سبلة العرب
سبلة عُمان الصحيفة الإلكترونية الأسئلة الشائعة التقويم البحث مواضيع اليوم جعل المنتديات كمقروءة

العودة   سبلة العرب > السبلة الدينية

ملاحظات

 
 
أدوات الموضوع البحث في الموضوع تقييم الموضوع
  #1  
قديم 08/03/2004, 09:31 PM
شبكة الحكمة شبكة الحكمة غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ الانضمام: 09/02/2004
الإقامة: سلطنة عمان
المشاركات: 99
Thumbs up جديد شبكة الحكمة (التحذير من كذبة إبريل) رسالة لسماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي

السلام عليكم

إخوتي الكرام ،،،

قد تم إضافة البحث القيم ((رسالة التحذير من كذبة إبريل)) على شبكة الحكمة ،، وهي رسالة أعدها سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي رداً على سؤال موجه إليه ...

تم نقل المادة وطباعتها من الكتيب الصادر لمكتبة الغبيراء ، ط1 شعبان 1424ه - أكتوبر 2003م.

الرسالة: http://www.hikmaweb.net/kithbat_april01.htm

هذا ،، ونتمنى أن نكون قد وفقنا لإتمام هذا العمل.. وأن يجعله في ميزان حسناتنا .. والله الموفق.

آخر تحرير بواسطة شبكة الحكمة : 13/03/2004 الساعة 10:16 PM
  مادة إعلانية
  #2  
قديم 08/03/2004, 09:34 PM
المعبيلة المعبيلة غير متواجد حالياً
Banned
 
تاريخ الانضمام: 19/02/2004
المشاركات: 57
بارك الله فيك يا شبكة الحكمة على الموضوع.
  #3  
قديم 09/03/2004, 03:10 PM
شبكة الحكمة شبكة الحكمة غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ الانضمام: 09/02/2004
الإقامة: سلطنة عمان
المشاركات: 99
لا شكر على واجب أخي المعبيلة .. تحياتي
  #4  
قديم 09/03/2004, 11:25 PM
عبد الكافي عبد الكافي غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ الانضمام: 19/02/2003
الإقامة: عُـــــــــمان
المشاركات: 45
Thumbs up

ما شاء الله أخي شكبة الحكمة ،، بارك الله فيكم

بحث قيم ومفيد ومهم وفي وقته المناسب ... جزى الله شيخنا الخليلي خير الجزاء ونفعنا بعلمه ...
  #5  
قديم 10/03/2004, 05:27 AM
المعافري المعافري غير متواجد حالياً
مـشــــــــرف
 
تاريخ الانضمام: 17/06/2002
الإقامة: سلطنة عمان
المشاركات: 3,157
Thumbs up

بارك الله فيكم .. نسأل الله لكم العون و التوفيق و السداد و دوام التقدم في خدمة الإسلام و المسلمين .
  #6  
قديم 13/03/2004, 06:35 PM
الضوء الساطع الضوء الساطع غير متواجد حالياً
عضو متميز
 
تاريخ الانضمام: 02/07/2000
الإقامة: بلدة عربية
المشاركات: 1,743
Thumbs up

بارك الله فيكم
  #7  
قديم 13/03/2004, 10:18 PM
شبكة الحكمة شبكة الحكمة غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ الانضمام: 09/02/2004
الإقامة: سلطنة عمان
المشاركات: 99
آمين يا رب العالمين ،،، جزاكم الله خيرا ، وأعاننا جميعاً لخدمة الإسلام والمسلمين.

وأود إعلامكم بأنه جرى تحديث الموقع وأصبح بثوب جديد

تفضلوا: http://www.hikmaweb.net

مع الشكر

آخر تحرير بواسطة شبكة الحكمة : 13/03/2004 الساعة 10:20 PM
  #8  
قديم 14/03/2004, 11:03 AM
عبدالحكيم عبدالحكيم غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ الانضمام: 23/04/2001
الإقامة: السلطنة
المشاركات: 962
Thumbs up

ممتاز أخي ،، بارك الله فيكم وإلى الأمام
  #9  
قديم 19/03/2004, 04:59 PM
محب الصلاح محب الصلاح غير متواجد حالياً
مـشــــــــرف
 
تاريخ الانضمام: 01/06/2003
الإقامة: الوادي المبارك
المشاركات: 1,558
Lightbulb

شكرا لكم أيها الاخوة الكرام

نرجو عرض الرسالة على هيئة حلقات قصيرة حتى يطلع على الموضوع اكبر عدد من القراء

ونحقق كذلك دعاية للموقع
  #10  
قديم 25/03/2004, 06:45 PM
محب الصلاح محب الصلاح غير متواجد حالياً
مـشــــــــرف
 
تاريخ الانضمام: 01/06/2003
الإقامة: الوادي المبارك
المشاركات: 1,558
Post

يبدو ان الاخوة شغلها شاغل ونثبت الموضوع كذلك.
========================

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة الناشر:-

الحمد لله حق حمده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وعلى من اهتدى بهديه واستن بسنته .

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وبعد ،،،،

فإن الله تعالى ارتضى الإسلام لنا ديناً، ومهما ابتغينا العزة في سواه أذلنا الله وأركسنا ، ولذلك حقاً علينا أن نسوغ أفكارنا ونحرك حياتنا وفق التوجيهات الإلهية والمعايير الشرعية، وقد ابتليت الأمة بالتقليد الأعمى لعدوها في كثير من أمورها، وقد تعدى الأمر- عندما عجزنا عن مزاحمتهم في الحضارة - إلى أخذ انحرافهم وشذوذهم ، ومن ذلك ((كذبة إبريل)) التي افتتن بها الكثيرون حتى ارتكسوا فيها ، ولذلك نقدم للقارئ الكريم هذه الرسالة القيمة في ((التحذير من كذبة إبريل)) لسماحة شيخنا العلامة أحمد بن حمد الخليلي يحفظه الله تعالى ونفعنا بعلمه، وهي عبارة عن سؤال توجه به إليه عن حادثه وقعت لإحدى الفتيات مع زميلتها، فرد سماحته بهذا الجواب الذي جاء رسالة كاشفة عن حال الأمة وأدوائها وكيفية علاجها.

سائلين الله تعالى أن يعم شباب الأمة نفعها، وأن تكون لهم منار وسبيل في تصحيح مسير حياتهم والله تعالى الموفق لكل خير.

- مكتبة الغبيراء-
  #11  
قديم 25/03/2004, 06:47 PM
محب الصلاح محب الصلاح غير متواجد حالياً
مـشــــــــرف
 
تاريخ الانضمام: 01/06/2003
الإقامة: الوادي المبارك
المشاركات: 1,558
Lightbulb

السؤال:

الحمد لله أهل الحمد والشكر، وأهل التقوى والمغفرة، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد، أهدق من نطق، أعدل من حكم، وأبر من عمل، وعلى آله وصحبه الكرام البررة، وعلى تابعيهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:

فما قولكم فيما تفشى عند كثير من المسلمين، رجالهم ونسائهم من تقليد الغربيين في الإقدام على الكذب عمداً في أول يوم من شهر إبريل - وهو الشهر الرابع من الشهور الشمسية - والتفنن في ذلك بطريقة تزعج السامع لحد الذهاب بلبه، كأن يقول له الكاذب: إن فلاناً مات أو صُدم وهو في الإنعاش أو سقط من سقف الدار. وكثيرا ما يكون ذلك الفلان الذي عزي إليه أنه مات أو أنه في غيبوبة لشدة الحادث حميماً لمن أُزعج بهذا الخبر الكاذب، فيفجر ذلك مشاعر الحزن في نفسه وتهوله الصدمه حتى تُذهب أحياناً بعقله، وقد يؤدي به ذلك أحياناً إلى أن يقع هو نفسه في حادث يُذهب بحياته.

وفي هذا العام سألت إمرأة صديقتها عن رؤيا رأتها في منامها أنها لابسة ثياباً بيضاء، وقد خمرت رأسها بخمار أحمر، فردت الصديقة عليها: بأن الثياب البيض هي الأكفان، وأن الخمار عذاب النار - والعياذ بالله - وأن هذا الرؤيا قرب وفاتها وأنها من أهل النار. فأقلقها هذا الجواب المزعج حتى ضمر جسمها وانتقع لونها وعادت كالعود الذابل، وبعد أسبوعين من معاناه قاسية وهموم طافحة اعتذرت إليها صديقتها بأن ما قالته لها لا يعدو أن يكون (كذبة إبريل).

وهكذا استهان الناس بهذا الأمر فاعتادوه حتى عدوه مهارةً ونبلاً وعنواناً على التقدم والرقي، لما فيه من مجاراة الغربيين في فكاهتهم، والتأثر بهم في أنماط حياتهم وأساليب التعامل بينهم، مع كونهم اليوم سادة الموقف وقادة العالم ورادة العلم الذين لا يشق لهم غبار، ولعل مما هون هذه العادة لدى العامة أن بعض المنتسبين إلى العلم والفقه لا يرون فيها حرجاً، لأنهم يعدونها من الترويح عن النفس، لإبداع النكته، ولذلك لا يتورعون هم بأنفسهم عنها، ولئن كان هذا شأن هؤلاء فما بالكم بالعامة الذين هم كالهمج الرعاع؟!

لأجل هذا كله أردنا منكم الجواب الحاسم ، مع ذكر ما أمكنكم من الأدلة الشرعية الدالة على حكم الشرع في هذه الكذبة الشائعة.

يتبع الجواب
  #12  
قديم 25/03/2004, 06:49 PM
محب الصلاح محب الصلاح غير متواجد حالياً
مـشــــــــرف
 
تاريخ الانضمام: 01/06/2003
الإقامة: الوادي المبارك
المشاركات: 1,558
الجواب:

إن الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ، والصلاة والسلام على نبينا محمد المبعوث بكلمة الصدق ودعوة الحق، وعلى آله وصحبه الذين كانوا أصدق هذه الأمة قولاً، وأصلحها عملاً، وأبرها قلباً، وأسماها ذكراً، وأصحاها منهاجاً، وأقومها سلوكاً، وأكرمها خلقاً، وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته وسار على نهجه إلى يوم الحساب. وبعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار.

حصائد الألسن:

واعلموا – رحمكم الله – أن الإنسان لم يخلق هملاً ، ولم يترك سدى ، وإنما هو مسؤول عن أقواله وأعماله، ومجزي بما قدم وأخر من خيره وشره، "ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد" سورة ق الآية 18 ، وإن أخطر ما يورده المهالك ويهوي به في دركات العذاب لسانه إن أطلق له العنان ولم يضبط جريه حتى لا يخرج عن ميدان الصدق ولا يتعدى حدود الحق، ولذلك أنبأ النبي صلى الله عليه وسلم أن حفظه هو ملاك الأمر كله، إذ هو معقل الإستقامة ومناط السلامة ، وذلك في وصيته لمعاذ رضي الله عنه ، ولما قال له معاذ: : أانا مؤاخذون بما نقول يا رسول الله؟ قال له: "ثكلتك أمك، وهل يكب الناس في النار على وجوههم – أو قال: على مناخرهم – إلا حصائد ألسنتهم" المستدرك (3548) وهو دليل على أن فلتات اللسان التي لا يبالي بها الإنسان في قوله هو مورد هلكته ومكمن عثرته، وهذا ما يدل عليه حديث: "إن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يتبينها تهوي به في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب" البخاري (6112) وفي حديث أخر: "إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يحسب أن تبلغ ما بلغت فيكتب الله عليه بها سخطه إلى يوم القيامة" جزء من حديث رواه الإمام الربيع في مسنده رقم الحديث (724).

وإنما كانت عثرات اللسان مصدر الشقاء ومناط السوء، ومجامع الفساد، وسبب الهلكة، لأن كبائر القول هي التي تبعث على كبائر العمل، وأنها تؤدي إلى حجب الحقيقة، وتزين مقاومة الحق، وفي مقدمتها الكذب الذي يتورع من ابتلي به عن سوء، ولا يرتفع عن رذيلة، ولذلك توعد الله المنافقين على كذبهم حيث قال: "ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون" سورة البقرة الآية 10 – وهذا على قراءة عاصم وحمزة والكسائي بفتح الياء وإسكان الكاف وتخفيف الذال – وكفى به شاهداً على خسة الكذب ودناءته، ونذالة الكذاب وسوء حاله، ورادعاً لمن كان له قلب عن الإتصاف بالكذب أو الرضى به

ومن المعلوم أن أولئك المنافقين كانوا ينطوون على عقائد الكفر في سريرتهم، وهي أقبح ما تلبس به الإنسان، فلذلك تساءل بعض المفسرين، لماذا توعدوا على الكذب ولم يتوعدوا على الكفر مع أنه أفض وأخطر؟ وأجاب عن هذا الأستاذ الإمام محمد عبده بقوله: "إن الكفر داخل في هذا الكذب، وإنما اختير لفظ الكذب في التعبير للتحذير منه وبيان فضاعته وعظم جرمه، ولبيان أن الكفر من مشتملاته وينتهي إليه في غاياته، ولذلك حذر القرآن منه أشد التحذير، وتوعد عليه أسوأ الوعيد، وما فشى الكذب في قوم إلا فشت فيهم كل جريمة وكبيرة، لأنه ينشأ من دناءة النفس وضعف الحياء والمروءة، ومن كان كذلك لا يترك قبيحاً إلا بالعجز عنه، نعوذ بالله من عمله ومنه" أ. هـ. تفسير القرآن الحكيم الشهير بالمنار، محمد رشيد رضا، ص 156،ج1، دار المعرفة بيروت.

يتبع الجواب
  #13  
قديم 25/03/2004, 06:51 PM
محب الصلاح محب الصلاح غير متواجد حالياً
مـشــــــــرف
 
تاريخ الانضمام: 01/06/2003
الإقامة: الوادي المبارك
المشاركات: 1,558
الكذب مناف للفطرة:

والنفس البشرية تدرك بفطرتها قبح الكذب ونذالته وخسة الكذاب ودناءته، ولذلك يستحي كل من كان سوي الفطرة أن تسجل عليه كذبة في قوله، وقد كان هذا شأن العرب في جاهليتهم مع ضلال معتقدهم وسوء أعمالهم فقد كان الكذب عندهم عاراً يتقونه لما يترتب عليه من سوء الأحدوثة، مع أنهم ما كانوا يخشون وعيداً ولا يرجون وعداً على ضده، وربما كانت حمية أحدهم تلح عليه أن يفتري الكذب فتأبى ذلك نفسه أنفةً وكبراً وإتقاءً أن يسجل ذلك عليه، فيكون عليه عاراً وخزياً يأثرهما عنه من تحدث عنه في حياته أو بعد مماته. وقد حصل هذا لأبي سفيان صخر بن حرب إبان شركه وما كان يتأجج في نفسه من حقد دفين وبغضاء متأصلة وكراهية عميقة للنبي صلى الله عليه وسلم ولدينه الإسلام، فقد أخرج الشيخان وغيرهما من طريق ابن عباس رضي الله عنهما عنه أنه عندما جيء به إلى هرقل عاهل الروم ومعه ثلة من أصحابه بعدما تلقى هرقل كتاب الرسول صلى الله عليه وسلم المتضمن دعوته إلى الإسلام ، قال هرقل لترجمانه: "قل لهم - أي أصحاب أبي سفيان الذين كانوا وراء ظهره – إني سائل هذا الرجل فإن كذبني فكذبوه" قال أبو سفيان: "فوالله لولا الحياء من أن يأثروا عليّ كذباً لكذبت عليه" قال الحافظ ابن حجر: "وفيه دليل على أنهم كانوا يستقبحون الكذب إما بالأخذ عن الشرع السابق أو بالعرف، وفي قوله "يأثروا" دون قوله "يكذبوا" دليل على أنه كان واثقاً منهم بعدم التكذيب أن لو كذب ، لإشتراكهم معه في عداوة الرسول صلى الله عليه وسلم لكنه ترك ذلك استحياء وأنفة من أن يتحدثوا بذلك بعد أن يرجعوا ، فيصير عند سامعي ذلك كذاباً وفي رواية ابن اسحاق التصريح بذلك ولفظه، "فوالله لو كذبت لما ردوا علي، ولكني كنت إمرأً سيداً أتكرم عن الكذب ، وعلمت أن أيسر ما في ذلك إن أنا كذبت أن يحفظوا ذلك عني ثم يتحدثوا به فلم أكذبه". أ. هـ. البخاري (7) مسلم (1773)

قلت ولا دليل أن العرب المشركين في جاهليتهم كانوا يهتدون بشرع سبق وإنما الفطرة هي التي هدتهم إلى قبح الكذب، وهذا ما يفهم من كلام أبي سفيان، حيث صرح أن الأنفة هي التي نهنهته عن الوقع فيه، وهذا ما يدل عليه قول السموأل:

إنا وإن مالت دواعي الهوى وأنصت السامع للقـائل

لا نجعل البــاطل حقا ولا نلظ دون الحق بالبـاطل

نخاف أن تسفه أحــلامنا فنخمل الدهر مـع الخامل

فهو كما ترى يبين ما في نفسه من الخوف من سوء الأحدوثة الناشئ عن الكذب، وهو الذي كان يحول بينه وبينه. ولئن كان هذا هو شأن أهل الجاهلية ، فكيف بالمسلم الذي شرفه الله بخطابه، وحضه فيما أنزل عليه من شرعه على الصدق، ووعده عليه أجراً كريماً، وحذره من الكذب وتوعده عليه عذاباً أليما، فقد قال الله تعالى: "إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيراً والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجراً عظيما" سورة الأحزاب الآية 35 وقال تعالى: "يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين" سورة التوبة الآية 119 وقال: "قتل الخراصون" سورة الذاريات الآية 10 ، ومعناه: لعن الكذابون. في قول كثير من المفسرين.

يتبع الجواب
  #14  
قديم 25/03/2004, 06:53 PM
محب الصلاح محب الصلاح غير متواجد حالياً
مـشــــــــرف
 
تاريخ الانضمام: 01/06/2003
الإقامة: الوادي المبارك
المشاركات: 1,558
الكذب مرض نفسي:

هذا، والكذب داء عضال يسري في أعماق النفس فيودي بفضائلها ويُغوّر ينابيع الخير فيها ويحيي رذائلها، ويفجر فيها نوازع الشر ويقوي فيها ملكات السوء، ولذلك يبقى الكذاب أسير العادات المذمومة لا يجد إلى الفكاك منها سبيلا، وبخلاف ذلك الصدق، فهو الذي يحيي فضائل النفس ويعطل فيها ملكات السوء، وشاهد ذلك فيما أخرجه الشيخان عن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعاً: "إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا، وإن الكذب يهدي إلى الفجور ، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا" رواه البخاري (5743) ومسلم (2607) ، وهذا يعني أن التهاون بالكذب وإن كان يسيراً في بادئ الأمر يعوّد عليه اللسان حتى يصبيح من سجايا النفس، مع ما يتولد عنه من قبائح الخصال ومساوي الأعمال ورذائل الأقوال.

وحسب اللبيب زاجرا عن الكذب أن الله حصره في الذين لا يؤمنون بآياته عندما قال: "إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بأيات الله وأولئك هم الكاذبون" سورة النحل الآية 105، وهو الذي يدل عليه ما أخرجه مالك في (موطئه)عن صفوان بن سليم رضي الله عنه قال: قلنا: يا رسول الله أيكون المؤمن جباناً؟ قال: نعم. قيل له: أيكون بخيلاً؟ قال: نعم. قيل له: أيكون كذاباً؟ قال: لا" الموطأ (1795)، وهذا لأن الجبن جبلة لا يقوى على من ابتلي بها على تجريد نفسه منها، إلا أنه لا يضيره إن كان لا يمنعه من قول الحق والعمل به، وكذلك البخل، فإن النفوس جبلت على حب المال وما لهذا الطبع من دافع، إلا أن المؤمن بإنفاقه المال في مراضي الله يتخلص من أثره عليه ويفك أغلاله عنه، ولا يضيره أصل ذلك الطبع في نفسه إن كان لا يمنعه من أداء الزكاة ولا يحول بينه وبين القيام بسائر الواجبات المالية.

أما الكذب فإنه ينشأ عن تعويد اللسان عليه حتى يصبح من سجايا النفس التي لا تجد ما يخلصها منها إلا قوة المقاومة وشدة المراقبة، وجاء في حديث مرفوع عند أحمد وغيره: "يطبع المؤمن على جيمع الخلال ليس الخيانة والكذب" الجامع الصغير (6300)، وهاتان خصلاتان من علامات النفاق التي دلت عليها الأحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم فقد أخرج الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "آية المنافق ثلاث، إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدر" البخاري (33)، مسلم (58)، الترمذي (2631) ، وزاد مسلم بعد قوله: "آية المنافق ثلاث ... وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم" وفي رواية لهما وللنسائي والترمذي مثلما تقدم ولكن بإبدال "إذا أتمن خان" من قوله: "إذا عاهد غدر" وأخرج البخاري ومسلم و أبو داود والترمذي والنسائي عن عبدالله بن عمرو بن العاص قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها، إذا أتمن خان ، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر" وفي رواية للنسائي "إذا وعد أخلف" بدلا من "إذا أتمن خان" وروى النسائي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "ثلاث من كن فيه فهو منافق، إذا حدث كذب، وإذا أتمن خان، وإذا وعد أخلف، فمن كان فيه واحدة منهن لم تزل فيه خصلة من النفاق حتى يتركها".

يتبع الجواب
  #15  
قديم 25/03/2004, 06:54 PM
محب الصلاح محب الصلاح غير متواجد حالياً
مـشــــــــرف
 
تاريخ الانضمام: 01/06/2003
الإقامة: الوادي المبارك
المشاركات: 1,558
مساوئ أخرى للكذب:

هذا، وقد شدد النبي صلى الله عليه وسلم في الكذب، ولو كان بقصد التسلية والترويح عن النفس، فقد أخرج أبو داود والترمذي عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ويل للذي يحدث بالحديث ليضحك به القوم فيكذب، ويل له ، ويل له" أبو داود (4990)، كما شدد فيه ولو كان في معاملة الأم لطفلها من أجل إجتذابه إليها أو إلهائه مما تحذره عليه، فقد أخرج أبو داود من طريق عبدالله بن عامر رضي الله عنه قال: "دعتني أمي يوماً ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد في بيتنا، فقالت: تعال أعطيك. فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أردت أن تعطيه. فقالت: أردت أن أعطيه تمراً. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما أنك لو لم تعطيه شيئا لكتبت عليك كذبة" أبو داود (4991).

والكذب منفر للملائكة لأنهم يدركون من قبحه ما لا يدركه غيرهم، وهو ما دل عليه حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا كذب العبد تباعد عنه الملك ميلاً من نتن ما جاء به" الترمذي (1972)، وهو خيانة للمنصت للحديث، ففي سنن أبي داود عن سفيان بن أسيد الحضرمي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كبرت خيانة أن تحدث أخاك حديثاً هو لك به مصدق، وأنت له به كاذب" أبو داود (4971)، ومن أجل الحوطة والحذر من الوقع في الكذب حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الإسراع في نقل الحديث حتى يتبين الناقل صحة ما نقل، فقد أخرج مسلم وأبو داود من طريق أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع" أبو دواد (4992).

هذا، فإن من شأن الكذب أن يطمس البصيرة ويخمد الفطنة ويعطل المدارك ويسد على النفس منافذ التفكير حتى تعود أسيرة الأوهام، فإن الكذاب يخدع نفسه قبل أن يخدع غيره إذ يخيل لها أن الناس جميعاً أغبياء لا يفطنون لكذبه، فلذلك يتجاسر على أن يحكي لهم غير الواقع، ويقوي هذا الشعور في نفسه حتى لا يحسب حساباً قط لإطلاع الناس على سوأته ومعرفتهم بعثراته، وهو بكثرة ما يقول من الإفك يعوّد نفسه تصديق ذلك حتى تكون أسيرة الوهم لا تكاد تصل إلى حقيقة في أمر.

يتبع الجواب
  #16  
قديم 25/03/2004, 06:56 PM
محب الصلاح محب الصلاح غير متواجد حالياً
مـشــــــــرف
 
تاريخ الانضمام: 01/06/2003
الإقامة: الوادي المبارك
المشاركات: 1,558
كذبة أبريل موالاة للكافرين:

ولئن كان منطلق الكذب بهذه الخسة والنذالة والفحش في الإجرام، وهو بهذه القدر من الإثم، فإن ما يسمى بـ "كذبة إبريل" أبلغ من الخسة وأفحش في النذالة وأعظم في الجرم وأشد في الإثم، لأنها ناشئة عما تكنه النفوس من الإعجاب بالكفرة الفجرة، واستحسان قبائحهم والزهو بتقليدهم، والإعتزاز بالسير في مناهجهم ، وما هو إلا رمز بيّن وعلامة واضحة على ما في هذه النفوس من موالاتهم والرغبة في المسارعة في هواهم، فإن من شأن المحب أن يسارع في هوى محبوبه، وأن يحب الظهور بمظهره والتحلي بحليته والحديث بلسانه.

وكل عاقل يدرك أنه ما من أمر أسرع في نقض إسلام المسلم وهدّ أركان إيمانه من ذلك، ولذلك جاء القرآن الكريم بالتحذير البالغ والزجر الشديد عن ذلك، لئلا يبقى خيط من الموالاة بين المسلمين والكفار يقتاد به المؤمن إلى إتباعهم وترسّم خطاهم، ومن ذلك قوله تعالى: "لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاةً ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير" سورة آل عمران الآية 28، وقوله: "بشر المنافقين بأن لهم عذاباً أليماً الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا" سورة النساء الآية 138-139، ولا يخفى ما في هذه الآية من الدلالة على أن هذه الموالاة تسلب المؤمنين جوهر الإيمان حتى يكونوا في عداد المنافقين، فإنهم وحدهم هم المتصفون بهذه الموالاة لأعداء الحق والدين، ويؤكده قوله تعالى: "يا أيها الذين أمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون تجعلوا لله عليكم سلطاناً مبينا" سورة النساء الآية 144، وهو كالذي قبله لا يدل إلا على أن هذه الموالاة لا تنشأ إلا عن النفاق.

ومن أبلغ التحذير من هذه الموالاة قوله تعالى: "يا أيها الذين أمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تُلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم إن كنتم خرجتم جهاداً في سبيلي وابتغاء مرضاتي تسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل وإن يثقفوكم يكونوا لكم أعداءً ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء وودوا لو تكفرون" سورة الممتحنة الآية 1، وردف ذلك بيان أنهم مهما والوهم وتقربوا إليهم بصنوف التودد فإن أولئك الكفار لن يشاطروهم الود، ولن تفيض عليهم قلوبهم بالرحمة والحنان، بل سيظلون لهم أعداء ألداء ما داموا لم يتجردوا من جميع ثياب إسلامهم، ولم يتخلوا عن جميع لوازمه وتبعاته، وذلك قوله عز من قائل: "إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء وودوا لو تكفرون" سورة الممتحنة الآية 2، وإنما الذي يرضيهم منهم أن يكونوا سواء في الكفر، ونبذ الإسلام ومناجزته، ولذلك قال: "وودوا لو تكفرون" سورة الممتحنة الآية2، وهذا كما الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: "ولن ترضى عنك عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم" سورة البقرة الآية 120.

هذا وقد حض الله المؤمنين في هذا السياق على أن يتخذوا من موقف إبراهيم عليه السلام ومن معه من المؤمنين أسوة يتخذونها ومنهجاً يسلكونه في معاملة الكافرين، وذلك عندما أعلنوا البراءة من قومهم بكل شدة وحزم ووضوح وصراحة مع أن من بين أولئك القوم آزر أبا إبراهيم فقد قال الله تعالى: "قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برءاؤا منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك وما أملك لك من الله شيء ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير" سورة الممتحنة الآية 4، إلى أن قال: "لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الأخر ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد" سورة الممتحنة الآية 6.

وفي قوله هذا ما يدل على أن الإيمان بالله واليوم الأخر مرتبط بهذه المفاصلة مع القوم الكافرين، وهي المعبر عنها بالبراءة، وأن من لم يتبرأ منهم فليس ممن يؤمن بالله واليوم الأخر، وفي قوله تعالى: "ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد" سورة الممتحنة الآية 6، من تهديد لمن أعرض عن هذا النهج وداهن في هذا الأمر ما لا يخفى على ذي بصيرة، ويدل عليه قوله تعالى: "لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الأخر يوادون من حادّ الله ورسوله ولو كانوا أبائهم وأبنائهم أو إخوانهم أو عشيرتهم" سورة المجادلة الآية 22، فلا عبرة في هذا بقرابة قريب أو محبة حبيب، وإنما العبرة بالإيمان فهو الذي يشد المؤمن إلى المؤمن حتى يكون أخاً له في العقيدة يغمره بفيض مشاعره وكريم عواطفه حتى يحب له ما يحب لنفسه "والمؤمنون والمؤمنات بعض أولياء بعض" سورة التوبة الآية 71 ، هذا ، ولئن كانت الأيات السابقة محذرة من موالاة جيمع الكفار من غير تمييز لبعضهم عن بعض، فثم أيات أخر حذرت من موالاة كفار أهل الكتاب خاصة، ومنها قوله تعالى: "يا أيها الذين أمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين" سورة المائدة الآية 51 ، وذلك لأن الله تعالى جعل العقيدة الحقة هي الفاصل بين المؤمنين وغيرهم ، أيا كان ذلك الغير.

وقد أرسل رسوله وأنزل عليه الكتاب لرسم منهج الحق والتمييز بين حزبه وحزب الباطل، فلم يرسله بنظريات تحيى في عالم المثال ولا يكون لها وجود في عالم الواقع، وإنما بعثه بمنهج متكامل يضم العقيدة والشريعة وينطوي على العبادة والعمل والأخلاق، لتقوم حياة الأفراد والأسر والمجتمعات على أسس من الإيمان الثابت والشريعة العادلة والأخلاق الكريمة، حتى تكون كل جزئية من جزئيات حياة المسلم مصطبغة بصبغة إيمانية "صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون" سورة البقرة الآية 138، وهذه هي حقيقة الإسلام فإن الإيمان والإسلام يجتمعان ولا يفترقان ، لأنهما وجهان لحقيقة واحدة، فإن الإسلام هو الصورة الظاهرة للإيمان ، والإيمان هو الحقيقة الباطنة للإسلام وقد دل القرآن الكريم أن الإسلام الحقيقي الذي هو مناط السلام وسبب الفوز والفلاح، هو أن يسلم الإنسان حقيقته كلها لربه وذلك الإسلام الظاهر والباطن والروح والجسم والعقل والقلب والفكر والوجدان وهو ما دل عليه قوله تعالى: "قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم ديناً قيماً ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين" سورة الأنعام 161، وبهذا يباين الإسلام جميع مناهج البشر وتصوراتهم التي لم تنبثق منه ، ويفرض على أتباعه جميعاً الإستقلال التام في العقيدة والفكر والسلوك والمنهج والقربات والعبادة والقول والعمل والسجايا والأخلاق ، وهذا يعني أن صفحة الحياة الإسلامية يجب أن تضل بيضاء نقية، لا يدنسها شيء من شوائب الفساد ولا يكدر صفوها ما يذهب ببهاءها أو يؤثر على رونق جمالها.

وقد جاء في سياق هذا التحذير ما يدل على أن هذه الموالاة لا تنشأ إلا عن مرض نفساني ، يذهب بنور البصيرة وصفاء السريرة ويودي بحياة الضمير ، فقد قال تعالى: "فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين" سورة المائدة 52، ومن المعلوم أن تلك الموالاة الحمقاء التي تليها التبعية العمياء في الأقوال والأعمال وفي السلوك والأخلاق تسري في دين من وقع فيها، سريان النار في الهشيم، حتى تحول نضرته وبهجته إلى رماد متطاير تذروه الرياح فلا يقع على شيء إلا أفسده لأنه سموم فاتكة وأوبئة مردئة تذهب بحياة العقل، فلا يبقى له أثر عندما تغشاه غواشي الضلال.

من أجل ذلك جاء في هذا السياق التحذير من الإرتداد ، لأن من تولاهم لا يقوى على الثبات في موقف ، بعد أن بدأ في التقهقر، بل يضل كلما عصفت به عاصفة من الهوى رجع إلى وراءه حتى يخرج من حضيرة الإيمان ، كأن لم يكن معدوداً يوماً من الأيام في زمرة المؤمنين، وذلك ما يتجلى في قوله سبحانه: "يا أيها الذين أمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا خافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم" سورة المائدة الآية 54.

وما ذلك إلا لما تفضي إليه هذه الموالاة التي لا تصدر إلا ممن مرضت نفسه وتزلزل إيمانه من الاسترسال في هوى الذين والاهم ، فيتخلى في كل حين على شيء من دينه إلى أن ينتصل من جيمع الدين، كيف وقد عُد من تولاهم واحد منهم ، إذ لا يمكن من يستمسك بحبل الإيمان والإسلام وهو يحرص على أن يستمسك بما يصله بهم حتى ينال منهم الرضى.


على أن إيمان المؤمن يقتضيه أن يكون دائما في الصف الإسلام غير متزلزل القدم ، لا يخرج عن جماعة المؤمنين التي هي أداة تنفيذ حكم الله في أرضه ، وتطبيق منهجه في عباده، وتمكين شريعته الواسعة التي تنظم العلاقات بين البشر وتحكم الصلاة والروابط بين المؤمنين ، وبهذا يتم لهم ما وعدهم الله به من النصر والتمكين والاستخلاف في الأرض ، لتنحدر أمامهم قوى الظلم والطغيان وتتهاوى بين أيديهم نظم الباطل والفساد، وما كان هذا الحرمان من تبؤ أمة الإسلام في هذه العصور هذا المنصب العالي إلا ثمرة من ثمرات خلخلة صفهم بما أصاب أفرادهم من هذا الداء العضال، فأخذوا يسارعون في هوى أعدئهم يتساقطون في شراكهم "الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهو يحسبون أنهم يحسنون صنعا" سورة الكهف 104، إذ يتصورون – لانطماس بصائرهم – أنهم يرتقون بذلك درك المكارم ويعرجون إلى ذرى المعالي ، غير واعين أن هذه انتكاسة إلى الحضيض الأسفل ، حيث تتحطم جميع قواهم وتذهب البقية الباقية ممن كان لهم من حياة.

ومهما قيل في سبب نزول هذه الآيات ، فإن دلالتها على التحذير من موالاة القوم الكافرين لا يختلف فيها اثنان ، كيفما كانت تلك الموالاة ، وبأي صورة بدت ، وعلى أي سبب انبنت ، فلا تتفاوت أحاكمها باختلاف صورها أو تباين أسبابها فالظاهر عنوان الباطن ، والعلانية ترجمة السريرة ، فما هذه التبعية العمياء إلا تجسيد لمشاعر الولاء ، وكشف عما تكنه النفس من الإعجاب بهم، والإنبهار بمنهجهم، وما يعتمل بين جنباتها من الشعور بالضعف والإحساس بالهزيمة بين أيديهم ، وهو ما يأباه الإسلام على أتباعه ، ولذلك نجد فيما وصف الله به القوم الذين يحبهم ويحبونه، الذين وعد بهم نصرة الإسلام بالجهاد والتضحية في سبيله أنه قال فيهم: "أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا خافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم" سورة المائدة 54.

فإن ذلتهم للمؤمنين لا تعني إلا لين جانبهم وإسلاس قيادهم لهم ، بخلاف حالهم مع الكافرين فهم أعزة عليهم لا تلين لهم قناتهم ولا ترق لهم صفاتهم ، فلا يجدون سبيلا للتأثير عليهم في المخبر ولا في المظهر ، لأنهم يصدرون عن أصل أصيل ويأوون إلى ركن وثيق ، فلا ينقادون إلا لأمر الله ، ولا يحتكمون إلا إلى شرعه ، ولا يزنون إلا بموازينه ، فجيمع أفكارهم وتصوراتهم وعبادتهم وعاداتهم وسماتهم وأخلاقهم إنما هي ترجمة لما نزل من الحق وما شُرع من الدين، وذلك ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم شديد الحرص على التزامه وهو يؤسس قواعد هذه الأمة ويشيّد بناينها عقيدة وفكرا وسلوكا ومنهاجا.

يتبع الجواب
  #17  
قديم 25/03/2004, 06:57 PM
محب الصلاح محب الصلاح غير متواجد حالياً
مـشــــــــرف
 
تاريخ الانضمام: 01/06/2003
الإقامة: الوادي المبارك
المشاركات: 1,558
وجوب مخالفة الكفار:

ولذلك كان كثيرا ما يبني أوامره ونواهيه على مخالفة القوم الذين كفروا، فكثيرا ما نجده يعلل الأحكام الشرعية بمخالفة اليهود أومخالفة اليهود والنصارى أو مخالفة المجوس أو مخالفة المشركين، وكان بنفسه مثالا للحرص على هذه المخالفة ولو فيما كان له من قبل سنة متبعة، ومن ذلك ما أخرجه أبو داود والترمذي عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تبع جنازة لم يقعد حتى توضع في اللحد فعرض له حبر من اليهود فقال: إنا هكذا نصنع يا محمد. فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: خالفوهم واجلسوا" وهو دليل على أنه صلى الله عليه وسلم كان أخوف ما يكون على أمته من أن يتأثروا بأولئك حتى في الأمر اليسير، فإن اليسير يجلب الكثير، والمظهر يسري إلى المخبر، ومن هانت عليه العادات هانت عليه العبادات، ومن لم يبال بالأعمال لم يبال بالاعتقاد.

والله سبحانه أخرج هذه الأمة لتكون خير أمة أخرجت للناس، تقود ولا تنقاد وتؤثر ولا تتأير وتعز ولا تهون، فلذلك فرض عليها أن تحصر ولاءها له ولرسوله وللمؤمنين إذ قال بعد الذي سبق: "إنما وليكم الله ورسوله والذين أمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهو راكعون" سورة المائدة الآية 55، وهذا وحده كونها أمة غالبة منصورة على عدوها، ظاهراً أمرها نافذاً حكمها، تقول فيسمع العالم لقولها ويستجيب لندائها، وتأمر فتأتمر الأمر بأمرها، لذلك أتبع الله ما تقدم بقوله: "ومن يتول الله ورسوله والذين أمنوا فإن حزب الله هم الغالبون" سورة المائدة 56.

يتبع الجواب
  #18  
قديم 25/03/2004, 06:58 PM
محب الصلاح محب الصلاح غير متواجد حالياً
مـشــــــــرف
 
تاريخ الانضمام: 01/06/2003
الإقامة: الوادي المبارك
المشاركات: 1,558
شبه ساقطة:

ولعل الذين استمرأوا واستساغوا هذه التبعية فحبب إليهم هذه السفاسف وزين لهم تقليدها ، يجادلون في هذا زاعمين أنهم ليسوا – بفعلهم هذا – موالين لهم وإنما ذلك راجع إلى تلاؤم بعض عادات أولئك مع طباعهم. والجواب على هذا الزعم أنه مما عهد في طباع النفوس وألف تصرفات البشر أن تقليد الإنسان لغيره وسيره على خطواته لا ينشآن إلا عن إعجاب بشأنه، فإن تبعية الغير ما هي إلا انعكاس لحبه الذي يملك قلب من اتبع، ويتحكم في فكره وإحساسه، ويوجه حركته وأعماله، حتى يكون كظله الذي لا ينفك عنه، وتلك هي الكارثة التي تؤدي الحياة وتقضي على ما تبقى من نخوة وشرف وكرامة ، فإنه من المألوف أن يسارع المحب من اتباع محبوبه حتى يؤثر هواه على هواه وتذوب شخصيته في شخصيته، وتنعدم هويته في هويته، فلا يفكر إلا بعقله ولا ينطق إلا بلسانه ولا يحس إلا بشعوره.

وإلا فليت شعري ما الذي يدفع المسلم – إن كان صادقا في إسلامه معتزا بإيمانه – إلى أن ينبذ وراء ظهره ما أمره به ربه تعالى وحضه عليه نبيه صلى الله عليه وسلم من التزام الصدق وتوقي الكذب، حتى يقدم إلى فرية يختلقها عن عمد محاكاة للقوم الكافرين "وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا" سورة الأحزاب الآية 36، وماذا عسى أن يبقى لهذا المسلم من دينه وإيمانه وقد آثر تقليد عدوه على طاعة ربه، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخالفهم ويأمر بمخالفتهم حتى فيما كان له سنة متبعة كالقيام عند وضع الميت في قبره؟ فما بالك بالكذب وهو عش الرذائل وديدن الأنذال، حرمته جميع الشرائع السماوية وعافته جميع الطبائع السوية، فغدا أقبح ما يذم به الساقط من الناس، كما هو ظاهر في أنفه كل من كان ذا ضمير حي أن يعزى إليه شيء من الكذب، لو كان محسوبا من العوام المغمورين الذين لا شأن لهم بالعلم أو السياسة، ولا يحسب لهم حساب في مجتمعهم، فإن أحدهم تثور حفيظته وتضطرم غيرته إن دنس شرفه بنسبته إلى الكذب في أي موقف، فلا يرى ظهارة لشرفه من رجس ما ألصق به وعار ما غُزي إليه إلا إراقة النجيع الأحمر ، ولو عرض نفسه ومعشره لأدهى الدواهي، واضطر إلى أن يتصدى لمن كان بيده الحول والطول وقد تبوأ مكان السيادة والقيادة.

يتبع الجواب
  #19  
قديم 25/03/2004, 06:59 PM
محب الصلاح محب الصلاح غير متواجد حالياً
مـشــــــــرف
 
تاريخ الانضمام: 01/06/2003
الإقامة: الوادي المبارك
المشاركات: 1,558
الأمة القوية تفرض فكرها:

هذا ولئن كان أولئك المغرورون بهذا المسلك الشائن في التقليد يرونه مظهراً من مظاهر الرقي وسمة من سمات المدنية فما هو في الحقيقة إلا دليل الانحطاط الضعف، لأنه ناشئ عن هزيمة نفسية، فمن شأن الضعيف أن يقلد القوي، ومن سنة المهزوم الخانع الذليل أن يستأسر ويستسلم لمن عزه فأمسك بتلابيبه وشده إلى ناحيته ، وما كان سريان مثل هذه العادات إلى أمة الإسلام إلا نتيجة الانتكاسة التي رزئت بها، حتى رضيت لنفسها أن تقف مواقف الخزي والعار، وأن تبتغي العزة من مكامن الذل، وأن تحسب الكرامة حيث الهوان.

على أنها عندما كانت مرفوعة الرأس شامخة الأنف عزيزة الجانب كانت هي التي تقود الأمم وتفرض عليها إرادتها، فتتسارع الأمم إلى الاستجابة لداعيها، وتعتز بأن ترتشف نغبة من كأسها، تستصبح بشعاع من سناها، فكم سرى إلى غير المسلمين من أفكارهم وسلوكهم ما صار به ذلك الغير يتباهى به بإعجاب واعتزاز وافتخار.

ومن أمثلة ذلك الحركة التي ظهرت في سبتمانيا ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين، أبو الحسن الندوي، ص26: ط دار القلم الرابعة عشرة، 1412-1992، - وهي مقاطعة قديمة في الجنوب الغربي لفرنسا على البحر الأبيض المتوسط – وكانت تدعو إلى التخلص من طقوس تأصلت في الديانة النصرانية، أهمها التذلل والاعتراف بالذنب أمام القس، فكانت تنادي بإسقاط هذا الحق عن القساوسة، لأن الله هو وحده غافر الذنب وقابل التوب، ولا دخل في ذلك لأحد من خلقه ولو كان نبياً مرسلاً فضلا عن القسيسين، وما كان سريان هذه الفكر المستنير إلى أولئك إلا من الإسلام دين الحق الداعي إلى عدم التعلق بغير الله تعالى، وكان هذا في القرنين الثاني والثالث الهجريين ، أي في القرن الثامن الميلادي.

وفي ذلك القرن نفسه ظهر في النصارى مذهب يرفض تقديس الصور والتماثيل، ويرد ذلك إلى الوثنية المتخلفة، وقد سرت هذه الفكرة إلى القمة السياسية في الإمبراطورية الرومانية، ففي عام 726 للميلاد أصدر الإمبراطور ليو الثالث قراراً أخر يعد الإتيان بذلك من الوثنية، وعلى هذا درج قسطنطين الخامس وليو الرابع، في حين كان البابا جريجوري الثاني والثالث وجرمانيوس بطريرك القسطنطينية والإمبراطور إيريني من مؤيدي عبادة الصور، وأدى ذلك إلى احتدام الصراع بين الفريقين.

ومما يؤكد تأثر النزعة الرافضة لعبادتها وتقديسها بالإسلام، ما قيل بأن كلوديوس أسقف تورين الذي شن حرباً على الصور والصلبان، فحرقها وحرم عبادتها في أسقفيته، ولد وترعرع في الأندلس عندما كانت مسلمة عربية، فكان ذلك سبباً لهذا التنور الفكري عنده كما يؤكد ذلك ما صرح به المؤرخ الأوروبي الشهير جبون من أن تهكم المسلمين بالنصارى واستخفافهم بأحلامهم المستسيغة لمثل هذه الخرافات هو الذي أدى بهم إلى هذه الصحوة فاتخذوا هذا القرار.

على أن كثيرا من الكتاب يردون الفضل إلى الإسلام وتأثيره حتى في حركة لوثر الإصلاحية، التي حولت جانباً كبيراً من أروبا عن المعتقدات الكهنوتية الغالية، التي كبلتهم بأغلاها وحرمتهم من نعمة التفكير في حالهم ومآلهم، فاسلسوا قيادهم لمن لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً ولا يملك موتاً ولا حياة ولا نشورا طامعين في غفرانهم مشفقين من حرمانه.

وما كان هذا الأثر العميق للإسلام – في تلكم القارة التي تعتبره خصما لدوادا جاء ليستلب منها منفوذها ويحرر من سلطانها شعوباً عاشت ردحاً من الزمن تحت نير استعبادها ووطأة جبروتها – إلا عندما كان المسلمون لا يعتزون إلا بمكارم هذا الدين، ولا يلهثون مسعورين إلى تلكم الدنايا التي تتساقط من مخازي أعدائهم، فيرونها المغنم الذي لا يقدر بثمن، والمظهر الذي لا يجلوهم في صورة مشرقة وضاءة حسب ما يبدوا لهم.

يتبع الجواب
  #20  
قديم 25/03/2004, 07:01 PM
محب الصلاح محب الصلاح غير متواجد حالياً
مـشــــــــرف
 
تاريخ الانضمام: 01/06/2003
الإقامة: الوادي المبارك
المشاركات: 1,558
Lightbulb

عوامل التقدم والانحطاط:

ولئن كانوا يخيل إليهم أنهم بمثل هذا يدخلون مضمار السبق مع العالم الغربي ، ليتنافسوا فيما وصل إليه من رقي وقوة وجبروت، فإن عليهم أن يدركوا أن الغربيين لم يصلوا إلى ما وصلوا إليه من سيطرة على العالم ، وفرض إرادتهم عليه، وإنفاذ سياستهم فيه، بأمثال كذبة إبريل وغيرها من السقطات التي راقت لمرضى النفوس من هذه الأمة، فأخذوا يقلدونهم فيها حتى صارت حياتهم صورة من حياتهم، تفشتف فيها الإباحية المخزية وسادتها الفنون الرخيصة، وإنما وصل الغربيون على ما وصلوا إليه بسببين:

أولهما: تخلي المسلمين عن وظيفتهم التي خلقوا من أجلها، وهي قيادة العالم بحكم القرآن وهدي النبي عليه أفضل الصلاة والسلام، والنظر في سنن الله في هذا الكون ، والأخذ بأسباب الرقي والعز والنصر والتمكين، بحيث لا يطلبون أمراً إلا بوسيلته ولا يسعون إليه إلا من سبيله، وبهذا التخلي من هؤلاء وجد أولئك الساحة خالية فملأوها، والفرصة سانحة فاهتبلوها، ولم يرجع المسلمون القهقرى حتى أصيبوا بهذه النكسة إلا بعد أن اتبعوا الأهواء وتفرقت بهم السبل وتحكمت فيهم الفتن، فانحدروا بقدر ما ارتقى غيرهم وتخلفوا بقدر ما تقدم عدوهم ، وظلوا عظة للأمم وعبرة في التاريخ.

ثانيها: أن الغربيين لم يدخروا وسعاً في مسابقة الزمن، تحصيلاً للعلم وتنسيقاً للجهد واستجماعاً للخبرة، فأخرهم يشيد على ما أسسه أولهم ولاحقهم يسير على خطى سابقهم في انتظام وانسجام، بحيث إن الفرد يتحرك في إطار المجتمع، والمجتمع يعمل كأنه فرد في استجماع فكره وضبط خطواته وتنسيق رؤاه، فلا يشتت جهد ولا يضيع عمل، تحكمهم جميعاً وحدة الأهداف والغايات، فلا يفرط أحدهم فيما أنجزه غيره، وإنما جهودهم موزعة بينهم بضبط وإحكام، وتجاربهم محصاة محكمة، ودراساتهم مجموعة منسقة، فتمكنوا بذلك كله من التغلغل في أعماق الطبيعة وتفجير طاقاتها واستخراج مكنوناتها وإحصاء خيراتها، فغاصوا في أعماق البحر وطاروا في أبعاد الفضاء وسبروا أصول الكائنات، فسخروا كل ما أمكنهم لتحقيق مرامهم وإنجاز مهامهم.

وبهذا دفعوا مركبة الحضارة إلى الأمام، متحكمين في سيرها، ممتنين على من رضوا بحمله عليها، فهلاّ عني أولئك المبهورون بهم بمنافستهم في هذا الجانب، ومزاحمتهم في هذا الشوط، بدلاً من مزاحمتهم على الرذائل والسقطات ككذبة إبريل، وما أخذوه منهم من صبغ الحياة بصبغة الفساد والانحلال، أو أنهم شقت عليهم معالي الأمور فاقتنعوا بسفاسفها، وخيل إليهم أنهم بالحرص عليها بلغوا أوج الحضارة وامتطوا صهوة الأمجاد، أو أنهم ظنوا أن هذه السفاسف هي مدارج التقدم ومعارج الرقي، فلا يوصل إلى درك تلكم الغايات النبيلة وتحقيق تلكم الطموحات الفائقة إلا من طريقها؟!.

لقد كان حريا بهم وهم ينتسبون على أمة القرآن أن لا يرضوا لأنفسهم الدون، وألا يقنعوا إلا بالوصول إلى أسمى هدف وأبعد غاية، فلو أنهم شمروا عن ساعد الجد، وعرفوا كيف ينفذون إلى المسببات من أسبابها، ويسعون إلى الغايات بوسائلها ، ويعرجون إلى المعالي بمراقيها، لكانوا هم سادة الموقف وبناة الحضارة ورواد العلوم.

يتبع الجواب
  #21  
قديم 25/03/2004, 07:02 PM
محب الصلاح محب الصلاح غير متواجد حالياً
مـشــــــــرف
 
تاريخ الانضمام: 01/06/2003
الإقامة: الوادي المبارك
المشاركات: 1,558
إن المسلم – أيها الناس – لا يرضى لنفسه أن يكون كالذباب الذي يسقط على العفونة والأقذار ولتصق بالجيف المنتنة فينقل منها الأوبئة الفتاكة والسموم القاتلة، وإنما يحرص على أن يكون كنحلة العسل، تمتص من أطايب الأزهار وترعى من أحاسن الثمار، لتفرز شراباً هنيئا طيبا، يجمع بين لذة الغذاء للأجسام ومنفعة الدواء للأسقام، "يُخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون" سورة النحل الآية 69.

على أنه مما يجب أن لا يعزب عن البال أمران:

أحدهما: أن أولئك الغربيين الذين جدوا فبلغوا حتى كانوا في هذا الأمر رادةً وقادة، إنما وصلوا إلى ما وصلوا إليه لأخذهم بوصية الإسلام التي أضعناها، وعملهم بحكمته التي أهملناها، ولكل مجتهد نصيب، فقد نمنا وقاموا، وقعدنا وساروا، وتوانينا وأدلجوا ، ولا تستوي عزمتان، إحداهما ثائرة تنطلق كالصاروخ وتتفجر كالبركان وتصمد كشامخات الجبال حتى تهد شم الأطواد وتفتت الصم الصلاد، وأخرى خائرة لا تكاد تتحرك حتى تسكن ولا تتقد حتى تخبو ولا تولد حتى تموت، فلكل منهما مداها التي تنتهي إليه وأثرها الذي ينتهي إليها، ولا تساوي همة من لا يعدو طموحه حيث موطئ قدميه بهمة من تسمو به عزيمته إلى حيث النجوم العوالي، ولا من لا يتجاوز بصره حدود أجفانه بمن يسرحه في الآفاق المترامية فيدققه في الأبعاد ويمعنه في الدقائق.

بقدر الكد تعطى ما تـروم ومن رام المنى ليـلا يقوم

*********

أأبيت سهران الدجى وتبيته نوما وتبغي بعد ذاك لحاقي

*********

ومـا طلب المعالي بالتمني ولكن تؤخـذ الدنيا غلابا
  #22  
قديم 25/03/2004, 07:03 PM
محب الصلاح محب الصلاح غير متواجد حالياً
مـشــــــــرف
 
تاريخ الانضمام: 01/06/2003
الإقامة: الوادي المبارك
المشاركات: 1,558
ولئن أرادت أمتنا المنافسة على هذه المعالي، فالميدان فسيح وقصبات السبق تلوح على رأس المضمار، ورب لاحق كان أسبق إلى الغاية وأسرع إلى درك المأمول، ولكن ذلك موقوف على يقظة الهمم وتوقد العزائم وإحكام الخطط ووثوب الخطى لطي المسافات السحيقة كما طووها "وكل من سار على الدرب وصل"

وقد أدرك دعاة الإصلاح ورادة النهضة في هذه الأمة هذا الذي نقوله منذ أمد بعيد فنادوا به، ولكن الأمة تصاممت عن ندائهم وأخلدت إلى هواها فكانت هذه النكسة المردية، وليست أنسى ما قاله في هذا شيخ الصحافة الجزائرية العلامة أبو اليقظان إبراهيم بن عيسى رحمه الله: "إن المسلمين لم يصبهم - يا قوم - ما أصابهم إلا بقدر إخلالهم بمبادئ الإسلام، والغربيين لم ينالوا ما نالوا إلا بقدر استصباحهم من شمس الإسلام، فلماذا لا نأخذ الإسلام كاملا فنسعد سعادة كاملة، وننبذ الكفر جملة فننجوا من التعاسلة كلها؟".

ولربما ظن ظان أن مثل هذا الكلام غير صادر عن تعقل وروية، وأن مصدره العاطفة الجياشة التي تدفع المسلم إلى أن يرد كل مستحسن إلى أثر الإسلام، ولذلك رأينا من الضرورة أن نعزز ما قلنا بشهادة من اعترفوا بالفضل للإسلام في بناء الحضارة الحديثة من الأوربيين أنفسهم أو غيرهم، فقد قال روبيت برينلت في كتابه "الصناع الإنسانية": "ما من ناحية من نواحي تقدم أوربا إلا وللحضارة الإسلامية فيها فضل كبير وآثار حاسمة لها تأثير كبير" ويقول أيضا: "ولم تكن العلوم الطبيعية هي التي أعادت أوربا إلى الحياة، ولكن الحضارة الإسلامية قد أثرت في حياة أوربا تأثيرات كبيرة ومتنوعة منذ أرسلت أشعتها الأولى إلى أوربا" ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين، أبو الحسن الندوي، ص26ط دار القلم الرابعة عشرة 1412هـ-1992م.

ويقول الكاتب الهندي أن سي مهاتا: "إن الإسلام قد حمل إلى الهند مشعلاً من نور قد انجلت به الظلمات التي كانت تغشى الحياة الإنسانية في عصر مالت فيه المدنيات القديمة إلى الانحطاط والتدني ، وأصبحت الغايات الفاضلة معتقدات فكرية، لقد كانت فتوح الإسلام في عالم الأفكار أوسع وأعظم منها في حقل السياسية شأنه في الأقطار الأخرى، لقد كان من سوء الحظ أن ظل تأريخ الإسلام في هذا القطر - أي الهند - مرتبطاً بالحكومة، فبقيت حقيقة الإسلام في حجاب وبقيت هباته وأياديه الجميلة مختفية عن الأنظار" المرجع نفسه ص 128، وثم شهادات أخرى لا يتسع لها المقام سجلتها أقلام منصفين في الشرق والغرب من غير المسلمين.

ولئن كان الإسلام مصدر هذا الخير وأساس هذا التقدم، أفليس المسلمون أحق أن يكونوا هم السابقين في هذا المضمار، القابضين على زمام هذا الأمر، المعتزين بهذه النعمة التي أسبغها الله عليهم، المستمسكين بحبل هذا الدين من غير تفريط في أي شيء يعود إليه؟.

ثانيهما: أن العالم الغربي مع زهوه بإنجازاته وتبجحه بمهاراته وتفاخره باكتشافاته ومخترعاته، أصبح عقلاؤه يجأرون معترفين بما حل بهم من خسارة وحاق بهم من بوار، بسبب فقدانهم الفضائل الإنسانية وتحجر عواطفهم وإظلام فكرهم وخواء حضارتهم من القيم الروحية، إذا أصبحت المادة هي معبودهم الفرد، فلا يتنافسون إلا في سبيلها، ولا يستجمعون هممهم إلا لأجلها، ولا تطمع أبصارهم إلى غاية سواها، وقد انطلقت صيحات التململ من هذا الواقع المرير والحال المخزية من حناجر قادتهم السياسين وفلاسفتهم المفكرين، منذرة بكارثة مردية وخطر ماحق لا مفر لهم منه، ولو آووا إلى ركن وثيق من هذا التقدم الحضاري، لأن تلك الحضارة عارية عن ثوب الفضيلة خالية من حس الإيمان، فلا تلبث أن تذبل نضارتها، وأن تتلاشى رونقها، عندما تلفحها حرارة الطبيعة وتهب عليها رياح الفطرة. ومن ذلك ما قاله المستر أيدن رئيس وزراء بريطانيا الأسبق في بعض خطبه التي ألقاها قبل نشوب الحرب العالمية الثانية: "إن أهل الأرض كادوا يرجعون في أخريات هذا القرن إلى عهد الهمجية والوحشية، ويعيشون عيشة سكان الكهوف والمغارات، ومن الغريب المضحك أن البلاد والدول تنفق الملايين من الجنيهات على وقاية نفسها من آلة فتاكة تخافها، ولكن لا تنفق على ضبطها، وإني أتعجب في بعض الأحيان وأقول كيف لو زار العالم الجديد زائر من كوكب آخر وهبط إلينا، فما عسى أن يشاهده! سيجدنا نعد العدة لإهلاك بعضنا، ونتبادل الأنباء عنها، ويخبر بعضنا بعضاً كيف نستعمل هذه الآلات الجهنمية" المرجع نفسه ص 204.

ويقول الأستاذ الدكتور جود أستاذ الفلسفة وعلم النفس في جامعة لندن في النصف الأول من القرن المنصرم: "إن العلوم الطبيعية قد منحتنا القوة الجديرة بـ "الآلهة" ولكننا نستعملها بعقل الأطفال والوحوش" المرجع نفسه ص201، ويقول أيضاً: "إن هذا التفاوت بين فتوحنا العلمية المدهشة وطفولتنا الاجتماعية المخجلة نواجهه عند كل منعطف ومنعرج، نستطيع أن نتحدث من وراء القارات والبحار، ونرسل الصور بالبرق، وننصب اللاسلكية في منازلنا، ونستمع في سيلان إلى دقات الساعة العظمى تضرب في لندن، ونركب فوق الأرض والبحر وتحتها، والأطفال يتحدثون على الأسلاك البرقية والآلات الكاتبة صامتة، ونملأ الأسنان من غير إيجاع، والزروع تنمى بالكهرباء والشوراع تفرش بالمطاط، وأشعة روتنجن نوافذ نطل منها على داخل أبداننا، والصور المتحركة تتكلم وتغني، ويكشف عن المجرمين والمحتالين باللاسلكية، والغواصات تذهب إلى القطب الشمالي، والطائرات تطير إلى القطب الجنوبي، ومع ذلك لا نقدر في وسط مدننا الكبرى أن نخصص رحبة يلعب فيها الأطفال الفقراء في راحة وسلام، ونتيجة ذلك أنا نقتل منهم ألفين ونجرح منهم تسعين ألفاً سنوياً، قال لي فيلسوف هندي في انتقاده اللاذع لإطرائي لعجائب حضارتنا، وكان بعض سواق السيارات قد نجح في قطع ثلاثمائة أو أربعمائة ميل في ساعة على رمال "بنداين" وطارت طائرة من موسكو إلى نيويورك في فترة قليلة من الزمن، قال الفيلسوف: "نعم إنكم تقدرون أن تطيروا إلى الهواء كالطيور، وتسبحوا في الماء كالسمك، ولكنكم إلى الأن لا تعرفون كيف تمشون على الأرض" المرجع نفسه ص201

ويقول جود منتقداً ما أدت إليه هذه الحضارة من دمار وفساد ماحقين نتيجة الجشع المادي وضراوة الإنسان الحضاري التي فاقت ضرواة السبع الفتاك: "قد استطعنا أن نسافر بسرعة زائدة من مكان إلى مكان ، ولكن الأمكنة التي نسافر إليها قلما تصلح للسفر، وقد زويت الأرض للرحالين، وتدانت الأمم ووطئ بعضها عتبة بعض، ولكن كان نتيجة ذلك أن توترت العلاقات بيننا وأصبحت أسوأ مما كانت، أما المرافق التي استطعنا بها أن نتعرف بجيراننا فقد عادت فحشرت العالم في الحرب، اخترعنا آلة الإذاعة ولكن كيف كان عاقبتها؟ أن كل شعب يستنفد موارد الهواء لإيذاء الشعب المجاور ومعاكسته، إذ يجتهد أن يقنعه بفضل نظامه السياسي على نظامه" المرجع نفسه ص202.

ويقول أيضاً: "انظر إلى الطائرة تحلق في السماء، يخيل إليك أن صانعيها كانوا في عملهم ولباقتهم وصناعتهم فوق البشر، والذين طاروا عليها أولاً لا شك أنهم كانوا في علو همتهم وعزمهم وجرأتهم أبطالاً مغاوير، ولكن انظر الآن إلى المقاصد التي استعملت لها الطائرة وتستعمل لها في المستقبل، إنما هي قذف القنابل، تمزيق جثث الإنسان، وخنق الأحياء، وإحراق الأجساد، وإلقاء الغازات السامة، وتقطيع المستضعفين الذين لا عاصم لهم من هذا الشر إربا إربا، وهذا إما مقاصد الحمقى أو الشياطين" المرجع نفسه ص202.

ويقول كذلك: "ما عسى أن يقول المؤرخ غداً: كيف نستعمل معدن الذهب؟ سيذكر أنا توصلنا إلى أن نخبر الذهب باللاسلكي، وسيستعرض الصور التي تمثل اللباقة والمهارة التي كان أصحاب المصارف يزنون بها الذهب ويعدونه، وكيف تحدينا قانون الجاذبية في نقله من عاصمة إلى عاصمة، وسيسجل أن أشباه الوحوش الذين كانوا ماهرين وخبراء في فتوحهم الصناعية، كانوا عاجزين عن التعاون الدولي الذي يقتضيه ضبط الذهب والتقسيم الصحيح، وكانوا لا يعنون إلا أن يدفعوا المعادن من بطون في جنوب أفريقية ويدفنونها في مصارف لندن ونيويورك وباريس" المرجع نفسه ص202.

ويقول المستر لويد جورج بطل الحرب الكبرى ورئيس وزارء بريطانيا حينئذ: "لو رجع سيدنا المسيح إلى العالم لما عاش إلا قليلاً، إنه سيرى الإنسان لا يزال بعد ألفي سنة مشغوفاً بالشر والإفساد والقتل والفتك بين نوعه والنهب والإغارة، بل إن أكبر حرب في التاريخ قد استغرقت دم جسم الإنسانية وأهلكت الحرث والنسل حتى أصابت الناس مجاعة، وماذا يرى السيد المسيح يا ترى؟ هل يرى الناس يتصافحون كالإخوان والأصدقاء؟ لا بل يراهم يتأهبون لحرب أشد هولاً من الأولى وأعظم فتكا وتعذيباً، يراهم يتسابقون في اختراع الآلات الجهنمية ويبتدعون وسائل التعذيب" المرجع نفسه ص191، وهذا اعتراف من أحد أكبر صانعي الحرب العالمية بجريمة تلك الحرب وآثارها السلبية التي انعكست على جميع البشر، وأولئك هم القادة والرادة في هذه الحضارة الحيثة.

وهذه شهادة أخرى من أحد مفكري الغرب وفلاسفته المشهورين وهو الدكتور إلكسيس كاريل صاحب كتاب "الإنسان ذلك المجهول" وهو فرنسي المولد أمريكي المستقر يقول: "يظهر أن الحضارة العصرية لا تستطيع أن تنتج رجالاً يملكون الابتكار والذكاء والجرأة، وفي كل قطر تقريباً يرى الإنسان في الطبقة التي تباشر إدارة الأمور وتملك زمام البلاد انحطاطاً في الاستعداد الفكري والخلقي. إننا نلاحظ العصرية لم تحقق الآمال الكبيرة التي عقدتها بها الإنسانية، وأنها أخفقت في تنشئة الرجال الذين يملكون الذكاء والإقدام الذي يسير بالحضارة على الشارع الخطر الذي تتعثر عليه، إن الأفراد والإنسانية لم تتقدم بتلك السرعة التي تقدمت بها المؤسسات التي نبعت من عقولها، إنها هي نقائص القادة السياسيين الفكرية والخلقية وجهلهم الذي يعرض أمم العصر للخطر" المرجع نفسه ص203.

ويقول أيضاً: " إن الوسط الذي أنشأته العلوم الطبيعية وعلم الصناعات للإنسان لا يناسب الإنسان، لأنه مرتجل لم يقم على تصميم وتفكير سابق، ولم يراع فيه الانسجام مع شخصية الإنسان، إن هذا الوسط هو وليد ذكائنا واختراعاتنا لا يطابق قاماتنا ولا أشكالنا، نحن غير مسرورين، نحن في انحطاط الأخلاق والعقول، إن الأمم التي ازدهرت فيها الحضارة الصناعية وبلغت أوجها هي أضعف مما كانت، وهي تسير سيراً حثيثاً إلى الهمجية، ولكنها لا تدرك ذلك، إنه لا حارس لها في المحيط الثائر الذي أقامته العلوم الطبيعية حول هذه الأمم، الحق يقال إن حضارتنا –كالحضارات التي تقدمتها – قد فرضت شروطا للبقاء ستجعل – لأسباب لا تزال مجهولة – الحياة محالة، إن عملنا بالحياة وكيف يجب أن يعيش الإنسان متأخر جداً عن عملنا بالماديات، وهذا التأخر هو الذي جنى علينا" المرجع نفسه، ص203.

ويقول أيضاً: "لا يجنى نفع من الزيادة في عداد المخترعات الآلية، لا فائدة في أن نعلق أهمية كبرى على اكتشاف علوم الطبيعة والفلكيات وعلم الكيمياء، أي خير في الزيادة في الرحة والشرف والجمال والمنظر وكماليات حضارتنا إذا منع ضعفنا من الانتفاع بذلك وتوجيهه إلى صالحنا، إنه لا خير في إحكام طريق للحياة بقضى فيه على العنصر الخلقي، ونبعد منه أشرف عناصر الأمم العظيمة، إن الأليق بنا أن نعنى بأنفسنا أكثر من أن نعنى بصناعة بواخر أسرع وسيارات أريخ وردايوات أرخص وتلسكوبات لفحص هيكل سديم على بعد سحيق" المرجع نفسه ص203.

ويقول كذلك: "ما هو مدى التقدم الحقيقي الذي نحققه حينما تنقلنا إحدى الطائرة إلى أوربا أو إلى الصين في ساعات قلائل؟ هل من الضروري أن نزيد الإنتاج بلا توقف حتى يستطيع الإنسان أن يستهلك كميات أكثر فأكثر من أشياء لا جدوى منها؟ أليس هناك أي ظل من الشك في أن علوم الميكانيكا والطبيعة والكمياء عاجزة عن إعطائنا الذكاء والنظام الأخلاقي والصحة والتوازن العصبي والأمن والسلام" المرجع نفسه ص204.

هكذا تتوالى الصيحات المدوية في وسط ذلك العالم الغارق في محيط الفساد، الذي أذهبت لبه المادية المفرطة، فتجرد من معاني الإنسانية، وانقلب إلى وحشية ضارية وبهيمية منحظة، تتوالى تلكم الصيحات ممن أيقظهم هاجس الفطرة فانقدح فيهم شعاع من فكر وروية من أجل إنقاذ شيء من إنسانية ذلك العالم، ولكن يأبى أن يستجيب لها الرأي العام فهي صيحات ضائعة في وسط ضجيج التيار المادي الذي ذهب بكل الفضائل والأخلاق الإنسانية.
  #23  
قديم 25/03/2004, 07:05 PM
محب الصلاح محب الصلاح غير متواجد حالياً
مـشــــــــرف
 
تاريخ الانضمام: 01/06/2003
الإقامة: الوادي المبارك
المشاركات: 1,558
الإسلام هو الحل:

وقد أصبح أولو الفطنة والرأي اليوم يرنون بأبصارهم نحو الإسلام دين الله الحق، لينقذ تلك الأمة من التردي في مهاوي الدمار الشامل الذي لا يبقى ولا يذر، إذا كل ذي بصيرة يدرك أنه لا منقذ سواه لفشل جميع التجارب البشرية وهوى جميع الأنظمة المادية، فقد وجد من ينادي بذلك عندما هدأت الحرب الساخنة لتحل محلها الحرب الباردة وما أعقبها – بعد وضع أوزارها – من ميلاد النظام العالمي الجديد، ولو أخذنا نتبع ما قيل في هذا من قبل الساسة والمفكرين وأساتذة الجامعات وغيرهم في بلاد الغرب لملأنا منه صفحات ومجلدات، وإنما أقتصر على نقل بعض الصور من ذلك.

ففي شهر ذي الحجة من عام ألف وأربعمائة وخمسة عشر هجرية حضر بمجمع أبي النور بدمشق مسلم أمريكي وهو فاروق عبدالحق الذي كان قبل إسلامه "روبرت كرين" وهو رجل ذو خبرة واسعة في الأوضاع السياسية وغيرها بالولايات المتحدة الأمريكية، لقد تقلد عدة مناصب من بينها أنه كان في عهد الرئيس نيكسون أكبر مستشاريه للسياسة الأمريكية الخارجية، وقد ألقى في المجمع المذكور محاضرة بعنوان "القيادة الإسلامية في القرن الحادي والعشرين" وقد تحدث فيها عن رؤية بعض الساسة والمفكرين الأمريكان للأوضاع التي تمر بها الولايات المتحدة الأمريكية، وهي تدل على منتهى التشاؤم من تردي الأخلاق هناك وفقدان القيم وانعدام التوازن، وتكاد تتفق رؤى الجميع أن ما في الإسلام من قيم وفضائل كاف لملء هذا الفراغ الروحي والخواء الذي يقلق العقلاء هناك.

ومن بين أولئك الرئيس نيكسون نفسه إذ كان مما تضمنته تلك المحاضرة قول المحاضر: "مع نهاية الحرب الباردة يلح نيكسون أن نسأل أنفسنا ماذا نريد الإضافة إلى القوة والإزدهار القوميين، فالديمقراطية والرأسمالية هما مجرد أساليب فنية، ما لم يوظفها الذين يسعون لها نحو هدف أسمى من أجل أنفسهم ومن أجل المجتمع، ويعارض نيكسون أولئك الذين يرون الصدام الحتمي للحضارات فهو يؤكد قائلا: "عدونا اليوم في داخلنا" وما يهدد العالم فعلاً كما ذكر نيكسون لزملائه الأمريكيين هو أن بلدنا قد يكون غنيا بالبضائع ولكننا فقراء الروح فالتربية والتعليم الرديئان، والجرائم المتزايدة، والعنف المتصاعد، والانقسامات العرقية النامية، والفقر المستشري، وآفة المخدرات، والثقافة المنهارة في وسائل التسلية، والانحدار في تأدية الواجب المدني والمسئولية، وانتشار الفراغ الروحي، ساهمت جميعاً بفصل الأمريكيين وتغريبهم عن بلادهم، ويصرح نيكسون واضعاً نصب عينيه أولئك القديسين من المسلمين والمسيحيين قائلا: "إن أزمتنا في القيم في الداخل مشفوعة بفقدان سياسة منسجمة في الخارج فقد خلقت للروح ليلا مظلما".

وبعد أسطر ينتقل المحاضر الأمريكي إلى شخصية أمريكية بارزة لها دور كبير في بناء السياسة الأمريكية الحاضرة فيقول: "وهناك قائد بارز آخر يحمل نفس هذه الرسالة وهو زبينجيو بريجنسكي، والذي كان مستشار الرئيس كارتر لشئون الأمن القومي في البيت الأبيض، وقد نال نشهرته كمتنبئ بالتغير الحضاري، حيث ألف قريبا كقوة في العالم، وهو الآن يحذر أن نفس القدر قد يصيب التجربة الأمريكية الكبرى، والتي بدأت قبل قرنين من الزمان، وهذا المنظور الجديد عن العالم وعن أمريكيا وعن الإسلام قد تطرقت إليه قبل سنتين وللمرة الأولى إحدى الصحف الأمريكية الواسعة الانتشار واسمها (New Perspectives Qarterly) وفي إصدار خاص لهذه الصحيفة قدم بريجنسكي ما يسمى بـ "عقيدة بريجنسكي" والتي تؤمن بأ، المجتمع المنعم في الشهوات لا يستطيع أن يسن قانونا أخلاقيا في العالم، وأن أي حضارة لا تستطيع أن تقدم قيادة أخلاقية سوف تتلاشى". وإن المحرر لهذه الصحيفة (ناثان جارولز) قدم لهذا الإصدار الخاص بمقال افتتاحي تحت عنوان (روح النظام العالمي) يوحي فيه أن روح الإسلام قد تصبح قريباً روح القرن الواحد والعشرين، وقد تكون العلاج الوحيد للمشاكل المستعصية والتي سببتها علمانية الحضارة الغربية، وكتب قائلاً: (ربما ساعد الصدام مع الدين الإسلامي على إيجاد عصر ما بعد العلم في الغرب، والذي يفسح المجال ثانية للوجود الروحي بعد ما حذف من القائمة، وربما أدى الإنهاك بسبب السعي المجنون وراء مستقبل أجوف إلى نظرة فورية ثانية إلى قيم الإسلام في التوازن والاعتدال والتبصر". النقولات من محاضرتين حصل عليها من مجمع النور بدمشق.

هذا، وقد ألقى محاضرة أخرى في المجمع المذكور وفي نفس العام أمريكي مسلم آخر وهو الأستاذ الدكتور محمد أسعد الذي كان قبل إسلامه (مايكل بيردان)، وهو أستاذ مادة التاريخ في جامعرة أريزونا الأمريكية، وكانت محاضرته أيضاً تصف في نفس هذا المصب، ومما جاء فيها قوله: "أمريكا تحتاج إلى الإسلام، والإسلام هو الطريق الوحيد أمام أمريكا، لتخرج من مشاكلها ومتاعبها التي تواجهها في صميمها، كانعدام القيم وعدم الإيمان بالله، والإسلام كما أعتقد هو الحل لجميع مشاكل العالم أيضاً وليس لأمريكا فقط"

هذا هو الغرب وهذه حضارته في أعين أبنائه الذين خبروا حضارته وحلبوا أشطريها، لا ترونوا أبصار عقلائهم إلا إلى الإسلام لإنقاذ هذه الحضارة وأهلها من هذه الطوفان الذي جرف بالأخلاق ومحا آثار القيم، فهل يجدر مع هذا بأمة الإسلام أن تقلد الغربيين في سقطات أقوالهم وقبائح أعمالهم؟ أو أن الجدير بها أن تحرض على تتبع فضائل الإسلام والتحلي بها حتى تكون قادرة على التأثير في ذلك العالم والأخذ بزمامه إلى ما يعود بالإنسانية جمعاء إلى الخير والسلام والهداية والصلاح؟ وهل يمكن لأمة الإسلام أن تكون قادرة على التأثير إلا عندما تكون قائمة في جميع شئون حياتها على أسس إيمانها وهداها، مستبصرة بالقرآن مستمسكة بهدي النبي عليه أفضل الصلاة والسلام، مع عدم تفريطها في الوسائل والأسباب وشد العزيمة لاستدراك ما فاتها، حتى تندفع إلى مكان الصدارة والقيادة بين الأمم وهي تلوح في وسط هذا الظلام الدامس بمشاعل من نور القرآن، لتستهدي الإنسانية الحائرة وتعود إلى فطرتها الزكية؟.

ولا ريب أنها إن فعلت ذلك جسدت حقيقة الإسلام الذي يجمع بين الروح والمادة، وينسق ما بين مطالب النيا والعمل للدار الآخرة، ويبني مدينته على أساس من الفضائل ودعائم من الأخلاق حتى تبسق دوحتها، فتظل العالم بظلها الوارف فيجني منها طيبات ثمارها وينتعش بشميم من شذى نفحات أزهارها.
  #24  
قديم 25/03/2004, 07:07 PM
محب الصلاح محب الصلاح غير متواجد حالياً
مـشــــــــرف
 
تاريخ الانضمام: 01/06/2003
الإقامة: الوادي المبارك
المشاركات: 1,558
أصل كذبة إبريل:

هذا، وبينما كان اليراع يسطر هذه الكلمات وهو بين استرسال وإبطاء، وقد أرخيت عنانه حتى أتى على هذا المنعطف إذا به يصادف معلومة تكشف أصول ما يسمى بكذبة إبريل، بثتها شبكة المعلومات العالمية في الموقع المسمى (إسلام أون لاين) خلاصتها أن المسلمين عندما كانوا يحكمون الأندلس وكان بجوارهم النصارى وقد شق عليهم أن تكون للمسلمين مملكة في القارة الأوروبية وقد استعصت عليهم حصاتهم أن يفتتوها، فلم يرو سبيلا إلا أن يغزوهم بالشهوات وإتباع الهوى والتخلي عن الفضائل والأخلاق، فبدأوا بشبابهم يغزونهم بالخمر التي هي جماع الإثم ومنشأ فقدان العقل واختلال التفكير، إذ صاروا يهدون شباب المسلمين من الخمور ما كاد يجري أنهارا، فلانت إرادتهم وتشتت عزيمتهم واندفعوا وراء الشهوات يلهثون بغير روية ولا عقل، يتهالكون عليها كما يقع الفراش على لهيب النار، فلم تعد لهم هيبة في نفوس أولئك، فما كان منهم إلا أن قلبوا لهم ظهر المجن، وشنوا عليهم حروباً دامية اجتاحت معاقلهم، إذ أخذت تتهاوى في أيدي النصارى معقلا بعد آخر، وكان آخر معقل يسقط في أيديهم هو غرناطة التي اجتاحوها في أول يوم من إبريل، ولما تحقق لأولئك من هدف كان بعيد المرمى في ذلك اليوم، أخذوا يحتفلون فيه بفكاهة يلقيها بعضهم على بعض فيها تندر واستخفاف بأولئك المسلمين الذين ديست بيضتهم وسلبت كرامتهم وفقدوا عزتهم.

وقد بدأت هذه العادة عند الأسبان الكاثوليكيين ثم انتشرت في الطوائف الأخرى، وكانت تدعى أولاً (خدعة إبريل) رمزاً إلى ما خدعوا به المسلمين حتى تمكنوا من إبادتهم وإجلائهم في تلك القارة، فهل وعى هؤلاء الحمقى الذين يسارعون في ابتكار الأكاذيب في ذلك اليوم لأجل التندر والفكاهة، أنهم بذلك إنما يحتفلون بإضاعة أمجاد وهدم مملكة وتقويض عز شامخ كان أسلافهم يفاخرون به، وقد ألبسوا بعده ثوب الذل والمهانة، وصاروا عبرة في التاريخ؟ (يا أمة ضحكت من جهلها الأمم).

هذا، وما أشبه الليلة بالبارحة، فإن أمة الإسلام يخطط لها اليوم من المكائد من ورثة الأحقاد والبغضاء ممن كاد لها سابقاً ما هو أنكى وأمر، ألا ترون كيف تجرد اليوم من عزها وتذاق من كؤوس الذل أمرها وتجرع من المصائب أغصها، إذ يحاكمها خصمها بجريرة هو مرتكبها دونها، ويحاسبها على ما أباحه لنفسه وحرمه عليها، ويلبسها من التهم ما لم تكن منه في قبيل ولا دبيرن ويجرد من نفسه حاكما وشاهدا عليها، فيدينها بما لم تأته ويؤاخذها بما لم ترتكب، وهي لا تملك من الأمر شيئا إلا أن تبالغ في الخنوع وتفرط في الانقياد، وتركع وتسجد لمن لا يزيدها ركوعها وسجودها إلا تآمرا عليها وتعديا على حرماتها واستلابا لحقوقها، ومع ذلك تعقد آمال نجاحها وأماني انتعاشها ونهوضها من عثرتها على التبعية العمياء والتقليد الأرعن في الرذائل والسقطات، لتمعن في إذابة شخصيتها وإعدام هويتها، ولسان حالها يعرب عن مكنون ضميرها تجاه خصمها الألد مناديا:

وقضيت نحباً في جنابك خدمة لأكون مندوباً قضى مفروضا
  #25  
قديم 25/03/2004, 07:09 PM
محب الصلاح محب الصلاح غير متواجد حالياً
مـشــــــــرف
 
تاريخ الانضمام: 01/06/2003
الإقامة: الوادي المبارك
المشاركات: 1,558
كذبة إبريل إرهاب نفسي:


هذا، ولئن استبان لمن كان له قلب، أن ما يسمىبـ (كذبة إبريل) لا يسوغ شرعاً ولا عقلاً لمسلم أن يأتي به، لحرمة الكذب في الشرائع وقبحه في جميع الطبائع، بجانب ما فيها من إنجراف المسلم وراء عادات الآخرين – وذلك مما يسرع في دينه – فإن هنالك سببا آخر لمضاعفة وزرها وهو فحشها، وهو ما تسببه من إزعاج الناس وترويعهم بغير حق وكفى به إثما مبينا.

فقد أخرج الإمام الربيع من طريق جابر رحمهما الله إرسالاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من روع مسلما روعه الله يوم القيامة" الربيع (711)، وكم تؤدي هذه الكذبة إلى الترويع والإزعاج إلى حد أن تكون سبباً لتلف الأنفس؟ فقد يفاجأ المكذوب عليه بما يذهب بلبه عندما يقال له بأن حادثا ألم بحميمه فمات، فلربما خرج يقود مركبته بدون وعي فيمنى بصدمة تقضي على حياته، وربما زاد الأمر خطورة عندما يكون أيضاً سببا لإهلاك أصحاب المركبة التي يرتطم بها، ألا يعد ذلك كله من جرائر الكذاب الذي جنى بإفكه على هؤلاء جميعا؟ وقس على ذلك ما أشبهه.

وكفى بهذه الحادثة المذكورة في السؤال، فإن الكاذبة فسرت رؤيا أختها بما يروق لها، لتكون ممعنة في مشاركة الكذابين في ذلك اليوم، وبجانب ما استجمعته من أوزار هذه الكذبة، لم تبال أن تفتري على الله ما لم ينزل به سلطانا، إذ أقدمت على تأويل رؤيا بغير علم، بل بما تعلم أنها لا تدل عليه، مع أن القو في الرؤيا بغير علم عظيم الوزر، ولو ظن القائل أنه وافق الصواب، بل ولو وافقه فعلاً، كما يدل على ذلك ما أخرجه الربيع عن أبي عبيدة عن جابر بن زيد رحمهم الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أفتى مسألة أو فسر رؤيا بغير علم كان كمن خر من السماء إلى الأرض فصادف بئرا لا قعر لها ولو أنه أصاب الحق" الربيع (35). وذلك لأنه مما يدخل في التقول على الله بغير علم، وما هو إلا من أمر الشيطان، فإن الله تعالى يقول فيه: "إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون" سورة البقرة الآية 169، وقرنه سبحانه بالشرك في قوله: "قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأ، تقولوا على الله ما لا تعلمون" سورة الأعراف الآية 33، وإنما كان تفسير الرؤيا كالإفتاء، لأن في كل منهما اجتراء على الله سبحانه إن كان بغير علم، فإن الإفتاء إخبار بحكم الله فيما يحتاج إليه العباد حتى يكونوا على بينة من الفعل أو الترك، وتفسير الرؤيا إنباء عن أمر الله، فإن الرؤيا جزء من الوةحي كما دلت عليه الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ففي المسند الصحيح للإمام الربيع بن حبيب رحمه الله، أبو عبيدة عن جابر بن زيد، عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة" الربيع (51)، ورواه مالك والشيخان من طريق أنس أيضاً بلفظ: "الرؤيا الحسنة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة" البخاري (6983)، ورواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي بمعناه من طريق أبي هريرة، ورواه الترمذي والطبراني من طريق أبي رزين العقيلي بلفظ: "رؤيا المؤمن جزء من أربعين جزءا من النبوة" البخاري (6988)، مسلم (2263)، أبو داود(5018)، وفي رواية لأبي داود من طريقه بلفظ: "رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة" أبو داود (518)، وجاء بهذا اللفظ من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعا عند مالك والبخاري، البخاري (6989).

وفي حديث عبادة بن الصامت مرفوعا أيضاً عند الشيخين والترمذي وأبي داود، وفي رواية لمسلم من طريق ابن عمر رضي الله عنهما: "الرؤيا الصالحة جزء من سبعين جزءا من النبوة"، مسلم (2256)، الترمذي (2279)، وأخرجه ابن أبي عن ابن مسعود موقوفاً، ورواه الطبراني من وجه آخر عنه مرفوعاً، وفي رواية لمسلم من طريق أبي هريرة رضي الله عنه: "جزء من خمسة وأربعين جزءاً" ، وأخرج أحمد من طريق عبدالله بن عمرو بن العاص بلفظ: "جزء من تسعة وأربعين"، وروى الربيع رحمه الله من طريق أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا انصرف من صلاة الغداة قال: "هل رأى أحدكم منكم الله رؤيا" الربيع (50)، ويقول: "إنه ليس يبقى من بعدي من النبوة إلا الرؤيا الصالحة"، وأخرج البخاري من طريقه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لم يبق بعدي من النبوة إلا المبشرات. قالوا: وما المبشرات؟ قال: الرؤيا الصالحة" البخاري (6990)، وجاء عند مالك وأبي داود من طريقه أيضاً بلفظه عند الربيع، الربيع (50)، الموظأ (6990)، ورواه بمعناه الترمذي من حديث أنس، الترمذي (2281)

وبما أن الرؤيا جزء من الوحي كان ادعاؤها ممن لم تكن له من باب افتراء الكذب على الله، فلذلك شدد في وعيده، فقد روى الترمذي عن علي كرم الله وجهه مرفوعا: "من كذب في حلمه كُلّف يوم القيامة عقد شعيرة" الترمذي (2281)، وسكت عنه الترمذي وفي إسناده ابن لهيعة وهو ضعيف، ولكنه يعتضد بما رواه البخاري من طريق ابن عمر مرفوعاً: "من أفرى الفرى أن يرى الرجل عينيه ما لم تريا" البخاري (7043)، وما أخرجه البخاري والترمذي وأبو داود من طريق ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من تحلم بحلم لم يره كلف أن يعقد بين شعيرتين ولن يفعل" البخاري (7042)، الترمذي (2283)، ورواه البخاري أيضاً من طريق أبي هريرة.

وهذا كله يدل على قبح ما أقدمت عليه هذه الجاهلة الرعناء، التي افترت على الله الكذب بتأويل رؤيا أختها بما لا برهان لها عليه، مع ما فيه من إزعاج الرائية وإثارة الخوف البالغ في نفسها، وهي تظن أنها بذلك تحسن صنعا لما حبب إليها من تقليد الكفرة في سيء عاداتهم وسوء أعمالهم. أما أولئك الذين استباحوا هذه الكذبة لما فيها من الإبداع في النكتة والترويح عن النفوس – حسبما يرزعمون – فإن ذلك منهم لا ينبئ إلا عن داء دفين في نفوسهم ، وهو الإعجاب بالقوم الذين كفورا وما يصدر عنهم من قبائح الأعمال وسوء الأخلاق، وقد أنساهم هذا الإعجاب حكم الله عز وجل في الكذب وفي موالاة الذين كفورا الذي يتجلى في تقليدهم الأعمى ، فقد ألقوا وراء ظهورهم بكتاب الله تعالى الذي يتضمن ذلك "ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى قال ربي لما حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك أتتك أياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى" سورة طه الآية 124-126.
  #26  
قديم 25/03/2004, 07:10 PM
محب الصلاح محب الصلاح غير متواجد حالياً
مـشــــــــرف
 
تاريخ الانضمام: 01/06/2003
الإقامة: الوادي المبارك
المشاركات: 1,558
حكم استباحة كذبة إبريل:

ولست آمن على هؤلاء أن يكونوا في حكم المرتدين باستحلالهم ما ثبتت حرمته بالنص القطعي والإجماع القطعي، وقد علم أن استباحة محارم الله تعالى من غير تأويل تدفع بصاحبها إلى مهاوي الارتداد والعياذ بالله، وإنما يدرأ عنه حكم الردة إن تأول لضلاله شيئا من الأدلة الشرعية إن استمسك بظاهرة، وإن كان في حقيقته لا يدل على ما ذهب إليه من الباطل، كما تأولت الخوارج المارقة قوله تعالى فيمن استحل الميتة: "وإن أطعتموهم إنكم لمشركون" سورة الأنعام الآية 121، حيث حملوا طاعتهم لهم على أنها في أكلها مع أنها في الآية في استحلالها، فاستظهروا من ذلك ما ذهبوا إليه من الحكم على مرتكبي الكبائربأحكام المشركين، فاستباحوا دماءهم وأموالهم وأعراضهم، ولئن كان هؤلاء درئ عنهم حكم الارتداد من أجل تمسكهم بهذا الدليل وإن كان لا يدل على ما ذهبوا إليه شكلا ولا مضمونا، فليت شعري بأي دليل شرعي يستمسك من أحل(كذبة إبريل)، فأقدم عليها إقدامه على الأمر المباح شرعاً، بجانب الأدلة النصية القطعية الدالة على حرمة الكذب مطلقاً، والأدلة الأخرى الدالية على أن هذه الكذبة أشد في الحرمة بسبب ملابساتها كما ذكرنا حتى يدرأ عمن زعم ذلك حكم الارتداد، وأنه يقال بأن المتمسك بالإعجاب بمساوئ القوم الذين كرفوا كاف لأن يكون في حكم التمسك بالدليل الشرعي وإن كان بتأويل فاسد؟.

أوليس هذه الإعجاب البالغ بأعداء الحق والدين الذي استولى على مجامع قلوب هؤلاء وسيطر على مشاعرهم، حتى سد عليهم منافذ الفكر، فغدوا لا يفكرون إلا بعقول من أعجبوا بهم، ولا يقيسون إلا بمقاييسهم، هو نفسه يزيدهم عن الحق بعداً وفي الباطل ارتكاساً ويضاعف وزرهم ويعمق ضلالتهم.

هذا مع أن أصحاب هذه العادة هم بأنفسهم بدأوا يكتشفون قبحها ويحاولون التخلص منها والارتقاء بأنفسهم عن نذالتها، فقد قامت في فرنسا منذ أربع سنوات جماعة أطلقت على نفسها اسم "الفكاهيين التائبين" وعدت هذه العادة مخدراً واعتبرت أصحابها مرضى، وأنها لا تؤدي إلا إلى المصائب، فلذلك وقعت هذه الجماعة على ميثاق بأن لا تعود إليها، وكانوا في أول الأمر مائة شخص، ثم أخذوا يتكاثرون حتى وقع على هذا الميثاق في هذا العام نحو ستمائة عضو جديد، أفادت ذلك جريدة الوطن العمانية في عددها (7198) الصادر في يوم الثلاثاء 29 محرم 1424هـ 1 أبريل 2003م.


فأين أولئك الذين يسارعون إلى الفوز بالجائزة الكبرى من لغنة الله وسخطه بمباراتهم في اختراع أسوأ الأكاذيب في ذلك اليوم، أما يكفيهم عاراً وخزياً أن أئمتهم الذين ائتموا بهم هم أنفسهم بدأت عقولهم تصحو وتردهم الفطرة إلىجادة الصواب في هذه القضية ، ألا قاتل الله الجهل والحماقلة ومذلة النفس وهوانها.

من يهن يسهل الهوان عليه ما لجرح بميت إيلام

هذا ونسأل الله تعالى العفوا والعافية والسلامة في الدنيا والآخرة والتوفيق لما يحبه ويرضاه في الأقوال والأعمال. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


أحمد بن حمد الخليلي - 20 ربيع الأول 1424هـ
  #27  
قديم 26/03/2004, 09:23 AM
شبكة الحكمة شبكة الحكمة غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ الانضمام: 09/02/2004
الإقامة: سلطنة عمان
المشاركات: 99
Thumbs up

شكرا أخي العزيز (محب الصلاح) على نقل الرسالة بالسبلة ، وجزاك الله خيرا

واعذرني لأني لم أدخل السبلة منذ فترة ،، فبارك الله فيك. وكذلك على تثبيت الموضوع.
  #28  
قديم 26/03/2004, 10:51 AM
البدر المنير البدر المنير غير متواجد حالياً
البدر المنير
 
تاريخ الانضمام: 20/11/2002
الإقامة: الباطنة ومسقط ارض المهجر
المشاركات: 5,813
حتى رسائل التحذير من كذبة ابريل لابد ان يكتب عنها الشيخ ولا يمكن لاصحاب "الدكتوراه" و "الماجستير" ان يريحوا الشيخ ويكفوه عناء هذه المسائل الصغيرة والمؤلفات البسيطة التي لا تأخذ وقتا طويلا لتوفر المادة العلمية ولعدم الحاجة الى الاجتهاد للحكم عليها لوضوح أمرها.

يارب احفظ هذا المجاهد (بعلمه بوقته بصحته بماله بشخوخته)
  #29  
قديم 29/03/2004, 10:30 PM
daddi daddi غير متواجد حالياً
عضو متميز
 
تاريخ الانضمام: 05/04/2000
الإقامة: ALGERIE
المشاركات: 1,939
السلام عليكم

أسأل فضيلة الشيخ الخليلي حفظه الله، و أسألكم جميعا، كيف نسمي الذين كذبوا و الذين هم يكذبون إلى اليوم، على الله و رسوله، منذ أربعة عشر قرنا؟
فغير المسلمين يكذبون يوما واحدا في السنة، من باب الدعابة لا غير، و اتفقوا على ذلك اليوم فهم لا يضرون بذلك عقيدتهم و لا يكفرون و لا يقتلون من خالفهم الرأي أو المنهج، أما كذب المسلمين فله صلة مباشرة بالشريعة و يستند على كثير من الكذبة و الوضاعين و المدلسين و الملقنين وما إلى ذلك من أنواع الأوصاف، فكيف نسمي هذا الكذب؟
  #30  
قديم 30/03/2004, 10:58 AM
المحدث المحدث غير متواجد حالياً
خــــــاطر
 
تاريخ الانضمام: 26/08/2002
الإقامة: -
المشاركات: 24
نعم اسألوه عن الذي يريد أن ينقل أشهر الحج إلى شهور أخرى!!
نعم واسألوه عن الذي لا يفهم من الدين سوى الروايات الآحادية ويجهل السنن المتواترة العملية .
والذي يرشح وبدرجة كبيرة للاجتهاد في صوم رمضان في الشتاء إذا جاء في الحر الشديد، إنها العجائب!!
  #31  
قديم 31/03/2004, 05:10 PM
فتاة الاستقامة فتاة الاستقامة غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ الانضمام: 11/10/2001
الإقامة: بلد الاستقامة
المشاركات: 389
شكرا لكم وجزيتم خير الجزاء
  #32  
قديم 04/04/2004, 11:38 AM
الضوء الساطع الضوء الساطع غير متواجد حالياً
عضو متميز
 
تاريخ الانضمام: 02/07/2000
الإقامة: بلدة عربية
المشاركات: 1,743
testing
 

أدوات الموضوع البحث في الموضوع
البحث في الموضوع:

بحث متقدم
تقييم هذا الموضوع
تقييم هذا الموضوع:

قواعد المشاركة
ليس بإمكانك إضافة مواضيع جديدة
ليس بإمكانك إضافة ردود
ليس بإمكانك رفع مرفقات
ليس بإمكانك تحرير مشاركاتك

رموز الصور لا تعمل
رموز لغة HTML لا تعمل

الانتقال إلى


جميع الأوقات بتوقيت مسقط. الساعة الآن 04:58 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions Inc.
سبلة العرب :: السنة 25، اليوم 127
لا تتحمل إدارة سبلة العرب أي مسئولية حول المواضيع المنشورة لأنها تعبر عن رأي كاتبها.