سبلة العرب
سبلة عُمان الصحيفة الإلكترونية الأسئلة الشائعة التقويم البحث مواضيع اليوم جعل المنتديات كمقروءة

العودة   سبلة العرب > السبلة الدينية

ملاحظات

 
 
أدوات الموضوع البحث في الموضوع التقييم: تقديرات الموضوع: 2 تصويتات، المعدل 5.00.
  #1  
قديم 10/07/2004, 06:50 PM
سحلا سحلا غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ الانضمام: 09/06/2004
الإقامة: عالم الحقيقة
المشاركات: 526
حقيقة ما يقال عنا ( و الله تعبت ) الحق واضح

الأدلة في دحض ما نسب إلى الأباضية




تأليف / بدر بن هلال بن حمود اليحمدي


-----------------------------------------------------------------------



إن هذا البحث الذي يراه القارئ بين يديه ، هو في الحقيقة وليد سبب اضطرني إلى ، فهو لم يكن في الحسبان ، ولم أكن أفكر فيه من قبل ، ذلك لأنه ليس بحثا اختياريا انتقيته من بين مواضيع لعلم ، وإنما هو بحث اضطراري دفعني إلية الواجب الذي يفرض علي كل مسلم أن يبين الحق ، ويرد شبة

الذي يحاولون تشويه الحقائق ويصرفون الناس عن الاتجاه إليها،وعمن يتمسك بها، فإن هذا الموقف يحتم على كل أحد أن يجند نفسة ويشد عزيمته مستخدما ما آتاه الله من المنح ــــ وإن كانت ضعيفة

في سبيل إظهار الحق وبيانه للناس ،ولا يتواهن في هذا ،لأن في التواهن مدعاة لنشر الباطل من قبل أتباعه مما يؤدى في النهاية إلى طمس الحقائق بسبب هذا التواهن.

ولكي لا استطرد في هذا الاتجاه أريد أن أبين هذا السبب الذي دعاني إلى كتابة هذا البحث ،فهو سبب يستحق أن يكتب من أجله صفحات و صفحات من الحجج والبراهين لرد الافتراءات التي قيلت

عن الاباضية ، وهي ليست من الحقيقة في شيء.

ذلكم السبب: هو أنني اطلعت في أحد الأيام على أحد الكتب الفقهية التي كتبت حديثا، والذي يعده البعض مرجعا من مراجع الفقه الإسلامي،هذا الكتاب هو كتاب ((الفقه الإسلامي وأدلته)) تأليف الدكتور وهبة الزحيلي ، وهو كتاب يتألف من ثمانية أجزاء كبيرة ، وبدأت أول اطلاعي عليه بقراءة

المقدمة التي تعد مفتاح للكتاب ،ومبينة لمنهج وطريقة مؤلفه ، وقد وجدت فيها في البداية ما يدعوني إلى ما يقوله المؤلف ، وإلى ما ينقله عن الكتب الأخرى ومذاهبها . ولكنني فوجئت ـــ بنص تكلم عن الاباضية كلاما مختلفا، ليس له من الواقع ولا من الصحة مكان أبدا.

ودهشت بهذا الكلام الذي يناقض النهج الذي وعد المؤلف أن يلتزمه ، ويهدم القاعدة التي أسسها عليها دعائم الكتاب ، مما دعاني إلي الاستغراب والتعجب ، واحذ دافع الغيرة على الحق يدب في قلبي وعقلي ، لأن هذا بهتان عظيم يلصق بجماعة مسلمة فيظهرها بمظهر مخالفة السنة النبوية وإجماع المسلمين في مسائل فقهية ليست محلا للخلاف ، فتأثرت وأخذت أفكر في الموضوع

حتى أشير إلي بأن أرد على هذه التهم ، فوجدتني لا مناص لي عن الأخذ بالمشورة،وحاولت أن أبذل جهدي في سبيل الحصول علي الحجج التي أستطيع بها دفع الشبه التي أضفيت على لحجبها عن الأبصار.



ويعلم الله انه لولا واجب إظهار الحق الذي يدعو إلية الإسلام لما اكترثت بالرد . ولكن ضاعف من اهتمامي بالموضوع غيرتي على ما اشمل علية الكتاب من آيات قرآنية وأحاديث شريفة وأقوال للصحابة والتابعين ، فإن الحق أجل من يلزم مع الباطل في قرن ، والصدق أنزه من أن يصب مع الكذب في وعاء.

ولولا ما أشرت إلية لتغاضيت عن أمر قد يثير القيل بين المسلمين ، ولكن ما هي حيلتي والواجب فوق كل شئ، وثم أقلام محسوبة علي الإسلام تتدفق منها سموم التفرقة بين الأمة .



وألا يجب إيقاف هؤلاء عن هذا النهج الذي اختطوه لأنفسهم بأية طريقة كانت ؟.... بلي ، لابد من ذلك ، وإنني أشد جميع المسلمين أن لا يدعوا لمثل هولاء مجالا لبذر الأحقاد في المجتمع الإسلامي ، لأنهم بتساهلهم معهم يشايعونهم على طريقتهم المؤذية بزيادة التشتت بين الأمة ونمو الظغائن والأحقاد في صدورها ، ولن يكون الربح في النهاية ألا عدوها المتربص بها الدوائر.

والى القارئ الكريم نقلا حرفيا لنص كلام الدكتورالزحيلي الذي ادعى قال في الجزء الأول (29)

تحت عنوان:

المطلب الثاني ــ لمحة موجزة عن فقهاء المذهب :



((وسأذكر هنا لمحة موجزة عن أئمة المذاهب الكبرى الثمانية لأهل السنة، وأهل الشيعة ، وبعض الخوارج المعتدلة الذين ما يزال أتباعهم موجدين ما عدا الظاهرية الذين فقدوا الأشياع والاتباع .))



ثم اخذ يذكرهم واحدا واحدا مبتدئا بابي حنيفة مؤسس المذهب الحنفي، وتلاه بمالك بن أنس مؤسس المذهب المالكي ، ثم بأحمد بن حنبل الشيباني مؤسس المذهب الحنبلي ، ثم بأبي سليمان دواد بن علي الأصفهاني الظاهر مؤسس المذهب الظاهري ، ثم يزيد بن علي زين العابدين إمام الشيعة الزيدي ، ثم بابي جعفر محمد بن الحسن الصفار مؤسس مذهب الشيعة الأمامية في الفقه ، واخيرا في المرتبة الثانية ذكر عبد الله بن اباض التميمي المتوفى 80 هـ في عهد الخليفة عبدا لملك بن مروان مؤسس

مذهب الاباضيبة .

ثم أردف قائلا عن الاباضية ما نصه :



((والاباضية اكثر فرق الخوارج اعتدالا،أقربهم إلى الجماعة الإسلامية رأيا وتفكيرا ، فهم لا يرون مخالفيهم من المسلمين مشركين ،وانما كفار نعمة ، ويحرمون دماء مخالفيهم في السر لا في العلانية

ودارهم دار توحيد ألا معسكر السلطان .ولا يحل من غنائم مخالفيهم إلا الخيل والسلاح ، وكل ما فيه قوة في الحرب ، وتجوز وشهادة المخالفين ومناكحتهم والتوارث معهم.



ولا تزال هذه الفرقة قائمة في بلاد طرابلس الغرب وفي زنجبار و عمان ، ويسمون من اجل خروجهم على إجماع المسلمين ( الخوامس ) لخروجهم عن المذاهب الأربعة .



وعمدة كتبهم في الفقه ((شرح النيل وشفاء العليل )) للشيخ محمد بن يوسف اطفيش، في عشرة مجلدات,المطبعة السلفية بمصر 1343هـ.



ومصادر فقههم : القران والسنة والإجماع والقياس ألا إن المراد بالإجماع عندهم هو إجماع طائفتهم،

ولا يأخذون بالسنة المعارضة للقران .



ومن مخالفيهم الفقهية : إنكارهم حد الرجم للزاني المحصن ، لانه يتبض بالنسبة للعبيد ،ولانهم لا يأخذون بفعل الرسول صلى الله علية وسلم لمعارضته القران الأمر فقط بجلد الزناة.

وقولهم بجواز الوصية للوارث عملا بآية (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت أن ترك خير الوصية للوالدين والاقربين) [1]

والوالدان وارثان علي كل حال ,لا يحجبهما أحد عن الميراث . وقولهم بجواز الجمع بين المرأة وعمتها لعدم ذكره في القرآن . وبأن المحرم من الرضاع هو الأم والأخت فقط لأنه المذكور في القرآن , ويقولون بتخليد العصاة في النار لأن لأيمان عندهم قول وعمل . وهم الآن يرفضون تسميتهم

بالخوارج ))(2 )....انتهى كلامه.

هذا النص ما إلا مزج بين الحق والباطل , وهو في أغلبة أفك وافتراء لا يرضاه الله ولا رسوله أبدا.



وكان يجب علي هذا الدكتور أن يربأ بنفسه عن الانزلاق في هذا الاتجاه الذي يؤدى ألي تمزيق الأمة المسلمة ,والتحزبات بين المسلمين ,وهذا هو مطلوب أعداء الإسلام .



وأنني لأتعجب من هذا الدكتور كيف ارتضي لنفسه إن يضمن هذا الكتاب الذي تناول فيه موضوع الفقه الإسلامي الذي يجب أن يؤخذ بكل صدق وتحقيق , كيف ارتضى لنفسه أن يضمنه هذه الأكاذيب التي تتهم طائفة من المؤمنين بأشياء لا يرضاها الله ولا رسوله . مع أنهم يتبرأ ون من كل ذلك ؟



ولكن التعجب عندما يصل الإنسان ألي الحقيقة وهى أن الحق لابد له من أن يصطدم بالباطل وان يلاقى من قبل أصحاب الأهواء مقاومة عنيفة , وماء علية ألان يثبت أمامها ويواجه جميع التحديات بكل قوة وعزم مظهرا الحجة التي تدمغ كل شبهة فما يملك الباطل ألان ينهد أمام صدعة الحق لا تبقى له من باقية .(وقل جاء الحق وزهق الباطل أن الباطل كان زوهوقا) (3)





وما أدل علي ذلك من سيرة الرسول علية الصلاة السلام التي تخبرنا عما عاناه من محن وما الصق به من افتراءات , فثبت وصبر وجاهد في الله حق جهاده من حتى نصره الله , واعزه بدولة الإسلام وأظهر الحق و كبت الذين كانوا يناوثون الإسلام و أهله, وتفتحت عقول الناس للحقيقة التي ليس فيها مراء ولا ريب.
  مادة إعلانية
  #2  
قديم 10/07/2004, 06:51 PM
سحلا سحلا غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ الانضمام: 09/06/2004
الإقامة: عالم الحقيقة
المشاركات: 526
وهكذا شأن كل دعوة صادقة , وكل حقيقة ثابتة لابد أن تواجه لفترة من الزمان , بل في كل وقت من الآويات ما يحاول أن يشل حركتها , ويشوه جوهرها , وليس أمامها حل سوى أن تنافح عن نفسها , وتدحض شبه المغرضين بالبراهين القاطعة وألا لهوت أمام أي تيار مواجه لها ولو بلغ من الضعف غايته .



كما أن الحق لابد أن ينصره الله ويظهره , ويدمغ به الباطل ويزهقه (بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق )(1)

ولابد أن يهيئ له الأجيال القادرة المتفتحة بعقولها لكي تعرفة أولا , وثم لتنشره ثانيا بين جميع البشرية .



وأنني لأهيب بهذا الدكتور وبغيره ممن يسيرون على نهجه أن لا يسلكوا هذا المسلك الذي يتجاهل الحقيقة ولا يريد صاحبة أن يكلف نفسه عناء البحث عنها , بل يغمض عينية عن معرفتها , كما أهيب به أن يسارع إلي إلغاء هذا الكلام من كتابه لأنه هذا الجيل الناشئ هو جيل الشباب الباحث عن الحقيقة الذي لا يرضى أن يقلد التقليد الأعمى ولا يندفع وراء تيار التعصب والأهواء ,وكذلك شان الأجيال القادمة إن شاء الله .



فكيف تكون قيمة كتاب هذا الدكتور والكتب المماثلة له عندما يجد الباحثون عن الحقيقة المطلعون على الإباضية أن فيها خلاف ما يقال عنهم ويفترى عليهم ؟...لا ريب أنة سينزرع في نفوسهم الشك في معلومات هذا الكتاب ,كما ينزعون من أنفسهم الثقة العلمية بمؤلفه في سائر مؤلفاته ,وكذلك

شأن أي مؤلف يسلك سبيل الراحة في البحث وعدم الاجتهاد في طلب الحقيقة ممن ليس لهم هم سوى تجميع الآراء والأقوال ,وشحن صفحات الكتب ليقال عنهم أنهم ألفوا المجلدات الكثيرة ,وأعدوا البحوث والمقالات.



وكذلك كان يجب على أي باحث أن لا يقول ما لا يعلم , وإذا أراد أن يتحدث بقولة فعلية أن يفتح عينية , ويشمر عن ساعديه , ويسهر الليالي في سبيل الحصول على النتيجة الصائبة التي يرتاح إليها في النهاية , ويرضى عنها جميع الناس لما تنطوي علية من أدلة واضحة وحجج مقنعة لا يمكن ردها ,وأن لا يكون هدفه ناتج عن هوى أو غاية شخصية ليرضى بها مجموعة من الناس ,بل يكون هدفه إرضاء الله أولا ,ثم إظهار الحق ثانيا.



وقبل أن ا تعرض للرد على كل قضية أوردها الدكتور , أود أن نقف معا على بعض الأخطاء التي وقع فيها والتي كان يجب أن يلاحظها , ويحرص على تجنبها , لكي لا يقع في التناقض , ومن هذه الأخطاء:



أولا:مناقضة المؤلف لما قاله في مقدمة كتابه , في معرض حديثه عن بيان منهجه في تأليف كتابه هذا,وأورد لك نص قولة لكي تحكم بنفسك على تناقض هذا الدكتور مع نفسه لأنه وقد وضع لنفسه خطة لم يتبعها وقال كلام لم يطبقه , وقد قال تعالى (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون مالا تفعلون.2. كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون)(2)



وإليك نص قوله: (( وهو ليس كتابا مذهبيا محدودا،وإنما هو فقه مقارن بين المذاهب الأربعة (الحنفية والمالكية و الشافعية و الحنابلة) وبعض المذاهب الأخرى أحيانا,

بالاعتماد الدقيق في تحقيق كل مذهب على مؤلفاته الموثوقة لدية ,والإحالة على المصادر المعتمدة عند أتباعه , لأن نقل حكم في مذهب من كتب المذاهب الأخرى لا يخلو من الوقوع في غلط في بيان الرأي الراجح المقرر , وقد عثرت على أمثلة كثيرة من هذا النوع آثرت عدم الإشارة إليها, حرصا على الموضوعية والإيجابية فيما يقرره ,وبعدا عن المغالاة في تقديس كل جزئيات الكتب الفقهية ))(1) .... انتهى كلامه.



لا شك أن القارئ عندما يجد مثل هذا الكلام في البداية يحصل في نفسه شئ من الطمأنينة إلى آراء الكاتب , ولكن للأسف الشديد أن هذه الطمأنينة لا تلبث أن تزول بسرعة عندما يواصل قراءة هذه المقدمة فيجد التناقض قريبا منه , ويدخله الشك في معلومات الكتاب , لأنه لم يجد ما كان قراه حقيقة كتابه .



وسرعان ما يرى القارئ نقيض هذا القول عندما يواجه بافتراءات ليست لها حقيقة , ألصقت بفرقة مسلمة مؤمنة بالله ورسوله وجميع أركان الإيمان , وتنتهج نهج الرسول علية الصلاة والسلام ,وتأخذ في فقهها من الكتاب والسنة والإجماع والقياس .

فأين الموضوعية وأين الإيجابية التي ادعاها , وما هي المؤلفات الموثوقة والمصادر المعتمدة عند اتباع المذهب الإباضي التي رجع إليها هذا الدكتور فنقل عنها هذه المعلومات , وأين البعد عن التفسيرات الفجة والعصبيات المذهبية الضيقة . وأين التنزه الذي ادعاه عن المغالاة في تقديس كل جزئيات الكتب الفقهية التي نقل عنها...؟!

أسئلة وجيهة تطرح على الدكتور ,أظنه يعثر على جواب يكافئها ,إلا أن يقول : أنني قد

أحسنت الظن نقلت عنهم ولم أحسب أنهم لم يدققوا فيما قالوا !

وإنه ليبدو جوابا مقنعا لمن ليس له قلب ,ولكنة في الحقيقة لا يستطيع الثبات أمام ثلاث حجج ينبغي ملاحظتها:

(الأولى): ألم يكن جديرا بالدكتور وقد بلغ من درجة البحث ما بلغ , ولا ريب أنه تولى مناقشة رسائل في الماجستير وغيرها.

وكثيرا ما أحرج الطلام بأسئلته لعدم موضوعيتهم ,ألم يكن جدير به أن يتحقق من هذا الكلام الذي نقلة والذي ينافي الموضوعية الحقة , وينافي طريقة البحث العلمي ؟

ثم ما هي حيلته عندما يلاحظه طلابه أنه لا يلتزم بهذه الموضوعية التي طالما ناشدهم بها؟

(الثانية): إن نقل هذا الدكتور لهذا الكلام دون أن يعلق عليه بما يدل على رفضه له , لهو دليل على تبنيه هذا الآراء المزيفة , وأنه يعتقد صحتها فيمن اتهموا بها , ولما تبين عدم صحتها تبين عدم صحة نهج الدكتور فيما زعم ,فهو يتحمل مسئولية هذا التبنى عند الله سبحانه وتعالى وكفى بالله حسيبا.

(الثالثة):إذا نقل إحسان الظن فيمن ينقل عنهم عذرا للناقل عما قالوه في كل شئ ,فإن هذا يؤدى ألي عدم التشجيع على العلم الحقيقي القائم على البحث الدقيق في المسائل , والذي إلى التوصل ألي نظريات و حقائق لم تكن معروفة من قبل عند الناس.

وإذا إحساس الظن في كل شئ ـ خصوصا في مثل هذه الافتراءات خطأ كبير قد وقع فيه كثير من السابقين وليس أقل منهم في المحدثين ذلك أن كل واحد ينقل عمن أحسن الظن فيه , وهذا الثاني قد نقل عن غيره وهكذا , والعبارات والنظريات التي لا تقوم على أساس , وبالتالي يصبح الناس يعتقدون صحتها كأنها حقائق ثابتة لا يشوبها شائب من ريب فيجب التسلم بها .

ولكن العاقل من استخدم فكره في تمحيص الشبه حتى لا يقع في دائرة المغفلين الذين لا يملكون سوى ترديد الكلام بدون وعى ولا فهم , بل يجب عليه أن يفكر ويبحث عن الحقيقة مهما كلفته من العناء.

ثانيا:ـ ألا يكفى هذا الدكتور حرجا أن ينقل ويكتب كل ما قرأ وسمع ،وقد قال عليه السلام ((كفى بالمرء كذا أن يحدث بكل ما سمع))(1) فإنه ليس كل ما يسمع ويقرأ يعد صحيحا , فكثير من الكلام يتناقله الناس وهو معصية من المعاصي , كأن يكون بهتانا أو زورا أو نميمة أو غيبة أو فحشا , حتى وإن كان صحيحا مادام في مضرة بالدين , على المؤمن أن يتورع عن هذا كله, أيرضى هذا الدكتور لنفسه أن يحسب من النقالين لكل ما يسمع؟ فإن كان يرضى بهذا فكفاه زورا وإلا فان كتب الاباضية منذ بداية القرن الثاني وإلى الآن لا تزال بين أيدينا ولا يوجد فيها أي شئ من هذا المفتريات التي لا يراد بها أن ينفر الناس عن مذهب أهل الحق والاستقامة وعن قراءة كتبه .كم أيراد بها أن تزيد من التباعد بين فرق المسلمين في وقت هم أحوج ما يكونون فيه إلى الاتحاد أمام أعداء الله من المشركين والملحدين واليهود والنصارى الذين لا يفتأون يحيكون المؤامرات ليل نهار لهدم صرح هذا الدين الحنيف , فمن يرضى أن يكون عونا لأعداء الله شفى تفكيك أمة محمد صلى الله علية وسلم ؟!.

وألان لنتجه إلى هذا الافتراءات التي قيلت عن الاباضية في كتاب الدكتور الزحيلى ,لنبدا في الرد عليها واحدة بعد أخرى ,لنبين الحق ونرده إلية , وليعلم ما علية الاباضية منذ تأسس مذهبهم في القرن الأول وعلى الآن ,وحتى يعرف كل أحد من المسلمين أن ما قيل في حق هذا المذهب أو نسب أليه لم يختلق إلا لأجل طمس الحقائق الواضحة ,ولأجل تشكيل الناس في المذهب الإباضي وفى فقهه لئلا يطلعون على مؤلفاته ومصادره الرئيسية التي ينبغي الرجوع إليها , بل يكتفون بماء يقال عنهم في كتب المذاهب الأخرى ,وهذه هي طريقة الضعيف الذي يشعر بعدم استطاعته لمواجهة الحق لأنه يخاف أن لو اطلع كتب الاباضية الفقهية وغير الفقهية وغير, سواء القديمة او الحديثة لوجد فيها والتأثر به , وهو لا يريد أن يأخذ به ويترك الافتراءات العصبية التى توافق رغبات النفس وأهواءها , ونحن نعرف صعوبة ترك هذه الأهواء على النفس البشرية ما لم تكن الطاقة الإيمانية تسيطر عليها.



فمثلا نجد هذا الدكتور يذكر أن من أمهات الكتب عند الإباضية كتاب ((شرح النيل))

للشيخ محمد بن يوسف اطفيش , وهو يدل أنه على علم به , فما الذي منعة من أن يطلع علية لير ما نسب ألي الاباضية هل هو صدق أو زور؟



لا شك أنه لم يكلف نفسه مشقة الاطلاع على الحق ولم يرد أن يخالفهم أو يكون عقله مسئول عن التحكم على عاطفته , و لا أظنه نقل شيئا من الأقوال الفقهية الاباضية في كتابة كما زعم , فكان من الأحرى له عدم ذكر المذهب الاباضي أصلا في كتابة , لما كان هذا هو الأحرى و الأفضل اتضح السبب الذي دفعه إلى ذكره. وهو سبب ناتج عن مرضى نفسي وهو التعصب وإن واراه تحت ستار التوسع في البحث الفقهي فدس السم في الدسم .



فهو ذكر المذهب الاباضى ليقال إنه اعتد به وذكره في المذاهب الإسلامية الكبيرة الباقية , وإنه أورد أقوالا عنه في كتابه , ولكن المذهب الاباضى وأتباعه غنى عن مثل هذا الاعتداد , وغنى عن مثل هذا الذكر , وهذه المواربة لا يمكن أن تخفى على ذي البصيرة أبدا. وقد كان من الأفضل للدكتور الزحيلي أن يكون متجها في الطريق الصحيح الصريح الذي ليس فيه اعوجاج.

وقبل أن نبدأ في تناول كل قضية على حدة , نود أن نستعرض جميع هذه القضايا بصورة مجملة , حتى يكون القارئ على بينة منها , فهي وأن كانت مذكورة فى نص الدكتور, إلا أن هناك من لا يعرفها بل يعرف بعضها, وقد يظن أن البعض الآخر هو صحيح ثابت عن الاباضية , فلهذا أحببت أن أعرضها بالترتيب , ثم نبدأ فى تخريجها واحدة بعد أخرى.



وإليكها كالتالي:ـ

1ـ ذكر الدكتور في بداية حديثه أن مؤسس المذهب الإباضى هو عبد الله بن إباض التميمى ,مع العلم أن المؤسس الحقيقي للمذهب هو الأمام التابعي الكبير جابر بن زيد الأزدي , وسيأتي بيان ذلك إن شاء الله .



2ـأنه اعتبر الاباضية فرقة من الخوارج , مع أن هناك فروقا واضحة بينهم وبين الخوارج , في النهج والمبادئ , وسنبين هذه الفروق.

3ـ قال عن الاباضية إنهم يجعلون المخالفين كفار نعمة, وأنهم يحرمون داءهم في السر لا في العلانية , والاباضية يحرمون دماء مخالفيهم في السر والعلانية ماداموا موحدين غير مقارفين لما يوجب حكما بالقتل ولا فارق في ذلك بين إباضى وغيره.



4ـ ذكر أن الاباضية يعتبرون دارهم دار توحيد إلا معسكر السلطان و الحقيقة أن الاباضية يعتبرون معسكر السلطان العادل المستقيم معسكر إيمان وأما معسكر السلطان الظالم فهو عندهم معسكر بغي ,و لا ينفون عنه صفة التوحيد , فلا يقولون انه ليس معسكر توحيد .



5ـ اختلق على الاباضية قولا بأنه لا يحل من غنائم مخالفيهم إلا الخيل و السلاح وكل ما فيه قوة في الحروب , والاباضية لا يقولون بهذا , بل يقولون لا يحل من غنائم المخالفين شئ أبدا.



6ـ أظهر لقبا جديدا للاباضية لم نكن نسمع به من قبل فقال : أن الإباضية يسمون من أجل خروجهم على إجماع المسلمين (بالخوامس) لخروجهم عن المذاهب الأربعة.

7ـ زعم أن الإجماع المقصود عند الاباضية هو إجماع طائفتهم فقط وهذا غير صحيح لأن الاباضية يقصدون بالإجماع إجماع الأمة كلها , و لا يحصرونه في طائفتهم.

8ـ أورد عبارة مجملة عن الإباضية , وهى ((أن الإباضية لا يأخذون بالسنة المعارضة للقرآن)) ولم يفصل القول في المسالة , بل تركها سائبة تمهيدا لأمور أخرى , ولكن التفصيل أتى من غيره بحمد الله.



9ـ نسب إليهم أنهم ينكرون حد الرجم للزاني المحصن وأورد شبهات من عنده , زعما أن الإباضية يحتجون بها , وهذا منكر من القول والإباضية منه براء , فهم يحكمون على الزاني المحصن بالرجم كما سيأتي .



10ـ قال عنهم أنهم يجوزون الوصية للوارث عملا بآية {الوصية للوالدين } وهم لا يقولون بهذا(لا وصية لوارث)كما جاء في الحديث , سنذكر أقوال علماء المذهب عندما نأتي إلى دراسة الموضوع.



11ـ أتى ببهتان عظيم حينما قال إن الاباضية يجوزون الجمع بين المرأة وعمتها وأدلى بشبهة من عنده على لسان الاباضية , وهى عدم ذكر التحريم في القرآن وسيأتي الرد علية إن شاء الله.

12ـ ومن الافتراءات البينه ما نسبه إلى الاباضية ((أن المحرم من الرضاع هو الأم ولأخت فقط, لأنه المذكر علية في القرآن ))و الاباضية بحمد الله بما آتاهم الله من العلم يعلمون أنه (( يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب )) ولا يقولون بخلافه كما سيأتي.

13ـ أما قوله أن الاباضية يقولون بتخليد العصاة في النار , فهذا لا ننكره , ولكن العصاة المعنيين هم الذين ماتوا على غير توبة من معاصيهم الكبيرة , ولهذا القول أدلة من الكتاب والسنة إن شاء الله .

1ـ مسألة مؤسس الذهب الاباضي



علمنا مسبقا أن الدكتور ذكر أن مؤسس مذهب الاباضية هو عبد الله بن إباض ,وهذه المقولة تدل حسب الظاهر على الجهل بالحقيقة أن لم نقل على تجاهلها.

فمسألة نسبة الاباضية ألي عبد الله بن إباض , هى مسالة واضحة بالنسبة للاباضية , لا يعتورها شئ من الغموض . ذلك لأن هذه النسبة لم تكن من أنفسهم , وإنما هي مستحدثة, أطلقها عليهم المخالفين , لما رأوا عبد الله بن إباض التميمي ينافح عنهم بحججه , فكان هو لسان المذهب أمام الناس , فظنه كثير منهم أنه هو المؤسس الحقيقي لهذه الحركة .



والحقيقة التي يعلمها الآباضية منذ البداية أن المؤسس الحقيقي لمذهبهم هو التابعي الكبير والمحدث الشهير جابر بن زيد الأزدي ((رضى الله عنة )) الذي كان يقول عن نفسه (أدركت سبعين بدريا فحويت ما عندهم إلا البحر) أي عبد الله بن عباس.

وقد كان طلبه للعلم متجها إلى النبع الأصيل الذي يتحتم الرجوع إلية ,وهو منهل الصحابة الكرام. فمن أهم علماء الصحابة الذين أخذ عنهم الإمام جابر : عبد الله بن عباس , وعبد الله بن عمر , وعبد الله بن مسعود , وأنس بن مالك وغيرهم , إلا أنه

كان أكثر ملازمة لعبد الله بن عباس من غيره , وكان من أنجب تلاميذه.

وكان عبد الله بن عباس يقول عنه ((لو أن أهل البصرة نزلوا عند قول جابر بن زيد لأوسعهم علمان عما في كتاب الله )), وفي رواية أخرى أنه كان يحيل سائليه إلى تلميذه جابر ويقول : اسألوا جابر بن زيد فلو سأله أهل المشرق والمغرب لوسعهم علمه , وعندما كان يسأله أناس من البصرة كان يبادرهم ويقول : كيف تسألوني وفيكم جابر بن زيد (أو أبو الشعثاء ) . وقد وصفه عبد الله بن عمر بن الخطاب بأنه من فقهاء أهل البصرة البارزين .

بينما قال عنه قتادة بن دعامة السدوسي بأنه عالم العرب وأعلم أهل الأرض

وقال عنه عمرو بن دينار: ما رأيت أحد أعلم بالفتيا من جابر بن زيد , أما إياس بن معاوية قاضي البصرة في عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز فكان يقول :أدركت أهل البصرة ومفتيهم جابر بن زيد من أهل عمان , أما الحسن البصري فيثني على جابر وعلمه الغزير ويصفه بالفقيه العالم (1)

ولهذه المكانة جعله أتباعه إمام لهم , ومنظما لحركتهم , وقد اقتضت السرية في وقته أن يظهر بشكل بارز كمؤسس لهذا المذهب لئلا يبطش به الأمويون , خوفا من القضاء على الدعوة في مهدها , ولذلك أقاموا عبد الله بن إباض نبيا للناس المبادئ السمحة لهذى الدعوة, حتى لا يفهمها الناس على غير حقيقتها , ولكن الناس فهموا أن عبد الله هو رئس هذه المجموعة وقائدها , لذلك نسبوها إلية , وأطلقوا عليها هذا الاسم الذي نعرفه اليوم أما الاباضية أنفسهم فقد كانوا يسمون أنفسهم بأهل الدعوة أو الشراة المسلمين , وقد ظهرت هذه التسمية عند الاباضية في وقت متأخر من نشأتهم , فقبلوها لأنهم لم يروا فيها ما يشينهم.



أما قضية المؤسس فهي معروفه من قبل عند الاباضية ولذلك يقول العلامة الرقيشي وقد بلغنا أن أبا بلال مرداس بن حدير رحمه الله وغير من أئمة المسلمين لم يكونوا يخرجون إلا بأمر إمامهم جابر بن زيد العماني ومشورته , ويحبون ستره عن الحرب لئلا تموت دعوتهم ليكن رداء لهم )). كما يقول الشيخ قاسم بن سعيد الشماخي رحمه الله كان ابن إباض) المجاهد علنا , المناضل علنا في سبيل تحقيق الحقائق , وتصحيح قضايا العقول , فيما أحدثه أهل المقالات والبدع من الزور والافتراء في شريعة ربنا,وكان شديدا في الله تعالى , وله مناظرات مع أهل التلطس والتفلسف.كان الحجة الدامغة التي يخنس أمامها كل ثرثار,وله كلام مع عبد الملك بن مروان يضم نفس كل جائر جبار تغلب على المسلمين ,أصحابه الذين يقولون بقوله الاباضية , وتسمى المذهب باسمه على هذا المعنى وانما كان الإمام القائد , والوسيلة الراشد , أس المذهب وحاميه مرجع الفضل في تدينه وتشييد مبانيه,إنما كان جابر بن زيد رضى الله عنه (2)



وقد عبر عن هذا الموضوع بدقة العلامة السالمي(3) في منظومته (كشف الحقيقة ) فقال:



فما الإباضيون إلا علما الخلفاء الحق منا فاعلمــــــــا



أن المخالفين قد سمونا بذاك غير أنا رضينـــــــــــــــا

وأصلـــه أن فــــــتى ابـــاض كـــــان محاميا لنـــا ومـــــــــــاض

مدافعا أعداءنـــــــــا بالحجـــة وحاميــــا إخواننا بالشوكــــــــــــة

قد كان في المنعة من عشيرتـه ولا يطاق بأســـه لســــــــــــطوته

فأظهر الحق على رغـم العدى والكل مــن أعدائه قد شـــــــــــهدا

قد كـــــان في أيام عبد المـلك مـــــع شدة الأمر وضيق المسلك

ناقشه وبين الصـــــــــــــوابا ولم يكــــــن لباسه قد هابـــــــــــــــــــا

وكـــــــان لا يدعوه إلا باسمه تعززا بحقـــــــــه وعلميـــــــــــــــــه

فصار معرفا مـــــــع الجميع لما حوى من شــــــــــــــــــرف رفيع

ونسبوا من كـــان في طريقته أليه لاشتهار حســــــــــن سيرتــــه

ونحن الأولون لـــم يشرع لنا نجل إباض مذهبـــــا يحملنـــــــــا

من ذاك لا تلقى له في المذهب مسالـة نرسمها فـــــي الكتــب

من المناسب أيضا في هذا الموضوع أن أنقل إليك أخي القارئ بعض العبارات التي قالها بعض الباحثين الذين قاموا بدراسات وبحوث عن مذهب الإباضية , حتى وجدوا ضالتهم المنشودة التي تمثلت في الحقيقة الصائبة والتي توافق ما عند الاباضية حول هذا الموضوع , ومن بين هولاء الدكتور عوض محمد خليفات , والأستاذ مهدي طالب هاشم , فقد قام الأول بدراسة عن المذهب الاباضي وضمنها بين دفتي كتاب سماه ((نشأة الحركة الاباضية )),وقام الثاني بدراسة عن المذهب وجعلها في كتاب سماه ((الحركة الاباضية في المشرق العربي)), لذلك رأيت من المستحسن أن أنقل إليك هذه العبارات الكاشفة عن الحقيقة التي توصلا إليها بعد الدراسة والتأكد, فهما أقوى حجة لأنهما ينتميان ألي المذهب الاباضية , ولكن ما منعهما ذلك عن إظهار الحقيقة , لما رأياها واضحة , فأظهراها على الملأ , ولم تغلبهما العاطفية المذهبية على ذلك بل تجردا من الهواء والنزعات المعاكسة.



فنجد الدكتور يقول(إن جابرا كان الأمام الروحي وفقيه الأباضية ومفتيهم, وكان بالفعل هو الشخص الذي بلور الفكر الاباضي بحيث أصبح متميزا عن غيره من المذهب الإسلامية , وكان ابن اباض المسؤول عن الدعوة والدعاة في شتى الأقطار)(1)



ثم قال عن الأمام جابر(وقد اكتسب ثقة أقرانه لعلمه ودينة و فكانوا لا يصدرون في شيء إلا بعد مشورته , ولكن ذلك قد خفي على مخالفيهم ولم يعرفوا له هذا الدور , ولذا نسبوا الفرقة ألي ابن اباض , وهو الشخص الذي قدموه ليناظر أعداءهم ويتكلم باسمهم علنا , وكان بذلك هو المعروف لدى عامة الناس , فغلب اسمه على من اتفق معه في الرأي,كما أن مراسلاته مع الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان قد أقنعت كثيرا من معاصريه بأنه هو أمام الإباضية ومؤسسها )(2) فهذا الكلام نجده يطابق ما قرره العلامة السالمي رحمة الله في منظومته السالفة الذكر.



ثم نجد الدكتور خليفات يقول في موضع آخر وإذا تفحص الباحث المصادر الإباضية الأولى فإنه لا يجد فيها هذا الاسم , أي الاباضية , بل غالبا ما يجد لفظ جماعية المسلمين أو أهل الدعوة للتدليل على أتباع الفرقة , وإذا رجعنا إلى هذه المؤلفات التي كتبها أئمة الإباضية مثل مدونة أبي غانم الخراساني , وكتاب الزكاة الأبي عبيدة, والآثار الأخرى الباقية المنسوبة إلى جابر بن زيد , فإننا لا نعثر فيها على كلمة إباضية



ولكن يبدو انهم مع مرور الزمن وإصرار مخالفيهم على كلمة تسميتهم بهذا الاسم قد قبلوا به و خاصة أنهم لم يجدوا فيه ما يؤذيهم أو يسيء إلى سمعتهم . وقد ظهر الأول مرة في المؤلفات الأباضية المغربية في الربع الأخير من القرن الثالث الهجري)(3)



ولما ذكر جملة من المعلومات الموثوقة حول شخصية عبد الله إباض نجده يقول في المعلومة رقم(8): ((إن المصادر الإباضية تجمع عبد الله إباض لم يكن إمامهم الحقيقي ومؤسس دعوتهم إن كان من علمائهم ورجالهم البارزين في التقوى والصلاح ))(4)

ثم ذكر أن المؤسس الحقيقي هو الإمام جابر بن زيد ولم يكن ابن اباض إلا واحد من أتباع فرقته , ولم يصدر في شيء من أفعاله وأقواله إلا بأمر ذلك الإمام وإرشاده))(1)



وفي موضع آخر نجده يقول عن الاباضية انهم (( اتفقوا على أن يتولى جابر ابن زيد أمرهم وتنظيم دعوتهم منذ المراحل الأولى لتطور الدعوة في البصرة أيمانا منهم بذكائه واعتمادا منهم على اطلاعه الواسع وتحصيله العميق في العلوم الدينية و خاصة ما يتعلق بالتفسير وعلم الحديث ))(2)



ويقول معللا ظهور ابن اباض على الساحة كان ((الاباضية يقدمون أحد أعلامهم لينطق باسمهم ويناظر أعداءهم وكان يختار عادة من ذوي العلم والمنطق والحجة , ممن لهم عصبية حتى لا يبطش به الولاة , وكان ابن اباض أحد هؤلاء المقدمين ولذلك ظن معاصروه انه زعيم الاباضية وأمامهم )) (3)



وننتقل ألي الأستاذ مهدي طالب هاشم لنرى إلى ماذا توصل ؟ لقد قرر هذا الباحث الحقيقة التي لا تحتمل النقاش فقال في كتابه الآنف الذكر تحت عنوان : بداية التنظيمات السرية في البصرة: بعدما تحدث عن سرية الاباضية (وبهذا يكون الأمام جابر بن زيد واضعا للأسس التنظيمية للدعوة)(4) ثم قال ك(و مما يؤكد أن جابر بن زيد كان المسؤول عن التنظيم السري الاباضى النص الذي رواه أبو سفيان عندما اعتقل أحد مشايخ الدعوة الاباضية المسمى أبو سفيان قنبر ( وكان شيخا كبير أخذ وجلد أربعمائة سوط على أن يدل على أحد من المسلمين فلم يفعل , وقال جابر بن زيد : وكنت قريبا منه , وما كنت أنتظر إلا أن يقول هذا هو فعصمه الله )(5)

وقال في موضع آخر بعدما قام بدراسة كبيرة حول هذا الموضوع نصه من هذا العرض , واستقرائنا للنصوص السابقة , ويتضح لنا الدور الكبير الذي قام به جابر بن زيد في مرحلة الكتمان انه المؤسس للنظام السري في الدعوة الاباضية في البصرة في العقد السادس من القرن الأول الهجري )(6)



وأخيرا فهذا الذي سردناه هو لمقتضى الموضوع الذي يحتم ذكر هذه الحقائق لدرء المقولة التي تقول أن مؤسس المذهب الاباضية هو عبد الله ابن إباض , والتي أوردها الدكتور في حديثه عن الاباضية , وإلا فهي معروفة من قبل عند أتباع المذهب ,

وتبينها كثير من الباحثين من غير الاباضية فيما بعد.



وأريد أن أشير إلى أن قول الاباضية بنفي عبد الله بن أباض عن كونه مؤسسا لمذهبهم , لا يعني هذا التقليل من قيمته العلمية أو من صلاحه وتقواه أو ضعفا في قيادته , فهو كما عرفنا اختير لدفاع عن المذهب لما يختص به من المميزات التي أهلته من القيام بهذه المهمة , مما جعلت الآخرين يفهمون أن ه هو المؤسس الحقيقي لهذه الدعوة.



وهو كما علمنا من أكبر أعلام الاباضية وأئمتهم , الذين خملوا لواء الدعوة الإسلامية لنشر المبادئ التي أتى بها الرسول "علية أفضل الصلاة والسلام" .



كما أريد أن أبين أيضا أن عدم وجود أية مسالة فقهية مرسومة في الكتب الاباضية عن ابن اباض لا يدل قط عل عدم فقهه أو على عدم اعتماد الاباضية على آرائه , ولكن مكانته الدعويه استدعت الكثير من الإعمال التي اقتضتها التنظيمات الاباضية في ذلك الوقت , مما أدت ألي عدم وجود الفرصة السانحة له بأن يهتم بمسالة التأليف كثيرا. فجزاه الله خيرا على جهاده وجمعنا وإياه في مستقر رحمته.









2ــ مسألة الفرق بين الاباضية و الخوارج





لقد وقع الدكتور في تيار الذين يزعمون أن الاباضية فرقة من فرق الخوارج حينما قال (و الاباضية أكثر فرق الخوارج اعتدالا) و أسلم نفسه له فجره إلى حيث جرهم , ولم يحاول أن يبدي أية مقاومة ضد هذا التيار الجارف , فشاركهم في خلط الاباضية بالخوارج دون أي مراعاة.



نعم دون مراعاة , فهو لم يراع حتى شعور الاباضية نحو هذا الخلط , بغض النظر عن عدم بحثه عن الحقيقة , أولم يراع حتى شعور الاباضية يرفضون هذا الخلط البغيض؟...بلى لقد علم وصرح بذلك في نهاية كلام حيث قال (وهم الآن يرفضون تسميتهم بالخوارج ) ولكنه أبى إلا الإيذاء والإصرار على التعصب . وزعم أن الإباضية لم يرفضوا هذه التسمية إلا حديثا, ولا شك أن هذا تجاهل للحق , فمتى قبل الاباضية هذا الاقتران الممقوت ؟... والاباضية منذ بداية تأسس مذهبهم لم يكونوا منضمين ألي الخوارج في شيء , ولم نجد أحدا من الاباضية يترضى عنهم أو يؤيد طريقتهم على مر القرون . بل لقد جرت بينهم مناقشات وحروب تدل على عدم الارتباط بهم منذ البداية , وإنما هذه تهمة ألصقت بالأباضية من قبل السياسة الأموية , لكن تنفر الناس عن مذهبهم لما رأوا فيه الحق الذي خافوا منه , فلم يجدوا إلا أن يلصقوهم بالخوارج وتقبل كثير من المتعصبين والعامة أيضا هذا الإلصاق , فأثبتوه في كتبهم مع علمهم بالحقيقة, ولكن الهوى يعمي ويصم , ثم جاء من بعدهم قوم أمثالهم وأخذوا يتناقلون هذا البهتان و يقيدونه في مؤلفاتهم بدون تمحيص أو بحث عن الحقيقة , وهذا هو عين ما وقع فيه الدكتور النبيه من غير أن يشعر قلبه خوفا من يوم يقف فيه بين يدي الله وتوفى كل نفس ما كست .



ومع أني لا أشك في معرفة هؤلاء بما يفرق بين الإباضية والخوارج ــ لولا التعصب المقيت والهوى لاعمى الذي صدهم عن بيان الحق ــ فإني بالخوارج نتأتا , وذلك لكي يبقى مثقال ذرة من شك في قلب أي باحث عن الحقيقة , ولا أتجه بهذه الفروقات قات إلى المستكبرين الذين غطى عليهم الهوى فلم يبصروا للحق شبحا ولم يعرفوا للحقيقة صورة فمثل هؤلاء لا فائدة من إقناعهم , مهما كانت خاطئة , لأنهم ورثوها من آبائهم ويرون واجب المحافظة عليها لزاما على كل فرد منهم . وما أوضح صورة ذلك في شيوخ قريش الذين عارضوا الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام في دعوته , وقد اتبعه الشبان الذين وفقهم الله للهداية وجاهدوا في سبيل الله حق جهاده , وفي هذا يقول الشاعر : ــ



وإن سفاه الشيخ لا حلم بعده وإن الفتى بعد السفاهة يحلم



ولكن هذا بالطبع لا ينطبق على الجميع ,فهناك من رحمه الله ودخل الإيمان قلبه , فتفتح للحقيقة الصائبة.

وإنني أحذر كل من أحب لنفسه السلامة من مغبة الوقوع في العناد والإصرار على الباطل , لأن هذا مرتع عواقبه وخيمة , كما ألفت نظره ‘إلى عدم الوقوف في مثل مواقف الكثير من الشيبة الذين لا يرجعون للحق مهما رأوا آلته , بسبب اقتناعهم بفكرتهم الخاطئة .



ولا نبعد كثيرا عن الموضوع , ولنرجع إليه مبينين الفروقات المهمة التي وعدنا بذكرها , حتى يتضح عدم مزج الإباضية بالخوارج الخاطئة .



وفي الكتب الاباضية القديمة والحديثة أخبار وأقوال كثيرة تدل على المفارقات الجمة بين الاباضية والخوارج . زمن أحسن هذه الكتب التي اهتمت بهذا الموضوع كتاب ((الفرق بين الاباضية والخوارج )) للشيخ أبي إسحاق إبراهيم اطفيش رحمه الله , والذي قدم له الشيخ أحمد بن سعود السيابي , لأن هذا الكتاب جاء موجزا ومفيدا , قد تناول أهم المواقف الاباضية تجاه الخوارج .

وإليكم هذه الفروقات الواضحة نقلا من هذا الكتاب .



يقول السيابي في مقدمتهقد كثر الخلط والتهريج حول نسبة الاباضية إلى الخوارج , ويظهر التكلف سافرا في جعل الاباضية فرقة من فرق الخوارج ، وإطلاق لفظ الخوارج على الاباضية أهل الحق والاستقامة من الدعايات الفاجرة , التي نشأت عن التعصب السياسي أولا ثم عن المذهبي ثانيا على أنه ليس ثمة علاقة تربط الاباضية بالخوارج (الأزارقة و الصفرية و النجدية ) وغيرها من فرق الخوارج , وإنما هي دعاية استغلتها الدولة لتنفير الناس من الذين ينادون بعدم شرعية الحكم الأموي , كما جعل (أهل النهروان) الذين هم سلف للاباضية وليسوا سلفا للأزارقة والصفرية والنجدية من الخوارج , وهم من صنع الواضعين , من صنيع أرباب الأقلام المغرضين مع أن الخوارج يسيرون في خط معاكس مع الاباضية . يتضح ذلك من خلال المبادئ والأسس التي يقوم عليها مذهب كل من الفريقين . وللإباضية العديد من المواقف ضد الخوارج ) ثم يذكر العديد من المواقف التي لم يتعرض لها الشيخ أبو إسحاق رحمه الله , فرأيت من المناسب أن أجمع الفروقات التي ذكرها كلا من الشيخين بشكل عام موحد , لأنها وردت في كتيب واحد , ثم إن هذا الكتيب لصغره لا يستدعي الإحالة إلى الصفحات لأن القارئ يستطيع أن يقراه كلة في ظرف نصف ساعة على الأكثر, فيخرج منه بحصيلة كبيرة يتبين بها الحق الذي حاول أن يطمسه الكثيرون من متعفنة المذهبية .



وإليك أخي القارئ هذه الموقف والمفارقات:ــــ



أولا: قتال القائد الشهير المهلب بن أبي صفرة لأزدي العماني للخوارج , والمهلب وإن كان مواليا للأمويين ــ وهو بالطبع عمل لم يرضه الإباضية ــ فإن من الثابت تاريخا أن أسرة آل المهلب كانوا إباضية . وكانوا على اتصال وثيق بالإمام جابر بن زيد الأزدي رضي الله عنه , ولم يبذل المهلب في قتال الخوارج والقضاء عليهم إلا لعلمه بعدم العلاقة بينهم والاباضية.



ثانيا: كان الإمام عبد الله بن اباض شديدا الآراء والأفكار التي ينادي بها نافع بن الأزوق , وكان يعلن بطلانها بصراحة تامة , ويحذر منها الناس .



ثالثا: كان المحدث الأمام الحجة الربيع بن حبيب الفراهيدي الإباضي , صاحب المسند الصحيح يبرأ من الخوارج, وكان يقول فيهم ((دعوهم حتى إن تجاوزوه القول إلى الفعل , فإن بقوا على قولهم فخظوهم محمول عليهم وإن تجاوزوه إلى الفعل حكمنا فيهم الله ))



رابعا:ــ قتال الأمام الجلندى بن مسعود العماني الإباضي لشيبان الخارجي ــ هو من الصفرية ــ عندما قدم في جيش الى عمان هاربا من السفاح ـ الحاكم العباسي ـ ودارت معركة بين الامام الجلندي وبين شيبا وأصحابه , وأسفرت المعركة عن مقتل شيبان وجنوده .



خامسا :ــ كان البطل المغوار هلال بن عطية الخرساني رحمة الله الذي صار القائد الأول في جيش الامام الجلندي بن مسعود . كان على مذهب الصفرية ثم اعتنق المذهب الاباضي . ولم يقبل منه الإباضية الانضمام إليهم الا بعد أن يرجع الى الذين دعاهم ألي مبادئ الخوارج , ويعلمهم ببطلان تلك المبادئ والآراء التي دعاهم أليها , ثم عاد الى عمان فكان قائدا ووزيرا للامام الشهيد الجلندي بن مسعود رضي الله عنه .



سادسا : ـ أن الاباضية لم يسلمو السيف على احد من أهل التوحيد قط , ولم تقع منهم حرب ضد احد من المسلمين , وإنهما كانت مواقفهم أغلبها دفاعية , أي بقصد دفع الضرر عن انفسهم تجاه أي عدوان يواجههم , فهم لم يبدأوا بقتال قط , كما فعل الخوارج . (( بل سلكو سبيل البيان معرضين عن السنان لأنهم يرون عصمة الدم بالتوحيد لا إله إلا الله وعصمة المال كذلك )) فبان عنهم الخوارج بما ذكرنا , ولم تكن لهم صلة بالاباضية حتى يقال إنهم خوارج.



سابعا:ــ الاباضية يجيزون ألمنا كحة بيتهم وبين سائر الموحدين والخوارج لا يجيزون التناكح مع غيرهم لأنهم يرون سواهم مشركين كمل بينا وعلى هذا لا يجوز أيضا التوارث بينهم وبين من يخالفهم بطبيعة الحال , لان الشرك الذين منع ألمنا كحة والمصاهرة يمنع الموارثة .



ثامنا:ــالاباضية اتجهوا ألي خدمة الإسلام علما وعملا منذ ابتدأت الفتنة , فاشتغلوا بالتدوين فكانوا أول من دون الحديث فأمامنا جابر بن زيد أول من دون الحديث وأقوال الصحابة في ديوانه الذي وصفوه بأنه وقر بعير , ثم تلاميذه من بعده وهم حملة العلم ألي المشرق والمغرب , والخوارج جنحوا ألي إراقة الماء وإخافة السبل وتعطيل الأحكام , ولم يذكر عن أحد من الخوارج ألف كتابا , والذين يذكرون المؤلفات للخوارج إنما يذكرون الاباضية وهم دون شك يريدون بهم التشنيع والتشغيب , أما الصفرية والازارقة والنجدية فلم تذكر لهم رواية ولا تدوين , ولو انفرد نجدة بن عامر برواية حديث ونافع بن الازوق بأسئلة سألها ابن عباس ليس هذا محلها , وأريد أنهم جنحوا ألي الحروب لا ألي التأليف ورواية العلم , وكل من ذكره قومنا (*)من رجال العلم ونسبوه للخوارج ليسوا الإباضية .

تاسعا:ـ أن الخوارج حكموا على مرتكبي الكبائر من المسلمين بالشرك , بينما الاباضية يفرقون بين معاني الكفر فهناك كفر شرك وجحود , وهناك كفر نعمة , وهم يطلقون على مرتكبي الكبائر من المسلمين كفار نعمة لا كفار شرك , حتى وان مرتكب الكبيرة إباضيا .وهذا يطابق ما عند أهل الحديث الذين يطلقون عليه كفر دون الكفر, وعند قومنا هي كبائر فسق , وإذا أدركت هذا علمت أن بين الاباضية والخوارج بونا بعيدا لا يجمع بينهما جامع ألا إنكار التحكيم هو الحق الذي يؤيده كتاب اله وسنة ورسول الله وسيرة العمرين واجماع المسلمين . فشد يدك على الحق ومن يعتصم بالله فقد هدي إلي صراط مستقيم .



وأخيرا هناك الكثير من الفرو قات لو تبينها الباحث , والعديد من المواقف الصارمة التي وفقها الاباضية ضد الخوارج تحتفي بين ركام الأحداث وتكمن في زوايا التاريخ .


فهل تعامى عن الفروق الذين تعفنت نفوسهم , وأصيبت أبصارهم بالعشى ؟ ذلك ما يشاهد الذي يقلب أطوار التاريخ في مدومات قومنا ولم يعتبروا قولة سبحانه{ والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وأثما مبينا }(1)

وقوله تعالى {ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا . اعدلوا هو أقرب للتقوى}(2)



إن المسلم ليحار من أمر أولئك المتقولين على أهل الحق و الاستقامة ــ الاباضية ــ كيف استساغوا ذلك لأنفسهم , لا لشيء إلا للهوى والشهوة الخفية نعوذ بالله من الهوى وإنكار الحق . أو لا يتذكرون أنهم سيلاقون الله بذلك الإفك . أم اعتقاد الخوارج من النار هون كل شئ في سبيل الهوى .



وإن الذين خلطوا بين الإباضية والخوارج ما فعلوا ذلك إلا لطمس معالم الحق والصواب , وحسدا من عند أنفسهم , وأنى لمن اتخذ التشغيب مطية أن يعترف بالحق والصواب وقد عميت بصيرته . وإنك لترى هؤلاء من العمل على إخفاء ما يرونه من أصحابنا من الكمال الديني والعظمة العلمية ما جعلهم لا يذكرون لهم موجب الذكر شيئا , وإني (*) رأيت مؤلفات دونت في التاريخ والأدب والفرع لبعض قومنا يستوجب المقام ذكر أصحابنا لما لهم فيما دون من الضلع فلا يتورع أن يتجاهل ذكرهم كأنهم لم يكونوا , وذلك مبالغة وإمعانا في طمس الحق . ولا تجد عند أصحابنا شيئا من هذا الأسلوب والحمد لله العلي الكبير(**)

هذا هو كلام العلامة أبي إسحاق رحمه الله , وهو إن كان فيه شدة على الذين يمزجون الاباضية بالخوارج , إلا أن هذه الشدة جاءت في موضعها , ذلك الذين لما نرى من تجاهل للحقيقة وطمس للصواب وكذب على الاباضية , فمثل هؤلاء يستحقون التقريع والتأنيب لأنهم لم يخافوا عقوبة الله بافتراءاتهم التي لم ترقب في المومنين إلا ولا ذمة .

وختاما ففي الموضوع مباحث لا نريد أن نطيل بها هنا , ويكفي هذا الذي عرضناه إن كان يلاقي آذانا صاغية وقلوبا واعية ونفوسا مؤمنة, وعلى من أراد التوسع فيه أن يرجع ألي مضانه في بطون في الكتب , وليعمل فكره ويتجرد من الأهواء ,ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون..



3ــ مسألة تكفير

أهل الخلاف واستحلال دمائهم

ذكر الدكتور أن الاباضية يقولون بتكفير أهل الخلاف ويجعلونهم كفار نعمة , ولكي أبين موقف الاباضية للقارئ الكريم في هذه الناحية , أكتفي بأن أود قولين الاثنين من أعلام هذا المذهب القويم , إما أحدهما فهو من الأقدمين , وأما الآخر فهو من المتأخرين .



ـــ فالأول هو القائد الكبير والشاري الشهير أبو حمزة المختار بن عف السليمي الذي أعلن على منبر رسول الله صلى الله علية وسلم على جميع المسلمين مبدأ الاباضية تجاه البشر جميعا في إحدى خطبه الشهيرة إذ قال فيها : ( الناس منا ونحن منهم إلا مشركا عابد وثن أو كافرا من أهل الكتاب أو إماما جائرا )(1) فانظر إلى هذه الكلمات المضيئة التي تبين موقف الاباضية منذ البداية من جمع الأمة ورغبتهم في رأب الصدع , وجمع فئاتها بهذه الطريقة , ومحاولتهم جعل جميع المسلمين إخوانا , ولم يخرجوا من هذه الدائرة إلا تلك الأصناف الثلاثة التي ذكرها ذا المجاهد الكبير , ويعتبرون الخلاف بين المسلمين نوعا من المرونة التي يقتضيها التشريع الإسلامي , ولا ينظرون إلية نظرة العداء التي (00)



ــ وهذا المبدأ نفسه هو الذي قرره من بعد العلم الثاني وهو الأمام العلامة نور الدين عبد الله بن حميد السالمي حيث يقولب في منظومته الموسومة بـ ( كشف الحقيقة)

ونحن لا نطلب العبــــادا فوق شهادتيهم اعتقادا



فمن أتى بالجملين قلنـــــا إخواننا وبالحقوق قمنا



إلا إذا ما نقضوا المقـــالا واعتقدوا في دينهم ضلالا



قمنا ببين الصواب لـــهم ونحسبن ذلك من حقهم



فمـــا رأيته من التحرير في كتب التوحيد والتقرير



رد مسائل وحل شبــــــه جاء بها من ضل للمنتبه



قمنا نردها ونبدي الحقا بجهدنا كي لا يضلوا الخلقا



لو سكتوا عنا سكتنا عنهم ونكتفي منهم بان يسلموا (1)





أي نكتفي بالسكوت منهم ,بدون أن يتهجموا علينا , أو يفتروا علينا عير ما نقول بقصد تشويه مذهبنا , وإذا أرادوا منظرة فنحن على استعداد ولا نمانع مادامت لاجل خدمة الدين وإظهار الحق للناس . فهل يبقى بعد هذا ما يدل على إن الاباضية يكفرون المسلمين ؟ فهذا هو الحق , وماذا بعد الحق إلا الضلال ؟



وإن تعجب فعجب قول هؤلاء الذين ينسبون ألي الاباضية ما ينسبون إليهم من تكفير مخالفيهم ويجعلون ذلك منطلقا للتهجم عليهم , وقد علمنا عد صحة نسبة ذلك ألي الاباضية , وإلا إننا نلاحظ أن هؤلاء هم الذين وقعوا في هذه الورطة التي عابوها على غيرهم فهم أسرع ما يكونون ألي تكفير مخالفيهم وإخراجهم من حظيرة الأمة الإسلامية ونصوصهم في تكفير مخالفيهم من الاباضية وغيرهم أكثر من أن تحصى .



ولم يقف الأمر عند هذا الحد فكثيرا ما نجدهم يحكمون على مخالفيهم بالقتل ويرمونهم بما هم منه براء من الزندقة والإلحاد , ولا يزال منهم دعاة آلي هذه المبادئ الممزقة كما يتح ذلك في فتاواهم التي يصدرونها في تضليل المسلمين وتكفيرهم , وتوجد عندنا وثائق كثيرة من هذا النوع .



فأين ما يدعون من اتباع سنة الرسول علية الصلاة والسلام ؟ وأين الحرص على جمع شمل المسلمين ؟ ولماذا يرفضون المناظرة فيما يعيبونه على غيرهم , ألا يعد ذلك سعيا للفرقة وإصرارا على الباطل وتشتيتا لشمل المسلمين وخشية من الحجة الموضحة للحق وألا فما المانع من اجتماع فئات المسلمين المتخالفة على بساط البحث الهادئ الهادف والمناظرة البناءة , لولا انهم يخشون افتضاحهم عندما ينبلج صبح الحق يخشى فينير السبيل ويبين معالم الحقيقة , فهم إذا كانوا يدعون أنهم على الصواب وغيرهم على الضلال ؟ إنني لم أسمع محق خاف من مبطل قط .



ولذلك نحن والحمد الله لا نحاف من النقاش , بل نطالب به في كل وقت , لأننا نسعى إلي الوحدة دائما , ولأننا نؤمن بان النقاش الهادئ يبين الحق ويظهر الحجة ويرد الباطل ويدمغ شبهته , كما انه يوحد مسارات المسلمين , ويحدد آراء المتحيرين .



وننتقل الآن إلى ما الصقه الدكتور بالاباضية في مسألة دماء المخالفين , فانه قد زعم أن الاباضية يستحلون دماء مخالفيهم في العلانية ويحرمونها في السر .



وقد أشرت سابقا ألي أن الاباضية لا يستحلون دماء مخالفيهم لا في السر ولا في العلانية , وإلا أنني أريد هنا أن أفصل القول في هذه المسألة , فأقول : إن الاباضية منذ بداية تأسس مذهبهم لم يستحلوا دم أي مسلم مادام يشهد لله بالوحدانية ولمحمد علية الصلاة والسلام بالرسالة وهم لم يخرجوا على المسلمين مبتدئين بقتال أبدا .



ألم تسمع بخبر أبي بلال المرداس بن حدير حينما رأى الظلم متفشيا في البصرة وأخذ عبيد بن زياد يلح في (( طلب المسلمين فأجمع أبو بلال على الخروج وقال لأصحابه إن الإقامة على الرضا باجور لذنب وان تجريد السيف وإخافة الناس لعظم , ولكن نسير في أرض الله ,ولا نجرد سيفا وإن أرادنا قوم بظلم امتنعنا منهم )) (1)



وقال لمن لقيهم : (( ابلغوا من لقيتم أنا لم نخرج لنفسد في الارض ولا نقاتل ألا من أكرهنا على قتاله , ولا نأخذ من الفيء إلا أعطيتنا )) (2)

لما جاء أسلم بن زرعة أحد قواد عبيد ابن زياد لمقاتلة أبي بلال وأصحابه , والتقوا في آسك , قال له أبو بلال : اتق الله فأنا لا نريد قتالا (3)



وانظر إلى سيرة أبي حمزة الشاري عندما خرج وأصحابه لاقامة العدل , والمحاربة الطغيان الأموي , فقد التقى بأهل المدينة في قديد , فكان قبل بداية المعركة ــ وكعادة الاباضية في كل معاركهم ــ أرسل أبو حمزة المختار بن عوف بلج بن عقبة الازدي إلى أهل المدينة وأوضح لهم الغاية من حملتهم العسكرية بأنها لا تستهدف الحرب معهم بقدر ما تؤكد على إزالة السلطة الأموية في الشام وقال لهمم : تجعلوا حدنا بكم لا نريد قتالكم .



ولكنهم استهانوا بما قدمه القائد الاباضي وأصروا على قتالهم وكانوا لهم الشتائم وصفوهم بالمفسدين , فأثاروا الاباضية و فقالوا للقرشيين : يا أعداء الله نحن نفسد في الارض ؟ ونما خرجنا لنكف الفساد ومقاتلة الذين استأثروا بالفيء عليكم .....

ولم يفلح بلج بن عقبة في إقناعهم بالعدول عن الحرب رغم كل الحجج التي قدمهما لهم.(1) وفعلا إن الاباضية لم يبدأوهم بقتال , وانما كان البادئ أهل المدينة الذين أرسلوا سهامهم ألي جيش أبي حمزة فحينئذ قال أبو حمزة لأصحابة دونكم القوم فقد حل قتالهم . فنصرهم الله عليهم .

ألا يتبين من هذه المواقف وهذه الأقوال أن الاباضية لا يستحلون دماء المسلمين البتة , كما لا يقصدون تخويفهم في أي حال من الحالات ,وأنهم لا يشهرون سيوفهم أمام أي مسلم إن ابتدأ هو بذلك .

وأوضح من أنهم قبل أي واقعية يواجهون إلي أعدائهم النصح و يبينون لهم الأهداف النبيلة , والغابات الشريفة التي يسعون إليها من أجل العدل والقضاء على الفساد والطغيان , فأي منهج أعدل من هذا , وأي مبدأ أقوم منه وأي محافظة على دماء المسلمين اعظم من هذه وأي أناس فعلوا كفعلهم , فحاربوا الطغيان وأقاموا العدل مثلهم ؟ أكرم بهم من عصبة أكرم بهم .



أليس هذه المواقف في العلانية مشهورة ؟ ألا تدل في الوقت نفسه على عدم رغبة الاباضية في سفك دم أي مسلم ؟ فإذا موقف الاباضية في العلانية هو نفس موقفهم في السر . وهذا الأحداث مشهورة في كتب غير الاباضية لو أراد الدكتور أن يتحرى الحق , ويكلف نفسه عناء البحث عن الحقيقة , ولكان عرفها وأدرك الصواب ورمى الزيف .

وهذا المبادئ الجليلة قد حررها من قبل الشيخ أبو يعقوب يوسف بن إبراهيم الوارجلاني أحد علماء القرن السادس الهجري , إذ يقول في كتابه الدليل والبرهان تحت عنوان : باب ما ينبغي لأمير المؤمنين أن يستعمله بينه وبين أهل الخلاف , أن يدعوهم ألي ترك ما به ضلوا , فان أجابوا اهتدوا , وصاروا إخواننا ولهم ما لنا , وعليهم ما علينا , ونصير وإياهم شرعا واحدا كما تقدم ... وإن امتنعوا من ذلك , دعوناهم ألي أن نجري عليهم حكم الله تعالى , من دفع الحقوق والخضوع لواجب الحكام . فإن أطاعوا بذلك تركناهم على ما هم علية , ووجب لهم من الحقوق الأحكام ما يجب علينا , إلا ما كان من الاستغفار , فلا حق لهم فيه , ماداموا متمادين على ما به ضلوا , ووسعنا وإياهم العدل , ولهم حقوقهم من الفيء والغنائم , والصدقات على وجوهها ولهم علينا دفع الظلم عنهم , كما يجب لسائر المسلمين , والعدل في الأحكام والدفاع عنهم .



وإن غزوا معنا فلهم سهماهم كما , وإن امتنع منهم مما وجب عليه من الحقوق أدبناه بما يقمعه ويرده إلى سواء السبيل . وإن جاوز ذلك سفكنا دمة , واستحللنا قتاله (1), وإن اعترفوا بطاعتنا , وانفردوا ببلادهم , وأجروا فيها أحكامهم تركناهم . وذلك ما لم يكن ردا على آية محكمة أو سنة قائمة , و تستقضى عليهم منهم كل ما يجب من الحقوق , ونردها في فقرائهم وذوي الحاجة منهم . وإن اتهمناهم في شيء أعذرنا إليهم وننبذ إليهم على سواء , ولا نتركهم يظهرون منكرا بين أيدينا , إذا كان عندهم منكرا في ديانتهم , ونمنعهم أن يحدثوا في أيامنا ما لم يكن ألا أن يكون أمر لا مكروه تحته , فلنا الخيار . وإن حاربناهم في هذا كله وهزمناهم, فأنا لا نتبع مدبرا , ولا نجهز على جريح )) (2)

ويقول أيضا : (( وإن قدرنا عليهم , قتلنا منهم كل من قتل أحدا منا نعينه , ولا نستعمل فيهم حكم المحاربين , ونقتل منهم الولاة والرؤساء (3) , ونترك العامة بسبيلهم , ونسرح سبيل الأسرى ولا نتبع المنهزمين ولا نتعرض من العامة إلا من طعن في الدين , أو قتل من المسلمين , أو دل عليهم فهؤلاء يقتلون إذا قدرنا عليهم , ولو تابوا , إلا من تاب قبل أن نقدر عليه , ونصلى على قتلاهم وندفنهم ))(4) , ويقول أيضا: (( واما أن قتلوا الأنفس ولو نفسا واحد حرا كان أو عبدا , مؤمنا كان أو ذميا , أ تينا على أخرهم بالقتل وهذا إذا قدرنا عليهم قبل أن يتوبوا , فأن تابوا قبل أن نقدر عليهم , أسقطنا عنهم حد الحرابة , أخذنا الجاني فيما جنى , وقتلنا القاتل وحده فيما فعل إذا كان ممن يقتل به , ولا نقتل غيره , ويؤدى المال من أخذه دون من لم يأخذه .

وأما إن وقعت المحاربة بيننا وبينهم , ولم يذهنوا لحق الله عز وجل فيهم حتى قتلوا منا رجلا , واكلوا الأموال وأفسدوها عن آخرهم , فأن قدرنا عليهم قبل أن يتوبوا أجرينا عليهم حد الحرابة وقتلناهم عن آخرهم , وإن لم نقدر عليهم , لكن جاءوا تائبين , بعدما قتلوا منا وأكلوا الأموال أسقطنا عنهم حد الحرابة , وأخذناهم بما فعلوا خصوصا وقتلنا القاتل فيمن قتل , إذا كان ممن يقتل به ...الخ)) (1)



فهذه الأصناف التي نستثني من الأصل الذي نص على عدم استحلال ودماء المخالفين ودل علية أيضا قول العلامة السالمي في قصيدته غاية المراد حيث يقول فمن آتي بالشهادتين نطقا :

وإن أتيت بها نطقا حفظت بها للنفس والمال والسبي بها حظلا

فهذا هو الأصل عندنا ولا نستثني من هذا الحكم إلا تلك الأصول التي ذكرها أبو يعقوب رحمه الله تطبيقا لكتاب الله .
  #3  
قديم 10/07/2004, 06:55 PM
سحلا سحلا غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ الانضمام: 09/06/2004
الإقامة: عالم الحقيقة
المشاركات: 526
وبعد استقراء هذه الموقف وهذه النصوص , أيبقى عناك سر عند الاباضية حول هذه القضية التي ظهرت في كتبهم وأفعالهم بكل وضوح . إذ كيف يحرمون دماء مخالفيهم سرا ويبيحونها علانية. ألا يعتبر هذا تناقضا ؟ وما الهدف من ذلك .

إن الاباضية ليس من شأنهم أبدا إخفاء الحق , وهناك قضايا أعظم من هذه لم يدخل الخوف في قلوبهم من إظهارها أمام مخالفيهم , بل أن مذهبهم والحمد لله من أوضح المذاهب الإسلامية عقيدة وفقها وسلوكا , كما انهم أكثر وفاقا للحق الذي جاء به الرسول الصلاة والسلام .

وأحب أن أسال الدكتور سؤالا فأقول له : إذا كان الاباضية يحرمون دماء مخالفيهم في السر دون العلانية فبالله عليك كيف توصلت ألي هذا السر العظيم ؟ وما هي طرق المخابرات التي استخدمتها حتى اكتشفته؟ وإن كان أحد منهم قد باح به إليكم فإنني جد متشوق إلى معرفته ؟ فما اسمه ؟ وفي أي عصر فعل هذا ؟ ومن أي بلد؟ وإن لم يكن كذلك فمن أي كتاب إباضي تتبعت هذا الموضوع حتى وجدت هذا الكلام المخفي ؟!

إنني أترك للقارئ الكريم فرصة الحكم على ما يرى من مزاعم بعد أن بينا له الحقيقة المناقصة لما تناقله هؤلاء القوم علم { إذ تلقونه بألسنتكم و تقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم . ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم} (2)



4ـــ مسألة : دار الاباضية دار توحيد إلا معسكر السلطان



يقول الدكتور أن الاباضية يقولون بان دارهم دار توحيد إلا معسكر السلطان ...

وهذه العبارة إذا تفحصها العاقل فإن يلفت إلي قلة نباهة قائلها , وذلك لأن الاباضية لا ينفون عن أي مسلم صفة التوحيد مهما بلغ من الفسوق مادام يشهد بالشهادتين , ولم ينكر شيئا من أركان الأيمان أو من نصوص القرآن أو السنة المتواترة الصريحة , والدكتور يعلم هذا فكيف ينفونها عن معسكرات السلطان ؟ اللهم إلا إذا كان السلطان مشرك جاحد لما علم من الدين بالضرورة فإننا لاشك ننفي عنه في هذه الحالة حكم الموحد , وجميع المسلمين متفقون على ذلك أما إذا لم يكن متلبسا بشرك فهو عندنا في عداد الموحدين فإن كان عادلا متبعا لنهج الحق فهو حقيق بالولاء والولاية والمناصرة على الحق و أما إذا كان غاشما باغيا ظالما وهو يأتي بالشهادتين ولا ينكر شيئا من الإسلام , فإننا نحكم علية وعلى أتباعه بالبغي والظلم , كما نحبذ أن يزال من السلطة إذا قدر عليه ليتولى أمر المسلمين قائم بالحق حاكم بالقسط مطيع لله ناصح لرعيته .

وهذا مما دلت عليه نصوص القرآن , منها قوله تعالى { والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون } (1)

بل إن في وعد الله بإستخلاف المؤمنين في الأرض لدليل على تشجيع المسلمين على مقاومة الظلم , وفي ذلك يقول تعالى { وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا , يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون}(2)

وإذا تفكرت في الموضوع تجد أن الذين لا يحكمون بما أنزل الله قد وصفهم تعالى بأوصاف تنافي الإيمان فقد جل شانه : { فلولئك هم الظالمون } { فأولئك هم الفاسقون} {فأولئك هم الكفرون} وهذه نصوص قاطعة بأن الذي يحكم بغير ما أنزل الله ظالم وفاسق وكافر , محارب لله , وبما أنه قد أعلن الحرب على الله فيجدر بالمؤن أن يعلن عليه الحرب . كما جاء في الحديث الشريف : (( لتأخذون بيد الظالم والتأطرنه على الحق أطرا , أو ليخالفن الله بين قلوبكم )) أو كما قال علية السلام .

وهذه نصوص واضحة تبين الموقف الذي يجب أن يتخذه المسلم تجاه الحاكم الظالم , وعلية أن لا ينفي صفة التوحيد ولا ما يخرجه من دائرتها . وهذا ما علية الاباضية وإن شئت المزيد فتعال معي لنقرأ ما يقوله العلامة أبو يعقوب الوارجلاني في كتابه , الدليل والبرهان ( أعلم يا أخي أن مذهب أهل الدعوى (*) في الخروج على الملوك الظلمة , والسلاطين الجورة جائز وليس كما تقول السنية انه لا يحل الخروج عليهم ولا قتالهم , بل التسليم لهم على ظلمهم أولى ... قالوا : وقد اختلف الأمة في هذه المسالة على ثلاثة أقوال:

القولة الأولى: قول أهل الدعوة : أنه جائز الخروج عليهم وقتالهم ومناصبتهم والامتناع من إجراء أحكامهم عليهم , إذا كنا في غير حكمهم , وأم إذا كنا تحت حكمهم , فلا يسعنا الامتناع من كثير من أحكامهم . وإن أردنا الشراء والخروج عليهم جاز لنا , فهذه قولة.

القولة الثانية : قول المخالفين : إنه يجوز الخروج عليهم ولا قتالهم ولا الامتناع من أحكامهم والدفاع عنك لهم .

القولة الثالثة:مذهب الأزارقة والصفرية والنجدات في الاستعراض لسائر الخلق الملوك وجنودها , والرعية وعوامها , لأنهم حكموا على الجميع بالشرك فاستعرضوا الجميع وأجروا عليهم حكم الشرك القتل السبي والغنيمة ))(1)



وذكر رأي الشيعة فقال (( واستجارت الشيعة الخروج عليهم كما استجزناه ))(2)



ثم ذكر مناظرة جرت بينه مع أحد الفقهاء المخالفين : (( وقد جرى لي كلام مع الفقه بن أبي بكر بن الحسين بن الشيخ يوسف بن نفاث مناظرة في سلجمانة في مثل هذا فقال لي : أول من سن الخروج على السلاطين أبو بلال مرداس بن أدية . قلت له : إن له في ذلك أسوة حسنة , فقال أو حسنة ؟ فقلت أو سيئة . فقال : ومن هو ؟ قلت طلحة والزبير. فقال لي : إن طلحة والزبير اجتهدا فأخطئا . فقلت له : ولعل هذا اجتهدا فأصاب . فقال لي : وأصاب ؟ فقلت : ولعله اجتهد فأخطأ . فقال الله يغفر للجميع ))(3)

ثم قال : (( وقولنا هو الصواب إن شاء الله . وذلك أنا نقول : لا يحل لنا أن نستعرض أحدا من الرعايا والمسافرين والتجار والحراثين وغيرهم , وإلا الملوك الظلمة الجورة.

وندعوهم ألي ترك ما به ضلوا ولا نتعرض من العامة إلا جنودهم ( أي جنود البغاة) وأنهم وجنودهم بمثابة واحدة . وأجزنا الخروج عليهم والكون معهم . وإن خرجنا عليهم ورضينا بالكون معهم م تحتهم ,. فجائز لنا ذلك ونعيش في كنفهم حراثين فدادين لسوء حال... قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تعلموا من قريش ولا تعلموها , وقدموها ولا تتقدموها , أطيعوهم ما أطاعوا الله , فإذا عصوه فلا طاعة لهم عليكم , ثم خذوا أسيافكم والجعلوها على عواتقكم واضربوهم حتى تبيدوا خضراء هم . إلا فعيشوا فدادين حراثين حتى تلقوني بسوء حال ....حراثين حتى تلقوني بسوء حال ...

وجوز الخروج والعقود , فمن حرج فواسع ومن قعد فواسع (1) ويقول في (( باب لغزو وعهم)) : (( اعلم أنه يجوز الغزو معهم والجهاد والقتال والمحاربة لجميع المشركين الذين حل قتالهم , فالناس تحت الظلمة على ثلاث طبقات :

الطبقة الأولى : من باين الظلمة وناصبهم ما قدر عليه وهو يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر , ويرد عليهم سواء مذهبهم ويناقضهم . فكان معروفا عند الناس في ذلك في ذلك , فهدا يسوغ له الكون تحتهم , والجاهد معهم ويأخذ سهمه من الغنيمة , ويلي لهم على العشر وعلى الغنيمة , ويلي لهم على الفتوى وقسمة المساحات كجابر بن زيد والحسن البصري وشريح وابن عباس وكثير من الصحابة , ممن ظهرت منهم مناقضتهم ومخالفتهم .

فهؤلاء ليس عليهم بأس , أن يلوا من الأمور ما ليس به بأس , بشرط أن يعملوا بأمر الله , وليستعملوا طريقة العدل , ولا تأخذهم في الله لومة لائم , ولا يكونوا بذلك معاونين لآهل الباطل الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليهم وسلم ( لعن الله الظالمين وأعوانهم وأعوان أعوانهم ولو بمدة قلم ) كما جرى للحجاج بن يوسف مع جابر بن زيد . وذلك انه كان يكتب , إذ سقط القلم من يده . فقال لجابر : ناولني القلم فقال له جابر : قال رسول الله صلى الله علية وسلم (( لعن الله الظالمين وأعوانهم وأعوان أعوانهم ولو بمدة قلم )) فلو أن جابرا سعى لناوله جابر القلم والدواة وغير ذلك (2)

(( وأما من لم يكن له عهد الأمور ولا الشروع فيها , ولم يمكن ممن عرف بمناقضتهم , ولا الرد عليهم , فلا ينبغي أن يلي من أمورهم شيئا أن يكون أمرا يعرف الناس صلاحه ولا باس عليه منه . ))



وأما أن يسير فيجا أو بريدا في مصالح المسلمين فأن كان أمرا يعرفه ويعرف صلاحه فلا باس .

وأما أن راودوه على معصية أو اكرهوه عليها , فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق . وأما أن يلي أمور المساجد والإقامة والتأذين والمحاضر والتذكير والتخويف , فلا بأس عليه في كل هذا . وأما أن يصير أمينا على الأسواق أو على المقاسم , أو عونا , أو رأس الأعوان وعريفا لهم , أو من الحرس على الدواوين , ودواوين التحقيق ودواوين الجنود ودواوين الخراج وجباية الأموال والحراسة من عدو يحاربهم ظلما او مظلوما ــ فلا ــ في هذا كله (1) ( أي فلا يجوز في هذا كله ) ... إلى آخر كلامة رخمه الله وجزاه خيرا على تبين هذا الحق الذي يوافق العقل والنقل , ومن أراد المزيد من المعرفة حول ما عليه الاباضية تجاه هذا الموضوع فما عليه إلا أن يشمر عن ساعديه ويجهد في قراءة كتبهم .

ومن هذا يتبين موفق الاباضية بأنهم ينظرون إلى الحاكم إذا كان عادلا بوجوب طاعته وعونه وحراسته , وإن كان جبارا فكما أوضح الشيخ أبو يعقوب رحمة الله . كما أنهم لا انهم ينفون عنه صفة التوحيد مادام يأتي بالشهادتين ولا ينكر شيئا مما من الدين بالضرورة .

ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ



5 ــ مسألة غنائم المخالفين

لقد ذكر هذا الدكتور قولا عن الاباضية هو أنهم يحرمون أخذ غنائم مخالفيهم إلا الخيل والسلاح فأنهم ــ حسب رأيه ــ يستبيحونها حلالا سائغا . والحقيقة الموجودة عند الاباضية تخالف زعم الدكتور , ذلك لأن الاباضية يحرمون كل جنس من غنائم المخالفين التي للمخالفين حق فيها , ومن ذلك الخيل والسلاح فلا يستثنونهما أبدا .إلا ما كان لبت مال المسلمين فإنه يؤخذ عنهم حتى بالإكراه , ويوزع على فقراء المسلمين أو يستعان به في قضاء حوائج الدولة الإسلامية وإذا كان مغصوبا من أحد الناس فإنه يرجع إلية .

إما السلاح الذي يستخدمه المخالف في قتل المسلمين و إيذائهم إن أصر على ذلك ولم يتب , فأن يجب أن يتلف ولا يترك له حتى لا يضعضع أمن الإسلام أو يخل من نظامه . ولا يؤخذ عنه بحيث يصبح ملكا لأحد من الاباضية . هذا الحكم عند الاباضية ليس مقتصرا على المخالفين فقط , فأن الاباضية تطبقة حتى الاباضى الفاجر الذي يسلك هذا السبيل .



والاباضية بحمد الله هم أشد الناس تورعا عن أحد أموال المسلمين وغنائمهم مهما كان هؤلاء مخالفين أو محاربين , وهذا الحكم عام يشمل كل أنواع الأملاك . وعلى هذا شواهد من الواقع تنبئك عنها مواقفهم المشهورة وكتبهم ومؤلفاتهم , وهذا مما يدل على نزاهتهم عن اغتصاب أموال الناس ظلما و عدوانا .

فانظر مثلا ألي معاملة الإمام عبد الله بن يحيى (طالب الحق) ــ رحمه الله ــ لأهل صنعاء عندما دخلها منتصرا على واليها الأموي , فإنه أمر أن يؤتى بالمال الذي اغتصبه هذا الوالي من أهل صنعاء (( فأتوا به من الخزانة إلى المسجد فقسمه عبد الله على فقراء صنعاء , ولم يأخذ منه شيئا , ولم يستحل منه لصحابه متاعا))

ألا يدل هذا على أن الاباضية يتنزهون عن الانغماس في الحرام مهما كان هذا الحرام قليلا أو كثيرا ؟ فهم يرون أخذ درهم أي مسلم بدون حق كبيرة من الكبائر التي يجب على الإنسان أن يتجنبها ويربأ بنفسه من الوقوع فيها, وألا لحل به حكم الله.

وقد ذكر هذه الحادثة الإمام السالمي في كتابه ( جوهر النظام ) في باب (( الأموال المشتبهة )) حيث قال (1)



وطالب الحق بصنعا حاكمــا بجعله(*) في أهلها واحتشما

لم يأخذن عــند مضيق يومه شيئا لنفسه ولا لقومــــــــــه

تعففا منهم ومن كــــــــمثلهم أكرم بهم من عصبية اكرم بهم

كانوا يموتون على ما أبصروا من الهدى ما بدلوا وغيروا

وقد مر بنا سابقا أن أبا بلال مرداس بن حدير لما خرج فارا بدينه , كان مما قاله : (( ولا نأخذ من الفيء إلا أعطياتنا )) وقد طبق هذا الكلام بنفسه عندما وجد الأموال تساق إلى الدولة فإنه لم يأخذ منها إلا أعطياته وأعطيات أصحابه وترك الباقي على المطايا .

وإذا جئنا إلى ما يقول العلامة أبو يعقوب الوارجلاني ــ رحمة الله ــ نجده يقرر في كتاب (( والدليل والبرهان )) موقف الاباضية من أموال المخالفين ككل فقول : (( وأموالهم مردودة عليهم , إلا ما كان لبيت المال , فإن نجوزه على وجه , ولا نتورع عن جميع ما في أيديهم من المظالم عندنا , إذا كان جائزا في مذهبهم . وما كان في أيديهم من مال بيت المال للمسلمين , فإن نأخذه ولا نرده إليهم ونصرفه في وجوهه , وإن كان مظلمة رددناها إلى أهلها )) (1)



فانظر إلى هذه الأفعال وهذه الأقوال هل ورد فيها ذلك الاستثناء الذي ذكره المغرضون في كتبهم بألسنتهم زورا وبهتانا .

ما كان أغني لهم عن هذا افتراء هذه الأقاويل التي نسجوها من وهم الخيال , ونسبوها ألي غيرهم بدون أي تورع أو خوف من الله .

ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــ

6 ــ مسألة أن الاباضية هم الخوامس



ذكر الدكتور أن الاباضية يسمون من أجل خروجهم عن إجماع المذاهب الأربعة بالخوامس .

وهذه المقولة نستطيع أن نستشف منها عدة أشياء :

أولا : أن كثير من المذاهب تدعى أنها هي على الصواب , وتختار لنفسها أحسن الألقاب التي تحاول أن تظهر فيها أنها الوحيدة الفرقة الناجية , ,أن ما عداها من المذاهب ما هي إلا مبتدعة , فتطلق عليها ما شاءت من الألقاب القبيحة لكي تشوهها أمام الناس . ولهذا أمثلة كثيرة معرفة عند جميع المسلمين .

ولذلك يقول الشيخ علي يحيى معمر : (( اعتاد أتباع كل مذهب أن يطلقوا على أنفسهم أحب الأسماء ـــ كأهل السنة , أهل الاستقامة , أهل العدل , أهل الحق , وأن يطلقوا على مخالفيهم أقبح الأسماء كأهل البدع , أهل الأهواء ,أهل الضلال , أهل الزيغ , وكأن الكثير منهم يفتحونه الجنة على مصاريعها لأتباعهم , ويقفلونها بإحكام أمام أنظار الآخرين , ويبلغ بهم التطرف إلى أن يقدموا فساق مذاهبهم على صلحاء غيرهم . ومن الأمثلة القريبة لذلك أن فقهاء الأشاعرة يقولون بأن المسلم العاصي لا يخلد في النار وإن دخلها , ولكن بعضهم يستثنى المعتزلة من هذه القاعدة فيرميهم جميعا في النار بصلحائهم و فساقهم , ثم يحكم عليهم بالخلود فيها رغم أنهم مسلمون (1) ...إنتهى

وبهذا ينجلى الاستغراب من إطلاق الدكتور على الاباضية لقب الخوامس , فكأنه رأى الحق محصورا في فرقهم الأربع , ولم يأبه بما عليه الآخرون , ولا يرى ضيرا في إطلاق أي لقب قبيح على من خالفه , ولا تثريب على من فعل هذا , م دام يعترف باللقب المقدس لهم ويحتفظ به .

ثانيا :ــ أن مما يستشف من الكلام أن هذا الكلام أن الإجماع المقصود عنده هو إجماع الفرق الأربع ــ الحنفية والشافعية والمالكية والحنبلية ــ وهذا يعنى أن الإجماع الذي ذكره الرسول علية الصلاة والسلام في قوله ( لا تجتمع آمتي على ضلال ) وقد قصد به إجماع هذه الفرق الأربع دون غيرها من فرق المسلمين , وأن ما عداها من المذاهب لا زنة لرأيها في أي مسألة . وأنهم يستحقون أن يطلق عليهم حسب قربهم من المذاهب الأربعة أو بعدهم عنها لقب الخوامس , والسوادس والسوابع ... وهكذا .

وإذا راجعنا ما قاله الدكتور بعد هذه العبارة , نجده يعيب فيما يعيبه على الاباضية رؤيتهم الإجماع محصورا في طائفتهم فقط , ومع أن الاباضية لا يدعون هذا وينكرون هذه الفرية الملصقة بهم ــ كما سنبينه أن شاء الله ــ فإننا نجد الدكتور وقع فيما عاب به الآخرين , ذلك انه رأى الإجماع محصورا في طوائفهم الأربع (( المعصومة )) . وهذا دليل قد يضعه في محل التهمة بأنه من دعاة التحزيات الدينية التي كان يجب أن يحرص على إلغائها .

ثالثا: ــ إن هناك فرقا إسلامية معتدلة , ومذاهب قامت كان لها دورها العظيم في نشر الإسلام وخدمته , ولها مواقف جلى لا يمكن أن تنكر أو تتجاهل , سواء من الناحية الاجتهادية أو من الناحية الفادعية ضد أعداء الإسلام , المهم أنها جميعها تقتبس من نور الأسقام , ولا يمكن أن تخرج عنه , فهل يمكن أن تتجاهل آراؤها بحيث تخرج من الإجماع الحقيقي وهو إجماع الأمة كلها , لنأخذ مثلا مذهب أحد كبار أئمة المسلمين وهو( سفيان الثوري ) الذي كون مذهبا في الشام استمر قرابة مائة وخمسين عاما , فأين يصنف هذا المذهب رأى الدكتور ؟

وإن شئت فقارن بين ما تجده في هذا الكلام من التعصب المقيت وضيق الأفق وتحجر الفكر ألي ما تجده من سماحة وتساع الأفق والتحرر من العصبية فيما يقول الكاتب الاباضية الشيخ علي يحيى معمر ـــ رحمه الله : (( إنه لا يحق لأي واحد كان يقف في الساحة منفردا أو كان يحمل شعار فرقة أن يحكم على فرقة أخرى بالخروج من ميدان الإسلام الفسيح أومن الحرمان من الاشتراك في أي عمل تقوم به الأمة الإسلامية ككل . وهذه الفرق متكاملة بشعاراتها المختلفة هى التي أعطت الصورة الكاملة للامة الإسلامية لان كل واحدة من تلك الفرق كانت تمثل جانبا معينا وتبني من زواية خاصة ولم يكتمل البناء إلا بوجودها جميعا واشتراكها في إقامته . إن لكل فرقة من الفرق الإسلامية في خدمة الإسلام جهدا مشكورا سواء كرهنا أم رضينا , وسواء اعترفنا أم نعترف , وسواء وافق أمزجتنا أم لم يوافق . وليس من حق أصحاب أية فرقة أن يعتبروا أنفسهم هم ممثلي الإسلام يحكمون على غيرهم من الفرق والطوائف بالتفسيق أو التبديع أو التفكير ))

ثم أخذ يذكر فضل الخوارج على الإسلام , وفضل الشيعة , وفضل المعتزلة , وفضل الاباضية , وفضل أهل السنة , وفضل الظاهرية , والحنابلة وغيرهم ثم قال : (( وهذا الإطار العام الذي تقف فيه الفرق الإسلامية بشعاراتها الخاصة كطوابير متخصصة يتكون منها جميعا ذلك الكيان العظيم الذي يسمى الأمة الإسلامية . وهذه الأمة بهذه الفرق المختلفة وشعاراتها الخاصة , إذا أجمع علماؤها على حكم في أمر الأمور كان ذلك إجماعا من الأمة الإسلامية واعتبر هذا الإجماع هو المصدر الثالث من التشريع بعد الكتاب والسنة . ولا يمكن أن يعتبر إجماعا مات تخلف فيه ولو عالم واحد من فرقة واحدة من الفرق الموجودة حين صدور الحكم . فإذا انقرضت فرقة في عصر من العصور أو وجدت فرقة طلب الإجماع علماء الفرق الحاضرة واعتبر ما اتفقوا عليه ))(1)

ليت جميع كتاب المسلمين كانت عندهم هذه الروح التي نجدها عند هذا الكاتب المنصف , فيدركوا خلالها أن الإجماع لا يكون حجة ألا حين يتم من جميع مجتهدى الأمة بشتى مذاهبهم .

وبهذا يتبين أن تصنيف الدكتور للاباضية بجعلهم الخوامس ما هو إلا ضرب من التنابز بالألقاب التي لا تغنى عند الله شيئا , فليطلق ما شاء فإن الله ــ سبحانه وتعالى ــ حين يحاسب الناس يوم القيامة لن يكون اللقب هو الشفيع عنده , بل سيكون هو القسط الذي يقاس به العمل الصالح لا الألقاب المخترعة .

والألقاب التي تحتمل معنى قدسيا أو معنى إصلاحيا ويختارها كثير من الناس لانفسهم محاولين استجلاب عواطف الناس بها , ولاستكثار من الاتباع , ويعتمدون عليها لتكون لهم سفينة النجاة يوم القيامة , ما هي ألا كالسراب الذي يحسبه الظمآن ماء , حتى إذا جاءه شيئا ووجد الله عنده فوفاه والله سريع الحساب.

ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــ

7ـ مسألة الإجماع عند الاباضية

مما ألصقه الدكتور بالاباضية دعوى أن المراد بالإجماع عندهم هو إجماع طائفتهم , وليست هذه الدعوى من الصحة في شيء كما سبق بيانه , وإنما هى من محاولات دعاة التخريب الذين يرمون الاباضية بالتهم لغرض تشويه مذهبهم , مع أن هولاء هم الذين وقعوا فيما عابوه الاباضية إذ لم يعتدوا بغيرهم في الإجماع كما تقدم , فما أصدق المثل ( رمتنى بدائها وانسلت )

ولكي أزيدك ــ أخي القارئ ـ اطمئنانا على ما عند الاباضية أنقل إليك أقوال عض علمائنا ممن وضحوا معنى الإجماع بالضبط . وإليك شواهد هؤلاء :

أولا: العلامة أبو يعقوب يوسف بن إبراهيم الوارجلانى الذي قال في كتابه (( العدل والإنصاف )) أن المقصود بالإجماع هو (( إجماع الأمة عند الفقهاء , وسواء كان إجماعهم على القول به الفصل له الترك , ولفظة الإجماع تجمع الحق والباطل والخطأ والصواب , ولكن هذه الأمة ثبتت أن إجماعها كله صواب وحق , بما سنذكره وقد اجتمعوا على خطأ وباطل غير هذه , لكن هذه الأمة إذا أطلقت اسم الإجماع إنما يريدون انعقاد ))(1) .. أ . هــ

فكلام هذا العلامة يدل على أن الإجماع عند الاباضية ليس محصورا في طائفتهم فقط , وإنما هو إجماع فقها ء الأمة ككل دون ألي فرقهم . ذلك لأنة هذه الأمة لا تجتمع ضلالة كما وضح ذلك الرسول صلى الله علية وسلم , وبخلاف باقي الأمم السابقة التي لم تحظ بهذه الميزة .

ثانيا:العلامة الأمام نور الدين السالمين ــ رحمة الله ــ وهو من أكثر علماء الاباضية تناولا لموضوع الإجماع . فق خصص له بابا مفردا تناول فيه أغلب المسائل المتعلقة به . . في كتابه القيم (( شرح طلعة الشمس )) المتكون من جزأين خصصا في دراسة أصول الفقه . وإذا تصفحنا أقواله وشرحه الطويل لا نجد له قولا يخص الاباضية بأحقية الأطماع . فلننظر ألي ما جاء في هذا الكتاب :

يقول هذا العلامة ــ رحمه الله تعالى : (( الإجماع في عرف الأصوليين والفقهاء وعامة المسلمين عبارة عن اتفاق علماء الأمة على حكم في عصر , وقيل اتفاق أمة محمد صلى الله علية وسلم في عصر علي أمر , وزاد بعضهم ولم يسبقه خلاف مستمر , فيخرج على التعريف الأول عوام ممن لا علم له , فلا يقدح خلافهم في انعقاد الإجماع))(1)

ويقول في موضوع آخر بعد ما ذكر الأحاديث التي توجب اتباع الجماعة (( فعلمنا بهذه الطريقة صحة الأخبار المروية في وجوب اتباع الأمة فيما اجتمعت علية ))(2)

ثم نجده يبين من دائرة المشاركة في أحقية الإجماع فيقول : (( يعتبر في انعقاد الإجماع وفاق كل مجتهد متبع , والمراد بالمجتهد كل من كانت له ملكة يقتدر بها على استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها , والمراد بالتبع كل من كان سالكا طريقة السلف الصالح , فيخرج بذلك الفاسق فإنه لا يعتبر بخلافه لخروجه عن كمال الأيمان , وقد قال تعالى { ومن يتبع غير سبيل المؤمنين} .. الآية . وكذلك أيضا يخرج المبتدع وهو من حاد عن طريقة السلف الصالح بتأويل يفسق به أو يشرك به , عند من أثبت الشرك لبعض المتأولين , فإن خلاف هؤلاء لا ينقص إجماع المعتبرين من أهل الحق ... وباشتراط المجتهد دون غيرة في صحة انعقاد الإجماع يخرج الفقهاء فقط وهم المعروفون بتحصيل المسائل الفرعية نقلا لا استنباطا , وإن كان عن تقليد فلا يعتبر خلافهم صحة الإجماع .. ويخرج أيضا الأصولي والمراد به من كان له معرفة بالأصول فقط دون سائر الشريعة فلا يقدح خلافهم في صحة الإجماع , وإذا أجمع المجتهدون في عصره على حكم , بل يجب علية اتباعهم .. ويخرج أيضا عوام الأمة الذين لا نظر لهم في شيء من الشرعيات , وإنما يأخذون الأحكام من علمائهم بطريق الاتباع والتقليد , فلا يقدح خلافهم في صحة الإجماع , ولا يعتبر وفاقهم في صحته))(3)

ويقول في مقام أخر )) يعتبر في صحة الإجماع وفاق جميع المجتهدين من الأمة فيذلك العصر .. وليس يجزى فيه بعض مجتهدى الأمة مع خلاف العض الآخر , وإن بلغ المتفقون على ذلك عددا كثيرا , ولو حالف من أهل الاجتهاد واحد أو اثنان واتفق الباقون , لم يكون ذلك إجماع يجب على من بعدهم أتباع ,...., وكذلك لا يكون ذلك إجماع أهل المدينة مع حلاف غيرهم حجة لأنهم بعض الأمة والمفروض إجماع جميع مجتهديهم وعلمائهم وأما جميع العلماء والعوام .. وكذلك أيضا لا يكون أهل بيت النبي عليه الصلاة والسلام مع خلاف وغيرهم إجماعا . أي إذا اتفق أهل بيته عليه الصلاة والسلام على قول وخالفهم غيرهم في ذلك الحكم فلا يكون اتفاقهم حجة على غيرهم بمنزلة الإجماع لنهم بعض الأمة , والمعتبر إجماع جميع مجتهدى الأمة .. وكذلك أيضا لا يكون اتفاق الخليفتين أبى بكر و عمر رضى الله عنهما مع خلاف غيرهما إجماعا لأنهما بعض الأمة ... وكذلك أيضا لا يكون اتفاق الخلفاء الأربعة إجماعا لأنهم بعض الأمة )) (1) ... أنتهي كلامه.

هذا هو كلام الاباضية , وليس فيها ذلك الحصر المدعى عليهم , وهم حريصون على عدم حصره في أي طائفة , وليس فيها ذلك كان تعليل العلامة السالمي عندما يرفض اتفاق طائفة معينة في أمر دون سواهم بقوله : (( لأنهم بعض الأمة ــ لأنهما بعض الأمة )) فهو لم ينظر للأمة الإسلامية متمثلة فقط في أتباع المذهب الاباضي , وإنما هى أمة كبيرة تضم فرقا شتى ما لم تخرج واحدة من دائرتها إلى دائرة الشرك و الإلحاد.

فمن أين أتى هذا الدكتور بهذا الكلام المناقض لما عند الإباضية؟



ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ

8ـ مسألة تعارض الحديث مع القرآن

استمرأ الدكتور أن يقول عن الاباضية ما شاء بدون مبالاة , وبدون حساب , لأن تصوره غير تصوره غير الدقيق عن المذهب الاباضي , قد هون عليه التبعات , وشجعه على المزيد من المهاترات التي لا تمت ألي الاباضية بصلة ولعله سمع قولا عن الاباضية لم يدر ما كنهه أو حقيقته فاورده كما سمعه بدون تحقق من صحته أو بحث عن علله , و إنما المهم عنده أن يورده بشكل يثير في نفس القارئ نوعا من الاشمئزاز لكي يتخذ موقفا سيئا من الاباضية بدون علم , واضعا الثقة الكبيرة في الدكتور في صحة ما يقول .

من ذلك أنه ذكر عبارة عن الاباضية بأنهم لا يأخذون بالسنة المعارضة للقرآن . وهذه العبارة إذا ناقشناها فغن أول تساؤل يرد على النفس هو : هل تتعارض السنة مع القران ؟

اللهم إلا ما كان ناسخا للآية أو مخصصا لعمومها , وما جاء في هذا المجال قد تعورف علية وثبت عند المسلمين منذ عهد الصحابة و إلى الآن , ولم يزد علية شيء آخر.

وهذا هو موفق الاباضية , وهو أنهم إذا ثبت لديهم أن الحديث ناسخ للآية فهم بلا شك يأخذون به , كما جاء في قولة صلى الله علية وسلم ((لا وصية لوارث)) فهذا الحديث معروف أنه ناسخ لقولة تعالى{{ كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خير الوصية للوالدين }}(1) وقد جاء هذا الحديث متواترا وقبل مستفيضا , فالاباضية يأخذون به .

وإذا ثبت أن الحديث مخصص لعموم الآية فانهم يأخذون به , مثال ذلك : رجم المحصن الزاني , فإنه ثبت عنة صلى الله علية وسلم أنه كان يرجم الزاني المحصن مع أن الله تعالى قال { الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة}(2)

ففعل الرسول صلى الله عليه وسلم هذا وقد خصص عموم الآية في الزاني ,هذان الصنفان فقط اللذان يأخذ الاباضية بهما , وما عداهما إذا لم يتفق الحديث مع الآية فإننا نجتهد بالتأويل , للجمع بينهما , فأن نحكم بتحريف القرآن أن الحديث غير صحيح.

وأعتقد أن الأول محال لأن القران محفوظ ومتواتر , فلم يبق إلا الثاني وهو عدم صحة الحديث . وذلك لأننا جميعا نعرف أنه قد افتريت على الرسول صلى الله علية وسلم أحاديث كثيرة , لولا ذلك لما وضع مصطلح الحديث وشروط قبول الراوي , كما أننا نعلم أن المسلمين وقعوا في بلاء شديد وفتن كثيرة , وظهر فيهم الزنادقة والدجالون والكذابون ممن لم يراقبوا الله في افتراء أي حديث على الرسول صلى الله علية وسلم ,

وقد قال علية الصلاة والسلام ( من كذب علي عامدا متعمدا فليتبوأ مقعده من النار)

ولكنهم ومع ذلك ولكنهم مع ذلك لم يأبهوا بهذا الحديث المتواتر المتلقي بالقبول من جميع الأمة ,ولم يحسبوا حسابا لذلك المقعد البئيس , حتى أن في عهد المهدي( كان أحد الزنادقة يسمى عبد الكريم بن أبي العوجاء وقد كان مانويا يؤمن بالتناسخ , ويتخذ من سيرة ماني وسيلة لدعوته ألي الزندقة وتشكيل الناس في عقائدهم , ولما قدم للقتل قال : (( لئن قتلتموني لقد وضعت في أحاديثكم أربعة آلاف حديث مكذوبة مصنوعة )) وفي ذلك ما يصور جانبا من دس هؤلاء الزنادقة على الإسلام ومحاولة تشويه هديه (3)الكريم) , فلا غرو أن رأيناهم لفقوا على صاحب هذه الرسالة السمحة آلاف الأحاديث المزورة, مما جعل المسلمين يعانون من هذا البلاء العظيم إلى يومنا هذا . وقد بذل كثير من السلف الصالح جهدا عظيما في تمحيص هذه الأحاديث فوفقوا في كثير من ذلك والحمد لله , إلا أن النزر اليسير بقى شائبا يستبعد أن يكون الرسول صلى الله علية وسلم قد نطق به . ولذلك نجد من هذه الأحاديث ما هو ضعيف وما هو موضوع . وذلك أن منها ما يعارض القرآن الكريم , ومنها ما هو ضعيف السند.

وما كان معارضا للقرآن من غير أن يكون مخصصا لعموم آية أو ناسخا لها فيما يجوز فيه النسخ فإننا لاشك نحكم علية في هذه الحالة بالوضع , خاصة إذا لم يمكن تأويله بما يتفق مع القرآن لن الرسول علية الصلاة والسلام لا يمكن أن يقول ما يعارض كتاب الله

وهذا الحكم لا نصدره لأجل التقليل من قيمة ذات الحديث ــ معاذ الله ــ وإنما مخافة أن يكون فيه سهو أو نسيان أو التباس في المعنى , أو ضعيف في الإسناد .

وقد كان أول من واجه مثل هذه المشكلة هم الصحابة رضوان الله عليهم , فإننا إذا تصفحنا كتب الأحاديث بجد فيها أن الصحابة وقفوا من بعض الروايات موقف الحذر,

فردوا أحاديث سمعوها عن ثقات من الصحابة لا يمكن تواطؤهم على الكذب , ولكنها عارضت القرآن الكريم , وقد عللوا ذلك بإمكان السهو أو التباس المعنى على رواية , فنجد مثال ذلك ما جاء في صحيح البخاري , في باب أن الميت يعذب ببعض بكاء أهله عليه . فقد جاء في رواية عن ابن عباس أنه قال : ( صدرت مع عمر رضى الله عنه من مكة , حتى إذا كنا بالبيداء إذا هو بركب تحت سمرة , فقال اذهب فانظر من هؤلاء

الركب . قال : فنظرت فإذا صهيب , فأخبرته , فقال : ادعه إلى , فرجعت إلى صهيب فقلت ارتحل فالحق بأمير المؤمنين . فلما أصيب عمر دخل صهيب يبكى يقول : وا اخاه وا صاحباه , فقل عمر رضى الله عنة : أتبكى علي وقد قال رسول الله صلى الله علية وسلم ( إن الميت يعذب ببعض بكاء أهلة عليه ) , قال ابن عباس رضي الله عنهما : فلما مات عمر رضي الله عنه ذكرت ذلك لعائشة رضي الله عنها , فقالت : رحم الله عمر , والله ما حدث رسول الله صلى الله علية وسلم قال : أن الله ليزيد الكافر عذابا ببكاء أهله علية , وقالت : حسبكم القرآن : { ولا تزر وازرة وزر أخرى} قال ابن عباس رضي الله عنهما عند ذلك : والله أضحك وأبكى )) , قال ابن أبي مليكة ( والله ما قال عمر رضى الله عنهما شيئا))(1)

قال ابن حجر (( وقد رواه مسلم من الوجه الذي أخرجه فيه البخاري وزاد . في أوله (( ذكر لعائشة أن ابن عمر يقول أن الميت ليعذب ببكاء الحي , فقالت عائشة : يغفر الله لأبي عبد الرحمن , أما إنه لم يكب ولكنه نسى أو اخطأ ,. إنما مر رسول الله صلى الله علية وسلم على يهودية . فذكرت الحديث ))(2)

ثم قال ابن حجر بعدما ذكر التأويلات التي قيلت في هذين الحديثين معللا حجة عائشة : (( بأنها لم ترد الحديث بحديث آخر , بل بما استشعرت من معارضة القرآن ))(1)

فانظر ألي فعل السيدة عائشة رضي الله عنها عندما وجدت هذا الحديث مناقضا لما في القرآن لم تتردد في عدم قبوله , فردته لاستحالة أن يخالف الحديث القرآن , ولم تتهم الصحابة رضوان الله عليهم بالكذب . وقد فعل هذا الفعل نفسه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه , فقد في كتاب (( نيل الأوطار)) للشوكاني , في باب ( ما جاء في نفقة المبتوتة وسكناها)) : ((وعن الشعبى أنه حدث فاطمة بنت قيس , أن الرسول الله صلى الله علية وسلم لم يجعل لها سكنى ولا نفقة , فاخذ الأسود بن يزيد كفا من حصى فحصبه به وقال : ويلك تحدث بمثل هذا ؟ قال عمر : لا نترك كتاب الله وسنة بينا صلى الله علية وسلم لقول امرأة لا ندرى لعلها حفظت أو نسيت )) (2) رواه مسلم .

ألا يدلنا هذا على أن الأحاديث التي تعارض القران الكريم علينا أن لا نأخذ بها ؟ لا أعتقد أننا سنكون أكثر تقديسا للرسول عليه أفضل الصلاة والسلام من الصحابة الكرام , وهم مع ذلك ردوا مثل هذه الأحاديث لاعتقادهم أن الرسول الكريم لا يمكن أن يعارض القرآن

ولقد تنبه لهذا العلامة السيد محمد رشيد رضا في تفسيره ( المنار) حيث قال : (( وإذا كان من علل الحديث المانعة من وصفه بالصحة مخالفة راوية لغيره من الثقات , فمخالفة القطعى من القرآن المتواتر أولى بسلب وصف الصحة عنه .))(3)

فتلك هى مواقف كبار الصحابة , وتلك هى أقوال كبار العلماء أمثال ابن حجر ومحمد رشيد ممن عرفوا الحقيقة , أفلا ينبغي لنا أن نحذو حذوهم , كيف لا وقد باعدت المسافة الزمنية بيننا وبين عهد الصحابة بمقدار أربعة عشر قرنا , حدث فيما من الفتن الكالحة الشيء الكثير , وظهر العدد من الملفقين والمزورين , لذلك كان الواجب علينا أن نجعل مقياسنا في صحة الحديث هو موافقته للقرآن الكريم .

ولقد ثبت من إعجاز نبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أنة قال : ( ستختلفون من بعدى , فما جاءكم عنى فاعرضوه على كتاب الله , فما وافقه فعنى وما خالفه فليس عنى ) ...رواه الأمام الربيع بن حبيب عن أبى عبيدة عن جابر عن ابن عباس رضى الله عنهما .



وجاء في شرح العلامة السالمى هذا الحديث قولة : (( وهذا من أعلام النبوة , فانه إخبار بغيب وقع يقينا مشاهدا))(1) ثم قال منوها بصحة هذا الحديث : (( قولة فاعرضوه على كتاب الله الخ : إثبات هذا الحديث من هذا الطريق قاض بصحته وعلو سنده وان لم يبت عند قومنا بل رووا معناه من طريق ضعيفة)) (2)



ثم قال)):قولة فما وافقه فعنى )) وهذا فيما وقع فيه الاختلاف (( أي في الحديث المختلف فيه فقط )) بين هذه الأمة بدليل قولة أنكم ستختلفون من بعدى . فأما المتفق عليه أنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يحتاج إلى عرض بل يجب العمل به و إن خالف ظاهر الكتاب , لانه أما ناسخ أو مخصص , فالأول كقولة صلى الله عليه وسلم ( لا وصية لوارث ) فانه ناسخ لقوله تعالى { الوصية للوالدين والأقربين ..} والثاني كقولة صلى الله عليه وسلم في حق هذه الأمة لها ما سعت وما يسعى لها ) حيث كان عاما لغير هذه الأمة , وإنما وجب الأخذ به مع مخالفة ظاهر الكتاب لقوله تعالى { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهو} قولة : (( وما خالفه فليس عنى )) وكيف يخالف كتاب الله وبه هداه ربه . وهذا قانون يعرف به مقبول الأخبار من مردودها , فمن تمسك بظاهر كتاب الله عند اختلاف الأمة في حكم أو خبر فقد تمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها , واخذ بوصية رسوا الله صلى الله علية وسلم في هذا الحديث , وقد تقدم أن الحديث فما اختلف فيه الأمة وان ما اتفقت عليه لا يحتاج اى العرض , فالمعروض ما جاء عنه من الأخبار المختلف في ثبوتها , وان رسول الله صلى الله علية وسلم قد حكم بان ما خالف كتاب الله منها فليس عنه , وذلك لانه توفى عليه الصلاة والسلام والدين كامل , والنعمة بالإسلام تامة , وقد علم الناسخ من المنسوخ , والعام والخاص , واستقريت الشريعة و استبان الحق , فما جاءنا بعد ذلك عرضناه على المعلوم المستقر في زمانه من كتاب الله وسنته ))(3) .. الخ



فهذا هو موقف الاباضية من أي حديث يعارض القرآن الكريم . وكان ينبغي لهذا الدكتور إن يرجع إلى هذه الكتب ليعرف حجة الاباضية , لا إن يورد العبارة هكذا بدون مساند .

وما هذا الفرية ألا تمهيد من مختلقها لافتراءات أخرى حاول تأسيسها عليها كدعوى أن الاباضية لا يرون رجم الزاني المحصن , ,انهم يقولون بجواز الوصية للوارث , وبجواز الجمع بين المرأة وعمتها , وأن المحرم من الرضاع هم ألام والأخت فقط . بحجة أن هذا هو الثابت في القران فقط , وهم لا يأخذون بالسنة المعارضة له .

ولكن هذا قد وضح وضوح الشمس , وسيأتي الرد على هذا الافتراءات من هذا القبيل أن شاء الله .

وأخير أظنك أخي القارئ أنك قد وقفت على بينة من موقف الاباضية تجاه الحديث المعارض للقرآن , فموقفهم والحمد لله موافق للعقل والنقل , وكما في الأحاديث النبوية وسيرة الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين ..



ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــ

9ـ مسألة رجم الزاني المحصن



منكرات القول التي أتى بها الدكتور في حديثه عن الاباضية أنه قال : إن الاباضية ينكرون حد الرجم للزاني المحصن , بحجة أنه لا يتبعض بالنسبة للعبيد , كما أنه لم يذكر القرآن .

كما أشرنا سابقا ألي ادعاء أن الاباضية لا يأخذون بالسنة المعارضة للقرآن ما هو إلا تمهيد لافتراءات أخرى أريد إلصاقها بأهل الحق ولاستقامة قد كانت أولاهن هذه المقولة العجيبة , ذلك لأن الرجم للزاني المحصن ليس من الأمور التي قد يكتنفها الغموض ويواريها الخفاء في المجتمع الاباضي , وبل هو من الأمور الشائعة التي عرفتها الخاصة والعامة منهم فقها وتطبيقها , ولم يكن إنفاذ هذا الحكم الشرعي عندهم في خاص بالضعفاء دون الأقوياء بل شاملا للقوي والضعيف , والبغيض والحبيب , والقريب والبعيد , ولا يزال على قيد الحياة بعض الذين تولوا إنفاذه يحكمون الواقع بصدق وأمانة .

وكيف يجادل مسلم في رجم الزاني المحصن وهو أمر مسلم منذ عهد الرسول علية الصلاة والسلام والى الآن ؟ وكيف يتصور أن ينكر إباضي مشروعية الحكم مع كون الفقه الاباضي حافلا به , وبتفاصيله , كما ستقف علية أخي القارئ إن شاء الله , وكثيرا ما قرأت فيما يتناقله الكاتبون نسبة إنكاره ألي الخوارج وهم بلا ريب يسحبون هذا اللقب على الاباضية مع أنا نتحدى أن يأتينا أحد بدليل أن اباضيا واحدا أنكره , أما الخوارج فأنا لم نطلع على فقههم لنحكم لهم أو عليهم في ذلك , ومع أن المنطق السليم يقضى بمطالبة هؤلاء القائلين بالدليل الواضح على صحة ما نسبوه إلى الاباضية , فإني أريح القارئ من عناء مطالبتهم بهذا الدليل فأسوق له من نصوص أقوال أئمة المذهب ما هو كفيل بدحض هذه الفرية .

فأليك آخي القارئ أقوال الاباضية ورواياتهم عن الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام التي تدل أخذهم بالسنة الثابتة , وشدة حرصهم على تطبيقها .

فمن ذلك أننا نجد في مسند الربيع بن حبيب الفراهيدى ـــ رحمه الله ــ الذي عاش في القرن الثاني , وأخذ العلم عن أبي عبيد مسلم بن أبي كريمة وبعض التابعين . كما أن أبا عبيدة هذا قد أحذ العلم عن جابر بن زيد , وجابر كما علمنا قد أخذ علمه عن أكبر علماء الصحابة الكرام .



فلذلك تعد روايات الإمام الربيع التي أتى بها عن الرسول الكريم في مقدمة الروايات سندا ومتنا , ذلك لأنها حظيت بالسلسلة الذهبية الثلاثية وشخصياتها من أكبر الثقات الذين لا يمكن أن يتهم أحدهم بكذب , فقد كانوا من الأتقياء المتميزين بشدة الورع , وقوة الحفظ والبعد عن الافتراء مهما صغر , فكيف بالافتراء على الرسول صلى الله علية وسلم ؟ كيف لا وهم يعتقدون أن الكذب كبيرة من الكبائر التي لا يجازى من مات مصرا عليها إلا بالخلود في النار !

ولذلك نلجأ إلى هذا المسند بعد القرآن الكريم في كل معضلة تلم بنا كما نلجأ إلى غيره مما اطمأنت النفس إلى صحته وثبوت نسبته إلى النبي صلى الله علية وسلم , ومسألة الرجم هذه قد روى لنا فيها الإمام الربيع رحمه الله روايتين نصتا على تطبيق الرسول علية الصلاة والسلام هذا الحد , والأمر به بالسبة للزاني المحصن .

ــ وأولى هاتين الروايتين هي : ( عن أبي عبيدة عن جابر بن زيد عن ابن عباس قال: اختصم رجلان ألي الرسول صلى الله علية وسلم فقال أحدهما : (( اقض بيننا بكتاب الله )) وقال الآخر ( أجل يا رسول الله اقض بيننا بكتاب الله وأذن لي أن أتكلم )) فقال (تكلم ) فقال (( إن أبني كان عسيفا لهذا الرجل فزنا بامرأته فأخبرني أن على أبني الرجم , فافتديته منه بمائة شاه وبجارية , ثم أنى سألت أهل العلم فأخبروني أن على أبني مائة جلدة وتغريب عام وإنما الرجم على المرأة )) قال: قال رسول الله صلى الله علية وسلم (( والذي نفسي بيده لأقضين بكتاب الله , أما غنمك وجاريتك فرد عليك)) وجلد ابنه مائة جلدة وغربه عام , وأمر أنيسا الأسلمى أن يأتى امرأة الآخر فان اعترفت رجمها , فاعترفت فرجمها )(*)

فانظر ألي هذا الحديث الذي هو من ضمن ما يستدل به الاباضية على وجوب رجم الزاني المحصن , لن الرسول علية افضل الصلاة السلام أمر أنيسا الأسلمى أن يرجم المرأة بعد أن تعترف وتقر بما فعلت .

ــ والرواية الثانية التي جاءت في هذا السند هى عن عبيدة عن جابر أنه قال : الرجم والإخراج والاستنجاء والوتر سنن واجبة , فأما الوتر فلقوله عليه السلام لأصحاب زادكم الله صلاة هى الوتر (**)

وقولا الإمام جابر أن هذه السنن واجبة لدليل قوي على اخذ الاباضية بها , لاسيما أنه أول سنة ذكرها في هذه المقولة هي حد الرجم , تنوبها بوجوبها .

وجاء في شرح هذا الحديث ( للعلامة السالمى ) قولة : (( وكون الرجم سنة واجبة يدل عليه حديث ابن عباس المتقدم (( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أنيسا الأسلمى أن يأتي امرأة الآخر فان اعترفت , رجمها فاعترفت فرجمها ))(1)

ثم قال بعد ذلك , رادا على من ادعى عدم وجوب الرجم بحجة عدم ذكره في القرآن قولة (( وهو سنة مجمع عليها , وحكى عن الخوارج والنظام وأصحابه من المعتزلة إنكاره , ولا مستند لهم إلا أنه لم يذكر في القرآن وهذا باطل , فإنه قد ثبت بالسنة المتواترة المجمع عليها ))...الخ (2)

فانظر أخي القارئ كيف يرد الاباضية على من قال بعدم ثبوت الرجم محتجا بعدم ذكره في القرآن , فكيف ينسب إليها هذا الإنكار مع أنهم يقارعون من قال به .



وإذا طلعنا ما يقول العلامة أبو غانم الخرساني أحد علماء القرن الثاني الهجري أيضا , فإننا نجده يقول في كتابه القيم القديم المسمى ب (( المدونة الكبرى)) (قال ابن عبد العزيز(*) وكذلك بلغنا عن النبي علية الصلاة والسلام أن أمراه وهى حبلى فأقرت عنده بالزنا , فقال اذهبي حتى تفطميه , فلما فطمته أتت فامرالنبي عليه الصلاة والسلام , فشد عليها ثيابها فرجمت , قلت فامرأة تزنى وهى حبلى ولم تحصن متى يقام عليها الحد قال إذا وضعت واستغنى عنها ولدها جلدت الحد )) (1) ثم قال عن آية سورة النور وهي قولة تعالى { الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله } .. ( قال ابن عبد العزيز فصارت السنة فيمن أحصن رجم بالحجارة ,و فيمن لم يحص جلد مائة , سالت أبا المؤرج عن الرجال والمرأة يزنيان وهما محصنان أيجلدان ثم يرجمان , أو يرجمان ولا يجلدان , قال يرجمان ولا يجلدان ))(1)

ثم أورد قولا عن فقهاء الاباضية : (( أن السنة عندهم فيمن أحصن الرجم بالحجارة , ولا حد عليه ( أي ولا جلد عليه ) ولا نفي , فيمن لم يحصن جلد مائة ولا رجم عليه ولا نفي , حدثني بذلك أبو عبيدة عن جابر بن زيد , ولا أحسبه رفعه إلا إلى ابن عباس))(2)



فانظر إلى روايات وأقوال هؤلاء الأعلام , وهم من اقدم علماء الاباضية فإننا لا نجدهم ينكرون الرجم , وإنما يرونه سنة واجبة ثبتت عندهم بالتواتر.

ثم لنأت إلى علماء إجلاء , أتوا من بعدهم , كالعلامة أبي بكر احمد بن عبد الله بن موسى الكندي السمدي النزوي . أحد علماء (( القرن الخامس )) فنجده يقول في موسوعته الفقهية المتألفة من واحد وأربعين مجلدا , والمسماه بكتاب (( المصنف)) يقول في الجزء الربعين منه في باب : (( ما يجب على الزاني من الحدود وما لا يجب)) ( فأول ما عمل رسول الله صلى الله علية وسلم بالرجم انه رجم امرأة ورجلا من اليهود محصنين كانا زنيا , من أشرافهم , فكتمت اليهود الرجم وهو في كتاب الله التوراة , فأتوا رسول الله صلى الله علية وسلم , فرفعوا إليه ورجوا أن يجدوا في ذلك رخصة , فأرسل إلى رجل من علمائهم بالتوراة وهو شاب يقال له ابن صوريا , فسألة عن الرجم هل هو التوراة , وعظم عليه وناشده بالله فأخبره أن الرجم في التوراة , فرجمها رسول الله صلى الله علية وسلم بما في التوراة فأنزل الله تعالى { يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا ليبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير }.... ثم أن ماعز بن ملك السلمي أتى رسول الله صلى الله علية وسلم فاعترف على نفسه بالزنا , وتعرض له رسول الله صلى الله عليه وسلم , فقال : لعلك قبلت أو غمزت أو كما قال رسول الله صلى سلم فأبى ماعز ألا اعترافا على نفسه بالزنا .. فأمر به رسول الله صلى الله علية وسلم فرجم ))(3)ثم اخذ يذكر أسماء كثير من الناس رجموا في عهد أبى بكر رضي الله عنه , ثم قال: (( ومن شك في الرجم فقد كفر بالقرآن من حيث لا يدري (4) ,فانظر إلى هذا الإنكار الشديد على من ينكر الرجم , ويصد هذا ممن ينكر نفسه ؟

ولم يقتصر هذا العلامة على هذا فقط بل انه أورد أقوالا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه تدل على استدلال الاباضية بها على ثبوت الرجم للزاني المحصن .

كما أنه أفرد بابا كاملا في صفة الرجم والأحكام المترتبة عليه في نفس هذا الجزء.(1) ونجد قطب الأئمة العلامة محمد بن يوسف أطفيش رحمه الله يقول في كتابه ( شرح عقيدة التوحيد) إن الرجم هو (( من السنة بالتواتر ويحفز للرجل إلى سرته فيرجم , وللمرأة إبطيها فترجم , ولا بأس بالرجل بلا حفر وقد رجمت على عهد رسول الله صلى الله علية وسلم بلا حفر , وهرب رجل فكانوا يلحقونه ويضربونه حتى مات , ويرجم العبد والأمة إن أحصنا ... ولا يرجم إلا المحصن , ويحصن الحر البالغ الموحد العاقل السالم من عيب مانع لجماع الحرة , وتحصن الحرة التي هي كذلك .... وروي أن رسول الله صلى الله علية وسلم رجم ماعزا , وقال أبو سعيد : حرجنا به ألي البقع , فوالله ما حفرنا له ولا أوقفناه , ولكنه قام لنا , ورميناه بالعظام والخزف .

وروي مسلم عن بريدة : أن الرسول الله صلى الله علية سلم أمر فحفر له حفرة فجعل فيها إلى الصدره ثم أمر الناس أن يرجموه , ثم حفر أيضا للغامدية حفرة , فجعلت فيها إلى صدرها ثم أمر الناس أن يرجموها ))(2) الخ

ويقول العلامة السالمي في ( جوهر النظام ) تحت فصل حد الزاني ما نصه 3)

والحد في الزنى على أصناف بالجلد والرجم بالأسياف

فالجلد في البكر بنص الذكر والرجم بلسنة في ذا الحر

إن كان محصنا وذاك إن نكح ثم زنى فرجمه هنا اتضح

إلى آخر الأبيات ...



ولا أظن إلا أن هذه الأدلة كافية في الرد على هذه الفرية الشنعاء , وقد تبين الحق منها أخذ الإباضية بحد الرجم للزاني .

----------------------------------------------------------

10ـــ مسألة لا وصية لوارث

ذكر الدكتور أن من مخالفات الاباضية في الفقه أنهم يقولون بجواز الوصية للوارث, عملا بآية { الوصية للوالدين } ذلك لأنهم حسب ظنه ـــ لا يأخذون بالسنة المعارضة للقرآن , فهد من المسائل التي مهد لها بتلك المقولة .

لما بينا موقف الاباضية من السنة المعارضة للقرآن , وهو انهم لا يأخذون بالحديث المعارض للقرآن إلا إذا اثبت أن هذا الحديث ناسخ للآية , أو مخصص لعمومها , أو يتفق معها بالتأويل بحيث لا يتعارضان ويمكن الجمع بينهما .

فإننا عندما نأتي إلى هذه المسألة , نجد هناك آية تنص على الوصية للوارث , كما نجد حديثا معارضا لها وهو ( لا وصية لوارث ) وهذا الحديث قد ثبت عند الاباضية بالتواتر ـ كما ثبت عند غيرهم ــ أنه ناسخ لتلك الآية في الحكم .

فما ترى يكون رأي موقف الاباضية من هذا الحديث ؟ هل يأخذون به أم بالنص القرآني بعد ثبات نسخ حكمه ؟

لا شك إنك ستدرك أن الاباضية يقولون بعدم جواز الوصية للوارث لأن هذا الحديث داخل الاستثناء , فهو ناسخ لحكم الآية المعارضة به , ونما أنه ثبت ذلك , فهم إذن يرون أنه لا مجال لرد الحديث .

وهذه هي النتيجة التي لابد أن تتوصل إليها إن كنت ذا عقل , وبما أنك عرفتها فاشدد بها يدك , فإني أتقدم إليك ــ بصفتي إباضي المذهب ــ لأقول لك أن ما استنتجته من كلامي هو الصواب بعينه . فأنا أعرف ما عليه أهل المذهب في هذه المسألة , منذ بداية عهدهم وإلى اليوم , وإن كنت في شك من هذا , فإنني أبسط إليك الأدلة التي لا يمكن أن تنكر صحة كلامي , لأنني أحيلك إلى مصادرها التي استقيتها منها لتكون على ثقة تامة .

ولنبدأ في عرض هذا الأدلة حسب قربها من عهد نشوء المذهب الاباضية . فأول هذه المصادر هو مسند الأمام الربيع بن حبيب رحمه الله ونجد فيه هذه الرواية : عن أبي عبيدة عن جابر عن ابن عباس عن النبي صلى الله علية وسلم قال : ( لا وصية لوارث , ولا يرث القاتل عمدا كان القتل أو خطا ) .. (1)

ولننظر ماذا يقول العلامة السالمى في شرحه لهذا الحديث نجده يفسر قوله(لا وصية لوارث) بقولة : أي من كان وارثا فلا تصح له الوصية من الميراث , فلا يصح أن يزاد عليه لأن ذلك حيف على الوارث لآخر , وإن الله تعالى قد جعل له في التركة حقا أما الثمن أو السدس أ, الربع أو الثلث أو النصف أو نحو ذلك , فلا تصح تنقيصه من ذلك واعطاء غيره من نصيبه , والحديث ناسج لقوله تعالى : { الوصية للوالدين} (1)... الخ كلامة.

فانظر إقرار الاباضية بهذا الحديث , وأخذهم به , وروايتهم له وتعليقهم عليه . ثم لنأت ألي قول عالم آخر عاش في القران الربيع الهجري , وهو العلامة أبو محمد عبدالله بن محمد بن بركة البهلوي العماني , فنجده يقول عن آية {الوصية للوالدين والأقربين } في كتابه (الجامع) ما نصه : ((قال أصحابنا هذه الآية منسوخة آية المواريث ,فيجب أن يعتبرهذا المعنى من قولهم أن النسخ حكمه أن يرفع ما نسخ منه , وقد اتفقوا مع مخالفيهم أن الوصية للأقربين غير منسوخة وهى في الآية التي ورد الخطاب بذكر الوالدين والأقربين غير منسوخة وهى في الآية التي ورد الخطاب بذكر الوالدين والاقربين فيها بالامر لهم بالوصية , فلما قال النبي صلى الله علية وسلم (لا وصية لوارث) خص من هذا المذكور بالمنع من الوصية وبقى الباقي على حكمه والله اعلم)(2)



فانظر إلى قول هذا العلامة الكبير الذي طلما بحث كثيرا من المسائل بكل دقة فى هذا

الكتاب القيم , هل من المعقول أن يأتي بقول ينكر فيه ما روى عن الرسول عليه الصلاة والسلام ؟



وهكذا شأن كل علماء المذهب والحمد لله ,فهذا العلامة الكندي صاحب (( المصنف)) نجد أيضا يقول في هذا المسألة في الجزء الثامن العشرين ــ القسم الأول ــ الباب السابع عشر (( الوصية للوارث )) فكان أول ما أورد في تحت العنوان هو الرسول صلى الله عليه وسلم ألا لا تجوز لوارث وصية )(3) ويقول في موضوع آخر( أن

الوصية للوارث إلا بحق أو بقيامة عليه , أو يقر له بذلك الشيء أنه له فلا يجوز استثناؤه فيه ))(4)

وجاء في الباب السادس والعشرين : (في الوصية ) في نفس الجزء قولة مفسرا قول الله تعالى { يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم إذا حضر أحكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين } فالخير هو المال , فنسخ الوالدين وجعل لهما الميراث والوارث بعد الوارث يفضل الأقرب فأقرب .. (5) إلى آخر كلامه رحمه الله ...



ثم نتقل ألي عالم آخر وهو العلامة الجليل عامر بن علي الشماخي ــ رحمه الله ــ أحد علماء القرن السابع الهجري , فنجده يقول في كتابه الإيضاح في الجزء الرابع في باب (( من تجوز له الوصية ومن لا تجوز )) ما نصه : (( وتجوز الوصية لجميع الناس من أهل التوحيد , إلا الوارث وعبده والقاتل وعبده .أما والوارث لا تجوز له الوصية لقوله عليه السلام ( لا وصية لوارث )(1)

ثم أخذ يذكر مسائل في الموضوع لا أريد أطيل بها هنا , حتى نتيح المجال لعرض أدلة أكثر من أقول علماء المذهب , ولنأت إلى المتأخرين منهم , أمثال قطب الأئمة ونور الدين السالمي ــ رحمهما الله ــ لنستوضح موقفهما في هذه المسألة .

فإذا طالعنا كتاب (( تيسير التفسير )) لقطب الأئمة فإننا نجد يقول في تفسير آية( الوصية للوالدين ولأقربين ) ما نصه الأقربين كالأخوة ولأخوات و الأعمام والأجداد والجدات والأخوال , ثم نسخ بآية الإرث وحديث (لا وصية لوارث) إلا أن يشاء الورثة , قال صلى الله علية وسلم في حجة الوداع إذ خطب فيها : إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث , وروى أنه خطب على راحلته وقال : أن الله تعالى قد قسم لكل إنسان نصيبه من الميراث , فلا تجوز لوارث وصية .. وإن أوصى لوارث بحق له علية جازأجماع مع انتقاء الريبة , مثل أن يوصى بإرش ضربة ضربه إياها , أو بمال له أكله منه بلا رضى , وخرج من الكل على أنه متواتر , وإلا فالناسخ آيات الإرث, والحديث مبين للنسخ بهن , وبقيت الوصية للأقارب الذين لا يرثون من جهة الأب ومن جهة الأم على ترتيب نذكره في الفقه.(2)

هذا هو كلامه رحمه الله في تفسيره هذا , وأما كلامه في كتاب (شرح النيل ) الذي لم يرد الدكتور الإطلاع عليه مع علمه به فإنه يقول فيه تحت عنوان (( فصل فيمن تجوز له الوصية ومن لا تجوز له)) ما نصه : ( جاز الايصاء لموحد ) ولو مخالفا غير وارث (لا وارث أو عبده ولا قاتل ولا لعبد الموصى) أما الوارث فلقوله صلى الله علية وسلم (لا وصية لوارث) من رواية الربيع بن حبيب , وفي ((المنهاج)) , ألا لا وصية لوارث) رواه حديثا بزيادة ألا للتأكيد وعن أبي أمامة الباهلي : ( سمعت رسول الله صلى الله علية وسلم يقول إن الله قد أعطى كل ذى حق حقه , فلا وصية لوارث , رواه ابن عباس رضي الله عنهما...

وقال أصحابنا : إنه متواتر .. وأما الوصية للوارث بحقه فواجبة لا ترد , والأولى التخلص منه في الحياة لئلا ينازعون شكا منهم في الميل إليه إلا ما تبين )(3) انتهى كلامه ....

واخيرا نختتم بنظم الشيخ نور الدين السالمي ـــ رحمه الله ـــ الذي ورد في ( جوهر النظام) حيث يقول :

وبالتراث نسخ الإيصـــــــاء للوالدين حيثما قد جاءا

كذلك الوارث مــــن منعـــا أن يوصي الموصي له تبرعا

فسهمه مـــــــــــــن أقاربه جميعهم أو كان مـــــن أجانبه

وبقى القريب ممن لم يرث أتحف بالإيصا وفيه قد شبث(1)

أظن أن ما سقناه كاف لإسقاط تلك الفرية التي لم تقم على أساس , وإذا لم يكن بهذا مقنع للمجادل فلا شك أن العقول فقدت , والآذان صمت ,والعيون عميت , نسأل الله السلامة ...



ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــ



11ــ مسألة الجمع بين المرأة وعمتها



والبهتان الحادي عشر في سلسلة هذه الافتراءات التي وجهت سهاهما ألي الاباضية , إدعاء أنهم يجوزون الجمع بين المرأة وعمتها , وأنهم يحتجون لهذا القول بأن تحريم الجمع بينهما لم يذكر القران الكريم , وما ورد من السنة بالتحريم فان الاباضية ـ حسب هذا الزعم ــ لا يقتدون به . فهذا البهتان إذن ينقسم ألي ثلاث أقسام : (الأول ) نسبة جواز الجمع بين المرأة وعمتها وكذلك بين المرأة وخالتها ألي الاباضية , و(الثاني) دعوى أنهم يحتجون بعدم ذكر التحريم في القرآن , و(الثالث) هو أنهم لا يأخذون بالسنة المنانعة لهذا الجمع . والحقيقة التي أريد إثباتها هنا , لدحض هذا الافتراء هى , أنني أقول له : إن هذا البهتان ليس له مكان من الصدق البتة, ذلك لانه لم يرد عن أحد من الاباضية أن قال بهذا القول أبدا , ولم يرد عن أحد من علمائهم أنه أحتج بما زعمه الدكتور من حدة , أو ورد ما جاء من منع عن الرسول صلى الله علية وسلم , وكتبهم تشهد بذلك , وحياة الاباضية العملية اكبر دليل على هذا.

فأنا أطلب من الدكتور أن يأتي بنص عن أي اباضي يجيز الجمع بين المرأة وعمتها , أو بين المرأة وخالتها , كما أطلب منه أن يثبت عن أي إباضي انه فعل ذلك , وليستعرض جمع المجتمعات الاباضية , سواء في الشرق أو في الغرب ,بل حتى العامة عندنا يعرفون هذا الحكم , ويتحاشون الوقوع في مخالفته ويمقتون ذلك بفطرتهم الدينية , وبما تعرفون علية في مجتمعهم الإسلامي ,فكيف بفقهائنا الإجلاء ــ نزههم الله ـ هل من المعقول أن يقولوا بهذه المخالفة البالغة , التي ألصقت بهم ؟ في الوقت الذي نجدهم فيه المجتمع من الإصابة بهذا الآثم الخطير ؟ أن هذا بلا شك إيغال في الافتراء أيما إيغال , ومن كان يجهل هذه الحقيقة فأحرى به أن يسأل أي أحد من الاباضية , ولا يحمل نفسه ثقل هذا الإثم الكبير.

وأظن أنه لم يكن ليعيب أحد ما أن يسال عن حقيقة أي مذهب أصحابه العارفين به وذلك أمر ميسر , خاصة في مثل هذا العصر الذي تداخل الناس فيه , واختلاف بعضهم ببعض , كما أن وسائل الاتصال المريحة متوافرة لاقصى درجة , فلا عذر لأحد أن تكاسل عن بذل الجهد في البحث عن الحقيقة من مضانها مستندا في نسبة قول ما لطائفة أو الأحرى إلى مجرد الدعاوى التي سطرتها أقلام الحاقدين أو المغرضين لطمس الحق وتشويه الحقيقة متجاهلين قول الحق تعالى {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا}

وأعود فأقول : إن الاباضية لم يحدث أن حالفوا النص النبوي في هذه المسألة , بل إنهم مجمعوم على تحريم الجمع بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها , وقد بنوا كثيرا من المسائل على هذا التحريم , وسأكتفى هنا بإيراد الحديث المروى عن الرسول صلى الله علية وسلم في مسند الأمام الربيع في هذه المسألة , كما أعرض أقوال بعض العلماء الاباضية تجاهها , وسيكون اختيار أقوالهم حسب اختلاف فتراتها التي عاشوا فيها , حتى تتلاشى هذه الأدلة الناطقة بالحق :

أولا : الأمام الربيع عن أبي عبيدة عن جابر بن زيد ع أبى هريرة عن النبي صلى الله علية وسلم قال : ( لا يجمع بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها )(1)

وقد جاء في شرح العلامة السالمى لهذا الحديث ما نصه (( قوله لا يجمع بين المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها )) لا بالتزويج ولا بالتسري , وحيث حرم الجمع , فلو نكحهما معا بطل نكاحمها , إذ ليس تخصيص أحدهما بالبطلان , بأولى من الأخرى , فإن نكحمها مرتبا بطل نكاح الثانية لأن الجمع حصل بها ... ولفظ العمة والخالة يصدق على عمتها وخالتها وعلى عمة أبيها وخالة أبيها , وهكذا وإن علون , والتحريم شامل بينهما وبين عمتها القريبة أو البعيدة )) ...الخ

فانظر إلي اعتماد الاباضية على هذا الحديث في منع الجمع بين المرأة وعمتها , وانظر إلى الأحكام التي بنوها علية , فكيف يقال عنهم العكس ؟

ثانيا : جاءت في كتاب المصنف للعلامة الكندي أبى بكر الكندي , أسئلة وجهها هذا العالم إلى شيخه أبي الحسن , هذا نصها مع أجوبتها :

قلت : ( فما تقول فيمن جمع بين أمراة وبين خالتها , أو أم خالتها ما كانوا علو في النسب , وكذلك بين امرأة وبين ابنة خالتها أو أم خالتها ما كانوا وسلفوا في النسب ؟ فقال: ذلك حرام ما كانت أم أمها وابنة أبيها ما كانوا ,وان سلفوا من ولد أخيها , مثل أختها عليه في الجمع . قلت له : وكذلك من جمع بين امرأة وأم عمتها ما كانوا وان علوا في النسب , أو جمع امرأة وابنة أخيها وان سفلوا ما كانوا ؟ قال : معي إن أم عمتها فصاعدا ما كانوا حرام عليه , بمنزلة أم خالتها وما ولد أخوها فسفل وان بعدوا في النسل بمنزلة ابنة أخيها في الجمع وهو حرام)) (1)

ثالثا : جاء في كتاب (( منهج الطالبين وبلاغ الراغبين )) الجزء الخامس عشر للشيح خميس بن سعيد بن علي الشقصي أحد علماء القرن ( الحادي عشر الهجري) في فصل مستقل عنوانه (( القول السابع عشر في الجمع بين الابنة ألام والخالة والعمة وشبه ذلك )) ما نصه : ( قال النبي صلى الله علية وسلم لا يجمع بين المرأة وعمتها , ولا بين خالتها في التزويج وهما في الحرمة سواء )(2)

ثم أورد أقوال بعض علماء المذهب فقال : ( وقال أبو جعفر : من تزويج امرأة(3) على عمتها أو خالتها حرمت الأخيرة منها ... وقال أبو زياد يفرق بينه وبينهما جميعا , واختلافهما في هذا كالاختلاف في الجمع بين الأختين )

ثم قال بعد أن أورد هذه الأقوال : (( ومن كان له زوجة فلا يجمع إليها ابنة أخيها , ولا ابنة أختها , فإن ماتت , جاز له أخذ هاتين وكذلك إذا طلقها , جاز أن يتزوج أحدهما بعد انقضاء العدة ))(4) انتهى ... ثم أخذ يتوسع في الأحكام المترتبة على هذا التحريم .

رابعا : أورد قطب الأئمة العلامة محمد بن يوسف اطفيش في تفسيره القيم المسمى بتيسير التفسير قاعدة كلية في تحريم الجمع ي=بين النساء القريبات قائلا في تفسير قوله تعالى { وان تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف} ما نصه (( وكذا لا يجوز الجمع بين من لا تتناكحان لو كان إحداهما ذكرا , وكل ما يحرم تزويجه يحرم تسرّيه , بل هي محرم له , يكون حرا بملكه له , قال صلى الله علية وسلم ( لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها , ولا على ابنة أختها ) وهو تمثيل للعموم المذكور في من لا تحل للأخرى ))(1) انتهى كلامه ....

خامسا: جاء في كتاب (( النيل وشفاء العليل)) عن العلامة ضياء الدين عبد العزيز الثمينى ـــ رحمه الله المتوفى سنة 1223هــ ما نصه (( حرم الجمع بين أختين وإن من رضاع أو بتسر أو بتخالف , وكذا بين البنت والأم والعمة والخالة فإن الجمع بين محرمين حرام .وضابطه : كل امرأتين بينهما من قرابة أو الرضاع ما يمنع نكاحهما لو كانت أحدهما ذكرا والأخرى أنثي))(2)

وحلل شارحه قطب الأئمة ــ رحمة الله ــ هذا النص في شرحه بقولة : (( نكاح أحدهما بعد حرام على ما مر , أو المرأة مع ( العمة ) والمرأة مع ( خاله) والمرأة وعمة أبيها وأمها , والمرأة وأم خالتها وأم عمتها وهكذا العلو أو السفل , (فإن الجمع بين محرمتين حرام ) ولو بتزويج أحدهما أو خطبتها قبل تمام عدتها منه , إلا إن كان الطلاق لا تصبح فيه الرجعة , وقيل : أو كان يصبح ولكن لا يملكه ..)) (3)إلى آخر كلامه .

فانظر أخي القارئ إلى هذه النصوص القديمة والحديثة الثابتة عن أئمة المذهب هل تجد فيها ما يومي ولو من بعيد إلى جواز الجمع كما نسب المفترون ذلكم إلى الاباضية أو انك تجدها صريحة في التحريم؟

إننا لنتعجب من هؤلاء الذين اختلقوا هذا الإفك كيف لم يخشوا من الفضيحة بانكشاف هذه الفرية عندما يرجع الباحثون المتحرون من ربقة التقليد إلى كتب المذهب أو أنهم ظنوا أن الدهر سيبقى أسير التقليد؟



ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ

12 ــ مسألة ما يحرم من الرضاع عند الاباضية



ما أشبه المسألة بأخواتها ي اختلاقها وإلصاقها بأهل الاستقامة زورا وبهتانا وهم أشد الناس براءه منها .

وخلاصة ما ادعاه المفترون ــ كما أورد ذلك الدكتور في كتابه ـــ أن الاباضية لا يرون حرمة الرضاع إلا في الأمهات والأخوات لأنه الثابت بالقرآن , وأما السنة فملغاة عندهم حسب زعم أولئك مع أن الاباضية أطبقوا قولا وعملا أنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب فهذه كتبهم ناطقة بذلك وهذا واقعهم الاجتماعي شاهد به .



إن الإنسان ليتحير أمام هذه الادعاءات التي تصدر ــ وللآسف الشديدـــ عن أناس قد أخذوا بقسط وافر من العلم الديني وتتعجب كيف لا يرعون للدين حرمة ولا يرعون في مؤمن إلاّ ولا ذمة , بل يلقون ما شاؤا من التهم على من شاؤا من الناس مستغلين ثقة الناس بهم .



فما فائدة علمهم إذا كان لا يأمرهم بالمعروف ولا ينهاهم عن المنكر , إنه بلا شك سيكون حجة ووبالا عليهم يوم القيامة , كما يقولة العلامة السالمي رحمه الله :

وعالم بعلمه لم يعملا أشد في التعذيب ممن جهلا(1)



إن العلم الراسخ في النفس يستلزم الطهر والنزاهة والصدق والأمانة والشعور بالمراقبة الدائمة من قبل الله , ويحرص على فعل أوامره واجتناب نواهيه , ونحن نعلم أن الله ينهى عن الافتراء على أي إنسان فكيف بالافتراء على جماعة مؤمنة ؟ فقد جاء في القرآن الكريم :{ يا أيها الذين آمنون إذا جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة}

(الحجرات 6)

فكان من الواجب على السلم أن يبحث عن الحقيقة ليتأكد من صحة ما يقوله أو يكتبه قبل أن ينطق بكلمة أو يمد قلمه بحرف , ولا يخوض فيما ليس له به علم , لان الله تعالى حذر من ذلك قال جل شأنه :{ ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا} (الإسراء 36) .... ولا أظن أن هذه الآيات تحفى على العلم ؟ أن العمل بالعلم الشرعي واجب فإن الدين ليس هو محض ثقافة يحشى بها الدماغ ليقال أن فلانا عالم كبير , وأنه فريد دهره , فالإسلام ليس دينا نظريا بل لا يبقى له أثر إذا لم يكن له واقع يمثله فيجب تجسيده في الحياة العملية حتى تراه البشرية جمعاء , فلا تملك إلا أن تلجأ إلية , لأنه المنقذ لحياتها الكاشف بنوره سجاف حيرتها الملبي بعطائه جميع ضروراتها .
  #4  
قديم 10/07/2004, 06:58 PM
المدقق الثاني المدقق الثاني غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ الانضمام: 13/02/2003
المشاركات: 830
لا تتذمر أخي العزيز (والله تعبت)

فدفاعك عن الحق وأهله وكشفك للباطل ولبسه في ميزان حسناتك إن شاء الله

فالاخلاص الاخلاص وفقك الله
  #5  
قديم 10/07/2004, 07:09 PM
سحلا سحلا غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ الانضمام: 09/06/2004
الإقامة: عالم الحقيقة
المشاركات: 526
وقد حذر الله تعالى العلماء كثيرا من الوقوع في مخالفة أوامر الله بعد علمهم بها لنهم قدوة الناس , وعليهم مدار المسؤولية في حمل رسالة الإسلام ومن ذلك قولة :{ وتل عليهم نبأ الذين آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين . ولو شئنا بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه} الأعراف 175/176

من هنا كان وقوع الدكتور في مثل هذه الفرية أمرا خطيرا , يسيئ ألي نفسه قبل أن يضر بالآخرين , لأنه ينعكس على شخصيه , ويصرف الناس عن الثقة بأقواله , ذلك لأن المسلم يحب أن يتخلى بالصدق ويلزم الأمانة في كل شيء, ولو رجعنا ألي أسلافنا القدامى لوجدناهم يتحاشون الأخذ برواية من يشكون في صدقه ولو واحد في المئة , فكيف إذا ظهر كذبه عيانا ؟ وأما الاباضية فإن هذه الفرية لا تضرهم شيئا , فهم ــ والحمد لله ــ ماضون على أوامر الله وأوامر رسوله , مهما حاول المشنعون أن يشوهوا سمعتهم بالدعاوى الفارغة .

ولكن يكون القارئ الكريم على بينة من هذا الأمر , وحفاظا على حقه في معرفة الصواب , أسهل له الموضوع بأن أجمع له أقوال الاباضية تجاه ما يحرم من قبل الرضاع , بالاستناد إلى الأحاديث التي رووها في مدوناتهم .

وإن شاء أن يتأكد من الحق بأكثر مما هو موجود هنا , فبإمكانه أن يطلع على أي كتاب إباضى في الفقه قد تناول هذا الموضوع .فإنه سيجد فيه الحقيقة مائلة بين يديه ويعرف أن ما أورده الدكتور ليس مجرد خيوط وهمية أوهن من بيت العنكبوت , بل أنني أحث القاري الكريم أن لا يكتفي بما قال له . ولنبدأ في عرض أقوال الإباضية في هذه المسألة حسب الترتيب الزمني :

أولاً: جاء مسند الأمام الربيع بن حبيب فيما أخرجه عن أبي عبيدة عن جابر بن زيد عن عائشة ــ رضي الله عنها ــ قالت : إن أفلح أخا أبي القعيس هو عمي من الرضاعة استأذن علي وذلك بعد أن نزل الحجاب , فأبيت أن آذن له فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال ((أذني له فإن الرضاع مثل النسب )).(1)



وجاء في شرح هذا الحديث للعلامة السالمي رحمه الله ما نصه : ((وقوله (فإن الرضاع مثل النسب) أي حكمها في التجريم حكم النسب ,فالعم من الرضاعة مثل العم من النسب , واستشكل عمله صل الله عليه وسلم بمجرد دعوى أفلح دون بينة , وأجيب باحتمال اطلاعه على ذلك . قلت : وظاهر كلام عائشة أنها قد اطلعت على ذلك أيضاً , لكن جهلت الحكم فيه , وأن تواطوء قول أفلح وعائشة على ذلك حجة , فيندف الإشكال والحديث يدل أن لبن الفحل يحرم فتثبت الحرمة من جهة صاحب اللبن كما تثبت في جانب المرضعة , وأن زوج المرضعة بمنزلة الوالد للرضيع , وأخاه بمنزلة العم فإنه صلى الله عليه وسلم أثبت عمومة الرضاع وألحقها بالنسب لأن سبب اللبن هو ماء الرجل والمرأة معاً , فوجب أن يكون الرضاع منهما معاً , هذا مذهبنا ومذهب جمهور الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار))(2)



ثم أخذ يرد بعض الأقوال المخالفة فقال : (( وقال بعض قومنا فيهم ربيعة وداود وأتباعه : الرضاعة من قبل الرجل لا تحرم شيئاً لقوله تعالى (وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة))

قالوا : ولم يذكر البنات كما ذكرها في تحريم النسب ولا ذكر من يكون من جهة الأب كالعمة كما ذكرها في النسب . ورُدّ بأن ذكر الشيء لا يدلُّ على سقوط الحكم عما سواه وهذا الحديث نصٌ في الحرمة , قالوا : اللبن لا ينفصل عن الرجل وانما ينفصل عن المرأة فكيف ينشر الحرمة إلى الرجل؟ وأجيب بأنه قياس في مقابلة النص , فلا يلتفت إليه لا سيما وقد قالت عائشة هذا القياس : ( إنه أرضعتني المرأة ولم يرضعني الرجل , فقال : إنه عمك فليلج عليك ) والله أعلم .(1) انتهى

ثانياً: جاء المسند أيضاً حديث آخر تحت عنوان ((ما جاء أنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب )) وهو : عن أبي عبيدة عن جابر بن زيد عن عائشة رضي الله عنها قالت : كنت قاعدة : أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم إذ سمعت صوت إنسان يستأذن في بيت حفصة فقلت يا رسول الله هذا رجل يستأذن في بيتك فقال أراه فلاناً لعم حفصة من الرضاعة فقلت يا رسول الله لو كان عمي فلان حياً دخل علي ؟ (لعم لها من الرضاعة) قال : نعم يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب(2)



وجاء في شرح هذا الحديث ما نصه : (( ويدل أيضاً على أنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب , وذلك بالنظر إلى أقارب المُرضع لأنهم أقارب للرضيع , وأما أقارب الرضيع فلا قرابة بينهم وبين المُرضع والمحرمات من الرضاع سَبْعٌ : الأم والأخت بنص القرآن والبنت والعمة والخالة وبنت الأخ وبنت الأخت لأن هؤلاء الخمس يحرمن من النساء. واختلفت الناس هل يحرم بالرضاع ما يحرم الصهار ؟ ومذهبنا ومذهب الأئمة الأربعة أنه يحرم نظير المصاهرة بالرضاع فيحرم عليه أم امرأته من الرضاعة , وامرأة أبيه من الرضاعة ويحرم الجمع بين الأختين من الرضاعة وبين المرأة وعمتها وبنتها وبين خالتها من الرضاعة , وإلى هذا جمهور أهل العلم من الصحابة والتابعين وسائر العلماء , وحديث عائشة في عمها أفلح يدل على وقد وقع التصريح المطلوب في رواية لأبي داود بلفظ: قالت عائشة دخل علي أفلح فاستترت منه فقال : أتستترين مني وأنا عمك ؟ قلت:ومن أين ؟ قال: أرضعتك امرأة اخي , إنما أرضعتني المرأة ولم يرضعني الرجل , فدخل علي رسول الله صلى الله علية وسلم , فحدته فقال: إنه عمك فليلج عليك))(1)



هذه هى أحاديث الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام كما رواها الاباضية ولم يقتصروا على ما ورد في القرآن وحده ـــ كما زعم ــ بل أخذوا بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم , وكلام العلامة السالمى شاهد على ذلك .

ثالثا: يقول العلامة أبو غانم الخرساني (من علماء الاباضية في القرن الثاني الهجري) في مدونته الكبرى , في باب (( ما يحرم من النساء والرجال)) ما نصه : سألت أبا المؤرج وابن عبد العزيز عما يحرم على الرجال قال حدثني غير واحد من هل العلم انه يحرم على الرجل ثماني عشرة من النساء سبع من قبل النسب وسع من الرضاع وأربع من قبل الصهر ثم اخذ يذكر ما يحرم من النسب وتلاه ما يحرم من الرضاع فقال: (( وأما من قبل الرضاع فأمه من الرضاع وابته من الرضاع وأخته من الرضاع وعمته من الرضع وخالته من الرضاع وابنة اخية من الرضاع وابنة أخته من الرضاع فهؤلاء سبع بمنزلة النسب))(2) ثم ذكر قولا عن ابن عبد العزيز أنه قال )) , ويحرم على المرأة تسعة عشر رجلا سبعة من قبل النسب وسبعه من قبل الرضاع واربعة من قبل الصهر وعبدها )) (3)

فذكر من يحرم عليها من قبل النسب ثم النسب ثم ذكر ما يحرم من قبل الرضاع فقال( وأما من قبل الرضاع فأبوها من الرضاع فأبوها من الرضاع وابنها من الرضاع وأخوها من الرضاع وابن أخيها من الرضاع وابن أختها من الرضاع وعمها وخالها من الرضاع من الرضاع فهؤلاء أي أيضا بمنزلة النسب )) الخ كلامه رحمة الله .(3)(4)

فانظر ألي هذه الأقوال القديمة هل ترى فيها ما ينص على أن ما يحرم من الرضاع هو ألام والأخت فقط أو أنك تجدها ناصة على خلاف ذلك ؟ ثم نأتي إلى من جاء من بعد هؤلاء العلماء حتى يزداد الحق وضوحا لمن لم يره بعد.

رابعا: جاء في كتاب (( المصنف )) للشيخ أبي بكر عبد الله بن موسى الكندي رحمة الله , في الجزء الثالث والثلاثين في باب (( من يحرم نكاحه بالرضاع)) ما نصه : (( بلغنا عن النبي صلى الله علية وسلم أنه قال:أنه قال يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب )) . وروى أنه قيل له صلى الله علية وسلم : ألا تتزوج بابنة حمزة فأنها اجمل امرأة قريش فقال أنها ابنة اخي من الرضاعة )) (5)

ثم أورد مسألة تكلم فيها عمن يحرم من الرضاع فقال (( مسألة ولا ينبغي للرجل أن يتزوج امرأة أرضعته رضاعا قليلا أو كثيرا ولو كانت مصه أو مصتين أو سعوطا أو جوارا لأنها أمة , ولا ابنته التي أرضت بلبنة , ولا تحل عمته من الرضاعة , ولا بنت أخيه ولا بنت أخته ولا بنت امرأة من ولد التي أرضعته كانت بنتا أو بنت ابن , وكذلك لا يحل له أحد من ولد الرجل الذي أرضع بلبنه أبدا ولا تحل الرجل من ولد المرأة التي يتزوج التي أرضع بلبنها وإن كان جارية , ولا بشيء من ولد تلك الجارية ولا ولد ولدها أبد , وكذلك رجل من ولد الرجل الذي أرضعته الجارية بلبنه ولا تحل الجارية ولا شيء من ولدها أبد, وبنات العمات وبنات الخالات من الرضاعة جائز ولا يجوز ما سوى ذلك ولا البنات ولا بنات البنات ولا بنات الاخوة ولأخوات ولا أخواته ولا خالاته ولا عمته , ولك هذا لا يجوز وله أن يتزوج بأختها , وكذلك أخو الغلام لا باس أن يتزوج أرضعت أخاه ومن بدا له من ولد الرجل الذي ارضع بلبنه لأنه لا رضاع بينه وبينها)) (1)

خامسا : جاء في منهج الطالبين وبلاغ الراغبين العلامة الشقصي في الجزء الخامس عشر ما نصه : ((فصل)) روى أنه قيل للنبي صلى الله علية وسلم : ألا تتزوج بابنة حمزة فإنها أجمل امرأة في قريش فقال : إنها ابنة أخي من الرضاعة فلا ينبغي للرجل أن يتزوج امرأة أرضعته , رضاعا قليلا أو كثيرا ولو مصه أو مصتين , أو سعوطا أو وجورا , لأنها أمه من الرضاعة .

قال الله تعالى حين ذكر ما يحرم من النساء { وأمهاتكم اللآتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة} فلا يتزوج الرجل أمه من الرضاعة ولا ابنته من الرضاعة وهي التي ترضع بلبنه ولا أخته من الرضاعة وهي بنت التي أرضعته , أو بنت الرجل الذي رضع من لبنه , ولا تحل له عمته من الرضاع ولا خالته ولا بنت اخية ولا بنت أخته ولا امرأة من ولد التي أرضعته , كانت بنت بنت , أو بنت ابن , ولا يحل له أحد من ولد الرجل ولا ولد ولده الذي أرضع بلبنه . ولا يحل لرجل من ولد المرأة أن يتزوج التي أرضع بلبنها وإن كانت جارية , ولا من ولد تلك الجارية , ولا ولد ولدها . وبنات العمات , وبنات الخالات من إرضاع , جائز تزوجهن , ولا يجوز تزويج أحد من جداته من الرضاعة كن من قبل ألام أو من قبل الفحل ))(2) الخ كلامه رحمه الله ...

ساسا :وانظر ألي الدليل الكبير الذي يرد الفرية , وهو الشيخ القطب في شرحه الكتاب النيل أخذ يرد كلام الذين يقولون بان التحريم لا يتجاوز الأم و الأخت , فقال ( إن لبن الحرة الموحدة يتجاوزهما قطعا وهو الحق , وعلية الجمهور . وذهب داود الظاهري واتباعه وإبراهيم بن علية وابن بنت الشافعي وجماعة ألي انه لا يتجاوزهما أيضا لقوله تعالى :{ وأمهاتكم اللآتي أرضعنكم} ولم يذكر العمه والبنت كما ذكرهما في النسب . ويرده أن تخصيص الشيء بالذكر لا يدل على نفي الحكم عما عداه وانه جاءت الأحاديث الصحيحة بنشر الحرمة . واحتج بعض بأن اللبن لا ينفصل عن الرجل فكيف ينشرها ألي الرجل , ويرده أنه قياس في معرفة النص فلا يلتفت إليه , وأن سبب اللبن ماء الرجل والمرأة معا , فالرضاع منها , وهو كالجد لما كان سبب الولد أوجب تحريم ولد الولد به , لتعلقه بولده , وأن الوطء يدر اللبن , فللرجل فيه نصيب , وفي الحديث ( يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ) أي ويباح منه ما يباح من النسب(1) ألي آخر كلامة رحمه الله .

وأخيرا فهذا الشواهد كلها أعتقد أنها كافية لرد هذا البهتان الذي نسجته الأوهام وألبسه الاباضية بغير حق , ولولا أني أخشى الإطالة لسقت أقوال كثير من علما المذهب حول هذه المسألة , ــ وما أوسع بحوثهم فيها ـــ ولكن نكتفي بهذا القدر وعسى أن تحصل الفائدة المرجوة منه , ومن شاء المزيد فليرجع إلى كتب الاباضية في الفقه سيجد ضالته كما قلنا هذا من قبل .

ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ

13ـ مسألة خلود أهل الكبائر في النار



يقول الدكتور الزحيلي : إن الاباضية يقولون بتخليد العصاة في النار , لن الإيمان عندهم قول وعمل .

وهذه العبارة في الحقيقة تدمج بين قضيتين اعتقاديتين هما : قضية خلود أهل النار الكبائر الذين ماتوا بدون توبة في النار , وقضية أن الإيمان قول وعمل واعتقاد . وهذا الإدماج ــ في نظري ــ ضروري في بعض المواضع , ولا سيما في مثل هذه المواضع ,لأن قضية الخلود مرتبطة بالعمل بجانب العقيدة .

مسألة خلود أهل الكبائر في النار , لا ننكرها بل نقرها ونعتقدها , ذلك لما تقول علية من أدلة واضحة من الكتاب والسنة. ولكن الذي ننكره هو طريقة عرض هذا المبدأ , ذلك لأنه أدخله ضمن ما سماه : مخالفات الاباضية في الفقه , مع أن هذه المسألة اعتقادية بحتة .

ثم إن تعليله بأن الاباضية يحتجون بأن الأيمان قول وعمل ليس هو في الحقيقة دليل الاباضية في اعتقادهم بتخليد العصاة في النار وغن كان هو مترتبا عليه وأنما أدلتهم مأخوذة من الكتاب والسنة التي تنص على الخلود الأبدي نصا واضحا لا غبار عليه لذلك قبل أن نبدا في استعراض أدلتهم في هذه المسألة أحب أن أوضح ما هو الإيمان عندنا , حتى تظهر صحة بناء معتقدنا في الخلود على نظرتنا ألي الإيمان .

يقول العلامة السالمى ــ رحمه الله : (اعلم أن للأيمان والإسلام استعمالين : أحدهما لغوي والآخر شرعي ,وكل منها حقيقة في موضعه , أما الإيمان ولاسلام الشرعيان فسيأتي بيانهما . وأما الأيمان اللغوي فهو التصديق بالقلب , قال تعالى { قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا} أي لم تصدقوا ...وأما الإسلام اللغوي : فهو الانقياد والإذعان وترك العناد ولذا قال :{ ولكن قولوا أسلمنا} .... وإسلامنا اللغوي هو إذعان أي انقيادنا وترك تمردنا على من طلب منا الإنقياد والإذعان(1)

ثم ذكر معناهما في الشرع فقال اعلم أن للإيمان والإسلام في الشرع استعمالا غير الاستعمال اللغوي وذلك أن الشرع نقلهما عن معناهما اللغوي , فاستعملهما مترادفين في مطلق الواجب, كان ذلك الواجب تصديقا باللسان فقط أو تصديقا بالجنان مع قول باللسان أو كان معهما عمل لازم إتيانه , فمن أدى جميع ما عليه كان مؤمنا مسلما عندنا , ومن أخل بشيء من الوجبات لا يسمى مؤمنا مسلما عندنا , بل يخص باسم المنافق والفاسق والعاصي والكافر ونحو ذلك )) (2) اهــ



ويقول أبو زكريا يحي بن أبي الخير الجناوني في كتابه الوضع : (( ... والدين والإيمان ولاسلام : أسماء مختلفة لشيء واحد وهو طاعة الله تعالى , ويقال : كل إيمان دين وكل إسلام دين , ولا يقال : كل دين إسلام ولا كل دين إيمان , لن الدين في لغة العرب ينصرف على وجوه يكون الدين بمعنى الطاعة )) أهــ (3)



إذن ( فالإباضية يرون أن الدين والإيمان والإسلام أسماء متعددة لمسمّى واحد , وهو طاعة الله تعالى وتطبيق قواعد الإسلام تطبيقا عمليا ... لذا قيل في التوحيد عند الاباضية أن قيل لك ما قواعد الإسلام ؟ فقل أربعة : ( العلم والعمل , والنية والورع )

ونظم هذا المعنى العلامة السالمى في قصيدته (( غاية المراد)) فقال :

قواعد الدين علم بعده عمل ونية ورع عن كل ما حظلا(4)



ويقول أبو عمار أيضا : روي عن النبي صلى الله علية وسلم أنه قال لعنت المرجئة على لسان سبعين نبيا , قيل وما المرجئة يا رسول الله قال : الذين يقولون أليمان قول بلا عمل )(1)



من هذا الأقوال يتبين أن الإيمان الحقيقي لا بد أن يكون مشتملا على التصديق والقول والعمل , باختلاف أي واحد من هذه الأشياء لا يعتبر الإنسان مؤمنا , فما فائدة الإيمان أو الإسلام إذا كان مجرد نظريات تحفظ ولا يصدقها العمل ؟

وقد قال الرسول صلى الله علية وسلم (( ليس الإيمان بالتمني ولا بالتخلي ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل ))

وحتى يكون الإنسان مسلما حقيقيا لابد أن يصدق عقيدته بعمله , وأما إذا اكتفى بمجرد الاعتقاد ــ كما يزعم كثير من الناس اليوم ... ولا يعمل بمقتضاه فإنه لا يصح أن يكون مسلما مستكملا معنى الإسلام , ولا يمكن آن تقول عنه أن اعتقاده إسلامي لأن الإسلام يقتضي التصديق والعمل , فإذا أخل بواحد منها فلا شك أن عقيدته فاسدة ليست نابعة عن الإسلام لذلك كان الإيمان والإسلام مترادفين . فإذا لم يطبق السلوك الإسلامي في الحياة ــ لم تكن للعقيدة ثمرة.



‘ن الله سبحانه وتعالى قد أرسل رسوله بالدين الحنيف ليكون منهجا متكاملا يلتزم في كل شئون الحياة لا فجوة بين تصوراته وسلوكياته بل تنبعث سلوكياته من تصوراته وما قيمة التمتمة باللسان إذا لم يصدقها العمل . لذلك يقول المفكر الإسلامي (سيد قطب ) (( ولقد يقول الإنسان بلسانه انه مسلم وإنه مصدق بهذا الدين وقضاياه , وقد يؤدي شعائر أخرى غير الصلاة , ولكن لهذا الحقيقة التصديق بالدين تظل بعيدا عنها , لأن لهذا الحقيقة علامات تدل على وجودها وتحقيقها , وما لم توجد هذه العلامات فلا إيمان ولا تصديق مهما اللسان , ومهما تعبد الإنسان ..

إن حقيقة الإيمان تستقر في القلب تتحرك من فورها لكي تحقق ذاتها في عمل صالح . فإذا لم تتخذ هذه الحركة فهذه دليل على عدم وجودها أصلا (((2)

ثم يقول : (( أن حقيقة التصديق بالدين ليست كلمة تقال باللسان إنما هي تحول في القلب يدفعه ألي الخير والبر .. واله لا يريد من الناس كلمات إنما يريد منهم أعمالا تصدقها , وألا فهي هبا لا وزن له عنده ولا اعتبار)) (3) أنتهي

هذه الحقيقة التي يقول سيد قطب قد عرفها الاباضية منذ القديم وأخذوا بها عقيدة وعملا ولذلك ترى عقيدتهم فيها متكاملة متناسقة تنص وتؤكد على (أن الأيمان بدون تطبيق فرائض الإسلام لا معنى له , وإلا أصبح فكرة جوفاء (1) لا قيمة لها .



وينبغي الانتباه بأن العمل المقصود هنا لتتحقق صفة الإيمان في الإنسان هو العمل الواجب الذي تقتضيه العقيدة الإسلامية والذي لا تقتصر فقط على الصلاة والصوم وانما يشتمل على سائر الوجبات الدينية ولذلك يقول العلامة السالمى (( العمل لا يكون من الإيمان إلا إذا كان لازما فيحرج القول بأن جميع الطاعات إيمان , وفية تنبيه على أنه يأتي على المكلف حال وليس عليه من الإعمال البدنية مفترض , كما إذا لم تبلغه الحجة بشيء من السمعيات أو كان ولم يأت عليه وقت فيه عليه عمل )) أهـــ (2)



كما ينبغي الالتفات ألي أن من لا يعمل بما يقتضيه الإسلام حينما لا نطلق علية أنه مؤمن مسلم فإننا (( نعني بمنع بما تسميته مسلما مؤمنا أو مسلما , فقط التسمية التي ينبغي عليها حكم المؤمن من الولاية واتباعها , أما إطلاق التسمية من غير ترتب حكمها عليها فجائز لأنا نقول في حق المخل بالفرائض العمليات هذا مسلم ولا نريد به انه ولى لكن أطلقنا علية أسم مسلم ))(3)



فهذا الإطلاق مجاز فيه لأن الآلام متكامل لا يقبل التجزئة , فلا نأخذ ببعض ونترك بعضا , وإنما يجب أن يكون إسلامنا وحدة إيمان وقول وعمل ولو أخل أي أنسان بواحد من هذه الوجبات لاشك أن عقاب الله سيكون العذاب المخلد في النار , كما يبين الله تعالى ذلك في كتابه .

ولا يصح أن نعتقد أن العاصي الذي مات ولم يتب أنه سينجو من الخلود في النار بمجرد أنه منتم للإسلام , لأن الإسلام لا يريد أنتماء لا عمل يتبعه .

وإذا نحن اعتقدنا أنه سينجو من الخلود فإننا لاشك سنقع فيما وقع فيه اليهود ,وحيث تمنوا هذه الأمنية , فأخذوا يفعلون الأفاعيل , ويقولون سيغفر لنا , لأننا يهود وننتمى ألي دين موسى فنفعل ما نشاء , حتى وصل بهم الحال ألي تحريف كتاب الله , ابتغاء عرض دنيوى بخس , فباعوا آخرتهم بدنياهم .



قال تعالى{ وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة قل اتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون , بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } ...(( سورة البقرة 80/82))

وهذا يدل على أن الإيمان لا يكون حتى ينبثق منه العمل الصالح . فأما الذين يقولون : إنهم مسلمون ثم يفسدون في الأرض ويحاربون الصلاح في حقيقته وهى إقرار منهج الأرض , وشريعته في الحياة , وأخلاقه في المجتمع , فهؤلاء ليس من الإيمان شيء , وليس لهم من ثواب الله شيء , وليس لهم من عذاب وارق , ولو تعلموا بأماني كأماني اليهود التي بين الله لهم وللناس فيها هذا لبيان (1)



وبالطبع أن الناس عندما يعتقدون أنهم سيخرجون من النار ويدخلون الجنة , ويتعلقون بانتمائهم ألي الإسلام , سيفعلون ما شناؤوا من المنكرات , لنهم سيخرجون من النار , وبهذا تكثر الفواحش , ويختل المجتمع المسلم , ويتشجع الناس على فعل الكبائر , ولا تصبح لأوامر الله ونواهيه قيمه لأنها ليست مهمة إذا كانت نتيجة المجرم تساوى نتيجة المحسن , ولكن أنى هذا وقد قال تعالى { أفنجعل المسلمين كالمجرمين , ما لكم كيف تحكمون } " القلم آية 35/36"

وفي هذا المقام يقول العلامه السيد محمد رشيد رضا في مقدمة سورة البقرة ما نصه : (( القاعدة السادسة)) : أن الجزاء على الإيمان والعمل معا , لأن الدين إيمان وعمل , ومن الغرور أن يظن المنتمى إلى دين نبي من الأنبياء أنه سينجو من الخلود في النار بمجرد الإنتماء , الشاهد عليه ما حكاه الله لنا عن بنى إسرائيل من غرورهم بدينهم وما رد به عليهم حتى لا نتبع سننهم فيه , وهو { وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة} ((البقرة 80/82)) وما حكاه عن اليهود والنصارى جميعا من قولهم { وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم } الخ الآيتين 111/112 , ولكننا قد اتبعنا سننهم شبرا بشبر , وذراعا بذراع مصداقا لما ورد في الحديث الصحيح . وإنما نمتاز عليهم بأن المتبعين لهم بعض الأمة لا كلها , وبحفظ نص كتابنا كله وضبط سنة نبينا صلى الله علية وسلم في بيانه وبأن حجة أهل العلم والهدى منا قائمة ألي يوم

القيامة(2) هذا هو الحق الذي تنبه له هذا العلامة وتنبه له كذلك الأستاذ سيد قطب حينما فسر قوله تعالى {ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم , ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون . ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودات وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون . فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه . وفيت كل نفس ما كسبت مهم لا يظلمون} (3)

فقد قال هذا المفكر كبير: (( هكذا يعجب الله من أهل الكتاب حين يعرض بعضهم ــ لا كلهم ــ عن الاحتكام ألي كتاب الله في أمور الاعتقاد وأمور الحياة , فكيف بمن يقولون :أنهم مسلمون , ثم يخرجون شريعة الله من حياتهم كلها , ثم يظلون يزعمون أنهم مسلمون ! إنه مثل يضربه الله للمسلمين أيضا كي يعلموا حقيقة الدين وطبيعة الإسلام , ويحذروا أن يكونوا موضعا لتعجب الله وتشهيره بهم , فإذا كان هو استنكار موقف أهل الكتاب الذين لم يدعوا الإسلام حين يعرض فريق منهم عن التحاكم ألي كتاب الله , فكيف يكون الإستنكار إذا كان (( المسلمون)) هم الذين يعرضون هذا الإعراض ... إنه العجب الذي لا ينقضى , والبلاء الذي لا يقدر , والغضب الذي ينتهى ألي الشقوة والطرد من رحمة الله ! والعياذ بالله ! ثم يكشف عن علة هذا الموقف المستنكر المتناقض (( ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودات وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون } هذا هو السبب في الإعراض عن الاحتكام ألي كتاب الله , والتناقض مع دعوى الإيمان ودعوى أنهم أهل كتاب .. إنه عدم الاعتقاد بجدية الحساب يوم القيامة ,وجدية القسط الإلهي الذي لا يحابي ولا يميل .

يتجلى هذا قولهم { لن تمسنا النار إلا أياما معدودات} وإلا فلماذا لا تمسهم إلا أياما معدودات ؟ لماذا وهم ينحرفون أصلا عن حقيقة الدين وهى الاحتكام في كل شيء ألي كتاب الله ؟ لماذا إذا كانوا يعتقدون حقا بعدل الله ؟ بل إذا كانوا يحسبون أصلا بجدية لقاء الله انهم لا يقولون ألا فتراء , ثم يغرهم هذا الافتراء :{ وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون} وحقا إنه لا يجمع في قلب واحد جدية الاعتقاد بلقاء الله , والشعور بحقيقة هذا اللقاء مع التميع في تصور جزائه وعدله .... ومثل أهل الكتاب هؤلاء مثل يزعمون اليوم أنهم مسلمون . ثم يدعون ألي كتاب الله ليحكم بينهم , فيتولون ويعرضون , وفيهم من يتبجحون ويتوقحون , ويزعمون أن حياة الناس دنيا لا دين ! وان لا ضرورة لإقحام الدين في حياة الناس العلمية وارتباطاتهم الاقتصادية والاجتماعية , بل العائلية , ثم يظلون بعد ذلك يزعمون أنهم مسلمون ! ثم يعتقد بعضهم غرارة بلهاء أن الله لن يعذبهم إلا تطهيرا من المعاصي , ثم يساقون ألي الجنه أليسوا مسلمين؟ إنه نفس الظن الذي كان يظنه أهل الكتاب هؤلاء , ونفس الغرور بما أفتروه(1) ولا أصل له الدين ))



فانظر أخي القارئ ألي من عرف الحقيقة كيف يجزم أن الاعتقاد بخروج أصحاب الموبقات من النار ليس له أصل في الدين أبدا , وإنما هو اعتقاد اليهود الذين اغتروا بدينهم , فعملوا ما شاؤوا ظانين أن انتسابهم إلى الدين كاف لدخولهم الجنة , وليس هناك من داع إلى العمل حسب زعمهم . ولكن الله حذر المسلمين من الوقوع في مثل هذه الأماني التي ليس لها برهان أبدا .



وقد تنبه الاباضية ــ والحمد الله ــ لهذا القضية منذ البداية واعتقدوا أن من مات من أهل الكبائر بدون فإن مصيره ألي النار خالدا فيها.

وقد اخذوا عقيدتهم هذه من تحذير الله سبحانه الصريح في القرآن الكريم وفي السنة النبويه الشريفة , لذلك نعرضها عليك أخي القارئ مع أنها متظاهرة في القران بكثيرة , ولا ينكرها إلا من كان يكابر الحق , والحق واضح , وماذا بعد الحق إلا الضلال ؟!

وإليك أخي القارئ أدلة الاباضية في هذه المسالة , ولنبدأ أولا في عرض أدلة الكتاب العزيز ثم بعد ذلك الأحاديث النبوية الشريفة .

أولا :يقول الله تعالى { ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا} (الجن 23)

ووجه الإستدلال : أن العصيان هنا عام فلا يقول عاقل إن الزاني ليس بعاص , وأن آكل الربا ليس بعاص . فلذلك وجب عليه الخلود الأبدي كما ذكر القرآن الكريم.



ثانيا: قوله تعالى { إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم يصلونها يوم الدين وما هم عنها بغائبين } (( الانفطار14))

( فلو كانوا(1) يحرمون منها لزم أن يغيبوا عنها , والفجور شامل للشرك وغيره ) فلا أحد يقول إن السارق ليس بفاجر, وأن شارب الخمر ليس بفاجر , فإذن هم لن يغيبوا عن العذاب طرفة عين , ولن يحرجوا منها أبدا كما بين ذلك ذو العزة والجلال .

ثالثا: يقول تعالى { والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما , يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا إلا من تاب } (( الفرقان 68)

( ففي هذه الآية التصريح بأن قتل النفس المحرم قتلها بغير حق يوجب التخليد , والزنا أيضا كذلك , كما أن من يدعو مع الله إلها آخر يخلد , و(يعترض) عليه بوجهين ( أحدهما ) أنه قال { ومن يفعل ذلك } ولم يقل ومن يفعل شيئا من ذلك , فظاهرا من فعل الشرك بالله تعالى موجب للتخليد في النار قد أجمعت الأمة وانتم معهم بأن الشرك بالله تعالى موجب للتخليد في النار واعتراضكم هذا يبطل ذلك الإجماع , لأنه يستلزم أن المشرك لا يخلد إلا إذا قتل النفس الحرام والزنى ,وإذا ثبت أن المشرك مخلد ولو لم يقتل ويزني , فما فائدة ذكر القتل والزنا في الآية , إلا لينبني عليهما حكم التخليد , كما

أن الشرك لو أنفرد صاحبه مخلد , كذلك القتل المحرم والزنا , فلو انفرد كل واحد منهما خلد فاعله في النار إلا إن تاب (وثانيهما) لا دليل لكم في الآية على التخليد الأبدي , فلم يجوز أن يطلق التخليد على طول المكث من غير تأبيد (ويجاب) بأن هذا خلاف ظاهر بغير دليل وأيضا فهذا التخليد المذكور شامل للشرك أيضا فيلزم أن يكون تخليد أيضا غير أبدى )) والمعروف عند الجميع أن المشرك تخليده في العذاب أبدى , وقد ألحق الله القاتل للنفس المحرم والزاني بالشرك , فهذا دليل كبير على تخليد أهل الكبائر في النار (( إلا من تاب )) كما جاء في التي الآية الكريمة.

رابعا: الآيات التي مرت معنا سابقا , والتي ردت على اليهود هذا المعتقد بقول تعالى { قل اتخذتم عند عهدا فلن يخلف الله فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } وكذلك قوله تعالى { ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودات وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون}(1)

فهذه الآيات تدل على أن هذه العقيدة يهودية الأصل و فيها تحذير للمسلمين من أن يغتروا بدينهم كما فعل اليهود , فالله تعالى لم يعط أحد من الناس عهدا بتعذيبه فترة ثم يخرجه من النار ويدخله الجنة , وقد تقدمت أقوال علماء الإسلام أمثال محمد رشيد وسيد قطب حول هذه الآيات التي أشارت ألي أماني اليهود . والخلود في الآيات الأولى أبدى لا كما قال البعض بأنه المكث ألي أماني اليهود . والخلود في الآيات الأولى أبدى لا كما قال البعض بأنه المكث الطويل , لأنه لو يكن كذلك لما كان في رد الله عليهم أهمية , لانه سيكون إثباتا لما قاله اليهود وهو تعذيبهم أياما معدودة , كما أن الدليل على ذلك أيضا قوله تعالى بعد آية { فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} قوله تعالى { والذين آمنوا وعملوا الصالحات فأولئك أصحاب الجنه هم فيها خالدون} فيقتضي المساواة في إطلاق كلمة الخلود على أهل الجنة أيضا بأن المعنى هو المكث الطويل , ولا قائل بهذا . وهذا دليل واضح على أن الخلود المعبر به في القرآن دائما هو الخلود الأبدي .



خامسا : يقول تعالى :{ ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله واعد له عذابا أليما } (2)

ووجه الدليل في هذه الآية ( أن الله توعد فيها قاتل المؤمن فيما توعده به ــ بالخلود في النار مع أن القتل كبيرة دون الشرك ) واعترض : (( بأن المراد من قتل مؤمنا على إيمانه , ولا يقتل مؤمنا على إيمانه إلا مشرك ( ويجاب) أن سياق هذه الآية ينفى هذا التعليل لأذكر أولا حكم قاتل المؤمن خطأ ثم ذكر حكم قاتله عمدا والمحكوم عليه في كلام الموضعين واحد (1)

وهناك آيات كثيرة تدل على خلود أهل الكبائر في النار , يطول بنا المقام لو بحثنا هاهنا , نذكر منها قوله تعالى :{ ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين } ( النساء 14 ) وقوله تعالى { والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها وترهقهم ذلة ما لهم من الله من عاصم كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } ( يونس 27) وقولة تعالى { والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما } ( الفرقان 65) فإن وصفه بالغرام يدل على عدم انقطاعه .

وبالجملة فإن الآيات في البات كثيرة { افلا يتدبرون القران أم على قلوب أقفا لها } ( محمد 24)

وأما الأحاديث النبوية فهي أيضا كثيرة وقوية الإسناد , وقد جاءت في الكتب الصحاح مثل مسند الإمام الربيع بن حبيب , وصحاح الشيخين البخاري ومسلم و غيرهم .

وقد جمع لنا سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي ــ حفظه الله ــ جانبا منها في تعليقه على (( مشارق أنوار العقول )) للعلامة السالمى فقال*)



روى أحمد والبرار والحاكم والنسائي عن ابن عمر رضى الله عنهما عن النبي صلى الله وسلم علية أنه قال ( لا يدخل الجنة عاق ولا مدمن خمر ) وفي رواية (( ثلاثة قد حرم الله عليهم الجنة : مدمن الخمر , والعاق لوالديه , والديوث وهو الذي يقر السوء في أهلة )

روى البخاري عن رسول الله صلى الله علية وسلم قوله (( من شرب الخمر في الدنيا يحرمها في الآخرة ))

(1) روى البخاري عن الرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( من استرعاه الله رعية ثم لم يحطها بنصحه إلا حرم الله علية الجنة ))

روى الإمام الربيع عن أبى عبيده عن جابر بن زيد عن انس بن مالك رضى الله عنهم عن رسول الله صلى الله علية وسلم انه قال (( من اقتطع حق نسلم بيمينه حرم الله علية الجنة و أوجب له النار )) فقال رجل كان شيئا قليلا يسيرا يا رسول الله ؟ فقال رسول الله صلى الله علية وسلم (( وإن كان قضيبا من أراك )) والحديث رواه أيضا الإمام مالك في الموطأ ومسلم والنسائى وآخرون من حديث أبي أمامة رضي الله عنه .

روى الشيخان وغيرهما عن طريق أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله علية وسلم (( من قتل نفسه بحديدية في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا فيها أبدا , ومن قتل نفسه بسم فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا ))

روى مسلم عن رسول الله صلى الله علية وسلم أنه قال (( صنفان من أهل النار لم أرهما : قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس , ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها لتوجد من مسيرة كذا وكذا))



ثم قال ــ حفظه الله ــ بعد هذه الأحاديث : (( وبالجملة فإن الروايات الدالة على الخلود في النار لمرتكبي الكبائر أكثر من أن تحصى تدل تارة على الخلود بصريح اللفظ وتعبر تارة عنه بحرمان الجنة أو عدم شم ريحها ومحصلها واحد ))

وأخيرا فهذا الأدلة القاطعة لا أظنها تدع مجالا للشك عند أولى الألباب , في أن أهل الكبائر خالدون في النار أبدا , وان الاعتقاد بغير ذلك مدعاة لارتكاب الرذائل كالافتراء والنميمة والزور والزنا والسرقة والربا وأكل مال اليتيم وغيرها من الآثام , كما أنه مدعاة للتهاون في أوامر الله عز وجل والعياذ بالله .

والحمد لله الذي وفق الاباضية لهذا الاعتقاد الذي أمرهم به سبحانه , و ننصح جميع المسلمين باعتقاده حتى يلقوا الله على ما أمرهم به في كتاب وبينه لهم على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم .



ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــ

الخــاتمـة

وفي الختام لي كلمه, وهى : أنني لا يسعني إلا أن أتقدم إليك أخي القارئ الكريم بالشكر الجزيل على قراءة هذا البحث المتواضع , الذي ما أردت به غلا نفي ما يفترى على الاباضية بغير الحق , ولم أكن أقصد به غير ذلك , وقد كان بوسعي أن أسكت ولا ارفع صوتا تجاه ذلك , ولكن رأيت أن من الحق مناصرته , (( والساكت عن الحق شيطان أخرس )) كما جاء في الحديث الصحيح .



وعسى أن تكون الفائدة المرجوة منه قد حصلت عندك بعد ما بذلت ونتا في قراءته , وأنا لا أتريد أن أحصرك فيه , فأنت بإمكانك أن تبحث في الكتب الاباضية سواء التي تعرضت لها أنا هنا أم التي لم أتعرض لها , فهناك كثير من الكتب الاباضية التي لم ينشط بي العزم ألي مطالعتها , بل اكتفيت بما أوردته لك , وهذه دليل عجزي , فأنصحك بأن تشد من عزيمتك ولا تنظر إلى أمثالي . وأمامك أبواب العلم مفتوحة , فاجهد بالدخول إلى مدينته لتزداد ثقلا وفكرا . كما أنصحك أن لا تقرأ عن طائفة ‘لا من مراجعها الأصلية , حتى لا تقع فيما وقع فيه الآخرون.



وإن شئت أن أرشدك ألي بعض الكتب الاباضية التي لم أتعرض لها هنا , فها أناذا أسطر لك جانبا منها تزداد معرفة بما عليه المذهب من تمسك بأحكام الإسلام المحكمة :



(1) بيان الشرع : للعلامة محمد بن إبراهيم الكندي

(2) معارف الآمال : للعلامة نور الدين السالمي

(3) تمهيد قواعد الإيمان : للعلامة سعيد بن خلفان الخليلي

(4) نثار قاموس الشريعة : للعلامة جميل بن خميس السعدي

(5) الجوهر : للعلامة أبى مسلم الرواحي

(6) المذهب الخالص : للعلامة قطب الأئمة

(7) المعتبر : للعلامة أبى سعيد الكدمي

(8) جواهر التفسير : لسماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي

(9) فصول الأصول : للعلامة خلفان بن جميل السيابي



وكل هذه الكتب مطبوعة ومتيسرة ومنشورة , وبإمكانك الحصول عليها من المكتبات العمانية ولا سيما مكتبة وزارة التراث القومي والثقافة العمانية .

وهناك كتب كثيرة أخرى أيضا منشورة تجدها في المكتبات . وأخيرا أسال الله أن يوفق جميع المسلمين , ويوحد كلمتهم وينصرهم على أعدائهم .

كما أساله تعالى أن يعين كل باحث عن الحقيقة.



((وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين))






--------------------------------------------------------------------------------

(1)البقرة آية 180

(2 ) الفقه ألا سلامي أدلته )) د. الزحيلي ج1 ص 45-46

(3) (الاسراء81)

(1) الانبياء18

(2) سورة الصف 2,3

(1) الفقه الإسلامي وأدلته ))ج1 ص 9

(1) رواه مسلم في صحيحه وأبو داود في سننه عن أبي هريرة رضي الله عنه

(1) الأصول التاريخ للفرقة الإباضية د. عوض خليفات ص 16/17 بتصرف

(2) عبارتا العلامة الرقيشي والعلامة الشماخي لم أطلع عليهما من مصادرهم الأصلية ولكني وجدتهما في كتاب الأصول التاريخية للفرق الاباضية د. خليفات , ولم يشر إلى المرجع التي نقل عنها.

(3) منظومة ((كشف الحقيقة )) للشيخ نور الدين السالمي (من كتيب يجمع منظومتي أنوار العقول وكشف الحقيقة)

(1) (2) نشأة الحركة الإباضية د. خليفات ص 80

(3) نشأة الحركة الإباضية ص 81

(4) المصدر نفسه (نشاه الحركة الاباضية ص 84)

(1) نشأة الحركة الإباضية ص 84

(2) المصدر نفسه ص 92

(3) نفس المصدر ص 92

(4) الحركة الاباضية في المشرق العبي مهد طالب هاشم ص 71

(5) نفس المصدر ص 72

(6) المصدر نفسه ص 77

(*) مصطلح ((قومنا)) عند الاباضية يطلق غالبا على أتباع المذاهب الأربعة المعروفة

(1) آية رقم 58 سورة الأحزاب

(2) آية رقم 8 سورة المائدة

(*) هذا كلام العلامة أبي إسحاق فهو يعنى نفسه

(**) إلى هنا انتهى ما نقلناه من هذا الكتاب , وقد أخذنا المعلومات بشيء من التصرف.

(1) كتاب الأغاني لأني الفرج الصفهاني , ج 23 ص 238

(1) منظومة (( كشف الحقيقة)) السالمي

(1) السير : للشماخي ج 1 ص 62 وانظر الكامل للمبرد ج 2 ص 185

(2) السير: للشماخي ج 1 ص 62

(3) المصد نفسه والصفحة نفسها

(1) الحركة الاباضية في المشرق العربي ــ مهدي طالب هاشم ص 135/136 , وإن راجع الأغاني

للأصفهاني ج 23 تحت عنوان خبر خروج عبد الله بن يحيى طالب الحق وأبي حمزة الشاري .

(1) يعنى أنه تجاوز الامتناع عن أداء الحقوق إلى العمل بما يخل بالنظام والأمن ( أنظر الاباضية بين الفرق الإسلام ) علي يحيى معمر ج 2 ص 68

(2) الدليل والبرهان ج 2 أبو يعقوب الوارجلاني ص 67/68

(3) المقصود بالولاة والرؤساء هم طغاتهم وبغاتهم وليسو الصلحاء

(4) الدليل والبرهان ج أبو يعقوب 78

(1) الدليل والبرهان ــ الواجلاني ج 2 ص 74

(2) الآيتين (15,16) من سورة النور

(1) آية رقم 39 (الشورى )

(2) آية رقم 55 (النور)

(*) أهل الدعوة الاباضية إذ لم يسمون أنفسهم بالاباضية كما بينا سابقا وإنما المخالفون هم الذين أطلقوا عليهم هذا الاسم

(1) الدليل والبرهان ج 2 ص 77

(2) المصدر نفسة 78

(2) المصدر نفسة والصفحة نفسها

(1) المصدر نفسة ص 79

(2) الدليل والبرهان ج 2 ص 80

(1) الدليل والبرهان ج 2 ص81

(1) جور النظام ج 3 ص 353

(*) الضمير في ( بجعله ) يعود على المال المشتبه الذي وزعه الإمام الحق فقراء صنعاء .

(1) الدليل والبرهان ج 1 ص 74

(1) الاباضية بين الفرق الإسلامية ج 2 ص 127/128 للشيخ علي يحيى معمر رحمة الله .

(1) المصدر نفسه ص 161

(1) العدل و لانصراف ج 1 ص 184

(1) العلامة نور الدين السالمي ــ شرح طلعة الشمس ج 2 ص 65

(2) المصدر نفسه ص 70

(3) المصدر نفسه ص 77/75

(1) المصدر نفسه 81/78

(1) البقرة آية 180

(2) النور آية 2

(3) انظر كتاب تاريخ الأدب العربي

(1) انظر فتح الباري شرح صحيح البخاري ج 3 ص 151/ 152, الحديثان رقم 1287/1288

(2) المصدر نفسه ص 154

(1) انظر فتح الباري شرح صحيح البخاري ص 154

(2) نيل الاوطار ج 6 ص 339 للشوكاني

(3) تفسير المنار ج 1 ص 85/86

(1) شرح مسند الأمام الربيع ــ العلامة السالمى ــ ج 1 ص 66

(2) المصدر نفسه ص 66

(3) المصدر نفسه ص 66/67

(*) انظر مسند الإمام الربيع (الشرح ) ج 3 ص 264 يقول الشيخ السالمى : الحديث رواه الجماعة من الحديث ابي هريرة وزيد بن خالد الجهنى ص 265

(**) شرح مسند الإمام الربيع ج 3 ص 283

(1) شرح المسند ج 3 ص 283

(2) شرح المسند ج3 ص 284

(*) ابن عبد العزيز هو أحد أساتذة الشيخ أبى غانم

(1) المدونة الكبرى ج2 ص 249

(1) المدونة الكبرى ج 2 ص 249

(2) المدونة الكبرى ج2 ص 249

(3) المصنف ج 40 ص 24

(4) نفس المصدر ص 25

(1) المصنف ص ج4 ص 31

(2) شرح عقيدة التوحيد .. العلامة محمد بن يوسف أطفيش ص 68/67

(3) جوهر النظام ــ نور الدين السالمي ص 50

(1) أنظر شرح المسند ج3 ص 459

(1) المصدر نفسة والصفحة نفسها

(2) الجامع لابن بركة ج2 ص 562

(3) المصنف ج 28 القسم الأول ص 67

(4) المصنف ج 28 القسم الأول ص 70

(5) المصنف نفسه ص 122

(1) الإيضاح ج4 ص 476/477

(2) تيسر التفسير قطب الأئمة ج 1 ص 256/257

(3) قطب الأئمة ــ شرح كتاب النيل ج 12 ص 324/325

(1) نور الدين السالمي , جوهر النظام ج3 ص 462

(1) شرح مسند الأمام الربيع ـــ العلامة السالمى ج 3 ص 23/24

(1) المصنف ج 32 ص 108/109

(2) منهج الطالبين ــ الشقصي ج 15 ص 152

(3) منهج الطالبين ــ الشقصي ج 15 ص 152

(4) منهج الطالبين ــ الشقصي ج 15 ص 152

(1) تيسير التفسير)) قطب الأئمة ج2 ص 298

(2) شرح النيل ج15 ص 31/32

(3) شرح النيل ج 6 ص 31/32

(1) جوهر النظام ج 1 ص 60

(1) شرح المسند ج3 ص 42



(2) شرح المسند ج3 ص 44

(1)؛ (2) شرح المسند ج3 ص 45



(1) شرح المسند ج3 ص/47/48

(2) أنظر هذه الأقول في المدونة الكبر ج 2 ص 19/20

(3)(4) أنظر هذا القول في المدونة الكبرى ج 2 ص 19/20

(5) المصنف ج 33 ص 151

(1) المصنف ج 33 ص 151/152

(2) منهج الطالبين وبلاغ الراغبين ج 15 ص 395 للعلامة الشقصي

(1) شرح كتاب النيل : العلامة محمد بن يوسف اظفيشج 7 ص 17/18

(1) مشارق الأنوار للسالمى ص 329

(2) دراسات إسلامية ــ بكير بن سعيد ص 57

(3) نقلا عن كتاب دراسات إسلامية ــ بكير بن سعيد ص 55

(4) قصيدة ( غاية المراد) العلامة السالمى البيت رقم 36

(1) نقلا عن كتاب دراسات إسلامية ــ بكير اعوشت ص 55

(2) في ظلال القرآن , سيد قطب ج 6 ص3984تفسير سورة الماعون

(3) في ظلال القرآن , سيد قطب ج 6 ص3984تفسير سورة الماعون

(1) دراسات إسلامية ص 57

(2) مشارق أنوار العقول ص 333

(3) مشارق أنوار العقول ص 330

(1) في ظلال القرآن ــ سيد قطب ج 1 ص 86

(2) تفسير المنار ــ محمد رشيد رضا ج 1 ص 112

(3) آل عمران الآيات 33/34/35

(1) في ظلام القرآن ج 1 ص 382/383

(1) مشارق أنوار العقول ص 296

(1) مشارق أنوار العقول ص 297

(2) النساء آيه 93

(1) مشارق أنوار العقول ص 296

(*) انظر هذه الأحاديث في حاشية (( مشارق أنوار العقول )) ص 295/296
  #6  
قديم 10/07/2004, 07:14 PM
سحلا سحلا غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ الانضمام: 09/06/2004
الإقامة: عالم الحقيقة
المشاركات: 526
أشكر الأخ الكاتب و عذرا للإطالة
  #7  
قديم 10/07/2004, 07:16 PM
المدقق الثاني المدقق الثاني غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ الانضمام: 13/02/2003
المشاركات: 830
لا تتذمر أخي (والله تعبت)

فدفاعك عن الحق وأهله وكشفك للباطل ولبسه في ميزان حسناتك إن شاء الله تعالى

فالاخلاص الاخلاص فأنت الرابح بإذن الله تعالى.
  #8  
قديم 10/07/2004, 07:35 PM
shabib alshabib shabib alshabib غير متواجد حالياً
خــــــاطر
 
تاريخ الانضمام: 12/06/2004
المشاركات: 19
أرجو من المشرفين تثبيت هذا الموضوع للأهمية
شكرا للناقل !!!
  #9  
قديم 10/07/2004, 08:36 PM
الصارم المهرق الصارم المهرق غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ الانضمام: 26/05/2004
المشاركات: 96
وفقكم الله لما يحبه ويرضاه ، وجعل دفاعكم في ميزان حسناتكم !!
 

أدوات الموضوع البحث في الموضوع
البحث في الموضوع:

بحث متقدم
تقييم هذا الموضوع
تقييم هذا الموضوع:

قواعد المشاركة
ليس بإمكانك إضافة مواضيع جديدة
ليس بإمكانك إضافة ردود
ليس بإمكانك رفع مرفقات
ليس بإمكانك تحرير مشاركاتك

رموز الصور لا تعمل
رموز لغة HTML لا تعمل

الانتقال إلى


جميع الأوقات بتوقيت مسقط. الساعة الآن 07:14 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions Inc.
سبلة العرب :: السنة 25، اليوم 126
لا تتحمل إدارة سبلة العرب أي مسئولية حول المواضيع المنشورة لأنها تعبر عن رأي كاتبها.