سبلة العرب
سبلة عُمان الصحيفة الإلكترونية الأسئلة الشائعة التقويم البحث مواضيع اليوم جعل المنتديات كمقروءة

العودة   سبلة العرب > سبلة الثقافة والفكر

ملاحظات

 
 
أدوات الموضوع البحث في الموضوع التقييم: تقديرات الموضوع: 3 تصويتات، المعدل 3.67.
  #201  
قديم 18/12/2005, 12:42 PM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Thumbs up مـا بين الرياضيات السنغافوريـة والعربيـة

مـا بين الرياضيات السنغافوريـة والعربيـة

د. عبدالله المدني
من بعد نجاحاتها المشهودة في العديد من الحقول، وبما صارت معه مضرباً للأمثال ونموذجا للاقتداء، ها هي سنغافورة تحقق إنجازاً عالمياً آخر· ففي آخر منافسة للمسابقة العالمية في الرياضيات والعلوم والتي تجرى كل بضع سنوات، تقدم طلابها على أقرانهم من ممثلي 49 دولة (أو نحو 230 ألف تلميذ وتلميذة) وحازوا على المركز الأول في الرياضيات، فيما ذهبت المراكز الأربعة التالية إلى كوريا الجنوبية وهونغ كونغ وتايوان واليابان على التوالي، وذلك في دليل واضح على تفوق الآسيويين على زملائهم في الغرب المتقدم·
أما العرب (كان اللبنانيون والأردنيون أفضلهم بتحقيقهم المرتبتين 31 و 32 على التوالي) فنفضل عدم الحديث عن مراكزهم من باب ''ستر الفضيحة''· ففي مثل هذه الحالات يستحسن الصمت كي لا يتسبب أي تعليق في إصابة الأمة بالمزيد من الإحباط· غير أن هناك من لا يجيد الصمت، وبدلا من البحث في أسباب هذا الإنجاز السنغافوري على الأقل، راح تحت عقدة عدائه المزمن للغرب، يغمز شامتا من قناة فشل طلبة الغرب في مجاراة أقرانهم الآسيويين فحسب·
إن هذا الإنجاز السنغافوري ليس جديداً إلا لمن لم يسمع بمثل هذه المنافسة الدولية من قبل· فطلبة هذه الجزيرة، الصغيرة، سبق لهم تحقيق نفس الإنجاز في الدورة الأولى في عام 1995 وفي الدورة الثانية في عام ·1999 وفي مسابقة مماثلة أخرى ذات قواعد مختلفة وتعقد سنويا في أستراليا، تكررت إنجازات السنغافوريين بالمستوى المبهر ذاته· ففي عام 1999 كان أربعة من ضمن ثمانية فقط ممن وفقوا في الحصول على علامات كاملة في امتحان الرياضيات من سنغافورة· وفي العام التالي كان ستة سنغافوريين ضمن التسعة الذين نالوا درجات كاملة في المادة، وذلك من بين نصف مليون متسابق·
كل هذا لم يأت مصادفة أو من فراغ وإنما كحصيلة لجهود مضنية ومناهج متكاملة ومتطورة وهيئات تدريس عالية الكفاءة وسياسات تربوية حكيمة، الأمر الذي جعل الناس حول العالم مشدودين ومهتمين بمعرفة أسرار تفوق السنغافوريين في الرياضيات· وحينما أدركوا أن بعض السر هو في المنهج تحديداً، ذاعت شهرة هذا المنهج وصار يعرف باسم ''الرياضيات السنغافورية''· وهذا أدى بدوره إلى نشوء رغبة في معرفة كنه وأسرار المناهج التعليمية الأخرى في تلك البلاد على افتراض أنها هي الأخرى متقدمة ومتميزة (وهي كذلك)· وهكذا ظهرت مصطلحات مثل الفيزياء وفق الطريقة السنغافورية والإنجليزية وفق الطريقة السنغافورية وما شابههما·
أحد الأمور التي تميز منهج الرياضيات في سنغافورة أنه يحدث ويطور من وقت إلى آخر كي يتلاءم من جهة مع آخر المبتكرات والأساليب والفنون التعليمية، ومن جهة أخرى مع حاجات البلاد المتغيرة وما يفرضه الحراك الاقتصادي العالمي من حولها من تبدل الأولويات والخطط والبرامج الهادفة إلى الارتقاء· وبمعنى آخر فإن المنهج لا يترك جامداً لفترة زمنية طويلة كي لا يجد الطلبة أنفسهم يدرسون المادة بمضامين أو أساليب هجرها سواهم أو صارت من الماضي· والدليل على هذا أن وزارة التربية السنغافورية، التي تتخذ من عبارة ''نصيغ مستقبل أمتنا'' شعاراً لها، قامت منذ عام 1981 الذي شهد إطلاق أول مقرر متطور للرياضيات الحديثة في البلاد، بإجراء تعديلات وتحسينات على المقرر المذكور في السنوات 1991 و1994 و 1999 و ·2001 وقد شملت هذه التحسينات الإضافة والحذف والنقل من مستوى تعليمي إلى آخر وإدخال التقنيات الجديدة كالكمبيوتر والإنترنت، إضافة إلى زيادة الساعات المخصصة لمادة الرياضيات والتركيز على مهارات السرعة في حل التمارين وإجراء العمليات الحسابية·
الأمر الآخر هو أن منهج الرياضيات السنغافوري ليس من إعداد حفنة من البيروقراطيين في وزارة التربية، وإنما نتاج مسابقات ومساهمات تشترك فيها المؤسسات العلمية والاقتصادية الخاصة، والتي ستحتضن يوما ما خريجي المدارس والكليات وتوفر لهم الوظائف القيادية· وهذه بطبيعة الحال معنية بأن تقدم تصورات ومناهج تستوعب الأحدث ابتكاراً والأكثر قدرة على سبر أغوار العقول وتنشيطها من أجل إيجاد كوادر علمية تنافس بها الآخرين· ومن هنا فإن الفضل في إدخال البرنامج المسمى ''هاي ماث'' في تدريس الرياضيات في سنغافورة مثلا يعزى لهذه المؤسسات التي اقتبسته من فكرة للمصرفية الهندية ''نيرمالا سانكاران'' وزميلها المصرفي''هارش راجان''·
وعلى حين أن مناهج الرياضيات للمرحلة الابتدائية في بعض الأقطار العربية لا تزال حافلة بتمارين تبدأ بصيغة ''باع تاجر كذا صندوق من ··'' وتنتهي بسؤال في صيغة '' فكم كان ربحه؟''، فان مقرر الرياضيات في سنغافورة لنفس المرحلة يعتمد تمارين مضامينها وأرقامها مستوحاة من بيانات وإحصائيات قطاعات الاقتصاد القومي ومن المعلومات الرقمية الخاصة بالبلاد، وذلك بغية تحقيق هدف إضافي فوق تعليم مبادىء الرياضيات هو تعريف الطلاب بإنجازات وطنهم وتحديث معلوماتهم الرقمية عنه وبالتالي تعزيز انتمائهم له وافتخارهم به·
ويقودنا الحديث عما حققته سنغافورة في حقل تعليم الرياضيات إلى الحديث عن نظامها التعليمي الذي يعتبر أحد أفضل النظم التعليمية في العالم· ويعود الفضل في هذا إلى عاملين أساسيين هما: التطوير المستمر في السياسات والأبحاث الخاصة بصياغة المناهج وتطبيقها وإدارة البيئة التعليمية، والالتزام الصارم لعشرات الآلاف من المدرسين المدربين تدريباً عالياً والمجبولين على عشق مهنتهم كواجب وطني وليس كمجرد وظيفة مدرة للدخل· وقد اختصر وزير التربية السنغافوري ذات مرة أهداف وزارته في: التواصل مع العالم، والتركيز على مادتي الرياضيات والعلوم، وخلق المعرفة، وتأسيس بيئة تعليمية تشجع على الإبداع· وهذا بطبيعة الحال عكس أهداف نظم التعليم العربية الجامدة التي تنطلق في بناء الطلبة من رؤى ''الموروث'' القديم أو من هدف حصولهم على الشهادة فالوظيفة، وتركز على ثقافة التلقين والحفظ والانصياع ولا تسمح بمساحة لإعمال العقل والجدل باعتبار أن هذه الأمور تشجع على التمرد وقلة الأدب·
ونختتم الحديث بمقارنة ما سبق بما أفصحت عنه دراسة تربوية أجريت مؤخراً في الكويت· حيث تبين أن أكثر من 35 بالمئة من المعلمين غير مؤهلين للتدريس رغم حصولهم على شهادات جامعية· غير أن الأغرب من ذلك كان اكتشاف أن أكثر من 50 بالمئة من الطلبة يكنون كراهية شديدة لمادتي الرياضيات (التي هي أس وقاعدة كل العلوم ومنطلق أية نهضة علمية أو اقتصادية) واللغة الإنجليزية (التي هي لغة العصر ومفتاح معرفة العلوم الحديثة وجواز المرور إلى الاقتصاد العالمي)، مقابل تفضيلهم لمادة التربية الإسلامية بحجة أن امتحاناتها عادة ما تكون سهلة!
وصف طه حسين يوم كان وزيراً للمعارف في مصر العلم بأنه كالماء والهواء لا غنى للإنسان عنه· وتعليقنا هو أن العلم في بلادنا العربية هو بالفعل كذلك لأنه لاطعم له أو رائحة·

وجهات
18/12/2005
  مادة إعلانية
  #202  
قديم 18/12/2005, 05:11 PM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Thumbs up

مـا بين الرياضيات السنغافوريـة والعربيـة

د. عبدالله المدني


من بعد نجاحاتها المشهودة في العديد من الحقول، وبما صارت معه مضرباً للأمثال ونموذجا للاقتداء، ها هي سنغافورة تحقق إنجازاً عالمياً آخر· ففي آخر منافسة للمسابقة العالمية في الرياضيات والعلوم والتي تجرى كل بضع سنوات، تقدم طلابها على أقرانهم من ممثلي 49 دولة (أو نحو 230 ألف تلميذ وتلميذة) وحازوا على المركز الأول في الرياضيات، فيما ذهبت المراكز الأربعة التالية إلى كوريا الجنوبية وهونغ كونغ وتايوان واليابان على التوالي، وذلك في دليل واضح على تفوق الآسيويين على زملائهم في الغرب المتقدم·
أما العرب (كان اللبنانيون والأردنيون أفضلهم بتحقيقهم المرتبتين 31 و 32 على التوالي) فنفضل عدم الحديث عن مراكزهم من باب ''ستر الفضيحة''· ففي مثل هذه الحالات يستحسن الصمت كي لا يتسبب أي تعليق في إصابة الأمة بالمزيد من الإحباط· غير أن هناك من لا يجيد الصمت، وبدلا من البحث في أسباب هذا الإنجاز السنغافوري على الأقل، راح تحت عقدة عدائه المزمن للغرب، يغمز شامتا من قناة فشل طلبة الغرب في مجاراة أقرانهم الآسيويين فحسب·
إن هذا الإنجاز السنغافوري ليس جديداً إلا لمن لم يسمع بمثل هذه المنافسة الدولية من قبل· فطلبة هذه الجزيرة، الصغيرة، سبق لهم تحقيق نفس الإنجاز في الدورة الأولى في عام 1995 وفي الدورة الثانية في عام ·1999 وفي مسابقة مماثلة أخرى ذات قواعد مختلفة وتعقد سنويا في أستراليا، تكررت إنجازات السنغافوريين بالمستوى المبهر ذاته· ففي عام 1999 كان أربعة من ضمن ثمانية فقط ممن وفقوا في الحصول على علامات كاملة في امتحان الرياضيات من سنغافورة· وفي العام التالي كان ستة سنغافوريين ضمن التسعة الذين نالوا درجات كاملة في المادة، وذلك من بين نصف مليون متسابق·
كل هذا لم يأت مصادفة أو من فراغ وإنما كحصيلة لجهود مضنية ومناهج متكاملة ومتطورة وهيئات تدريس عالية الكفاءة وسياسات تربوية حكيمة، الأمر الذي جعل الناس حول العالم مشدودين ومهتمين بمعرفة أسرار تفوق السنغافوريين في الرياضيات· وحينما أدركوا أن بعض السر هو في المنهج تحديداً، ذاعت شهرة هذا المنهج وصار يعرف باسم ''الرياضيات السنغافورية''· وهذا أدى بدوره إلى نشوء رغبة في معرفة كنه وأسرار المناهج التعليمية الأخرى في تلك البلاد على افتراض أنها هي الأخرى متقدمة ومتميزة (وهي كذلك)· وهكذا ظهرت مصطلحات مثل الفيزياء وفق الطريقة السنغافورية والإنجليزية وفق الطريقة السنغافورية وما شابههما·
أحد الأمور التي تميز منهج الرياضيات في سنغافورة أنه يحدث ويطور من وقت إلى آخر كي يتلاءم من جهة مع آخر المبتكرات والأساليب والفنون التعليمية، ومن جهة أخرى مع حاجات البلاد المتغيرة وما يفرضه الحراك الاقتصادي العالمي من حولها من تبدل الأولويات والخطط والبرامج الهادفة إلى الارتقاء· وبمعنى آخر فإن المنهج لا يترك جامداً لفترة زمنية طويلة كي لا يجد الطلبة أنفسهم يدرسون المادة بمضامين أو أساليب هجرها سواهم أو صارت من الماضي· والدليل على هذا أن وزارة التربية السنغافورية، التي تتخذ من عبارة ''نصيغ مستقبل أمتنا'' شعاراً لها، قامت منذ عام 1981 الذي شهد إطلاق أول مقرر متطور للرياضيات الحديثة في البلاد، بإجراء تعديلات وتحسينات على المقرر المذكور في السنوات 1991 و1994 و 1999 و ·2001 وقد شملت هذه التحسينات الإضافة والحذف والنقل من مستوى تعليمي إلى آخر وإدخال التقنيات الجديدة كالكمبيوتر والإنترنت، إضافة إلى زيادة الساعات المخصصة لمادة الرياضيات والتركيز على مهارات السرعة في حل التمارين وإجراء العمليات الحسابية·
الأمر الآخر هو أن منهج الرياضيات السنغافوري ليس من إعداد حفنة من البيروقراطيين في وزارة التربية، وإنما نتاج مسابقات ومساهمات تشترك فيها المؤسسات العلمية والاقتصادية الخاصة، والتي ستحتضن يوما ما خريجي المدارس والكليات وتوفر لهم الوظائف القيادية· وهذه بطبيعة الحال معنية بأن تقدم تصورات ومناهج تستوعب الأحدث ابتكاراً والأكثر قدرة على سبر أغوار العقول وتنشيطها من أجل إيجاد كوادر علمية تنافس بها الآخرين· ومن هنا فإن الفضل في إدخال البرنامج المسمى ''هاي ماث'' في تدريس الرياضيات في سنغافورة مثلا يعزى لهذه المؤسسات التي اقتبسته من فكرة للمصرفية الهندية ''نيرمالا سانكاران'' وزميلها المصرفي''هارش راجان''·
وعلى حين أن مناهج الرياضيات للمرحلة الابتدائية في بعض الأقطار العربية لا تزال حافلة بتمارين تبدأ بصيغة ''باع تاجر كذا صندوق من ··'' وتنتهي بسؤال في صيغة '' فكم كان ربحه؟''، فان مقرر الرياضيات في سنغافورة لنفس المرحلة يعتمد تمارين مضامينها وأرقامها مستوحاة من بيانات وإحصائيات قطاعات الاقتصاد القومي ومن المعلومات الرقمية الخاصة بالبلاد، وذلك بغية تحقيق هدف إضافي فوق تعليم مبادىء الرياضيات هو تعريف الطلاب بإنجازات وطنهم وتحديث معلوماتهم الرقمية عنه وبالتالي تعزيز انتمائهم له وافتخارهم به·
ويقودنا الحديث عما حققته سنغافورة في حقل تعليم الرياضيات إلى الحديث عن نظامها التعليمي الذي يعتبر أحد أفضل النظم التعليمية في العالم· ويعود الفضل في هذا إلى عاملين أساسيين هما: التطوير المستمر في السياسات والأبحاث الخاصة بصياغة المناهج وتطبيقها وإدارة البيئة التعليمية، والالتزام الصارم لعشرات الآلاف من المدرسين المدربين تدريباً عالياً والمجبولين على عشق مهنتهم كواجب وطني وليس كمجرد وظيفة مدرة للدخل· وقد اختصر وزير التربية السنغافوري ذات مرة أهداف وزارته في: التواصل مع العالم، والتركيز على مادتي الرياضيات والعلوم، وخلق المعرفة، وتأسيس بيئة تعليمية تشجع على الإبداع· وهذا بطبيعة الحال عكس أهداف نظم التعليم العربية الجامدة التي تنطلق في بناء الطلبة من رؤى ''الموروث'' القديم أو من هدف حصولهم على الشهادة فالوظيفة، وتركز على ثقافة التلقين والحفظ والانصياع ولا تسمح بمساحة لإعمال العقل والجدل باعتبار أن هذه الأمور تشجع على التمرد وقلة الأدب·
ونختتم الحديث بمقارنة ما سبق بما أفصحت عنه دراسة تربوية أجريت مؤخراً في الكويت· حيث تبين أن أكثر من 35 بالمئة من المعلمين غير مؤهلين للتدريس رغم حصولهم على شهادات جامعية· غير أن الأغرب من ذلك كان اكتشاف أن أكثر من 50 بالمئة من الطلبة يكنون كراهية شديدة لمادتي الرياضيات (التي هي أس وقاعدة كل العلوم ومنطلق أية نهضة علمية أو اقتصادية) واللغة الإنجليزية (التي هي لغة العصر ومفتاح معرفة العلوم الحديثة وجواز المرور إلى الاقتصاد العالمي)، مقابل تفضيلهم لمادة التربية الإسلامية بحجة أن امتحاناتها عادة ما تكون سهلة!
وصف طه حسين يوم كان وزيراً للمعارف في مصر العلم بأنه كالماء والهواء لا غنى للإنسان عنه· وتعليقنا هو أن العلم في بلادنا العربية هو بالفعل كذلك لأنه لاطعم له أو رائحة·


المصدر وجهات
18/12/2005
  #203  
قديم 19/12/2005, 01:36 AM
صورة عضوية قناص السبلة 99
قناص السبلة 99 قناص السبلة 99 غير متواجد حالياً
عضو فوق العاده
 
تاريخ الانضمام: 29/08/2005
الإقامة: فـي قـلـب الــحـدث
المشاركات: 16,246
جميل جداً
شكرا لكم جميعا على المجهود المبذول
  #204  
قديم 04/01/2006, 11:20 AM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Thumbs up

حوار المثقفين والزوايا المنفرجة.. نقاط الالتقاء والائتلاف
(حول لقاء معالي السيد علي بن حمود بالمثقفين)
مسعود الحمداني

زار معالي الشاعر الدكتور غازي القصيبي (وزير العمل السعودي)الأسبوع الفائت السلطنة، زيارةٌ جمعت بين ما هو (عمليّ) رسميّ، وبين ما هو (ثقافي) مفتوح الأطر والفضاءات، فكما هو معروف يعتبر القصيبي شاعرا وقاصا وروائيا وباحثا موسوعيا في شؤون الفكر والتاريخ..ألقى محاضرة يوم الثلاثاء قبل الماضي حول (أهمية مراجعة المفردات الدينية والحضارية لمواكبة تقدّم الحياة) في جامع السلطان قابوس الأكبر، حضرها عدد كبير من الشخصيات الرسمية والعامة وجمهور حاشد..
حملت المحاضرة قيمة فكرية عالية، وتأريخا هاما لمسائل الفكر والتاريخ الإسلامي.
إلا أنّ أبرز ما كان في هذه الزيارة تلك اللفتة الرائعة من معالي السيد علي بن حمود البوسعيدي وزير ديوان البلاط السلطاني والذي دعا مجموعة من المثقفين والشعراء والقاصين لمأدبة (أدبية) على شرف الأديب الضيف(سأتخفّف قليلا من المسمّى الرسمي للدكتور غازي)، دعوة لبّاها أكثر من عشرين مثقفا، في منزل معالي السيد علي بن حمود وحضرها وزير القوى العاملة ووزيرة التعليم العالي ووكيل وزارة التعليم العالي.
كانت الرغبة في التواصل بين ثنائية الاشكالية المزمنة (السلطة / المثقف ) تتسع شيئا فشيئا، فقد تكون هذه المرة الأولى التي يفتح فيها أحد الوزراء باب منزله ـ عبر دعوة غير محددة ـ ليدخل المثقفون بكل أطيافهم..وهي بادرة أرجو أن تستمر وأن يوضع لها جدول ممنهج وعملي ونقاط حوار واضحة أو محاور نقاش محددة، وأن يُدعى لها شرائح أكبر من المثقفين والمهتمين مما يُذيب ذلك الجليد المزمن والتراكمات الحضارية البعيدة، والقطيعة المفتعلة بين المثقف والسلطة، لأن ذلك سيعمل على إتاحة الفرصة للاستماع والنقاش والخروج بالتالي بآلية واضحة المعالم بالنسبة للثقافة بشكل عام، وهي ـ كما يتفّق الجميع ـ اللبنة الأساسية التي تؤسس لأي مجتمع متطوّر ومبدع.. وهو ما وعد به معالي الوزير بما لا يتعارض وانشغالات معاليه الكثيرة والتي نقدّرها ونحترمها.
وعودة إلى جوّ الحفل المبسّط والحميم..
مجموعة من القصائد والنصوص الشعرية ألقيت كما تم الترتيب لها مسبقا، نصوص قدّمت مشهدا جزئيا معينا من مشهد كليّ متسع، ولخّص الجدول المعدّ للحفل (بانوراما) تمثّل بعض الاتجاهات الشعرية في السلطنة، بأسلوب خلا من التطويل والمطّ الزائد، وحتى لا يُؤخذ التوصيف على أنه (حفل رسميّ حكوميّ) فأود الإشارة إلى أنّ ذلك كان في إطار الاحتفاء الودي بالضيف..كما ألقى الدكتور غازي القصيبي مجموعة من قصائده ذات البعد الذاتي.
لعل وقت الدكتور غازي والبرنامج لم يكن يتسع ليستمع لتجارب شعرية أخرى كانت حاضرة : سيف الرحبي، عبدالله حبيب، وآخرون لأن الجدول المعدّ كان ضيّقا، رغم أن الضيف كان يحاول أن يستكشف ملامح المشهد الشعري العماني من خلال تجارب أكثر عمقا ووعيا وتجربة، ولكن الحدث في حدّ ذاته كان يحمل أكثر من دلالة ورؤية ورسالة، فهو على الأقل كسر حاجزا نفسيا غير مرئي في داخل المثقف تجاه سلطة القرار، وتلك القطيعة الهلامية بين سلطتين (نظرية وعملية).
أهم ما كان في هذه الجلسة الحميمة هو ذاك الحوار (المفتوح) والشفّاف الذي دار بعد وجبة العشاء، بين الحضور ومعالي السيد الوزير، ربما لا يعنيني كثيرا ما طرحه الأخوة المثقفون لأن ما يشغل كل مثقف هو همّ واحد مشترك، يتجاذب ويتنافر، وهو مساحة واسعة من الرؤى والمطالبات والاقتراحات، وغير ذلك، نقرأه كثيرا ونستمع إليه كثيرا، ونشاهده على الفضائيات وهو يمثّل رأي (الأغلبية) من المثقفين، إلا أن ما يهمني في ذلك الحوار هو رأي (الآخر) ـإن جاز التعبيرـ، رأي السلطة بما تمثّله من انفتاح تجاه المشروع الثقافي العام، وعدم انغلاق باتجاه الداخل الارتدادي، وما تفكّر فيه ولا نسمعه بشكل واضح، ربما لأن قنوات التواصل والتوصيل مشوّشة إلى حد ما، وهي بذلك لا تتيح الاقتراب بما فيه الكفاية من منطق البوح والتلاقي.
كان معالي الوزير غير متحفّظ في حواره، لأن القضية التي تشغل الجميع هي قضية واحدة، ولأن الوطن واحد، والهمّ واحد..لذا كانت زوايا الحوار متسعة ومتشعّبة وغير متنافرة في ذات الوقت، وفيها الكثير من نقاط التلاقي والاتفاق والتحاور الحضاري الإنساني بكل أبعاده الثقافية.
تحدّث معاليه عن (الفهم الأشمل للإسلام)..وأن الفهم المحدد والمحصور للدين من قبل البعض هو الذي لا يتيح الاشتغال في إطاره العميق كي يطرح معاصرته وراهنيّته وعظمته التي تعبّر عن شخصيته المنفتحة باتجاه العالم والكون، ويطرح بالتالي إجاباته الجذرية حول الأسئلة الوجودية والشكلانية التي ينشدها العالم ويتوق إلى معرفتها مخاطبا عقله ومعرفته الإنسانية المتراكمة عبر السنوات، بشكل أكثر نضجا وقربا وانفتاحا على مسائل الفرد الحياتية، حيث أنه كلما كبرت القضايا الأساسية يجب أن يصاحب ذلك فهما أعمق لطبيعة الدين وإشكالات الآنيّ والراهن، لأن ذلك الحصر الضيّق لمفهوم الدين رغم شموليته واتساعه أتاحت للبعض أن يكونوا (أوصياء) على المجتمع والناس دون أن يتقاطعوا معهم في مناطقهم الفكرية والحياتية، لذا يجب أن يُفهم الدين بشكل أكثر شمولية وانفتاحا وحركة مع اتجاهات الفكر المختلفة والمتغيّرة، من خلال حوار الحضارات وليس تصادمها العبثي والفوضوي غير المبرر مع الغير.
* هذا هو رأي المثقف الليبرالي والحقيقي في أي مكان.. وهو في نفس الوقت رأي (السلطة) المنفتحة باتجاه الكون والراهن والآخر الإنساني.
الحوار تطرّق كذلك إلى ما يطالب به المثقف حين يكون بعيدا عن سلطة القرار، وبين تغيّر زاوية رؤيته حين يكون في موقع (الحدث)، وذكر معاليه أن البعض من المثقفين يطالب بكل شيء، ويحلم بمدينة من سحاب، وهو ينظر إلى الأمور من زاوية (أن كل شيء يبدو ممكنا)، ولكن حين تتسع هذه الزوايا، ويلتصق باليوميّ والمجرّد، يدخل في حسابات كثيرة ومعقّدة ومتداخلة، فتنسحب الأحلام و تتراجع وتصبح أكثر واقعية وملامسة للأرض، لأن الجميع يريد أن يصنع شيئا، ولكن ليس بمجرد جرّة قلم تتحقق الأشياء، وليس كل شيء متاحا للتحقيق، ولو كان الأمر كذلك لرتّبنا لمدننا الفاضلة في كل دولة، فالجميع يحلم بالأفضل..الجميع دون استثناء ولكنّ السلطة (سلطة القرار أعني) لا تتيح لك أن تفعل كل شيء بمجرد التفكير فيه، بل أنّ حسابات متداخلة ومتشابكة مبنيّة على حقائق الأرض والواقع هي من يفرض عليك اتخاذ القرار.
* وهذه كذلك نظرة مشتركة بين المثقف والسلطة..فمعطيات الواقع، وأحلام المدينة الفاضلة لم تتحقق على الأرض منذ أفلاطون مرورا بتوماس مور وما إلى هنالك من الذين تخيّلوا هذه المدينة التي لن تكون إلا في خيالات الشعراء والفلاسفة..وهذه كذلك رؤية مشتركة ومتّفق عليها بين رؤية السلطة وفلسفة المثقف.
طرح بعض الحضور مسألة تبنّي (دار للكتاب) تُعنى بطبع ونشر وتوزيع الكتاب كما هو معمول به في بعض الدول، ووعد معاليه أنّه سيقوم بدعم مشروع أي كاتب يحتاج للدعم في حدود صلاحياته الرسمية..وهذا في حد ذاته يمثّل اقترابا أكثر من الهمّ (النظري) على الأقل للمثقف.
لم يخفِ معالي السيد الوزير (تخوّفه) من عدم حضور كثير من المثقفين، هذا التوّجس هو في حقيقته نوع من الفكرة الضبابية التي تغلّف طرفي العلاقة الفاعلة في المجتمع، غير أن حضور العديد من المثقفين ربما أزاح تلك الغلالة كي نرى من خلالها ما هو أبعد وأكثر إنسانية وائتلافا.
نقاط الالتقاء كانت جليّة وواضحة في العموميّات والكليّات، وتبقى مسألة الجزئيات هي دائما في دائرة الأخذ والرد شأنها شأن كل الاختلافات على مستوى التطبيق وليس في النظرية بحد ذاتها، وهي بحاجة إلى اقتراب أكثر، من صانع القرار بالنسبة للمثقف، وتماسٍ أكبر من منتِج الثقافة بالنسبة للسلطة أو المسؤول..
وهذا في حد ذاته الطريق المتعرّج الذي يجب أن يسلكه كلاهما في سبيل علاقة أكثر ديناميكية بين قطبين يظلان في أغلب حقب التاريخ متنافرين رغم وجود الكثير من البؤر المضيئة في العلاقة الثنائية بينهما..
بقي أن تستمر مثل هذه اللقاءات المفتوحة، كي يرانا الآخر ونراه، نستمع له، ونحاوره، وأن يوضع لها جدول زمنّي واضح ومحدد من خلال محاور تخدم (الثقافة الجمعية)، وتساهم إلى حد كبير في حلحلة تلك العلاقة المتوترة ـ شكليّا ـ بين عنصرين يمثلان حجر الرحى في تنمية ثقافية وطنية متكاملة، يشارك فيها المثقف والمسؤول حد سواء في صنع قرارها، وآليات دفعها نحو المستقبل.

إضاءة أخيرة:
(حين استأذنت من معالي الوزير السيّد علي بن حمود بكتابة مقال عن اللقاء، رحّب بذلك، وحين اقترح أحد المثقفين الحضور أن نطلعه على ما سيُكتَب قبل نشره، رفض قائلا: أنّ لا رقابة على ما يُكتب)..
نقطة التقاء أخرى بين عقلية المسؤول، وعقلية المثقف..

المصدر شرفات
4/1/2006
  #205  
قديم 14/02/2006, 04:19 PM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Cool

من يقود الشارع: هيفاء وهبي أم الإسلاميون؟

. صالح الراشد






نشرت "إيلاف" خبراً يقول: (أحيت النجمة اللبنانيّة هيفاء وهبي حفلاً غنائياً حاشداً في الثالث من الجاري، ضمن الحفلات الغنائيّة لمهرجان مسقط 2006، والذي أقيم على "السيب بيتش" في العاصمة العمانية مسقط، وحضرها أكثر من مائتي ألف شخص، وقد بدؤوا بالتوافد إلى الشاطئ قبل ساعات من بدء الحفل، ولم يتمكّن عشرون ألفاً آخرين من الدخول إلى الشاطئ بسبب الكمّ الهائل الذي أتى لمشاهدة الحفل). وتقول الإحصاءات الرسمية أن عدد سكان مدينة (مسقط)، العاصمة العٌمانية التي أحيت الحفل، لا يتجاوز 630 ألفاً حسب ما جاء على موقع وزارة الإعلام العُمانية على الإنترنت!.

هذا الخبر في تقديري يحملُ الكثير من المؤشرات، التي تؤكد أن ثمة أغلبية تتزايد في الشارع العربي، تمردت على الخطاب الأصولي، أو أنها لا تحفل به، هذه (الأغلبية) هي الآن (صامتة) وغير فاعلة (سياسياً) في الوقت الراهن، لان جلهم من صغار السن، بينما أن هذه الأغلبية ستكون مؤثرة و طاغية مع مرور الوقت، ومع بلوغ هذه الحشود سن النضج، والفعل والتأثير السياسي و الاجتماعي.
عُمان هي عينة مختبرية هنا، من خلالها يستطيع الباحث - عملياً - أن يستشرف المستقبل، وأن يتنبأ بتطورات الأوضاع الثقافية والسياسية، واتجاهات الأمزجة اجتماعياً، على اعتبار أن مثل هذه الكتل البشرية، التي زحفت بهذه الأرقام الكبيرة لحضور هذا الحفل الفني، والذي يرفضه بشدة الإسلاميون بجميع أطيافهم، عندما نقيسها بالقياسات العلمية تعبيرٌ دقيق عن اتجاهات (مزاج) الشارع العربي؛ هذا ما يؤكد المتخصصون في سبر التطورات الاجتماعية وقراءة مدلولاتها.

وهنا يبرز سؤالٌ مفاده: هل العبرة في قياس التطورات الثقافية للمجتمعات بالأعلى صوتاً أم بالأكثر عدداً؟. الأعلى صوتاً (الآن) هم بلاشك الإسلاميون ؛ أما الأكثرية، و في الوقت ذاته الأخفض صوتاً، وربما الأقل تأثيراً على مستوى الفعل السياسي و التأثير حالياً هم غير الإسلاميين. مثل هذه الحقائق، والأرقام التي لا تكذب، هي الزاد الحقيقي (للسياسي) الفطن؛ فالسياسي المحترف هو الذي يقرأ الأرقام قراءة موضوعية، ويستشرف المستقبل، لا كما تمليه عليه رغباته، وإنما كما هو عليه (الوضع) على أرض الواقع. وهذا يعني أن المستقبل كفيل بتغيرات ربما ستكون جذرية على المستوى السياسي أيضاً، عندما تتحول هذه الأغلبية في المستقبل القريب إلى (صوت) سياسي مؤثر. وعلى هذا المنوال لنفترض أن نفس النجمة هيفاء وهبي أحيت حفلة مماثلة في (الرياض) عاصمة السعودية، وفي الوقت ذاته إرتص كل (نجوم) الصحوة السعوديين في محاضرة (وعظية) أو تثقيفية، فكم سيحضر هنا وكم سيحضر هناك؟، لا أعتقد أن ثمة مقارنة!.

الأسهم في السعودية مثال آخر يحملُ الكثير من الدلالات، ويؤكد من زاوية أخرى ما أقول، ويواكب من حيث الدلالات حفلة هيفاء وهبي في مسقط.
سوق الأسهم أو (البورصة) في السعودية تشهد إقبالاً منقطع النظير في الاستثمار فيها. وفي الوقت ذاته يحاول الأصوليون السعوديون أن (يؤثروا) في توجهات هذا السوق، من خلال سلاحهم التقليدي (الفتوى). وقد قام بعض أساطين المد الأصولي بتطوير (آلية) للفتوى على أساس (تصنيفي)، قسّـم فيها هذه الشركات المساهمة المُدرجة في السوق السعودي إلى قسمين: قسم( مباح) والقسم الآخر (محرم) أو مشبوه. ورغم هذا التصنيف، إلا أنه لم يؤثر في هذه السوق، ولا في توجهات مؤشرات الشركات، وظلت أسعار أسهم الشركات (المحرمة) حسب الفتاوى تتصاعد، نتيجة للطلب من قبل المستثمر، غير آبهٍ بكونها حسب التصنيف الأصولي مُحرمة أو مشبوهة، أم هي من الشركات (الحلال).
كذلك توجه كثير من نجوم الصحوة في السعودية إلى (التحالف) مع الصوت الليبرالي، ومغازلته، مثل الشيخ السعودي الصحوي سلمان العوده الذي أصبح (نجماً) من نجوم قناة الـ MBC التي كانت تصنف في السابق على أنها من أهم الأصوات الليبرالية الإعلامية، يصب في نفس الاتجاه؛ سيما وأن هذا الشيخ كما يعرفُ عنه لديه خاصية رصد جيدة لتوجهات الرأي العام، ومتطلبات الجمهور في (النجوم) الجدد.
مثل هذه المؤشرات تؤكد أن الأجيال القادمة، وحسب هذه الدلالات، ستكون بكل تأكيد أبعد عن الأصولية، والأقرب إلى التحرر و (الليبرالية).
ربما يرى البعض أن حملة مقاطعة البضائع الدانمركية، والتي نجحت في جميع أرجاء العالم الإسلامي، تؤكد سيطرة الخطاب الأصولي على توجيه الرأي العام؛ وهذا غير صحيح. فالحملة ضد الدانمرك لم تكن حملة أصولية في مضامينها وأبعادها بقدر ما كانت حملة دفاع مشروعة ضد النيل من (الهوية) من منطلقات عنصرية. والدليل أن هذه الحملة لم تقتصر على الأصوليين وإنما شارك فيها على قدم المساواة في الشجب والرفض والاستنكار كثيرٌ من الأصوات التي تعتبر من حيث التصنيف الثقافي ليبرالية.

كل ما أريد أن أقوله هنا، هو ما قاله قبلي، وتوصل إليه الباحث الأمريكي (فرانسيس فوكوياما ) صاحب كتاب (نهاية التاريخ) والذي أكد فيه (أن الليبرالية هي الحل الحضاري الأخير الذي انتصر). المسلمون والشعوب الناطقة بالعربية على وجه التحديد هم جزء من هذا العالم، ومثلما انتصرت (الليبرالية) على غيرها من الأيديولوجيات في كل أصقاع العالم، فإن مثل هذه المؤشرات تؤكد في ذات السياق أن انتصار (الليبرالية) في بلاد الإسلام على التوجه الأصولي هو حتم، والمسألة لا تعدو أن تكون مسألة وقت ليس إلا.



المصدر ايلاف

14/2/2006
  #206  
قديم 19/04/2006, 01:22 PM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Wink لو كنت إيرانياً ....

لو كنت إيرانياً ...


رشاد أبوشاور




لو كنت إيرانياً، واللغة الفارسية لغتي الأولي ـ ليس كالعرب، والأكراد، والتركمان، وغيرهم من رعايا الدولة الإيرانية بقومياتها المتعددة ـ وسمعت الرئيس أحمدي نجاد وهو يعلن للعالم امتلاك إيران القدرة علي تخصيب اليورانيوم، لطرت من الفرح !
فأن تنتمي لدولة باتت قاب قوس من امتلاك السلاح النووي، حتي لو كنت فقيراً، وبلا عمل، فإنك ستشعر بأنك مواطن في بلد لن يستطيع أي طرف في هذا العالم الاعتداء عليه، أنك من أمة ـ والأمة الفارسية عريقة، وصاحبة ثقافة ـ لن تدوس حقوقها دولة كبري، أو صغري، داعمة، أو مدعومة، أمة تدخل نادي الأقوياء، وتقف معهم كتفاً لكتف، فهي صاحبة شأن ومقدار وقيمة، ولن تستصغر بعد...
المواطنه نعمة يعرفها من يفتقدها، كاليتم، فالذي له (أم) لم يجرب اليتم، لأنه في نعيم الأم التي حملت، وأرضعت، وربت، وأعتنت، ثم هي تجازي علي صنيعها ببر الأبناء!
أنا من عرب لايحسدون إيران علي ما بلغته، ولكنني أتملي حال أمتي، فأجدني أردد مع شاعرنا عمر أبوريشة:
أمتي هل لك بين الأمم
منبر للسيف أو للقلم
وأمتنا انثلم سيفها، والقلم الذي غرسه الأعداء بين أصابعها بدلاً من قلم نون وما يسطرون، هو قلم له غرض واحد : التوقيع علي الاتفاقات، والمعاهدات، وكل ما ينتقص حق الأمة، ويدفعها للوراء مسافات.
أين هي أمتنا العربية؟!
22 دولة!، هي عبارة عن دول تخلف، وفساد، وفقر، وجوع، لا تشبع خبزاً، ولا شبع كرامةً، ولا شبع أمناً، فهي مستباحة السيادة براً، وبحراً، وجواً.
بسبب هذه الـ22 دولة ـ هل نسيت واحدة سقطت من ذاكرتي سهواً؟! إن حدث فأنا لا أعتذر، لأن العالم كله، أقصد الشرعية الدولية البلطجية، والرأي العام العالمي، لا يأبهان بنا، لسبب بسيط: نحن غائبون، مغيبون، ينادي علي الأمم في كل صباح ومساء، فلا نجيب بنشاط وهمة: نعم، حاضرون يا عالم، يا أمم، ياشعوب، يا بشر..
لو كنت إيرانياً فارسياً قحاً لفرحت أيما فرح بأن رئيس بلدي هو أحمدي نجاد، الرئيس الذي رضع من ثدي أمه ـ يحي البز اللي رضعك! ـ فهو جدع، لا يخاف، وهو يعلن بالفم الملآن: نحن الدولة الثامنة في العالم التي تمتلك الطاقة النووية...
فبماذا يتباهي حكام العرب؟ بأجسادهم الضخمة، حتي أن ذراع واحدهم بحجم كل جسم أحمدي نجاد ـ والرجال محاضر وليسوا مناظر ـ بالأرصدة في البنوك بعد ارتفاع أسعار النفط، بثروة تهبط عليهم صدفة، وتبدد بسفه، بدول هي أشلاء أمة تنصيبهم عليها ليس صدفة !
لماذا حرام علي إيران أن تمتلك الطاقة النووية، والقنابل الذرية، وحلال علي إسرائيل؟ ولماذا حلال علي الإنكليز، والفرنسيين، والأميركان، والهنود، وحرام علي إيران؟
الأسئلة التي تدور في نفوسنا، ورؤوسنا نحن (رعايا) هذه الدول الاثنتين والعشرين، يطرحها أحمدي نجاد، دون أن يطرف له جفن، يطرحها وهو يضحك، لأن الحقائق التي يطرحها بسيطة وواضحة، والعجيب أن من اخترعوا الذرة، والتكنولوجيا المعقدة لا يريدون فهمها، لأنهم يريدون لغيرهم (الآخر) الذي هو نحن، أن يبقي في العتمة.
إيران تمتلك القنبلة ! فلتمتلكها.. حلال علي الشاطر، علي من يبني قوة تمنحه دوراً سيادياً في (المنطقة)، وفي العالم.
نحن الرعايا الغرباء علي أرضنا العربية نسأل بوجع: من أحق من إيران في امتلاك الذرة لتطورنا السلمي، والسلاح النووي لصد الأطماع عنا؟
نسأل ونحن نعرف الجواب: نحن العرب، نحن وليس غيرنا، لضرورة صون وجودنا، وحماية آدميتنا كبشر، ودفع الخطر ودرئه بعيداً عنا، نحن قبل الصين، والهند، وباكستان، وبالتأكيد بسبب الكيان الصهيوني، الـ(دولة) التي زرعت في خاصرتنا، والتي يفرخ مفاعلها الذري عشرات القنابل الذرية التي تهدد كل وطننا العربي المجزأ (المقطرن)، فهي توحد بلادنا العربية بخطر الدمار والموت، وبلادنا مفرقة بين دول أسر، وحكام.. خارج الزمن ! دول بددت المكان العربي، فهو محتل إيرانياً، وتركياً، وإسبانياً، ويفترض أن أول أعدائه هو الكيان الصهيوني الذي يواصل التهام فلسطين منذ عام 48 حتي يومنا هذا...
كثير من المواطنين العرب مستاؤون من دور إيران في العراق، ولكن كثيرين في بلاد العرب لا يفكرون كما يفكر (حكامهم) تجاه إيران، ولا يلتقون مع أهداف حملة أمريكا والكيان الصهيوني ودول أوربة المنافقة التي زودت الكيان الصهيوني بمفاعل ديمونه، وبالوقود النووي، وبالتغطية علي إنتاج القنابل الذرية، وتريد أن تحرم أي طرف يزعج الكيان الصهيوني من امتلاك أسرار الذرة. ألم تفعل هذا من قبل مع مصر الناصرية، ومع باكستان، وهل ننسي إعدام ذو الفقار علي بوتو بطل المشروع النووي الباكستاني، وماذا عن العراق الذي دمر علي (النوايا)؟!
وأنا أتأمل أحمدي نجاد الواثق بنفسه، الجاد، الضاحك بمكر وسخرية من غرب **** عنصري، تحسرت علي زمن رجال العرب، رجال النخوة والكبرياء...
تمنيت لو أن بين ( حكام) العرب قائداً واحداً، أحمداً صغير الحجم، بسيط الملبس، متواضعاً، صارماً، عنيداً، ساخراً ـ لا بد أن يتمتع بروح الفكاهة والدعابة، لا السماجة، والانتفاخ البلوني ! ـ يختزن في إهابه روح وعزيمة وإرادة أمتنا العربية... ووجدتني متحسراً أنظر إلي السماء مقلباً النظر، شاكياً نضوب رجولتنا العربية وقحطها القيادي:
ـ متي يا رب ستمن علينا بأحمد عربي واحد، ضامر كما لو أنه مهر عربي أصيل وتأخذ كل دول الجامعة العربية بكل إكسسواراتها، وديكوراتها، وأعلامها، ومراكز حدودها، ونوطات أناشيدها (الوطنية)؟!
ومع أنني لست إيرانياً فأنا غير منزعج من برنامج إيران النووي، ولا أشارك حكام العرب قلقلهم، لأنني قلق منذ زمن بعيد من قنابل إسرائيل التي لم تستفز حكام العرب...
ولأنني عربي فلسطيني فأنا أعرف بالخبرة المزمنة أن حكام العرب هؤلاء لن يفكروا في برنامج نووي عربي، لأن من لا يقدم للفلسطينيين رغيف خبز حاف، لا يبني برامج نووية، فله برنامجه المرسوم، وهو الحكم والتوريث، والبصم علي كل ما تأمر به أمريكا، ويدخل السرور إلي قلب ربيبتها...
القدس العربى

2006/04/19

آخر تحرير بواسطة صقر الخالدية : 19/04/2006 الساعة 01:32 PM
  #207  
قديم 26/04/2006, 10:57 AM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Wink حتى لا تتحول عمالة الخليج لمشكلة سياسية*

حتى لا تتحول عمالة الخليج لمشكلة سياسية*

سيمون هندرسون**
ترجمة: شيرين حامد فهمي***




أوضاع العمالة الأجنبية بدول الخليج لا تزال تمثل مشكلة تبحث عن حل ملائم يوازن بين حقوق هؤلاء العمال وفاعلية الدولة الخليجية؛ حتى لا يكون مثل هذا الوضع حجة للتدخل من الولايات المتحدة تحت ذرائع إنسانية، أو حجة بعد ذلك لتدخل من الدول الأصلية لهؤلاء العمال. ومن الواضح أن ثمة تركيزا أمريكيا على هذه المشكلة، وهو ما يتضح عبر سرد هذا المقال الذي نشر على موقع معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى.

في 21 و22 مارس 2006، قام حوالي 3 آلاف عامل بالتظاهر في إمارة "دبي"، معلنين غضبهم ضد أوضاعهم المعيشية المتدهورة، وأجورهم المتدنية. إنه لأمر مثير حقا، أن تقوم مثل هذه المظاهرة في مكان يشهد بناء أعلى مبنى في العالم (برج دبي). لقد قام المتظاهرون بإتلاف سيارات المصانع التي يعملون بها، ثم قاموا بتحطيم نوافذ المكاتب؛ وخرجوا معلنين مطالبهم بمنتهى الجرأة، وهو أمر يعكس في مجمله الأوضاع المخزية التي بات يعيشها العمال الأجانب ليس في "دبي" وحدها، بل في معظم دول الخليج العربي.

دبي عبر نصف قرن

منذ 50 عاما، كانت "دبي" بلدة تقليدية، لا يزيد عدد سكانها عن 20 ألفا؛ يعيشون على التجارة مع إيران عبر المراكب الخشبية.

أما الآن، فقد تحولت تلك البلدة التقليدية إلى مدينة مركزية في العالم؛ يقطنها حوالي مليون ونصف من السكان الذين ينتمي معظمهم إلى جنسيات غير إماراتية. فامتلأت شوارعها بأبراج ناطحة السحاب التي صُنعت واجهاتها الأمامية من الزجاج، والتي أُسست لكي تكون مكاتب للشركات والبنوك العالمية الكبرى، من أجل ضخ أعمال البيزنس في شتى بقاع المنطقة. بل وأضحت "دبي" من أكبر المزارات السياحية في العالم؛ حيث يرتادها السياح من أوربا وجنوب آسيا، ملتمسين فيها الشواطئ الساحرة، والمشتريات المختلفة والرخيصة في آن واحد. وأضحى فندق "برج العرب" -بفخامته المفرطة- هو أيقونة المدينة-الدولة.

ويعتبر دور الشيخ "محمد بن راشد المكتوم" في الإمارة دورا محوريا ورئيسيا؛ فهو بمثابة الرئة التي ساعدت "دبي" على التنفس، ومن ثم على تحقيق مزيد من النماء. فـ"دبي" وحدها لا تملك من النفط سوى القليل جدا؛ ويكفي القول إن احتياطي النفط الإماراتي -حوالي 10% من احتياطي العالم- يرتكز في إمارة "أبو ظبي". وإذا كانت الأخيرة قد اعتمدت على النفط، فإن "دبي" قد شقت طريقها في التجارة؛ نظرا لموقعها التجاري المتميز ومهاراتها التجارية المتميزة. وإن الخطوط الجوية الإماراتية لهي أكبر دليل على ذلك؛ إذ شهدت تطورا ملحوظا في الآونة الأخيرة، جعلها تحظى بسمعة دولية في مقاييس الخدمة، كي تكون مركزا رئيسيا للنقل الجوي الدولي.

أما "برج دبي" فيعتبر محطة النماء القادمة؛ إذ سيصبح -بعد اكتمال بنائه في عام 2008- أعلى برج في العالم. فعلى الرغم من عدم كشف علوه الحقيقي حتى الآن فإنه من المعتقد أن تصل درجة علوه أكثر من 2300 قدم؛ أي أعلى من "برج الحرية" (1776 قدما) والجاري إنشاؤه في "نيويورك" ليكون بديلا عن برجي التجارة العالمية اللذين تم تفجيرهما في 11 سبتمبر 2001.

عمال الخليج: شكرا على التجاهل!

لقد حدثت المظاهرة المذكورة عند "برج دبي" -في موقع البناء- حيث قام العمال بالاحتجاج على أجورهم الزهيدة: أربعة دولارات يومية العامل؛ و7.60 دولارات يومية العامل المتميز. كذلك كان احتجاجهم على ما يُحذف من أجورهم؛ بسبب قيامهم إلى الصلاة أو إلى دورات المياه. وأخيرا، كان احتجاجهم على قلة ماكينات إدخال بطاقة العمل (9 ماكينات على 3000 عامل)، إذ يتعطل العمال في إدخال بطاقات القدوم في الماكينات المعنية؛ وهو ما يؤدي إلى وجود خصومات في الأجر بدون وجه حق. هذا إضافة إلى كونهم ينقلون يوميا من وإلى مواقع عملهم على حسابهم الخاص؛ الأمر الذي يجعل الأجور في نهاية الشهر تبدو قريبة إلى الصفر.

هذه الظروف، على الرغم من ضراوتها وقسوتها، ليست مفاجئة؛ وذلك لأن معظم تفاصيلها تُنشر سنويا في "تقارير ممارسات حقوق الإنسان" التي تصدرها وزارة الخارجية الأمريكية. ففي العدد الأخير الصادر في 8 مارس 2005 تم تناول حقوق العمال في الإمارات العربية المتحدة بالتفصيل. وتبعا للتقرير، يشكل عدد العمال الأجانب غير الإماراتيين حوالي 98% من القوة العاملة في القطاع الخاص. ويشير التقرير إلى عدم مراعاة ساعات العمل؛ فبينما تنص قوانين العمل على أن مقياس الساعات اليومية يجب ألا يتعدى ثماني ساعات، وأن مقياس أيام العمل يجب ألا يتعدى ستة أيام أسبوعيا، "فإن هذه المقاييس لا تُطبق".

ويمضي التقرير قائلا: "إن الحكومة لا تضع حدا أدنى للأجر، أو حتى خطوطا عريضة للحد الأدنى". فالعمال الزراعيون يتعاطون أجورا لا تتعدى 109 دولارات في الشهر؛ وعمال البناء يتعاطون أجورا لا تتعدى 164 دولارا في الشهر. هذا فضلا عن الأحوال المعيشية القاحلة التي يتواجد فيها هؤلاء العمال. "فالعمال قليلو المهارات يعيشون دوما في ظروف دون المقاييس المتعارف عليها للحياة الكريمة؛ فالمساكن مزدحمة إلى أقصى حد؛ و"معسكرات العمل" مكدسة بالأمراض والحياة غير الآمنة؛ فلا كهرباء، ولا مياه صالحة للشرب.

ويُكمل التقرير موضحا استفحال المأساة، ولا سيما في عدم وجود اتحادات عمالية تمثل هؤلاء العمال. فعلى الرغم من أن قانون العمل الإماراتي (1980) لا يُحرم العمال من تشكيل اتحاد عمال، فإنه لم يتواجد -حتى هذه اللحظة- أية بادرة لأي اتحاد. وحتى إذا ما تواجدت مثل هذه الاتحادات العمالية، فإنها ستكون "عُرضة للقيود العامة التي تتعلق بحق الرابطة"، كما يُدلي التقرير على لسان وزارة الخارجية الأمريكية. ومن ثم، فإنه ليس من العجيب أن يتم إيقاف دولة الإمارات العربية المتحدة في عام 1995 عن المشاركة في "برامج التأمين الأمريكية لشركات الاستثمار الخاصة عبر البحار" OPIC؛ بسبب عدم توافق الدولة الإماراتية مع المقاييس الدولية لحقوق العمال.

القصص المأساوية لعمال الخليج لا تقتصر فقط على الإمارات العربية المتحدة، بل تمتد إلى بقية دول الخليج العربي؛ من الكويت إلى السعودية إلى البحرين إلى قطر إلى عمان. ويستخدم تقرير وزارة الخارجية الأمريكية تعبيرات عدة لوصف حالة كل دولة. فهو يستخدم "فقر مستحكم" في السعودية؛ ويستخدم "بقاء الإشكاليات الرئيسية، وبروز إشكاليات جديدة" في قطر؛ ويستخدم "بقاء الإشكاليات الرئيسية" في الكويت. ولا شك، أن إقناع هذه الدول بتحسين ظروف العمال ليس بالأمر السهل؛ بل إنه سيأخذ وقتا طويلا من الإدارة الأمريكية. والسبب في ذلك هو اعتماد هذه الدول -بشدة- على العمالة الأجنبية القادمة من الخارج. فهي عمالة تشكل جزءا ضخما وكبيرا جدا من سكان أي دولة خليجية: من 20% في عُمان إلى 75% في قطر.

وعلى الرغم من أن مسلمي جنوب آسيا -خاصة الباكستانيين- يشكلون السواد الأعظم من العمال في كثير من دول الخليج، فإن العمالة يتم اختيارها غالبا من الفئة غير المسلمة؛ الأمر الذي يجعلها لا تحظى بقدر كبير من التأثير سياسيا. ولعل فيلم "سيريانا" كان خير دليل وخير شاهد على ما يعكسه الوضع الراهن للعمالة الأجنبية في الخليج؛ حيث دارت قصة الفيلم حول قيام مجموعة من العمال الأجانب الغاضبين بتخطيط هجوم إرهابي. وقد فطن ملوك وأمراء الخليج إلى مثل هذه الأخطار الممكنة، حتى قبيل عرض هذا الفيلم؛ إلا أنهم لم يُقدموا على أية خطوات إيجابية.

إن احتجاجات العمال في دول الخليج لا تُعد ولا تُحصى؛ فقد أضحت أمرا عاديا. في أثناء العام الماضي امتلأت شوارع "دُبي" بالاحتجاجات العُمالية، وإن كانت على مستوى أقل مما شُهد مؤخرا. وفي خلال الشهور الأخيرة سجلت كل من قطر وعُمان نفس الاحتجاجات. وفي إبريل 2005 اجتاح البنجلاديشيون سفارتهم في الكويت، معلنين غضبهم السافر على أحوالهم المعيشية والعملية، واصفين إياها بحياة العبيد. إلا أنه بالرغم من كل ذلك فإنها لا تُغطى بالمستوى اللائق والمناسب إعلاميا.

كل ما يهم السلطات في "دبي" هو إنهاء "الهرج" الذي أحدثه العمال مؤخرا. وقد تم بالفعل إعادة العمال إلى أشغالهم في 23 مارس 2006؛ أي بعد يومين من اندلاع المظاهرة. وانتهى الأمر بقيام أحد المسئولين بوصف مطالب العمال بأنها "بسيطة"؛ وكذلك بمحاولة وزارة العمل المحلي البت في المشكلة، وإصلاح ذات البين. إلا أنه في نفس الوقت، قام مسئول آخر -لم يذكر اسمه- بالتنبيه قائلا: إنه إذا لجأ العمال إلى العنف ثانية، فإن الترحيل سيكون هو النتيجة الحتمية.

من هنا يمثل الاضطراب في "دبي" مثلا مهما للولايات المتحدة، لكي تتعلم كيف تواجه تلك الدول التي تتجاهل حقوق عمالها. ولعل الاحتجاجات الأخيرة تكون بمثابة المفاجأة لأمير "دبي" (الشيخ محمد)، ومن ثم تصير تحفيزا له على إعادة التفكير في بعض سياساته. ومن المهم ومن المجدي للمسئولين الأمريكيين أن يستخلصوا الدروس المستوحاة من تلك الاحتجاجات الأخيرة
.




المصدر اسلام اون لاين

* مقال نشر على موقع معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى يوم 27 مارس 2006 تحت عنوان High Rises and Low Wages: Expatriate Labor in Gulf Arab States.
** باحث متخصص في دراسات الخليج والطاقة بـ"واشنطن إنستيتوت"، ومؤلف كتاب The New Pillar: Conservative Arab Gulf States and U.S. Strategy
*** باحثة دكتوراة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة.

آخر تحرير بواسطة صقر الخالدية : 26/04/2006 الساعة 11:12 AM
  #208  
قديم 21/05/2006, 01:47 PM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Unhappy لماذا فسدت البلاد والعباد ؟

لماذا فسدت البلاد والعباد ؟





د. فيصل القاسم



لم تعد الشهامة شهامة، ولا الصداقة صداقة، ولا المروءة مروءة، ولا النخوة نخوة، ولا الأخوّة أخوّة، ولا الجيرة جيرة، ولا القرابة قرابة، ولا الأمانة أمانة في بلادنا التعيسة. لقد تآكلت القيم وخربت الأخلاق وبارت النفوس وتصدعت الأسس الإنسانية، فشاع النصب والاحتيال وتفشى الكذب والخداع والتدليس والإجرام والخيانة الاجتماعية، وأمسى الغريب طبيعياً والطبيعي غريباً. وغدا الشهم حماراً، والصادق مغفلاً، والغيور مخبولاً،والطيب ساذجاً، وكأن المطلوب منا أن نتحول مائة وثمانين درجة عن طريق الإنسانية الحقة، وأن نقرأ الأشياء بالمقلوب كي نساير العصر، وإلا اعتبرونا شاذين وغير معاصرين.

وكي لا يعتقد البعض أنني أحاول توضيح الواضح، لا بد من الاعتراف بأن انحطاط القيم وفساد المجتمعات ليس حدثاً جديداً بل شهدته كل حقب التاريخ بدليل أن الأدباء الانجليز مثلاً كـ دانيال ديفو وبرنارد شو ودي أتش لورانس وتشارلز ديكنز وغيرهم تناولوا الخراب الاجتماعي والإنساني منذ أكثر من قرن، ناهيك عن أن نبراسنا العظيم عبد الرحمن الكواكبي شرّح المجتمع العربي والإسلامي خير تشريح قبل أكثر من مائة عام في مؤلفه الخالد "طبائع الاستبداد". وبالتالي ليس من الجدة بشيء أن يتحدث أحدنا هذه الأيام عن فساد البلاد والعباد. لكنني أجد نفسي مجبراً على طرح الموضوع وتكراره بعد أن وصلت براثن السرطان إلى قلب مجتمعاتنا التي كنا نحتفظ لها يوماً ما بصورة رومانسية ناصعة في مخيلتنا. وكما هو معروف فإن الخطب يصبح أكثر وقعاً وتأثيراً على النفس إذا كان قريباً منا، حسب النظرية الإعلامية، فسماع خبر عن زلزال في إندونيسيا لن يؤثر فينا كما يؤثر خبر سقوط ابن جارنا من على سطح المنزل وكسر يديه ورجليه، فما بالك إذا كان الخطب أشد وأنكى، كفساد مجتمعاتنا التي ترعرعنا بين أحضانها.

كم أشعر بغصة قاتلة وأنا أرى كيف انقلبت المفاهيم وتحجرت القلوب وفسدت الطبائع وأمست المصالح سيدة المواقف في بلادنا التي كانت طيبة، ووسط أبناء جلدتنا الذين كانوا يوماً خيّرين. كم بتنا نحِنُّ لتلك الأيام الخوالي عندما كان الناس أناساً والوحوش وحوشاً. أما الآن فقد تعولم الناس والوحوش في قالب واحد قيمياً. وغدا من الصعب جداً التمييز بين بني آدم وبني آوى من حيث الأخلاق والسلوك.

لقد قادني حظي العاثر قبل أيام إلى مكتب نائب عام في إحدى المدن العربية «والحمد لله لتناول فنجان قهوة لا أكثر ولا أقل» وليتني لم ألبّ الدعوة، فقد اطلعت خلال تلك النصف الساعة التعيسة على عجائب وغرائب كنت أعتقد أنها موجودة فقط في الروايات وأفلام الإجرام فقط، فإذ بها حدث يومي مكرور في منطقة عربية كنت أعتقد أن أهلها أقرب إلى الرهبان في بساطتهم وطيبتهم ومعشرهم وقيمهم وتصرفاتهم."نعم يا أخ ما هي مشكلتك"، سأل النائب العام أحد الداخلين إلى مكتبه، فأجاب الأخ: "مشكلتي بسيطة يا سيادة النائب: لقد استيقظت صباح اليوم لأجد أن زوجتي خطفت الأولاد وسافرت إلى إحدى بلدان أمريكا الجنوبية بعد أن رشت الشرطي على الحدود بمبلغ ما". لقد كان الحدث بالنسبة لي كالصاعقة، خاصة وأنني ما زلت أحتفظ لتلك البقاع الطيبة بذكرى رهبانية جميلة وبريئة. أما سيادة النائب فقد بدا عادياً في رد فعله لا مستغرباً، لكن ليس لأنه متحجر القلب ولا يأبه بالمشاعر الإنسانية، بل لأنه، كما أردف لي قائلاً: "إنه حدث بسيط مقارنة بالجرائم الأخرى التي تمر على رأسي يومياً. لقد كنت قبل أسبوع مشرفاً على إعدام شاب قتل شخصاً شر قتلة لينهب منه ما يعادل خمسمائة دولار". فقلت له: "ربما يحدث ذلك في شوارع واشنطن الخلفية أو في شيكاغو، لكنه مستحيل أن يحدث في قرانا الوادعة"، فقال: "لا ياسيدي. لقد أصبح لدينا مجرمون ومنحرفون في مدننا وضيعاتنا الجميلة والمسالمة بخطورة أولئك الذين تشاهدهم على شاشات التلفاز في الأفلام الأمريكية."

لقد روى لي السيد النائب كيف احتاج شاب مقبل على الزواج إلى مبلغ بسيط لشراء الذهب لخطيبته قبيل الزفاف، فدعا أحد التجار إلى بيته على أمل أن تكون جيوبه ممتلئة بالمال، وبعد أن وصلا إلى المنزل جلس التاجر في غرفة الاستقبال، لكنه غط في نوم عميق بسبب التعب، وهنا كانت فرصة الشاب بأن ينقض عليه بفأس، فأغمي عليه، فجره إلى غرفة أخرى، وعندما وجده ما زال يحرك رأسه أتى بسلك الهاتف وخنقه به ليجهز عليه تماماً، ثم فتش جيبه ليجد فيها ما يعادل خمسمائة دولار فقط لا غير، فأخذها وتوجه إلى بيت خطيبته، وطلب منها أن تذهب معه لشراء «الصيغة»، وكأن شيئاً لم يحدث- هكذا بكل دم بارد.

وما كاد النائب العام يفرغ من رواية الشاب القاتل حتى دخلت علينا عجوز تشتكي جارها الطيب و"الآدمي جداً" الذي كانت تعتبره أفضل وأنبل وأكثر رجال القرية شهامة واستقامة، لكنه فاجأها بأن نصب عليها وسرق منها نصف مجوهراتها القديمة التي كانت تحتفظ بها ليوم الضيق. لقد غدت الأمانة والاستقامة عملة نادرة في الكثير من مجتمعاتنا، فالقريب يمكن أن يغش قريبه وينصب ويحتال عليه بطريقة خسيسة للغاية دون أن يشعر بأي وخز للضمير، حتى بات الأخ لا يأمن جانب أخيه أحياناً.

لماذا وصل أبناء جلدتنا الطيبون إلى هذا الدرك من السفالة والانحطاط القيمي والأخلاقي؟ أليس لأن السلطة في بلادنا العربية أفسدت كل شيء ورفعت شعار "يجب إفساد من لم يفسد بعد"، لأن حكم شعب فاسد أهون عليها بكثير من حكم شعب صالح؟ أليس الثلم الأعوج من الثور الكبير فعلاً؟ أليس من الخطأ تحميل العولمة الإعلامية والثقافية وزر انحراف مجتمعاتنا وتجريدها من قيمها الاجتماعية والأخلاقية والدينية والثقافية النبيلة بدعوى أن الانفتاح الإعلامي الخطير مكن الشعوب العربية التعرف على ثقافات العنف والإجرام والانحراف الأخلاقي في العوالم الأخرى؟

قد يجادل البعض بأن ما يحدث في بلادنا من انحرافات يبقى نقطة في بحر مما يحدث في الغرب المتوحش، وخاصة في أمريكا، حيث لا تمر دقيقة دون أن تقع جريمة مروعة، أو في أمريكا اللاتينية، حيث يقتلون الإنسان من أجل سيجارة. وهذا صحيح، لكن الفرق بيننا وبينهم أن ما يسميه كارل ماركس بـ"واقعنا الاجتماعي" الذي هو نتاج لواقعنا الاقتصادي يختلف تماماً عن واقعهم، فالجرائم التي تقع في أمريكا هي نتيجة طبيعية لطبيعة النظام الرأسمالي المتوحش. أما نظامنا فهو زراعي أو ما قبل صناعي مسالم حسب التحليل الماركسي. ناهيك عن أن المجتمعات الغربية على رغم العنف المتفشي في بعضها تظل أكثر التزاماً بالأخلاق الإنسانية من مجتمعاتنا، فالناس هناك صادقون في تعاملاتهم وأمينون ومستقيمون وحتى خيرون، وهو أمر تنبه له المصلح الكبير محمد عبده منذ زمن بعيد عندما قال ذات مرة: "لقد شاهدت في الغرب مسلمين من دون إسلام بينما لدينا في ديارنا إسلام من دون مسلمين."

أما أن تفرز بلداننا جرائم كتلك الموجودة في أمريكا ذات النظام الاقتصادي والاجتماعي المختلف كلياً فهذا يشير إلى خلل خطير لدينا وأن السيل قد بلغ الزبى. ناهيك عن أن لدينا تراثاً ثقافياً ودينياً رادعاً للجريمة بشكلها الأمريكي، بالإضافة طبعاً إلى النظام الأمني العربي الصارم الذي أخصى كل شيء آخر في بلادنا، كي يكون هو الكل بالكل. لكن هذه التركيبة الثقافية والمجتمعية والدينية والأمنية لم تحل دون تفشي الفساد والجريمة والخراب الاجتماعي على نحو خطير في ديارنا. لماذا؟ لأن الاستبداد أقوى منها جميعاً وهو المسؤول الأول والأخير عن التدهور الاجتماعي والأخلاقي في مجتمعاتنا على مبدأ "حاميها حراميها".

وكان الكواكبي قد حذر الآباء والأمهات في كتابه الشهير من تربية أبنائهم على الفضيلة والأخلاق الحميدة لأن الاستبداد قادر على قلب الأمور رأساً على عقب، بجعل الصادق كاذباً ومتزلفاً والشهم نذلاً وسافلاً والكريم لئيماً وخسيساً، وبذلك تضيع جهود الآباء سدى. وبالتالي علينا ألا نتوقع من مجتمعاتنا أن تكون فاضلة وخيرة إذا كان من يحكمها يدفعها بانتظام واستمرار إلى هاوية السقوط الاجتماعي والأخلاقي والقيمي، ولا يغمض له جفن إلا إذا فسدت البلاد والعباد.







2006 الأحد 21 مايو
الشرق القطرية
  #209  
قديم 04/06/2006, 01:48 PM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Smile

انتهى التاريخ شئنا أم أبينا






د. فيصل القاسم







بالرغم من أن فوكاياما صاحب نظرية «نهاية التاريخ» بدأ يعيد النظر في طرحه القديم، إلا أن ذلك لا يغير كثيراً في صُلب نظريته، التي أثارت، وما زالت تثير الكثير من اللغط والجدل. إن ملاحظاتنا على الغرب عموماً، وأمريكا خصوصاً، يجب ألا تعمينا عن حقيقة أصبحت ساطعة كعين الشمس، وهي أن «الحضارة» الغربية، بأشكالها السياسية والمعيشية والاقتصادية حتى الثقافية، غدت، شئنا أم أبينا، أحببناها أم مقتناها،النموذج المحتذى للسواد الأعظم من القاطنين على أرض هذه المعمورة، بالرغم من كل الصراخ والتذمر، والتحذير من فقدان الهويات واضمحلال شأن الثقافات الوطنية، والشكوى من مادية تلك «الحضارة» ودمويتها واستعماريتها ولاإنسانيتها. وبالتالي من حق فوكاياما و«الحضارة» التي يتغنى بها أن ترفع علامة النصر المؤزّر إلى حين قد يمتد طويلاً جداً.

لقد طرح فوكاياما نظريته قبيل سقوط الأنظمة الاشتراكية في الاتحاد السوفييتي السابق وأوروبا الشرقية، معتبراً أن المستقبل سيكون لنموذج النظام الديمقراطي الليبرالي الغربي، وأن العالم ليس أمامه من خيار سوى اللحاق بذلك النموذج وتبنيه، لأن التاريخ لن يجد أفضل منه نظاماً كي تسير البشرية على هديه. وبالتالي يكون التاريخ قد أكمل دورته وانتهى. لقد انتهى التاريخ فعلاً في بعض جوانبه، على الأقل على المدى البعيد، ولا ينكر ذلك سوى المكابرين والحالمين.

تعالوا ننظر إلى الأنظمة الشيوعية السابقة المنافس الأول والأخير للنظام الرأسمالي، فقد راحت تزايد على الرأسمالية الليبرالية الغربية الأصلية، إلى حد أن روسيا الآن، غدت، من شدة تغول الممارسة الرأسمالية فيها، أكثر تطرفاً،اقتصادياً، من لندن وباريس ونيويورك. وبدأت الحياة الرأسمالية تضرب جذورها في عمق التراب الروسي. وكم ضحكت عندما قال لي أحد الأصدقاء في موسكو إن روسيا أمست بلاد التوحش الرأسمالي بامتياز، وقد بتنا نترحم على الحياة في أوروبا وأمريكا. وينسحب الوضع الروسي على بقية دول أوروبا الشرقية والدول التي انفصلت عن الاتحاد السوفييتي السابق، حيث تغولت الرأسمالية بشكل رهيب.

وبما أن النظام الاقتصادي السائد في أي بلد هو الذي يحدد طبيعة الحياة الاجتماعية، فقد غدا الروس والأوروبيون الشرقيون استهلاكيين من الطراز الأول معيشياًً وثقافياً، بحيث أمست الثقافة الاستهلاكية الرأسمالية ديدن الاشتراكيين القدامى وملهمهم. وقد أصبح «سيرجي» أكثر نهماً للاستهلاك من «جون». لقد أتت نيران الرأسمالية الجديدة في بلد مثل روسيا على كل التراث الاشتراكي، بحيث غدت موسكو من أغلى مدن العالم، بعدما كانت مضرباً للأمثال في اشتراكيتها الطيبة ورخص المعيشة فيها.

وإذا كانت البلدان الشيوعية القديمة بكل تعصبها الاقتصادي والثقافي والأيديولوجي قد انبطحت تماماً أمام الطوفان الغربي بعد عقود من الصراع المرير، فما بالك بالمجتمعات العربية والإسلامية والعالم الثالث التي كانت وما زالت مجرد فئران تجارب سياسياً واقتصادياً وثقافياً؟ إن تطويع مجتمعاتنا وقولبتها في قوالب جديدة أسهل بعشرات المرات من تطويع المجتمعات الشيوعية القديمة، وبالتالي فإن النموذج الغربي، بأشكاله كافة، لن يجد صعوبة تذكر في فرض نفسه على أنظمتنا السياسية والاقتصادية والثقافية وإعادة توجيهها وبرمجتها، واعتقد أن المقاومين من الإسلاميين والعروبيين يخوضون معركة خاسرة مع المد الغربي بالسيوف الخشبية على طريقة دونكيشوت. وقد لاحظنا كيف كانت بعض الدول العربية تعتاش سياسياً وثقافياً على الإسلام قبل عدة عقود، وكيف راحت الآن تحاول اجتثاث الإسلام من جذوره من مجتمعاتها لمسايرة الوصفة الغربية. وهذا غيض من فيض من عمليات تركيب المجتمعات العربية وتفكيكها عند الطلب.

هل المجتمعات العربية والإسلامية المزعومة عربية وإسلامية فعلاً، إلا باللغة؟ بالطبع لا. فقد اكتسح النموذج الغربي الذي تغنى به فوكاياما كل مجتمعاتنا دون استثناء. ولعل هذا الإقبال الخليجي تحديداً والعربي عموماً على ثقافة البورصة والأسهم دليل جديد على انتصار النظرة الغربية. إن مشهد المحتشدين الخليجيين للاكتتاب في هذا البنك الجديد أو ذاك يفوق في رمزيته بكثير مشهد الداخلين إلى المساجد للصلاة والتعبد، فبينما يتناقص عدد المصلين يوماً بعد يوم في مساجدنا، نرى أن منظر المضاربين في البورصات العربية يكاد يتفوق في مشهديته على منظر الحجاج المتدافعين لرمي الجمرات على إبليس اللعين.

ولا داعي طبعاً للحديث عن انتشار المدارس الغربية في بلداننا كانتشار النار في الهشيم، بحيث قد تصبح المدارس التي تستخدم اللغة العربية قريباً نادرة للغاية، هذا إذا لم تصبح اللغة العربية ذاتها لغة أجنبية في بلداننا المستقتلة على تعلم اللغة الانجليزية. صحيح أن وسائل الإعلام العربية الجديدة نجحت، كما أسلفت في مقال سابق، في عوربة العرب في بعض القضايا، إلا أن التأثير الغربي على حياتنا ونمط عيشنا وحتى إعلامنا، بشكل مباشر أو غير مباشر، هائل للغاية، ولا ينكره إلا المغفلون. وليس بالضرورة أن تكون الثقافة العربية الحديثة عربية لمجرد استخدامها اللغة العربية والإنسان العربي في التعبير عن ذاتها. انظروا إلى الفضائيات العربية مثلاً. صحيح أن مادتها وشخوصها عرب وعربيات، لكن محتواها وتوجهها وشكلها غربي بامتياز، بدءاً بالفيديو كليب وانتهاء ببرامج تلفزيون الواقع والمسابقات والبرامج الحوارية والأخبارية. واستطيع أن أؤكد أن الحياة داخل بيوتنا العربية والإسلامية، من المحيط إلى الخليج، غدت غربية إلى حد كبير، بدءاً بالأدوات التي نستخدمها في عيشنا اليومي وانتهاء حتى بمعاملاتنا الاجتماعية وتصرفاتنا. وما زلت أكبر ببعض العرب الذين يتمسكون بزيهم التقليدي، كالخليجيين مثلاً، مع الإشارة طبعاً إلى أن الغترة والعقال والجلابية الخليجية مصنوعة إما في سويسرا أو فرنسا أو ألمانيا أو الصين واليابان، ناهيك عن أن هناك ميلاً قوياً لدى الجيل الصاعد نحو خلع العباءة والحجاب والشادور!

وأرجو أن لا يقول لي أحد إن نمور آسيا كماليزيا تقدمت اقتصادياً وتكنولوجياً وثقافياً باعتمادها على الثقافة الشرقية ونبذ الثقافة الغربية. صحيح أن رئيس وزراء ماليزيا السابق مهاتير محمد قد اعتمد على نظرية: « Look East النظر شرقاً" في عملية النهوض ببلده، أي الاعتماد على النموذج الياباني والشرقي عموماً، كما يزعم، لكن ماليزيا الحديثة وعاصمتها الشهيرة كوالالمبور لا تحمل من الشرق حتى مظهره الخارجي، فهي أشبه بالعواصم الأوروبية والأمريكية التي تزينها الأبراج والمباني الشاهقة وناطحات السحاب، ناهيك عن أن طريقة عيشها ومحلاتها التجارية تكاد تكون نسخة طبق الأصل عن المحلات والمجمعات التجارية الأوروبية والأمريكية من حيث الشكل والمضمون. وكذلك الأمر بالنسبة للمدن اليابانية التي لا تستطيع تمييزها عن أمريكا وأوروبا.

ولا داعي للتذكير بأن اليابان لم تتطور إلا باحتذاء النموذج الغربي بعد الحرب العالمية الثانية، فحتى الأدوات الالكترونية التي تفوقت في تصنيعها ليست من اختراعها أصلاً، بل يمتلك براءة اختراعها أمريكيون وأوروبيون في الأصل. بعبارة أخرى فإن اليابانيين طوروا الاختراعات الغربية لا أكثر ولا أقل، لكن الفضل لا يعود لهم في إيجادها في المقام الأول. ولا أقول هذا الكلام تملقاً للغرب بل كتبيان لحقائق التاريخ؟ هل يمكن أن تذكروا لي براءات الاختراع اليابانية؟ هل هم الذين اخترعوا الهاتف، أو المصباح الكهربائي، أو التلفزيون، أو الفاكس، أو الانترنت، أو السكك الحديدية أو الكمبيوتر؟ بالطبع لا. إنهم حدّثوا فقط اختراعات الغير، تماماً كما قام الغربيون بدورهم بتطوير الكثير من الاختراعات التي يعود الفضل في استنباطها للعرب والمسلمين القدامى، كالكاميرا والطائرة والميكانيك والكيمياء والنسيج، على اعتبار أن الحضارة الإنسانية هي، أحياناً، كالبحر الذي تصب فيه أنهار وجداول متعددة ومختلفة، مع الاعتراف في الوقت نفسه بأن الثورة العلمية الحديثة التي شكلت «الحضارة الفوكايامية»، المرشحة لمزيد من الانتشار والتجذر،هي غربية بنسبة كبيرة.

صحيح أن التنافس محتدم الآن بين النموذجين الأمريكي والصيني للتنمية، وصحيح أيضاً أن الصين تحقق معدلات تنمية عالية للغاية مقارنة مع المناذج الغربية، وصحيح أيضاً أن المستقبل للصين والآسيويين عموماً اقتصادياً، لكن ذلك يجب ألا يعمينا أيضاً عن أن الآسيويين تطوروا وتفوقوا باعتماد النموذج الغربي اقتصادياً. صحيح أن النظام السياسي في الصين ليس ديمقراطياً على الطريقة الغربية، لكن النظام الاقتصادي الصيني يحمل كل بصمات النظام الاقتصادي الغربي، حتى لو رفض الاعتراف بمفهوم اقتصاد السوق. وحتى لو انتزعت الصين مكانة أمريكا في المستقبل، فسيظل النموذج الغربي الفوكايامي هو السائد، وإن تعرض لبعض التعديلات والتصحيحات المطلوبة على أيدي القوى الصاعدة الجديدة، خاصة وأن ذلك النموذج تعتريه شوائب كثيرة ثقافياً واجتماعياً واقتصادياً وسياسياً، لكن ذلك لا يلغي كونه الأكثر احتذاء وشيوعاً من أقصى العالم إلى أقصاه حتى في البلدان التي تحاول منافسة الغرب، كاليابان والصين ودول جنوب شرق آسيا.

ولا أعتقد في الآن ذاته أن محاولات العودة إلى الاشتراكية في أمريكا اللاتينية ستنجح تماماً. لاشك أن الأنظمة السياسية والاقتصادية في ذلك الجزء التعيس من العالم بحاجة للتصحيح بسبب الظلم الذي سببته للملايين من سكان تلك البقاع وبسبب سياسات النهب الرأسمالية البشعة، لكن الأمريكيين الجنوبيين سيبقون أقرب إلى النموذج الأمريكي الفوكايامي في جوانب كثيرة منه إلى أي نموذج آخر، وذلك بالرغم من كل التصريحات التشافيزية والموراليسية النارية.

لاشك أن فوكاياما، كان، عندما أطلق نظرية «نهاية التاريخ»، يستشرف عصر العولمة. وقد جاءت العولمة، كما هو واضح، تتويجاً لتلك النظرية. أليست العولمة في جوهرها أمركة أو تغريباً جلياً للعالم؟ هل يمكن أن يأتي اليوم الذي يتصيّن فيه العالم؟ لا أعتقد، وربما أكون مخطئاً.

لنعترف إذن، بأن طـُعم الأنموذج الغربي شديد الإغراء بالرغم من سمومه الكثيره، وهو يكاد يكون كأفلام الجنس، الكثيرون يشاهدونها، لكنهم ما يلبثون أن يشتموها. والعديديون يستقلون قطار العولمة، لكنهم في الآن ذاته يسبون سائق القطار.

لاشك أن التاريخ لا ينتهي لا زمنياً ولا سياسياً ولا اقتصادياً ولا إنسانياً. وقد رأينا كيف صعدت حضارات، وهبطت أخرى، واندثر أثرها، كما حدث للحضارة العربية والإسلامية، بحيث لم نعد نتذكر أن الكثير من الاختراعات الحديثة أصلها عربي وإسلامي. لكن المستوى الذي وصلت إليه الحضارة الغربية ليس مسبوقاً في التاريخ، فقد تطورت وترسخت، وطورت العالم معها، على مدى النصف الأخير من القرن العشرين، أكثر مما تطور على مدى قرون. وبالتالي لا أعتقد أن البشرية ستتخلى عن المنجزات العملاقة التي وصلت إليها اعتماداً على النموذج الغربي، فهي بلغة الاقتصاد، موجودات ثابتة للأجيال والعصور القادمة، تدعمها في ذلك ثورة المعلومات والاتصالات (الغربية) التي لم تكن متوافرة لأي حضارة قديمة. وبهذا المعنى يكون التاريخ قد توقف فعلاً، ليس إلى الأبد طبعاً، بل إلى زمن قد يطول كثيراً كثيراً، أحببنا أم كرهنا.





المصدر
الشرق القطرية
  #210  
قديم 07/06/2006, 03:14 PM
صورة عضوية محترف
محترف محترف غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ الانضمام: 12/09/2005
المشاركات: 223
بارك الله فيك اخي الكريم دائما احرص على دخول موضوعك لاقراء الجديد...
استمر اثابك الله.
  #211  
قديم 11/06/2006, 01:40 PM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Cool

خذوا ما في عقولهم واتركوا ما في قلوبهم!




د. فيصل القاسم



أثار مقالي الأخير الموسوم "انتهى التاريخ شئنا أم أبينا" ردود فعل غاضبة، وخاصة من بعض الإخوة القوميين والإسلاميين الذين وصفوا المقال بـ"الفاجعة". وقد اشتموا منه "رائحة أمريكية كريهة" حسب وصف أحدهم. ووصل الأمر ببعضهم إلى تخويني بطريقة مهذبة، لأنني، حسب رأيهم، أزايد على فوكاياما صاحب نظرية "نهاية التاريخ" التي تبشر بسيادة النموذج الغربي عالمياً في السياسة والاجتماع والاقتصاد والثقافة إلى أجل غير مسمى. وأتساءل هنا: هل مطلوب منا، كعرب ومسلمين، أن نعادي الغرب غريزياً بشكل أعمى "عمـّال على بطـّال"، كما لو كان كله شراً محضاً؟ لماذا يخلط الكثير منا بين الحضارة الغربية التي يتهافت الكثيرون على اقتباسها والتماهي معها وبين السياسات الغربية القذرة تجاهنا؟

ألم يقل الأديب المصري الشهير توفيق الحكيم منذ عشرات السنين:" خذوا ما في عقولهم واتركوا ما في قلوبهم"؟ لقد فصل الحكيم تماماً بين السياسة والتقدم الغربيين. وقد ميز بين التفوق الغربي المتمثل بالعقل النير والمعطاء والمتقدم على غيره، وبين القلب الغربي الذي قد يكون أحياناً مليئاً بالحقد والعنصرية والوحشية التي تتجلى في استعمار واضطهاد واستغلال الأمم والشعوب المغلوبة على أمرها، وتكريس العنف والانحلال الخلقي والسقوط القيمي. وهو أمر يجب أن ننتبه إليه في هذه الأوقات المحمومة التي وصلت فيها العلاقات مع الغرب إلى حد التصادم. وهذا لا يعني، بأي حال من الأحوال، التسليم للغرب أو الانصياع لسياساته أو الانسلاخ من جلودنا كي يرضى عنا. على العكس من ذلك، يجب أن نواجهه بكل ما أوتينا من قوة على الصعيد السياسي، وأن نعارضه أخلاقياً، وأن نسخّر كل طاقاتنا كي نقاومه عندما يغزونا عسكرياً أو يحاول إعادة استعمارنا. فكما ليس مطلوباً منا أن نخاصم الغرب بشكل أعمى علينا أيضاً أن لا نتقبله على كل علاته.

إن اعترافنا بتوقف التاريخ لصالح النموذج الغربي لردح قد يطول كثيراً لا يعني بأي حال من الأحوال أن نقبل بماديته الساحقة وتفسخه الاجتماعي وهمجيته العسكرية التي تتجلى في أبشع صورها في العراق وفلسطين. ولا يسع المرء إلا أن يقف إجلالاً وإكباراً لكل المقاومين الذين يتصدون للهمجية والبربرية والمادية الغربية المتوحشة في أصقاع مختلفة من العالم. بعبارة أخرى علينا التمييز في تعاملنا مع الغرب بين ما هو سياسي وبين ما هو، في بعض جوانبه، حضاري يمكن أن يفيدنا كثيراً ويساهم في انتشالنا من براثن التخلف.

فمهما كابرنا لانستطيع أن نغطي عين الشمس بغربال، فقد أرسى الغرب قواعد المستقبل العالمي الذي قد يمتد لأجيال عديدة دون منافسة تُذكر. قد يجادل البعض بأن النظام الليبرالي الرأسمالي الغربي واجه تحدياً منذ بدايته، وهو نفسه الذي أفرز النظام الشيوعي في القرن التاسع عشر كرد فعل على تغول الأول ولا إنسانيته. وهذا صحيح. لكن أين هو النظام الشيوعي الذي تصدى للنظام الغربي لحوالي سبعين عاماً؟ لقد انهار تماماً وراح يقلد النظام الرأسمالي ويزايد عليه. إذن العبرة ليست في التحدي والتصدي بل في الصمود، وهو ما لم يقدر عليه النظام الاشتراكي المنافس، لا سياسياً ولا ثقافياً ولا اقتصادياً، فحلت الشيوعية الأمريكية (العولمة) محل الشيوعية السوفييتية.

وقد يجادل آخر بأن الحضارة البابلية استمرت لأكثر من خمسة قرون ثم انهارت، وأن الحضارة الغربية مازالت حديثة العهد بمقاييس عمر الحضارات. وهذا أيضاً صحيح. لكن من الخطأ مقارنة الحضارة الغربية الحديثة بالحضارات القديمة لأسباب موضوعية وعلمية. فالحضارات القديمة التي عمّرت طويلاً لم تكن لديها مقومات الحضارة الغربية و إنجازاتها الرهيبة غير مسبوقة تاريخياً بالرغم من حداثة عهدها، فقد تطور الغرب خلال أقل من نصف قرن تكنولوجياً وعلمياً واقتصادياً وعسكرياً أكثر مما تطور العالم على مدى قرون. وبينما اندثرت الحضارة البابلية دون أن تترك وراءها سوى بعض الآثار، فإن الحضارة الغربية، في حال خسر الغرب قيادة العالم وتفوقه العام، لن تصبح حضارته تاريخاً، بل ستبقى قي صلب الحضارات اللاحقة بما أنجزته من معجزات علمية وتكنولوجية وحتى ثقافية. هل من السهل إعادة عقارب العولمة، أو بالأحرى التغريب، إلى الوراء بعد أن نجح الغرب في قولبة العالم على النمط الغربي في الكثير من المجالات؟

هل هناك لغة تستطيع منافسة اللغة الانجليزية على المدى المنظور حتى لو حلت الصين محل أمريكا؟ ألم تصبح لغة العالم بامتياز؟ ألم يصبح الزي الغربي مثلاً هو السائد عالمياً، لا بل حل محل معظم الأزياء الوطنية من أقصى العالم إلى أقصاه؟ هل تتصورون أن ينقلب العالم على الزي الغربي في الملبس بعد كل هذا التطور الهائل الذي شهدته صناعة الأزياء الغربية وبعد هذا الإقبال المنقطع النظير عليها عالمياً حتى من منافسيها؟ ولا أبالغ إذا قلت إن القوى التي ستحل محل الغرب في المستقبل ستكون غربية بالوكالة، بمعنى أنها ستسود اعتماداً على الأسس التكنولوجية والعلمية والاقتصادية والإدارية التي أرساها الغرب. ويجب ألا ننسى هنا أن الصين ليست أكثر من معسكر تصنيع وتجميع كبير للمنتجات والتقنيات الغربية لرخص الأيدي العاملة فيها لا أكثر ولا أقل. أي أنها لم تتطور وتنم بناء على اختراعاتها الخاصة، بل بفضل الخبرات الغربية.

إننا نعيش حالة انفصام جلية في تعاملنا مع الغرب، فمن جهة لا نمل من شتمه وفي بعض الأحيان مقاومته، لكننا في الآن ذاته نسعى جاهدين في تقليده والتماهي معه، عملاً بنظرية ابن خلدون التي تقول: "إن المغلوب يحاول دائماً تقليد الغالب". أوليس أقصى طموحنا السياسي أن نحقق الديمقراطية على الطريقة الغربية؟ ألا ينادي المعارضون العرب بضرورة التخلص من الاستبداد وتطبيق الديمقراطية التي أصلها غربي منذ العهد الإغريقي؟ ألا نحلم ليل نهار بالوصول إلى ما وصل إليه الغرب تكنولوجياً وعلمياً واقتصادياً؟ فمن جهة نخشى الانسلاخ الثقافي، ومن جهة أخرى نمشي بأرجلنا نحو التغريب على كل الصعد.
ولعل أكثر ما يثير السخرية وحتى الضحك في مواقف بعض العرب الذين يرفضون نظرية "نهاية التاريخ" ويهللون للساعة التي سيسقط فيها النموذج الغربي، أنهم ليس لديهم البديل. وكل ما يتمنونه هو أن تحل الصين او اليابان محل أمريكا في قيادة العالم، أي أنهم يراهنون على الغير في مقارعة الغرب، بدلاً من أن يقارعوه بأنفسهم. ففي الماضي القريب كنا نشجع السوفييت ضد الغرب فسقط الاتحاد السوفييتي وسقطت معه آمالنا العريضة. واليوم نعوّل بنفس الطريقة البائسة على الصين، كما لو أنها ستأخذ لنا بثأرنا من الغرب، مع العلم أن الصينيين بدأوا يفكرون جدياًً بدورهم الإمبريالي المقبل. فقد نظمت جامعة شنغهاي قبل فترة مؤتمراً للبحث في الدور الرسالي للصين في العقود المقبلة. أي أن القوى العظمى عندما يتوافر لها فائض القوة ستبحث عن مجال خارجي لتصديره، وبالتالي "ما حدا أحسن من حدا"، ناهيك عن أن اللعاب الصيني يسيل بشكل منقطع النظير من أجل النفط في أي مكان كان. وقد بدأ الصينيون يوجهون أنظارهم باتجاه منابع النفط حتى في أمريكا اللاتينية، ناهيك عن السودان. وربما لن يمضي وقت طويل قبل أن نبدأ بالحديث عن الأطماع الصينية في الثروات النفطية هنا وهناك. وأرجو أن لا يقول لي أحد إن الصين ليست ذات تاريخ استعماري، فهذا الكلام قلناه عن أمريكا "الطيبة" في منتصف القرن الماضي عندما هبت لمساعدة مصر ضد بريطانيا وفرنسا وإسرائيل فيما يُعرف بـ"العدوان الثلاثي"، دون أن نعلم أن واشنطن لم تكن فاعلة خير وقتها، بل كانت تحاول كنس الاستعمار القديم كي تحل محله.

وبالتالي لو أن الحالمين والمنادين من العرب بإسقاط النظام الغربي، بأشكاله السياسية والاقتصادية والعسكرية، ودحض نظرية فوكاياما، لو كانوا يريدون أن تحل محله قوة عربية أو إسلامية لتفهمنا أحلامهم ومطالبهم "القومية"، وحتى باركناها. لكن، من سخرية القدر، فهم يراهنون بشكل رومانسي على قوى لا تمت للعرب والمسلمين بصلة، على مبدأ "ليس حباً بعلي بل كرهاً بمعاوية". وبالتالي بدلاً من اجترار تجاربهم وآمالهم القديمة بالتعويل على قوة ضد الأخرى،عليهم أن يأخذوا بنصيحة توفيق الحكيم أعلاه في تعاملهم مع الأقوياء،على مبدأ "ما لايُدرك كله لايُترك جله"، لعلهم يدخلون يوماً الدوري الممتاز، وينافسون بقدراتهم الذاتية.




المصدر:
الأحد 11 يونيو 2006
الشرق القطرية
  #212  
قديم 31/08/2006, 12:01 PM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Unhappy رحل المعلّم نجيب محفوظ

رحل المعلّم نجيب محفوظ

رشاد أبوشاور





وأخيراً رحل المعلّم نجيب محفوظ ، هرم الرواية العربيّة ، بعد عمر امتّد 95 عاماً ، رغم مـعاناته مع مرض (السكرّي) ، وطعنة الجهل التي أعاقت يده عن الكتابة .
قبله كتبت روايات متفرّقة ، ولم يوجد روائيون ، ولكن بعده ولدت أجيال من الروائيين ، فهو المعلّم الباني لنهضة الرواية العربيّة ، ومطوّر فّن الرواية ، والمجدد الذي بزّ أجيال الشباب الذين جاءوا بعده ، في زمن تطوّر الرواية في الغرب ، قاطعاً رحلة ابتدأت بالرواية لتاريخية ، ثمّ بالرواية الواقعية ( الثلاثيّة ) ، فالرواية النفسيّة ( السراب ) ، فالرواية الحديثة بالبناء غير المسبوق حتي عالميّاً بحسب ما أعرف ( المرايا) التي كتبها وفقاً للحروف الأبجديّة كاسراً الشكل التقليدي ، بحيث يشارك القارئ الحصيف طويل البال بإعادة تركيب أحداث الرواية كما لو أنها لعبة ( جيغزو) ، وبناء العلاقات بين شخصيّاتها ، فالرواية الملحميّة ( الحرافيش ) باستلهام الشكل العربي للقّص والذي ابتدأه برواية ( ليالي ألف ليلة ) ، فالسيرة الروحيّة الشعريّة القصصيّة ...
نجيب محفوظ كتب القصّة القصيرة الواقعيّة ( دنيا الله ) ، والفنتازيا ، والقصّة اللامعقولة ( تحت المظلّة) ، والقصّة القصيرة المكثّفة المشحونة المكتنزة بفكرة فلسفيّة عميقة . محفوظ ككاتب قصّة قصيرة يقف في مقدّمة كتّابها ، وعطاؤه فيها لم يحظ باهتمام النقّاد والدارسين لأسباب منها علو قامته الروائيّة ، وانحياز بعضهم ليوسف إدريس تحديداً ، وعدم الاهتمام حتي بيحي حقّي ، ومحمود بدوي ، ويوسف الشار وني ...
ذات يوم كنّا نتسكّع في شارع ( سليمان باشا) ، أنا وأحمد دحبور ، فرأيته يقف علي الرصيف ، يهّم بعبور الشارع للانتقال للطرف المقابل ، وهو يرسل نظراته متــــأملاً الجــموع في حركتها ، وتزاحمها ، واندفاعها ...
همست لأحمد :
_ والله يا أحمد سوف ( يلدعها ) ذات يوم ...
( ويلدعها بلهجتنا الريفيّة العتيقة يعني سيأخذها ، أي جائزة نوبل) .
في مقهي (ريش) التقينا بالمعلّم نجيب محفوظ ، كنّا : أمل دنقل ، ودحبور ، وأنا ، وكالعادة بعض الكتّاب المصريين ، ولكنه أولانا اهتماماً خّاصاً ، لأنه كما يبدو رغب في سماع آراء كتّاب ( شوام) في إبداعه ، ومدي اهتمامهم بأعماله الروائيّة والقصصية ، وتأثيرها عليهم ...
استذكرنا معه ( رسالة) صديقنا محمود موعد القّاص الفلسطيني ، الذي كانت منحته جامعة ( السوربون ) في باريس شهادة الدكتوراة عن (رحلة الإيمان في روايات نجيب محفوظ ) فأثني علي الرسالة ، وأخبرنا أنه اطلّع عليها باللغة الفرنسيّة التي يقرأ بها ، وإن بدرجة أقّل إتقاناً من اللغة الإنكليزيّة .
ذات يوم ، في الصباح المبكّر ، وكنّا نعيش في العاصمة التونسيّة ، أيقظني رنين الهاتف ، فوجف قلبي لأنني توقعت خبراً سيئاً ، فإذا بصوت أحمد دحبور يلعلع في الهاتف :
_ نجيب محفوظ لدعها ...
ولأنني نسيت ( المفردة) ومناسبتها ، فقد سألته بين النوم واليقظة ، وقد هدأ خاطري قليلاً :
_ شو يعني لدعها ؟!
صاح مستغرباً :
_ أنسيت أنك قلت : سيلدعها ؟ نوبل يا بني آدم ، لدع نوبل ، تهانينا ...
نعم : لدعها ...
في الصباح ، وقد التقينا في دائرة الإعلام والثقافة في شارع ( أبو لبابة الأنصاري) ، قلت لدحبور :
_ أتمنّي من الله أن يعيش سنتين ثلاث ، حتي يفرح بالجائزة ، و..تنكسر عقدتنا منها ، فهو كبير عمراً ، إنه في السابعة والسبعين تقريباً ...
ثمّ ها هو قد عاش حتي بلغ الخامسة والتسعين ، ومنحت بعده لأكثر من خمسة عشر كاتباً وكاتبة ، رغم الاعتداء الآثم عليه من أحد الجهلة المضللين ...
نجيب محفوظ الكبير قيمةً ، إبداعاً ، وعمراً ، وإنسانيّة يرحل كبيراً ، تاركاً لنا تراثاً روائيّاً كبيراً ...
بعض الكتّاب الشباب _ قبل ثلاثين سنة _ أثاروا جلبةً وصخباً مفتعلاً ، مدّعين أن نجيب محفوظ يقف عقبةً في طريقهم ، وطريق تطوير الرواية ، وهم بهذا ، كونهم كسالي ، قلبوا الحقيقة ، فنجيب محفوظ ، راد طرقاً لم تألفها الرواية العربيّة ، وفتح آفاقاً لا حدود لها ، وسبقهم في التجديد...
هناك من شككوا بأسباب منح نوبل لمحفوظ ، وأعادوها للسياسة ، ومواقفه التي تناغمت مع ( السادات ) وخطابه السياسي ، ومعهم حّق ، ولكن نجيب محفوظ كان يستحّق ( نوبل) قبل سنوات من رحلة ( السادات المشؤومة ) ، والعيب أولاً يلحق بجائزة نوبل غير المنزّهة عن الهوي ، والتوجّه السياسي ، وحتي التصهيّن ...
في مرحلة ما ، وجد روائيون ثبت أنهم قليلو الأهميّة ، ومع ذلك فقد حظوا باهتمام أكبر من محفوظ ، أقصد تحديداً : يوسف السباعي ، وإحسان عبد القدّوس ، ولكن أهميتهما قلّت ، وماتت روايتهما قبل موتهما ، فهما كانا يكتبان حكايات تصلح للسينما ، ولم يكونا يبدعان فنّاً روائياً يبقي محتفظاً بقيمته ، ملهماً للأجيال ، يقدّم معرفة ، ومتعة قّص كثيراً ما تبهر ، وهو ما يحيّر في موهبة هذا الروائي الكبير الممتلئ الروح والعقل بأسرار شعبه ، وحياته ، ومكوناته الاجتماعية ، وبالقدرة علي تتبّع تطوّره ، وحراكه الاجتماعي ، ومنظومة قيمه وما يطرأ عليها .
لفرط إقليميّته المصرية فقد نفر من جمال عبد الناصر ( العربي) ، رغم اعترافه بأنه لم يمنع من الكتابة في زمنه ، ولم يعاقب علي النقد الصريح في بعض قصصه للتجربة ( الناصرية) ، وبقي يكتب في ( الأهرام) برعاية من رئيس تحريرها الكبير محمّد حسنين هيكل ، والمقرّب جداً من الرئيس عبد الناصر ، ومع ذلك فهو لم يدخل عبد الناصر ( الجنّة ) في روايته ( أمام العرش ) إلاّ في آخر الرواية ، وبعد ركنه وحده من بين كّل حكّام مصر منذ الزمن الفرعوني حتي زمن السادات !.
لم يرحم نجيب محفوظ ( السادات) رغم تأييده لصفقة السلام التي عقدها مع ( إسرائيل) ، فهو انتقد السادات بحدّة وسخر منه في روايته ( يوم قتل الزعيم ) ، واصفاً إيّاه بأنه :
_ الزي زي هتلر ، والفعل شارلي شابلن...
هذا هو السادات الذي تكشّف عن أنه ليس قائداً تاريخيّاً ، ولكنه ( مهرّج ) جرّ الخراب علي المجتمع المصري بسياسة الانفتاح التي سلكها ، وتشريعه أبواب مصر ، وما جري من سياسة نهب وإفقار أنهكت المجتمع المصري ودمّرت علاقاته الاجتماعيّة .
دائماً احترمت هذا الكاتب الكبير ، الذي ظلّ كبيراً في إبداعه الروائي والقصصي ، وإن اختلفت معه في بعض مواقفه السياسيّة ، وأحسب أن هناك من يشاركني رأيي ، لأنني أري بأن ما يبقي من محفوظ هو إبداعه الأدبي ، ودوره الريادي ، مع عدم إسقاط المآخذ السياسية عليه ، يرحمه الله ...


القدس العربى
2006/08/31
  #213  
قديم 03/09/2006, 01:37 PM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Cool

الإرهاب الإعلامي







د. فيصل القاسم




كلنا يعرف أن الإعلام سلاح ماض، تستخدمه الدول، والجماعات للإخضاع، والهيمنة، والترويض. ففي الغرب، مثلاً، تـُعتبر وسائل الإعلام، والدعاية عتلة هائلة لتطويع المجتمعات، وبرمجتها، وتسييرها في خط معيّن. ولا تغرّنكم الشعارات الديمقراطية السخيفة، التي تتفاخر بحرية التعبير، والصحافة الحرة، فليس هناك إعلام لوجه الله، إلا ما ندر. ويعترف الكاتب الاسترالي الشهير جون بلجر، بأن الإعلام في الغرب، هو أداة ترويع من نوع ما، فكما تستخدم الدول الشمولية العنف لتركيع مجتمعاتها، وتطويعها فإن الدول "الديموقراطية" الغربية تستخدم الإعلام لضبط شعوبها، وإخضاعها. بعبارة أخرى، فإن الإعلام الغربي، وسيلة تحكم، وردع من نوع ما. ولا فرق بين الإرهابين "الديموقراطي"، والشمولي إلا في الوسيلة فقط.

لكن، وكي نكون عادلين، لابدّ من الإشارة، إلى أنّ الدول الشمولية، لا تلجأ إلى القمع، فقط، في تدجين مجتمعاتها، بل تستخدم وسائل الإعلام أيضاً بطريقة عنيفة، بحيث يلعب الإعلام العربي، بكافة أشكاله، وتوجهاته، دور الرديف لوسائل العنف والقمع في الدول العربية، أي أنه يمارس اللعبة الغربية، ذاتها، القائمة على الإرهاب، والردع الإعلامي، لكن بشكل أكثر فظاظة وفجاجة وترويعاً لإرهاب الشعوب وبرمجتها، على اعتبار أن الإعلام الغربي يذبح بـ"القطنة".

لو أرادت وسائل الإعلام العربية الحكومية، مثلاً، أن تبرمج مواطنيها ضد قضايا أو أشخاص معينين، تدفع عندها بترسانتها الإعلامية، كي تشن حملة دعاية عنيفة، ومسعورة عليهم، فتصورهم على أنهم رأس الشر والبلاء، وألد أعداء الوطن والشعب، وأنهم "رجس من عمل الشيطان فاجتنبوهم". وتستخدم التكرار الممل، لجعل المتلقين يتقبلون تحريضها، ووجهة نظرها تجاه تلك القضية، أو ذاك الشخص، فتمطرهم بوابل مدرار، من البرامج، والمقالات، والتعليقات صباح مساء ضد الجهة المستهدفة، بحيث يُبرمج العقل الباطن، للمشاهد، أو المستمع، أو القارئ، على كره تلك الشخصية المنوي شيطنتها، وتشويهها، ونبذ القضية المقصود تنفير المتلقين منها.

وقد لاحظنا كيف تشيطن الحكومات العربية معارضيها، فتوعز لوسائل إعلامها، بأن تصورهم على شكل مخلوقات رهيبة، أو "كلاب ضالة"، تصيب الذين يقتربون منها بداء الكلب (السعار)، حتى لو كانوا من أفضل الناس، فتخلق في ذهن المتلقين صورة مخيفة للشخصيات المشيطنة، وترسخها، كي تصبح حقيقة واقعة، فيتحول الشعب ضدها، بشكل أوتوماتيكي، وينبذها. وحتى لو تعاطف البعض معها في سره، فهو يبقى خائفاً من الإعلان عن تأييده أو تعاطفه معها، خوفاً من بطش السلطة وسياطها. كيف لا، وقد هدده الإعلام بعدم تقبلها. ونحن نعرف من التجارب البسطية، أن أحدنا يمكن أن يأخذ موقفاً معادياً، من شخص ما، لمجرد أن شخصاً آخر، حرضنا عليه وقال بحقه كلاماً سيئاً، فما بالك أن تتولى تلك المهمة وسائل إعلام محترفة في التخويف، والإرهاب، والتحريض.

وبذلك تكون وسائل الإعلام الرسمية، قد أدت وظيفتها الإرهابية الخطيرة بجعل متلقيها أسرى لرسالتها، وتعليماتها، ورهن إشارتها، وتحت تأثيرها. والويل، كل الويل، لمن يحاول الخروج على الوصفة الإعلامية الموضوعة لشيطنة هذه الشخصية، أو تلك القضية، فيصبح خائناً للوطن، ووجبت معاملته، إعلامياً، بنفس الطريقة، التي يتم التعامل فيها، مع الشأن، أو الشخص، الذي حاول أن يتعاطف معه. لهذا، تجد الناس في الدول العربية، تحاول مجاراة النظرة الإعلامية الرسمية، تجاه الكثير من القضايا، وفي أكثر الأحيان، تحت تأثير الضغط الإرهابي لوسائل الإعلام، فلا يشذّون عن الخط الحكومي قيد أنملة، ولو على مضض. فالتنكر للانجيل الإعلامي الرسمي، جريمة لا تغتفر. كيف لا، وقد أمّمت الدولة العربية كل وسائل الإعلام، ومنعت أي إعلام بديل، يستطيع إبداء رأي آخر حول القضايا المختلفة.

ونستطيع أن نؤكد، أنه حتى في زمن السماوات المفتوحة، وانفضاض الناس عن الآلة الإعلامية الرسمية، فإن تلك الآلة ما زالت قادرة على إلزام شعوبها بوجهة نظرها. وقد لاحظنا في الآونة الأخيرة، أن وسائل الإعلام، في بعض الدول العربية، استطاعت، رغم فقدانها للمصداقية منذ زمن بعيد، أن تؤلب الشارع ضد بعض المنشقين، بعد أن سلطت عليهم وسائل إعلامها. وقد لام البعض، إحدى الحكومات، على الطريقة الشعبوية الغوغائية، التي تصدت بها للمنشقين، لكنها، لو لم تشن تلك الحملة الإعلامية الشعواء عليهم، لما استطاعت أن ترهب الشارع من مغبة التعاطف معهم. بعبارة أخرى، فهي أرادت من خلال حملتها أن تقول لشعبها: إياك، وأن تفكر بالسير وراء الخارجين على سلطتنا، فهم جديرون بالرجم فقط.

وكم حلمنا، بأن يكون لدينا إعلام عربي مستقل، وخاص، ليخلصنا من إرهاب الإعلام الرسمي، وكوابيسه الرهيبة، وعلى ما يبدو، فإن حلمنا قد تحقق، وأصبح لدينا بعض الصحف الصفراء، والخضراء، والمجلات، والفضائيات، والإذاعات الخاصة. لكن سرعان ما انقلب حلمنا إلى كابوس، بعد أن راح الكثير من تلك الوسائل الجديدة، باستثناء القليل منها، يتماهى مع وسائل الإعلام العربية الرسمية الإرهابية، ويقلدها بشكل أقبح، وأدهى، خاصة أنه تعلم أساليب الإرهاب الإعلامي الغربي، الأكثر مضاضة، وخبثاً، وتفوّق على الإعلام الرسمي المتخلف في فنون التأليب والإرهاب. وفي الحقيقة لم يعد باستطاعة الإعلام الرسمي وإرهابه المعهود مجاراة الارهابيين الإعلاميين الجدد فيما قدموه حتى الآن من فجور وفسق إعلامي.

لقد تخصصت مجموعة من المواقع الالكترونية والصحف، والمجلات، والإذاعات، والتلفزيونات العربية، غير الرسمية، في ترويع الإنسان العربي العادي منه، والمثقف منذ مدة. وأتقصد استخدام كلمة ترويع، لأن أسلوب تلك الوسائل لا يقوم على الإقناع الحضاري، بل على التخويف، وسربلة المتلقي، بطريقة خبيثة، بحيث يخضع في النهاية، للرسالة الإعلامية، التي تريد تلك الوسائل الإعلامية الإرهابية فرضها، وتمريرها، وتكريسها، ولو مرغماً.

لقد تفرّغ رهط من الكتبة، والصحفيين العرب، في السنوات الأخيرة، مثلاً، لتزييف الحقائق، وقلب المفاهيم، بحجة الديمقراطية الإعلامية، واللبرلة، وتحرير المفاهيم، فيما كان الهدف الحقيقي، من تلك الموجة الجديدة، إجبار المتلقي العربي، على التنازل، عن الكثير من قيمه، ومفاهيمه. ولو كان الهدف تخليص المتلقي من القيم والأفكار البالية، لرحبنا بهذا السيل الإعلامي الجديد، لكنه جاء لتجريد الإنسان العربي من كل القيم الجميلة والقيمة. وقد اعتمد ذلك الرهط الإرهابي، لتحقيق أهدافه، على أسلوب إعلامي، يعتمد صيغة الهجوم المنظم، والمركز على كل ما يريد من المتلقي أن ينبذه. فكانت، مثلاً، تلك الهجمة المسعورة، في بعض الصحف، والمواقع الالكترونية، والفضائيات العربية، المرتبطة بمخططات إعلامية غربية، على حركات المقاومة، والقيم العربية، والإسلامية، بهدف تخويف المتلقي منها، وجعله ينبذها، أو على الأقل، يبتعد عنها، تحت تأثير الضخ، والإرهاب الإعلامي التحريضي المكثف. وقد فعل هذا الإرهاب فعله في أوساط المثقفين والصحفيين، فما بالك في أوساط الناس العاديين، الذين يخضعون لهذه الهجمة الإعلامية الإرهابية الشرسة، بسرعة، وسهولة أكبر.

لقد غدا الكثير من المثقفين حذراً، في السنوات الأخيرة، حتى في انتقاد إسرائيل، والصهيونية، وأمريكا، واحتلالها للعراق، واستباحتها للمنطقة، أو الإشادة بالمقاومة، أو الدفاع عن القيم العربية، والإسلامية، كي لا يُعتبر "إرهابياً" أو "متخلفاً"، خاصة، بعد أن نجحوا في ربط الإسلام بالإرهاب، لأن الحملة الإعلامية الإرهابية، كانت عنيفة، وشرسة، إلى أبعد الحدود. وراح البعض يتلفت حوله قبل أن ينطق المصطلحات، والتعبيرات القديمة، خوفاً من سياط الإرهابيين الإعلاميين الجدد، خاصة، وأن بعض الإعلاميين العرب الأحرار سقطوا إما ضحية للنيران الغربية، أو أودعوا السجون زوراً وبهتاناً.

وقد تخصصت بعض المواقع الالكترونية، والصحف، والمجلات، مثلاً، في شيطنة العروبة، والإسلام، وتبني من يسمون بالليبراليين العرب الجدد، الذين يمارسون الإرهاب، والاستئصال الإعلامي، في أبشع صوره، فهم لا يكتفون بتحطيم القيم الاجتماعية العربية الأصيلة، بل يمارسون لعبة الاستئصال، مع كل من يخالفهم الرأي، والتوجه على الطريقة الأصولية، مما يجعلهم أقرب إلى المكفــّرين، منه إلى الليبراليين الحقيقيين. صحيح أنهم لا يلجأون إلى العنف الجسدي، لكن إرهابهم الفكري، والإعلامي لا يقل شراسة، ودموية، وفتكاً، خاصة، بعد أن وفرت لهم بعض الجهات العربية، والغربية، دعماً كبيراً، وكماً هائلاً، من المواقع الالكترونية، والمنابر الإعلامية. ولا ننسى المبالغ الهائلة التي ضختها أمريكا على طابورها الإعلامي، داخل العالم العربي، بحيث غدا إرهاب وسائل الإعلام العربية الرسمية مجرد "لعب عيال"، مقارنة بإرهاب ما يسمى، بالإعلام العربي المستقل المزعوم.

نعم، لقد فتك الإرهاب الإعلامي العربي، وإلى حد ما، بالساحة الفكرية، وبعقول الناس، وأيما إرهاب، وحاول تدمير، وتقويض كل الأسس، والقيم والمعارف التي توارثتها الأجيال، عن البطولة، والتضحية، والفداء، ونصرة الضعفاء، والذود عن حياض الأوطان، ونسفوها عن بكرة أبيها. وإنه لمن المؤلم تماماً، أن ترى أخوة لك في الدم، والحسب، والانتماء يشهرون الخناجر، والسيوف، والمدى، ليس ضد الأعداء الغزاة، ولكن في وجه الأحبة، والأخوة، وأبناء العمومة والأقرباء. ومن دلائل هذا النجاح أن هذه الأصوات التي كانت خجولة وباهتة سابقاً، قد أصبحت مدوية وعالية ولا تخجل من الإعلان عن نفسها في مختلف المنابر، والأنكى من ذلك أن تجد من يردد مقولاتها بين السياسيين، وحتى العامة والدهماء.

وكما في العلوم العسكرية، فإن أية عملية حربية تتطلب قصفاً، نارياً، وصاروخياً، تمهيداً لتقدم الجيش في الميدان، فإن هذا "المارينز" الإعلامي الإرهابي، وتحت شتى الدعاوى الليبرالية، والديمقراطية، والحداثوية والتحرر من أغلال الماضي، يمارس هذا الدور المريب، وعبر أدواته الخاصة، من أقلام، ومواقع إليكترونية، وصحف صفراء وخضراء، وفضائيات فحشاء، وأبواق نكراء، تمهيداً لتحويل الأوطان إلى أرض يباب خاوية الوفاض من روح المقاومة، والشرف، والعزّة، والإباء، ومستسلمة لأقدارها السياسية، ولجحافل الغزاة، وجاهزة لتقديم أرض الأجداد كلقمة سائغة لجحافل الغرباء.

ولقد أظهرت الأحداث الأخيرة حقيقة الدور المنوط بهذا النوع من الإرهاب الإعلامي الذي لا يقبل أي نوع من الاختلاف والحوار، وأنهم ليسوا أكثر من مجرد احتياطي ثقافي وفكري استراتيجي في يد الطامعين بهذه البلاد، لإطلاقهم بالتوازي مع أي معركة تنشب في حرب التطويع بعيدة الأهداف. لقد أمطروا، وبغزارة، وبشكل منسق، وممنهج، ومدروس، وبنبرة واحدة مبرمجة، جميع وسائل الإعلام المسموع، والمرئي، والإليكتروني، والمقروء، بوابل من التجني، والتلفيق، والسموم، لإحداث ذاك النوع من الوجل، والخوف، والإرهاب في نفس المتلقي لترويضه وإجباره على الانصياع، والسير مخفوراً في ركب المهزومين تحت وطأة هذا الهجوم الإرهابي الإعلامي الحاد، والخضوع التلقائي لوجهة نظرهم فيما يدور من أحداث.

لكن، وبعد إخفاق المشروع الأمريكي، وأدواته الإعلامية، في المنطقة وانفضاح إرهابهم، وفشل حملتهم، فمن المرجح، أن تستعيد الأصوات الإعلامية العربية الحرة، زمام المبادرة، لمقارعة الإعلاميين المرتزقة، الذين جـُندوا في الآونة الأخيرة، لممارسة الإرهاب الإعلامي، ضد أبناء جلدتهم. وقد لاحظت، أن كثيراً من الإعلاميين، الذين ساروا في الركب الإعلامي الإرهابي الجديد، قد أعلنوا توبتهم، وعادوا إلى رشدهم، بعد أن اكتشفوا اللعبة، خاصة بعد العدوان الإسرائيلي الفاشي على لبنان.

ومن الواجب على كل الإعلاميين الوطنيين، من الآن، فصاعداً أن يرفعوا أصواتهم عالياً، وألاّ يسمحوا لكلاب الحراسة، والصيد الإعلامية، أن ترهبهم، وتخرس أصواتهم. لا شك، أن الإرهاب، مخيف بأشكاله كافة، خاصة، بشكله الإعلامي، لكنه، ليس قدراً محتوماً، فما العيب إذن، أن نستعير ما يسمى بأساليب مكافحة الإرهاب الغربية لمناهضة ومقارعة الإرهاب الموجه ضدنا؟



الأحد 3 سبتمبر
الشرق القطرية
  #214  
قديم 13/09/2006, 11:27 PM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Thumbs up مصادرة الفن العماني

شاطئ آخر
مصادرة الفن العماني





يوسف البادي






أن نسمع بأن عُمان تزخر بفن غنائي تراثي كبير .. فهذا شيء مؤكد . ولكن أن يصادر أمام أعيننا ومسمعنا وبالتدريج ، ويصبح مرتبطاً بغيرنا !! .. فذلك لا يكون مقبولا أبداً .
وعلى الرغم مما يزخر به تراثنا من فن .. يكون التنوع والخصوصية أهم سماته ، فإن ذلك الزخم لم يعط حقه من الاهتمام المفترض ، بينما نجد أن هناك من الدول والمجتمعات من تحاول البحث عن هوية تراثية لفن غنائي ، لتظهره للناس والعالم ، تشجيعا للسياحة أحيانا ، أو لإثبات الوجود التاريخي تارة أخرى .

ولا يخفى على الجميع بأن الملحنين ومن غنوا تلك الألحان هم أكثر الناس استفادة من المخزون التراثي في دول العالم بصفة عامة ، ولو أردنا ضرب أمثلة لكانت بالتأكيد ستكون كثيرة ، بينما نحن كعمانيين نعرف أن لنا تراثاً فنياً لمجرد المعرفة ، ويمر على مسامعنا بأن هناك فنانين من جلدتنا ، نعرفهم اسمياً فقط ، وكان من أبرزهم الفنان ( سالم الصوري ) والذي ذاع صيته وأثبت وجوده بقوة آنذاك ، والذي وحتى الآن لم نر له شريطاً واحدا في السوق أعادت نسخه أحدى الشركات ، أو لحناً أو أغنية له قد أعيدت ... وكأننا ننتظر من يأتي ليحيي هذا الفن سواء الشعبي الجماعي أو الفردي !! .
وحتى لا نقلل من قيمة هذا الإحياء ، فإن هناك أمثلة واضحة أسهمت إلى حد كبير في نجاح بعض كبار الفنانين في استفادتهم من التراث القومي للبلدان كالفنان
( كاظم الساهر ) و الفنان ( سعدون جابر ) ، وكان هذا واضحاً في ملمح مسيرة الفنانة الكبيرة ( فيروز ) ، وكذلك يتضح هذا التأثير في أغاني الفنان
(محمد عبده ) ، بينما لا نجد هذا واضحاً عند مطربي وملحني السلطنة ، الذين يمكن أن ينتجوا فناً متسعاً ومستفيداً من التراث الغنائي سواء أكان ذلك لحناً أو في الكلمة ، وقد أتضح ذلك في نجاح التجربة عندما تكون ، كتجربة الفنان ( سالم بن علي ) في أغنية (يا صولي) التي أثبتت إمكانية الاستفادة من موروثنا الغنائي ، ووصلت شهرة تلك الأغنية لأبعد من حدود السلطنة .
* * * *
ما يحصل وبوضوح أن بساط فنون التراث العماني صار يُسحب من تحت أرجلنا ، وهناك أمثلة كثيرة كان السكوت في بدايتها سبباً في تواليها ، بعد أن عرفت شعبياً بأنها تنتمي للتراث فيختفي بذلك المنشأ الحقيقي لهذ اللحن ، وإذا ظهر ذلك في مكان آخر حتى وإن كان رسمياً .. فإن الظن عند الجمهور سيعود إلى أن الجهة الرسمية هي التي استعانت باللحن وليس العكس .وما نعتقده عادياً وليس منطقياً حصوله .. سيوجد في المستقبل البعيد عند الشاب الذي تربى منذ طفولته على أن هذا اللحن يتبع المطرب او ملحن معين . ولنأخذ نموذجاً ليس بالبعيد و يتمثل في أغنيتين للفنان ( محمد عبده ) وهما يامركب الهند و الساحل الشرقي .. اللتان لم يعرف الكثيرون عنهما أن أساس لحنيهما كان من التراث العماني ، حتى وإن سجل في الشريط بأن اللحن من التراث فأنه لا يخدمنا .. فأغلب الظن سيكون أنه تراث حجازي مثلاً خاصة وأنه ظهر في أغنيتين كانتا من نفس المطرب ونفس المكان ، فحينها لن يتكلف أحد بالسؤال : ولكن .. أي تراث ؟؟!!!! ، وحتى إن قلنا إنه سيكون معروفا بصورة شعبية دون التوثيق ، فإن التصور والعرف الشعبي سيكون أكثر أهمية في انتساب اللحن .
ومثال آخر.. وهو فن ( العيالة والحربية ) الذي أصبح لا يرتبط شكلياً على الأقل مصدراً ولا انتشاراً بنا كعمانيين ، وذلك لانتشار الفرق التي تمارسه ( والتي لم تخدمه كثيراً ) والتي لا يبدو عليها أيضاً أنها تريد حتى أن يعرفها الناس بأن أفرادها عمانيون !!! ، وكذلك عدم الإهتمام المباشر من الجهات المسؤولة في تشجيع هذا الفن وإحيائه في الأوساط الشعبية .
* * * *
الأسف .. الحسرة .. الفخر .. التميز .. الأصالة .
كلها أمور تخالجك وأنت تستمع إلى برنامج في إذاعة سلطنة عمان أو التلفزيون العماني ، يبث مقتطفات بين فترات وأخرى .. أحياناً تتمكن من اقتناصها ، وتارة تفوتك .
فحين الإقتناص .. تسري فيك روح الفخر والتميز والأصالة في ذاتك كأنسان من هذه البيئة التي أنتجت هذا الفن الجميل ، وتفتخر بالصوت واللحن الذي لا تتمنى انتهاءه عند سماعه .
وتشعر بالأسف في كثير من الأحيان لأن هذا اللحن وشكله قد سمعته في أغنية في مكان آخر منسوباً إلى ملحن معين ، وقد تناسى أن هذا اللحن لا يملكه .. لكنه يعرف حتماً أنه سينتشر باسمه ، حين لا يجد من يتابعه ، وحين لا يعرف الجمهور هذا اللحن ومصدره .. الذين سيعذرون في ذلك فهم لم يستمعوا إليه قبل هذا .
المؤسف حقاً .. أن كل هذا الموروث التراثي لم يجد له التسويق ليصل إلى أذن المستمع ، الذي كان من المفترض أن تنتشر من ضمن ثقافاته .. ثقافة الفن والتراث الخاص ببيئته ، وهذا الأمر سيحدث حتماً في حال إصدار الجهات المختصة لأشرطة مسجلة لمثل هذه الفنون وعرض الجهات الإعلامية مزيدا من برامج متخصصة في هذا المجال ، ومن جهة أخرى يقوم الفنانون بإحياء اللحن أو الكلمات التراثية عن طريق إدخاله في إنتاجهم .... لنودع بعدها شعورنا بالأسف والحسرة .. منتقلين إلى عالم الأصالة والتميز والفخر بما أنتجته هذا الأرض وتنتجه
.







جريدة الوطن
13/9/2006
 

أدوات الموضوع البحث في الموضوع
البحث في الموضوع:

بحث متقدم
تقييم هذا الموضوع
تقييم هذا الموضوع:

قواعد المشاركة
ليس بإمكانك إضافة مواضيع جديدة
ليس بإمكانك إضافة ردود
ليس بإمكانك رفع مرفقات
ليس بإمكانك تحرير مشاركاتك

رموز لغة HTML لا تعمل

الانتقال إلى


جميع الأوقات بتوقيت مسقط. الساعة الآن 10:41 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions Inc.
سبلة العرب :: السنة 25، اليوم 127
لا تتحمل إدارة سبلة العرب أي مسئولية حول المواضيع المنشورة لأنها تعبر عن رأي كاتبها.