سبلة العرب
سبلة عُمان الصحيفة الإلكترونية الأسئلة الشائعة التقويم البحث مواضيع اليوم جعل المنتديات كمقروءة

العودة   سبلة العرب > سبلة الثقافة والفكر

ملاحظات

 
 
أدوات الموضوع البحث في الموضوع تقييم الموضوع
  #1  
قديم 14/08/2005, 11:29 PM
صورة عضوية عبدالناصر20
عبدالناصر20 عبدالناصر20 غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 24/02/2004
المشاركات: 2,008
تاريخ عمان رحلة في شبه الجزيرة العربية ..... لجيمس ريموند ولستد

المصدر:
تاريخ عمان رحلة في شبه الجزيرة العربية
الكاتب : جيمس ريموند ولستد
ترجمة : أ . د . عبدالعزيز عبد الغني إبراهيم
الناشر : دار الساقي / بيروت / لبنان
الطبعة الأولى 2002 م
بتصرف



ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــ

:كتاب تاريخ عمان رحلة في شبه الجزيرة العربية يتحدث عن زيارة الكاتب جيمس ريموند ولستد الى عمان بداية من عام 1835م في عهد السيد سعيد بن سلطان وقد جاءت هذه الزيارة بعد سلسلة من الأحداث شهدتها المنطقة من ضمنها ضرب المقاومة العربية في الخليج وفرض الإتفاقية العامة للسلام بين شيوخ ساحل الخليج وإنشاء قاعدة بريطانية في احدى جزر الخليج
كما قامت بريطانيا بتقصي الحقائق في الخليج ظاهره وباطنه وقضت الخطة الموضوعة بمعرفة كافة الظواهر والمؤثرات الطبيعية في الخليج وعلى سواحله أما المعرفة الباطنة فقد اقتضى تطبيقها الغوص في انسان الخليج لإستكشاف دواخله والعمل على ضبطه للتوافق مع أهدافهم وفق ثقافته ومعطيات بيئته ويقتضي هذا الأمر دراسة أحوال السكان وتحليلها بشكل شامل كامل ، أصولهم ، ومعتقداتهم وثقلفتهم وروابطهم الإجتماعية وأنماط الحكم والسيادة فيهم وشخصيات حكامهم وإمكانات أراضيهم ، وزرعها وثمارها ، وحيواناتها ، وحشراتها وهوامها وضواريها ووحوشها بالإضافة إلى كل مايتصل بالطبوغرافية والإيكلوجية في الظهير الصحراوي في ما وراء تلك السواحل .
ومن هذا المنطلق عمل كاتبنا جيمس ريموند ولستد في حملات مسحية ضمن فريق من زملائه على الفرقاطة بالينورس التي كان يقودها هنيس والتي أنجزت مهامها في المرحلة الأولى بإجراء مسح دقيق لسواحل البحر الأحمر ، كما تمكنت في المرحلة الثانية من القيام بمسح السواحل الجنوبية لشبه الجزيرة العربية حتى منطقة رأس الحد ، كما شملت تلك الإستكشافات جزيرة سقطرة .
لم تشبع البحوث الكشفية والمسوحات نهم ولستد الذي يبدو أنه كان متعطشا للمعرفة الإنسانية متطلعا للتعامل مع البحوث الإنسانية أكثر من البحوث الطبوغرافية والهيدرولجية وراح يفكر في طريقة أخرى تأخذه من مسح السواحل الى مسح الدواخل . فاختار أن يذهب الى عمان وتمكن من أن يقنع حكومته بذلك .
وعلى الرغم من أن استكشاف عمان الداخلية لم يكن من الأجندة العاجلة لتلك الحكومة إلا أنها اقتنعت بإرساله في تلك المهمة لتعرف منه مدى إمتداد سلطة حليفها سلطان عمان في داخل البلاد ، وعمق علاقاته مع القبائل في الداخل .
وفي الحقيقة فإن ولستد ماكان قانعا بتلك المهمة السطحية إنما عمد إلى الغوص في داخل الثقافة العمانية ، وإستكشاف تراث الشعب العماني ، وإستقراء تاريخه ولا يؤكد هذا القول ماتركه لنا هذا الرحالة المتطلع من معلومات فحسب بل يؤكده قولا في مقدمة كتابه حين يتحدث عما قام به في عمان ، فلا يسميه مسحا أو استطلاعا بل يقول ، نصا ، إنها أبحاث في أجزاء من شبه الجزيرة العربية غير مسبوق اليها البتة ، ولا معروفة لدى الرأي العام الأوروبي الذي لاتزيد معرفته عن تلك النواحي عن معرفة سطحية لاتخرج في النهاية عن كونها ترهات وتخرصات تفتقر الى الدقة والموضوعية ، ويتجلى نبوغ ولستد ليكشف بلادة رؤسائه وزمائه من المساحين ، ومادية أهداف حكومته حين يقول إنه يأمل في أن تثير هذه الأبحاث اهتمام الفلاسفة ورجال العلم والآخرين الذين يعملون في الدراسات البيئية ، بالإضافة الى الى العاملين في المجالات الجغرافية . وسكت الرجل ولم يذكر السبب الذي حدا بحكومته لإرساله الى عمان ، فلاريب اذا اختلفت معه تلك الحكومة ، ولم تعمل على مساندة مهمته التي أخذ يضيق بها ذرعا .
بدأ ولستد مهمته من ميناء مسقط في 25 تشرين الثاني / نوفمبر 1835 م وقصد إلى صور على الساحل ثم إتخذ منها إلى الصحراء طريقا جنوبيا غربيا عبر وادي فليج ليصل إلى ديار البني بو علي ، أولئك القوم الذين مزقوا قبلئذ فرقة تابعة للهند البريطانية تمزيقا حتى لم يبقى منها إلا قلة راحت تحكي مأساة أشلاء زملائها الراقدة فوق ثرى تلك الأرض . وعلى الرغم من أن الهند البريطانية أرسلت بعدئذ حملة ثأر لتنتقم للحملة الأولى ، ولتحافظ على هيبتها في تلك الأرجاء ، وبالرغم مما أرتكبته تلك الحملة من فضائع ، إلا أن ولستد لم يلق من هذه القبيلة حين وفد ديارها إلا الإكرام . ولعل هذا اللقاء الذي سما فوق الضغائن والأحقاد كان مفتاح الشخصية العربية الذي شجع ولستد على المضي قدما في العمل علىإستكشاف الصحراء وإنسانها .

( يتبع )
  مادة إعلانية
  #2  
قديم 15/08/2005, 07:25 PM
صورة عضوية عبدالناصر20
عبدالناصر20 عبدالناصر20 غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 24/02/2004
المشاركات: 2,008
توجه ولستد من هناك في إتجاه الجنوب الغربي عبر الصحراء عابرا الأودية الجافة متخذا طريقه بين الكثبان الرملية ، ثم انقلب راجعا بعدئذ سالكا في عودته إتجاهاً شمالياً شرقياً . ووصف ولستد في هذا الجزء من رحلته تلك الأراضي التي لا تحمل تضاريسها أية علامات مميزة ، كما حكى عن حياة البدو والبادية في تلك الأرجاء ، ولم يهمل التحدث عن حياة صائدي الأسماك على السواحل .
يمم ولستد بعدئذ عبر وادي بيثة الى الشمال ، وجاب عدداً من المستوطنات والواحات حتى وصل إلى بدية ، تلك الواحة الخصبة العامرة بالأشجار التي تحتضن المسافر فجأة دون مقدمات ، لتقيه وهج الصحراء وقيظ رمالها . ورحل ولستد من بدية الى إبرى ( إبرا ) ثم سار مع إمتداد وادي بيثة حتى بلغ سمد التي كانت عليها حامية من رجال الإمام ، وتركها بعدئذ إلى منح .
ويصف ولستد مشاهداته في طريقه الى نزوى أكثر الواحات حينئذ سكاناً . وواصل بعدئذ طريقه إلى الجبل الأخضر بأوديته السحيقة ذات المياه التي تفيض منحدرة في موسم الأمطار ، ومنازله المعلقة على الصخور ، ولكنه غمط الجبل الأخضر إسمه ، فهو في تقديره ، غير جدير بحمل صفة الأخضر ، فما هو إلا مجموعة متكلسة من صخور جيرية جافة .
ومالبث ولستد أن عاد إلى نزوى ، مرة أخرى فوصلها في 31 كانون الأول / ديسمبر / 1835 م وإتخذها قاعدة للقيام برحلات برية قصيرة لدراسة أحوال السكان في المنطقة وطبائعهم ، ولكنه سقط صريع حمى نالت منه وأوهنت جسده . وماإن أحس الرجل بدماء العافية تسري فيه مرة أخرى حتى حزم أمره ليسير برفقة خدمه المرضى الى السيب على الساحل والبقاء فيها للإستشفاء ، ولقي ولستد هنا من كرم إمام مسقط ماجعله يتعافى جسديا ونفسيا بسرعة فائقة .
عزم ولستد أن يسير من السيب إلى عمان الشمالية ليبلغ الدرعية من هناك ، فلم يشجعه الإمام على ذلك ، وحذره من خطر الوهابيين في تلك المناطق ، كما حذره أيضا من مشكلات أخرى بين قبائل عبري في طريقه الى الداخل . ولكن الرجل صمم على تحقيق مأربه ولم يتراجع وتقدم غير وجل ولا هياب مع الساحل الى السويق . ودلف ولستد من السويق إلى الداخل في 4 أذار / مارس / 1836 م عبر وادي الحواسنة فوصل إلى مقنيات في الحادي عشر من الشهر ذاته . وقطع في هذه الرحلة عدد من السهول الرملية الجافة أفضت به إلى عبري ، وهناك قابل جماعة الوهابيين بأسرع مما كان يتوقع . وخرج ولستد من عبري التي لم يتعاون معه حاكمها خوفا من الوهابيين أو إسترضاءًً لهم ، يشيعه وركبه زعيق العامة الذين حصبوه ببعض الحجارة وإتخذ ذلك الركب طريقه إلى السويق مرة أخرى .
ومن السويق اتخذ ولستد طريقا أخرى أفضت به إلى شيناص ( شناص ) على أمل أن يسير منها إلى البريمي حيث يمكن أن يجد هناك قافلة تأخذه في ركابها إلى الدرعية .
وأرسل ولستد من هناك خطاباً إلى القائد الوهابي في البريمي يبلغه عن عزمه زيارة الدرعية ، وظل في إنتظارالرد وهو يتفحص شبه جزيرة مسندم . وكتب ولستد في هذه الفترة عن الشحوح ، ولم يساوره شك في أنهم عرب كما تدل سحناتهم ، ورأى في إختلاف اللسان لهجات عربية ليس إلا . ولما لم يتلق ردا من القائد في البريمي إضطر أن يعود أدراجه إلى الهند .
رجع ولستد إلى حكومته بفيض من المعلومات الجديدة المفيدة ولكنها لم تكن المعلومات المطلوبة للعسكريين ولا لأمن الهند ، فاتهموا الرجل حينها بأنه يأكل أكثر مما يستطيع هضمه . وكان ولستد قد لقي اتهاما آخر قبل ذلك من الكابتن هيس حين ادعى عليه بأنه يعتدي على حقوق الآخرين ، وينسب إلى نفسه ماليس له .
وعاد ولستد إلى عمان ونفسه تتقطع حسرات مما ألم بها من ظلم وجحود ونزل في مسقط وهو يكاد يفقد الوعي جراء حمى نزلت به فتناول مسدسه ذا الماسورتين ، وصوب على فمه ، وأطلق الرصاص على نفسه لينتحر . وكان له ماأراد إلا أن القدر أمهله ثلاث سنوات أخرى ليضع النقاط على الحروف في أبحاثه التي ننشر جانبا منها . وكان ولستد يعاني طوال هذه المدة جراء الطلق الناري ، ففاضت روحه ولم يكن عمره قد تعدى الثماني والثلاثين عاما بعد .

أ . د عبدالعزيز عبد الغني
المرجب ــ العين ـــ الإمارات العربية المتحدة
1/ 9 / 2001 م


( يتبع )

آخر تحرير بواسطة عبدالناصر20 : 23/08/2005 الساعة 02:54 PM
  #3  
قديم 16/08/2005, 03:11 PM
صورة عضوية عبدالناصر20
عبدالناصر20 عبدالناصر20 غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 24/02/2004
المشاركات: 2,008
الفصل الأول : مسقط



وحين رجعت إلى بومباي وجدت نفسي تتوق هذه المرة إلى أن أجوب عمان. ومرة أخرى كانت العوائق تقف سداً دون تحقيق هذا الهدف ، فهناك الصعوبة المتمثلة في جوها الوخيم ، وهناك أيضاً الإعتقاد السائد بأن أهل عمان عدائيون .
وعلى ذلك ظلت عمان ، أرضهاوأهلها ، غير معروفة لدينا إذ لم يعبرها حتى الآن أية رحالة أوروبي .
أزمعتُ الرحيل إلى عمان وتنفيذ هذا المشروع يحدوني الأمل في أن يقدم لي حاكمها ، ذلك الرجل المستنير ، كل مساعدة يستطيعها لتمكيني من إنجاز هذه المهمة . فالعلاقات السياسية التي تربط بينه وبين حكومتنا ذات طبيعة مميزة لا يساورني معها شك في أنه لن يألو جهداً في تقديم كل مساعدة ممكنة .
حصلت على الإذن اللازم من الحكومة للقيام بالرحلة . وتأخرت بعدئذ لبضعة أيام ريثما أحصل على الخطابات ، وأعد الهدايا اللازمة .
جاءت صورة الخطاب على النحو التالي :

الوحدة الفارسية رقم 17 لعام 1835 .
تشهد هذه الوحدة بأن الليوتنانت ولستد يعد للقيام برحلة يجوب خلالها مناطق متعددة من شبه الجزيرةالعربية وذلك بموافقة المعظم المكرم حاكم بومباي في مجلسه . وعلى كل من يرغب في المحافظة على صداقة الحكومة البريطانية أن يقدم له كل الرعاية ، وأن يحسن معاملته .
صدر هذا بأمر المعظم المكرم حاكم بومباي في مجلسه .
أمين الحكومة ــ قلعة بومباي في 7 تشرين الثاني / نوفمبر / 1835 م

بدأت الرحلة في 9 تشرين الثاني / نوفمبر حين يممت صوب مسقط على ظهر المركب سابريني ووصلنا مسقط في 21 منه بعد رحلة ممتعة على متن ذلك المركب الصغير .
وحين وصل مركبنا الى ذلك الخليج الصغير وإستقر على ساحله لم أبت إلا هنيهة حتى وطأت قدماي الساحل وتوجهت فوراً من ثمة لزيارة الإمام . وهناك وجدت الديوان يغص بالزوار فرأيت أن أطلب إلى الإمام أن يتيح لي لقاء خاصاً به في اليوم التالي ، وأجبت لرغبتي دونما تردد .
وفي اليوم التالي أي في 22 تشرين الثاني / نوفمبر ، عدت لزيارة سمو الإمام ولم يكن في حضرته الا ابنه . قدمت إليه الهدايا وتحدثت إليه بما قل ودل لتوضيح الهدف من رحلتي المزمعة . وقد كنت واثقا سلفا من أني لن أجد من سموه إلا مايروقني لما عرفته عن شخصية السيد سعيد المتحررة المتسامحة . ومع ذلك فقد دهشت جداً للشغف الذي أبداه سموه ، وللحماسة المنقطعة النظير لتمكيني مما أصبو إليه. أفادني سموه بأنه يسعد لمثل هذه المناسبات ، فهي فرصة يهتبلها لتحقيق رغبات الحكومة البريطانية وإظهار مودته لها . وأردف سموه في صدق غير مشوب قائلاً : إن كلماتي هذه لاتنطلق من اللسان ولكنها تنبع من القلب .
قضينا وقتا ليس بالقصير ونحن نناقش الأمور المتعلقة بالرحلة المزمعة ، وقد أفدت من معرفة سموه الكاملة بالمناطق التي سأزورها . وجرى الإتفاق بيننا بأن أبدأ هذه الرحلة بزيارة إلى صور التي سأركب إليها البحر ، ثم أيمم بعد ذلك من هناك الى بلاد البني بوعلي ، وأنطلق بعدئذ على طول الطريق المحاذي للساحل حتى قبالة الجبل الأخضر . ومن الجبل الأخضر تلك المنطقة التي توصف بأنها عالية ، كثيرة الثمار ، ومأهولة بالسكان ، يمكن أن أخلص إلى الأجزاء المتبقية من عمان ، حتى إذا فرغت منها توجهت ، من ثمت الى الدرعية عاصمة الوهابيين ، ذلك إذا كانت الطريق سالكة . وناقشت سموه بعدئذ في بعض المتعلقات الصغيرة التي تم ترتيب أمرها ، وإستأذنت سموه شاكراً له صنائعه . وخرجت من عنده تكللني تباشير النجاح المأمول الذي هلت طلائعه .
وفي الصباح التالي ، يوم 23 تشرين الثاني / نوفمبر ، أرسل لي سموه حصاناً نجدياً جميلاً لعينني على الطريق ، كما أرسل لي أيضاً شداداً لكلاب الصيد ، وأتحفني كذلك بسيف طعم بالذهب . وتلقيت إشعاراً من سموه أيضاً بأنه سيتكفل بتسديد نفقات هذه الرحلة ، فقد وجه من جانبه بأن تحمل إلي أطيب منتوجات أرض عمان مادمت على تلك الأرض ، كما وعد سموه بأن يتكفل بإيجار الإبل والأدلاء ، هذا بالإضافة إلى أنه كما علمت قد فرغ من تحرير الكتب إلى شيوخ المناطق التي أزمع المرور بها يوجههم بإحاطتي بكل الإهتمام الممكن .
يبلغ السيد سعيد الثانية والخمسين من العمر . وهو فارع الطول ذو وجه وضاح معبر. ويمتاز السيد سعيد بأنفة وعزة ، ويتميز سلوكه بروح المجاملة ، وتتسم عاداته بالبساطة المستمدة من محتده البدوي . يتزي السيد بالملابس نفسها التي يرتديها أفراد شعبه وإن إمتاز عنهم في هذا الصدد بنوع القماش ، كما أنه لايتحلى بالجواهر . ويتخذ السيد حرساً تراهم يحيطون به دائما ولكنه لايقصد أن يكون في ذلك مظهرا من مظاهر الأبهة . أما في حياته الخاصة فهو صادق المشاعر ، وقد لاحظ العرب أنه يزور والدته ـ التي لم تزل على قيد الحياة ـ كل يوم يتحسس رغباتها ، ويستجيب لما تريده .

( يتبع
)

آخر تحرير بواسطة عبدالناصر20 : 16/08/2005 الساعة 03:40 PM
  #4  
قديم 16/08/2005, 08:22 PM
صورة عضوية الحزين
الحزين الحزين غير متواجد حالياً
مـشــــــــرف
 
تاريخ الانضمام: 10/12/1999
الإقامة: عمان
المشاركات: 1,407
نحن متابعون معك بشغف ....
  #5  
قديم 17/08/2005, 09:50 PM
صورة عضوية عبدالناصر20
عبدالناصر20 عبدالناصر20 غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 24/02/2004
المشاركات: 2,008
اقتباس:
أرسل أصلا بواسطة الحزين
نحن متابعون معك بشغف ....
شكراً لك أخي الحزين على التشجيع وأرجو أن تعذرني أنت والأخوة القراء
لإنشغالي هذه الأيام وسأكمل بعد فترة إن شاء الله .
  #6  
قديم 17/08/2005, 09:55 PM
صورة عضوية الحزين
الحزين الحزين غير متواجد حالياً
مـشــــــــرف
 
تاريخ الانضمام: 10/12/1999
الإقامة: عمان
المشاركات: 1,407
لا بأس، و لكن لا تنسى بأننا ننتظر !
  #7  
قديم 23/08/2005, 02:34 PM
صورة عضوية عبدالناصر20
عبدالناصر20 عبدالناصر20 غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 24/02/2004
المشاركات: 2,008
لنترك في هذا الحيز التفاصيل المتعلقة بالحكومة وشؤون الحكم ، والتي تنطبق بصورة عامة على حكومات العدد الأوفر من مدن عمان ، لنعالجها في حيز آخر في هذا السفر من أجل أن نفرغ هنا لوصف مسقط .
دون نيبور وهملتون وغيرهما في بعض ماسطروه ، بعض ملاحظات عابرة عن مسقط في فترات غابرة لاتكاد تصور هذه المدينة في هذه الفترة إلا بقدر يسير . فقد مست يد التغيير أحوال هذه المدينة وبدلت في تجارتها وذلك بفضل حاكمها الحالي وسأسرد بالتفصيل هنا ملاحظاتي الخاصة وإستنتاجاتي التي خلصت إليها .
كان الجغرافيون القدامى ، في مايبدو ، يعرفون مسقط ويدركون كفاءة موقعا . يذكرها الإدريسي ويسميها مسكة . وربما كانت مسقط هي موشكة ، الميناء الحضرمي الذي ذكره بطليموس ، وكذلك الذي جاء ذكره عند أريان في دليل الملاحة في البحر الأحمر ، والذي قال عنه إنه موئل تجارة منطقة كبيرة تفد إليه المتاجر المتبادلة بين الهند وفارس والجزيرة العربية .
تقوم مسقط عند أقصى بقعة من خليج صغير ناتيء عن منخنق عميق ذي إمتداد شاسع يأخذ في
الإ تساع التدريجي عند المدخل ويزداد إتساعه شيئاً فشيئاً ، وهو يقارب المنطقة الداخلية . وتحيط بهذا الخليج الصغير ، وترتفع على كلا جانبيه ، تلال يتراوح إرتفاعها بين الثلاثمائة الى الخمسمائة قدم فوق مستوى البحر ، تقف فوقها قلاع يمكن أن نصفها ــ بعد أن نأخذ في إعتبارنا أنها قلاع مدينة عربية ـــ بأنها قد صينت بشكل جيد . وتقع أكبر هذه القلاع وأميزها في أقصى المنطقة الداخلية من ذلك الخليج الصغير أما القلعة التي تقع على الجانب الغربي للخليج فهي تلك التي تحتجز الدولة فيها الأشخاص الذين يقضون أحكاما بالسجن .
تتحكم في مدخل هذا الخليج بطاريتان كل منهما في شكل هلال ، وقد ثبتت المدافع هنا بطريقة جيدة ، ويقف خلفها حراس في حالة تأهب دائم . وإذا أجاد الجند استخدام هذين الموقعين اللذين لايفصلهما عن بعض سوى نصف ميل ، فإن أي هجوم في وضح النهار على المدينة سيكون من الأمور الصعبة تماما .
منظر مسقط بقلاعها وتلالها المتشابكة منظر غير مسبوق ويمكن القول إنه رومانسي خلاب يأسر ألباب الوافدين الى البلدة بحراً . وعلى الرغم من أنه لاتوجد هنا أية أشجار ، أو شجيرات ، أو حتى أي أثر للنبات ، إلا أن منظر هذه البلدة بسطوح منازلها البيضاء وبروجها المتناثرة حين تختلط مع السواد الفاحم الذي تتشح به كل الغرابيب السوداء المحيطة بالبلدة ، يهدي للعين تناسقا فريدا .
وفي الحقيقة ، فإن مسقط تبدو للناظر إليها من بعيد مثلها مثل كافة المدن الشرقية الأخرى . فأول ماتقع عليه العين قباب المساجد بمآذنها العالية ، والسقوف المسطحة للمنازل ، والمظاهر النمطية الأخرى التي تميز مثل هذه المدن . ولكن ما إن يرسو المركب بالمسافر إلى مسقط حتى تتكشف الحقائق أمام العيان ، وتبدد الأوهام . نرى في مسقط الشوارع الضيقة وهي تعج بمن فيها من خلق ، وتكتظ بما فيها من بازارات ( أسواق ) . ويكثر في هذه الأسواق القذرة الحمالون الذين نراهم ينوؤن تحت طرود التمر وأكياس الحبوب وما إلى ذلك من السلع والبضائع .
وتختلط في المكان الأكواخ البسيطة والمنازل الحقيرة التي يجلس أصحابها أمامها على دكك صغيرة يتقون وهج الهجير بقطع من نسيج الكتان مثبتة أعلى تلك المجالس. كما نجد هنا بعض المنازل البالية التي أرهقت قبضت الزمن كاهلها ، ولكنها ظلت برغم البلى مأهولة بالسكان . هناك بعض منازل كبيرة وأنيقة في هذه المدينة ، كما يوجد بالمدينة أيضاً قصر الإمام ، وقصر والدته ، وقصور بعض أقرباء الأمراء السابقين ، وعدد كبير من منازل أخرى لأصحاب الوجاهة .
ونجد أن الأنماط المعمارية لهذه المباني تختلف تماماً عما نراه عادة من أنماط المباني من مدن اليمن والحجاز ، كما أنها تختلف اختلافا كبيرا عن الأنماط الملحوظة في المعمار الفارسي .
تقوم مسقط على منحدر من الأرض عند البحر الذي تغسل مياهه أقدام المنازل التي تقف قبالته ، ثم يأخذ هذا الإنحدار في الإرتفاع التدريجي كلما إتجهنا صوب الداخل . وإذا كانت المنازل الصامدة قرب البحر تفتقر إلى وسائل الدفاع ، فإن المنازل التي تعلوها إلى الداخل تتحصن داخل سور يبلغ إرتفاعه أربعة عشر قدما يحيط به خندق جاف . ولهذا السور بوابتان تغلقان كل مساء عندما تأخذ الشمس في الأفول وتنحدر للمغيب .

(يتبع )

آخر تحرير بواسطة عبدالناصر20 : 23/08/2005 الساعة 02:43 PM
  #8  
قديم 24/08/2005, 02:01 PM
صورة عضوية عبدالناصر20
عبدالناصر20 عبدالناصر20 غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 24/02/2004
المشاركات: 2,008
الفصل الثاني : سكان مسقط


على الرغم من أن ظاهر مسقط لاينبيء عن خير كثير ، ولايبشر بعطاء وفير ، إلا أن البلدة في حقيقة الأمر ، تبز الكثير من البلاد الأخرى التي لايمكن أن تحصل فيها على المؤن بمثل ما تجد هنا من وفرة غير مقطوعة ، وبجودة في الصنف غير منازعة . توجد هنا مختلف أنواع اللحوم من البقر إلى الضأن فالدواجن . أما الأسماك وما يستتبعها فكل أصنافها جيدة ، ولاريب في أن هذا الخليج يحوي من الأسماك أشكالا وألواناً . أما الفاكهة فهي متوفرة في مسقط في كل الفصول .
تشرب مسقط من بئر عميقة شيدت عندها قلعة تؤوي عدداً من جند الحراسة يذبون عنها في حالات الهجوم على البلدة ، ويؤمنون سكانها من خطر العطش . وقد تم مؤخراً حفر فلج عند هذه البئر تصل مياهه إلى المدينة . وطعم الماء هنا عادي .
سكان مسقط هجين ، فمنهم سلالة العرب الذين اختلطوا بالفرس وبالهنود ، كما اختلطوا بالسوريين الذين وفدوا إلى مسقط عن طريق بغداد والبصرة ، واختلطوا أيضا بالأكراد والأفغان والبلوش وعناصر أخرى استهواها تسامح الحكومة وطاب لها العيش فأقامت في هذه المنطقة بمنأى عن الطغيان الذي تمارسه الحكومات المجاورة . إن التسامح في مسقط قديم ممتد الجذور وليس بمستحدث . فقبل ميلاد الرسول محمد ( صلى الله عليه وسلم ) بقرنين لجأت إلى هذا المكان قبيلة قوية كانت تسكن السواحل المقابلة للخليج . أما في وقتنا الراهن فقد إستقبل الإمام بكثير من الترحيب جماعة من اليهود الذين لجاوا في عام 1828م إلى مسقط فراراً من تعدي داؤود باشا وطغيانه .
يسكن بعض الأفغان في مسقط ، ولا تروعك عنا كثرة أعدادهم فأكثريتهم غير مقيمة ، حيث تتراوح بين فئتين : غادين أو قادمين من مكة المكرمة . ولا يدخل الأفغان إلا نادراً في عمليات تجارية هنا ، كما أنهم لا يختلطون بالعناصر الأخرى أما البلوش، فهم على النقيض من ذلك يخالطون الجميع ويختلطون بهم . وعلى الرغم من ميل البلوش إلى الإقتصاد في المعيشة ، وعلى الرغم من أنهم غير مبذرين ، إلا أنهم ـ بصفة عامة غارقون في الفقر . يعمل عدد منهم في حرس الإمام ، كما يعمل بعضهم كحمالين ، ويشتغل عدد قليل منهم جنوداً مرتزقة على بعض البغلات والمركبات البحرية ، وقد اكتسبوا في هذا المجال سمعة حميدة وذلك لنشاطهم الجم ، ولما يتمتعون به من روح مرحة ( خفة دم ) . والجدير بالذكر أن بنيات أجساد هؤلاء البلوش القوية تتناسب والمهن التي يشتغلون بها .
وإذا كان الزواج لايتم بين عرب عمان والفرس إلا نادراً لإختلاف المذاهب ، فإننا نجد أن هؤلاء العرب أقل تسامحاً في هذا الأمر حين يتعلق الأمر بالبلوش الذين تمكن عدد كبير منهم من الزواج بفتيات عربيات ، واستقروا من ثمة استقرارا دائما ، كما استقر في هذه المنطقة أيضاً العديد من الإماء البلوشيات اللائي جلبن إلى مسقط ثم أصبحن أمهات أولاد .
يعمل الفرس في مسقط غالباً بالتجارة في السلع التي تفد من الهند ، وبتجارة البن وماء الورد ، كما يعمل بعض الفرس الوافدين من بندر عباس ولار ومنون في صناعة السيوف ، وكذلك في صناعة البنادق ذات الفتيل التي تجد في عمان الداخلية رواجا كبيراً . وللفرس في مسقط قاض خاص بهم ، فحين يرتكب الفارسي جريمة مدنية كانت أم جنائية ، يحال إلى القاضي الخاص بقضايا الفرس ليقرر في شأنه ، ويتم تبرئة ساحة الفارسي أو تنفيذ العقوبة فيه بحسب مايحكم به ذلك القاضي .
نعود إلى القول أن سكان مسقط هجين تختلط فيهم العناصر بعضها ببعض .
فالإماء اللائي يجلبن من زنجبار والحبشة وكذلك العبيد ، يحدثون بالزواج أثراً بارزاً في أشكال القوم وسحناتهم . هذا بالطبع مع وجود فئة من علية القوم حافظوا على نقاء سلالتهم العربية ، ولايزالون حتى الآن محتفظين بالسمات المميزة لعنصرهم ، وتعكس سحناتهم الصحية لوناً أسمراً فاتحاً . وتتمتع هذه الجماعة من أهل مسقط بحيوية ولاتعاني الحميات إلا نادراً برغم أن مناخ مسقط وبيل والحميات فيها قاتلة ، خاصة بالنسبة إلى الأجانب . وحري بنا أن نذكر هنا هذا وقد وقعت جراء هذا الطقس الوخيم العديد من الحوادث المؤسفة على متون سفننا التي كانت تجد نفسها مضطرة إلى مغادرة هذه المنطقة في غضون أيام قلائل .
تتميز الطبقات الدنيا من أهل مسقط بأجسام أقرب إلى السمنة منها إلى النحافة ، وبأطراف بارزة العضلات . وتبدو أشكال بعضهم مثالاً للقوة وكمال الأجسام . ولن أتطرق هنا إلى الإختلافات الطفيفة في عادات العرب الذين يسكنون المدن الساحلية ، ولن أستجلي ميولهم الشخصية ولا سلوكهم وأخلاقهم ، وأكتفي بأن أتناول هنا نوعين من الأجانب الذين يسكنون مسقط وهما البانيان واليهود .
أما بالنسبة إلى البانيان فعددهم في مسقط كثير ، وقد قدرت أعداد نفوسهم فيها ـ فترة وجودي في مسقط ـ بألف وخمسمائة ، ولاتزال أعدادهم في تزايد مستمر نتيجة للتسامح الذي يجدونه من حكومة السيد سعيد . ولانجد مثل هذا العدد من البانيان في أي مدينة أخرى من مدن الجزيرة العربية
للبانيان في مسقط معبد صغير يحتفظون فيه بعدد من الأبقار التي يحسنون رعايتها ، كما يسمح لهم أيضاً بحرق موتاهم ، وبممارسة كافة طقوس عبادتهم بحرية لايحدها أي تدخل في أي شأن من شؤونهم الدينية . ولايجبر البانيان هنا على إرتداء تلك الملابس المميزة التي تحمل معنى التفرقة والتي يجبرون على إرتدائها في مدن اليمن ، فهم في مسقط يتمتعون بكافة المزايا التي يتمتع بها المسلمون من رعايا السيد سعيد . ومع ذلك يضل هناك فارق صغير وهو أنه إذا حدث أن ارتكب أحد هؤلاء البانيان جريمة قتل عرب فيحق للعربي أن يختار بين الدية والقصاص ، أما إذا قتل مسلم أحد البانيان فإن أهله يجبرون على قبول الدية .
يأتي هؤلاء البانيان في الغالب من بوربندر ، وهي مقاطعة من مقاطعات الهند الشمالية الغربية ، لينخرطوا في الأعمال التجارية في مسقط . ويظل البانياني عادة فترة تتراوح بين خمسة عشر عاماً إلى عشرين عاماً في المنطقة من دون أن يعود إلى أهله هذا مع العلم بأن البانيان لايصحبون معهم نساءهم أبداً . وقد يحدث في أحيان نادرة أن يهجر بعضهم دينه ويعلن إسلامه ، ولكن المسلمين يبدون في الغالب مترفعين عن هذه الفئة الصابئة .
وفي الحقيقة أن عادات هؤلاء البانيان وتقاليدهم معروفة جداً ولا تحتاج منا إلى زيادة في الإيضاح . ولكن يبقى أن نضيف أن مجموعة هؤلاء البانيان تشكل عصب التجارة في مسقط ، فهم التجار الرئيسيون في المدينة ، كما أنهم يحتكرون بشكل كامل تقريباً تجارة اللؤلؤ في الخليج ، التي تصل في ما نعتقد إلى خمسة عشر لخ ( لك واللك يساوي مئة ألف ) ريال في السنة .

( يتبع )


ملاحظة : أغلب مابين القوسين في كل الأجزاء من تصرف
الكاتب عبد الناصر 20 أو من هوامش الكتاب

آخر تحرير بواسطة عبدالناصر20 : 24/08/2005 الساعة 09:21 PM
  #9  
قديم 25/08/2005, 03:48 PM
صورة عضوية عبدالناصر20
عبدالناصر20 عبدالناصر20 غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 24/02/2004
المشاركات: 2,008
أما الطائفة الثانية التي نخصها بالحديث هنا فهي اليهود الذين توجد منهم في مسقط أعداد قليلة . وقد وفد أغلب هؤلاء الجماعة إلى هنا في عام 1828 م بعد أن خرجوا من بغداد نتيجة لقسوة داؤود باشا وصلفه . لجأ بعض هؤلاء إلى فارس بينما يممت مجموعة أخرى صوب الهند ، ولكنهم حينما بلغوا مسقط آثروا البقاء فيها ولم يواصلوا طريقهم إلى الهند . ويشمل التسامح هنا الذي يمتد إلى كافة الطوائف بني إسرائيل أيضاً فهم في مسقط لايجبرون على وضع تلك العصابات أو العلامات التي تميز هويتهم كما هو الحال في مصر وسوريا ، كما أنهم لايجبرون على السكن في أماكن منعزلة في مناطق قاسية كما هو الحال في اليمن ، ولا يقسرون على المرور من يسار المسلم حينما يقابلونه في الطريق . ويشتغل اليهود في مسقط بنشاطات متعددة ، فقد انخرط العديد منهم في صناعة الفضة ، ويتعامل بعضهم في النقود ، وقليل منهم يعمل في تجارة الخمور .
لمسقط مكانة عظيمة بين المدن الشرقية ، ليس لكونها مخزنا كبيراً للمتاجر الكبيرة بين شبه الجزيرة العربية والهند وفارس فحسب ، ولكن لكونها أيضاً ميناء عمان وسوقها الذي تفد إليه الواردات الشاملة . ونستطيع أن نقدر إجمالي عدد سكان مسقط بستين ألف شخص تقريباً .
توضع في مسقط رسوم جمركية بنسبة 5% على السلع المستوردة ، ويصل إجمالي التزام ضرائب مسقط إلى ( 1058,000 ) مئة وخمسة ألاف ريال . وتقدر الواردات السنوية بحوالي
( 3,300,00 ) ثلاثة ملايين وثلاثمائة ألف ريال ، أي مايوازي ( 9000,000 ) تسعمائة ألف جنيه استرليني . ولاتوضع في مسقط أية رسوم على الصادرات . وعلى الرغم من أن إجمالي مبلغ الواردات لايبدو كبيراً إذا ما قورن بما عليه في بعض موانيء الهند أو أوروبا ، إلا أنه يمثل ، في الحقيقة مبلغا كبيراُ جداً بالنسبة إلى موانيء شبه الجزيرة العربية . وتتمثل الواردات الرئيسية هنا في القمح والقماش . ونجد أن جملة السلع الواردة إلى هذا الميناء تفوق مجمل الكميات المستوردة إلى أي ميناء آخر في شبه الجزيرة العربية ، ولانستثني من ذلك إلا ميناء جدة .
يرد إلى ميناء مسقط عدد من السلع الأساسية بغرض إعادة التصدير ، وتتمثل هذه السلع بصفة رئيسية في البن واللآلي . ولاتفرض الحكومة أية رسوم على هاتين السلعتين . وتعمل في نقل تجارة البن نحو ثمان إلى عشر سفن كبيرة ، وضعف هذا العدد من المراكب الصغيرة تحمله من موانيء اليمن إلى مسقط . وقد يحمل بعض هذه المراكب التي لاتقوم إلا برحلة واحدة في العام شحنات قد تزيد على مئتين وخمسين طناً من البن .
ونستطيع أن نتتبع هذه الرحلة السنوية التي تقوم بها هذه المراكب التي توسق في مسقط بالتمر والتي تحمل أيضاً التبغ الفارسي والسجاد مع عدد كبير من الحجاج الفرس .
وتأخذ هذه السفن في الإبحار مع السواحل العربية حتى تصل إلى البحر الأحمر وتنتهي إلى ميناء جدة ، وهناك تفرغ حمولتها ويغادرها الركاب وبعض الملاحين إلى مكة المكرمة لأداء مناسك الحج . وتبغى السفن ساكنة في ذلك الميناء لفترة شهر أو شهرين ريثما يفرغ الحجاج من أداء مناسكهم . وتبحر بعدئذ هذه المراكب من جدة في طريقها إلى المخا أو الحديدة . وهنا يستبدلون السبائك الذهبية التي حصلوا عليها أجورا من الحجاج ، بالبن ثم يغادرون منطقة البحر الأحمر في الفترة من بداية شهر أيار / مايو حتى منتصفه وذلك تحسباً منهم لعدم مواجهة الزخات الأولى من الرياح الموسمية الجنوبية .
تعود المراكب بالبن إلى مسقط فيبيع التجار هناك منه القدر الذي يستهلكه أهل المدينة والبدو في المقاطعات المجاورة ، ثم يعاد شحن الفائض منه في مراكب أصغر حجما تبحر به إلى البحرين والبصرة التي كانت بمثابة القناة التي تتدفق عبرها سابقاً كل الكميات التي كانت تستهلك في سوريا بأسرها . ولكن البن الذي أخذ يفد من المناطق الغربية إلى سواحل الشام مباشرة قد أدى بشكلتام إلى تقويض نقل التجارة بين المخا عن طريق البصرة .
وتنحصر تجارة البن في مسقط في أيدي البانيان ، ويقال إنها تجارة تدر ربحاً مجزياً ووفيراً .
أما تجارة تجارة لؤلؤ الخليج فتقدر بنحو أربعين لخ ريال سنويا . ويجلب ثلثا المحصول تقريباً إلى مسقط على قوارب صغيرة ثم يعاد منها شحنه في مراكب كبيرة أو بغلات إلى بومباي . والجدير بالذكر أن هذه اللآلي تصل إلى مسقط في طرود مختومة ولايباع منها في مسقط إلا القليل .
وتجد اللآلي في بومباي سوقاً رائجة ، فالمشترون الرئيسيون هم الزرادشت ، عباد النار ، كما يعيد هؤلاء المجوس أيضاً تصدير اللآلي إلى الصين .
هذا ماكان من أمر السلع المستوردة إلى مسقط ، أما السلع المصدرة منها والتي لاتوضع عليها رسوم فهي قليلة ، وتتمثل بصفة أساسية في التمر الذي تستورده الهند ويستهلك في المعسكرات هناك . كما تصدر مسقط التمر إلى بعض الموانيء الجنوبية للجزيرة العربية . ويصدر هذا الميناء نوعا ً من الصبغة الحمراء التي تجد رواجاً كبيراً عند الهنود . وترسل مسقط أيضاً إلى موانيء الصين أطراف زعانف الحيتان التي تستعمل هناك في عمل الحساء . كما تصدر كذلك مجموعة من السلع البسيطة إلى الهند مثل السمك المملح الذي يتخذه فقراء الهند طعاما . ويتاجر عدد من أهل هذه البلدة في بغال فارس وحمير البحرين يرسلونها إلى مورشيوس . ويأتي عائد هذه السلع إلى مسقط إما في شكل سبائك من الذهب أو في شكل مقايضة بالبن في مسقط أو يعاد تصديره .

( يتبع )



.

آخر تحرير بواسطة عبدالناصر20 : 27/08/2005 الساعة 05:00 PM
  #10  
قديم 25/08/2005, 05:48 PM
نبرات الضياء نبرات الضياء غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ الانضمام: 24/12/2002
المشاركات: 406
أتابع
  #11  
قديم 25/08/2005, 06:31 PM
صورة عضوية عبدالناصر20
عبدالناصر20 عبدالناصر20 غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 24/02/2004
المشاركات: 2,008
اقتباس:
أرسل أصلا بواسطة نبرات الضياء
أتابع
شكرا على الأقل هناك من يهتم
  #12  
قديم 26/08/2005, 01:36 AM
صورة عضوية المسافرة
المسافرة المسافرة غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ الانضمام: 21/08/2005
المشاركات: 107
بانتظار التكملة
  #13  
قديم 26/08/2005, 05:45 AM
صورة عضوية الحزين
الحزين الحزين غير متواجد حالياً
مـشــــــــرف
 
تاريخ الانضمام: 10/12/1999
الإقامة: عمان
المشاركات: 1,407
اقتباس:
أرسل أصلا بواسطة عبدالناصر20
شكرا على الأقل هناك من يهتم
هناك من يقرأ و هناك من يهتم، و لكن ضع في بالك أخي الكريم بأن مثل هذه المواضيع يقرأها العابر و يستفيد منها دون أن يكون هناك ما يقال.
ان أردت معيارا لمدى اهتمام القراء، فعليك بعداد القراءة

متابعون ...
  #14  
قديم 26/08/2005, 11:06 AM
صورة عضوية عبدالناصر20
عبدالناصر20 عبدالناصر20 غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 24/02/2004
المشاركات: 2,008
اقتباس:
أرسل أصلا بواسطة الحزين
هناك من يقرأ و هناك من يهتم، و لكن ضع في بالك أخي الكريم بأن مثل هذه المواضيع يقرأها العابر و يستفيد منها دون أن يكون هناك ما يقال.
ان أردت معيارا لمدى اهتمام القراء، فعليك بعداد القراءة

متابعون ...
أخي مثل هذه النصوص الأصلية تعرفنا على الكثير من جوانب تاريخنا
ومن خلال هذا الكتاب تعرفت على الكثيرمن المعلومات التي لايجب أن تكون أيضا
معلومات مسلما بها ولكنها تحتاج إلى تأكيد من مصادر أخرى سواء كانت عربية أو أجنبية
ومن ضمن هذه المعلومات :
1) العلاقة الوثيقة بين السيد سعيد بن سلطان والإنجليز
2) إستغلال الإنجليز لهذه العلاقة في مصالحهم الخاصة بدليل أن الكاتب بعث بغرض معرفة
ودراسة الوضاع الداخلية في عمان وإستخدامها للضغط على السيد سعيد
3) تاريخ وجود البانيان في عمان والدور الذي لعبوه في تاريخ عمان
4) التسامح الذي كان يسود مسقط مع الأجانب
5) هجرة جماعة من اليهود الى مسقط وعدم معرفتنا بمصيرهم بعد ذلك .
ومن خلال كل ذلك يجب علينا أن نعرف أن الكاتب لايقول كل الحقيقة ولكن البعض منها فقط
ايضا علينا أن نعلم الفترة التي قضاها في منطقة ما والوصف الذي تحدث عنه لنقارن أنه لم
يكن من خلال المدة التي مكثها في المنطقة ليتأكد من المعلومات التي يوردها ولكنه
يكتبها لمجرد سماعه عنها أو ينقلها من مصادر أخرى على عواهنها .
  #15  
قديم 26/08/2005, 11:20 AM
صورة عضوية عبدالناصر20
عبدالناصر20 عبدالناصر20 غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 24/02/2004
المشاركات: 2,008
الفصل الرابع : صور



في يوم 25 تشرين الثاني / نوفمبر أعدوا لي مركباً ليقلني إلى صور ، ففارقت مسقط فراق غير وامق ، فالجو فيها وخيم لاتحتمل أجساد الأوربيين وطأته خاصة في هذه الفترة التي ازداد فيها وبالاً على وبال حتى أن عدداً كبيرا ً من المواطنين أنفسهم كانوا يلقون فيها حتوفهم يومياً . تمكن أحد الفرنسيين من الفرار من عسير بعد هزيمة الأتراك واجتاز هذا البائس مئات المخاطر وخاض أهوالها لكي يصل إلى مسقط . وهاهو ـ بعد كل هذا يرقد طريحاً يصارع الموت في هذه المراكب الراسية إلى جوار مركبي . وهناك أيضاً عدد كبير من بحارة السفن البريطانية يرقدون في تلك المركب يعانون حالات إعياء خطيرة.
أبحرنا في هذا اليوم من مسقط فأصبحنا في مواجهة المنطقة التي تسمى ( فتحة الشيطان ) وهي عبارة عن ثلمة في السلسلة الجبلية المتصلة بسيف البحر . وهنا ضربتنا عاصفة هوجاء أدركت خلال فورتها مدى مايعانيه البحارة العرب وكيف يتهيبون مثل هذا الأمر ويخور عزمهم . وكان على مركبنا كميات كبيرة من الماء ناءت تلك المراكب بثقلها وأصبح وضعنا حرجاً . واصلنا الإبحار في ذلك الجو العاصف بالأنواء المصحوبة بزخات متقطعة من الأمطار في طريقنا إلى قليهات ( قلهات ) التي بلغناها ، ونزلت من قاربي لألقي نظرة على خرائبها .
قليهات مدينة قديمة ورد ذكرها عند العديد من الكتاب العرب القدماء . أما الآن فالبلدة لاتزيد عن كونها مجموعة من الخرائب تغطي مساحة من سطح تلك الأرض التي لم أبصر فيها غير مبنى واحد لايزال قائما يصارع البلى واستقر على حالة مقبولة من الصيانة .
هذا المبنى هو الجامع الصغير الذي كسيت جدرانه بالقرميد الملون المصقول ، نقش عليها بعض آيات من القرأن ( الكريم ) . وقد دلتني بعض النقوش فوق جدرانه إلى أن المسلمين الهنود يغشون هذا المسجد للصلاة فيه .
توجد الى الشمال من هذه الخرائب قرية صغيرة تسكنها جماعة من صائدي الأسماك . ويقوم سكان هذه القرية أحياناً بالنبش في خرائب المدينة بحثاً عما قد يجدونه من عملات ذهبية تعد من أنقى المسكوكات الذهبية معدناً . وتعود هذه العملات الى عهد الخليفة هارون الرشيد حيث اسمه مضروب عليها .
غادرنا قليهات مع هبوب نسيمات عليلة ، وبلغنا صور بعد فترة قصيرة من وقت المغيب ، ورست مركبنا في الميناء الداخلي على يعد ياردات من الساحل .
تمتد سلاسل جبال محاذية للبحر في تواصل غير منقطع في المنطقة الممتدة من مسقط حتى هذا
الميناء ، وهي : جبال سيني Syenne و راكي Rackee الشاهقة جداً .
وتتدفق هذه الجبال بأودية متعددة يجري بعضها بأنهار من الماء النقي ، كما توجد في بعض هذه الأودية حدائق نخيل . وعموماً وعلى الرغم مما تمتاز به هذه الأودية من زراعة إلا أن الجبال نفسها جرداء لا أثر فيها للنبات أو الحياة .
ونزلت في هذا الصباح في صور لأجد شيخها في استقبالي والترحيب بمقدمي . وتناولنا معاً طعام الإفطار المكون من التمر واللبن ، ثم خرجنا بعد ذلك إلى السوق .
تقع صور ، ميناء منطقة الجعلان على ساحل رملي منخفض يخلو تماما من النباتات والأشجار . وتبدو البلدة وكأنها مجمع كبير من الأكواخ المتراصة على جانبي بحيرة . وتسكن كل جانب من هاذين الجانبين قبائل شتى ، لكل قبيلة منطقة سكن معلومة قائمة بذاتها . وقد بنيت هذه الأكواخ الرحبة الفسيحة ذات الهواء المتجدد من جريد النخل المحزوم بقوة بعضه إلى بعض .
ويلاحظ أن شوارع البلدة نظيفة تماماً مما جعل البلدة تبدو وكأنها قد اكتست من الجمال
والبهجة حلة قشيبة .
لاتوجد هنا أية محال تجارية ، أما البزار فيقع على بعد ميل ونصف ميل من الساحل ويسكن عنده عدد جم من السكان ، وقد ذهبت لاحقاً لزيارة السوق فهرع شيخه الذي كنت قد أرسلت له من يخطره بمجيئي لإستقبالي والترحيب بي .
شعرت بالرضا والإمتنان حين بلغت هذه القرية ، فقد خصصوا لي خيمة نصبوها في بقعة
مبهجة ، وكلفوا عدداً من الرجال بحراستها ، واتخذوا كافة الإحتياطات اللازمة لتأمين سلامة أمتعتي . وكان علي أن أظل ثاوياً هنا حتى يتم تجهيز الإبل اللازمة للرحلة التي أزمع القيام
بها للداخل وإختيار الأدلااء .
يعقد في هذه البقعة سوق يومي تعرض فيه صنوف من الحبوب والبقوليات وأنواع من الفواكه والخضروات . أما المنازل هنا فصغيرة ولكنها قوية ، فقد بنيت من الحجارة وملاطها من الإسمنت . ويسكن البانيان في أضخم هذه المباني وأفخمها لا ينازعهم في ذلك إلا أهل كتش الذين يحتكرون
أيضاً قدراً كبيراً من تجارة هذا المكان .
وتقع في الجزء الغربي من هذه المنطقة ، قلعة كبيرة فيها مدافع قديمة ، ولكن القلعة ، شأنها شأن مدافعها ، لم تعد صالحة للقيام بمهامها ، فقد داخلها البلى . وتجاور هذا المكان أرض زراعية مترامية الأطراف زرعت بحدائق النخيل الممتدة على مرمى البصر .
أهل صور تجار ينصب اهتمامهم في سبيل تحصيل الكسب . ولهذه المدينة ميناء جيد تعمل فيه حوالي ثلاثمائة بغلة من أحجام مختلفة . وتعمل هذه البغلات بحمل التجارة بين سواحل الهند وموانئها وموانيء وسواحل الخليج وأفريقيا وبحر العرب . وفي الحقيقة ، فإن صادرات هذه المنطقة ووارداتها قليلة لاتكاد تذكر .
فالتمر والسمك والملح هي أهم الصادرات ، بينما تشمل الواردات الرئيسية الحبوب والأقمشة . ولكن أهل المنطقة يجنون أرباحاً تورثهم ثراء ونعمة من التجارة البينية التي تجري بين المناطق المختلفة .
يعترف أهل هذه المنطقة بسلطة السيد سعيد ولكنهم لايؤدون له جباية . أما عن تاريخ صور ، فالمشهور عنها أنها قديمة جداً ، فقد كانت مستعمرة سورية في فترة من الفترات الباكرة .

خرجت من خيمتي باكراً في اليوم الأول من كانون الأول / ديسمبر في صحبة دليل للقيام برحلة إلى السلسلة الشمالية من هذه الجبال . ولما كانت الخيول عاجزة عن السير في مثل هذه الطريق الوعرة فقد استعضنا عن ظهورها بظهور الحمير . وقد إستطاعت تلك الحمير أن تحملنا في خطوات نشطة إلى سفوح تلك الجبال فبلغناها في خلال ساعتين ونصف ساعة نزلنا عن الحمير ثم أخذنا في الصعود راجلين عبر طريق متعرجة ذات نتوءات . وقضينا نحو ساعة كنا فيها نحبو على أيدينا وأرجلنا أكثر مما كنا نمشي مستقيمين . ثم بلغنا بعدئذ نجعاً التقطنا عنده أنفاسنا وأطفأنا حدة الظمأ بما أصبناه من ذلك الوادي المتدفق بماء نمير كان يأخذ طريقه إلى السهول عند أسفل تلك الجبال فيكسبها الحياة .
إستأنفنا مسيرنا عبر غور عميق ممتد إلى أعلى الجبال يمتاز بري جيد وقد تناثرت فيه أشتات من بساتين النخيل من رقع متجاورة من الأرض ذات زروع أخرى . واتصل بنا هذا المسير لمدة أربع ساعات كاملة حتى انتهى بنا إلى القمة التي لم نجد عندها شيئاً يكافيء المجهود الذي بذلناه لبلوغها . ولكنا تمكنا من معرفة مظاهر سطح الأراضي المجاورة ، كما سعدنا بهذا الجو البارد المنعش .
وتعكس صورة الأرض هنا مشاهد من مجموعات حزم جرداء من صخور الحجر الجيري بدت وكأنها تطل بوجوهها الكالحة الحزينة وترمقنا من كافة الإتجاهات . وانطلق عند المناطق التي تفصل بين هذه الصخوركثير من الأغنام وقليل من الضأن ترعى العشب غير الكثيف المتناثر في تلك الأرجاء ، ولكننا لم نلمح إنساناً واحداً يكسر حدة هذه الوحشية المطبقة .
وفي الحقيقة فإن هذه المنطقة هي الرأس أو النهاية الجنوبية الشرقية الأقصى في هذه السلسلة التي ترقد في مواجهة البحر حتى منطقة الوادي الكبير عند قليهات . ويقال إن هذه المنطقة الجبلية التي تسمى فتله Futlah تتشقق عن أغوار صغيرة تضم نحو ستين نجعاً يعمرها نحو ألف وخمسمائة مواطن ينتمون بصفة عامة إلى بني خالد وبني داؤد . هذا ، ويحمل الوادي الذي يقع في المنطقة الجنوبية الغربية من هذه الجبال اسم قبيلة بني خالد وفيه يسكن حوالي ستمائة من رجال هذه القبيلة . والوادي المذكور عميق الغور ، سحيق الأرجاء ، يستحيل الوصول إالى بعض مناحيه ، إلا بتسلق الجبل . وجدير بالذكر توفر عدد من الأنهار والأودية والجداول في هذه المنطقة الجبلية ، كما أن الأمطار أكثر تواتراً هنا منها في السهول . ويزرع في هذه المناطق عدد من البقوليات والفواكه التي يرسل الأهالي عشرها جباية إلى شيخ صور

( يتبع )



.

آخر تحرير بواسطة عبدالناصر20 : 26/08/2005 الساعة 11:37 AM
  #16  
قديم 27/08/2005, 08:32 AM
صورة عضوية الذات
الذات الذات غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ الانضمام: 21/04/2004
المشاركات: 544
تسجيل مرور حتى العودة ..
  #17  
قديم 27/08/2005, 04:34 PM
صورة عضوية عبدالناصر20
عبدالناصر20 عبدالناصر20 غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 24/02/2004
المشاركات: 2,008
رجعنا أدراجنا سالكين طريقا كانت أكثر انحداراً وأشد وعورة من الطريق التي كنا قد سلكناها صاعدين هذا إذا كان هناك فعلاً طريق أبلغ وعورة من تلك الطريق التي سلكناها في صعودنا . وظللنا نتلمس طريقنا ولم نبلغ السفح إلا بعد مغيب الشمس .
لم نجد هناك حميراً لتحملنا إلى مخيمنا فاضطرنا إلى أن نسعى إليه على أرجلنا في ظلمة ليل داج تشيعنا زخات متقطعة من المطر ، وكنا كثيراً مانضل الطريق ، حتى وصلنا إلى معسكرنا أخيراً بعد أن كاد الليل ينتصف .
وصلني في فترة وجودي هنا خطاب مميز من سمو الإمام يفيض بالصداقة هذا نصه :

بسم الله الرحمن الرحيم
من السيد سعيد بن سلطان إلى سعادة رفيع الذكر المحترم المحبوب ولستد ، من قبل
الحكومة الشرقية :
سلام عليكم من الله العلي وبعد ، فقد بلغنا خطابكم الذي أثبت صدق محبتكم لنا بتذكركم ايانا .
ولقد سررنا جداً لوصولكم إلى صور في طريقكم الى الجعلان ثم سمد
وذلك وفق ماأشرنا به عليكم . أرجو ألا تجد حرجا في طلب
أي شيء تريده منا ، كبيراً كان أو صغيراً ، فما عليك إلا أن تطلب ، وما علينا إلا أن نستجيب .
والسلام عليكم

السيد سعيد


غادرت في هذا الصباح ، الثاني من كانون الأول / ديسمبر ، سوق صور الذي كنت فيه محط رعاية شيخه ، وخرجت بعد أن تكاملت لي مجموعة الإبل ، وتوفر لي عدد من الأدلاء في طريقي حتى قطعنا في الساعة الثانية عشرة والنصف بعد منتصف النهار المنطقة المجاورة لقرية السوق ، وانتهينا بعدئذ إلى وادي ضحل تسود مجراه كتل مستديرة من الحجر الجيري تنمو في بعض فجواتها بعض أشجار السدر القليلة التي كانت الشاهد الوحيد على الحياة النباتية التي تمكنت من النمو في تلك الأرض .
اكتست تلال الحجر الرملي على جانبي هذا الوادي حللاً حمراء فاتحاً لونها أو صفراء ، وقد تتراوح أحياناً إلى اللون البرتغالي أو البنفسجي . وكانت تشيعنا زخات متواترة من المطر . وأرى أن هذا الأمر معتاد في جو هذه المنطقة في الفترة الممتدة بين تشرين الأول / أكتوبر وتشرين الثاني / نوفمبر وكانون الأول / ديسمبر . ولكن الأهالي يقولون إن الأمطار لاتهطل في هذا الوادي إلا مرة واحدة كل ثلاث سنوات ، فيفيض مجراه حتى يصبح نهراً منحدراً لاتستطيع الإبل إجتيازه .
بلغنا في حوالي الساعة الثانية ممر باب الرفسور Rufsur ( الرفصة ) حيث يقف برج صغير يحمل مدفعا على أعلاه . وقد أقام الإمام هذا البرج وأبراجاً أخرى مماثلة ليدرأ عن بلاده تعديات الوهابيين ويصدهم عنها . غير أن الملاحظ أن هذه الأبراج قد أخذت حالياً في الإنهيار نتيجة لعدم الصيانة .
تنتشر أمامنا ، اعتبارا من هذه المنطقة وحتى النهاية القصوى على امتداد هذا الوادي بساتين التمور ، كما تكثر الأنهار التي تجري بالماء العذب . اجتزنا نهاية هذا الوادي في حوالي السادسة مساء ثم واصلنا مسيرنا فوق أرض مكشوفة حتى الساعة الحادية عشر والنصف وأمسينا على مقربة من بعض النجوع . وانطلق من اتجاه النجوع نباح ****** في شدة وضراوة حتى خشي الأدلاء المصاحبون لي التقدم صوب تلك الناحية ، على الرغم من أنهم كانوا يهفون إلى الطعام الذي يمكن لهم أن يصيبوه هناك .
كانت السماء صافية ، والجو باردا ، والرذاذ الخفيف يتساقط فوق رؤوسنا ، فقررنا النزول للمبيت . وتجمع البدو الذين كانوا في صحبتي فشكلوا دائرة جعلوا أمتعتهم في مركزها ثم غطوا بعد ذلك في النوم .
استيقضنا صباح اليوم التالي ، الثلاثاء 3كانون الأول / ديسمبر، وعرفت أن مخيمنا هذا الذي نصبناه يقع في منطقة تضم ثلاث قرى هي حميدة ( حميضة ) والكامل والوافي ، لكل منها قلعة صغيرة ، وتضم كل قرية على حدة نحو مئتي منزل .
والأرض في هذه المنطقة خارج أسوار القرى وداخلها مستثمرة تماماً ، أما المجاري المائية التي تخترق هذه الأرض فتدر مياها كافية لمقابلة هذا الإستثمار . عموماً ، لاحظت أن سكان هذه المنطقة لم يرقهم وجودي في حقولهم فحزمت أمتعتي وغادرت هذه المنطقة إلى حال سبيلي .
واصلنا المسير حتى الساعة الحادية عشر فدخلنا أرضاً تتراوح تربتها بين الرمالرالمتفككة والطين الأبيض المتشقق ، وتغطي هذه المنطقة شجيرات السيال . وكنا نصادف في طريقنا أحياناً بعض جماعات البدو في طريقهم إلى صور .
ففي هذه المنطقة يندر أن تجد شخصاً يسير بمفرده خارج حدود القرى ، فالقبائل هنا في حالة نزاع دائم . وفي الحقيقة ، فإن مجموعتنا ماكانت تسير هنا إلا بحذر شديد . وقد حدث فعلا ًأن قابلنا قافلة ارتاب الأدلاء فيها فجمعنا ابلنا إلى بعضها البعض ، ثم تقدم الحرس المرافقون لنا إلى تلك القافلة ، وجرى بين الطرفين بعض الحديث ، ثم انطلقنا بعد ذلك في طريقنا غير مروعين .
تعد سلطة السيد سعيد في هذه المنطقة اسمية أكثر من كونها فعلية ، بل إن السلطة الأسمية هذه ماكان لها أن تكون لولا قيام السيد سعيد بتوزيع الهدايا بوفرة على شيوخ هذه المنطقة . ففي هذه المنطقة يسوي البدو خلافاتهم بأنفسهم ، ويمارسون النهب دون وازع ، وكثيرا مايسفكون دماءهم من دون رادع وكأنهم يعيشون في مجاهل الصحراء . ولم يمر علي يوم من دون أن أسمع عن وقوع عمليات من هذا القبيل .
وصلنا في الساعة الثالثة والنصف إلى ديار بدو البني بوحسن ومساكنهم التي هي عبارة عن أكواخ شيدت تحت ظلال نخيلهم . وتنتشر هذه الأكواخ وتتبعثر على مساحة كبيرة من الأرض . وقد قطعنا هذه المنطقة من أدناها إلى أقصاها في حوالي ثلاثة أرباع الساعة . وما إن ذاع خبر وصولنا حتى تجمع اولئك القوم حولنا يمارسون حب استطلاع بلاحدود ، ويعبرون عن اندهاشهم بسلوك صبياني فيقفزون ويصرخون كدأب المجانين الذين طاش صوابهم . وما لبثت خيمتي الصغيرة أن فاضت بتلك الجموع الغفيرة ، ولم يأبه أولئك النفر بوجود شيخهم وطلبه المتكرر إليهم أن يتفرقوا . وكم كانت سعادتي بالغة عندما مالت الشمس إلى المغيب وأخذ القوم بعدئذ يتتابعون إلى منازلهم بعضهم في إثر بعض .
تضم قبيلة البني بوحسن حوالي ألف ومئتي رجل ، عدا النسوة والأطفال ، يمتلكون أكثر من سبعمائة بندقية فتيل . وليس لهؤلاء القوم عمل يشتغلون به ، فهم لا يعملون إلا برعاية شجر نخيلهم ، وهذا عمل لايستهلك من وقتهم إلا اليسير . أما ماتبقى من وقتهم بعد هذا فيصرفونه في حياة خاملة لاتكسر رتابتها إلا الصراعات المتواترة والنزاعات التي قد تنشب بينهم أو تنشأ مع الآخرين .
بدا لي أن هذه المجموعة التي تتشح بشعورها المرسلة ، والذين يسيرون شبه عراة ، هم الأكثر صفاقة ووحشية من كافة الذين قابلت حتى الآن .
لم أرى أحد من هؤلاء القوم بعد المغيب إلا شيخهم الذي جاءني بمفرده يسعى إلى تثبيط همتي عن زيارتي المزمعة لقبيلة البني بوعلي . نقل إلي الشيخ عنهم أنهم شياطين تماماً ، كارهون للإنكليز ، غير موالين للسيد سعيد . ولكني لم أصغ إلى نصيحته وأستأذنته في برود ليدعني وشأني لمواصلة ما أزمعت . وفي الحقيقة ، فإني لم أكن مطمئن الخاطر تماما إلى المعاملة التي أتوقعها لدى جيرانه من قبيلة البني بوعلي . ويمكن فهم مشاعري حين أسرد الظروف التي قادت إلى صدام الإنكليز معهم .

آخر تحرير بواسطة عبدالناصر20 : 27/08/2005 الساعة 04:46 PM
  #18  
قديم 28/08/2005, 09:33 PM
صورة عضوية عبدالناصر20
عبدالناصر20 عبدالناصر20 غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 24/02/2004
المشاركات: 2,008
الفصل الخامس : قبيلة البني بوعلي



سيكون هذا الفصل الأخير في هذا التلخيص إن شاء الله


يرجع نسب البني بوعلي إلى نجد ، ويقال إن بقايا منهم لاتزال تعيش هناك وقد وفد هؤلاء القوم إلى المنطقة بعد أن إنفصلوا عن جيش علي بعد معركته مع معاوية على الخلافة . وقد ساد المذهب الإباضي هؤلاء الجماعة . وظلت تعاليم الإباضية فيهم حتى عام 1811 م حين غزاهم عبدالعزيز ابن محمد بن سعود فتحولوا إلى المباديء الوهابية ، ومنذ هذا التاريخ ماعادت القبائل العمانية تناصرهم .
تمت هزيمة عبدالعزيز في موقعة بدية ووجد البني بوعلي أنفسهم في وضع يحتم عليهم النضال الدائم حتى لاتستأصل شأفتهم من تلك الأرض . واستمروا على ذلك حتى تمكنوا من بناء قلعة قوية ثم أصبحوا بعد ذلك هم الذين يحملون على القبائل الأخرى ، فحملوا السيف والنار وأعملوها في مناطق جيرانهم ، وأصبح لهم شأن ، وباتوا غير منازعين في السيطرة على أرضهم بشكل كامل ، وكذلك على أراض أخرى عديدة مجاورة لأرضهم .
ذهبت كل محاولات الإمام لتدمير قوتهم سدى وفي عام 1821 م طلب الإمام إلى الكابتن طمبسون Thompson الذي كان في قشم على رأس قوة من السيبوي ( وهو الإسم الذي كان يطلق على الجنود الهنود العاملين مع حكومة الشركة ) مكونة من نحو ثمانمئة جندي جاؤوا إليها بعد سقوط رأس الخيمة في 1820 م ، أن يعينه ضد البني بوعلي . ولما كان الكابتن المذكور يعتقد أن بعضاً من رجال القبيلة كانوا يمارسون القرصنة أرسل لهم إنذاراً وتهديداً ، ولكن رجال القبيلة ذبحوا حامل تلك الرسالة فور وصوله . وحين ورد هذا النبأ إلى الكابتن طمبسون لم يتردد لحظة في حربهم وخرج بجنده مصاحباً لقوة كان الإمام قد جهزها سلفاً لهذا الغرض .
وإلتقت القوتان في صور وواصلتا المسير إلى أرض البني بو علي التي كانت تبعد نحو خمسين ميلاً في إتجاه مباشر من المكان الذي كانت تعسكر فيه هذه القوة المشتركة .
ومع وصول هذه القوة تراجع البدو أمامها وإستقروا بين أشجار النخيل التي تحيط بالقلعة . وحين اجتازت قواتنا أرض البني بو حسن ثم إنحرفت منها حول أحد التلال في تلك المنطقة وأصبحت في منطقة تقع على خط موازي لأشجار البني بوعلي ، خرجت عليهم على حين غرة القبيلة كلها من بين تلك الأشجار التي كانوا يختبئون عندها ، وتعالى صياحهم وهم ينقضون بشكل مباشر على تلك القوة . ولم تكن الأوامر قد صدرت للقوة البريطانية بعد ، ولم يكن قد تم تشكيل تلك القوة ولا توزيعها . وروع جند السيبوي الذين وجدوا البدو يتدفقون عبر صفوفهم حتى أنهم لم يتمكنوا من استخدام سنجات بنادقهم ، وباتوا هدفاً مزقته سيوف أعدائهم الطويلة وهم لايحيرون حراكا . وسادت الفوضى في أوساطهم ، وحين قام أحد الضباط بتسليم سيفه إليهم ، تلقى منهم طعنة نافذة ثم سحبوه بعد ذلك وذبحوه .
اضطرت الحملة البريطانية إلى الإنسحاب بعد أن تركت ثلثي أفرادها قتلى في ذلك الميدان . وتمكن الكابتن طمبسون وضابطان وحوالي مئة وخمسين جندياً ، وهم كل الذين بقوا على قيد الحياة من رجال تلك القوة ، من الوصول إلى مسقط في ثمانية أيام من دون أن يعترضهم أحد . ومالبثت أخبارتلك الكارثة أن وصلت إلى بومباي فقامت الحكومة من فورها بإرسال حملة كبيرة يبلغ قوامها ثلاثة ألاف رجل أوكلت قيادتها إلى السير ليونتيل إ سميث، ولا شك عندي أن البدو قد روعوا حين عرفوا بوصول هذا العدد الكبير من الجند .
اتفق بدو البني بوعلي مع آخرين من جيرانهم على مباغتة القوة البريطانية ليلاً مما كان سيدخل تلك القوة في إشكال أكيد ، فقد كانت قوى الجند الرئيسية تعسكر على مسافة من معسكر قائدها وهيئة أركان حربه . وكانت خطة البدو تقضي الفصل بين المعسكرين وتأكيد قطع القوة عن قيادتها .
وتقدم البني بوعلي إلى معسكر القائد ، وأصابوا فيه عدداً من القتلى وفتكوا ببعض الخيول ، وأوقعوا بعض الخسائر ثم انسحبوا من دون أن يفقدوا أحداً من رجالهم ، بينما لم يتقدم حلفاءهم لقيادة الهجوم الآخر في الوقت المحدد . وربما يرجع ذلك لسوء فهم أو ربما لتراجعهم عن الإتفاق المبرم بينهما سلفاً .
بدأت المعركة حينما تقدمت قواتنا إلى مشارف القلعة ، وتصدى لهم العرب وواجهوهم في سهل متسع مكشوف . لم تكن أعدادهم تزيد على الثمانمئة مقاتل من الرجال تؤازرهم مجموعة كبيرة من النساء . واندفع هذا النفر يقاتل بتصميم لايقل عن تصميمهم في المرة الأولى برغم أن طلقات المدافع كانت تحصدهم من كل إتجاه . حارب العرب بجرأة وشجاعة نادرتين ولم يتراجعوا عن ميدان المعركة ، ولم يفر منهم أحد حتى انجلت المعركة عن قتلهم جميعا تقريباً . ولم يظفر منهم بالحياة إلا الذين أعيتهم جروحهم البالغة الشدة عن الحرب .
وكان شيخهم ضمن أولئك الجرحى فأسر مع الجرحى الآخرين الذين سيقوا كلهم إلى بومباي ، فاستبقوهم هناك لحولين كاملين ، ثم أطلقوا سراحهم وأعيد إليهم إعتبارهم . ورجع هؤلاء الرجال إلى أهاليهم محملين بالهدايا ، وكذلك بالمال اللازم لإعادة بناء مدينتهم . وهنا يجدر بي أن أشير إلى أنه منذ ذلك التاريخ الذي جرت فيه تلك المعركة وحتى هذه اللحظة لم يطأ هذه الأرض أوروبي سواي .
وصلت إلى ديار البني بوعلي قبل أن ينتصف النهار بساعتين . واجتمع علينا نفر كبير منهم ساروا في إثرنا حتى إنتهينا إلى مجلس ذلك الشيخ الحدث وأعيان القبيلة.
كشفت لهم عن هويتي الإنكليزية وعبرت عن رغبتي في أن أظل بين ظهرانيهم لعدة أيام . ارتفعت أصوات الحناجربالإستحسان ، وعلا صوت الأكف بالتصفيق ، ودوت طلقات المدافع القديمة القليلة العدد من الأبراج المختلفة ، وأخذت بنادق الفتيل ترسل طلقاتها دلالة على الترحيب بي . ومافتيء القوم ، صغيرهم وكبيرهم ، ذكورهم وإناثهم ، على ذلك المنوال من التعبير الحار عن الإبتهاج وبذلوا كل جهدهم بعدئذ لجعل إقامتي بينهم مريحة .
نصبوا لي الخيمة وجاؤوا بخروف ذبحوه عندها ، وحملوا إلي اللبن في آنية كبيرة . كان استقبالهم لي رائعاً جداً، وكانت إستضافتهم صادقة بحق ، ولم يدهشني ذلك منهم . وكان موقع خيمتي في مواجهة خرائب تلك القلعة التي دمرناها آنفاً ، وعلى المكان نفسه الذي شهد هزيمتنا لهم التي نزلت بهم برغم كونهم أكثر قبائل عمان قوة ومنعة . ولقد نسي هؤلاء القوم كل ذلك حينما وجدوني أرمي بنفسي في وسطهم دلالة ثقتي بهم .
وعلى الرغم من أن بدو البني بوعلي يسكنون قرب البحر إلا أنهم لم يدنسوا أنسابهم بالإختلاط مع الأجانب ، فلم يزوجوهم أو يتزوجوا منهم ، وهذا مما يدعوني إلى الإعتقاد أنهم لايزالون يحتفظون بنقاء قبائل المناطق الداخلية دماً ، وببساطتها سلوكاً .
  #19  
قديم 29/08/2005, 12:56 PM
صورة عضوية عبدالناصر20
عبدالناصر20 عبدالناصر20 غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 24/02/2004
المشاركات: 2,008
.
بعد صلاة العشاء جاءني في خيمتي ذلك الشيخ الحدث في صحبة أربعين من رجاله وأنهى إلي أنه سيبقى عند خيمتي للحراسة طوال الليل . ولم يكن من الممكن أن أدعو كل هذا الجمع للدخول إلى خيمتي التي لايمكن أن تتسع لمثل هذا العدد الغفير ، وأدركت أن من غير الجائز أن أدعو بعضهم للدخول من دون الآخرين .
وإنتهى الأمر بأن حملت سجادتي إلى خارج الخيمة وجلسنا معاً . يالها من ليلة صافية جميلة لن يظفر إنسان بمثلها إلا في الصحراء أو على أطرافها . فقد كان الجو بارداً برداً غير قارس . والتأم شمل الجميع يتجاذبون أطراف الحديث الذي كان ينم عن مشاعر الصداقة .
لم يكن جلسائي جاهلين تماماً بعادتنا التي عرفوا طرفاً منها مما قصه عليهم السجناء الذين كانوا في الهند ، ولكني أجد أن ماعرفوه منها كان إما محدوداً أو مبالغاً فيه . وعلى العموم ، فإن تلك المعرفة ـ على قصورها ـ عملت على تلطيف حدة شعور حب الإستطلاع في نفوسهم . مثلث طبيعة ديننا وممارستنا شعائره ـ بطبيعة الحال ـ أول الموضوعات التي أثارت تساؤلاتهم . سألوني أن أبدي رأيي في هذا الدين الذي أدين به مقارنة بالإسلام . وفي الحقيقة ، فقد كنت بصفة عامة أستتر وراء الهزيمة في موضوع العقيدة ، مع أني لم أستطع ـ باديء ذي بدء ـ أن أقاوم الرغبة في التعرض لمعتقداتهم التي أجد أنه يصعب عليهم الدفاع عنها ( كذب الرجل واضح في هذا الشأن ) وقد جئت بالحجج التي تؤخذ عليها ، ولكنهم لم يكترثوا لها كثيراً ، ولم يظهروا إلا القليل من التعصب لدرجة شعرت معها بالأسف لإتخاذي هذا الأسلوب ، وأدركت أن علي أن أصلح من خطئي ، فقبلت طواعية رأياً عبر عنه شيخ مسن بأن كل دين صالح لأهله الذين يؤمنون به ويمارسون طقوسه وشعائره .
وإنتقل الحديث بعدئذ إلى شؤون نسائنا ، وسئلت إن كان صحيحاً أن نساء الطبقات العليا في مجتمعنا يخرجن سافرات ويرقصن في الأماكن العامة . وظن القوم أنهم قد زجوا بي في ركن ضيق فظلوا ينتظرون إجاباتي وهم يتنحنحون .
وإعترفت لهم بصحة هذا الأمر ، ولكني أضفت إلى ذلك أننا لسنا أمثالهم نعلق أهمية على مثل هذه الأمور . فنساؤنا هن رفيقات لنا ولسن انطوائيات ، وهن متعلمات علماً نافعاً ، ولهن حريتهن تماماً مثلما للجنس الآخر . ونحن بهذا راضون قانعون ، فقد وجدنا في ذلك صلاح أمورنا . فنساؤنا هنا رفيقات لنا ولسن أوعية لرغباتنا الجنسية فقط . ولم يفلح هذا الحديث في إثناء أي منهم عن رأيه ليناصرني . وسئلت أيضاً عما إذا كنا نترك نساءنا يعملن ثم يقمن بعد ذلك بأداء مهامهن المنزلية ، وماذا تفيدهن معرفة القراءة والكتابة وما إلى ذلك من الأمور الخاصة بالتعليم والمتعلمين . وانبرى شيخ عجوز يردد حكمة ردد صداها الجلوس وهي : الرجال للسيوف ، أما النساء فللمغازل . وفي الحقيقة ، كم تمنيت لو كان بعض نسائهم حاضرات يستمعن إلى هذا النقاش ، إذاً لعزفن على اللحن الآخر .

لنساء هذه القبيلة قسط كبير من النفوذ في كل شأن من شؤون الحياة . ففي هذه الفترة ، ذهب الشيخ لأداء فريضة الحج ، فأصبحت حكومة القبيلة في أيدي زوجته وأخته .
استمر السمر ملياً وقد كانت بعض تعليقاتهم على عاداتنا تدهشني كثيراً سألوني لماذا حين نجلس على المنضدة يستعمل كل واحد منا كوباً صغيراً لشرابه يعيد تعبئته المرة تلو الأخرى من الإناء الكبير الموضوع على المنضدة نفسها ، في حين يمكن للجميع أن يشربوا من الإناء الكبير مباشرة . كما سألوني أيضاً عن السبب في أننا نصرف السيدات عن مجالسنا قبل أن نفرغ من شرب الخمر ولاننصرف إلا بعد أن ينصرفن ...... الخ .
كان كل هذا السمر يدور ، وأحد العبيد يجلس غير بعيد ، وقد ظل منذ أن بدأت الجلسة يسحن البن في جرن ويضرب بالمدقة الجرن على جوانبه ثم على أسفله وفق نمط معين وبتوقيت محسوب ، فيحدث بذلك نغماً كأنه رنين الأجراس . كما كان هذا العبد يقوم أحياناً بأداء غناء معين يتناغم مع هذه الموسيقى . وفي الحقيقة ، وعلى الرغم من أن هؤلاء القوم وهابيون ، إلا أنهم وهم يشربون القهوة ، لايمهلون فناجينها بل يعبونها على عجل لحظة وصولها إلى أيديهم . وقد ظللنا على هذا الحال ملتئما شملنا ، ولم يتفرق جمعنا إلا في ساعة متأخرة من الليل .
صحوت يوم السبت 5 كانون الأول / ديسمبر ، فوجدت رجلاً جالساً عند مضجعي كالراكع يحمل في يده إناء من اللبن فتناولته وماتركته حتى أتيت على آخره . خرجت بعد ذلك من الخيمة في صحبة مرافقي لأقف على المسرح الذي شهد هزيمة الكابتن طمبسون ، ووجدت أن أثار تلك المعركة الوحشية قد ذهبت تماماً . وعلى مقربة من هذا المسرح أشاروا لي لمجموعة من قبور ضحاياهم ، كانت قبوراً عادية لاتحمل أية شارات تكريم أو تخليد ذكرى . ولعل في هذا إشارة كافية للتعبير عن حال جماعاتهم عما إذا كانوا قد ظفروا بالنصر أو رجعوا بالهزيمة .
ويمكن لنا أن نتبين درجة الملوحة في تربة المنطقة ونقاء جوها حين تنظر إلى بعض الجثث التي تخلفت عن الهجوم الأول وظلت على حالها ملقية حيث هي فوق الرمال لم تطرأ عليها أعراض البلى ، ولم يمسها الدود . ( كذب واضح فكيف لجثث مرت عليها أكثر من 14 عاما أن تبقى بدون بلى أو لم يمسها الدود وإذا سلمت من الدود هل تسلم من الحيوانات الضارية في المنطقة مثل الذئاب والثعالب والكلاب وغيرها ... عبد الناصر ) .
ماكان أولئك البدو يخشون الحديث عن تلك الحرب ، فقد كانوا يتحدثون عن هزيمتهم بروح الدعابة تماما مثلما يتحدثون عما أصاب الإنكليز في الجعلان ، وما أصاب أسلحتهم وتجهيزاتهم ، وكانوا ينتقدون ذلك كله بالدهاء والمكر .
إن العربي حين يخرج للحرب ، لايحمل معه أمتعة تثقله عن الكر والفر . لايحمل العربي على ظهر بعيره عادة في مثل هذه المناسبة شيئاً سوا أسلحته ، ووعاء ماء جلدي ، وجراب صغير فيه دقيق مبلل . وعلى ذلك ، فإن كمية العتاد التي تحملها قواتنا كانت تصيب هؤلاء العرب بالدهشة ، ولكن الشيء المزري حقاً والذي شاع بعد ذلك وذاع وتواتر في عمان كلها ، هو دهشتهم البالغة من كثرة براميل الخمور التي كانت في صحبة رجالنا .




شكرا للجميع على المتابعة ونلتقي إن شاء الله في موضوع آخر
هذا الكتاب يتكون من 208 صفحات عرضت منها تقريبا 40 صفحة
وهذه قائمة المحتويات :
المقدمة
الفصل الأول : مسقط
الفصل الثاني : سكان مسقط
الثالث : عيون الإمام علي
الرابع : صور
الخامس : قبيلة البني بوعلي
السادس : عادات بدو البني جنبة
السابع : رحلة في وادي بيثة
الثامن : داخل قلعة طلحات
التاسع : الجبل الأخضر .
العاشر : قبيلة بني ريام
الحادي عشر : كرم الأمير .
الثاني عشر : نفوذ المرأة في المجتمع العماني
الثالث عشر : السويق
الرابع عشر : صلف شيخ عبري
الخامس عشر : سلطة الشيخ أحمد بن عشيان
السادس عشر : القراصنة
السابع عشر : البحارة العمانيون
الثامن عشر : الزراعة
التاسع عشر : ابل عمان
العشرون : العادات والتقاليد العمانية .

.

آخر تحرير بواسطة عبدالناصر20 : 16/09/2005 الساعة 12:52 AM
  #20  
قديم 10/09/2005, 10:31 PM
صورة عضوية الحزين
الحزين الحزين غير متواجد حالياً
مـشــــــــرف
 
تاريخ الانضمام: 10/12/1999
الإقامة: عمان
المشاركات: 1,407
بارك الله فيك أخي الكريم على الجهد المبذول .... أمتعتنا بما نقلت


ولكن - مثلما ذكرت - في ظل غياب مصادر أخرى موثقة تتحدث عن هذه الفترة، علينا الاحتراس من أخذ كل ما قيل حتى نتأكد.
للأسف هناك تقصير واضح في تعليم تاريخ عمان .....
و - في الجانب الآخر - هناك تقصير أشد في قراءة تاريخنا.

أسأل الله أن يوفقنا لقراءة المزيد حول تاريخ عمان القديم الجديد.
  #21  
قديم 11/09/2005, 11:40 AM
صورة عضوية عبدالناصر20
عبدالناصر20 عبدالناصر20 غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 24/02/2004
المشاركات: 2,008
اقتباس:
أرسل أصلا بواسطة الحزين
بارك الله فيك أخي الكريم على الجهد المبذول .... أمتعتنا بما نقلت


ولكن - مثلما ذكرت - في ظل غياب مصادر أخرى موثقة تتحدث عن هذه الفترة، علينا الاحتراس من أخذ كل ما قيل حتى نتأكد.
للأسف هناك تقصير واضح في تعليم تاريخ عمان .....
و - في الجانب الآخر - هناك تقصير أشد في قراءة تاريخنا.

أسأل الله أن يوفقنا لقراءة المزيد حول تاريخ عمان القديم الجديد.
نعم ياأخي
فليس كل مايكتب يمكن اعتماده فمن الممكن أن يكون الكاتب له ميول أو مصالح أو وجهة نظر
يريد أن يفرضها على القراء .
وبما أن مثل هذا الكاتب كان يكتب للأوربيين فهو قد خاطبهم بما يعجبهم من الناحية الدينية
والعقائدية وأيضا لكونه من جهة معادية للوسط الذي هو فيه فلايمكن أن يكون كاتب محايد
وهناك الكثير من الرحالة مروا بالسلطنة وكتبوا عن المدن العمانية في مختلف العصور
وفي الرد القادم سأنقل عن هذا الموضوع من خلال موقع مجلة نزوى الثقافية
  #22  
قديم 11/09/2005, 11:50 AM
صورة عضوية عبدالناصر20
عبدالناصر20 عبدالناصر20 غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 24/02/2004
المشاركات: 2,008
كتابات الرحالة عن سلطنة عمان جمعها باحث فرنسي يدعى كزافيي بيغان بيلكوك في كتاب شامل صدر أخيرا في باريس باللغتين الفرنسية والإنجليزية وتمهيد بالعربية تحت عنوان "عمان:خمسة وعشرون قرنا في كتابات الرحالة". يقدم الكتاب مقتطفات من نصوص لستين رحالة ينتمون إلى 22 جنسية مختلفة مع تعريف مختصر بحياتهم. وهؤلاء منذ الاسكندر الأكبر (326 ق. م.) وحتى عصرنا الراهن, توقفوا في مسقط أو زاروا,مدناعمانية أخرى،وتركوا شهادات مكتوبة عن مشاهداتهم أو تجاربهم. كما أن الكتاب يحتوي على ما يزيد على 250 صورة ولوحة تستعيد العصور الغابرة والرحلات المختلفة.

يقول بيغان بيلكوك في مقدمته "بعد ثلاث سنوات من البحث وألتقصي, توصلت يوما بعد يوم, إلى اكتشاف نصوص معروفة تارة ومجهولة تماما أو غلفها النسيان تارة أخرى،نصوص مثيرة للدهشة غالبا مصدرها رجال ونساء ذوو شخصيات متنوعه وشيقه.

ويسمح تنوع وأصالة هذه النصوص بالقاء الضوء من خلال أقوال حقيقية،على الماضي العريق لشبه جزيرة عمان منذ عهد الاسكندر الكبير في القرن الرابع قبل الميلاد". وهو يهدي كتابه إلى الصداقة الفرنسية العمانية، ويسجل باللغات الثلاث جملة مأخوذة عن أحد الرحالة الفرنسيين, فرانسوا دو بولاي لوجوز،الذي كان قد توقف في مسقط في 29 تشرين الثاني (نوفمبر 1648):"السفر يصنع الرجال والرجال يصنعون الاصدقاء ".

ويقدم الباحث في مستهل عمله المراحل الكبرى لتاريخ عمان مع صفحة مخصصة لاسماء حكام سلالة آل بو سعيد، ويعرض في آخره ملحقين:الأول يذكر اسماء الممثلين الديبلوماسيين لكل من فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة في عمان منذ القرن التاسع عشر، في حين ينقسم الملحق الثاني الى ثلاثة اجزاء. الاول يقدم المراجع الخاصة بالرحلات الى عمان,والثاني يجمع الرحالة الذين كتبوا عن مرورهم بعمان والذين لم يخصص لهم باب مستقل في الكتاب, والثالث مرجع عام للمؤلفات المتعلقة بعمان.

تبدأ الرحلة الاولى في القرن الرابع ق. م.، ويستند بيلكوك على كتاب "رحله نيارك " اميرال الاسكندر الكبير الذي وضعه العالم م البريطاني, ويليام فينسينت ( 1739 - 1815 ) وترجمه الى الفرنسية جون باتيست بيلكوك العام 1800 نزولا عند رغبة الجنرال بونابرت الذي كان لايزال يشغل منصب القنصل الاول.

اشتهر نيارك بالرحلة التي قام بها من مصب الهندوس حتى بابل, فقد كانت المرة الأولى التي يبحر أسطول يوناني في المحيط الهندي. وعملية الاستكشاف هذه التي تعتبر أول حدث مهم في تاريخ الملاحة كانت تهدف, اضافة الى المغامرة البطولية،إلى غرض سياسي وتجاري كبيرين. وكان الإسكندر، في مشروعه الضخم لتأسيس أمبراطورية عالمية، يبحث في اقامة مواصلات مباشرة ومضمونة بين بابل والاقاليم البعيدة في امبراطوريته, وكذك وصل الشرق كله بأوروبا. وقام نيارك باستكشاف الساحل الجنوبي لبحر عمان والخليج العربي,علما بأن الاسكندر كان يريد الاستيلاء على شبه الجزيرة العربية وتأسيس المستعمرات على ضفتي الخليج من أجل السيطرة كليا على التجارة بين بابل والهند مرورا بشبه الجزيرة العربية. إلا أن وفاته العام 323 ق. م. وضعت حدا لهذا المشروع الضخم الذي كان ينوي تسليمه إلى نيارك.

ومن الاميرال اليوناني, ينتقل بيلكوك إلى المسعودي, المؤرخ والجغرافي والفيلسوف العربي الذي ولد في بغداد في حدود 893م وقام ابتداء من العام 915 برحلة كبرى شملت أرمينيا وبلاد فارس والهند، وعاد الى بغداد مرورا بعمان, كما زار سوريا ومصر. ويعتمد بيلكوك على الترجمة التي وضعها الأب الفرنسي, أوساب روندو، لجزء من كتاب "مروج الذهب ". وبعد المسعودي, ياتي ماركو بولو التاجر والرحالة الايطالي الشهير الذي قام برحلة العام 1270 أوصلته الى بكين حيث مكث أكثر في عشرين عاما في بلاط قبلاي خان. وكان هذا الاخير يرسله في مهمات إلى الهند وبلاد الفرس. وفي طريق العودة إلى مدينته,البندقية، العام 1295 مر بسومطرة والهند وعمان..

واما الذي عرف بـ "ماركو بولو العرب " أو ابن بطوطة فيخصص له الباحث الفرنسي بالطبع فصلا، ذلك أن العالم المغربي واسمه الحقيقي الشيخ أبو عبدالله محمد بن عبدالله اشتهر كاحد اكبر الرحالة في التاريخ. ولد في طنجة عام 1304 وتوفي في فاس عام 1378، إلا إنه غادر مدينته في 13 حزيران (يونيو) 1325 وهو في الواحدة والعشرين من عمره من أجل القيام بحجة إلى مكة المكرمة. فبعد أن قطع أفريقيا الشمالية ومصر وسوريا، وصل إلى المدينة المكرمة وأدى حجته. ثم زار بلاد الفرس وشبه الجزيرة العربية واليمن وعمان وساحل الصومال والهند وسيلان والصين, وبعد رحلة دامت ثلاثين عاما عاد الى طنجة وإنما لفترة قصيرة، فما لبث ان غادرها مجددا لزيارة أسبانيا واستكشاف ضفاف نهر النيجر وداخل أفريقيا حتى وصل تمبو كتو. توقف ابن بطوطة مرتين في عمان, المرة الأولى عام 1331 بعد اقامته في مكة المكرمة التي دامت ثلاث سنوات فمر بعمان في طريقه الى بلاد الفرس ثم الصين. وبعد سنوات, وفي طريق العودة من الشرق الاقصى، توقف مجددا في مسقط وقريات وقلهات. وأما رواية رحلاته التي كتبها من أجل سلطان المغرب فنشرت كاملة للمرة الأولى باللغة الفرنسية، يرافقها النص العربي عام 1853. وفي 1982، اعيد نشر رحلات ابن بطوطة بطبعة جديدة ترافقها التفسيرات العديدة.

ومن البحارة الذين توقفوا في عمان الاميرال الصيني جانغ هي في القرن الخامس عشر. وكانت الرحلات البحرية الصينية المهة بدأت فى مطلع ذلك القرن مع سلالة "مينغ " لتظهر التفوق التقني الصيني وتقدمه على البرتغال واسبانيا اللتين لم تباشرا المغامرات البحرية إلا في نهاية القرن الخامس عشر.

واشتهر جانغ هي (وهو مسلم صيني ) في انحاء البلاد بفضل رحلات اوصلته بين 1402 و 1433 إلى أكثر من 35 بلدا، في سومطرة إلى سيلان وبحر عمان والخليج العربي وشواطىء شبه الجزيرة العربية والبحر الاحمر وزنجبار. وبالتالي, أدت هذه الرحلات الى نشر عدد كبير من الاعمال حول المعرفة الملاحية والجغرافية للصينيين, وإلى رواية عن مغامرات جانغ هي وضعها عام 1597 كاتب صيني باسم لو مودانغ. وفي المقاطع التي يمكن استرجاعها هنا عن توقف الاسطول الصيني في عمان ومشاهداته ما يلي:"الحليب ضروري في غذاء سكان عمان. يأكلونه مغلي أو مخلوط مع طعام آخر. في الأسواق, نجد الخراف والدجاج ولحومات مشوية أخرى، والفطائر وجميع أنواع أطباق الحبوب. وكقاعدة عامة، الأسر المؤلفة من شخصين أو ثلاثة أو أربعة لا تشعل النار من أجل طبخ طعامها، بل تشتريه حاضرا وساخنا.. ". وفي مكان آخر، نقرأ: "قدم ملك هذا البلد للأسطول الصيني أحصنة ولآلىء وحجارة كريمة، إضافة إلى رسالة مكتوبة على ورقة من ذهب ".

ومن الرحالة المجهولين الذين يذكرهم كزافيي بيغان بيلكوك في كتابه التاجر الروسي اتاناس نيكتين الذي قطع بلاد الفرس عام 1470 ثم توقف في مسقط ومنها عبر المحيط الهندي متوجها نحو الهند. وبعد ثلاث سنوات في المنطقة، قرر العودة الى روسيا إلا أن الاحوال الجوية أجبرته على الذهاب إلى أثيوبيا والتوقف مجددا في مسقط قبل الرجوع الى شيراز فقم وتبريز... وعبور البحر الاسود للوصول الى بلاده. وعن رحلته التي دامت ست سنوات, خلف نيكتين كتابا عنوانه "رحلة عبر ثلاثة بحار" اكتشف المؤرخ الروسي كرازمين في محفوظات احد الاديرة في زاغورسك, فعمد الى نشره.وتظهر رحلة نيكتين أن الروس ابتداء من القرن الخامس عشر كانوا يقيمون العلاقات مع الهند، في وقت كان البحار البرتغالي فاسكودي جاما مازال يفكر بوسيلة للوصول إلى تلك البلاد البعيدة من خلال طريق تلف أفريقيا.

ولما وصل أول برتغالي عام 1507 إلى مسقط وهو الفونسو دالبوكركي, نائب ملك ما عرف آنذاك بالهنود الشرقية او الهنود البرتغالية، فوصفها كالتالي:"مسقط مدينة كبيرة، كثيفة السكان, تحيط بها نحو داخل البلد، الجبال العالية. أما لجهة الشاطىء، فهي تقع عند حافة الأمواج. وراء المدينة، يمتد سهل كبير تغطيه تلال من الملح, ليس لان البحر يصل إلى هنا بل لان المياه،ملحية وعندما تتبخر لا يبقى سوى الملح...". ويلاحظ أيضا: "كانت مسقط دائما سوقا للخيل وللتمر. إنها مدينة أنيقة للغاية، ومنازلها جميلة. تزود في الداخل بمؤن القمح والذرة والشعير والبلح. وهذه المنتجات تخزن هنا قبل أن تحمل على أكبر عدد من السفن ".

أما الصائغ الفرنسي, جان باتيست تافرنيي الذي يعتبر أشهر رحالة في القرن السابع عشر والذي توقف في مسقط اشهر لرحالة في القرن السابع عشر عام 1636، والذى توقف في مسقط خبر: "أمير مسقط يملك أجمل لؤلؤة موجودة في العالم, ليس لحجمها لأنها لا تزن سوى اثنى عشر قيراطا وليس لكرويتها الكاملة، بل لأنها صافية وشفافة إلى درجة انه يمكن مشاهدة الضوء عبرها.

في القرن السابع عشر حتى القرن العشرين, يتابع الكتاب الرحلات الطريفة والشيقة التي قام بها البرتغاليون والعثمانيون والايطاليون والفرنسيون والبريطانيون والهولنديون والأمريكيون.. مركزا على شخصية أو أخرى من هؤلاء المغامرين أو المغامرات الذين توقفوا في مسقط أو في مدينة عمانية أخرى، وسجلوا ذكرياتهم وانطباعاتهم في كتب أصبحت نادرة اليوم. ومن النساء الشهيرات اللواتي توقفن في مسقط, النمساوية ايدا بفايفير (767 1 - 8 5 8 1 ) التي بدأت حياتها كربة عائلة، ولكنها بعد وفاة زوجها واستقلال أولادها كرست حياتها لولعها العميق, بالسفر والترحال. ففي العام1842 وهي في الرابعة والأربعين من العمر، غادرت فيينا وجالت في تركيا وسوريا وفلسطين ومصر. وبعد ذلك, توجهت شمالا لزيارة السويد والنرويج وايسلندا... إلا أن هذه الرحلات لم تكن سوى مقدمة لمغامرتين ضخمتين قامت بهما ايدا بفايفير: فهما جولتان حول العالم, الأولى دامت من 1846 حتى 848 1 وألثانية بدأت في 1 85 1 وانتهت عام1854.

نشرت عددا كبيرا من الكتب عن رحلاتها التي عرفت رواجا كبيرا وترجمت إلى لغات مختلفة. وكانت قد توقفت في مسقط في أيار (مايو) 1848، ومن بين المشاهدات التي دونتها في كتاب "رحلة حول العالم تقوم بها امرأة". كانت التالية:"النساء في مسقط ترتدين نوعا من القناع مصنوع من القماش الأزرق تمسكه المشبكات أو السلك الحديدي, وهو لا يلمس الوجه. وهذا القناع مقصوص بين الجبين والأنف, وبالتالي يمكن رؤية أكثر من العينين. ولا تضعن هذا القناع سوى عندما تبتعدن عن المنزل... ".

توقف الكتاب في مسقط أيضا وسجلوا تاملاتهم, وكان ابرزهم الفرنسي بيار لوتي من "الاكاديمية الفرنسية" الذي مر بعمان عام 1900 وكتب عن مسقط قائلا: "... المدينة التي تبدو من بعيد بيضاء كانت فصلا من الشوارع الصغيرة المغطاة حيث كان يخيم شبه ظلام تحت تسقيفات منخفضة في الداخل, كان يحفنا سحر وقلق في آن. كنا نخضع بافراط الى ذلك الاضطراب الذي لا يحمل اسما وينبعث, في الشرق بكامله,من الصمت, من الوجوه المحجبة من المنازل المغلقة.. ".

وينتهي الكتاب برحلتين ديبلوماسيتين معاصرتين الى عمان :الأولى زيارة الملكة اليزابيث ملكة بريطانيا العام 1979, والثانية زيارة الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتيران العام 1992.

المصدر : مجلة نزوى الثقافية العدد الثالث
  #23  
قديم 15/09/2005, 05:33 PM
said said غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ الانضمام: 23/10/2002
المشاركات: 153
أخي العزيز أرجوا أن توافينا بباقي الفصول وخاصة الفصل المتعلق ببني ريام ولك جزيل الشكر والتقدير على هذا الموضوع الرائع الذي تعرفنا من خلاله على تاريخ بلادنا
  #24  
قديم 20/09/2005, 06:14 PM
صورة عضوية ملسون
ملسون ملسون غير متواجد حالياً
عضو متميز
 
تاريخ الانضمام: 10/12/2000
الإقامة: Muscat
المشاركات: 1,577
رائع أخي العزيز عبدالناصر20 ،،

كتاب أكثر من رائع ... و نرجوا أن توافينا بباقي الفصول .. أو أي رابط يمكننا تحميل الكتاب إلكترونياً منه.

شكراً لك أخي الكريم على هذه الروح الثقافية التي أنرت بها المنتدى
  #25  
قديم 22/09/2005, 02:42 AM
صورة عضوية عبدالناصر20
عبدالناصر20 عبدالناصر20 غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 24/02/2004
المشاركات: 2,008
اخواني من غير الممكن أن يقوم احد بنقل الكتاب كاملا فبالإضافة الى الوقت اللازم لذلك
والظروف الخاصة هناك قوانين تحمي الملكية الفكرية ويمكن أن تحاسب سبلتنا العزيزة على ذلك
والأسلوب الذي اتبعه عادة هو طرح نموذج ونقل لبعض الأجزاء من الكتاب
بحيث يتمكن قاريء السبلة العزيز من أن يأخذ فكرة أولية عن الكتاب من خلال هذه الأجزاء الأصلية
أما ما يطالب به بعض الأخوة عن كتابة أجزاء بعينها فقد يأتي اخر بطلب جزء معين
وهكذا فلن نستطيع ارضاء الجميع الا بكتابة الكتاب كاملا وهذا فيه شيء من الصعوبة
وقد نقلت هذه الأجزاء من نسخة املكها ولو علمت أن هناك نسخة الكترونية للكتاب لما ترددت في طرح الموقع
والكتاب عموما موجود في مكتباتنا العامة وكنت قد اشتريته سابقا من معرض مسقط للكتاب
أشكر كل من شارك أو قرأ هذا الموضوع وأرجو المعذرة
  #26  
قديم 22/09/2005, 08:16 AM
البسيوي البسيوي غير متواجد حالياً
مـشــــــــرف
 
تاريخ الانضمام: 15/03/2001
الإقامة: مسقط / بسياء
المشاركات: 4,060
Thumbs up

أخي عبدالناصر ،،

شكرا لك ولقد كفيّت ووفيت معا هنا .. ربما قد وصلت فكرة الكتاب إلى المتابعين هنا .. وبالتالي تحقق هدف "قرأت لكم" .. إذا أن المطلوب هو فكرة بسيطة عن الكتاب وليس الكتاب بأكمله.

شخصيا .. عندي نسخة من الكتاب وأشجّع الآخرين على البحث عنه .. فهو جدير بالقراءة !!

تحياتي
  #27  
قديم 28/10/2005, 05:35 PM
صورة عضوية عبدالناصر20
عبدالناصر20 عبدالناصر20 غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 24/02/2004
المشاركات: 2,008
للتذكير بهذا الكتاب
  #28  
قديم 05/11/2005, 07:04 AM
الايجابي الايجابي غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ الانضمام: 07/11/2004
المشاركات: 773
أخي عبد الناصر أنا أشجعك بل أطلب منك التكرم بإكمال الكتاب كما بدأت، شيئا فشيئا وسسيكتمل بإذن الله بجهودكم المباركة.
من مجموع قطرات الأمطار البسيطة تتكون الاودية والأنهار العظيمة.
 

أدوات الموضوع البحث في الموضوع
البحث في الموضوع:

بحث متقدم
تقييم هذا الموضوع
تقييم هذا الموضوع:

قواعد المشاركة
ليس بإمكانك إضافة مواضيع جديدة
ليس بإمكانك إضافة ردود
ليس بإمكانك رفع مرفقات
ليس بإمكانك تحرير مشاركاتك

رموز لغة HTML لا تعمل

الانتقال إلى


جميع الأوقات بتوقيت مسقط. الساعة الآن 09:08 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions Inc.
سبلة العرب :: السنة 25، اليوم 126
لا تتحمل إدارة سبلة العرب أي مسئولية حول المواضيع المنشورة لأنها تعبر عن رأي كاتبها.