينها؟.. هل هى باعتقادك شئ مما يطبع روح الشارع المصرى؟..

نبرة السخرية في المجموعة، ناتجة عن أن حياتنا مهزلة برأي، تفاصيل واقعنا مهزلة يختلط فيها الحابل بالنابل إلى حد سريالى، أنا لا أتحدث عن كوميديا اجتماعية، ولا خفة روح مصرية كما يشاع، لكنى أتناول قبحا يدفع المرء إلى الضحك والبكاء في آن معا، الطبقات الشعبية في ذاتها ليست رائعة، ولا نبيلة كما يدعى بعض دعاة الواقعية، خصوصا شعراء العامية وكتاب القصة القصيرة، لكن هذه الطبقات: الشعب، تمتلك روحا عظيمة تحتاج إلى بعث واستنهاض ودفع للأمام حتى يستبين ما هو جميل وسام فيها، من ناحية أخرى فالطبقات الأخرى، المهيمنة قبيحة ومهزومة ومشوهة إلى حد الضحك والاستهزاء، انها طبقات فرضت جمالية البلاستيك والألمنيوم والألياف الصناعية، لقد أصبحت توليفة مجتمعنا المصرى بائسة وأنت لا تملك الا السخرية من عجز المثقفين، الثوريين، السياسيين، عزلة الفن والأدب، غياب القدوة، افتقاد البطل، غياب التضحية بالذات.

كذلك نجد في بعض قصصك اقترابا من السرد الشعبى، أو اسلوب الحكاية.. هل تعتقدين أن جزءا من طموح القصة هو أن تتحول بالنسبة- إلى القارئ- إلى حكاية؟.

رغم حالة الانحطاط فأنا مؤمنة ايمانا صوفيا بالشعب، بالناس، لا اقول ذلك على سبيل الشعارات، لكنى أوقن تماما أن زينات وأم شحتة والمرأة أم الولد هن صانعات الغد. لا أثق كثيرا بالمثقفين، ولا أثق كثيرا في مناضلى الجامعات، لقد أثبتت التجارب أنهم ند أول لطمة تراجعوا، فهم نماذج هشة قابلة للكسر ولا مصلحة جذرية لها في أى تغيير اجتماعى، وهم كثيرا ما يراهنون على ما يجب ألا يراهن عليه.

ومن طوفان الكتابات التنظيرية الكثيرة التى تأتى من هنا وهناك، لم يشر أحدهم إلى بؤس جنود الأمن المركزى، لم يتوقع أحد أن تكون صرخة الجوع منهم، لأن هناك تعاليا على الناس، وأنا استمتع بالحكاية الشعبية، اقدس حكمتها

براعتها التعبيرية خبرتها المتوارثة، في حفظ الذات بأجسام دفاعية من المأثور والتجربة التاريخية وذلك في مواجهة كل ماهو غريب عنها، ان أدبا يتجاهل الحكاية الشعبية والموروث التراثى هو أدب أشبه باطفال الحضانات، أشبه بشئ ناقص، مفتقد لجوهر الحياة الحقيقية.

ما هو الحجم الذى يشغله القارئ في كتابتك؟.. هل تفكرين بقارئ معين؟.. المرأة مثلا؟.. هل يدفعك ذلك لصنع قصة تعليمية أيضا؟

بالقطع أفكر في القارئ، أحب أن يصل للقارئ ما أريد توصيله له، لكنى لا أكتب للنساء، يسعدنى أن النساء يتحمسن لقصصى، لكنى أحب أن تصل رسالتى للرجال أيضا، ان القارئ هو طرف، وشريك في العمل الابداعى، ليصل إلى ذروة التذوق، عليه أن يبذل جهدا، يتفاعل، يرفض ويوافق، ويحب ويكره المعطى الأدبى الذى يتعامل معه، ان التعليم أحد وظائف الأدب، لكن لا نقصد بالتعليم هنا المعنى الميكانيكى للكلمة: ايصال معلومات، ان الدور التعليمى للأدب أعقد من ذلكن انه معنى أساسا بالضمير الانسانى، تعليمه كيف يمارس وظيفته القدرة على التمييز بين الخير والشر، واتباع الخير. وفى عالمنا المعاصر هناك الكثير من الذين فقدوا القدرة على التمييز هذا، وأنا لا ألجأ لصناعة قصة تعليمية. لكنى أحاول رصد تجربة انسانية والدفاع عنها.

هنا يمكن القول أن مجموعتك تشكل شهادة حارة، في وسط يبدو أنه لا يعرف كثيرا عن حال القصة المصرية الآن.. من موقعك هذا كيف تزين مشهد هذه القصة؟..

لا أحد يعرف كثيرا عن القصة المصرية الآن، لسبب بسيط جدا، هو نه لا يبذل جهدا في سبيل هذه المعرفة، فمصر مجتمع طبقى جاد الملامح، هذا القانون ينطبق على القصة المصرية الآن أيضا، هناك قصص مراتبية، وهناك كهنوت اعلامى، وأكثر من لوبى للنشر، الناشرون العرب، يطرحون أنفسهم تجارا أولا وقبل كل شئ، فالانسان يستطيع نشر أى كتاب لو دفع ثمن تكليفه مقدما، دور الناشر في الاكتشاف والتعريف والتقديم للقارئ غائب تماما، وفى مصر خمسون مليونا من البشر، هناك بضعة مئات منهم يكتبون القصة، هناك عشرات منهم يكتبون قصصا جيدة، وبعض هؤلاء يكتبون قصة متميزة، لكن تظل الأسماء المعروفة قليلة، اما بسبب الشللية الثقافية أو الانتماءات السياسية بكافة تلاوينها، أضف إلى ذلك أن النقد غائب. وفى المرحلة الأخيرة. تحول إلى شبه اعلام في حالة وجوده. هذا الكلام ينطبق على أكثر الاتجاهات تطرفا يمينا ويسارا.

أخيرا وبشكل تفصيلى: تعتقدين اذن بوجود دم شاب جديد، يضخ أو يترك تأثيره في جسد القصة المصرية الآن؟..

هذه بديهية، فالمجتمع في حالة حركة دائمة. وبعيدا عن التفصيل والأسماء، هناك قصة تكتب الآن، تستطيع الاضافة والتجديد ورفض ما قبلها.


مهمة الأدب خلق ضمير لعالم ضاع فيه الضمير

القاهرة – مكتب الوطن. محمد الشحات :

سلوى بكر واحدة من ألمع كاتبات الرواية والقصة القصيرة استطاعت منذ أن قدمت أو لأعمالها"زينات في جنازة الرئيس" عام 86 أن تلفت اليها الأنظار، وحين صدر لها آخر أعمالها، عجين الفلاحة" عام 92 كانت قد رسخت تجربتها الابداعية، تتميز أعمال سلوى بكر بالغوص في الأعماق وتقديم صور حية مشبعة بالواقع الاجتماعى وتجلى ذلك في أعمالها" مقام عطية" التى صدرت عام 87 "وعن" الروح التى سرقت تدريجيا" والتى صدرت عام 89 ، ثم رواية " العربة الذهبية تصعد للسماء 91 وأخيرا هذا العام " عجين الفلاحة" ولها تحت الطبع رواية وصف البلبل"

تخرجت سلوى بكر في كلية التجارة جامعة عين شمس 1972 وعملت بعد تخرجها مفتشة تموين حتى عام 1980 وخلال هذه الفترة التحقت بالمعهد العالى للفنون المسرحية وتخرجت فيه عام 76 وعملت في الصحافة العربية من 80 وحتى 86. حيث تفرغت بعد ذلك للكتابة الابداعية.. والحديث مع سلوى بكر له خصوصيته.. لأنه لا بد أن يبدأ من داخل أعمالها.. فكان لا بد العودة مرة ثانية إلى القصص والروايات التى صدرت لها.ز وكان حديثها مع " الوطن "..

وصفتك الدكتورة فريال غزول أستاذ الأدب العربى بالجامعة الامريكية في دراسة لها بعنوان" بلاغة الغلابة" والتى قدمتها للمؤتمر الدولى الثانى لجمعية تضامن المرأة العربية وكان بعنوان الفكر العربى المعاصر والمرأة، وصفت أعمالك بأنها تنبش المظاهر وتنقب عن الجذور؟

أنا حين أشرع في كتابة عمل ابداعى لا يكون القصد هو أن أقوم بذلك. لأن كل تفاصيل الحياة مترابطة، رغم أنها لا تبدو كذلك للوهلة الأولى ، والكاتب يستطيع أن يكشف ما وراء هذه التفاصيل ويبحث في العلاقة القائمة بين الأشياء غير المترابطة ليجعلها مترابطة ويبسط فيها دلالات معينة.

ولكن هل في هذا البحث أو في داخل سلوى بكر هم يؤرقها ويجعلها دائما تحاول البحث عن اجابة له؟

أنا مهمومة بالقبح الذى يسود حياتنا، الحياة قبيحة لدرجة التألم.. واننا لم نعد نستغرب هذا القبح، القبح في كل تفاصيل الحياة بداية من العلاقات الانسانية وانتهاء إلى قبح المبانى والأماكن، أنا أحاول أن أفتش في هذه الظاهرة وأحاول ضمن بحثى الدائم وهذا التفتيش أن أجد الجمال أيضا وسط ها الكم الهائل من القبح.

القدرة على التخيل

تصمت سلوى بكر لفترة بسيطة وتتأمل المكان الذى نجلس فيه. كنا نجرى الحوار في حديقة أتيليه القاهرة ثم تابعت حديثها.. لأنه وبالتأكيد لا بد وأن يكون هناك جمال، وقيم نقوم بالبحث عنها ويجب أن نفتش عنها، وللأسف عندما نجد القبح قد استوطن في القيم الانسانية تكون المأساة.. وبالتالى كيف سيتم تخزين رؤيتنا للأشياء.. والحياة دائما تعنى الماضى.. نحن أصبحنا لا نملك القدرة على التخيل..!

الخيال شئ جميل ومطلوب في الأدب وفى السياسة والفن وفى كل شئ، ولكن القاص والشاعر والفنان يهمه في كل هذا القبح المحيط بنا أنا حين أقول أن ليس لدينا شعر الآن الشاعر لا يشاهد امرأة جميلة يتغزل فيها، ولا يرى وردة جميلة يشمها، وبالتالى في ظل هذا القبح من أين يأتى الشعر.

عفوية القص

خشيت أن يأخذنى الحديث الكتلة النسائية المشاركة في الحياة السياسية.. مسكوت عنها دائما! معها ونكمله عن ثنائية القبح والجمال، فخرجت بها لأسألها :

نقترب من ابداعات سلوى بكر.. ألاحظ أن هناك حالة من التركيز أو التكثيف الشديد في ابداعاتك بلا زيادة أو فضفضة.. إلى جانب التدقيق في اختيار الألفاظ والعبارات وأن كل شئ استقر في مكانه؟

تبدو في أعمالى من الوهلة الأولى أننى غير مهتمة بالبناء أو باللغة وأن القص عندى ينساب في عفوية وأنا أزعم أننى أهتم باللغة وبالبنية بشكل أساسى، وعناصر القص عندى تكون متناسقة لدرجة أننى حين آتى بشجرة أو أتحدث عن السماء، لا بد ولكى تكون هذه الأشكال لها وظيفتها ودلالتها أسأل نفسى هل تكون الشجرة عالية كثيفة أو صغيرة مثمرة.. وهل السماء تكون زرقاء صافية، أو ملبدة كل هذا يمكن أن تحشده دلالات تغذى القصة وتثريها.

ضد الاطناب

وتضيف سلوى بكر، أنا فعلا مهتمة بهذا ومن ناحية أخرى فاهتمامى باللغة ليس تشجيعا لشكل جمالى في حد ذاته، ولكن أهتم بها.

من أجل خدمة النص والعمل الابداعى ككل.. اللغة عليها أن تساهم في رسم الشخصية، تساهم في الرسم الداخلى المتصل مع الرسم الخارجى وأن تكون لها مستويات من الدلالة، أنا ضد الاطناب. ضد الترادف ضد التكرار، أنا لا أقول كانت المرأة جميلة، ولكنى أحاول أن أقول لماذا كانت جميلة، الشئ الآخر هو اهتمامى بالبحث عن الدلالة الاجتماعية للغة. وليست الدلالة القاموسية أو المعجمية، فلا بد أن يكون السياق هو البناء الأساسى، فالعملية بالنسبة لى تشكل ارقا مستمرا وبحثا دائما في ذلك، من أجل الوصول إلى ملامح خاصة وثابتة تميز هذه الأعمال وأنا لم أتوصل إلى حلول نهائية ولكنى أحاول وأبذل محاولات جادة في هذا المجال.

أرفض المباشرة

ولكن رغم هذا نجد أن الوضوح في الرؤية وتحديد القصيدة والتعبير الصادق الذى يصل إلى عمق المتلقى.. بعيدا عن المباشرة ولكن هناك سمة " التفسيرية" بمعنى أن كل شئ عندك قابل للتفسير؟

ربما لأننى ضد الغموض والابهام في الخيال ولكنى ضد المباشرة أيضا، ولدى نقطة هامة جدا وهى أن كل شئ عندى قابل للتفسير، وأيضا الدلالات قابلة للتفسير وهناك منطقة عقل وجدل للعلاقات والأشياء علنى أضع القارئ لمعاينة هذا الموقف، أنا أساهم في التنويه في وجود هذا المنطق وأنا من المؤمنين بأن للأدب دورا تربويا، ليس تربويا بالمعنى التعليمى ولا الشكل الفج، الأدب مهمته في الأساس خلق ضمير بالنسبة لعالم ضاع فيه الضمير وما هو الشر؟ اذا كان القتل شرا فالحياة في مدينة بلا خضرة نوع من الشر، وذلك لا يبدو شرا عند البعض ولكنه قمة الشر نفسه في نظرى.

الدهشة .. والشخوص

لكن هناك ملاحظة أن شخوص أعمالك تكون مندهشة لما يحدث من حولها، أو فجأة تصحو على الواقع باندهاش!؟

سكتت قليلا ثم أجابت: الدهشة تتضمن عنصر المفاجأة، والدهشة تتطلب قدرا من التأمل.. قدرا من الخروج عن السياق، وحتى تصاب بالدهشة عندما تخرج عن السياط أظن أن كثيرا من شخوصى تعتريهم الدهشة في لحظات يجرى فيه خروجهم عن السياق، وطالما أنت تتحدث عن مجموعة" الروح التى سرقت تدريجيا" وأيضا في "زينات في جنازة الرئيس" الحدث يصنع الدهشة، وتكون الشخوص مرتبة الحياة ويفاجئها الموت كخروج عن السياق فتصاب بالدهشة!

الزمن المطلق

لاحظت أن الزمن مطلق في كتاباتك، بمعنى أن اللحظة الزمنية غير محددة وتأخذ صيغة سرمدية؟

لأن الحياة هكذا.. وحياتنا ليست في حالة تجدد، نحن الآن نفعل ما فعلناه في العام الماضى، وما سنفعله في العام القادم، هذا المكان الذى نجلس فيه يأتون اليه منذ 25 سنة، نفس الأشخاص، يجلسون في نفس المكان ونجدهم يقولون نفس الكلام، ومع نفس الأشخاص في نفس الزمن. الزمن هو الصيرورة، والزمن في حياتنا ثابت للأسف، نحن نغير ملابسنا كل عشر سنوات، أى زمن هذا؟ الأمريكان يغيرون ملابسهم كل ستة أشهر والأوربيون كذلك، لا يوجد أحد يسمع مطربا لمدة خمسين سنةن ولا يوجد أحد عنده عمود في جريدة لمدة 45 سنة؟

الزمن هو زمن منسق بالفعل وقصصى تتناول الحياة فلا بد أن يكون فيها الزمن المنسحق أيضا..

كتبت الناقدة التونسية نجاة العدوانى عن مجموعتك الثانية " مقام عطية" وقالت رغم أن الكاتبة تعالج قضايا نسائية الا أنها تطرح هذه القضايا في سياق اجتماعى وسياسى؟

أنا رى هذه المقولة مغلوطة، اننى أضع السياسة في سياقها الاجتماعى، أنا مهتمة جدا بابراز الكتلة النسائية المشاركة في الحياة السياسية وليس بمعناها المباشر، أو في اطار الأحزاب والصالونات السياسية، وسأضرب لك مثلا جنازة عبد الناصر، مظاهرات عام 77 في كثير من لحظات الفعل السياسى المرأة تلعب دورا لأنها بشر وتشارك كانسانة، هذه الكتلة البشرية مسكوت عنها دائما على امتداد أدبنا الذى يتناول التاريخ السياسى، واذا وجد نجده مثلا عند نجيب محفوظ نماذج الشيوعيات.. أنا ليست مهمتى الاهتمام بهذا النوع، أنا أهتم بسؤال هل المرأة العادية التى تقوم بالأعمال المنزلية الكنس والتنظيف وتربية الأولاد وتبدو حياتها هامشية، هل هذه المرأة لديها الوعى السياسى؟ أنا أحاول أن أجعل من هذه النماذج شخوص أعمال في "زينات وقصة أم شحتة" وفى المجموعة الأخيرة" عجين الفلاحة"

لست ضد التسمية

ترتفع نبرة سلوى بكر وتزداد انفعالا وتقول: مسألة أدب نسوى هذه المسألة لا أفكر فيها على الاطلاق، وأنا لست ضد التسمية، والمسألة ليست لدينا تعرف ثابت ناتج عن سياقات تاريخية عن المرأة، وليس لدينا تراث من الكتابات النسائية تستطيع أن تخلق ملامح أدب مختلف، ربما هذا النوع موجود في أوروبا أو في أمريكا، ولكنه ليس موجودا لدينا، هناك محاولات متناثرة، ولا يمكن أن تصل إلى معنى ومفهوم واضح حين تتحدث عن الأدب النسائى.

هل صحيح أن العلاق بين الماضى والحاضر سمة من سمات ابداعات سلوى بكر كما قال عنها الناقد المغربى الدكتور محمد برادة، وكيف انهما مدخل وانطلاق للمستقبل؟

أنا عندى تعريف للمستقبل.. المستقبل هو الماضى، هناك علاقة بين الماضى والمستقبل وقنطرة الوصل الحاضر، نحن من أكثر الشعوب تأثرا بالماضى حتى الحاضر الراهن نعيشه في الماضى، قيمنا أفكارنا شكل ادارة حياتنا هى تتم بدفعة من الماضى، ورغم ارتباطنا بالاستعمار الغربى لكن هذا كله مشدود للماضى أكثر، ولم يحدث تغيير جذرى علينا حتى الآن، خذ مثالا على على ذلك في الأدب، المرأة المحبوبة المعشوقة الآن لها نفس مواصفات أمرؤ القيس، هذا تأثير السيطرة الرهيبة للماضى وأشياء كثيرة في حياتنا مرتبطة ومشدودة اليه..!
جريدة الوطن 17/12/1992


خسرت الرهان السياسى فراهنت على الأدب

ليلى الشافعى
تعرفت عليها هى الأخرى بالملتقى الثانى للابداع النسائى بفاس، الذى درج المجلس البلدى للمدينة على تنظيمه كل سنة مكرسا اياه كتقليد ثقافى يفتح امكانية تلاقى المبدعات العربيات وتداولهن في الاشكالات الثقافية المتعلقة بكتاباتهن وبموقعهن كنساء من عملية الابداع والخلق.

سلوى بكر قصاصة مصرية انخرطت قبل ذلك في العمل السياسى وحلمت ككل أبناء جيلها بمجتمع عربى ديمقراطى وعادل.

وعندما تداعى الحلم تحت وطأة التحولات السياسية والاجتماعية. انخرطت في الكتابة صانعة منها مشروعا آخر للبوح والاكتشاف.

جاءت إلى فاس وفى جعبتها حكايا عن عائشة التيمورية، وعندما انفردت بها محاولة فهم سر هذا الاهتمام. اكتشفت أنها مهمومة بالكتابة عن كل المهمشين. وأن النساء في رأيها مهمشات بامتياز. وبتأثير من ذلك كان حوارنا أيضا حوارا نسائيا بامتياز.

أنتمى لما يسمى بالجيل الناصرى في مصر

ماذا لو عرفت القارئ المغربى بنفسك ككاتبة وكامرأة مهتمة بما يجرى في بلدها؟

أدعى سلوى بكر، أنتمى لما يسمى بجيل المرحلة الناصرية في مصر، وهى مرحلة كانت غنية بالمتغيرات السياسية، ولذلك لم يكن مستغربا أن اشارك في الحياة السياسية ضمن من شاركوا من أبناء جيلى. فمنذ حوالى عام 1966 التحقت بتشكيلات سياسية لها طابع ناصرى، ثم انخرطت في الحركة الطلابية وهى الحركة التى أعقبت نكسة عام 1967 .

واستطيع القول أننى دفعت ثمن ذلك ضمن من دفعوه من أبناء جيلى، وظللت أشارك في الحياة السياسية بصورة أو بأخرى، بعد الهزيمة وبعد اتفاقية كامب ديفيد. والصلح مع العدو الاسرائيلى. وفى نهاية السبعينات ذهبت إلى بيروت وكانت لى مساهمات في الصحافة العربية هناك وفى صحافة المقاومة الفلسطينية، وعملت لبعض الوقت بالصحافة في قبرص. وفى تلك المرحلة انطلقت في التعبير عن نفسى من خلال الابداع بدل المشاركة السياسية. وربما كان مرد ذلك كونى خسرت الرهان على العمل السياسى وعلى مشاركة المراة فيه. وأنا أكتب القصة القصيرة والنقد السينمائى والمسرحى، ولا اشتغل الآن بمصر نتيجة المواضعات الخاصة بالثقافة المصرية وبوضع النساء في مصر واشياء أخرى من هذا القبيل.

لا أستطيع الرهان مرة أخرى على العمل السياسى..

هل خسرت الرهان السياسى من منطلق فضل المشروع السياسى العام، أم من منطلق موقعك كامرأة ضمن ذلك المشروع؟

في الحقيقة من منطلق أن المشروع السياسى المتقدم الذى كان مطروحا في السنوات الماضية كان مشروعا خاسرا ولم يكن ليلبى احتياجات حقيقية في الواقع. هذا ما أثبته التاريخ. ولذلك لا أجدنى أحقق ذاتى من خلال استمرارى في العمل السياسى. أما ما يتعلق بمشاركتى كامرأة في العمل السياسى فقد كانت لها أيضا تعقيداتها ومشاكلها التى جعلتنى في النهاية لا أستطيع الرهان مرة أخرى على العمل السياسى. لأننى لا أعثر ضمنه همومى كامرأة، ففضلت التوجه إلى الابداع. فليكن صوتى ولتمر مساهمتى من خلال الابداع. فهو حريتنا الباقية.

كنا نرفض النشر والتعبير من خلال أجهزة كامب ديفيد..


يتبع

آخر تحرير بواسطة ظبية : 13/08/2006 الساعة 09:21 AM
  #17  
قديم 13/08/2006, 09:24 AM
ظبية ظبية غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ الانضمام: 28/08/2002
المشاركات: 365
Post

في أى مرحلة بالضبط بدأت الكتابة والنشر؟

بدأت أكتب مع مطلع السبعينات، غير أننى لم أنشر سوى كراسات صغيرة في السنوات الأخيرة من نفس العقد. وكان هذا الأسلوب شائعا ومنتشرا لدى المثقفين المصريين حيث كانوا يرفضون النشر والتعبير من خلال الأجهزة الرسمية الموجودة في السلطة والتى كانت في النهاية أجهزة كامب ديفيد. وقد رفضناها بقوة وابتدعنا أسلوبا جديدا يتمثل في نشر مطبوعات رخيصة وفقيرة نوزعها فيما بيننا. نشرت قصصا في هذه المجموعة. ثم نشرت سنة 1986 مجموعتى القصصية الأولى " زينات في جنازة الرئيس" وهى مجموعة تتمحور حول النضالات السياسية لنساء مجهولات ينحدرن من الطبقات الشعبية. في عام 1987 نشرت رواية قصيرة بعنوان "مقام عطية" ومجموعة قصصية في نفس الكتاب. وفى عام 1989 نشرت آخر متاباتى وهى مجموعة قصصية بعنوان " عن الروح التى سرقت تدريجيا" وتتمحور حول الاحباطات المتباينة للانسان المصرى وتحديدا المرأة في ظل السياسة الجديدة والتحولات الاجتماعية التى رافقتها.

لا استطيع الكتابة الا عن النساء

هل حظى واقع النساء المصريات بمكانة خاصة في انتاجك القصصى؟

في الحقيقة لم أهتم الا بذلك. أنا لا أستطيع الكتابة الا عن النساء، حتى الآن على الأقل. في كتاباتى أقدم نموذج المرأة وأعترف أننى لا أقدم ذلك عن اختيار ولكن عن ضرورة. حيث أن عالم النساء هو أساسا عن المرأة الفقيرة والمهشة، المرأة التى تعيش حارج مظلة الزواج، المرأة التى لا يتذكرها المجتمع ولا يتذكرها الأدب ولا تستحضر إلى خريطة الأدب العربى.

أموضوع انتاجى ضمن الكتابة النسائية الواعية بذاتها..

انطلاقا من التمييز المفترض بين الكتابة النسائية والكتابة الصادرة عن النساء على اعتبار أن الأولى يفترض فيها أن تعكس وعيا جديدا بالذات الكاتبة في حين أن الثانية يمكن أن تعيد انتاج نفس المقولات السائدة، بمعنى كتابة ذكورية بقلم امرأة، أين تموضعين انتاجك الابداعى اذا أنفقت على هذا التصنيف؟

في الحقيقة أنا أموضع انتاجى الابداعى ضمن الكتابة النسائية التى أشرت اليه، أستطيع أن أزعم أن كتابتى واعية، ليست بالضرورة شخصياتى الابداعية واعية بذاتها، ولكن هى شخوص واعية في حركتها وفى فعلها وان لم تكن بحكم موقعها الاجتماعى والكبقى تعى هذه الحقيقة. على سبيل المثال في المجموعة الأولى" زينات في جنازة الرئيس" لدى نموذج امرأة فقيرة مهمشة تشارك في جنازة الرئيس جمال عبد الناصر. وأنت تعلمين أن هناك مجموعات كبيرة من النساء في جميع أنحاء مصر شاركن في تلك الجنازة، فمن خلال هذه القصة حاولت تتبع مراحل الوعى لدى هذه المرأة، وكيف دفعها في النهاية إلى أن تشارك مشاركة محسوسة في لحظة سياسية محتدمة تتمثل في وفاة رمز سياسى ورمز مشروع تحول مجتمعى ممثلا في شخص عبد الناصر. لدى أيضا شخصية فتاة تشارك في تظاهرة طلابية، هذه الفتاة تلميذة بمدرسة ثانوية وكانت نموذجا لا ينتبه اليه من طرف رفيقاتها وزميلاتها حتى شاركت في مظاهرة سياسية وألقى القبض عليها فظن جميع من في المدرسة أنه تم القاء القبض عليها بسبب انحرافها السلوكى والأخلاقى. وهذا جوهر المفارقة في القصة. اذ تحولت هذه الفتاة إلى رمز للجمال الأنثوى رغم أنها عادية الملامح. وتحولت إلى رمز للشطارة الجنسية عند المراهقات، ثم اكتشفن بعد ذلك انها كانت تشارك في العمل السياسى. هناك نموذج آخر في المجموعة الأخيرة عن امرأة يداهم البوليس منزلها لالقاء القبض على ابنها أو ابنتها فتقف صامدة( وهى امرأة عادية!) أمام الأجهزة القمعية، ولكنها بمجرد أن يغادرواتعنف أبناءها وتحرضهم ضد المشاركة في العمل السياسى مبرزة ذلك بأن لها خبرة تاريخية في التعامل مع السلطات وانه لا جدوى من كل ما يفعلون. ولكن أبناءها ومنهم فتاة يحملون الأمل ويقولون أن هناك جدوى.

أقصد من كل هذا أن هناك صورا لنماذج نسائية لم تكن مستحضرة إلى الأدب الا لماما، وأنا أحاول أن أستدعيها بشكل واضح وبحضور قوى. وربما حققت من خلال ذلك مشاركتى في الأدب النسوى من منظور واعى.

اذا كانت اللغة ارثا صنعه الرجال فتغييره سيحققه الأدب النسائى على المدى الطويل..

هل تعتبرين ابداعك نسائيا انطلاقا من كون الشخصيات الأساسية لقصصك هى عبارة عن نساء أم أيضا من حيث طبيعة المعالجة ومن حيث لغة الكتابة، اذ أن اللغة كنظام رمزى للتواصل نضع النساء الكاتبات أمام مفارقة تتمثل في ذكورية هذه اللغة وتلجم امكانية التعبير عن الوعى الجديد بلغة جديدة، فكيف تمثلت هذا الواقع في تجربتك؟

الأحد 8 الاثنين 9 ابرل 1990


" زهرة المستنقع الوحيدة" تنثر عبير ابداعها!

أمل فؤاد

عبر خموم البسطاء.. ومن خلال معاناة امرأة، شقيانة، تشوى الذرة في رحم المدينة الطاحنة لتعول نبت رحمها، عرفت الأديبة سلوى بكر طريقها إلى العالمية، اذ فازت قصتها" الذرة" بجائزة من الاذاعة الألمانية ضمن ألفى عمل ابداعى عربى داخل هذه المسابقة..

وسلوى بكر كاتبة رحبة الرؤية، تلتقط بشجن آلام المعذبين في الأرض وترسم للمرأة المطحونة بالذات صورة ثاقبة تنفذ فيها إلى أعماقها الحريرية لتفجر مكنونها المجهول والمتدفق حساسية، غير عابئة بمجاراة أدب نسائى عقيم لعبته الأزلية اغراء الرجل بتجميل فريسته!

وبالمناسبة.. سلوى بكر لا تدين الرجل قدر ما تراه ضحية مع المرأة لموروث اجتماعى عقيم جعلها دميته أو ظلهّ وهكذا تثور في سطورها على كل ما يحول دون التحام الكائنين ( الرجل والمرأة) في سغة من الانسانية السامية. فثورة الابداع عند سلوى بكر منحتها جلد الصراع من أجل محاولة اعادة صياغة الواقع، ففىسطورها، وهج يشف الروح.. يتأمل التفاصيل ... يجاوز الصغائرليحتوى في منتهاه عالما مفعما بالانسانية الحقة.

التقيت بها بعد الجائزة. كانت بيننا فرحة مشتركة صبغت سؤالى بالفخر قلت لها: اجائزة، نخب التلاقى بين الدائبة المبدعة سلوى بكر والناس. بم تشعرين؟

قالت: شوفى بأه. لا أنكر بالطبع سعادتى بالجائزة لكن الاجابة ستكون معقدة ومطولة لأن الجائزة آتية من الغرب مما يجعلنا بادئ ذى بدئ نتخلص من النساؤلات والأوهام التى تقول:

كيف ينظر الغرب لأدبنا واقول أن اهتمام الغرب بأدبنا وأدب العالم المتخلف أو ما يسمى بالعالم الثالث له طابع سوسيولوجى أنثروبولوجى. يعنى اهتمام داخل فيه حرب المعلومات فمن هى الدولة الغنية الآن؟ وهى بالطبع الدولة التى تمتلك المعلومات وليست الدولة التى تصنع أرقى التكنولوجيا، لذلك في الغرب يرون أنه بدلا من الذهاب إلى الآخر( العالم الثالث) لاكتشافه. لنرى ذلك الآخر وكيف يكتشف هو نفسه عبر الأدب. تلك هى الخطوط العريضة التى لا يجب أن ننخدع بغيرها في تقييم اهتمام الغرب بأدبنا..

وأظن أن الاهتمام بالترجمة الآن وبالذات ترجمة مستويات متباينة من الأدب العربى بدءا من نجيب محفوظ وحتى أسمائ مغمورة لمبدعين جدد يخضع في رأي أيضا لهذه المسألة.

أما عن قصتى الفائزة بهذه الجائزة وعنوانها " الذرة" فقد أرسلتها بتشجيع من الأستاذ فوزى سليمان اذ عرف بالمسابقة وحفزنى على المشاركة فيها فتخيرت هذه القصة التى تنطبق عليها شروط المسابقة وهى ضرورة أن يعبر العمل الأدبى عن واقع الانسان في بد الكاتب. معاناة الناس. جانب من حياتهم. تكشف همومهم وأود بداية أن أروى لك ملابسات كتابة قصة الذرة قبل عرض مضمونها.. فأنا معنية أساسا في كتاباتى الأدبية بالانسان المهمش.. والمهمش بلغة الاقتصاد هو الانسان الذى لا يدخل أو ينتمى إلى طبقة محددة أى الذى لا يدخل في دائرة العمل الانتاجى.. ده التعريف القديم للمهمش أما الآن فاختلف اذ صار يشكل شريحة واسعة جدا من المجتمع بسبب البطالة، فهو كل قادر على الانتاج لكنه لا يجد فرصة لذلك. زى الفلاح اللى مش لاقى أرض يزرعها فيأتى للمدينة ليكون منادى سيارات أو غيره وهكذا الأمثلة عديدة.. ده الانسان المهمش الآن وأنا مهتمة بابرازه في متاباتى وتحديدا المرأة المهمشة التى تعيش خارج مظلة مؤسسة الزواج. وأطلق عليها المرأة الوحيدة التى تواجه الحياه منفردة. قد تكون أرملة أو عانس أو مطلقة أو مهجورة.

قاطعتها: اللى مش في ظل راجل؟

قالت: بالضبط كده. وهى امرأة معاناتها كبية جدا وأراها شجاعة جدا في ظل القيم والوضعيات الاجتماعية التى تعانى منها المرأة عموما والى جانب ذلك الاهتمام يعنينى كذلك هاجس يطرح تساؤلا تاريخيا: كيف بقينا على قيد الحياة كشعب لمدة خمسة آلاف سنة؟ ولا أحاول تقديم اجابة بالمعنى النظرى بل أحاول أن أرصد كيف واصلنا الحياة كشعب رغم الفيضانات وجفاف النيل والشدة المستنصرية وكل الحروب والكوارث. فالحياة لم تنقطع في وادينا منذ فجر التاريخ رغم اندثار دول وشعوب أخرى، وفى اطار بحثى هذا لاحظت كيف يعيش الناس في المدينة وكتبت قصة الذة عن امرأة تواجه الحياة بأعباء ابنائها بعد رحيل زوجها إلى عمله بالترحيلة. اذ تقوم المرأة بزرع الأرض المهجورة المواجهة لعشتها وهى الأرض التى انصرف عنها عمال البلدية لاسثمار ميزانية استصلاحها في البنوك. والعودة بعد حين لانجاز هذه المهمة.. ومن ثم، كانت الظروف مهيأة للمرأة كى تخلق عالمها الخاص بزرع الذرة ثم شيه وبيعه.. وحول الذرة نرى الناس والعلاقات والحياة.

قلت لها: فيه رمزية في قصة أخرى لك بعنوان " زهرة المستنقع الوحيدة" تواكب هذه الرؤية في الذرة، وهى ظاهرة الصمود في مواجهة الصعاب، فهل الزهرة امرأة في رأيك؟

قالت: أنا باشوف أن المرأة في مجتمعنا هى التى تتحمل عبئ البقاء. وهى سؤال مطروح عليها في الطبقات الشعبية والفقيرة بالذات ودائما تجد له حلا، وفى قصة الذرة فعلت المرأة ذلك حتى انهار مستقبلها باقتلاع عمال البلدية للذرة ولم تتملكها الحيرة طويلا اذ واصلت حياتها من عمل آخر تخلق لحظة الاحتياج وهو صنع أكواب الشاى لهؤلاء العمال والمارة في الطريق لتمضى الحياة في بلدنا ونظل منذ فجر التاريخ وللآن نبتكر ونبدع من أجل البقاء.

الكائن المقهور

تتعدد نماذج الأنثى في أعمال سلوى بكر.. تتباين اجتماعيا وان ظلت تنتمى اما للطبقات الشعبية الدنيا أو المتوسطة المطحونة بأعباء الحياة اليومية، والمرأة عندها شدسدة الايجابية مفعمة بالرغبة في الحياة مما يدفعها للمواجهة الحاسمة في الشدائد.

قلت لها: عندك قصة بعنوان البداية عن امرأة ضاقت بقهر زوجها فلكمته في وجهه وقصة أخرى باسم عجين الفلاحة عن قرد ينفد صبره فينبش بأنيابه وجه صاحبه الشرس.. هل يتساوى قهر الرجل للمرأة في رأيك بقهره للحيوان ولماذا جاءت المواجهة تصادمية في القصتين؟

قالت : لا أقصد هذا الحل العنيف وربما أكون قصدت بذلك صدمة القارئ فلو لاحظت أن قصصى رغم ما تحويه من معاناة وعنف من النساء ضد الرجال في بعض الأحيان. الا أن الرجل ليس هو المقصود فعندى قصص يبرز فيها الرجل مظلوم مش من المرأة ولكن من الحياة والوضعيات الاجتماعية. ففى رأيى أن الرجل والمرأة ظالمين أنفسهم ومعركتى الأساسية مع القيم والمفاهيم الباليه التى تجرجرنا لخلف وهى قيم غير دينية كما يتصور البعض بل ناتجة عن التركة الحضارية الثقيلة والسؤال الذى يجب أن نطرحه على أنفسنا هو : ما هو التخلف، هل هو فقر مادى أم قصر نظر نحو كيفية ادارة الحياة؟ أما عن قراءتك للبداية وعجين الفلاحة فأنا سعيدة بها فهناك مستويات مختلفة من القراءة..

والقرد كرمز في عجينة الفلاحة قد يكون رجلا أو امرأة وهو شكل مطلق في رأيى، الكائن المقهور حيوانا كان أو انسانا. وطبعا هناك تشابه في القصتين( المرأة حين تصبح مسلوبة الارادة أمام الزوج كالقرد الذى يقهره صاحبه) وملاحظتك عن المرأة في القصة صحيحة فهى تعامل كحيوان مسلوب الارادة ويأتى لذلك رد فعلها تصادميا ولذلك. علينا أن نعيد التفكير في القيم والثوابت التى جعلت المرأة في مجتمعنا موضوعا وليست ذاتا. تتحقق لأجل الآخرين ( الأب والأبن والزوج) وليس من أجل نفسها.

وأنا لا أتهم في ذلك الرجل بل أتهم المرأة والمجتمع ككل وأقول دائما أن حركة التاريخ يدفعها الرواد وعلينا أن نصدم القارئ وتعامله بعنف شوية كى يفكر في الحلول التى تنفض عن المجتمع غبار التردى لوراء.

قلت لها: نساؤك ينتمين غالبا للطبقة الدنيا والمتوسطة الفقيرة.. ماذا عن نساء الطبقة الاجتماعية الرفيعة. هل ترين أن معاناتهن في ظل الرفاهية لا تستحق رصدك الأدبى لهن؟

قال: بالعكس.. عندى نموذج من هذه الطبقة في آخر رواياتى " وصف البلبل" ولكنى أهتم عموما في كتاباتى بنماذج نسائية قابلة للانسحاب على المجموع (الأغلبية) ولا أقلل من قدر هواجس وأزمات نساء الطبقة الراقية اللائى يعانين غالبا من الخواء وعدم وجود مشروع حياة في ظل الحياة المخملية التى يعشنها مما يفقدهن فرصة النضال من أجل حلم وده شئ قاتل. معناه أن الحياة دون مذاق أو معنى. حياتهن محققة إلى حد أنها بلا معنى. ولكنى في قصصى مهمومة أكثر بحياة المجموع.. ففى مجموعتى القصصية الأولى" زينات في جنازة الرئيس" أبرزت تلك الكتلة النسائية المتشحة بالسواد في جنازة الرئيس عبد الناصر. كتلة من جيل شاهد متغيرات متلاحقة وسريعة وصار تاريخه الضخصى ملتحما بحركة الحياة والتاريخ العام.

أمى مثلا لبست أسود على عبد الناصر وكثيرات غيها وقصدت باستعادتى أدبيا لهذا النموذج بطرح السؤال التالى: أين هى تلك الكتلة النسائية؟ وكيف اعبر أدبيا عن هذا النمط النسائى الذى كان يشارك في لحظات احتدام هامة في تاريخنا الاجتماعى والسياسى.

واقع مجنون !

ونمط آخر من النساء في قصة لسلوى بكر بعنوان " لدود في حقل الورود" يستدعى التأمل والنظر بعمق نحو الحياة. اذ تتلاءم تناقضاتها وتتشابك مفردات القدرة على النمو فيها إلى غير حل! مما يدعو الانسان إلى تجاوز الواقع اما بالعزلة أو المواجهة المجنونة.. قلت لها.. في القصة "بصاق" و" قذارة بالكوم" كما يتبدى من قول وفعل وشعور بطلتها وانماط المجانين في العيادة النفسية.. فهل صار الواقع كما يراه المجانين في قصتك هو الحقيقة الوحيدة التى يصبح بها الجنون مة الرؤية الثاقبة لحياة الحالية؟

قالت: سوف أرد بسؤال: في تأملك للسياق الذى نعيشه مش شايفة أنه من الطبيعى أن يصبح الانسان مجنونا؟ زمان مثلا كانوا يهيئون أفضل الظروف للحيوان.. الكتاكيت كانت وضع في صندوق ونناولها لمبة للتدفئة. والديوك الرومى كانت تأكل البيض المسلوق، يعنى كل كائن كانت تهيأ له الظروف المناسبة للنمو والحياة، أما الآن. فالانسان لا يجد الحد الأدنى من المتطلبات الدنيوية كى يمارس حياته، وفى كتاباتى أتعامل بالسخرية مع كل تفاصيل حياتنا كى أحفظ توازنى وأرى الأشياء صح، فنحن في رايى نعيش السريالية على حد تعبير ناقد من بورتريكو يقول: السريالية كانت واقعا يوميا في المكسيك قبل أن تكتشف في فرنسا، وفى رايى أن هذا القول ينطبق علينا فكل ما يحيط بنا يبعث على الجنون وعندنا معدلات عالية من الجنون الفعلى بين الشباب تحديدا. وهناك الجنون الجماعى مثل جنون الكرة والهوس الدينى بأشكاله المتباينة وهذه الأشياء وما شابهها تجعل الجنون في النهاية ظاهرة طبيعية إلى جانب تفشى ظواهر أخرى كالفساد مما يشعرنا بأن ما يحدث حولنا هو عبث مجنون.

الأفق الذى بداحلنا

سالتها: والسماء: هل هى مهرب من هذا الجنون كما في روايتك" العربة الذهبية لا تصعد إلى السماء" وقصة " اذ حلق الطيرفى السماء" ؟

قالت: الفكرة التى أردت ابرازها في العملين دول هى اننا " زانقين نفسنا في ركن " طب ما الدنيا واسعة؟ وهنا الدنيا مش بالمعنى الجغرافى ولكن بمعنى أن يجرب الانسان ملكاته الأخرى وينطلق إلى آفاق أرحب. فعلينا أن نبحث عن سماواتنا، والسماء في رأيى هنا هى الأفق الذى بداخلنا وعلينا أن نكشفه. مفيش انسان معندوش المنطقة الخاصة. منطقة الابداع. والواقع لا يتيح للانسان فرصة كى يكتشف سماواته وفضاءه. فالطائر في القصة كان سينفق عند ابتعاده عن القفص الذى اعتاده، ثم اكتشف في لحظة عندما فرد جناحيه أن السماء شئ بديع وأنه يستطيع أن يحلق ففعل ذلك، ونحن مثل هذا الطائر، يمكن أن نحلق، وعلينا أن نفعل ذلك.

آخر ساعة العدد 3069 عام 1993


الفن لا يقبل المغفرة!

حوار تصادمى مع الكاتبة سلوى بكر ،،

استطاعت الكاتبة سلوى بكر بكتابتها المتميزة، أن تنال الكثير من الاهتمام، والقبول النقدى، وقد اتفق عديد من النقاد الذين لا يستهان بأحكامهم على ساحتنا الأدبية والثقافية، بأن سلوى بكر هى الكاتبة ( المرأة ) الوحيدة التى لا تكتب ما يسمى بالأدب النسائى!!

وسلوى بكر تردد دائما، بأن المرأة التى تكتب تقوم بعمل خارق للعادة، لأنها في العادة لا تفعل ذلك، وبالكتابة هى – أى المرأة- تحاول الخروج عن السياق، وهى محاولة مدفوعة الثمن؟!

متى بدأ يتكون لديك وعى الكتابة؟!

منذ منتصف الستينيات بدأت أكتب القصة القصيرة دون أن يرى أحد كتاباتى، وكان لدى تصور بأننى لو لم أكتب مثلما يكتب ديستوفسكى، فيجب ألا أكتب مطلقا، وذات يوم طلب منى الشاعر والصديق شعبان يوسف أن أدله على أشخاص يكتبون القصة القصيرة، كى يقوم بنشرها فى مجلة ماستر، فأخبرته أننى أكتب ولكنى لنفسى وناولته كراسة بها عدد من القصص، واذا به يحملها إلى القاص يحى الطاهر عبد الله، والذى كان يعرفنى، ولكنى ليس ككاتبة قصصية، قد فوجئت برد فعله الطيب تجاه كتاباتى، ومن تلك اللحظة بدأت أعى أهمية أن أنشر ما أكتبه، وقد نشرت العديد من القصص في مجلة أفاق 79، وكان يشرف عليها الفنان التشكيلى محمود بقشيش، وهو من هؤلاء الذين قاموا بدور هام في حياتنا الثقافية.

هذا اضافة إلى العديد من قصصى القصيرة، والتى تضمنتها مجموعنى الأولى " زينات و جنازة الرئيس " .. كانت تنشر في الصحف والمجلات العربية.. وقد لاقت المجموعة الأولى قبولا نقديا كبيرا، رغم تخوفى عند صدورها، بسبب قناعاتى بأنه لو أدعى انسان صفة، أو موهبة فنية فعليه أن يحاول فيها بلوغ الكمال، وخاصة أن افن لا يقبل المغفرة؟

كثيرا ما شبهك البعض بالكاتبة الدكتورة نوال السعداوى.. هل تعتقدين بأن هناك ثمة مواصفات في الكتابة بينكما؟

هذا التشبيه نوع من الاستسهال في التقييم، وهو أيضا يدل على عدم بذل الجهد، والكسل النقدى، وأريد أن أؤكد بأن الدكتورة نوال السعداوى رائدة، قد اختلف معها في بعض كتابتها، لكنها ولا شك هى أول كاتبة تكلمت بجرأة وشجاعة وجدية في موضوعات تمس حياتنا بشكل مباشر، وبالتأكيد أنا لست نوال السعداوى، ولا هى أنا، ولا أزعم أننى أسير على دربها، وأحب أن أنوه بأن الدكتورة نوال من الكاتبات والكتاب القلائل الذين يحتفى بهم في الخارج لما لها من مكانة ممتازة، في العالم أجمع.

هل يوجد رقيب قابع داخلك، يراقب ما تكتبين.ز أقصد رقيبا ذاتيا؟!

بالتأكيد، وهو داخل كل كاتب، هو متعدد الوجوه ويختلف بالطبع عن رقيب الحكومة، والمصنفات الفنية، وهو أيضا معقد للغاية لكونه متعلقا بذات الكاتب، تجدينه مثلا يحاول أن يخفى ملامح الكاتب الحقيقية، ويفكر جيدا فيما سيفصح عنه، وفيما سيخفيه، وأحيانا يختار هذا الرقيب حين يحاول أن يحكى عن الواقع في كتاباته، لأنه يجد أن الواقع أحيانا يفوق الخيال، فيفكر كيف ينقل هذا إلى القارئ ويجعله يصدقه؟!

والكاتب الذى لا يعترف بالرقيب الذاتى فهو يكذب.

المرأة والتركة!!

عندما تبدأ في ممارسة الكتابة، فانها تشرع أولا في انتقاد الرجل، واظهاره في صورة الجانى عليها.. هل يمكن أن يكون هذا نوعا من الثأر، وترى هل هى مرحلة ولا بد أن تمر بها المرأة الكاتبة؟

ردت: أنها لا تنتقد الرجل فقط، وانما في كل كتابات النساء في العالم أجمع، أن الرجل هو عالم المرأة، والمراة تشكل جزءا فقط من عالم الرجل، وهنا يكون الفرق، فحين تكتب المرأة فهى اذن سوف تكتب عن هذا العالم الملئ بمرارات وتجارب سيئة، وقد يكون أيضا هناك جوانب مشرفة في تلك التجارب مع الرجل، ولكن يوجد أيضا مخزون تاريخى من المعاناة مع الرجل، وعلينا أن نعترف بذلك.. وهناك معركة ضد القيم التى تشكل العلاقة بين المرأة والرجل، وهذه هى المشكلة، وفى رأيى أن الرجل هو أيضا مجنى عليه مثل المرأة، بسبب هذه القيم المتخلفة، وهذا على مستوى الارث الانسانى كله، ولكن لدينا تركة ثقيلة من المعاناة بين الرجل والمرأة.. والمرأة كتبت في وقت متأخر جدا بالقياس للرجل،وكان من الطبيعى أن تلتفت كنابات المرأة إلى تلك التركة الثقيلة.

متى نقرأ كتابات نسائية متوحدة مع الرجل؟!

حتى هذه اللحظة، والتركة نعانى منها بشكل أو بآخر، وأظن أنه ستكونهناك مرحلة ليست بقصيرة، ستظل تكتب المرأة فيها عن معاناتها، بسبب كونها امرأة، ويوجد تعبير جميل لسيمون دى بفوار تقول فيه: " ان المرأة لا تولد امرأة، ولكنها تصبح كذلك" ، وبالفعل المشكلة هى أنه حينما أصبح امرأة، تكون لهذه الصورة معاناة، ومثال على ذلك حتى الآن، وعندما تكتب المرأة، يقال الأنثى والكتابة! ولا نسمع مطلقا عن تعبير الذكر والكتابة؟! وأليست هذه معاناة حقيقية؟!

مصلحة الرجل؟!

أتصور بأن عبرة لأسباب مصلحية ونفعية تحتاج منك بعض التوضيح!!

أقصد بها أن الرجل يكيل دائما تعامله مع القيم بمكيالين، فهو يعامل حبيبته بمكيال، وشقيقته بمكيال آخر، ويبيح لنفسه، ما لا يبيحه لحبيب شقيقته، اذن هذه الازدواجية في القيم ناتجة عن لطابع النفعى لهذه القيم، وقد نوهت مرة ولا زلت، بأنه ليس غريبا أن تكون أكثر النساء حضورا، في الأدب الذى يكتبه الرجل هن العشيقات، والحبيبات، والزوجات والأمهات.. بينما صورة الشقيقات محددة جدا، وان جاءت فهى عانس، وكريهة، وهى حقود، اذن أنا أدين الرجل أكثرلأنه لا يحاول تغيير تلك القيم غير العادلة، رغم ما يملكه من مساحة حرية، تفتقدها المرأة تماما.

يقال ان روايتك " العربة الذهبية لا تصعد إلى لسماء " كانت نوعا من محاولة الكشف عن الدوافع الحقيقية لجوادث قتل الزوجات لأزواجهن..

كتبت تلك الروايو اثر ادث دخولى السجن لمدة 15 يوما، في قضية سياسية، واكتشافى بان السجينة السياسية، هى عابرة، واستثناء وليست قاعدة، وأن السجينة العادية هى القاعدة، ووجدت أنه لا يمكننى الكتابة عن نفسى، فأنا بطلة بلا بطولة، فقد دخلت السجن لأسباب لا تعود لكونى أقوم بعمل سياسى بالفعل، وكانت تلك الرواية تنوه عن السجينات العاديات، واللواتى لم يكتب عنهن كثيا، وأنا لا أدافع عن الاجرام، بالطبع، لكن لماذا لم تتوقف الصحافة كثيرا عند الرجال الذين يقتلون زوجاتهم على مر السنين، وهم كثيرون منذ هنرى الثامن، وما قبله والتاريخ ملئ..؟

وهذه الرواية وكما قال الدكتور على الراعى لا تدين الرجل، وانما تشى بحبه في كثير من المواضع، والادانة فيها للمجتمع، وشكل حياتنا، الذى لا تكلف أنفسنا عناء التوقف عنده، ومحاولة تجديده أو الاصلاح منه،

هل حقا أن العلاقة بين الرجل الناقد. والمرأة المبدعة ليست على ما يرام، بسبب احكام الرجال النقدية، والتى تكون في معظمها مثبطة لهمة المرأة الكاتبة؟!

أتصور بأنى لا اصلح كى أكون معيارا لهذه المسألة، لأنه بالفعل قد لاقت كتاباتى قبولا نقديا كبيرا، وكان معظمه من قبل النقاد الأكاديميين تحديدا، وغير معروف عنهم المجاملة.

ولكن هذا لا ينفى حقيقة، وهى أن كتابات المرأة عموما تقابلبشكل هامشى، وأكبر مثال على ذلك هو عدم وجود امرأة واحدة، في حقل تكريم الكتاب لهذا العام؟! وكأن الساحة قد خلت من المبدعات، بالفعل يوجد نوع من الاستخفاف النقدى بما تكتبه المرأة، ولكن لنكن صرحاء ونقول بأن المرأة مسئولة عن جانب من هذا، بمعنى أن كتابة المرأة في كثير من الأحيان، هى كتابة ترفيهية، كتابة لتجميل صورة المرأة، وليست كتابة ضرورية، وعلى المرأة أن تنطلق من مجمل الخريطة الابداعية الموجودة، وتحدد موقعا متقدما منها، حتى تلاقى قبولا نقديا، واحتفاء حقيقيا، ويوجد سبب آخر يجعل الناقد الرجل لا يحتفى بكتابات المرأة، وهو سبب يثير الأسى، وهو أن بعض النقاد يخشون الكتابة بشكل عادى عن كتابة المرأة حتى لا يقال انها نوع من المحاباة.. تخيلى أن هذا النوع من الخوف موجود لدى بعض النقاد لرجال..؟!

صباح الخير الخميس 29 ايريل 1993 العدد 1947


غالى شكرى يختم ابحاره مع ماجدة الجندى،،
لا توجد أديبات مصريات الا اثنتان

قلت : غير الأستاذة صافيناز كاظم من من آخر أجيال الكاتبات تراه جديرا بالانتساب للأدب؟

ربما كانت سلوى بكر هى الوحيدة التى أستطيع ادراجها في السباق العام للأدب دون أن تكون الأنوثة أو العناية بالأمور النسوية هى أساس الكتابة برغم أن سلوى تعبر بشكل جيد جدا عن المرأة الا أن تعبيرها غير مختزل وهو يأخذ بشكل التقنيات والأدوات الثقافية للرواية العربية المعاصرة فأنا حين أتكلم عن سلوى بكر أتكلم عنها في سياق الكلام عن كتابات أدبية سواء مصرية أو عربية الأمر الذى أفتقده في غيرها.

هذا الوضع للكتابة النسائية في مصر يختلف عن الوضع عربيا لأنه عربيا يوجد طابور من الكاتبات الحقيقيات وغادة السمان.. وحنان اشيخ لا تغردان بمفردهما.

هناك أيضا هدى بركات التى فازت روايتها مؤخرا بجائزة وفى روايتها " حجر الضحك" نحن أمام أدب فريد مهما أخذ الناقد عليه من مأخذ يظل أدبا. لا أستطيع أن أ<معه بسياج من الأنوثة..

قلت للدكتور غالى: لكن هذا التوصيف بحسب تعبيرك يناقضه واقع اعلامى يطرح أسماء ليس في مجال الكتابة النسائية وحدها. ولكن في مجال الابداع عموما هو يلح بأسماء دون غيرها تطل من الصحافة والميكروفون وشاشات التليفزيون( وربما أجهزة أخرى)!! في عملية ترويج تظهر أصحاب هذه الأسماء وكأنهم التعبير الصحيح عن الواقع الثقافى.

صباح الخير 30 ابريل 1992 العدد 1895


أعشق قراءة المقريزى وابن اياس وساويرس
سلوى بكر مصرية مشاغبة، أنتجت على مدار عدة سنوات من اشتغالها بالكتابة أربع مجموعات قصصية منها " عجين الفلاحة" و "ايقاعات متعاكسة"، كما أصدرت خمس روايت منها " وصف البلبل" و "أرانب" و "ليل ونهار" وترجمت أعمالها إلى اللغات الألمانية والانجليزية والهولندية والفرنسية والسويدية والكورية، ومع كل عمل جديد يتفتح سلوى أفقا لتنوع على مستوى الغة والأسلوب، وبالرغم من ذلك يمكننا أن نعتبر كتاباتها السابقة شبه مشروع واحد متكامل بينما تفتتح رواياتها الأجد "البشمورى" الصادرة عن روايات الهلال في أكتوبر من العام الماضى، مشروعا، جديدا، يرسى دعائمه في حقل التاريخ العربى الوسيط وابتداء من مصر، مع البشمورى" تكشف سلوى بكر عن وجه جديد لكتابتها، تلك الكتابة التى تجاوزت الضجة المثارة حولها هذه المرة كل التوقعات، وفى الوقت الذى لا تكلف فيه ردود الأفعال المتضاربة حول هذا العمل.

تستمر كاتبتنا في الابداع والانتاج كشأنها دائما، مؤكدة أن لغة الأدب هى سلاحها الأوحد في عصر أصبحت فيه الكتابة دربا من البطولة كما ورد على لسانها في هذا الحوار السريع.

كيف نشأت فكرت البشمورى؟

منذ سنوات طوال وأنا مهتمة بالتاريخ بشكل عام، وبالتاريخ الوسط على وجه التحديد، وهو ما دفعنى للالتحاق بكلية الاداب قسم التاريخ، بعد أن تخرجت في كلية التجارة قسم ادارة الأعمال بجامعة عين شمس، ودرست النقد المسرحى بمعهد الفنون المسرحية بأكاديمية الفنون بالقاهرة، ا لا أننى لم أنته حتى الآن من الدراسة هناك حيث ما زلت مسجلة بالقسم فقد وجدت أن نسبة تحصيلى للمادة التاريخية سوف تكون أكثر بعيدا عن أسوار الجامعة، لذلك فقد استرسلت في قراءتى التى كنت قد بدأتها منذ زمن طويل حول التاريخ الوسيط مما نتج عنه في النهاية فكرة كتابة رواية تاريخية من واقع هذا الاهتمام ومن خلال استلهام أحداث الفترة التى كنت أقرأ عنها بنهم.

وما المصادر التى اعتمدتها روايتك؟

لقد كانت لى قراءات ممتدة في أعمال المقريزىوابن اياس. تلك الأعمال التى استمتع بقراءتها استمتاعى بقراءة النصوص الأدبية والرواية الجديدة مثلان بل ربما يزداد استمتاعى بها في اطار كونها تصنع خلفية اساسية لأى كتابة، وتحديدا في مجال الرواية التاريخية، ومنذ حوالى عام ونصف اكتشفت كتاب ساويرس ابن المقفع " تاريخ الأباء البطاركة " ففتنت به على عدة مستويات، أولها أنه يؤرخ لمصر دون أن يدرى، سواء من لناحية السياسية أو الاجتماعية، مقدما تصورات مهمة لمناخات مصر في العصور الوسيطة، وثانى هذه المستويات هو فتنة اللغة فقد تعلم ساويرس اللغة العربية خصيصا كى يكتب هذا العمل وبالتالى فلغته الكتابية لغة ابتدائية تصلح مستجد في مجال الكتابة العربية، لكنه استطاع أن يعبر بها تعبيرا جميلا- وان شابه ركاكة في التراكيب اللغوية- ظل مستمرا في عربيتنا بلهجة مصرية، كما استطاع أن يقدم " أوتوستراكا "(أى قطعة أثرية) للغة في هذه الحقبة التاريخية، في غاية الأهمية على الرغم من صغرها، وتكمن أهميتها في دلالتها على التداخل الثقافى والحضارى الذى كان يجرى في مصر، وعلى التداخلات بين اللغات العربية والقبطية واليونانية ولغات أخرى لا أعرفها حرصت على نقلها للقارئ بالرغم من عدم عثورى على تفسير لمفرداتها المذكورة ولو بالجوء إلى المعاجم والقواميس اللغوية، وربما لو اشتغل حولها الباحثون اللغويون لوصلوا إلى نتائج قيمة. وثالث مستويات فتنتى بهذا العمل هو حكى ساويرس عن تصورات المواطن المصرى للحب والفلسفة والهرطقة والدين، فقد بهرت بهذه التصورات وظللت أفكر كيف أعيد نسخ عالم على شاكلة هذا العالم المتمثل عند ساويرس لا سيما وقد كنت مفتونة من قبله بعبقرى محب لمصر وللعرب والعالم والحياة، وهو المقريزى ذو المعرفة الموسوعية، وهكذا تجمعت لدى مصادر الرواية وفى الوقت نفسه اكتملت فكرتها وتركزت في كيفية تشييد عالم الرواية على غرار ذلك.

أنا أكتب طوال الوقت، ليس بمعنى أننى أمسك بالورقة والقلم طوال اليوم، ولكن بمعنى أننى أستمر في التخيل وفى نسج الأحداث في ذهنى وبمجرد أن يكتمل العمل في خيالى أبدأ في وضعه على الورق. وبالنسبة ل "البشمورى " تحديدا فقد كان لدى هيكل أولى عن الرواية فبدأت في الكتابة، الا أننى في تلك الأثناء كنت أصادف مشكلات باستمرار وهو ما لم يحدث لى في أى عمل سابق، ففى " البشمورى " كنت أخوض في منطقة مهمشة تاريخيا، بل ليست موضوعة في متن الكتابة التاريخية، واذا كانت قد وردت هنا أو هناك فقد وردت عرضا وكانت المعلومات والمادة الموجودة حولها شحيحة للغاية، لا سيما تلك المتعلقة بالحياة اليومية وبالممارسات العادية.

وبما أن الأدب موضوعه هو الانسان بكل تفاصيله ومن حيث ملبسه ومأكله وعلاقاته الانسانية والعاطفية، فقد وجدت نفسى في مأزق في تلك المنطقة من البحث على عكس الكتاب الغربيين مثلا الذين يجدون عديدا من المراجع الثقافية لتدلهم على تفاصيل مثل تلك بخصوص جميع فترات التارخ عندهم.

وقد زاد المأزق أيضا لأننى كنت أريد الحكى عن حياة المواطن الفلاح والمعدم، وماهى ملامحه وملابسه ومشكلاته، لكننى في النهاية نجحت في تخطى المأزق ودمجت المسألة في شكل بورتريه أو فسيفساء اشكالية على مستوى الكتابة.

وفى الحقيقة أن الرواية مصنوعة كالسبيكة التى انصهرت فيها عدة نصوص سويا مكونة هذا العمل الذى وضعته تحت مسمى " رواية روايات البشمورى ".

وقد أثار هذا التجميع في بدايته مشكلة لأنه يضم عدة نصوص لباحثين مختلفين ومعهم المقريزى وابن المقفع لكننى اشتغلت على وضعهم في نسيج، دون نتوءات، وربما كان هذا التحدى هو الاشكال الحقيقية لكتابة " البشمورى " فقد حرت كثيرا بما يجب طرحه من مادة وكان كل نص بشكل أراه خاصا بالنسبة لى، لكننى لم أكن أريد أن أقع في فخ الغوانية، فحرصت على معيار بنية الرواية وعلى تصاعد الخط الدرامى وصناعة بنية محكمة للواية ولرسم الشخوص.

وهل يستمر هذا المشروع الضخم لأعمال أخرى؟

بالطبع سوف استكمل هذا المشروع، فالرواية الصادرة ليست الا الجزء الأول من المشروع. وأعكف حاليا على التحضير للجزء الثانى والأخير في شكل روية أخرى، فعلى الرغم من أن الكتابة التاريخية مهمة عسيرة جدا الا أنها تمتلك سحرا وتأثيرا خاصين على.

الثقافية ملحق الأحد 24 يناير 1999 العدد 9614


حكايات جدتى كانت مخزنا للتراث الشفاهى

الكاتبة القاصة الروائية سلوى بكر نشرت أول مجموعة قصصية لها عام 1979 ( حكاية بسيطة ) في سلسلة أفاق، ثم أصدرت أول روايتها( زينات في جنازة الرئيس) 1986 على نفقتها الخاصة، وقد أثارت ردود فعل على المستوى النقدى بعد مجموعة. عن الروح التى سرقت1989 ثم أصدرت ( مقام عطية ) ثم رواية ( العربة الذهبية تذهب إلى السماء) 1991 ثم توالت (وصف البلبل) و(ليل ونهار) آخر رواية لها " البشمورى " 1998 صدر الجزء الثانى لها عن طريق المجلس الأعلى للثقافة بعد منحة تفرغ عام 2000 وقد ترجمت كثيرمن أعمالها إلى لغات أجنبية عديدة. وقدمت بعضها كسهرة تليفزونية وفيلم سينمائى سلوى بكر كانت ضيفة " بيان الكتب " لتسرد لنا حكايتها مع الكتاب.

عملت بالصحافة وتاشطة في الندوات واللقاءات في مصر والعالم العربى وأوروبا من المؤكد أن سيرتك الابداعية هذه لها خلفية تأسيسية ثقافية مرتبطة بالقراءة.. كيف كانت علاقتك بالكتاب اذن؟

بدأت علاقتى بالكتاب منذ الصغر.ز كنت أزور أبناء خالة والدتى.. كان عندهم مكتبة ضخمة في حجرة واسعة بشقتهم بميدان الكيت كات بامبابة.. وكان أحدهم مدرسا بالمدرسة السعيدية الثانوية كانت الكتب مجلدة ومذهبة بأسماء المؤلفين كانت أشبه بغرفة مقدسة.. حافلة بالكتب القديمة والحديثة.. بعضها كان معاصرا كان هذا في الخمسينيات. أخذت أقرأ في بعض هذه الكتب من بينها (النظرات) و( العبرات) و(تحت ظلال الزيزفون) للمنفلوطى كان الجو الثقافى في هذا البيت يشدنى أكثر من الجو في منزل أمى وأبى. تعلقت بالقاءة وكان بالمدرسة الابتدائية وقتئذ مكتبة في كل فصل، وعلى كل تلميذة أن تحضر كتابا أو قصة على أساس أن نتبادلها فيما بيننا في المرحلة الاعدادية فتنت بكتاب ( كليلة ودمنة) الذى ما زلت أعتقد أنه من أهم الكتب وأثراها.. ليس مجرد القصص بل المغزى منها والفلسفة التى تقف وراءها ولهذا أعتقد أن كل كتاب عظيم له هدف تربوى بشكل من الأشكال عندما كنت في المرحلة الثانوية كانت هذه فترة ازدهار الثقافة في مصر في الستينيات وخاصة الدوريات الثقافية.. رغم أن مصروفى كان قليلا فأنى كنت أشترى منه مجلة الفكر المعاصر للدكتور زكى نجيب محفوظ، ومجلة (الطليعة) القاهرية للطفى الخولىالتى كانت تضم ملاحق ثقافية كما شدتنى الصفحة الأدبية بصحيفة الأهرام التى كان يكتب فيها الدكتور لويس عوض والدكتور حسين فوزى، كل هذه الاطلاعات شكلت جانبا من وعيى وثقافتى، وقد ازدهرت في تلك الفترة الفلسفة الوجودية في مصر وكثرت ترجمات كتب جان بول سارتر وسيمون دى بوفوار، بعضها على يد عبد المنعم الحفنى، وأثير الجدل حول الوجودية والوضعية المنطقية.. كل هذا تلمسنا من خلاله التكوين الثقافى الأول.

إلى جانب المسلسلات في الدوريات هل قرأت أعمالا كاملة؟

قرأت بعض روايات نجيب محفوظ يوسف السباعى واحسان عبد القدوس وعلى احمد باكثير ومحمد عبد الحليم عبد الله ويوسف جوهر.. قرأنا لكل الكتاب الذين كانوا يشكلون علاقة خلال هذه الفترة.. ولكن ريد أن انوه أيضا بالبرامج الدراسية خلال تلك الفترة كانت مناهج راقية جدا.. كان الدكتور محمد مهدى علام على رأس واضعى هذه المناهج في مادة اللغة العربية الكلاسيكية مما كان يرقى بحسنا الأدبى.. ويطلعنا على نواحى هامة ربما كان يصعب اللحاق بها في المراحل التعليمية الأكثر تقدما.

لقد ذكرت أعمالا أدبية لكتاب مصريين فماذا عن قراءتك في الآداب العالمية؟

كنا نقرأ روايات الجيب وروايات عالمية. وكان حلمى مراد ينشر ( كتابى) الذى كان يضم ترجمات مبسطة لروائعالأدب العالمى، كنا نقرأ الترجمات التى كانت تصدر عن دار الكاتب العربى، والدار القومية للنشر والترجمة التى كانت تشرف عليها الدكتورة سهير القلماوى. قأنا معظم رموز الأدب العالمى من خلال ما أصدرته هذه الدور من ترجمات.

هل بعض هذه القراءات في الأدب العالمى ما علقت بذهنك.. وتأثرت بها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة وأنت تبدأين كتابة أعمالك القصصية والروائية؟

بالتأكيد ان هناك تأثيرات متباينة أثرت في تكوينى الأدبى.. ولكن لا استطيع أن أقول أن هناك كاتبا بعينه قد تأثرت به بشكل واضح..

كانت تنتابنى حالات من الاعجاب والتأثر بكتاب متباينين.. فتنت مثلا بأنطوان تشيكوف..

" روايتك ( البشمورى ) بجزئيها تكد اطلاعك الواسع في كتب التراث.. فما هى أهم قراءاتك في التراث؟

بالنسبة للتراثلدى منبعان في علاقتى بالتراث.. المنبع الأول هو المتداول الشفاهى من لتراث من خلال حكايات جدتى لأمى وحكايات جدتى نفسها كانتا مخزنين للحكايات الشفاهية الحكايات التراثية أتصور أن هذا أثرانى ثراء كبيرا جدا في البداية أتذكر أنه خلال التسعينيات كانت مجلة صباح الخير تنشر كراسات صغيرة تضم حكايات شعبية قصيرة مكتوبة بطريقة شيقة ومرسومة باقلام أهم الفنانين خلال تلك المرحلة مثل بهجت عثمان وايهاب شاكر.. كانت هذه الحكايات التى تقدم هدية مع كل عدد انفتاحا جميلا على القصص الشعبية والحكايات الشعبية.

أما المجتمعالثانى فهو الكتب التراثية، ففى بداية المرحلة الجامعية بدأت أتعرف على مؤرخى العصر الوسيط فقرأت لابن اياس والمقريزى كما قرأت الجبرتى الأكثر حداثة بنهم شديد جدا، وكنت أحيانا أستمتع بها أكثر من الروايات الحديثة.

هل أضافت دراسة المسرح إلى تكوينك الثقافى؟

بلا شك.. كنت أحب قراءة المسرح ولكنى أؤمن بمنهج القراءة من خلال برنامج مما يدفع المرء أكثر ثقافيا، وقد درست على يد أساتذة اجلاء مثل أحمد عباس صالح ومحمود مرسى وعبد الرحيم الزرقانى كما درس لنا خيرى شلبى الأدب العربى، ودرس لنا الهامى حسن السينما.. لقد فتح لى معهد الفنون المسرحية باب الاهتمام بالموسيقى والفن التشكيلى لكن لا بد أن أنوه أن الثقافة العامة في المجتمع كانت متاحة كما في عروض دار الأوبرا للموسيقى بقروش زهيدة للطلاب.

بعد مرحلة النضج الفكرى.. كيف تكون اختياراتك في القراءة حاليا؟

أقرأ في كل الكتابات التى تسعى إلى تنظير اللحظة الانسانية الراهنة على مستوى العالم.

فنحن نعيش الآن في عالم مضطرب، يتفكك رغم كل الكلام عن العولمة والقرية الواحدة وتزيد التكنولوجيا والآلة من عزلة الانسان وتباعد بينه وبين الانسان الآخر بشكل مرعب..

فالانسان اليوم يستطيع من خلال الانترنت أن يمارس كل تفاصيل حياته الانسانية التى كانت تدار عبر اتصال انسانى مباشر ومجتمعى. حتى ليتحول الانسان إلى كائن يعيش في قوقعة والى رخوى بشرى اننى أتأمل كل كتابة تتناول الانسان في اللحظة الراهنة. وحتى لا نفقد طزاجتها.

ما تأثير عملك بالصحافة في اثراء تجربتك وعالمك الروائى؟

من حسن الحظ أننى عملت غالبا في الصحافة اللبنانية حوالى ست سنوات بين لبنان وقبرص وتونس، والصحافة اللبنانية لها طابع كوزمو بوليتانى فهى ليست محلية. هى سريعة ومتواترة ومفتوحة وليست مهمومة بالمشاكل اليومية الضيقة.. وقد استفدت من عملى في الصحافة خبرة انسانية واحتكاكا بنماذج نسائية متباينة، وانفتاحا على العالم. وكنت محظوظة أننى عشت أهم اللحظات السياسية في لبنان، بل عشت لحظة العدوان الاسرائيلى 1982 وكانت فترة ثرية مليئة بالتناقضات والمفآجات السياسية والاجتماعية.. مما أثر في وجدانى.

نعود الى روايتك الكبيرة " البشمورى " بجزئيها.. بين منابعها التراثية ورؤيتك الابداعية؟

في الحقيقة أننى لم أكن أتصور أن أكتب مثل هذه الرواية. ولكن عندما قرأت بعض الكتب التاريخية حول الفترة الزمنية ما بين نهاية الحكم الرومانى في مصر وتحول مصر إلى دولة اسلامية بالمعنى الذى نعرفه اليوم كنت أتساءل ماذا حدث بين هاتين الفترتين، كيف تحولت الثقافة والمفردات الحضارية واللغة، كل هذه أمور كنت أهجس بها دائما، إلى أن قرأت بالصدفة كتاب ( تاريخ الأدباء البطاركة) لمؤرخ القبطى ساويرس بن المقفع فتنت به فتنة عارمة، على مستوى العوالم وعلى مستوى اللغة في وصف أحداث زمانه وكان ساويرس قد عاش في بدايات العصر الفاطمى واتصل بالخلفاء الفاطميين. وتعلم اللغة العربية لكى يكتب تاريخ الكنيسة القبطية، ويبقى للأجيال الجديدة لأنه اللغة القبطية أخذت تندثر، وكان الرجل من حسن الذكاء لدرجة أنه أرخ لما هو سياسى وما هو اجتماعى وما هو يومى وانسانى ولهذا أعتبره من أهم مؤرخى العصر الوسيط في مصر، كانت له طريقة في الخلط بين ما هو يومى وما هو سياسى.. كأنما تقرأ بن اياس أو المقريزى. نفس المنهج في تقديم صورة حية وطازجة للحظة التاريخية والاجتماعية والشخصية.. وقد فكرت في أن انسج من خلال هذه المنهجية التاريخية منهجية روائية جديدة ومغايرة.

في قراءاتك لبعض أعمالك القصصية في الخارج.. ما الذى كان يشد المستمع الأجنبى في قصصك؟

أستمع إلى تعليقات متباينة.. مثلا في ألمانيا قالوا لى أنه تشدهم السخرية ذات البعد الانسانى، السخرية التى تضفى جوا من التفاؤل.

ولكنه تفاؤل يشير إلى الحزن الكامن في هذا العمل والشخصيات التى تتحرك خلاله. وقيل لى أيضا أننى امتداد لمحفوظ بشكل من الأشكال..

أما النساء فانهن لهن معان أخرى يرون أنفسهن في أكثر عمل من أعمالى .. الطريف أننى كنت أول أديبة وكل العالم تقرأ بعض اعمالى في افتتاح بيت بريشت أو جسبورج وخرج مقال عنى بعنوان الكاتبة السوداء في البيت الأحمر!!

بيان الكتب الصفحة الأخيرة العدد 158 الاثنين 14 مايو 2001


جائزة الجامعة الأمريكية ألبست المثقفين العمة وجعلتهم ذيولا !

وحيد رأفت
نص البيان

( نبدى نحن الموقعين على هذا البيان رفضنا لاقامة مراسم الاحتفال السنوى بمنح جائزة الجامعة الامريكية بالقاهرة باسم نجيب محفوظ في مواجهة دماء شهداء الانتفاضة البطلة وغطرسة قوة النازيين الجدد في تل أبيب مدعومة بالتأييد المطلق والانحياز الأعمى من قبل الولايات المتحدة الامريكية هذا مع اقرارنا بالدور العلمى الذى يفترض أن تقوم به الجامعة الامريكية وتقديرنا للجنة تحكيم الجائزة واحترامنا لمن حصلوا عليها وقبل هذا وبعده- لاسم نجيب محفوظ أمير الرواية العربية ورائدها أننا نطالب من سيفوز بالجائزة أما بأن يرفضها أو يتسلمها ويتبرع بها للانتفاضة البطلة وفى ذلك ابلغ رد على غطرسة النازيين الجدد من الصهاينة ومن يدعمونهم من الاستعماريين الامريكان).

بسبب جائزة نجيب محفوظ التى حصلت عليها اللبنانية هدى بركات اشتعلت انار في الجامعة الأمريكية لماذا؟ اختلفت الرؤى والتأويلات وعلى حد تعبير سلوى بكر: تدنى الحوار الثقافى والسبب أن الأديبة سلوى بكر رأت مع الأدباء يوسف القعيد ومحمد جبريل وفتحى رزق ويوسف أبو راية وابراهيم اصلان وعبد العال الحمامصى وخيرى شلبى أن يصدروا بينا يعبرون فيه عن رفضهم للسياسة الأمريكية وأن يتخذوا من مناسبة توزيع جائزة نجيب محفوظ تكاه لاعلان رفضهم ليعلوا اعلاميا لكن أربعة هم خيرى شلبى والحمامصى وأبو راية وأصلان تراجعوا بعد أن وقعوا على البيان واشتعلت النار بين المثقفين بسبب جائزة الجامعة الأمريكية.

وخلال الأسابيع الماضية هاجم أغلب المثقفين البيان ورفضت سلوى بكر الرد على المهاجمين كتابة أو في حوار صحفى وبعد الحاح وافقت أن ترد في ( الميدان ) على كل من هاجم البيان.

هل كنت تتوقعين كل ردود الأفعال هذه على البيان؟

في البداية لا بد أن يعرف الجميع أن قصة البيان بدأت منذ حوالى شهرين حيث كانت هناك ندوة في المركز الثقافى الايطالى لكاتب ايطالى والكاتب المصرى صنع الله ابراهيم وحضرت هذه الندوة وبعد انتهاء المناظرة بين الكاتبين سالت الكاتب الايطالى عن أسباب الموقف المتخاذل لأدباء أوروبا تجاه الانتفاضة الفلسطسنية الذى يختلف عن موقفهم من مناصرة سلمان رشدى.. فكان رده أنه لم يصله أى بيانات من كتاب عرب لكى أوقع عليها فدفعنى هذا للتفكير في ابراز موقفنا من خلال مناسبة توزيع جائزة نجيب محفوظ كان هناك اجتماع للجنة القصة بالمجلس الأعلى للثقافة قبل اعلانها بحوالى خمسة أيام فاقترحت في هذا الاجتماع صياغة بيان لا يقترب من الجائزة لانها موضوع قائم بذاته ولكن يتم استغلال هذه المناسبة لنعلن موقفنا من الادارة الأمريكية.. حيث أن الجامعة الأمريكية .. وعندما نشر البيان فوجئت برد الفعل المتدنى الذى حول هذه المناسبة إلى مهاترات لا تستأهل الرد لأنها تبتذل الفكرة من أساسها.

قالوا لماذا ترفضين مقاطعة نشاطات الجامعة الأمريكية وتقاطعين جائزة نجيب محفوظ فقط؟

لم تكن المسألة تتعلق بالجامعة الأمريكية ولا بنشاطات الجامعة الأمريكية لأن القضية هى موقف من الادارة الأمريكية والسياسة الأمريكية وأطالب بمناقشة الموقف الثقافى من الثقافة الأمريكية ضمن المقاطعة لاسرائيل.

قيل لماذا لم تتحرك سلوى بكر الا هذا العام؟ ولماذا لم تتخذ هذا الموقف تجاه الجامعة الأمريكية رغم ما فعلته أمريكا بالعراق طوال هذه السنوات بل تساءلوا.. لماذا درست سلوى بكر في الجامعة الأمريكية العام الماضى وترجم لها عدد من الكتب عن طريق الجامعة؟

لا أقاطع الجامعة الأمريكية كمكان للعلم ولا يعنى التدريس في الجامعة الأمريكية تأييدى للسيسة الأمريكية ففى الجامعة الأمريكية من قام باحراق العلم الاسرائيلى وهذا موضوع آخر ولا أحب الخلط الصبيانى فالبيان الذى صدر لم يتعرض للجامعة الأمريكية من قريب أو من بعيد ولماذا اتخذ مناسبة تحدث فيها لاعلان موقف.

قيل أيضا أن جائزة الجامعة الأمريكية – قائمة منذ سنوات والسياسة الاسرائيلية تجاه الفلسطينيين لم تتغير فماذا استجد لاعلان البيان هذا العام فقط ولماذا لم يعلن في الأعوام السابقة؟

سأرد على سؤالك بسؤال آخر.. لماذا انتفض طلاب المدارس في هذا العام بالذات تجاه السياسةالاسرائيلية؟ ولماذا تجمع المثقفون والفنانون وتضامنوا مع الانتفاضة هذا العام بالذات ولماذا لم يفعلوا ذلك في الأعوام السابقة؟ الاجابة على سؤالك هى الاجابة على هذه الاسئلة فلأول مرة نشاهد تصفية جسدية لمستقبل شعب وتحويل الفلسطينيين إلى هنود حمر.

ماتعليقك على عدم اعتراض الشاعر مريد البرغوثى على ترجمة سيرته الذاتية( رايت رام الله) في الجامعة الأمريكية رغم أنه فلسطينى؟

هذه قضية تخصه ويمكنك أن تسأله في هذا لكنى أريد القول أن الأدب الفلسطينى حافل بالعديد من الأعمال الروائية المعبرة عن القضية الفلسطينية فلماذا لم تنتبه الجائزة إلى أعمال روائية أخرى على الأقل أتفق على كونها رواية فتعطى لجائزة لأحد هذه الأعمال ليترجم؟ وأتصور أن هذا تساؤل مشروع أيضا.

هل هذا يعنى أن الجائزة قد تعطى أحيانا لأسباب شخصية؟

لست معنية بفتح ملف الجائزة الآن لأن هناك من فتح ملف الجائزة والكواليس الثقافية تفتح هذا الملف باشكال عديدة.

الروائية الشابة ميرال الطحاوى ذكرت أن ترشيح هدى بركات للفوز بالجائزة جاء تضامنا مع لبنان وتحية لأهل الجنوب ما تعليقك؟ وهل الحسابات الشخصية تعتبر سببا للفوز؟

لا أعرف بواعث اعطاء هذى بركات الجائزة وعليك أن تسأل من أعطوا الجائزة لها يمكنك أن تسأل اللجنة التى أعطتها الجائزة.

لكنك قلت أن الحسابات الشخصية لعبت دورا فيمن لم يوقع على البيان لأن الجميع يرغب في ترجمة أعماله؟ مع العلم أن البعض قال أن الحسابت الشخصية لسلوى بكر لعبت دورا في اصدارها البيان هذا العام؟

هناك بيان " وتأويلاته عديدة وكل واحد ينسج على شاكلته وهناك بعد نفسى في الموضوع فكل شخص يوجه تأويله في اتجاه له بواعثه ولن أرد على كلام بهذا المعنى.. لأن التدنى المريع للوعى الثقافى والسياسى ظهر من خلال رد الفعل على البيان لأنه عندما يتقاعس المثقف ويتردد في التوقيع على بيان شديد الوضوح والحيادية فهذه مسألة بالغة الخطورة لأن الثوابت البديهية تجاه القضية الفلسطينية والموقف من اسرائيل أصبحت غائبة عن الكثيرين الآن.

قال يوسف القعيد: الموضوع تم طرحه في شكل بيان متشدد فقمت بصياغة بيان معتدل وكان من الطبيعىأن أوقع على البيان لأنى كتبت نصه-

السؤال هو: ماذا كان في البيان وحذفه يوسف القعيد؟

أفضل أن توجه السؤال ليوسف القعيد عن ماذا يقصد بالتشدد في البيان؟ لأن عبارته غامضة وعائمة واذا كان المقصود هو موقف واضح من الادارة الأمريكية والكيان الصهيونى وهذا هو التشدد فأنا أزعم أن بيانى كان شديد الوضوح في هذا الجانب.

وقع على البيان أربعة أدباء ثم تراجعوا وأعلن ابراهيم اصلان أن البيان ينال من اسم نجيب محفوظ ولا يليق بالنسبة لنجيب محفوظ فما تعليقك؟

البيان موجود ولا ينال من اسم نجيب محفوظ أو غيره ونصه صريح وواضح، انه رغم تقديره للجنة تحكيم الجائزة وللجامعة الأمريكية بالقاهرة والين حصلوا عليها وقبل هذا وبعده لاسم نجيب محفوظ أمير الرواية العربيةورائدها) وهذا النص الواضح والصريح يدل على عمق التقدير لاسم نجيب محفوظ.

محمود أمين العالم فسر وجهة نظر ابراهيم اصلان عندما قال العالم: الانتقاد يمس شخص نجيب وموقفه وليس الجامعة والوقوف ضد موقف نجيب محفوظ نقد لقدراته بشكل مباشر.. فما رأيك؟

لا أجد علاقة مسببة بين البيان وبين هذا الكلام.. وليتك تسأل الأستاذ محمود أمين العالم: هل قرأت البيان واطلعت عليه؟ لأنى واثقة أن محمود أمين العالم لم يكن ليقول هذا الكلام اذا كان قد قرأ البيان وهذه كارثة العلمنة في حياتنا الثقافية.. كنت أتمنى ألا يعلق أحد على البيان ويدلى بتصريحات للصحافة وهو لم يقرأ البيان.. الكارثة أن الأمور تسير بطريقة تفتقد لأبسط قواعد الموضوعية وأصبحنا في حالة من تردى الوعى السيسى والعام لدى المثقف والمبدع.

وما تعليقك على قول ابراهيم عبد المجيد: البيان ليس له معنى وأصحابه وضعوا أنفسهم موضع الشبهات؟

كل من أدلى بدلوه يتحمل النتائج وأراهن على ذكاء الناس وذكاء القراءوالناس تستطيع أن تميز بين الصالح والطالح والغث والسمين وأن الناس تفهم ما وراء السطور والحسابات.

أجرينا حوارا مع هدى بركات فقالت ارفض سياسات أمريكا لكنى لم أرفض الجائزة والبيان الذى أصدره المثقفون المصريون لا يخصنى.. ما تعليقك؟

لا أعلق على كلام هدى بركات فهذا رأيها ولكل منا طريقته في رؤية العالم والبيان لم يكن موضوعه الجائزة.

لكن البيان دعا الفائز بالجائزة للتبرع بها لأطفال الانتفاضة؟

كانت هذه محاولة وخصوصا أن قيمة الجائزة تافهة جدا ( ألف دولار ) لأن أى كاتب في الخارج يحص على أضعاف هذا المبلغ مقابل نشره قصة واحدة.

قيل كان يمكن أن يتخذ المثقفون الرافضون موقف هدى بركات لأن الجائزة تترجم الأدب العربى للخارج؟

هذه الحجة تشبه من يقف ضد مقاطعة البضائع الأمريكية بدعوى حماية أرزاق العاملين المصريين رغم أن هذه البضائع الأمريكية تغلق ملايين البيوت المصرية لانها تضر بالصناعة المصرية.. ونشر أدبنا العربى في الخارج يكون بطرائق عديدة أخرى.. وأنا شخصيا أعمالى مترجمة إلى ست لغات بدون تدخل الجامعة الأمريكية فترجمت أعمالى إلى الكورية والصربية والأسبانية والسويدية والايطالية بالاضافة إلى الانجليزية.

لماذا قلت الكارثة كبيرة لأن اللجنة مصرية والجائزة باسم نجيب محفوظ وهذا يعنى تلبيس العمة؟ وتلبيس العمة لمن؟

تلبيس العمة للأدباء والمثقفين والجمهور والقراء وفيه مثل مصرى يقول: ( من دقنه وافتله ) فماذا تدفع الجامعة الأمريكية من جيبها؟ فالمعروف ان الجائزة تعطى من ريع- فوائد- نجيب محفوظ ودعنى أذكر من نسى أنه كان مطروحا وقت الحرب الفيتنامية ( فتنمة الحرب )!

معنى هذا أنك مع راى محمد جبريل عندما قال اننا أولى بنجيب محفوظ من الأمريكان ويجب أن تصبح جائزة نجيب محفوظ مصرية تمنحها جامعة مصرية؟

أتمنى ذلك.

تساءل البعض: هل تقاطع جائزة تضم في لجنة تكيمها د. القط ود. تليمة هذا ما قاله ابراهيم فتحى .. فما رأيك لأنه قيل لماذا لم يتخذ القط وتليمة نفس موقف سلوى بكر؟

لست مسئولة عن كلام ابراهيم فتحى أو عن مواقف القط وتليمة وعلينا أن نضع أمامنا بيانا بمواقف كثير من مثقفينا واسمائنا اللامعة على مائدة البحث ونرى هذه المواقف إلى أين ستصل اذا مددت الخطوط على استقامتها.. ودعنى أتساءل بدورى هل هناك موقف واضح من أى قضية عامة أو انسانية أو حزبية لأى أحد؟ الحقيقة أن التردى السياسى العام المريع حول المثقفين والمبدعين إلى ذيول بعد أن كانوا روادا وطلائع. الجميع الآن ذيول والمؤسف أن بعضهم وكان له تاريخ نضالى طويل أصبح الآن يقدم تنازلات مثيرة للضحك ورحم الله لشاعر أحمد عبيده ورأيه في بعض هؤلاء الذين كانوا ذات يوم مناضلين وأصحاب مبادئ لا نعرف أين ذهبت الآن.

البعض أطلق نكتة غربية على لبيان قالوا: وقع على البيان ثمانية.. اربعة منهم تراجعوا وأربعة بقوا.. النتيجة تساوى صفر .. فما رأيك؟

النتيجة تساوى صفر أو خمسة أو ثلاثة فنحن لسنا في ملعب كرة والبيان لم يصدره أدباء ضد أدباء آخرين والاحترام موجود للجميع ولمواقفهم فتحول الأمر إلى مهاترات ومزايدات وتأويلات تتدنى إلى المستوى الشخصى.

لاحظ عبد الرحمن أبو عوف أن جائزة نجيب محفوظ التى تمنحها الجامعة الأمريكية تمنح لأشخاص لهم مواقف يسارية فهل الجامعة الأمريكية تحاول من خلال الجائزة تحسين صورة الأدارة الأمريكية في المنطقة؟

هذا السؤال يأتى ضمن فتح ملفات الجائزة وعلينا أن نتساءل عن موضوعيتها وأهدافها الواضحة ومعايير منحها.. لكن الواضح أنه منذ تاريخ انشاء الجائزة أنه لا توجد معايير واضحة ولا سياسة واضحة لهذه الجائزة ولا أهداف معلنة أما الكلام حول تنشيط الأدب العربى وترجمته يجعلنى أتساءل: هل دار النشرالتابعة للجامعة الأمريكية موجودة في السوق التجارية في العالم.

عذرا فقد قال البعض أنهم لو منحوا سلوىبكر جائزة نجيب محفوظ هذا العام لسكتت.. ودعينى أسأل: لو منحوك الجائزة العام القادم هل ترفضينها أم تقبلينها؟

بلا شك لقد فكرت مرارا ومنذ انشاء هذه الجائزة مثل كل الأدباء وتساءلت ماذا أنا فاعلة لو منحت هذه الجائزة؟ ففكرت في الأعوام الماضية أن أمنح قيمة الجائزة لأطفال العراق وهذا حقيقى.. أو أصدر بيانا يتواكب مع هذا المنح اذا تم برفض السياسات الأمريكية في المنطقة.. فلو منحت الجائزة سوف أربط الفوز بالجائزة بموقفى العام دوما مما يحدث في العالم العربى والدور الأمريكى في المنطقة.

هل ما زلت محبطة من ردود الأفعال بشأن البيان؟

اطلاقا لأننى كنت متوقعة رد فعل ايجابيا تجاه البيان بدليل أننا نتحاور في هذا الأمر وهذا ايجابى وقد تلقيت مكالمة تليفونية من مجموعة من المثقفين العرب في باريس يقدمون الشكر لموقفى لأن البيان نشر بالكامل في جريدة القدس وسوف يصدرون بيانا آخر يؤكدون فيه بيان القاهرة واقترحت أن يصل إلى ( الميدان ) وأخبار الأدب والأسبوع والعربى الناصرى.

ما رأيك في الرواية الفائزة ( حادث المياه ) لهدى بركات؟

للأسف لم أقرأ هذه الرواية حتى الآن لكن أعرب عن تقديرى للأديبة هدى بركات لأننى أتصور أنها واحدة من ألأديبات العربيات المجيدات فعلا وتستحق أعمالها التقدير والاحترام.

سلوى بكر في حوارها مع ( الميدان ) أشعلت النار في الجامعة الأمريكية

الثقافة في العالم العربى عمياء جرداء تسير على قدم واحدة

القاهرة : حسين بهجت :

سلوى بكر روائية مصرية متمكنة من لغتها.. تستطيع السباحة داخل نسيج المجتمع فتعبر عن شخوصه وتعرفنا بعواصفه. تعكس حالة الواقع الاجتماعى وتمرده في كل أعمالها وترحل عبر التاريخ لترصد تجلياته وتطور شخصياته وحدود تغيراته المأساوية .. لها أربع مجموعات قصصية وخمس روايات ومسرحية واحدة تاريخية وترجمت أعمالها لأكثر من سبع لغات.

في بداية حديثى معها سالتها عن أسباب دخولها في ثلاثة أنواع من الكتابات الأدبية هى القصة والرواية والمسرحية.. فأكدت أنها عندما تشرع في الكتابة لا يمكن أن تقرر ماذا ستكتب لأن الكتابة لا يمكن أن تكون بقرار فهى حالة تظل تلح على حتى أظهرها على الورق دون قرارمسبق فمثلا عندما بدأت في المسرحية كنت أنوى في البداية أن أكتب قصة قصيرة ولكن عندما بدأت كتبت مسرحية.

ولكن ما الذى دفعك لكتابة الرواية التاريخية؟

ليس لشئ الا أننى مصابة بولع قراءة التاريخ وتحديدا تاريخ العصر الوسيط وكتب مؤرخى هذه العصور وذلك لأننى أقرأ بنفس الاعتزاز الذى أقرأ به الأدب. أما ما دفعنى لكتابة رواية البشمورى وهى تدور أحداثها داخل الأجواء لتاريخية قراءتى لكتاب ساويرس بن المقفع تاريخ الآباء البطاركة فهذا الكتاب قادنى سواء على المستوى المنهجى لكتابة التاريخ.. وهى المنهجية التى تحتفى باليومى والمعاش ووجهات نظر الناس العاديين وتصوراتهم عن الدين والفلسفة والموت والحياة وكذلك فتنت باللغة التى كتبت بها هذه الرواية التاريخية عن حقبة من حياة المصريين. فهى لغة حية وقريبة إلى حد كبير من لغة كلام الناس المستخدمة الآن وهذا ماجعلنى أكتب عملا عن قراءتى لكتاب ساويرس بن المقع وتلك الفترة من تاريخنا الغامض والمهمش.

وما الحكمة من كتابة رواية عن جزء من تاريخ مهمش وغامض.. أو بمعنى آخر ما فلسفة كتابة هذه الرواية؟

أولا كتاب ساويرس بن المقفع أذهلنى في حقيقة التداخلات الحضارية والثقافية المسكوت عنها تاريخيا.. وعندما أقول المسكوت عنها فأنا أقصد أن النظر إلى تاريخنا القومى انما هو يتم وفق محددات غير نهائية ولا يتم التساؤل عنها.. وتاريخ بن المقفع يفتح الباب لتساؤلات كثيرة حول هذه الثوابت والمحددات وربما كانت البشمورى واحدة من الأسئلة المتعلقة بذلك.

الرواية ترصد عددا من التغيرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في المجتمع المصرى ألم تقصدى أى اسقاط معاصر في هذه الرواية؟

طبعا يمكن لأى انسان أن يقرأ الرواية بما يرغب.. ولكننى عندما قمت بكتابة هذه الواية لم أكن أرغب في أى اشقاطات تاريخية، ولكنى كنت أجيب على الذين يتساءلون عن الهوية وربما تكون الرواية بما أفصحت عنه بتداخلات ثقافية وحضارية تقدم جانبا من الاجابة عن هذا السؤال، فملامح هويتنا شديد التداخل وهو تداخل يغنيها ويفقدها الكثير اذا استبعدنا أى عنصر من عناصر هذه الهوية، فالشخصية المصرية متعددة المنابر الحضارية وتجاهل أى منبر في هذه الهوية يفقدها الكثير ويغيب الحقيقة ويقع تحت طائلة الضلال الأيديولوجى.

الاسلام دين.. أما المسلمون فهم أناس يعتنقون هذا الدين ويطبقون شرائعه وأحكامه وقد يصيب بعضهم في هذا وقد يخطئ البعض الآخر، والتاريخ الاسلامى شهد حكاما ظالمين وشهد أولى الأمر من المستبدين وكان يتم انتقادهم دوما، وكان يوجد دوما من يشق عليهم عصا الطاعة، فليس من الغريب ولا من المخيف أن أنتقد بعض الحكام المسلمين وان كان هذا الانتقاد قد جاء متأخرا اذ أننى أعيش على بعد قرون عدة منهم، وانتقادهم كحكام لا يمس الاسلام ولا يقلل من شأنه أو قيمته.

اذا تركنا البشمورى واتجهنا نحو أعمالك القصصية.. فمن الملاحظ أنك تقومين بحالة من الرصد الاجتماعى في جميع أعمالك القصصية للمهمشين في المجتمع وأتذكر منها مجموعة ايقاعات متعاكسة؟

أنا في الحقيقة معنية دائما بمن أسميهم المعشوقين وليس المهمشين أى النماذج البشرية التى لا تمتلك معلومات أو خبرات ولم تحصل على تعليم يؤهلها لاتخاذ القرار المتعلق بحياتها أو المساهمة في القرار الاجتماعى، هذه النماذج رغم أنها القاسم المشترك الأدنى في كل أعمالى بما في ذلك رواية البشمورى، فأنا أزعم أن هذه النماذج تمثل الكتلة البشرية الاعظم في كل المجتمعات العربية بسبب القهر السياسى وانتشار الجهل وتدنى التعليم وطبيعة السلطات الحاكمة وتلخيص دور الدولة في دور وزارة الداخلية.

فحتى الآن ليس لدينا فقط حزان من المدن العشوئية يحيط بالمدن الكبرى في العالم العربى ولكن لدينا وهو الأخطر كم هائل من البشر الذين يعيشون في هذه المدن ويكتفون بفكرة العشوائية في شخوصهم.. وأنا لا أحتفى بهذه الشخصيات في ايقاعات متعاكسة فقط وانما في كل أعمالى أحتفى بهؤلاء البشر الباحثين عن دور وأمل لأنهم لا يمتلكون أى مؤهلات للعب أى دور أو أى سبل لبروز أى شعاع أمل لديهم.

وماذا تمثل المرأة في أعمالك؟

كثيرا من أعمالى تحتفى بهموم المرأة واشكاليات وجودها الاجتماعى والثقافى وكل ما يتعلق بها ويبرز هذا في رواية " العربة الذهبية لا تصعد إلى السماء " و" البلبل " والعديد من القصص القصيرة.

وكيف ترين الواقع الثقافى والأدبى في مصر والعالم العربى؟

الثقافة في العالم العربى هى ثقافة عمياء جرداء تسير على قدم واحدة والثقافة هى عملية انتاج.. والمستهلك ان جاز التعبيرهو غائب أو مغيب بسبب انتشار الأمية ورداءة التعليم كما وكيفا وهذا التعليم لا يستطيع خلق مواطن له علاقة بالثقافة وهذه هى الاشكالية الأساسية والتى قامت بفعل فاعل.

والثقافة الآن يجرى تمييعها وخلط الحابل بالنابل في مفهومها وتعريفها، ولدينا دوريات ثقافية تصدر عن وزارة الثقافة ولكنها تضع أخبار راقصين وراقصات مع أخبار الكتب.

والسياحة أيضا تلعب دورا كبيا في تمييع دور الثقافة فقد أدت إلى أن تكون الثقافة خادمة لها وليس غريبا أن تكون المؤتمرات الأدبية والمهرجانات هى الفعل الثقافى الأول في العالم العربى.

وهل غاب دور النقد الأدبى؟

النقد غائب بشكل مريع وفاسد ومغير في اتجاه المصالح الشخصية ومصالح السلطات والجماعات السياسية وقد فشل في أن يكون مرشدا للقارئ وعينا واعية لقراءة النص الابداعى وأصبح مافيا ثقافية تلعب دورها من خلف الكواليس وهو خاضع لشهوات النخبة الاعلامية المهيمنة على الحياة الثقافية في العالم العربى.

أتقصدين أن الاعلام الثقافى لا يؤدى دوره؟

الاعلام وظيفته متراجعة ولا تؤدى دورها على نحو ايجابى.

وهل لهذا السبب ابتعد القارئ عن القراءة الأدبية؟

القارئ ابتعد عن الكتاب لأسباب ثقافية في المقام الأول وأصبح الكتاب لا يشكل ضرورة مثلما كان والتعليم أدى إلى ذلك بالاضافة إلى أن الكتب ابتعدت عما يهم الناس.

ولكن هناك اتهام أن الكتاب والمثقفين تخلوا عن التعبير عن مصالح الناس لنيل مكاسب شخصية؟

هذا حدث لبعض المثقفين وليس الجميع، فالبعض آثر الانسحاب والصمت والبعض اجتذبته المصالح الضخصية والمنافع فتحول إلى الحصول على نصيبه من الكعكة الثقافية هذا بالاضافة إلى التباس الخريطة وغياب العمل السياسى وهذا أدى إلى التباس موقف المثقف وهناك قطاع ثالث من المثقفين علاقته بالسلطة علاقة مد وجذر واقدام واجبار اذ أن المثقف لا يمكن النظر اليه الا بعين ذات طابع حرفى ولا يمكن تسكينه أو تصنيفه في خانة واحدة.

ظاهرة كثرة الكتاب والأدباء في رايك ظاهرة صحية أم أنها مضرة بسمعة الأدب؟

على المستوى الكمى هى ظاهرة طبيعية في بلد كمصر تعداد سكانه يتجاوز ال 70 مليون نسمة. فاذا كان لدينا 1000 يتعاملون مع كتابة الأدب فهى ظاهرة طبيعية. ولكن الاشكالية في تكريس الظاهرة واعتبارها ظاهرة صحية دون تحفظات لأن المؤشر الكمى ليس بالضرورة مؤشرا صحيا والكيفى مفتقد المعيار لأن التقييم ودور النقد غائب وغير نزيه ومغير لأغراض متباينة وربما يجيب لزمن هذا السؤال بنحو أفضل ونرى ماذا تبقى من الكم وسوف يبرز الكيف

هل كانت كتابة المسرحية خصوصا أنها تاريخية بها صعوبة عن القصة والرواية؟

المشكلة ليست صعوبة أو سهولة ولكن المسرح لغة مختلفة لأنه يعتمد على الحركة وشخصياته يجب أن تكون متعددة الابعاد لأنها سوف تظهر من خلال وسيط وهو الممثل وكل كتابة لها تعقيداتها الخاصة.

لكل مثقف وكاتب أو أديب مشروعه الثقافى الخاص فما هو مشروعك؟

ربما كان مشروعى من خلال كتاباتى هو محاولتى أن أكون شاهدة على هذا العصر وما يحدث للناس المعشوقين فيه وأحاول أن أستقدمهم إلى بؤرة الصوء وألفت النظر اليهم والتساؤل أيضا حول المفاهيم والقيم التى تحكم حياتهم والتساؤل حول الاجابات القديمة لأسئلة لم ينته مفعولها بعد وان كانت قديمة جدا.

الشرق 22 أكتوبر 2002 العدد 5242


امرأة تكتب عن نساء من نوع آخر

عندما صدرت روايتها (العربة الذهبية لا تصعد إلى السماء) أحدثت في النفوس هزة.. وفتحت العيون بدهشة على هـــذا الابداع النسائى الذى يتميز بمذاق خاص.. وطعم حريف.. وروح قلقة متوثبة.. وعالم تقدمه صاحبته بدون كذب أو تجميل..

انها الأديبة المصرية سلوى بكر التى قال عنها أحد النقاد انها امرأة لم تصنعها أجهزة الاعلام ولم تصعد على مائدة الأضواء ولكنها في النهاية أبرز امرأة تكتب أدبا اليوم..

تقول أنها تكتب أدبا عن قهر الانسان ليس قهر المرأة وحدها ولكن ما يلفت الانتباه أنها تكتب عن نساء يواجهن الحياة بصورة منفردة. وحيدة، ولا تشغلها النسائى اللائى يحملن صفات: التفاحة والوردة والأرض الخصبة.. فتلك أوصاف لنساء يجدن من يكتب عنهن.. أما هى فتكتب عن أولئك اللائى لا يلفتن انتباه الرجال..

في روايتها الفذة (العربة الذهبية لا تصعد إلى السماء) نجد نماذج من نساء يأملن بتجاوز الواقع والصعود إلى الحلم ولكن يبدو أن رحلتهن لا تتم ولن تتم أبدا فخيوط الواقع الدامية لا تتركهن.. وهذا ما دفع البعض للتساؤل.. أليست تلك نظرة أحادية أن ترى هذه الأديبة عالما مقهورا من النساء فقط؟

تقول سلوى بكر صاحبة ( عجين الفلاحة ) أحدث مجموعة قصصية صدرت هذا العام:

أظن أن هذا السؤال غير صحيح، عند تطبيقه على أعمالى، فرغم أن معظم نماذجى وشخصياتى القصصية والروائية، هى شخصيات نسائية، فان ملامح قهرها تنسحب عن الرجال أيضا في مجتمعاتنا العربية.. وقد فسر النقاد الذين قرأوا أعمالى بأنها في هذا الاطار، اذ أشار د. على الراعى خلال تعامله النقدى لرواية (العربة الذهبية لا تصعد إلى السماء).. إلى هذه المسألة، وقال انها تبدو للوهلة الأولى رواية ضد الرجال، ولكنها، في الحقيقة، رواية في حب الرجال، فالشخصية الرئيسية عزيزة تقتل الرجل الذى أحبته وعشقته رغم حربه في هذا العشق، وعندما تقتله تعتقد أنها تنقذه من شرور نفسه..

بوجه عام، وعلى امتداد كتاباتى، لا توجد اشارة واحدة تدين الرجال، ولكن الاشارة دائما تتوجه بالادانة إلى القيم والمفاهيم والموضوعات الاجتماعية المتخلفة التى تحكم حياتنا برمتها،والعلاقة بين الرجل والمرأة على وجه الخصوص..

هذا لا يمنع أن قدر اهتمامك بالمرأة أكبر منه نحو الرجل بحكم تكوينك.. أليس كذلك وهكذا ينعكس بالقطع على ابداعك القصصى أو الروائى ؟

لا أستهدف الكتابة عن النساء دون الرجال، ولكنى، أزعم، أننى أعرف عالم النساء أكثر مما أعرف عالم الرجال، وهكذا، تأتى شخصياتى في اطار العالم الذى أعرفه على نحو أعمق وأستطيع التعبير عنه. ولكن هناك مسألة أخرى، وهى أن معظم نماذجى النسائية هى غالبا ما جرى استبعادها من خريطة الأدب الذكورى..

الأدب الذكورى يستدعى دائما نماذج نسائية، فالمرأة هى العشيقة والمحبوبة والزوجة الوفية وأم العيال والأم.. وهكذا، أما المرأة التى تخرج عن هذا الاطار، لكونها لا تنتمى إلى مؤسسة الزواج، ولا تدخل في علاقة ذات طابع خاص مع الرجال.. هذه المرأة عادة تستبعد من الكتابات الابداعية، شخصياتى النسائية شخصيات تواجه الحياة منفردة وحيدة، نساء ليست لهن صفات التفاحة أو الوردة أو الأرض الخصبة، ولكنهن حيوات معذبة مهمشة اجتماعيا في الغالب..

ولماذا لا نجد نماذج الرجال المهمشين والمعذبين.. أيضا، فأنت لا تنتمين لمجتمع النساء فقط، وانما للمجتمع بوجه عام؟

أظن أن الاجابة هنا قد جاء جزء منها في اجاباتى السابقة، ولكن توجد ملامح لشخصيات غير نسائية في أعمالى فقط، والمسألة هى : لماذا لا نكتب عن هذا ولا نكتب عن ذاك؟ المسألة، الكتابة هل هى قادرة على تصوير وتقديم عالم له منطقه الدرامى المتماسك الذى يمكن سحبه على الواقع أم لا؟

الهموم الاجتماعية بين جيلك وجيل د. لطيفة الزيات على المستوى العام والابداعى.. هل يوجد تقدم أم لا؟

أظن أن همومنا باتت أكثر تعقيدا، ففى غضون السنوات الماضية حدثت تغييرات اجتماعية هائلة.. وحدثت انقلابات خرجت كثيرا عن مسار آمال وأحلام جيلى، وهو الجيل الذى تفتح على الناصرية،وعاش لحظات صعود وطنة رائعة، كطرد الانجليز وتأميم القناة.. ألخ.. وكذلك لحظات نهوض اجتماعى واقتصادى وكان حجم الاحباط كبيرا بعد هزيمة 67، وتوالت الأحداث التى أعقبتها فترة ذهاب السادات إلى اسرائيل والاعتراف بها والدخول في نطاق الاقتصاد الغربى..

كل ذلك انعكس في تعقيدات اجتماعية، خاصة وجديدة في المجتمع المصرى تجعل مهمة المبدع أكثر تعيقدا أيضا في التعبير عن هذه المتغيرات التى تمت في مرحلة ينتشر فيها التشابك بين الحلال والحرام فليس الحلال بينا وليس الحرام بينا؟ هناك مستويات عدة للرماديات ليست المسألة أسود أو أبيض، وعلى المبدع أن يستثنى ذلك ويكتشف مناطق من الحياة يصعب رؤيتها بالعين المجردة..

وبالتأكيد، هناك تقدم على مستوى اشكالية الكتابة الروائية أصبحت هناك اتجاهات، هناك أساليب جديدة في التضحيات، السرد.. لم يعد من المقبول لكتابة على غرار الكتابات الواقعية النقدية الأولى، لم يعد ممكنا الاستمرار في منهاج يوسف ادريس الروائى، وهذه حتمية طبيعية، فالجديد، لا يأتى من فراغ ولكنه يستفيد من القديم، والسعى لاحداث تراكم ابداعى على ضوء الموروث الذى سبق..

امرأة في جنازة ناصر

وتستطرد سلوى بكر: أزعم أن لى شرف المحاولة في هذا المجال فعلى سبيل المثال حاولت استدعاء نماذج عاشت أحداثا وهموما سياسية واجتماعية كبرى إلى خريطة الأدب، مثلا، أم شحته: المرأة التى شاركت في ثورة الجوع عام 1977، أيضا: زينات التى شاركت في جنازة الرئيس عبد الناصر وهى تمثل ملايين النساء اللواتى خرجن على امتداد الخريطة المصرية للمشاركة في هذا الحدث المفاجئ والصادم.. هناك لوكيميا: فتاة المظاهرات التى تشترك في ثورة الطلبة عام 1972.. الجديد هنا، أن هذه النماذج ليست نماذج لنساء مثقفات ولكنهن نساء عاديات دفعن للكتابة عنهن سؤالا طالما ألح على وهو، ما المقصود بالجماهير، وما هى آليات دفعها للمشاركة في العمل العادى؟ وكيف تظهر وتختفى ككتلة بشرية مؤثرة في الأحداث التاريخية؟ أظن أن هذه المحاولة جديدة على صعيد الهم الاجتماعى، أما على صعيد الهم التقنى، فأزعم أن لى محاولات للتعامل مع اللغة بشكل جديد خادم للنص والسياق الأدبى، فأنا أسعى لتخليق لغة تناسب كل شخصية، وتعبر عن عالمها وتساهم في رسمها.. هذه اللغة لا تتعامل مع العامية بشكلها وقالبها المتداولين في الحياة اليومية ولا تتعالى على الشخصيات فتقحم عليها الفصحى وتحدث خللا في رسم الشخصية.. ولكنى أبحث عما يسمى بفصيح العامية.. أى اللغة المتداولة والتى تأتى من أرومة الفصحى..

معلهش يوسف ادريس

وتواصل سلوى بكر شرح معالم تجربتها قائلة: على سبيل المثال كان يوسف ادريس يستخدم ( معلهش )، أنا لا أستخدم مثل هذا التعبير أبدا، ولكن أستخدم ( ما على )، وقد قام أحد النقاد ( ابراهيم فتحى ) بالبحث قاموسيا عن كلمة في قصة من قصصى حتى تأكد من أن جميع الكلمات والتعبيرات المستخدمة تبدو على لسان الشخصيات، وكأنها عامية تماما ولكنها، في الحقيقة، فصيحة جدا..

اذن أن هذا موضوع كبير والابداع الأدبى الآن مهموم بالبحث في التقنيات وأشكال غنائية أسلوبية جديدة، وهناك بعض الانجازات تحققت بالفعل على يد الجيل الجديد من الكتاب..

نكوص المرأة العربية: مسئولية المجتمع أم مسئولية المرأة؟

لا أفصل بين المرأة والمجتمع فالمرأة، تشكل جزءا كبيرا من المجتمع والرجل أيضا جزء منها.. ولن تتقدم المرأة بدون الرجل، وبالعكس، ولهذا أرفض كل الحركات النسوية الموجهة ضد الرجل.. وهى تسير في طريق مسدود.. وأى معركة مع الرجل هى معركة وهمية، تقوم بها هاويات قتل أوقات الفراغ، فالمجتمع لن ينهض الا بحل مشاكل المرأة في اطار مشاكل المجتمع ككل ولذلك، أعتقد أن أى كلام عن تحرر المرأة أو تقدمها يجب أن يساهم فيه الرجل بشكل جذرى.. وأظن أن المعركة الحقيقية لأجل النهوض ضد القيم والمفاهيم التى يجب اعادة النظر فيها واخضاعها لمنطق العقل توجب الوقوف ضد المسلمات واعادة النظر في البوهيميات الأولى.. والبحث عن مسميات وتعريفات جديدة لقيمنا ومفاهيمنا..

هذا يعنى، كما أفهم، نفى مسئولية المرأة في مجتمع يتراجع بها وبالرجل.. هل هذا صحيح؟

اطلاقا، المرأة مسئولة بالكامل عن تردى وضعها فالمشكلة أن النساء يردن الحصول على أرباح ومكاسب دون أن يدفعن الضريبة، ولا مكسب بدون خسارة.. ولكن أقصد أنه حتى لو أرادت النساء، أن يقمن بدور ايجابى في اتجاه مصالحهن فان نجاح هذا الدور مرهون بشكل أساسى بمدى مساهمة الرجل فيه..

هناك شعور بأن المرأة العربية تعيش حالة ترد وتراجع عام.. هل هذا صحيح؟

التردى هو ترد عام، على مستوى العالم العربى كله، وعندما يكون هناك ترد فان تجلياته تظهر في أضعف الحلقات الاجتماعية والحلقة هنا هن النساء..

فكل أسباب الهزيمة والتخلف تتحول.. بصورة تدعو للعجب إلى سلبيات سببها النساء، ويجب تحميل النساء أعباء هذا التخلف، واذا كان هناك انحلال أسرى، مشكلة مخدرات، فيكون سببها عدم قدرة الأم على تربية أبنائها التربية الصحيحة.. اذا كان هناك انحلال خلقى وفساد فيجب أن تتحجب المرأة ولا تخرج سافرة.. إلى آخر هذه الأشياء التى تعايشها يوميا.. لكنى أقول، ان السنوات المقبلة سوف تشهد تحولا جذريا في وضع النساء العربيات، فبقدر ما يكون عمق وشدة الاضطهاد يكون عمق الانفجار.. خذ مثلا، رغم كل دعاوى عودة المرأة إلى البيت فان عدد النساء الخارجات إلى سوق العمل يزداد يوما بعد آخر بسبب تردى الأوضاع الاقتصادية وكذلك اسهام المرأة في العمل الاقتصادى غير المنظور الذى لا يدخل في خريطة الدخل القومى يزداد يوما بعد آخر.. وعموما، فاننى أرى أن ابداع النساء العربيات في جميع البلدان العربية يعبر عن رفض عميق للتردى السائد بالنسبة لأوضاع المرأة العربية..

هل هذا تمن أم تفاؤل؟

أظن أن ذلك نوع من الاستنباط أو الاستقراء المتفاءل للوضع العربى الآن..

زهرة الخليج العدد 699 السنة 14 - 15/ 8 /1992


تدعوكم إلى عربتها الذهبية

محمود الكردوسى

أصدرت سلوى بكر مجموعتها القصصية الأولى "زينات في جنازة الرئيس" عام 86 . فكانت مفاجأة لكل من في الوسط الأدبى خاصة أولئك الذين كانوا قد اعتقدوا- ولهم بعض العذر- أن أدب المرأة في مصر قد بلغ آخر الشوط. ثم أكدت سلوى بكر المفاجأة بصدور مجموعتيها الثانية والثالثة "مقام عطية" 87. و (عن الروح التى سرقت تدريجيا) 89. وبدا واضحا تماما أن القصة المصرية قد كسبت - خلال ثلاثة أعوام فقط- صوتا مغايرا- ولم يكن الوسط الأدبى قد أفاق من دهشته بعد حين صدرت لسلوى بكر روايتها الأولى (العربة الذهبية لا تصعد إلى السماء)

قرأت مجموعتها الثلاث أولا بأول، وقرأت الرواية حال صدورها(منذ نحو ثمانية أشهر). وأيقنت قبل كل شئ. إلى أى مدى تخلف النقد في مصر عن أداء مهمته. وكيف أصبح من حق القارئ العادى، المهموم أصلا بما هو أهم من القراءة.

ان يسأل من هى سلوى بكر؟!

سلوى بكر - انصافا لموهبتها- مجرد كاتبة "مسكينة" لا يشغلها عن الكتابة الا الكتابة، ولا سلطان لها على أى من أصحـاب "الابعاديات" الثقافية في صحف ومجلات الحكومة والمعارضة وال "نص . نص" وبقدر ما هى موهوبة في الكتابة، بقدر ما يشعر قراءها بأنها "فاشلة" في مسائل التربيط والتطيط والتزييط لأعمالها القصصية ومع ذلك.. لم يكن هذا سببا كافيا أو مقنعا لمحاورتها، والذهاب اليها في منفاها الاختيارى الجميل على أطراف مدينة نصر، حيث تسكن وتكتب وتعيش في صمت، هى وزوجها الفنان منير الشعرانى الشهير بعماد حليم، وابنتها الوحيدة، الأروبة "ريم" بعيدا تماما عن ضجيج العاصمة وبريقها الخادع.



عندما صدرت مجموعتها الثالثة (عن الروح التى سرقت تدريجيا).. اتفقنا على "لقاء تعارف" لم يتم، ثم صدرت الرواية وتجدد الاتفاق على أن نلتقى فور انتهائى من قراءتها وقد حدث.

نحن أمام أكثر من عشرين امرأة تعسة حشرتهن سلوى بكر في "عربتها الذهبية"

أكثر من عشرين امرأة يحلمن بالصعود، وقد أشبعتهن الحياة هبوطا وتدنيا لكن.. لا عربتهن الذهبية صعدت إلى السماء كما كن يحلمن، ولا نحن الذين قرأنا الرواية تخلينا عن الأحلام كمبدأ.

لقد وضعتنا سلوى بكر في سجن جميل ومرعب.

وقالت لى : أنا مثلك أشعر بالكآبة، فالسجن عالم مميت.

قلت لها: ضعينى في العربة.. وضعى العربة أمام الحصان.. وتعالى " نلخبط " التفاصيل ونرتبها ونفهم الدنيا من جديد.

قالت سلوى : كلنا نحلم بالعربة الذهبية، ولكل منا عربته التى ترتبط بهمومه واحباطاته ونزوعه إلى الخلاص.

قلت: هذه عربتى.. فأين الحصان يا سلوى؟

قالت سلوى : لا عربة ولا حصان ولا صعود إلى السماء. كل هذا خيال في خيال. وفكرة الرواية كلها تدور في خيال بطلتها عزيزة الاسكندرانية. والتناقض في الرواية.. ليس تناقضا بين العنوان- حيث لا صعود "حقيقى" . وبين النهاية، حيث ترفع الخيل قوائمها وتستعد للصعود.. انما التناقض: بين ما تحلم به عزيزة - أى الصعود إلى السماء، وبين واقعها، حيث تموت في النهاية وتنتفى بموتها فكرة الصعود.. انه نوع من الأحلام التى لا يعطلها سوى الموت. أو قل: لا يحققها سوى الموت.

قلت متحديا: لا افهم..!!

قالت سلوى : عن الأرابيسك.. هذا العالم المترابط في كل جزء من الرواية، توجد شخصيتان ترتبط كل منهما بالأخرى. ففى السجن "زواج" لا بالمعنى المتعارف عليه اجتماعيا، ولكن بمعنى أن يكون هناك شخصان كل منهما يمثل البديل الأسرى للآخر. في الوقت نفسه.. فان فكرة الخلاص مستوحاة بدرجة أو أخرى من فكرة، الخلاص النوحى"أى: (من كل زوجين.. اثنين). وهناك مسالة أخرى أعطت انطباعا بأن الرواية مجموعة من القصص أو الشخصيات وهى أن الحدث ليس "خيطيا" أو راسيا، انما هو دائرى، بل هو أيضا ليس بدائرى، ولكنه مترابط في نسيج يشبه "الأرابيسك" لا تستطيع أن تكتشف مبتداه من منتهاه. هناك تنويع على لحن واحد، وقد كنت حريصة على تكريس ذلك لدى القارئ. قبل كل ذلك.. اسألنى كيف كتب الرواية؟ الحقيقة أننى فكرت بعد خروجى من السجن أن أكتب"شيئا ما" عن هذه التجربة. شئ اشبه بالمذكرات، بالانطباعات.. المهم تفريغ التجربة أدبيا، وهو ما استغرق منى وقتا طويلا. اكتشفت - أولا - أن السجين السياسى في عالم السجن استثناء وليس قاعدة. وسألت نفسى: هل يمكن أن يكون السجين السياسى مادة صالحة أو كافية للتعبير عن عالم السجن؟ بالقطع لا يمكن.. اذ قلما توجد في مجتماعتنا تلك المرأة التى تدخل السجن بسبب أفكارها. أو بسبب قضية حاصة بها. والتجربة تقول أن المرأة عندنا تدخل السجن لارتباطها بعالم الرجل.. سواء كأم أو زوجة أو أخت أو حبيبة .. لذا قررت أن أكتب عن عالم السجن العادى.

طبعا.. الكتابة كلها كانت محض خيال. مفيش ولا قصة واقعية ولا شخصية حقيقية ولا حاجة حصلت من ده كله. لكن هناك شخصيات في الرواية مستوحاه من نماذج حقيقية. والرواية لم تستغرق وقتا في كتابتها(حوالى شهر ونصف الشهر) لكن التفكير فيها استغرق سنة ونصف السنة. وطوال هذه المدة كنت مشغولة بفكرة: قد ايه العالم ممكن يبقى مترابط.. انت واخد بالك!! والرواية- لهذا السبب- مليئة بالتفاصيل. لدرجة أنك تشعر أحيانا أن الشخصيات ما هى الا دوافع للكلام. والخلاصة أنه لا يوجد حدث .. مترتب على حدث. بل لا أخفيك أننى كتبت الرواية بدون ترتيب. ثم رتبتها بعد ذلك. لكنك لا تستطيع أن تفصل شخصية عن الأخرى. أو فصل عن الآخر.

عن القطة " مشمشة "

أنا مش عاوزة أعمل "تطهير ارسطى" للقارئ. وأن هو في النهاية يقول: يا!!ه.. الحمد لله انى مش مجرم. لم يكن هذا هدفى على الاطلاق، وليست القضية أن هؤلاء السيدات مجرمات، لأن الادانة بحد ذاتها أيضا ليست هدفى. فالسؤال: لماذا هى سيئة.. حياة هؤلاء البشر؟ أريد - من خلال الرواية - أن نطرح على أنفسنا سؤال: لماذا آلت مصائرهم إلى هذا الحد؟ اما أن تتعاطف أو لا تتعاطف معهم.. فهذا لا يهم. الأهم من هذا وذاك.. ان الرحمة فعلا فوق العدل. فهؤلاء بشر مثلنا. حتى القطــة "مشمشة" التى قررت عزيزة الاسكندرانية أن تصحبها معها في العربة الذهبية.. لم تكن مسألة مجانية.. ولك أن تتخيل.. ماذا لو أن الدنيا كلها، مع بعضها.. طالعة لفوق .. لفوق.. لفوق.. في عربية واحدة!! ما أجمل وحدة العالم، الانسان والآخرين، الداخل والخارج، الأرض والسماء، المكان والزمان. نحن مجموعة تفاصيل. والانسان " منسوب " دائما للآخر.. لشئ.. لزمان.. لمكان .. هذه حقيقية: اذا أردت أن تعرف حقيقة انسان.. "انسبه" . هذا ما حاولت أن افعله واستغرق منى أغلب الجهد، أما القصص والحكايات فلم تستغرق منى جهدا يذكر. وعلى فكرة.. المستهدف لم يكن الكلام عن شخصيات معذبة أو مظلومة. انما – فقط - نماذج بشرية. أنت تقول أنك "اكتأبت" أثناء وبعد قراءة الرواية، وأنا - والله - اكتأبت أكثر منك فعالم السجن مميت. وتقول ان الشخصيات "مولودة بقهرها". أو هكذا كنت تشعر!!

قلت: ده احساس كويس على فكرة .. لأن احنا كلنا مولودين بقهرنا. وهناك شخصيات بالفعل ولدت مقهورة. والسؤال: يعنى ايه قهر؟.. يعنى التاريخ.. يعنى أن مستقبلك محدد سلفا.. وأن عبارة "المستقبل هو الماضى" عبارة صحيحة جدا - وأنا لا أتحدث هنا عن القدر. انما اقرر- فقط - أنه طالما هناك مواضعات بالطريقة دى.. احنا حنبقى بالطريقة دى.



عن الرجال: أين اختفت ملامحهم؟

الرواية تدور أحداثها في عالم سجن النساء. والطبيعى أن تكون غالبية شخصياتها من النساء، ومع ذلك دعنى اسالك: هل كرهت- أنت شخصيا- أى رجل في الرواية؟

الرجل هنا بلا اسم ولا ملامح، لأننى كنت حريصة على ألا أقع في الخطأ التقليدى، وهو أن الرواية موجهة ضد الرجال. فأنا لا أعتقد أن الرجل مسئول عن تعاسة المرأة. ولكن المسئول هو شكل العلاقات والمواضعات الاجتماعية والمفاهيم والقيم والأنساق السائدة. كل هذه الأشياء مسئولة على المصير البشع الذى آلت اليه المرأة عندنا؟ وهو الذى يؤدى في النهاية إلى القسوة والقتل و "القبح" الذى نعيشه رجالا ونساء. كنت حريصة على أن يكون الرجل غير واضح الملامح، ومهمش حتى نموذج زوج "حنة" هذا الذى أسميه "آية الاعجاز الحسى" لا أدينه، لأنه في اطار مواضعات أخرى وظروف أخرى.. كان ممكنا لو أنه " تعلم " وفجر طاقاته الهائلة في أشياء أخرى غير الجنس الذى يفكر فيه 24 ساعة في اليوم.. أن يكون عالم ذرة مثلا. القصد.. أننى لا أدين الرجل كنوع، أو كجنس بشرى، ولكنى أدين شكل الحياة التى نعيشها- والبديهيات التى نتعامل على أساس أنها بديهيات. وهى ليست كذلك ولا ينبغى أن تكون كذلك. أدين المعتاد والمألوف . وأطالب باعادة النظر فيه من جديد. أن نتأمله من جديد .. لأن علينا أن "نتحقق" في أشكال عديدة. فمشكلة شخصيات الرواية أنها "غير متحققة" . بما في ذلك عزيزة الاسكندرانية. وهى شخصية "مؤطرة" طول الوقت. لم تتح لها ختى فرصة اكتشاف علاقة عشق أخرى. لأن الرجل الذى أحبته وعشقته.. طلبها للزواج في النهاية !! نعم، حرصت على عدم رسم شخصية أى رجل بوضوح حتى لا يحدث تعاطف أو يتهمنى أحد بلوى ذراعه لاتخاذ موقف ما. وحتى لا يقال أننى كتبت رواية " فيمينيست " .

هامش

لاحظت – بالفعل- ان سلوى بكر في روايتها لم تلجأ إلى الخرافة.. الا في مواضع قليلة. رغم أن المرأة في الشرق عموما وفى مصر بالذات .. تتربع " على كنز هائل من الخرافات.

قالت سلوى : لا اريد أن أرسم "جلابية" الفلاحة أو عقدها أو وشمها.. انما أريد أن ارسم "عالمها" وأن أراها من الداخل.. فأنا لا تعنينى المظاهر الخارجية، بقدر ما تهمنى علاقات البشر ببعضهم.. همومهم.. هواجسهم تجاه الدنيا والناس والأشياء والمحيط. حتى الطبقات الشعبة في مصر تتعامل مع الخرافة بمنطق براجماتى (نفعى). والا لماذا يتحصن الأطفال المصابون بالحصبة.. باللون الأحمر؟ عشان مفيش "مصل" ضد الحصبة!! فالعجز في مواجهة الطبيعة أو الظروف القاسية هو الذى جعل هى الطبقات تستنجد بالخرافة كبديل للحل - ولا أقول العلم - ومن ثم، فهى ليست – حتى - خرافة ابدية. كنت خائفة من الوقوع في فخ الميلودراما والفلولكور، ولعلى لم أقع، وكنت حريصة على أن لا اقدم للقارئ رواية "غرائبية" لأننى لا اريد له أن يتسلى.. عاوزاه "يكتئب" ويستمتع بكآبته.. يمكن أنا وهو.. نفهم الدنيا من جديد.

وسكتت سلوى ..

نصف الدنيا

أعمال سلوي بكر

الإنتاج الأدبى :

- قصص قصيرة , جريدة السفير وعدد من الدوريات العربية , عامى 1981 , 1982 .

- زينات فى جنازة الرئيس , قصص قصيرة , القاهرة , عام 1986 .

- عجين الفلاحة , قصص قصيرة , القاهرة , عام 1992 .

- القاعات متعاكسة , قصص قصيرة , القاهرة , عام 1995 .

- البشمورى 1 , 2 ( رواية ) , القاهرة , عام 1998 , 2000 .

- بيض الديك فى طيبة , قصص للأطفال , القاهرة , عام 2001 .

- سواقى الوقت , رواية , القاهرة , عام 2003 .

- كوكو سودان كباش , رواية , القاهرة , عام 2004 .


الهيئات التى تنتمى إليها :

- عضوة لجنة تحكيم مهرجان السينما العربية , باريس.

- عضوة لجنة تحكيم جائزة ابن رشد , عام 2004 .

- عضوة لجنة القصة بالمجلس الأعلى للثقافة.
  #18  
قديم 03/09/2006, 10:53 AM
صورة عضوية الحزين
الحزين الحزين غير متواجد حالياً
مـشــــــــرف
 
تاريخ الانضمام: 10/12/1999
الإقامة: عمان
المشاركات: 1,407
اقتباس:
أرسل أصلا بواسطة النجمة اللامعة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يا جماعة الخير اذا حد منكم قرا احد هذه الكتب يا ريت لو يعطينا رايه
اتمنى المشاركة الجماعية
(( ولا تقولوا لي ترى كل واحد و ذوقه انا ابغى اشوف كل الاذواق مو مشكلة بستحمل المالح والحار ))
نبدأ........
احدى عشر دقيقة : باولو كويلو
مقام عطيه : سلوى بكر
هي البداية : مها الهنداوي
الروايه: نوال السعداوي
مئة وهم حول الشرق الاوسط: فريد هاليداي
ملامح : زينب حنفي
الاسبوع الاخير : هالة كوثراني
ذكريات عربي افغاني : ابو جعفر المصري
الاخرون : صبا الحرز
المطاوعة : مبارك الدعيلج
قرات لك من عيون الكتب : عبد العلي الجسماني
مدام بوفاري : غوستاف فلوبير
اصابع : منى ظاهر
شبح كانترفيل : اوسكار وايلد
ريح الجنة : تركي الحمد
عروس تزف الى قبرها مصطفى الرافعي
وحي القلم
حديث القمر
وفيه بعد كتب بالانجليزي للي يقرأ بالانجليزي يا ريت لو يفيدنا
From my sister lips - Na'ima B Robert
Afsaneh : short stories by Iranian women - Kaveh Basmenji
The Sunburnt Queen - Hazel Crampton
The Tribes Triumphant - Charles Glass
Life Guard - Andrew Gross
Elements Of Style- Wendy Wassorstein
Thefl - peter carey

عاد لا تبخلوا علينا بالرد
ذكريات عربي افغاني : ابو جعفر المصري

من أجمل الذكريات التي قرأتها. و هذه وصلة لموضوع كتبته عن الكتاب قبل عدة أشهر.


http://om.s-oman.net/showthread.php?t=238556


ريح الجنة : تركي الحمد

أما هذا الكتاب فهو من أسوأ الروايات التي قرأتها، فكرة و أسلوبا. أحسست بأن هناك تسطيح لكثير من الأمور الجوهرية.
  #19  
قديم 04/09/2006, 01:48 PM
ظبية ظبية غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ الانضمام: 28/08/2002
المشاركات: 365
Thumbs up

هنا بعض المعلومات عن مجموعة ( هي البداية ) وعن الكاتبة الدكتورة مها الهنداوي :

للكاتبة مها الهنداوي صدرت المجموعة القصصية «هي البداية» عن دار «فراديس للنشر والتوزيع» في البحرين‚ اشتملت المجموعة على 14 قصة توزعت على 93 صفحة متوسطة القطع ورسمت لوحة الغلاف الفنانة دلال القيس‚
درست الهنداوي في الولايات المتحدة وتشغل وظيفة مدرس مساعد في جامعة قطر كما تعمل في وظيفة استشاري إرشاد في مجموعتها‚ «هي البداية» يواجه القارىء اساليب ورؤى فنية مختلفة بل متناقضة احيانا ومتفاوتة في الجودة الفنية احيانا اخرى‚ اجواء قصص مها الهنداوي خليط من الرمزي والسريالي الذي تحتشد فيه الافكار والمشاعر‚‚ والواقعي الذي يصل الى مستوى «العادي» وتكاد تخبو فيه اللمعة الفنية وهو قليل‚
بعض هذه القصص يشكل قصصا فنية كاملة بل مميزة ومنها ما هو اقرب الى لوحات فنية رمزية وقسم آخر كقصة «انتحار شاعر» مثلا يبدو اقرب الى ان يكون حالة تتداخل فيها اجواء الاساطير والمقالة الوجدانية‚ بعض نتاج مها الهنداوي الكاتبة والباحثة يشبه حكايات واقعية او صفحة واحدة منتزعة من حياة متعددة الصفحات‚‚ بل هو اقرب الى نقل حالة او تحول من حالة الى اخرى كما في قصة «انقلاب» التي تكاد تكون تقريرية‚ الا ان معظم هذه القصص «يقول» اكثر مما يبدو على «السطح»‚
اشارتنا حمراء
في القصة الاولى «اشارتنا الحمراء» يتجاور الرمزي والعبثي‚ الرمزي يبدو كأنه يتحدث عن وضع بلدان تشبه بلدان هذه المنطقة من العالم‚ اما الاطار الذي يرد فيه ذلك فيبدو فوق الواقع واقرب الى عالم الاحلام احيانا من حيث حركته ومن حيث كون الاحلام قابلة للتفسير وانها قد تكون انعكاسا لواقع‚‚ و«الانعكاس» هنا هو بمعنييه الاثنين «المرآتي» ناقل الصور‚‚ وذلك الذي يرينا النقيض‚ والانعكاسان لابد من ان يأتيا في غالب الاحوال في جو يراوح بين الضباب وبين الاقنعة وهناك في الحالين شيء من الاختلاف اذ لا يمكن ان تكون الامور صورا او حالات طبق الاصل‚ واللعبة الفنية هنا ذكية وموحية وقد تكون الابرز بين القصص من الناحية الفنية‚ فهي عبر شيء من «اللامعقول» تنقل «وضعا عاما» يشبه هذه «اللامعقولية» ويتحول الامر الى اوطان لا تسير امورها سيرا صحيحا‚ ويغدو ما كان يفترض ان يكون حالة توقف مؤقتة الى «اقامة دائمة» بل الى تخلف راسخ‚ نبدأ بمشكلة مألوفة نوعا ما‚ اشارة السير الحمراء لا تنطفىء‚ يتجمع صف من السيارت في انتظار اشارة التحرك لكن دون نتيجة‚ يزداد صف السيارات طولا وترتفع الاصوات والتأفف والاحتجاجات‚ يقول الراوي «تفاءلنا خيرا عندما رأينا شرطي المرور يقطع الشارع من بعيد متجها الينا‚‚‚ حدق في الاشارة‚ نظر الى ساعته‚‚‚ هز كفيه مستغربا‚ انتظرنا اكثر وقد اصابنا الملل والضيق‚ تجمعنا مرة اخرى نتباحث حلا‚ علت الاصوات بين معارض ومؤيد‚‚‚ فما لبثنا ان رأينا ضابطا تبدو عليه علامات التوتر والانفعال متجها نحونا بخطى سريعة‚‚‚ بعد حوار مع الشرطي اخذ ينظم صفوف السيارات ليفسح في المجال لسيارة سوداء ذات ستائر كي تمر‚‚ والحجة هي «ان السيارات السوداء اكثر امتصاصا لحرارة الشمس»‚ وتستمر الحكاية ففي اليوم الثالث قضى التعب على عدد من الناس فأحضرت اوراق للتوقيع والبصم وفي اليوم الرابع صدرت اوامر بتوفير الطعام‚ في اليوم الخامس احضرت اغطية ومفارش وملابس‚ في نهاية الاسبوع تلقوا وعدا بانهم سيتوجهون الى منازلهم واعمالهم‚ اليوم الثاني من الاسبوع الثاني كان مخصصا لترتيب «الخطبة» ووضع المنصة والسجاد الاحمر لقدمي الخطيب وتجهيز مكبرات الصوت‚ وعلى غرار قول لسعيد تقي الدين ان «اطول ساعات العمر هي التي نمضيها بين ‚‚سيداتي سادتي‚‚ وعاش لبنان» نقرأ ان الخطيب جاء «فأشاد بموقفنا العظيم‚‚‚ والتزامنا بالوقوف‚‚ اعتذر لنا ونحن بدورنا صفقنا فشكرنا مرة اخرى‚» وقبل ان يغادر قال انه سيتصرف» ‚ما زال الرجل يؤكد لنا انه سيتصرف وما زالت الاشارة حمراء وما زلنا واقفين ملتزمين الى الآن‚‚ ننتظر»
الحفرة
قصة «الحفرة» نموذج موفق فنيا ايضا ويمكن اختصار اجوائها بما يلي «لكن
‚‚ الذهب ينفد شيئا فشيئا الى ان ينتهي في يوم وتبقى الحفرة تكبر وتكبر‚‚ فتقتلنا‚‚‚ لم يكن يعلم ذلك عندما ترك زوجته واولاده واتجه الى تلك الارض التي قيل عنها انها تعطي ذهبا‚‚‚ قرر العودة لكن الحفرة تكبر‚‚‚ ظلت تلاحقه في اليقظة‚‚ رآها في المنام تقترب منه فتتهاوى فيها جثته‚‚‚»
تجف الاحلام اذن وتلتهمها الحفر او هي تلتهم اصحابها في البحث عن «الدورادو» او المدينه الضائعة‚ تضيف القصة انه ظن انه نهض من نومه لكن عينيه بقيتا مغمضتين «لا يستطيع فتحهما‚‚ حاول لكنه سمع نواحا‚‚ ولولات وصراخا‚‚ انها اصوات اولاده وزوجته‚‚‚ هل وصلتهم الحفرة فدفنوا فيها‚ قالها وهو يحاول ان يفتح عينيه لكن لا جدوى»‚
قصة «انتحار شاعر» تتحدث عن شاعر يقلب وريقات الروزنامة (اليومية) ويتساءل عن الآتي من خلال الوريقات التي لم تقلب بعد‚ يقتحم غرفته رجال
يحمل كبيرهم صوتا يتلوى في يده كالافعى «انه الجلاد بلا ريب»‚ نقلوه الى زنزانة صدئة القضبان مليئة بالاوساخ وأغلقوا الباب عليه‚ وجد بين الاوساخ قصبة حولها الى مزمار‚ اذن الشاعر انسان اسير في هذا العالم‚ لكنه يغيره ويجمّله‚ موسيقى أسير الزنزانة حولت الاوساخ الى عالم «جمالي» وتسللت عبر الجدران توقظ النائمين «لقد آن لتلك القلوب المتحجرة ان تنتفض» لكن ردة الفعل كانت ان صرخ الجلاد قائلا «ينبغي اسكات هذه النغمات قبل فوات الاوان‚‚‚ لا بد للمزمار ان يخرس‚‚‚ اقتلوا الشاعر»‚ وكما ان مصرع ادونيس مثلا في الاسطورة لم يمنع عودته الى الحياة في اشكال اخرى‚‚ وبعد ان شرح جثمان الشاعر وقطعت اوصاله كما في اوزيس واوزيريس نجد ان «حشرجة المزمار الحزينة ما زالت تسبح في الفضاء» وانها تحرك الكائنات كما كان مزمار «اورفيوس» يفعل‚
في قصة «انقلاب» جو عادي عن عودة الانسان الى الامور التي فطر عليها‚ وفي «قيود لا تموت» يتحول الانسان الى اسير حلم ويبدو الحلم سرابا‚ وفي عمر متقدم يتحقق الحلم بصورة ما لكن الانسان الذي تعود على السعي والركض لم يعد هناك‚
في قصة «مفارقة» مثلا نموذجان واحد للوجاهة والصيت والشهرة والمنابر والسفر‚‚ وآخر طالب جامعي ينتزع من منزله ويدفن حيا في زنزانة ليعذب ومن ثم يختفي الى الابد‚


وهنا مقالة للكاتبة : أ. مها الهنداوي

"الصحة تاج على رؤوس الأصحاء .. لا يراه إلا المرضى.."

كم من مرة سمعنا هذا المثل يضرب لنا ونحن صغار .. فلا نكاد نفقه ما يريد الآخرون أن يقولوه لنا .. هل يقصد بذلك أن جميع الناس الأصحاء يرتدون تيجانًا فوق رؤوسهم؟ لكننا لا نراها؛ لأننا لسنا مرضى .. وحدهم المرضى من يستطيعون أن يروا تلك التيجان .. ويرى هل هي جميلة أم لا؟.. وحدهم المرضى من كنا نظن أنهم يتمتعون بهذه الخاصية السحرية التي تجعلهم يرون ما لا يراه الآخرون .. فأحيانا نتمنى أن نكون نحن المرضى لتصبح لدينا هذه الهبة التي لا تمنح إلا للمرضى..ولنمتلك تلك العين السحرية التي ترى ما لا يراه الأصحاء منا .. لكننا حين نمرض كنا ننسى ذلك القول وذلك التاج .. حتى أننا لا نفكر حينها إلا بالنوم والراحة فقط.
أتذكر هذا القول دائمًا.. وخاصة حين يتملكني الصداع الكئيب .. ويكاد يقضي على كل مداركي وأحاسيسي .. أتذكره وأنا أرى الآخرين يتحركون ويسيرون وفقا لما سيرتهم عليه حياتهم .. بحب .. بمرح.. بتفاؤل.. الآخرون يعيشون حياة لا يمكنني وأنا مغلفة بهذا الألم الرهيب أن أمارسها أو أفكر حتى في ممارستها.. لحظتها فقط أرى تلك التيجان التي لم أستطع رؤيتها وأنا طفلة .. أراها تبرق وتلمع فوق رؤوس كل الأصحاء .. أراها في ابتساماتهم الودودة .. وفي مرحهم وصخبهم .. في حبهم للحياة وتقبلهم لكل شيء فيها .. أرى الضحكة التي لا أستطيع إطلاقها بسبب تلك الآلام المبرحة .. أراها في انطلاقهم إلى العمل .. وفي خوضهم لكل التجارب والمعارك دون كلل أو ملل .. أراها في خطوهم .. وفي علاقتهم بأبنائهم .. في أسئلتهم التي لا تنتهي.. في إجاباتهم المتكررة .. في اهتمامهم بأنفسهم .. وأتطلع إلى رأسي الموجوع في المرآة .. فلا أرى أي تاج ولا أري بريق .. حين ذلك فقط أدرك أن للصحة تاجها الذي يجب أن نحمد الله عليه ونشكره ليلا ونهارًا .. حقًا .. لا يعلم قيمة ذلك التاج ولا يراه إلا المحروم منه .. ذلك الموجع الفاقد للقابلية على مواصلة الضحك والابتسام.

نعم .. للصحة تاجها الذي لم تلمسه أي يد بشرية .. ولم يصمم في دور المجوهرات العالمية .. ولم يعرض في النشرات الإعلانية والإخبارية .. ولم يعرض يومًا للبيع في المزادات العلنية.
ذلك التاج الذي صاغته قدرة إلهية كبرى .. وضعت فيه كل الموصفات والمقاييس الصحية التي لا تستطيع إنجازها كل مصانع الأدوية العالمية على شتى ماركاتها وعلاماتها التجارية .. تاج لا يقاس بالموازين .. ولا بالمكاييل .. ولا بالقيراط .. ولا بأي وزن تبيحه المنظمات الدولية والعالمية.
إنه تاج إلهي من صنع الخالق الجبار الذي لا يمكننا أن ننكر عليه هذه الهبة الكريمة .. ولا يمكننا إلا أن ندعوه بدوامها ودوام ذلك التاج على كل الرؤوس .. حتى وإن لم نتمكن من رؤيته .. وحتى يظل المجتمع دائمًا سليمًا ومعافى من كل سوء.



وهذه مقابلة رائعة مع الكاتبة :

في مسألة اختيار الوظيفة يصعب جدًّا أن يحدد الإنسان ما يريد في بداية مشواره العملي بعد تخرجه وعادة ما يعمل ما يجده متاح فهل هناك وسيلة تجعل الإنسان أكثر درة على تحديد نوع الوظيفة الملائم له؟
نشكر الأخ السائل فاختيار الوظيفة أمر مهم للغاية وبحاجة أن يعطى حقه، واختيار الوظيفة لا يبدأ بعد التخرج إنما قبل ذلك بكثير، منذ أيام الدراسة حيث يتم التعرف على قدرات الفرد ومهاراته، ميوله وإمكاناته حتى يتم توظيف ذلك التوظيف السليم والاستفادة بقدر الإمكان من الأفراد (كلٌُ بحسب إمكاناته وقدراته).

إن الكثير من الشباب يختار وظيفته دون أسس واضحة، مثلا بناء على رغبة الأسرة أو تناقل أخبار أو سماع معلومات غير دقيقة أو رغبة في مكانه اجتماعية معينة وكل هذه الأمور تستنزف طاقة الإنسان وقد تبعده عن ميوله وقدراته الحقيقية.

ولذلك لا بد من إعطاء عملية اختيار الوظيفة الوقت الكافي لما لها من تأثير على حياة الفرد بشكل كبير في المستقبل، كثيرا ما نجد أناسًا يعانون في وظائفهم وهم غير راضين عما يقومون به السبب في ذلك عدم نجاحهم في عملية اختيار الوظيفة.

ولا بد من طلب المساعدة من ذوي الاختصاص في عملية اختيار الوظيفة أو قراءة بعض الكتب في هذا المجال.

بداية أحييك على هذا الحوار وأسأل الله لك التوفيق..
وسؤالي هو.. هل تعتقدين أن الشباب العربي لديه المؤهلات الكافية لينافس في سوق العمل العالمي؟

نشكرك على اهتمامك في هذا الأمر، في الحقيقة ان الشباب العربي يمر بظروف صعبة بعض الشيء كل في بلده، عل سبيل المثال كثير من الشباب يظل يعاني من عدم الحصول على وظيفة بعد التخرج ويمر في إحباطات عديدة من أصحاب العمل، السبب يعود إلى عدم توعية هؤلاء الشباب بجانب التطوير المهني، لعدة سنوات لم يكن في العالم العربي مراكز إرشاد مهنية ولم يتوفر هذا النوع من الإرشاد المهني أو الوظيفي في المدارس وبالتالي، فماذا يقدم المجتمع وماذا تقدم الدول للشباب حتى يستطيع الشاب أن يقدم وينافس.

السؤال هل لدينا مبدعون وموهوبون وأصحاب مؤهلات نعم لكن ينقصنا معرفة كيفية المنافسة والتي تحتاج إلى دراية وعلم وفن ولا يأتي ذلك إلا من خلال إعادة البناء في المجال المهني ليكسب الفرد المهارات الأساسية والإمكانات التي تجعله يدخل المنافسة.

كيف أستطيع أن أحصل على عمل؟ مع العلم أبحث عنه خلال سنتين؟
رحلة البحث عن عمل لا تخلو من الإحباطات وهي تحتاج إلى الصبر بجانب الاهتمام بتنمية المهارات والقدرات التي تمتلكينها، عدم الحصول على عمل لها أسباب عديدة منها أن أصحاب العمل يبحثون عن جانب الخبرة وهذا لا يتوفر في الشباب.

تمر عملية البحث عن عمل بخطوات منها: كتابة السيرة الذاتية وهي أساسية إلا أن كثيرا من الشباب يجهلها، وفي إحدى الدورات التي قدمتها في مجال البحث عن عمل طلبت من الحضور أن يكتبوا السيرة الذاتية إلا أن كثيرا منهم كتبها بشكل لا يؤهله للحصول على الوظيفة.

إن اهمية السيرة الذاتية تكمن في أنها البطاقة التي تصل إلى أصحاب العمل قبل وصولك لهم فإذا حازت على إعجابهم اتصلوا بك لتحديد موعد المقابلة الشخصية وهي الخطوة الثانية من خطوات البحث عن وظيفة والمقابلة هي بالفعل فرصتك لإثبات ذاتك وتوضيح قدراتك فلا بد من استغلالها، أمر آخر أود الإشارة إليه وهو ماذا تفعلين الآن هل أنت تجلسين منتظرة دون عمل شيء؟ أرجو أن تستثمري وقتك في الاستزادة من المهارات، يمكنك التطوع مثلا في عمل ما حيث تعطين الآخرين فرصة التعرف عليك عن قرب ومعرفتهم لك ولإمكانياتك وفي الوقت ذاته تكتسبين خبرة وتضيفينها إليك.
أتمنى لك التوفيق..


رغم أنني أملك مؤهلات عديدة، إلا أنني دائما أخشى الانتقال من وظيفتي إلى وظيفة أخرى خشية أن أقع في فخ البطالة، فهل لديك إرشادات محددة؟
تغيير الوظيفة أمر مخيف بلا شك، والتغيير دائما يخيف الإنسان في كل الامور، فإذا أردت تغيير منزلك تخاف من المنطقة الجديدة وإذا أردت تغيير مدرسة الأولاد تخشى من المدرسة الجديدة فكما يقول المثل المصري المعبر جدا عن هذا الأمر (اللي تعرفو أحسن من اللي ما تعرفو)، ونحن نقول بالخليجي (يود مينونك ليجيك أين منه) هذه الأمثل تجسد مخاوف الإنسان من الجهول.

أنا أتفهم تماما مخاوفك وهي طبيعية؛ لأن أصعب شي على الإنسان أن يفقد شيء جيد كان يمتلكه، لكن أمر تغيير الوظيفة تحتاج إلى تفكير علمي سليم بعيدا عن الانفعالات الوقتية فلا يجوز لشخص أن يفكر في تغيير الوظيفة بسبب خلاف أو حدث عرضي أنما يجب أن تفكر وتحلل الأسباب، خذ ورقة وقلما وأجب عن التالي:

لماذا ترغب في تغيير الوظيفة؟
ما عيوب وظيفتك الحالية وما مميزاتها؟
لماذا لا تستفيد من مؤهلاتك العديدة في وظيفتك الحالية؟

هل لديك خطة واضحة عن الوظيفة التي تبحث عنها، وهل وجدتها؟

إذا كانت الاجابة نعم، إذن ما مميزاتها وما عيوبها؟ قارن وانظر أي كفة هي الراجحة وظيفتك الحالية أم الأخرى؟

إذا وجدت أن هناك جوانب عديدة جيدة في وظيفة أخرى أعط نفسك فرصة التجربة، لكن لا بد أن تنظر إلى ظروفك الاجتماعية والاقتصادية وتضعها بعين الاعتبار.

الحقيقة أنا قرفان جدًّا من وظيفتي، وأريد تركها ولكني لا أجد عملا آخر فبماذا تنصحنيني؟
الله يعينك، الإنسان يقضي نصف وقته في العمل وأتخيل كيف تكون حالتك إذا كنت قرفان لكن يا أخ محسن ما السبب في هذا الشعور؟ لا أعتقد أن هذا الشعور ليس لديه أسباب؟
ربما بسبب رئيس عملك، زملائك أو عدم التقدير لو ذكرت الأسباب ربما أستطيع مساعدتك أكثر لكن بشكل عام أقول إنك تركز على الأشياء السلبية في العمل وتراها تكبر يومًا بعد يوم مما سبب لك الكراهية للعمل.

أرجو منك أن تقف للحظات وتفكر ما إيجابية العمل؟ لا تقل العائد المادي فقط حاول أن تبحث عن أية جوانب إيجابية وتفكر بها.

الأمر الآخر لماذا اخترت هذه الوظيفة؟ هل هي الوظيفة الوحيدة المتاحة أم لأسباب أخرى
كم سنة تعمل في هذه الوظيفة؟ فهذا الأمر مهم، هل فكرت أن تجدد في عملك، حاول أن تضع كل صباح هدفاً محددًا للعمل وتعمل به.

أعمل في مجال المبيعات منذ 3 سنوات، وذلك بعد حصولي على شهادة معتمدة من مايكروسوفت في الشبكات، وعدم تمكني من العمل بها. بالرغم من خبرتي في هذا المجال فإنني أرفض الاستمرار فيه لعدم توافر الاستقرار فيه، وهو ما يتنافى مع طبيعتي بالرغبة في الاستمرار وليس لدي موارد لأبدأ مشروع خاص بي وبداخلي رغبة كبيرة في الحصول على مستقبل كبير يكون في مجال متميز وأتقن العمل فيه فما الحل؟
لغتي الإنجليزية جيدة والكمبيوتر جيد جدا
يبدو أنك إنسان لديه قدرات عالية فحصولك على شهادة معتمدة من مايكروسوفت في الشبكات هو إنجاز بحد ذاته.

لكن لماذا لم تتمكن من العمل به؟ هل قدمت لوظائف عديدة ولم يرد عليك أحد؟
أنا أتفهم الشعور بعدم الاستقرار في العمل وكل فرد يرغب في الاستقرار، عدم الاستقرار في العمل يؤثر على كافة الأمور الأخرى قد يجعل الإنسان عصبيًّا، متوترًا وقد يؤثر في علاقاته
لكن كن واقعيًّا، هل لديك خيارات أخرى أعتقد أنه الخيار الوحيد الآن لك (هذا ما فهمته من سؤالك) إذا كان هذا المتوفر الآن لا بد أن تتكيف وتتأقلم مع الوضع؛ لأنه إذا فكرت في ترك العمل لأنك تحس بعدم الاستمرار ستكون بلا عمل.

إذا كانت لديك مهارات وقدرات لا بد ألا تيأس وتبحث عن عمل وتهتم في كتابة السيرة الذاتية والمقابلة الشخصية والتواصل مع الناس فكثير من الوظائف يحصل عليها الناس بسبب معرفتهم لآخرين مما يسهل التواصل.

هل بالإمكان الاستفادة من مهاراتك مثلا أن تعلم الصغار الكمبيوتر أو اللغة الانجليزية
أرجو أن تركز عل ما تملك وليس ما لا تملك فأنت تريد عمل لا تملكه وتريد مشروعا لا تستطيع الآن القيام به وتملك مهارات يمكنك استخدامها.

إن الوصول للقمة يتطلب العمل، وهذا العمل يبدأ صغيرا ثم يكبر، لا تيأس إذا نظرت حولك كل الناجحين في الحياة مروا بتجارب وخبرات كثير منها محبط حتى تمكنوا من الوصول.

ما هي أهم المهارات الشخصية التي يجب أن يتحلى بها الشخص للنجاح في حياته العملية؟
هناك صفات ومهارات لا بد أن يتحلى بها الإنسان كي يصبح ناجحا في حياته العملية
هذه المهارات بحاجة إلى أن نتعلمها في المدارس منذ الطفولة لما لها تأثير في حياة الإفراد.

كثير من الناس يبحث عن القدرات العقلية أي الذكاء إلا أن هناك كثيرا من الأذكياء الذين تخرجوا من المدارس بتقديرات ممتازة لم يكونوا ناجحين في حياتهم المهنية.

أشكرك على هذا السؤال يا أخ إبراهيم فنحن في العالم العربي اهتمامنا أقل بتعليم المهارات الشخصية والاجتماعية التي هي أساس النجاح:
وهي طرق حل المشكلات، الصبر والمحاولة المستمرة، عدم الاستسلام للفشل والنظر إلى الفشل على انه تجربة تضيف خبرات للفرد، الإصرار والإرادة، طرق الحوار والاستماع (الاتصال) الاستماع للرأي الآخر والاستفادة من التجارب كثير من الناس ينظر إليك لكن لا يراك هؤلاء لا يستفيدون من التجارب والخبرات.

في الحقيقة إن المكتبة العربية أصبحت تقدم للقارئ نوعية جيدة من الكتب الممكن الاستفادة منها في هذا المجال.

أسمع كثيرا عن برامج قياس الصفات الشخصية والقدرات كذلك واعرف أن هناك مراكز تقوم بالكامل على موضوع إجراء هذه الاختبارات فهل تعتقدي أن هذه الاختبارات ذات جدوى ومفيدة فعلا تساعد الشخص على معرفة نفسه، وبالتالي تحديد مجال العمل المناسب له؟ وما هي أنواع تلك الاختبارات وأسماؤها إن أمكن؟
نعم هناك العديد من الاختبارات في هذا المجال هناك اختبارات رسمية وغير رسمية مقننة وغير مقننة هذه الاختبارات بدون شك لها فائدة لمن يستخدمها فهي تعرفه على نقاط القوة والضعف وتكشف له عن ميوله، قدراته ومهاراته لكي يوجه عملية التخصص واختيار الوظيفة فيما بعد.

بعض الاختبارات مترجم إلى العربية ويمكنك أخذها أما إذا كنت جيدة في اللغة الإنجليزية يمكنك أخذ الاختبارات بالإنجليزية، كثير منها على الإنترنت مقابل مبلغ من المال يقومون بإرسال النتائج لك.

من بين هذه الاختبارات اختبار هولندا (التي تكشف عن ميولك وقدراتك) وهناك الكثير يعتمد على هدفك من الاختبار.

أنا أرى أن الاختبار وحده لا يكفي أنت بحاجة إلى متخصص يساعدك في كشف جوانب من شخصيتك بالمقابلة الشخصية.

للنجاح المهني أكيد شروط ومواصفات، وأعتقد أن علاقة الموظف بزملائه ورؤسائه من شروط النجاح المهني.

لكن المشكلة عندما يكون الشخص على خلاف مع مديره، وخاصة في طريقة العمل فكيف يمكن أن يعمل الشخص في مثل تلك البيئة وما هي الطرق أمامه لحل هذا الخلاف؟
الخلاف أمر وارد في مجال العلاقات الإنسانية، ومنها الخلاف مع المدير، كثير من الموظفين يعانون من وجود خلاف مع الرئيس في العمل.

أولا لا بد أن تكوني واقعية، وتؤمني أنك لن تستطيعي تغيير الأفراد إنما تستطيعين تغيير نفسك فقط.

ومن هذا المنطلق ابدئي ما الأمر الذي يجعلك تختلفين في العمل، ما نوع شخصية المدير، هل أنت منافسة له في العمل، خبرتك أكثر.... إلى آخره لا بد من تحديد الأسباب أولا.

ثم أرجو منك أن تحددي هدفك، ماذا تريدين؟ هل تريدين أن تجعلي العلاقة طيبة مع المدير أم تريدين أن تتركي الوظيفة؟

إذا كنت ترغبين في عمل علاقة طيبة مع المدير اسألي نفسك ما الذي تفعلينه الآن هل تفعلين شي يسيء العلاقة أم أنك تعملين على تحسين العلاقة مثلا هل توضحين له أنك تفهمين العمل أفضل منه إذا كان كذلك فأنت لا تفعلين ما يساعد على تحديد الهدف، لذلك لا بد من التغيير أي وضع خطة عملية للتغيير.

شكرا للجميع على المشاركة، ونعتذر عن الرد على بقية الأسئلة؛ نظرا لانتهاء الوقت.


بعدنى ما تعبت من كثر القص واللصق ,,
  #20  
قديم 04/09/2006, 07:48 PM
حُـلو الأثر حُـلو الأثر غير متواجد حالياً
خــــــاطر
 
تاريخ الانضمام: 13/07/2006
المشاركات: 4
السلامُ عليكــم


كتابُ ( وحّـــيُ القلم ) مجموعة مقالاتٍ وقصص مستوحاة من الحيــــاةِ الاجتماعيةِ ،

ومن التاريـخ ِ الإسلامي .. كتبهـا الرافعـي بأسلوبهِ الماتع ِ وفِكْرهِ المُتعمّق ِ ، قرأتٌ

منهــا علـى الإنترنت الطُفولتـان .. في الربيع ِ الأزرق .. أحلامٌ في الشارع..

اليَمَامتـان.


هاكــم رائعته (اليَمَامتـان) هــي من أروع وأرق ماقرأت من قصص ِ

التاريخ الإسلامي .. ولقد تذوقتـُها مراتٍ ومرات ولازلتُ أجدُ حلاوتها فــي قلبـي!

جزا الله ناقِلهــا للانترنت خيراً ..


حلو الأثر





جاء في تاريخ الواقدي "أن (المُقَوْقِسَ) عظيم القِبط في مِصر، زوّج بنتَه (أرمانوسة) من (قسطنطين بن هِرَقْل) وجهزها بأموالها حَشَما لتسيرَ إليه، حتى يَبْنيَ عليها في مدينة قَيْسَارِيَة بفلسطين; فخرجت إلى بُلْبَيْسَ (مدينة بمحافظة الشرقية) وأقامتْ بها... وجاء عَمْرو بن العاص إلى بلبيس فحاصرها حِصَاراً شديداً، وقاتلَ مَن بها، وقتل منهم زُهاء ألفِ فارس، وانهزم مَن بقي إلى المقوقس، وأخذت أرمانوسةُ وجميع مالَها، وأُخِذَ كلُ ما للقبط في بلبيس. فأحبُّ عَمرْو ملاطفةَ المقوقس، فسير إليه ابنتَه مكزَمة في جميع مالَها، (مع قَيْس بنِ أبي العاص السهْمي); فسُرّ بقدومها...

***
هذا ما أثبتَه الواقدي في روايته، ولم يكن مَعنِياَ إلا بأخبار المَغزى والفُتوح، فكان يقتصر عليها في الرواية; أما ما أغفله فهو ما نَقُصُه نحن:
كانت لأرمانوسةَ وصيفة مُوَلَّدة تُسَمَى (ماريَة)، ذاتُ جمال يوناني أتمَته مصرُ ومَسَحَتْه بسحرها، فزاد جمالُها على أن يكون مصرياً، ونَقَصَ الجمالُ اليوناني أن يكُونَه; فهو أجملُ منهما، ولمصرَ طبيعة خاصة في الحسن; فهي قد تُهمِل شيئاً في جمال نسائها أو تُشَعث منه، وقد لا توفيه جُهدَ محاسنها الرائعة; ولكن متى نشاً فيها جمال ينْزعُ إلى أصل أجنبي أفرغت فيه سحرَها إفراغاَ، وأبت إلا أن تكون الغالبةَ عليه، وجعلتهُ آيتَها في المقابلةِ بينه في طابَعِه المصري، وبين أصله في طبيعة أرضه كائنة ما كانت; تغارُ على سحرها أن يكون إلا الأعلى.
وكانت ماريةُ هذه مسيحيةً قويةَ الدين والعقل، اتخذها المقوقسُ كنيسة حيةَ لابنته، وهو كان والياً وبَطْرِيَرْكاً على مصر من قِبَلِ هِرَقْل; وكان من عجائب صُنْع اللّه أن الفتحَ الإسلاميّ جاء في عهده، فجعل اللهُ قلبَ هذا الرجل مِفتاحَ القُفْل القبطي، فلم تكن أبوابُهم تُدافِعُ إلا بمِقدار ما تُدفعَ، تُقاتل شيئاً من قتال غيرِ كبير، أما الأبوابُ الروميةُ فبقيتْ مستَغلِقةً حصينةً لا تُذْعِنُ إلا للتحطيم، ووراءها نحوُ مائة ألفِ رومي يقاتلون المعجزةَ الإسلاميةَ التي جاءتهم من بلاد العرب أوّلَ ما جاءت في أربعة آلاف رجل، ثم لم يزيدوا آخِرَ ما زادوا على اثني عشر ألفاً. كان الروم مائة ألف مُقاتل بأسلحتهم- ولم تكن المدافع معروفة- ولكن رُوح الإسلام جعلت الجيش العربيّ كأنه اثنا عشر ألفَ مِدْفع بقنابلها، لا يقاتِلون بقوّة الإنسان، بل بقوّة الروح الدينية التي جعلها الإسلامُ مادة منفجرةَ تُشْبه الدينامِيتَ قبل أن يُعرفَ الدينامِيت!
ولما نزل عمرو بجيشِه على بُلبيس جَزِعتْ مارية جزَعاَ شديداً; إذ كان الروم قد أرجفوا أن هوّلاء العربَ قوم جياع يَنْفضهُم الجدْبُ على البلاد نَفضَ الرمالِ على الأعين في الريح العاصف; وأنهم جَراد إنساني لا يغزو إلا لِبَطْنِه; وأنهم غِلاظُ الأكباد كالإبل التي يمتطونها; وأن النساء عندهم كالدواب يُرْتَبَطْن على خَسْف; وأنهم لا عهدَ لهم ولا وفاء، ثَقُلت مطامعُهم وخَفت أمانتُهم; وأن قائدَهم عَمْرَو بن العاص كان جزاراً في الجاهلية، فما تَدَعُه روحُ الجزار ولا طبيعتُه; وقد جاء بأربعة آلاف سالخ من أخلاط الناسِ وشُذاذِهم، لا أربعةِ أَلاف مقاتل من جيش له نظامُ الجيش!
وتوهَّمتْ ماريةُ أوهامَها، وكانتْ شاعرةَ قد درست هي وأرمانوسةُ أدبَ يونانَ وفلسفتَهم، وكان لها خيال مشبوبٌ متوقد يُشْعِرُها كلَّ عاطفة أكبرَ مما هي، ويضاعف الأشياء في نفسها، وينزعُ إلى طبيعته الموّئثة، فيبالغُ في تهويل الحزنِ خاصة، ويجعل من بعض الألفاظ وَقُوداَ على الدم...
ومن ذلك اسْتُطِيرَ قلبُ مارية وأفزعتها الوساس، فجعلت تَنْدُبُ نفسَها، وصنعت في ذلك شعراَ هذه ترجمتُه:
جاءك أربعةُ آلافِ جزار أيتُها الشاةُ المِسكينة!
ستذوق كلُّ شعرة منكِ ألمَ الذبح قبل أن تُذبَحي!
جاءك أربعةُ آلاف خاطف أيتها العذراء المسكينة!
ستموتين أربعة اَلاف مِيتة قبل الموت!
قَوّني يا إلهي، لأغمِدَ في صدري سِكيناَ يردّ عني الجزارين!
يا إلهي، قَوّ هذه العذراءَ، لتتزوّج الموتَ قبل أن يتزوجَها العربي..!
***
وذهبت تتلو شِعرَها على أرمانوسةَ في صوت حزين يتوجَّع; فضحكتْ هذه وقالت: أنتِ واهمة يا مارية; أنسيتِ أن أبي قد أهدَى إلى نبيهم بنتَ (أنْصِنا) –مارية القبطية و كانت من "أنصنا" بالوجه القبلي-، فكانت عنده في مملكة بعضها السماء وبعضُها القلب; لقد أخبرني أبي أنه بَعَثَ بها لتكشفَ له عن حقيقة هذا الدين وحقيقةِ هذا النبي; وأنها أنفذتْ إليه دَسِيساَ يُعْلِمهُ أن هوّلاء المسلمين هم العقلُ الجديد الذي سيضع في العالم تمييزَه بين الحق والباطل، وأن نبيهم أطهرُ من السحابة في سمائها، وأنهم جميعاَ ينبعثون من حُدود دينهم وفضائلِه، لا من حدود أنفسهمِ وشهواتِها; وإذا سَلُوا السيفَ سَلُّوه بقانون، وإذا أغمدوه أغمدوه بقانون. وقالت عن النساء: لأن تخافَ المرأةُ على عفّتها من أبيها أقربُ من أن تخافَ عليها من أصحاب هذا النبي; فإنهم جميعاً في واجبات القلب وواجبات العقل، ويكاد الضميرُ الإسلاميُ في الرجل منهم- يكون حاملاً سلاحاً يَضرِبُ صاحبَه إذاً هم بمخالفته.
وقال أبي: إنهم لا يُغيِرُون على الأمم، ولا يحاربونها حربَ المُلْك; وإنما تلك طبيعةُ الحركة للشريعة الجديدة، تتقدَم في الدنيا حاملةً السلاحَ والأخلاق، قويةً في ظاهرها وباطنها، فمن وراء أسلحتِهم أخلاقُهم; وبذلك تكون أسلحتهم نفسُها ذاتَ أخلاق!
وقال أبي: إن هذا الدينَ سيندفعُ بأخلاقِه في العالَمِ اندفاعَ العُصارة الحيةِ في الشجرةِ الجرداء; طبيعة تعملُ في طبيعة; فليس يَمضي غيرُ بعيد حتى تَخضَر الدنيا وترميَ ظِلالها; وهو بذلك فوق السياسات التي تُشْبه في عملها الظاهر المُلَفقِ ما يُعَدُّ كطلاء الشجرة الميتةِ الجرداء بلون أخضر... شَتَانَ بين عمل وعمل، وإن كان لون يشبه لوناَ...
فاسترْوَحَتْ ماريةُ واطمأنت باطمئنان أرمانوسة، وقالت: فلا ضَيْرَ علينا إذا فتحوا البلد، ولا يكون ما نَسْتَضِرُ به؟
قالت أرمانوسة: لا ضيرَ يا مارية، ولا يكون إلا ما نُحِب لأنفسنا; فالمسلمون ليسوا كهوّلاء العُلوج من الروم، يفهمون متاعَ الدنيا بفكرة الحِرص عليه، والحاجة إلى حلاله وحرامه، فهم القُساةُ الغِلاظُ المُستكلِبون كالبهائم; ولكنهم يفهمون متاعَ الدنيا بفكرة الاستغناء عنه والتمييز بين حلاله وحرامه، فهم الإنسانيون الرُّحماء المتعففون.
قالت مارية: وأبيك يا أرمانوسةُ، إن هذا لعجيب! فقد مات سقراط وأفلاطونُ وأرِسْطو وغيرُهم من الفلاسفة والحكماء، وما استطاعوا أن يؤّدبوا بحكمتهم وفلسفتهم إلا الكتبَ التي كتبوها...! فلم يخرِجوا للدنيا جماعةَ تامةَ الإنسانية، فضلآ عن أمة كما وصفْتِ أنتِ من أمر المسلمين; فكيف استطاع نبيُّهم أن يُخرِجَ هذه الأمةَ وهم يقولون إنه كان أميّا; أفتسْخَرُ الحقيقةُ من كبار الفلاسفةِ والحكماء وأهل السياسة والتدبير; فتدعُهم يعملون عَبَثاَ أو كالعبث، ثم تستسلم للرجل الامي الذي لم يكتُب ولم يقراً ولم يدرُس ولم يتعلم؟
قالت أرمانوسة: إن العلماء بهيئةِ السماء وأجرامِها وحساب أفلاكها، ليسوا هم الذين يَشُقون الفجر ويُطلعون الشمس; وأنا أرى أنه لا بد من أمة طبيعية بفطَرتها يكونُ عملُها في الحياة إيجادَ الأفكار العمليةِ الصحيحةِ التي يسير بها العالم، وقد درستُ المسيحَ وعملَه وزمنَه، فكان طِيلةَ عمره يحاول أن يوجِد هذه الأمة، غير اِّنه أوجدها مُصغرة في نفسه وحوارييه، وكان عملُه كالبدء في تحقيق الشيء العسير; حَسْبُه أن يُثبِتَ معنى الإمكان فيه.
وظهورُ الحقيقة من هذا الرجل الأمي هو تنبيهُ الحقيقة إلى نفسها; وبرهانها القاطعُ أنها بذلك في مظهرها الإلهي. والعجيبُ يا مارية، أن هذا النبي قد خذله قومُه وناكروه وأجمعوا على خلافِه، فكان في ذلك كالمسيح، غير أن المسيحَ انتهى عند ذلك; أما هذا فقد ثبت ثباتَ الواقع حين يقع; لا يرتدُّ ولا يتغير; وهاجرَ من بلده، فكان ذلك اْول خُطَا الحقيقةِ التي أعلنت أنها ستَمشي في الدنيا، وقد أخذتْ من يومِئذ تمشي. ولو كانت حقيقةُ المسيح قد جاءت للدنيا كلَّها لها جرتْ به كذلك، فهذا فرق آخر بينهما. والفرقُ الثالثُ أن المسيح لم يأت إلا بعبادة واحدة هي عبادةُ القلب، أما هذا الدينُ فعلمتُ من أبي أنه ثلاثُ عبادات يشُدُ بعضها بعضاً: إحداها للأعضاء، والثانيةُ للقلب، والثالثةُ للنفس; فعبادةُ الأعضاء طهارتُها واعتيادُها الضبط; وعبادةُ القلبِ طهارتُه وحبُّه الخير; وعبادةُ النفسِ طهارتُها وبذلُها في سبيل الإنسانية. وعند أبي أنهم بهذه الأخيرة سيملكون الدنيا; فلن تُقهرَ أمة عقيدتُها أن الموتَ أوسعُ الجانبين وأسعدُهما.
قالت مارية: إن هذا والله لسِر إلِهي يدل على نفسه; فمن طبيعة الإنسان ألا تنبعثَ نفسُه غيرَ مباليةٍ الحياةَ والموتَ إلا في أحوال قليلة، تكون طبيعة الإنسان فيها عمياء: كالغضب الأعمى، والحب الأعمى، والتكبُّرِ الأعمى; فإذا كانت هذه الأفةُ الإسلاميةُ كما قلتِ منبعثة هذا الانبعاث، ليس فيها إلا الشعورُ بذاتيتها العالية- فما بعد ذلك دليل على أن الدينَ هو شعورُ الإنسان بسموّ ذاتيتِه، وهذه هي نهايةُ النهاياتِ في الفلسفة والحكمة.
قالت أرمانوسة: وما بعد ذلك دليلْ على أنكِ تتهيئين أن تكوني مسلمة يا مارية!
فاستَضحَكَتَا معاَ وقالت مارية: إنما ألقيتِ كلاماَ جاريتُكِ فيه بحَسَبِه، فأنا وأنت فكرتان لا مسلمتان.
***
قال الراوي: وانهزم الرومُ عن بُلبيس، وارتدُّوا إلى المقوقس في (مَتف)، وكان وحيُ أرمانوسةَ في ماريةَ مدةَ الحِصار- وهي نحو الشهر- كأنه فكر سكَنَ فكراَ وتمدد فيه; فقد مر ذلك الكلامُ بما في عقلها من حقائق النظر في الأدب والفلسفة، فصنع ما يصنعُ الموّلفُ بكتاب ينقحه، وأنشاً لها أخْيِلَةً تُجادلها وتدفعها إلى التسليم بالصحيح لأنه صحيح، والموّكد لأنه موّكَّد.
ومن طبيعة الكلام إذا أثر في النفس، أن ينتظم في مثل الحقائق الصغيرة التي تُلقَى للحفظ; فكان كلامُ أرمانوسة في عقل مارية هكذا: "المسيحُ بدء وللبدء تَكمِلة، ما من ذلك بد. لا تكون خدمةُ الإنسانية إلا بذات عالية لا تبالي غيرَ سموّها. الأمةُ التي تبذل كل شيء وتستمسكُ بالحياة جُبْناً وحرصاً لا تأخذ شياً، والتي تبذل أرواحَها فقط تأخذ كل شيء".
وجعلتْ هذه الحقائقُ الإسلاميةُ وأمثالُها تُعزب هذا العقلَ اليوناني; فلما أراد عمرو بن العاص توجيهَ أرمانوسةَ إلى أبيها، وانتهى ذلك إلى ماريةَ قالت لها: لا يَجمُلُ بمن كانت مثلَكِ في شرفها وعقلها أن تكون كالأخِيذة، تَتَوَجًهُ حيث يُسارُ بها; والرأي أن تبدئي هذا القائدَ قبل أن يبدأكِ; فأرسلي إليه فأعلميه أنك راجعة إلى أبيك، واسأليه أن يُصْحِبَك بعضَ رجاله; فتكوني الآمرةَ حتى في الأسر، وتصنعي صُنْعَ بناتِ الملوك!.
قالت أرمانوسة: فلا أجد لذلك خيراً منكِ في لسانكِ ودَهائك; فاذهبي إليه من قِبَلي، وسيَصحبُك الراهبُ (شطَا)، وخُذي معك كوكبة من فرساننا.
***
قالت ماريةُ وهي تقصُ على سيدتها: لقد أديتُ إليه رسالَتَكِ فقال: كيف ظنها بنا؟
قلت: ظنُّها بفعلِ رجل كريم يأمره اثنان: كرمُه، ودينُه. فقال: أبلغيها أن نبينا "ص" قال: "اسْتَوْصُوا بالقبطِ خيراَ فإن لهم فيكم صِهْراَ وذِمة". وأعلميها أننا لسنا على غارة نُغيِرُها، بل على نفوس نُغيِّرُها. قالت: فَصِفيهِ لي يا مارية.
قالت: كان آتياً في جماعة من فرسانِه على خيولهم العِراب، كأنها شياطينُ تحمل شياطينَ من جنس آخر; فلما صار بحيث أتبيَّنُه أوّماً إليه الترجُمَانُ- وهو (وَردانُ) مولاه- فنظرتُ، فإذ هو على فرَس كُمَيْت أحَمَّ (أحمر ضارب للسواد) لم يخلُص للأسْوَدِ ولا للأحمر، طويلِ العنق مُشْرِف له ذُوّابة أعلى ناصيته كطُرَّةِ المرأة، ذيَّال يتبختر بفارسه ويُحَمْحِمُ كأنه يريد أن يتكلم، مُطهَّم...
فقطت أرمانوسة عليها وقالت: ما ساْلتكِ صفةَ جوادهِ...
قالت مارية: أما سلاحُه...
قالت: ولا سِلاحه، صِفيه كيف رأيتهِ (هو)!
قالت: رأيتُه قصيرَ القامةِ علامةَ قوة وصلابة، وافرَ الهامةِ علامةَ عقل وإرادة، أدعجَ العينين...
فضحكتْ أرمانوسة وقالت: علامة ماذا؟...
... أبلجَ يُشْرِقُ وجهُه كأن فيه لألاء الذهب على الضوء، أيِّداً اجتمعتْ فيه القوّةُ حتى لتكاد عيناه تأمران بنظرهما أمرأ... داهيةً كتِبَ دَهاوّه على جبهته العريضة يجعل فيها معنىً يأخذ من يراه; وكلما حاولتُ أن أتفرَسَ في وجهِه رأيتُ وجهَه لا يُفسّرُه إلا تكررُ النظر إليه..
وتضرَجتْ وجنتاها، فكان ذلك حديثاَ بينها وبين عينَيْ أرمانوسة. !.
وقالت هذه: كذلك كل لذة لا يفسرها للنفس إلا تكرارُها...
فغضت ماريةُ من طَرفِها وقالت: هو واللّه ما وَصَفْت، وإني ما ملأتُ عيني منه، وقد كدتُ أنكر أنه إنسان لما اعتراني من هيبته...
قالت أرمانوسة: من هَيبته أم عَينيه الدعجاوين...؟
***
ورجعتْ بنتُ المقوقس إلى أبيها في صحبة (قَيس)، فلما كانوا في الطريق وَجَبَت الظُّهر، فنزل قيس يُصَلي بمن معه والفتاتان تنظران; فلما صاحوا: "الله أكبر...! " ارتعش قلبُ مارية، وسألت الراهبَ (شطا): ماذا يقولون; قال: إن هذه كلمة يدخلون بها صلاتَهم، كأنما يخاطِبون بها الزمنَ أنهم الساعةَ في وقت ليس منه ولا من دنياهم، وكأنهم يعلنون أنهم بين يدي من هو أكبر من الوجود; فإذ أعلنوا انصرافَهم عن الوقت ونزاع الوقت وشَهَواتِ الوقت، فذلك هو دخولُهم في الصلاة; كأنهم يَمْحُون الدنيا من النفس ساعةً أو بعضَ ساعة; ومَحْوُها من أنفسهم هو أرتفاعُهم بأنفسهم عليها; انظري، ألا تَرَيْنَ هذه الكلمة قد سَحَرَتهم سِحْراَ فهم لا يلتفتون في صلاتهم إلى شيء; وقد شملتهم السكينة، ورَجَعوا غَير مَن كانوا، وخشَعوا خشوع أعظم الفلاسفةِ في تأمُلِهم؟.
قالت مارية: ما أجملَ هذه الفطرةَ الفلسفية! لقد تَعِبَت الكتبُ لتجعلَ أهلَ الدنيا يستقرّون ساعةَ في سكينةِ اللّه عليهم فما أفلحتْ، وجاءت الكنيسة فهَوّلت على المُصلين بالزخارف والبخوَر والتماثيل والألوان، لتُوحِيَ إلى نفوسهم ضرباَ من الشعور بسكينة الجمال وتقديسِ المعنى الدّيني، وهي بذلك تحتال في نقلهم من جوّهم إلى جوّها; فكانت كساقي الخمر; إن لم يُعطك الخمرَ عَجَزَ عن إعطائك النشْوة. ومن ذا الذي يستطيع أن يحملَ معه كنيسة على جواد أو حمار؟
قالت أرمانوسة: نعم إن الكنيسةَ كالحديقة; هي حديقة في مكانها، وقلما تُوحي شياَ إلا في موضعها; فالكنيسةُ هي الجدرانُ الأربعة، أما هوّلاء فمعبدهم بين جهات الأرض الأربع.
قال الراهب شطا: ولكن هوّلاء المسلمين متى فُتِحَتْ عليهم الدنيا وافتتنوا بها وانغمسوا فيها - فستكون هذه الصلاةُ بعينها ليس فيها صلاة يومئذ.
قالت مارية: وهل تُفتَح عليهم الدنيا، وهل لهم قُوّاد كثيرون كعَمْرو..؟
قال: كيف لا تُفتح الدنيا على قوم لا يُحاربون الأمم بل يحاربون ما فيها من الظلم والكفر والرذيلة، وهم خارجون من الصحراء بطبيعة قوية كطبيعة الموْج في المد المرتفع; ليس في دَاخلها إلا أنفُس مندفعةٌ إلى الخارج عنها; ثم يقاتلون بهذه الطبيعة أمماَ ليس في الداخل منها إلا النفوسُ المستعدّةُ أن تهربَ إلى الداخل...!
قالت مارية: واللّه لكأننا ثلاثَتَنا على دِين عَمرو....
وانفتل قيس من الصلاة، وأقبل يترحَل، فلما حاذَى ماريةَ كان عندها كأنما سافر ورجع; وكانت ما تزال في أحلام قلبها; وكانت من الحُلم في عالَم أخَذَ يتلاشى إلا من عَمرو وما يتصل بعمرو. وفي هذه الحياةِ أحوال! "ثلاث " يغيب فيها الكونُ بحقائقه: فيغيبُ عن السكران، والمخبول، والنائم; وفيها حالةٌ رابعة يتلاشى فيها الكون إلا من حقيقة واحدة تتمثل في إنسان محبوب.
وقالت مارية للراهب شطا: سَلْهُ: ما أرَبُهم من هذه الحرب، وهل في سياستهم أن يكونَ القائدُ الذي يفتح بلداً حاكماَ على هذا البلد...؟
قال قيس: حَسْبُكِ أن تعلمي أن انرجل المسلم ليس إلا رجلاً عاملاً في تحقيهت كلمةِ اللّه،أما حظ نفسهِ فهو في غير هذه الدنيا.
وترجَمَ الراهبُ كلامَه هكذا: أما الفاتحُ فهو في الأكثر الحاكم المقيم، الحربُ فهي عندنا الفكرةُ وأما المُصلِحَةُ تريد أن تَضربَ في الأرض وتعمل، وليس حظّ النفس شياً يكون من الدنيا; وبهذا تكون النفسُ أكبر من غرائزها، وتنقلب معها الدنيا برُعونتها وحماقاتها وشَهَواتها كالطفل بين يديْ رجل، فيهما قوةُ ضبطِه وتصريفِه. ولو كان في عقيدتنا أن ثوابَ أعمالنا في الدنيا، لانعكس الأمر.
قالت مارية: فسَلْهُ: كيف يصنعُ (عمرو) بهذه القِلة التي معة والرومُ لا يُحصَى عَدَدُهم; فإذا أخفقَ (عمرو) فمَن عسى أن يستبدلوه منه; وهل هو أكبرُ قُوّادِهم، أو فيهم أكبرُ منه؟
قال الراوي: ولكن فَرَسَ قيس تمَطَر وأسرع في لِحَاقِ الخيل على المقذَمة كأنه يقول: لَسْنا في هذا...
***
وفُتحتْ مصرُ صُلْحاً بين عمرو والقِبط، وولى الرومُ مُصْعِدين إلى الإسكندرية، وكانت ماريةُ في ذلك تستقرىء أخبارَ الفاتح تطوفُ منها على أطلال من شخص بعيد; وكان عمرو من نفسها كالمملكة الحصينة من فاتح لا يملكُ إلا حُبهُ أن يأخذَها; وجعلت تذوي وشَحَبَ لونُها وبدأت تنظر النظرةَ التائهة: وبان عليها أثر الروح الظمْأى; وحاطها اليأسُ بجوّه الذي يُحرق الدم; وَبَدَت مجروحةَ المعاني; إذ كان يتقاتلُ في نفسها الشعوران العَدُوّان: شعورُ أنها عاشقة، وشعورُ أنها يائسة!
ورقَّتْ لها أرمانوسة، وكانت هي أيضاَ تتعلق فتًى رومانيّاَ، فسَهِرَتا ليلةَ تُديران الرأي في رسالة تحملها ماريةُ من قبلها إلى عمرو كي تصلَ إليه، فإذا وصلتْ بلَّغت بعينيها رسالةَ نفسها... واستقرّ الأمرُ أن تكون المسألةُ عن ماريةَ القبطية وخبرها ونسلها وما يتعلَقُ بها مما يطول الإخبارُ به إذا كان السوّالُ من امرأة عن امرأة. فلما أصبَحَتا وقعَ إليها أن عمراً قد سار إلى الإسكندرية لقتال الروم، وشاع الخبر أنه لما أمر بفُسْطاطه أن يُقَوّضَ أصابوا يمامةً قد باضت في أعلاه، فأخبروه فتال: "قد تَحَرَّمَتْ في جوارنا، أقِرواً الفسطاطَ حتى تطيرَ فِرَاخُها". فأقَرّوه!

***
ولم يمضِ غيرُ طويل حتى قضت ماريةُ نحبها، وحَفِظت عنها أرمانوسةُ هذا الشعر الذي أسمته: نشيد اليمامة.
على فُسطاطِ الأمير يمامة جاثمة تَحْضن بَيْضَها.
تركها الأميرُ تَصنعُ الحياة، وذهب هو يَصنعُ الموت!
هي كأسعد امرأة; تَرَى وتلمسُ أحلامَها.
إن سعادةَ المرأة أولُها وآخِرُها بعضُ حقائق صغيرة كهذا البيض.
على فسطاط الأمير يمامةْ جاثمةٌ تحضن بيضَها.
لو سُئِلَتْ عن هذا البيض لقالت: هذا كَنزي.
هي كأهنأ امرأة، مَلَكَت مِلكها من الحياةِ ولم تفتقِر.
هل أُكلف الوجودَ شياً كثيراَ إذا كلفتُهُ رجُلاً واحداً أحبه!
***
على فسطاط الأمير يمامة جاثمة تحضن بيضَها.
الشمسُ والقمرُ والنجوم، كلُها أصغرُ في عينها من هذا البيضِ.
هي كأرق امرأة; عرفت الرقَّةَ مرتين: في الحب، والولادة.
هل أُكلف الوجود شياً كثيراً إذا أردتُ أن أكون كهذه اليمامة!
***
على فسطاط الأمير يمامة جاثمة تحضن بيضَها.
تقول اليمامة: إن الوجودَ يحب أن يُرى بلونين في عين الأنثى;
مرةً حبيباً كبيراً في رَجُلها، ومرة حبيباً صغيراَ في أولادها.
كلُّ شيء خاضغ لقانونه; والأنثى لا تريد أن تخضع إلا لقانونها.
***
أيتُها اليمامة، لم تعرفي الأميرَ وتركَ لكِ فسطاطَه!
هكذا الحظ: عدل مضاعفٌ في ناحية، وظلم مضاعف في ناحية أخرى.
احمدي اللهَ أيتُها اليمامة، أنْ ليس عندكم لغات وأديان، عندكم فقط: الحب والطبيعةُو الحياة
  #21  
قديم 04/09/2006, 09:34 PM
صورة عضوية القنبلة84
القنبلة84 القنبلة84 غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ الانضمام: 25/01/2005
المشاركات: 274
ثاااااااانكيو



بالأنغريزي



ههههههه
  #22  
قديم 04/09/2006, 09:52 PM
صورة عضوية النجمة اللامعة
النجمة اللامعة النجمة اللامعة غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ الانضمام: 30/08/2001
الإقامة: تاج راس الدنيا "مسقط"
المشاركات: 355
ظبية
الشيمة .... ارجوش
انقلعت عيني من كثر ما اقرأ من الشاشة
وانت ما مقصرة في حجم الخط
احسنت وبارك الله فيك
وبس كفاية قص ولصق
  #23  
قديم 04/09/2006, 09:53 PM
صورة عضوية النجمة اللامعة
النجمة اللامعة النجمة اللامعة غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ الانضمام: 30/08/2001
الإقامة: تاج راس الدنيا "مسقط"
المشاركات: 355
يا حلو الاثر
مشكور على المشاركة
بس بيني وبينك ما احب اقرأ من الكمبيوتر
استحب الكتب
  #24  
قديم 05/09/2006, 02:31 AM
الكفن الكفن غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ الانضمام: 01/11/2000
الإقامة: مـديـنـه أفـلاطـون الفـاضـله
المشاركات: 692
الأحباط و الخيبه يغمرانني وأنا اقرأ قائمه الكتب على أمل أن أجد كتابا مألوفا لكن لا حياه لمن تنادي !!!

أعزي نفسي بأني أميل للكتب العلميه و الأهتمامات الهندسيه أكثر

أقرا حاليا كتابا بعنوان " Who Controls the Internet" وأعتقد أن العنوان يتحدث عن نفسه..
 

أدوات الموضوع البحث في الموضوع
البحث في الموضوع:

بحث متقدم
تقييم هذا الموضوع
تقييم هذا الموضوع:

قواعد المشاركة
ليس بإمكانك إضافة مواضيع جديدة
ليس بإمكانك إضافة ردود
ليس بإمكانك رفع مرفقات
ليس بإمكانك تحرير مشاركاتك

رموز لغة HTML لا تعمل

الانتقال إلى


جميع الأوقات بتوقيت مسقط. الساعة الآن 05:22 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions Inc.
سبلة العرب :: السنة 25، اليوم 126
لا تتحمل إدارة سبلة العرب أي مسئولية حول المواضيع المنشورة لأنها تعبر عن رأي كاتبها.