سبلة العرب
سبلة عُمان الصحيفة الإلكترونية الأسئلة الشائعة التقويم البحث مواضيع اليوم جعل المنتديات كمقروءة

العودة   سبلة العرب > سبلة الثقافة والفكر

ملاحظات

 
 
أدوات الموضوع البحث في الموضوع التقييم: تقديرات الموضوع: 3 تصويتات، المعدل 3.67.
  #51  
قديم 31/01/2004, 12:05 PM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
وثيقة جنيف..طوق نجاة!!

عرفات فى عيون الموساد

جوائز نوبل نزاهة مشكوكة

_






"تجديد الخطاب الديني" :
_أزمة في المفهوم .. وتساؤلات تبحث عن إجابة
محيط : محمد المصري - الصفحة الدينية
"تجديد الخطاب الديني" .. دعوة تتردد هذه الأيام كثيرا على ألسنة المثقفين والمفكرين ، وتناولها كثيرون بالبحث والمناقشة بين مؤيد ورافض ومتحفظ ومحايد ، حتى أحاطت المواقف المتباينة مفهوم التجديد بنوع من الغموض الذي أضحت معه كلمة "تجديد" بمثابة لغز هو في حاجة لمن يفك طلاسمه . فالكل أضحى يستخدم الكلمة ، ولكن بمفهوم خاص ينبع من تفكير كل من يحاول تطويع الخطاب الإسلامي بما يخدم رؤيته وعقيدته وأهدافه .






فالمفكرون الإسلاميون لهم مفهومهم الخاص عن التجديد الذي يختلف باختلاف تياراتهم ، والمثقفون لهم أيضاً المفهوم الذي يناسب اتجاهاتهم الثقافية والفكرية السائدة في مجتمعهم ، والمؤسسة الدينية الرسمية لها هي الأخرى تفسيرها الخاص لهذا المفهوم . فهذا الخضم من الشد والجذب والقبول والرفض لمبدأ تجديد الخطاب الديني يفرض عدداً من التساؤلات التي ينبغي الإجابة عليها من أبرزها :

أي خطاب ديني يتحدثون عنه ، وما مضمونه هذا الخطاب الذي يراد تجديده ؟ هل هو خطاب المؤسسة الدينية الرسمية .. أم خطاب الجماعات الإسلامية على اختلاف أطيافها التي تراوح ما بين المغالاة والوسطية . أم هو خطاب التعليم الديني الرسمي الذي تمثله المناهج والمقررات الدينية في المدارس والمعاهد والجامعات ؟ أم خطاب أئمة المساجد والدعاة الذي يختلف من خطيب لآخر ؟ أم خطاب رجل الشارع المسلم الذي عادة ما يكون مستهدفاً ؟ .

وحتى إذا اتفقنا على هوية الخطاب الذي يراد تجديده ، فسيثور تساؤل أخر حول مضمون ذلك الخطاب والمعاني والمفاهيم التي يراد تجديدها ؟ ثم وهذا - في نظرنا - هو الأهم : هل يعني التجديد التغيير الشامل لمضمون الخطاب الديني قيد التجديد ؟ أم سيكون جزئياً انتقائياً وفق معايير وأهداف محددة ؟ أم يقتصر على تطوير وسائل عرض الخطاب الديني دون المساس بمضمونه الحالي ؟ أم سيعمد هذا التجديد إلى حذف مفاهيم من الخطاب وإضافة أخرى بما يخدم أهدافاً معينة ؟

هب أننا اتفقنا على مفهوم التجديد .. فما الفلسفة التي يقوم عليها هذا التجديد .. هل يقوم على فلسفة التطور التاريخي وقوانين التغير الاجتماعي التي تطال مختلف جوانب الحياة الإنسانية ؟ ، أم هو تغير متعمد يتدخل فيه العنصر البشري لخدمة أهداف محددة ؟ أم أنه تجديد يراد به توعية الإنسان المسلم بصحيح دينة وبالمبادئ السمحة التي ينادي بها .. وتنقيه هذا الدين من الشوائب التي حاول بها أعداؤه تشويه القيم الأخلاقية والروحية التي ينادي بها ، أم أنها دعوة لـ "تسييس" الدين ليصبح في خدمة السياسة ؟ .

والأكثر أهمية من كل ما سبق هو التساؤل عن هوية أصحاب هذه الدعوة .. هل هم علماء الإسلام .. أم طائفة المفكرين والمثقفين التقليديين .. أم العلمانيين .. أم الساسة والحكومات .. أم أطراف خارجية لها أهداف معينة من هذا التجديد ؟ ، وما الأهداف التي يسعون لتحقيقها ؟ ثم من الذي سيقوم بتنفيذ هذا التجديد ؟ .

وأخيرا وليس آخر نتساءل : ما السبب في ظهور هذه الدعوة ، وفي هذا التوقيت بالذات .. هل جاءت تلبية لحاجة المجتمع ، أم لضغوط خارجية تريد توظيف الخطاب الديني لخدمة أغراض مشبوهة ؟ وما العوامل التي قد تساعد أو تعوق إتمام عملية التجديد إذا ما تقرر إجراؤها ؟ ثم .. ما المواقف المتوقعة لمختلف الأطراف المعنية ، من هذا التجديد في حال حدوثه ؟ .
.








التجديد.. هل هو ضرورة يحتمها العصر؟
التجديد والثوابت

وسط هذا اللغط الدائر قد نتبين علاقة بين مفهوم "التجديد" ومفهوم "الثوابت" في الفكر الإسلامي .فحدود التجديد تقف عند الخطوط الحمراء لهذه الثوابت ، كما أن حدود الثوابت تختلف - في حد ذاتها -من جماعة لأخرى . فتيارات الإسلام المحافظ تتسع لديها حدود الثوابت للحد الذي لا تترك فيه مجالاً للتجديد ، ما يعتبره كثيرون جموداً لا يخدم ديناميكية العقيدة الإسلامية .

أما الوسطية الإسلامية فتضيق حدود الثوابت لديها قليلا لتترك مساحة ولو متواضعة للتجديد . أما تيارات العلمنة الإسلامية ، فقد لا توجد حدوداً للتجديد أو بمعنى أدق : إنها تضيق حدود الثوابت إلى درجة يتسع معها التجديد إلى أبعد الحدود وتنتفي الثوابت ، الأمر الذي يعتبره كثيرون تبديداً للعقيدة .

فالوسطية الإسلامية مثلا تسعى لبلورة مفهوم مصطلح "التجديد" ، أو هي تدعي بأنها تتحدث بفلسفة "تجديدية" ، وهو ما اختلف عليهم كثيرون حيث اعتبر البعض تيارات الوسطية الإسلامية أضعف من أن تكون قادرة على بلوره مفهوم تجديدي ، وأن محاولاتها في هذا المجال لا تعدو عن كونها محاولات "تجميلية" لا ترقى لمستوى التجديد .. فهي لم تصل بعد لمرحلة إعادة قراءة النص وتأويله والثورة على التفاسير القديمة .

وعلى الجانب الآخر، نجد تيارات العلمنة الإسلامية التي تدعي هي الأخرى بمحاولة بلورة مفهوم لـ "التجديد" ، ذلك الأمر الذي يراه كثيرون أنه محاولة فاشلة للجمع بين حضارتين مختلفتين إلى حد التناقض ، حيث تحاول تيارات العلمنة الإسلامية الجمع بين الإسلام بثقافته وحضارته وتقاليده المحافظة ، وبين حضارة الغرب المتحررة ، وهم بذلك كمن يحاول الرسم على وجه الماء.

أما التيارات الإسلامية المحافظة ، فهي - في نظر الكثيرين - لا تعترف أساساً بمفهوم التجديد ، فضلاً عن أنها تنظر إليه على أنه مؤامرةً على العقيدة الإسلامية ينبغي التصدي لها ، فموقف هذه التيارات من مصطلح "التجديد" هو موقف سلبي للغاية
التجديد فكر إسلامي أصيل

غير أن هناك من المعنيين بهذا الموضوع من يعتبر مفهوم "التجديد" أصيلاً في الفكر الإسلامي .. مؤكدين على أن مفهوم "الاجتهاد" في العقيدة الإسلامية ومحاول تأويل النصوص الخاصة به وفهمها هو في حد ذاته دعوة للـ"تجديد" تقابل دعوات "الحداثة" عند الغرب .

وعلى الرغم من أن مفهوم التجديد تبناه- على مستوى الفكر الإسلامي - فريقان هما دعاة "الوسطية" ودعاة "العلمنة الإسلامية" ، غير أنه ما زال هناك حالة من الضبابية اصطبغت بها مواقف الفريقين من التجديد ، فلم تستطع الوسطية أن تبلور مفهوماً تجديدياً.

كذلك شطّت العلمنة في محاولات فاشلة للمزج بين حضارة الإسلام المحافظة وعلمانية الغرب المتحررة دون قيود ، الأمر الذي أدى إلى "عمومية" مفهوم تجديد الخطاب الديني ذاته ، الأمر الذي يجعل كل ما يطرح في هذا الصدد أمراً وارداً ، كما يجعل الدعوة لتجديد الخطاب الديني دعوة معلقة على ما يقول الأستاذ هاني نسيرة في تعليقه على نتائج لقاء باريس الذي عقد حول هذا الموضوع في أغسطس الماضي .

وفي ظل هذه الحالة الضبابية ، وعلى ضوء الاهتمام الملحوظ بالترويج لمفهوم الوسطية في الوقت الحاضر ، عرّف البعض مصطلح "التجديد" من خلال مفهوم "المخالفة" في القانون ، أي الإشارة إلى أنه يسير عكس ما هو عليه الفكر الإسلامي من تشدد .










عبد الصبور مرزوق..التجديد والاسلوب الأمثل للدعوة
وينظر الدكتور عبد الصبور مرزوق الأمين العام للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية إلى مفهوم "التجديد" ، على أنه تدريب الدعاة على الأسلوب الأمثل لتوصيل رسالتهم ..واضعين في اعتبارهم ظروف المُخاطب وثقافته وخبرته الاجتماعية والعلمية . فإذا كان الجمهور متنوعا ، فمن باب أولى أن تكون الوسائل - في نظره - متنوعة ، فضلاً عن أن تكون متوافقةً مع احتياجات الناس الحقيقية .

ويستطرد الدكتور مرزوق قائلاً : إن تطوير الخطاب على هذا النحو ، يتيح للدعاة فرصة عرض الإسلام على المتلقي بصورته البسيطة والوسطية ، كما يساهم إسهاما كبيرا في التعريف به ، وبالطريقة ذاتها التي عرف بها معظم المسلمين في إفريقيا وآسيا الإسلام اللتين لم تشهدا غزوات أو فتوحات إسلامية . ويؤكد أن الخطاب الديني لا ينبغي أن يخرج بحال من الأحوال عن ثوابت الشريعة الغراء .

فالتجديد الذي يعنيه الدكتور مرزوق ، هو تطوير الآليات والوسائل التي تستخدم في عرض الإسلام بصورته الصحيحة و"الوسطية" التي يتصف بها ، وتخليصها من "التقليد الرتيب" إلى أسلوب "التجديد والابتكار" .

ويقصر بعض المتحدثين في الشأن الإسلامي مفهوم التجديد على جوانب معينة من الخطاب الإسلامي . وفي هذا الإطار يرى الدكتور محمد أحمد سراج أستاذ الشريعة الإسلامية والدراسات الإسلامية بالجامعة الأميركية بالقاهرة أن مفهوم التجديد الفقهي ينبغي أن ينصب فقط على التجديد الفقهي ، حتى لا تتشعب بنا السبل في فهم المصطلح ، ما قد يفقدنا القدرة على التواصل ، كما يرى بوجوب التسليم بأن : تجديد التفكير الفقهي يقتضي الحفاظ على ثوابت هذا التفكير وأصوله العامة التي انعقد عليها إجماع الفقهاء المسلمين .

ومن أهم هذه الثوابت التمسك بما جاء في القرآن الكريم ، والسنة النبوية المطهرة ، الجماع علماء الأمة ، ومشروعية الاجتهاد بسالبيه التي من بينها الاستناد إلى المصالح ذات الصفة "المعتبرة" في الشريعة الإسلامية .

ويضيف الدكتور سراج أن تجديد التفكير الفقهي هو الأسلوب العلمي الواجب لتأييد هذا التفكير وتقويته ومساعدته على الوقوف في وجه الدعوات التي تستهدف هدم هذا التفكير واستبداله بغيره ، مذكراً أصحاب هذه الدعوات أن الاستبدال الذي يطالبون به ، والذي طال أمده ، لم ينجح في الاستجابة لطموحات الأمة الإسلامية في تحقيق نهضتها السياسية والاقتصادية ، بالرغم من طوفان الإمكانات المادية والطاقات البشرية والثروات الطبيعية والجغرافية التي تملكها .

لذلك فإن البحث في التجديد الفقهي- في نظره - هو في الحقيقة بحث عن إحدى الأدوات التي تعين في تقدم هذه الأمة .

ويرى الدكتور سراج أن عملية التجديد تكمن في تجنب مخالفة الأصول الشرعية الثابتة التي انعقد عليها إجماع الأمة عبر العصور ، والاجتهاد في البحث عن الحكم الشرعي لـ "المستحدث" من المسائل التي تقع في مجتمعاتنا المعاصرة والتي لم يقع مثلها ولم يسبق للفقهاء المسلمين أن بحثوه من قبل ، وبخاصة فيما يقع في مجالات الاقتصاد والإدارة والعلاقات الدولية وغير ذلك مما يتصدى له العلماء المسلمون في أبحاثهم ومؤتمراتهم ومجامعهم الفقهية . ويستطر الدكتور سراج قائلاً بأن من الواضح أن أسلوب التقليد ، لن يكون المنهج الذي يعين في الاضطلاع بعبء "إدراك" الأحكام الشرعية في المسائل المستحدثة .









الدكتور القرضاوي.. التجديد كما نريد لا كما يريدون

التجديد وخلط المفاهيم

وعلى صعيد خلط المفاهيم نرى أن البعض قد خلط بين مفهومي "التجديد" و"الحداثة" ، كما أن هناك تخوفاً من أن تكون دعوات التجديد الأخيرة بشأن الخطاب الديني ، منبعها الانسياق وراء تيارات "الحداثة" التي سادت ميادين الفن والآداب على حساب الأساليب الكلاسيكية ، والتي- أي الحداثة- لا تريد الإبقاء على قانون أو ثابت . وقد وصل البعض بتخوفاته إلى حد القلق من هدم الثوابت الإسلامية باسم الحداثة ، ومن أن تخرج على هذه الأمة مدارس في الفكر الإسلامي تدعو للقضاء على القديم بكل أصوله ثوابته .

ويرى المنشغلون بهذه القضية أن أمر الخلط بين الحداثة والتجديد ، وصل إلى الحد الذي تناولت فيه بعض وسائل الإعلام قضية تجديد الخطاب الديني تحت عنوان "تحديث الخطاب الديني"

وفي هذا السياق ، يرى الدكتور سيف الدين عبد الفتّاح أستاذ النظرية السياسية بجامعة القاهرة أن التجديد في الفكر الإسلامي : يعني العودة إلى الأصول وإحيائها في حياة الإنسان المسلم بما يمكن من إحياء ما اندرس،؟ وتقويم ما انحرف ، ومواجهة الحوادث والوقائع المتجددة ، من خلال فهمها وإعادة قراءتها ، تمثلاً للأمر الإلهي : "اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ" العلق:1.

والواقع أن "مفهوم التجديد" يرتبط بشبكة من المفاهيم النظرية المتعلقة بالتأصيل النظري للمفهوم والمفاهيم الحركية المتعلقة بالممارسة الفعلية لعملية التجديد . فعلى سبيل المثال : يتشابك مفهوم "التجديد" مع مفهومي "الأصالة والتراث" ، حيث يقصد بالأصالة تأكيد الهوية والوعي بالتراث دون تقليد جامد ، وتلك المقاصد جزء من غايات التجديد .

كما يشتبك "التجديد" مع مفهوم "التغريب" الذي يعبر عن عملية النقل الفكري من الغرب، وهو ما قد يحدث تحت دعوى التجديد.

وعلى صعيد المفاهيم الحركية ، تطرح مفاهيم مثل "التقدم" و"التحديث" و"التطور" و"التقنية" و"النهضة" لتعبر عن رؤية غربية لعملية التجديد نابعة من الخبرة التاريخية الغربية ، ومستهدفة ربط عملية التجديد في كل الحضارات بالحضارة الغربية، باعتبارها قمة التقدم وهدفاً للدول الساعية نحو التنمية . كما تظهر مفاهيم مثل "الإصلاح" و"الإحياء" ، وهي نابعة من الرؤية الإسلامية لعملية التجديد ، حيث التجديد هو إحياء لنموذج حضاري وجد من قبل ولم تحدث تجاهه أي عمليات لتستهدف تجاوزه والخلاص منه .

والتجديد في المفهوم الإسلامي يعني محاولة الرجوع والتمسك بأصالة العقيدة ونبذ ما دون ذلك من توجهات فكرية دخيلة ، وهذا ما يعبر عنه المفهوم القرآني للتجديد الذي تؤسسه الآية الكريمة : إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله و هم بالآخرة هم كافرون ؛ واتبعت ملة آبائي إبراهيم و إسحاق و يعقوب ويوسف" .

فمفهوم التجديد بهذا المعنى لا يرتكز على البحث عن الهوية المفقودة في أنقاض الأفكار المرفوضة ، ولا على البحث عن البديل لدى الآخرين دون الأخذ بالاعتبار مبادئ الفكر الإسلامي ومعطياته . كذلك فإن من الخطأ المشين أن نأخذ "التجديد" على المستوى الديني ، بمعنى التحرر من الالتزامات التي تفرضها علينا العقيدة وأحكامها والانسياق وراء الثقافات الأخرى . فهذا أمر يجب أن نرفضه ونتصدى له بقوة .








_____________ شيخ الأزهر وموقف المؤسسة الدينية من دعاوى التجديد

مفهوما "التجديد" و "الحداثة"

درج الكثير من المفكرين وعلماء الدين الذين تناولوا هذا الموضوع إلى المقابلة بين اصطلاحين : أحدهما ينسب للثقافة الإسلامية وهو مصطلح "الاجتهاد" الذي يعني إحياء وظيفته "التجديدية" والنقدية والتأصيلية بإعطاء أقصى الاهتمام وبذل الجهد الحثيث في دراسة المصطلحات والمفاهيم والنظريات والأحكام التي تتظلل بظلال العقيدة الإسلامية ، والآخر مصطلح "الحداثة" الذي ينتسب لدعاة الحضارة الغربية ، والذي يدعو للفصل بين الدين والدولة ولا يتقيد بثوابت العقيدة المسيحية وأصولها اللاهوتية .

ولكن شتان بين المضامين والمعاني التي ينطوي عليها هذان المصطلحان ، فالمعروف أن الحداثة انطلقت في الغرب من مقولة إعلاء شأن العقل وانتصاره وتحريره من القيود التي تقيد إعماله ، والفصل بينه وبين ما تقول به الأديان والوحي والميتافيزيقا "ما وراء الطبيعة" .

وهذا يعني- في رأي "ألان تورين" - أن الحداثة الغربية قامت على تدمير القيم الأخلاقية والأعراف الاجتماعية والتخلص من المشاعر والعادات والتقاليد والاعتقادات المسماة بالتقليدية ، كما أن القائم على هذا التحديث لا يمثل فئة أو طبقة اجتماعية بعينها ، وإنما العقل ذاته هو الذي يمثله ، وكذلك الضرورة التاريخية التي مهدت لانتصاره .

وفي المقابل ، فإن إعمال العقل في الفكر الإسلامي في ميدان الاجتهاد لا يعني الفصل بينه وبين الدين ، وإنما يستوجب التواصل بينهما ، وهو ما يعبر عنه القول المأثور : "ما حكم به العقل ، حكم به الشرع" و "إن الشرع سيد العقلاء" .

فهذا الربط بين العلم والدين ، إنما يشكل في حد ذاته انتصاراً للعلم الذي يحقق تقدم المجتمع دون يتعارض ويتناقض مع القيم الأخلاقية والأعراف الاجتماعية الأصيلة السائدة في المجتمعات الإسلامية ، والمستمدة أصلاُ من أحكام الشريعة الإسلامية . فالاجتهاد بهذا المعنى هو دعوة للتقدم الذي يصل بنا لنتائج أكثر ثراءً مما حققته الحداثة الغربية ، إذا ما التزم دعاة التجديد في الفكر الإسلامي بأصولها .

التجديد سمة ثابتة وأصيلة في الفكر الإسلامي

ويؤكد مفتي طرابلس والشمال اللبناني الشيخ "طه الصابونجي" على أن التجديد في الفكر الإسلامي" ، سمة ثابتة وأصيلة كما بقي واحداً من المواريث الثقافية الإسلامية . فالإسلام يحمل - في رأيه - "ثقافة تجديدية مستمرة ضمن الأصول والثوابت والأحكام التي لا تقبل التغير" . ويذكر شيخنا أن الحضارة الإسلامية عبر تاريخها الطويل ، ألفت مختلف أنواع التجديد وقبلت التحاور والمناقشة مع دعاته حتى مع أولئك الذين دعوا- تحت ستار التجديد- للخروج على الأصول والثوابت ، وقبلت بما يتفق منها مع قواعد الشريعة الإسلامية وأحكامها ورفضت كل ما يتناقض معها .

أما دعوات تجديد الفكر الإسلامي والخطاب الديني وما شابههما التي تنطلق في عالنا المعاصر ، فجميعها تشير إلى أن ثمة توجهات مشبوهة يقصد أصحابها من ورائها "الالتفاف حول الثوابت والحقائق والأصول الإسلامية ،وإخراج الوجود الإسلامي من "إسلاميته" ، ودفعه دفعاً شديداً لإغراقه فيما يسمى اليوم بـ "بعولمة العصر" .

وفي هذا السياق ، يرى شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي أن التجديد في الخطاب الديني لا يُقصد به ترك الدين وأحكامه وثوابته ، وإنما يوجب على المتحدث عن الإسلام وأحكامه أن يكون حديثه نابعاً من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة ، ومتتبعاً للوقائع والأحداث التي يعيشها الناس ويقوم بشرحها لهم بأسلوب يتسم بالصدق والموضوعية ، وبكل ما يعينهم في فهم الشريعة الإسلامية بسهولة ودون تعقيد .

ويؤكد شيخ الأزهر على أن مسألة التجديد والتغيير ومسايرة العصر أمر واجب ، لكن هذا التغيير لا يعني حذف مادة القرآن الكريم من مناهج التعليم ، أو تغيير التراث الفقهي أو الأحاديث النبوية المطهرة ، وإنما التجديد المقصود يقتصر - في رأيه - إضافة ما يقتضيه العصر من جديد ، وحذف ما لا يتناسب مع مدارك العصر . أما "الأصول المتمثلة في حفظ القرآن الكريم وفي حفظ الأحاديث النبوية الشريفة ، وفي الأمور الفقهية الثابتة ، وفي قواعد اللغة العربية " فالتغيير فيها أمر مرفوض بل ومستحيل .

كذلك يرى شيخ الأزهر أن "تنقية التراث أمر واجب إذا كان المقصود بالتراث الكتب القديمة التي تحتوي علي بعض الأشياء التي تخالف الأصول والعقل الإنساني السليم" ، على أن تقتصر عملية التنقية هذه على الإشارة لتلك الأشياء التي تطالها والتعليق عليها في الهوامش .

أما الشيخ يوسف القرضاوي ، فيشدد على أن تجديد الخطاب الديني لا يمكن أن يجري بالمفهوم الذي يروج له البعض ، وهو ضرورة هدم الماضي وإعادة بناء العقيدة من جديد ، وإنما يقوم على أساس الاحتفاظ بأصول الشريعة الإسلامية وثوابتها ، أما الشكليات ، فبالإمكان تطويرها والتعامل معها بمرونة .

ويصور الشيخ القرضاوي مفهوم التجديد في الخطاب الديني وما يتضمنه من معان وما يستوجبه من إجراءات .. كمن يرمم مبنىً أثرياً تهالكت جدرانه ، لكنه ما زال يحتفظ بكل معالمه .. فهو يقوم بترميم بعض الشكليات والحوائط دون المساس بقواعد المبنى أو تغيير معالمه الأساسية ؟ . فالشيخ القرضاوي يدعو- بهذا المعنى - لتطوير الخطاب الديني "انطلاقاً من الحفاظ على الأصول الأولى والقواعد الصحيحة في العقيدة الإسلامية".

وانتهاءً ، يتحتم علينا القول بأننا لم نحاول في هذا التقرير الإجابة على تلك التساؤلات التي أثرناها في البداية ، حول ما يتعلق بموضوع الدعوة التي تثار اليوم على نطاق واسع ، ونعني بها الدعوة لـ "تجديد الخطاب الديني" ، وإنما اقتصرت محاولتنا على عرض آراء بعض المفكرين الإسلاميين في مفهوم "التجديد" في الفكر الإسلامي ، ومقارنته ما أمكن بمفهوم "الحداثة" في الفكر الغربي .

فلهذا الموضوع جوانبه المتعددة التي أجري أولي العلم والمعرفة والاختصاص حولها ، العديد من الدراسات المتعمقـة التي نأمل أن نعرض لها مستقبلاً إن شاء الله .
لمراسلة الكاتب :
[email protected]
*** _
  مادة إعلانية
  #52  
قديم 03/02/2004, 11:20 PM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
لنسقط إرث المعوقات الثقيل عن ظهورنا أولا
د. رحمة بورقية*

يقاس مستوى التنمية في المجمعات، بالمسافة التي تفصلها عن النمو الشامل، وبالنقص الذي تعرفه هذه المجتمعات في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ومن الملاحظ أن مشروع النهوض العربي على مستوى التأهيل الحقوقي والاقتصادي والاجتماعي، ما زال يتعثر كما تفصح عنه مؤشرات التنمية البشرية. ويعتبر وضع النساء مؤشرا أساسيا من مؤشرات تلك التنمية البشرية.
لا يمكن أن نحدد مكانة النساء فقط بوضع المجتمعات التي تنتمي إليها كمجتمعات تصنف بالسير في طريق النمو، وإنما بوضعهن المزدوج، باعتبارهن يخضعن لوضعهن الدوني في القوانين، ولضعف حضورهن في المجالات السياسة والاقتصادية، وفي نفس الوقت باعتبارهن يتحملن كالرجال واقع بلدانهن وهي تصارع للوصول للتنمية.
مما لا شك فيه أن ضعف اندماج النساء في مسار التنمية يجعل المجتمع يتحمل هدر نصف طاقاته وما قد يواكب تلك الطاقات من قوة خلاقة.
إن المجتمعات العربية، وبدرجة متفاوتة، تحمل إرثا ثقيلا من المعوقات تحول دون تحقيق سريع للتنمية الشاملة وللرقي بأوضاع النساء. تبين الإحصائيات والمؤشرات الاجتماعية والاقتصادية، أن أوضاع النساء في العالم العربي تضع معظم بلدانه في أسفل القائمة من حيث التنمية البشرية. وتفصح عن كون تلك الأوضاع لم تحقق تقدما كبيرا، على الرغم من وجود بعض الاختلافات بين المجتمعات العربية، من حيث درجة انخراط النساء في الإنتاج الاقتصادي، ومن حيث المشاركة السياسية، ومن حيث الصورة التي تعكسها قوانينها عن المرأة والعلاقات الأسرية. كما أن النسبة المرتفعة للأمية بين النساء في كثير من البلدان العربية، تعكس ضعف انخراط النساء في ديناميكية السير نحو التنمية. ولهذا تواجه البلدان العربية تحديات عدة لا يمكن تجاوزها بدون الوعي بها وإدراجها في السياسات والاستراتيجيات المتبعة، وبضرورة الدخول في سيرورة لمواجهتها.
إن مداخل التنمية الاجتماعية وتأهيل النساء متعددة، أساسها الانكباب على الذات العربية لتحليل مكوناتها ومكامن القوة والضعف فيها، وذلك بالمعرفة وبالفكر النقدي الموضوعي الذي يجعلها تفكك طلاسم ذاتها ورموز واقعها الاجتماعي. وفي هذا السياق، تحضر ضرورة التخلص من الرواسب الكامنة في التراث الفكري الذي شيد حول مركزية ذكورية وجهة نظرته للعالم وللمجتمع.
لقد حول المجتمع عبر التنشئة الاجتماعية، وخلال حقب طويلة من الزمن، الاختلافات البيولوجية بين الذكر والأنثى إلى ترتيب بينهما، وإلى تصورات لوضع هرمي تحضر بقوة في التراث المكتوب والشفاهي وتنتصب كحقيقة ثابتة، تستهلك كما لو كانت من طبائع لا تتغير، وتقاوم التاريخ والتحولات الاجتماعية التي طرأت على مكانة النساء في المجتمع وعلى العلاقة بين الرجل والمرأة.
إن المخيال الثقافي العربي تسكنه مركزية ذكورية تطبع نظرة المجتمع لعلاقات يتقاسمها الرجال و النساء على حد سواء، وتحدد منطق الهرمية بينهما. يضع المجتمع المرأة إلى جانب اللين والعطف والضعف والوجدان. ويضع الرجل إلى جانب الإقدام و المسؤولية والقوة والتفكير. ولقد أضفيت على العلاقات بين الرجال والنساء، في معظم المجتمعات العربية، قيم عشائرية تناقلت عبر الأزمنة والأجيال، ويعاد إنتاجها عبر قوانين الأسرة وعبر الممارسات والتصورات التي تترسخ في العقليات. ولقد أثقلت بعض الخطابات جسد المرأة بالتقاليد وبالرداء السميك للذاكرة العشائرية. وجعلت ذلك الجسد فضاء لرهانات وحروب وهمية تصرف الانتباه وتحول مجرى الجهود عن الحروب التنموية والاقتصادية الكفيلة بالرقي بالإنسان العربي.
وإذا كانت النساء في الماضي يستهلكن قيما أنتجتها الثقافة والوعي الجماعي، فإن شريحة عريضة من النساء تطالب اليوم، عبر الحركات الحقوقية والنسائية، بالمساهمة في إنتاج القيم وبالمشاركة في مختلف مجالات الحياة العامة، وتدعو إلى ضرورة إحداث إصلاحات، أهمها الإصلاح القانوني.
إن تغيير القوانين يعتبر من أهم خطوات تأهيل النساء. ولقد جاءت الخطوة التي أقدم عليها المغرب بوضع مشروع جديد لقانون الأسرة (مدونة الأسرة)، بمثابة ثورة هادئة أجمع عليها المجتمع المغربي بعد نقاش واسع، كاستجابة للتحولات التي عرفها المجتمع وعرفتها الأسرة ووضع النساء. وفي هذا السياق تلعب الدولة دور المحرك للإصلاحات الكبرى في المجتمع. فالإرادة السياسية للملك محمد السادس، جاءت للدفع بالمشروع نحو تعديل شامل وجوهري. كما أن التجربة المغربية في هذا المجال، تبين أن الإصلاح في المجتمع العربي الإسلامي كاستجابة للمتطلبات المجتمعية وللحركات الحقوقية والنسائية وللحتمية التاريخية للإقرار بحقوق وواجبات الأفراد داخل الأسرة هو أمر ممكن، بل وأنه يقوي الدولة والمجتمع، وينقل النساء من وضع دوني كانت تعكسه قوانين الأحوال الشخصية، إلى وضع مواطنات لهن حقوق وعليهن واجبات، ويفتح الأفق لتعديل قوانين الأسرة كلما تغيرت الأحوال المجتمعية. فتأهيل النساء من الناحية القانونية والاقتصادية والاجتماعية هو جزء من المشروع الديمقراطي الحداثي. فإصلاح قانون الأسرة في المغرب يفتح المجال لمعالجة القضايا الجوهرية في التنمية البشرية، وكل ما يتعلق بها كالمسألة النسائية والأسرية.
إن مؤسسة الأسرة هي المؤسسة التي تمر عبرها التنشئة الاجتماعية لتنتج الإنسان الذي سيعيش في المجتمع. فأسرة متوازنة، تصان فيها الحقوق وكرامة الزوج والزوجة والأطفال، هي الإطار الملائم لتلك التنشئة. كما أن بناء المشروع الديمقراطي الحداثي في حاجة إلى وضع الأسس الاجتماعية له. ومن بين تلك الأسس الإصلاح القانوني للأسرة. وهو المدخل للإصلاحات الأخرى التي من شأنها أن تدفع بالنمو الاقتصادي لإحداث فرص العمل للنساء والرجال، وبالتربية على الروح الديمقراطية وعلى المساواة واحترام الحقوق. وبإعلام ذي أبعاد تربوية يساهم بفعالية في تأطير المواطن وتلقينه قيم التشارك في المسؤولية. إن ترسيخ قيم التشارك والمسؤولية والمساواة وحفظ الحقوق وتحديد الواجبات بين المواطنين وبين الرجال والنساء في المؤسسات الاجتماعية والسياسية، لمن شأنه أن يدخل المجتمعات العربية في فلك الحداثة. من المعلوم، أن الحداثة لا تنفي الدين الإسلامي كما يردد البعض، وإنما تحفظ له مكانته وتجعل المجتمعات العربية تراجع خطابها التمجيدي حول نفسها، وتمنحها الدعامة اللازمة لكي تتحرر من قبضة مد إنتاج واستهلاك الأساطير. كما أن الحداثة الفكرية تعمل على كبح الاندفاع وراء المشاعر الجاهزة وتوجيه التعبئة نحو إنجاز المشاريع التنموية لإيجاد مكانة في عالم أصبحت تتحكم فيه عولمة عارمة.
لقد أصبح التحديث حتمية تاريخية، والمجتمعات العربية أضحت مجبرة على السير في ركب الحداثة وليس لديها الاختيار بين أن ترافق الركب أو لا ترافقه، باعتبار أن قطار الحداثة حتمية تاريخية تستدعي إيجاد أجوبة ناجعة على الأسئلة والقضايا التي يطرحها العصر الراهن. سبق وأن كتبت، ليس للمجتمعات العربية ان تختار بين أن تركب قطار الحداثة أو لا تركبه، فالاختيار الوحيد هو هل تركبه وهي مقحمة في عرباته، وفي زخم الإقحام تترك أمتعتها على الرصيف، أم تركبه عن طواعية محملة بأمتعتها وعلى وعي بالانضمام إليه وبالاتجاه الذي تقصده. من المؤكد، أن الوصول إلى محطة التنمية وتحقيق الديمقراطية لن يتما إلا بمرافقة النساء لذلك الركب.

* أستاذة علم الاجتماع رئيسة جامعة الحسن الثاني بالمحمدية ـ المغرب

المصدر حريدة الشرق الاوسط





All
  #53  
قديم 03/02/2004, 11:23 PM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
بدأت رشوة حكومية وانتهت تقليداً اجتماعياً:
"العيدية" ابتكرها المعزلدين الله وشربها الآباء
الاثنين 02 فبراير 2004 11:53
نبيل شرف الدين من القاهرة: يعرف الكثيرون أن "العيدية" هي كلمة السر بين أطفال مصر ـ وبلاد عربية أخرى ـ الذين يترقبون العيدين من أجل الحصول عليها، لكن ما قد لا يعلمه الكثيرون أنها بدأت بالأساس كـ "رشوة حكومية" مقننة، أطلقها الناس على ما كانت توزعه الدولة من نقود خلال موسمي عيد الفطر وعيد الأضحى لمستخدميها من أرباب الوظائف المختلفة، وكانت هذه العيدية تعرف "بالرسوم" في أضابير دواوين الدولة ، ويطلق عليها "التوسعة" في وثائق الوقف الفاطمية والمملوكية، كما يقول باحثون متخصصون في تاريخ مصر الحديث.
وترتبط جذور "العيدية" بسياسة "ذَهبِ المعز وسيفه" الشهيرة، فمما يروى عن الخليفة الفاطمي المعز لدين الله، أنه عند دخوله مصر بعد فتحها على يد جوهر الصقلي، وجد الناس في جدل ونقاش بين مؤيد ومشكك في صحة نسبه إلى البيت النبوي، فوقف وسط الناس وهو يلوح بسيفه قائلاً: "هذا نسبي". ثم أعقب ذلك بإخراج بعض الذهب ونثره على رؤوس الناس وقال: "وهذا حسبي".
وقد أثبتت الأحداث أن المعز لدين الله أحسن إلى حد كبير في استخدام "حسبه ونسبه" في توطيد دعائم خلافته، فجرد الجيوش لتهاجم مناهضيه وغمر رعاياه في كل مناسبة بالأعطيات ومظاهر الترف والبهجة.
وحرص الفاطميون على توزيع "العيدية" مع كسوة العيد، فضلاً عما كان يوزع على الفقهاء والمقرئين بمناسبة ختم القرآن ليلة العيد من الدراهم الفضية.
وعندما كان الرعية يذهبون إلى قصر الخليفة صباح يوم العيد للتهنئة كان الخليفة ينثر عليهم الدراهم والدنانير الذهبية من منظرته بأعلى أحد أبواب قصر الخلافة.
وبزوال دولة الفاطميين ، توقفت الدولة التي تعاقبت بعد ذلك عن صرف العيدية لأرباب الوظائف المدنية ، واكتفت بصرفها للجنود المماليك خاصة في عيد الأضحى كما كان الحال زمن الفاطميين، وكثيراً ما تعرض بعض السلاطين لاعتداءات المماليك بسبب قلة أو تأخر نفقة العيد ، وربما أدى تذمر المماليك إلى عزل السلطان عند عجزه عن دفع العيدية.
أما النقود التي كانت تصرف بها العيدية فكانت ثلاثة أنواع هي : الدنانير الذهبية، والدراهم الفضية، والفلوس النحاسية ، وكان الفاطميون يضربون دنانيراً خاصة بغرة العام الهجري تعرف بدنانير "الغرة" ويضربون أيضاً قطعاً ذهبية تعرف بالخراريب جمع خروبة، والخروبة تساوي 192 جراماً، وكانت الخراريب توزع على موظفي الدولة والأمراء في الأعياد كل حسب مكانته.
ودالت الدول وتبدلت أنظمة الحكم التي تعاقبت على مصر، وتنوعت مسميات العملات على مدى العصور حتى كاد يصعب حصرها خاصة في زمن العثمانيين، غير أن كل هذا لم يكن كافياً لينسى الناس عيدية الفاطميين الذين أرسوا وقواعدها وأصبحت عادة مصرية صميمة يتوارثها الأبناء عن الآباء والأجداد، وبعد أن خرجت الدولة الحديثة من عملية توزيع العيدية "أو الرشا" على الموظفين بهذه الصورة الصريحة، إذ اتخذت صوراً أكثر "حداثة" وتعقيداً، ليحل الآباء والأعمام والخئولة محل "دولة الفاطميين" ويتحملوا مسئولية "بذل العيدية" للأطفال الذين باتوا ينتظرون العيد بفارغ الصبر كي يحصلوا على "العيدية".

المصدر موقع ايلاف
  #54  
قديم 05/02/2004, 09:48 PM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
وراء اليوميات البالية التي ضجرنا منها ونتسلى عنها بمتابعة ضجر الآخرين ثمة ما هو إيجابي
سوسن الأبطح



اعترض ما شئت على «ستار أكاديمي»، وصوّت وأولادك لطلابه في اليوم التالي فهذا حقك، لكن اعترف لهذا البرنامج ببعض الفضائل التي تسجل له، والتي يليق بالإيجابيين من الناس التقاط شراراتها.
والأجدى من النواح الإفادة من المتاح ولو كان قليلاً. وعملاً بمقولة إذا لم يكن ما تريد فأرد ما يكون، ليس أمامنا سوى تعداد فضائل الموجود. فنحن لا ننكر على برامج «تلفزيون الواقع» التي بدأت زحفها إلى العالم العربي، سلطتها، وقدرتها الجبارة على إغواء العموم بالتفاهة والإيحاء لهم بأنها تفعل العكس، فهذه فلسفتها ووظيفتها الأولى، التي يعترف بها ضمناً مبتكر البرنامج الأشهر في هذا المجال «بيج بروذر» الذي دوّخ مئات الملايين من المشاهدين حول العالم. فالفنان المبدع جون دو مول صاحب الفكرة الجهنمية التي يصعب إحصاء ما حصدته من ضخم الأرباح يقول: «لقد ابتكرنا صنفاً جديداً وأرينا بوضوح كيف ان الناس العاديين قد يكونون شخصيات مهمة، وان جارك في العتبة الذي لا تلقي له بالاً يمكنه ان يدهشك». ولا نعرف إن كان أبطال يومياتنا المتلفزون يدهشوننا أم يدخلوننا في خدر باهت. لكن الفاتحة العربية لهذا النمط التلفزيوني، ببرنامج «ستار أكاديمي»، الذي تمثلت فيه الأمة بأبنائها، وما يعتريهم من حماسة، تثبت لمرة جديدة ان الجسر الفضائي الثقافي المفتوح بين الشرق والغرب يوحد تدريجياً الأذواق والخيارات معاً، وان دلال الرافضين للعولمة الثقافية هو أشبه بصرخة تائهة في واد. وما هو معلوم عن الصورة بأنواعها، الجامدة منها والمتحركة، انها استطاعت بسرعة قياسية ان تتحول إلى المصدر المعرفي الأول للبشر وتشكل ثقافة العامة على وجه البسيطة. ويشرح دانيل بونو الباحث الفرنسي في علوم الاتصال ان ميكانيكية التعامل مع المشهد مختلفة عنها تماماً مع النص المكتوب، فإن كانت مع الثاني تفاعلية يقظة فهي مع الأول استسلامية كسلى. فأمام الشاشة يميل الإنسان للارتخاء، مما يفسر الشعور اللذيذ بالنعاس وكأنما هو دخول في الحلم. ففي الحلم قليل من الكلام كما يقول فرويد، وحين يكون ثمة كلام فإنه يختلط بالصور.
وبرنامج مدته طول الليل والنهار على طريقة «ستار أكاديمي» يفتح السؤال عربياً لا حول قدح القيمين على البرنامج أو مدحهم، فهم محكومون بحسابات الربح والخسارة، وإنما، وهذا الأهم: أي إنسان حضرنا لزمن كل نتاجاته ماكرة وحمّالة أوجه، تعطي الإنسان ما يريد، وتتركه أعمى أمام وجوهها الأخرى وحيلها الزئبقية الملتبسة. فأمام أبطال «ستار أكاديمي» بإمكانك ان تجلس طوال النهار وبيدك النرجيلة وإلى جانبك صحن ترمس ليحلو التلصص على الطلاب، وتعرف ما أكلوا، وكيف شربوا، ومن مازح من، وكيف تنام صوفيا، وما هي خصوصيات غفوة محمد عطية أو بشار، وأيتهما هي التي ستفوز بقلب هذا أو يفوز ذاك بقلبها. وكثيرون يتتبعون الجلسات الطويلة للطلاب لاختلاس لحظة حميمة ما بين أحد الشبان مع إحدى الفتيات. وهؤلاء غالباً ما يخيب ظنهم وبإمكانهم أن يفرحوا لأن التكنولوجيا ما تزال قاصرة عن نقل الروائح وإلا لابتلينا فوق الثرثرة بمن ينسى تغسيل قدميه أو يتأخر عن موعد حمّامه. وراء اليوميات البالية التي ضجرنا منها في حياتنا ونتسلى عنها بمتابعة ضجر الآخرين، وهنا لب الكارثة، ثمة ما هو ايجابي. دع جانباً النقد القاسي الذي وجه عالمياً لكل برامج «تلفزيون الواقع» وهي تكتسح البيوت وتسمر الناس أمام الشاشات، طوال السنوات الثلاث الماضية. وتخلص من الأفكار المسبقة، عن لعنة الصورة، وخبثها، وانظر كيف يدفع هؤلاء الشبان إلى نحت أجسادهم وأصواتهم وصبرهم ومقدرتهم التعبيرية لينتقلوا من حيز الجهل بالذات إلى إدراكها ووعي إمكاناتها المخبوءة. ولسنا هنا بوارد الحكم على أساتذتهم وما حققوه من نجاح أو إخفاق، وإنما مجرد اعتبار العمل والمثابرة هما الميزان الأول للبقاء او الخروج من اللعبة، يستحق من المتفرج نظرة نقدية لذاته الجالسة ببلادة استفزازية على كنبة مقابل شاشة. برنامج هدفه السطو على وقتك أكبر فترة ممكنة، لكنه أيضاً برنامج يضعك أمام اختبار ذكاء. فهل تريد ان ترى وجهه الثرثار وتترقب مشاهد كاميراته الوقحة المسلطة على حياة أناس قبلوا ان يكونوا في أنبوبة اختبار من خمسة نجوم، أم انك تفضل ان تتحول طالباً إضافيا يتعلم تقنيات نحت القدرات وأنت جالس في بيتك؟ أم تراك تكتفي بالسهرة الأسبوعية وضيوفها المحترفين من النجوم؟ هل تذوب بكليتك في حياة الأكاديمية أم تقتنص من تفاصيلها ما تريد؟ أم تراك تملك زمام أمورك وتدير ظهرك بالكامل لألاعيب «تلفزيون الواقع»؟ قل لي من أي زاوية تنظر إلى «ستار أكاديمي» أقل لك من أنت؟ وكيف تتعامل مع جهازك الكومبيوتر وأي الخدمات تستخدم أقرأ لك شخصيتك؟ وما هي طبيعة مكالماتك التلفونية أكشف لك المستقبل؟ وبكلام أوضح فليس في أدوات الحداثة ونتاجاتها من جيد ورديء. فكما يمكنك أن تقرأ كتاباً إباحياً بعيني محلل نفسي أو مخرج سينمائي أو زير نساء أو فضولي شمولي، والقراءة ليست في كل الأحوال واحدة، يمكنك كذلك ان ترى ما تشاء من البرامج ولن تكون حصيلتك منها مع الجالس بقربك بالضرورة ذاتها. فلقد راهنا طويلاً جداً على حماية الإنسان باعتباره قاصراً، واخترعنا لذلك أجهزة ومؤسسات ونظريات، ثم باغتنا العالم المتطور بمعداته وأجهزته المعدة للراشدين فقط، وصرنا في هلع وضياع صبي، كبير الهامة صغير السنّ، دخل بطريق الخطأ لحضور فيلم يناسبه حجماً ويتجاوزه عمراً. وهذا كله يذكّر بقصة الزاهد الصوفي الذي قعد أمام حبة فول وأخذ يتأملها بشغف فشعر بأن الكون كله يتكشف أمامه منها. والزاهد هذا لا يشبه في أي حالٍ رجلاً آخر قد يكون في نفس موضعه، لكنه لا يستطيع ان يرى في الحبة عينها غير الوضاعة والحقارة. ولله في خلقه شؤون


المصد جريدة الشرق الاوسط
  #55  
قديم 05/02/2004, 09:52 PM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
:طالت فترة الانتظار العربي على إصلاح التعليم

الثلاثاء 03 فبراير 2004 05:12

د / محمد الرميحى

في آخر هذا الشهر فبراير 2004 سوف تعقد ندوة عربية واسعة تنظمها مؤسسة الفكر العربي في بيروت حول التعليم العربي العام، إصلاح ومناهج، في نفس فترة الإعداد أصدرت بالمصادفة مجلة الايكونومست البريطانية المعروفة في آخر عدد لشهر يناير تقريرا عن التعليم العربي نواقصه وتأثيراته، وهو واحد من التقارير العديدة التي تدفقت على العرب تصف ضحالة تعليمهم وهشاشة مؤسساتهم التعليمية، وكان أشدها نقدا هو تقرير التنمية بجزأيه لعام 2002 وعام 2003.وهو الذي أصبح اليوم أحد المراجع لكل من يريد أن يشير إلي تخلف العرب العلمي!
لا تنقصنا اليوم الحجج و الشواهد على وجود حقيقتين حولنا، الأولى أن العالم لم يتقدم ولا يتقدم دون المعرفة، تلك حقيقة أثبتها تاريخ البشرية الحديث منذ أكثر من قرنين على الأقل، منذ ثورة الميجي في اليابان في الثلث الأخير من القرن التاسع عشر، مرورا بالثورة الصناعية في أوروبا و ثورة المعلومات المعاصرة التي نشهدها الآن، أما الحقيقة الأخرى فان التعليم العربي لم ينهض لمواجهة التحدي الذي واجه العرب، وهو حتى اليوم مقصر في ذلك.
أما إذا بحثنا في الأسباب فهي كثيرة، ينظر اليها البعض من زوايا مختلفة، أما الحقيقة التي لا يستطيع عاقل أن يتجاوزها فهي أن القصور ما زال مستمرا، برغم كل التقارير و رغم كل الآراء النيرة التي قيلت من رجال التعليم العرب في السابق واللاحق، وغيرهم من المهتمين بضرورة تغيير هذا التعليم الشكلي الذي نمارس، إلي تعليم حقيقي يستجيب لمتطلبات العصر.
لعل أحد الأدلة الصارخة على قصور التعليم العربي، من حيث الكيف أن معظم المسئولين العرب عن التعليم إذا توفرت لهم الفرصة، واتيحت لهم الوسيلة، فإنهم لن يترددوا بإرسال أبنائهم إلي مدارس خاصة في الوطن أو خارجه من اجل التعليم!ومعرفتي بالبعض تؤكد ذلك.
في الوقت الذي تقول لنا كل الدراسات، أن تكلفة التعليم العام، في الدول العربية، اكبر بكثير من تكلفة التعليم الخاص، على الخواص! فالمشكلة هنا إذا ليست مالية بل مؤسسية.
تتنقل نكتة ثقيلة عن مواطن سوفيتي في الأيام الخوالي انه سئل ما هي أخبار العلاقة بأميركا قال انتظر حتى اقرأ البرفدا( الجريدة الرسمية) ثم سئل وماذا عن أخبار الاقتصاد قال انتظر حتى أقرا البرافدا، ثم سئل أخير وهو ينتفض من البرد، وما هي أخبار الجو هذا اليوم، قال لم أقرا البرافدا بعد!
لعل هذه النكتة المرة تتجلى من جديد في خريجي مدارسنا وجامعاتنا، فمعلوماتهم العامة ضئيلة إلي درجة تثير العاقل وتحير الحكيم، ومهاراتهم التقنية و الفنية معدومة، فأصبح تعليمنا في جله هو تعليم تلقيني لتخريج كتبة في الدولة أو مواطنين لا يملكون ممحية أبجديتهم، يجيدون النقل ولا يعرفو قيمة العقل، ولا غرو بعد ذلك أن يؤخذون حقا أو غير ذلك بالإيديولوجيات التي تعتبرهم أنفارا في قطيع وليس بشرا لهم عقول.
لقد خلط البعض كثيرا وطويلا بين تعليم وبين تجنيد، في الثاني المطلوب الطاعة وسماع الأوامر وفي الأول المطلوب المجادلة والنقاش والشك.
في تجربة جرت منذ أسابيع في الجامعة التي أدرسُ فيها، قررت أن اختبر قيمة مهمة في التنمية الحديثة وهي قيمة ( الثقة) فأعلنت لطلابي أن الامتحان الأخير لن يكون عليه رقيب منى أو من غيري، رقابتهم تنبع من أنفسهم، وبالفعل تم الامتحان، وعند الانتهاء منه، سئل زميل لي عددا كبيرا منهم، هل قمت بالغش، وكانت الإجابة صاعقة، لقد امتنعنا عن فعل ذلك لأننا نعتقد أن الجامعة و الأستاذ قد وضعوا (كاميرات) لمراقبتنا!
لا أفضل من مثل هذه التجربة التي تقدم لنا بوضوح كامل كيف استطاع التعليم الذي نقدمه في بلداننا من غرس رقابة افتراضية تنبع من الداخل، من الإنسان الذي يذكرك بإنسان البرافدا سابق الذكر.
تجربة ماليزيا التي نتحدث عنها كثيرا بدأت بقرار إصلاح التعليم، ومنها انطلقت إلي ما نعرفه اليوم من مساهمة عالمية في التنمية التي حققت لبلدها كل هذه الثروة و السمعة، وبلاد أخرى أيضا بدأت التغيير من التعليم، بل أن بلدانا غربية أخرى كلما واجهها تحد لجأت إلي التعليم، تنظر فيه وتقوم بتقويمه.
ولعل بعضنا يذكر التقرير الشهير الذي صدر في الولايات المتحدة بعد نجاح الاتحاد السوفيتي في وسط الستينيات من القرن الماضي لإرسال رجل إلي الفضاء، لقد كانت الصيحة وقتها انتبهوا إلي التعليم، ولا زالت بلاد مثل بريطانيا تتحدث برامجها السياسية عن نقلة نوعية في التعليم، وهي بلاد توصف على أنها متقدمة.
لقد أثقل التعليم العربي بأشكال من ( الادلجة) و ( القطعية) خلال سنوات طويلة، وتوارث العرب في بلادهم المختلفة وعلى درجات مختلفة هذه الادلجة و القطعية وسرعان ما تسربت إلي المناهج المدرسية، في الوقت الذي تؤكد كل تجارب العالم أن التعليم في أي موضوع هو نسبي وليس قطعي، فالتلميذ الذي كان يجيب عن إمكانية انشطار الذرة قبل أن يكتشف ذلك انيشتاين في العشرينيات من القرن الماضي، كان يسقط في الامتحان، بعد ذلك بسنوات من يقول أنها لا تنشطر يلاقي نفس المصير. اقصد أن العلم نسبي، منذ أن قال هيروقليطس قوله المشهور ( انك لا تستطيع أن تنزل النهر مرتين) أي أن الأصل في الأشياء هو الحركة لا الجمود.
وان أخذنا بعض الأمثلة نقول أن الخطوط العريضة للنظرية الاقتصادية الحديثة قد تغيرت وتبدلت منذ ادم سميث إلي روبرت سولو(الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد) فلو عاش الناس على نظرية ادم سميث لما وصلنا إلي ما وصلنا إليه من (عولمة)
إذا وضعنا الوعود و التأكيدات العامة الصادرة من الأجهزة الحكومية العربية جانبا فان إصلاح التعليم لم يتعد تلك الوعود العامة، ويبدو أن اصلاح المناهج هو في صلب إصلاح التعليم، إلا انه في الظروف و المعطيات الحالية، يكاد يكون شبه مستحيل، بالمعني الذي ينقل التعليم العربي إلي آفاق مرتجاة، فمن قمنا بتعليمهم شربناهم على طول السنين ( ينبغيات) يكاد لا يستطيعون منها فكاكا، فأصبحوا هم، لا غيرهم سدا منيعا للتطور!
لذا أصبح هناك اليوم في فضائنا العربي ما يمكن أن يسمي المناهج التعليمية الموازية، وهي أشكال من التعليم ظهرت أولا فيما سميناه ( المدارس الخاصة) وان كان على استحياء، ثم في الابتعاث إلى الخارج بعد ذلك، وهو اليوم يكاد أن يُوطن في أكثر من بلد عربي، واعني به ظهور الجامعات المشتركة بين بعض العرب وبعض الغرب، ربما مثل هذه الخطوات هي هروبية في أحسن أحوالها، لأنها تزيد من تقسيم المجتمع، وتترك التعليم العام نهبا للتردي و التصحر، إلا أنها للعاقل ربما خطوة قد تؤدي إلي الأفضل بعد حين.
هذا المنهج الموازي يقدم لشرائح في المجتمع العربي فرصة عدم الوقوع في تصادم مع القوى المحافظة التي ترغب، بسبب مصالح لها أو بسبب أفكار ومعتقدات، أن يظل الحال كما هو يراوح في مكانه، إلا أن السؤال هو هل تستطيع هذه المؤسسات ذات المنهج الموازي أن تقدم من المعرفة ما يعتقد القائمون عليها أنها تفعل؟ أم أن هناك بعض الخيوط المرئية وغير المرئية التي تربط بحبل سري مؤسسات المنهج الموازي بشؤون الدولة؟
لا زالت الجهود و الأموال المستثمرة في مؤسسات التعليم ذات المنهج الموازي محدودة، سواء أكانت الجامعة العربية المفتوحة أو الجامعات المشتركة التي تتكاثر.
سيظل أهل التعليم العرب في حيرة، ليس لنقص في أفكارهم وتطلعاتهم، إنما بسبب افتقاد المجتمعات العربية إلي ( إرادة التغيير) وهي في يد السياسيين أكثر منها في يد التربويين.

باحث كويتي

الوطن العمانية
  #56  
قديم 06/02/2004, 09:52 AM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
د· محمد عابد الجابري:

الأخلاق والأحكام في القرآن ومنهجية الاجتهاد:
الثلاثاء 03 فبراير 2004 05:45

أكاديمي ومفكر - المغرب

التجديد في الدين يتطلب أساسا -عندما يتعلق الأمر بالإسلام- تجديد الفهم للقرآن· ومنذ القديم ميز علماء الدين في الإسلام بين الأحكام ومكارم الأخلاق· أما الأحكام التي تشرع للعبادات والمعاملات وما يتصل بها من عقاب وثواب···إلخ، فهي لا تشكل إلا نسبة صغيرة من عدد آيات الذكر الحكيم· أما الباقي فكله في الأوامر والنواهي الأخلاقية أو تدور حولها· وفي الجملة فمن جميع آيات القرآن، المكية والمدنية، التي يبلغ عددها 6236 آية، ليس هناك في موضوع الأحكام سوى 634 آية حسب الفقيه ابن العربي و500 آية حسب الغزالي، من القدماء، بينما يحصرها بعض المحدثين في 300 أو 340 آية، وينزل بها آخرون إلى نحو 200 آية·
والسبب في هذا الاختلاف يرجع إلى المعنى الذي يعطيه كل منهم لكلمة الحكم في عبارة آيات الأحكام· فبينما يوسع بعضهم كابن العربي معنى الحكم ليشمل الآيات التي تعبر عن الإرادة الإلهية كـخلق السموات والأرض وتقرر سنة الله في الكون··· إلخ، يحصر آخرون معنى الحكم في الأوامر والنواهي الخاصة بالعبادات والأحوال الشخصية وشؤون المعاملات، كالبيع والرهن والتجارة···إلخ، والقضايا الجنائية· وليس في كل ما تقدم من عقوبات جنائية إلا فيما يعرف بـالحدود وهي أربعة، حد الزنا، وحد القذف، وحد السرقة، وحد الحرابة (قطاع الطرق)· أما الباقي فيدخل كله في مجال الأخلاق، مجال الحث على الفضائل والنهي عن الرذائل·
وبما أن القرآن الكريم (والسنة النبوية المبينة له) لم يشرع لجميع جزئيات الحياة، ما كان منها في عصر النبوة وما طرأ بعدها، وهو كثير، فإن تطبيق الأحكام الشرعية على المستجدات التي تكاثرت باتساع رقعة بلاد الإسلام وتنوع عادات أهلها وأعرافهم وخضوع ذلك كله لسنة التطور، يقتضي الاجتهاد لالتماس الحكم الشرعي من القرآن والسنة وإجماع الصحابة، وبذلك صار الاجتهاد أصلا من أصول التشريع· والاجتهاد بهذا المعنى يعني الرجوع بالأحكام المنصوص عليها إلى عللها أو مقاصدها لتعميمها على المستجدات التي لم يرد فيها نص· وهنا انقسم المجتهدون إلى قسمين: قسم يعتمد منهجية تقوم على اعتبار العلل، وقسم يعتمد منهجية مبنية على اعتبار المقاصد· واختلاف الفقهاء في كثير من المسائل في عصرنا كما في العصور السابقة، إنما يرجع إلى اختيارهم هذه المنهجية أو تلك·
وهكذا فالجدل الذي أثير مؤخرا حول مسألة الحجاب، وحول الفوائد البنكية وغيرها يرجع من الناحية المنهجية الأصولية إلى ما يسمى بـدوران الأحكام، بمعنى هل الأحكام الشرعية تدور مع عللها أو مع حكمتها·
والفرق بين العلة والحكمة في اصطلاح الفقهاء: أن العلة وصف في الشيء الذي صدر فيه الحكم، وبذلك الوصف يعرف وجود الحكم· فالإسكار وصفٌ في الخمر وبه عُرف تحريمُه فهو إذن علة التحريم· والسفر والمرض هما العلة في إباحة الإفطار في رمضان الخ، وهكذا· فإذا عرف المجتهد العلة التي استوجبت الحكم في شيء معين عمموا ذلك الحكم على كل ما فيه تلك العلة· وإذا انتفت العلة سقط الحكم· وهذا هو معنى القاعدة الفقهية التي تقول إن الأحكام تدور مع عللها وجودا وعدما·
هذا عن العلة، أما الحكمة فهي الباعث على الحكم وهو إما جلب مصلحة وإما دفع مضرة: فالحكمة من تحريم الخمر هي دفع مضرة ذهاب العقل بالسكر، والحكمة في إباحة الإفطار في رمضان للمسافر والمريض هي دفع مضرة المشقة وهكذا··· فالحكمة، في نهاية التحليل، هي المصلحة التي روعيت في إصدار الحكم·
وأغلبية الفقهاء، يقررون أن الحكم الشرعي يدور مع علته وليس مع حكمته بحجة أن الحكمة قد تكون خفية غير ظاهرة، في حين أن العلة من شروطها أنها وصف ظاهر منضبط· فالحكمة من إباحة الإفطار في رمضان للمسافر والمريض هي دفع المشقة عنه، كما قلنا، فلو جعلنا الحكم يدور مع المشقة وجودا وعدما لوقعنا -كما يقولون- في اختلاف كبير حول تقدير حجم المشقة التي يجوز فيها الإفطار أو لا يجوز، وقد يؤدي بنا ذلك إلى إباحة الإفطار في مشاق أخرى غير تلك التي تحصل بالسفر والمرض، مثل مشاق العمل في المصانع وغيرها، وهذا في نظرهم غير مقبول· ومن أجل تلافي كل ذلك قالوا إن الحكم يدور مع علته لا مع حكمته لأن العلة كما قلنا هي-باصطلاحهم- وصف ظاهر منضبط ينبني عليه الحكم ويربط به وجودا وعدما ويكون مناسبا لحكمته، بمعنى أن بناء الحكم عليه من شأنه أن يحققها· وهكذا يقولون إن الإفطار في رمضان يجب أن يبنى على العلة وهي السفر والمرض، وليس على المشقة·
لا شك أن هذا النوع من الاستدلال والمحاجة مبرر تماما ومعقول تماما داخل إطار نظام معرفي استدلالي مبني على القواعد الأصولية التي وضعها الفقهاء القدامى والتي من جملتها القواعد الخاصة بالتعليل والقياس والدوران وما إلى ذلك· ولكن القواعد الأصولية هذه ليست مما نص عليه الشرع، لا الكتاب ولا السنة، بل إنها من وضع الأصوليين· إنها قواعد للتفكير، قواعد منهجية، ولا شيء يمنع من اعتماد قواعد منهجية أخرى إذا كان من شأنها أن تحقق الحكمة من التشريع في زمن معين بطريقة أفضل· والمجتهدون إنما هم مجتهدون لأنهم يتميزون عن غيرهم بما يضعونه من أصول وقواعد يلتزمونها، وهي تختلف قليلا أو كثيرا من مجتهد إلى آخر· والمذاهب الفقهية من حنفية وشافعية ومالكية وحنبلية وظاهرية وغيرها إنما تختلف عن بعضها بكون كل منها يعتمد قواعد منهجية تختلف من بعض الوجوه، على الأقل، عن تلك التي تعتمدها المذاهب الأخرى: هناك من يعتمد التعليل وهناك من يرفضه· وهناك من يعمل بالقياس وهناك من ينكره· هناك من يقول بدوران الأحكام مع عللها وهناك من يرفض القول بالدوران (ومنهم الحنفية)· وهناك من يقول إن الدوران يؤدي إلى اليقين (المعتزلة) وهناك من يقول إنه إنما يفيد الظن (الأشاعرة عموما) وهناك من يرى أن الدوران شرط في صحة العلة ولكنه ليس دليلا على صحتها···إلخ·
وإذن فالقول بأن الأحكام إنما تدور مع عللها وليس مع حكمها (=جمع حكمة) قول لا معنى له إلا عند من يقول بالتعليل (بالعلة) وبالدوران· أما من لا يقول بهذا ولا بذاك فلا يلزمه ذلك القول· ونحن عندما نطرح هنا هذه المسألة في إطار الدعوة إلى إعادة بناء الأصول، إلى إعادة تأصيلها، إنما نريد أن يتجه تفكير المجتهدين الراغبين في التجديد حقا، والشاعرين بضرورته فعلا، إلى القواعد الأصولية نفسها، إلى إعادة بنائها بهدف الخروج بمنهجية جديدة تواكب التطور الحاصل، سواء على صعيد المناهج وطرق التفكير والاستدلال أو على صعيد الحياة الاجتماعية والمعاملات الجارية فيها التي تفرضها مستجدات العصر وضروراته وحاجاته الخ· إن القواعد الأصولية التي ينبني عليها الفقه الإسلامي لحد الآن ترجع إلى عصر التدوين، العصر العباسي الأول، وكثير منها يرجع إلى ما بعده· أما قبل عصر التدوين هذا فلم تكن هناك قواعد مرسمة تؤطر التفكير الاجتهادي بمثل ما حدث بعد· والفقهاء الذين وضعوا تلك القواعد قد صدروا في عملهم الاجتهادي ذاك عن النظام المعرفي السائد في عصرهم وعن الحاجات والضرورات والمصالح التي كانت تفرض نفسها في ذلك العصر· وبما أن عصرنا يختلف اختلافا جذريا عن عصر التدوين ذاك، سواء على مستوى المناهج أو المصالح، فإنه من الضروري مراعاة هذا الاختلاف والعمل على الاستجابة لما يطرحه ويفرضه·
وإذا كان عمر بن الخطاب قد عمل باجتهاده، واجتهاد الصحابة الذين استشارهم، في مسألة فيها نص صريح، فوضع الخراج على الأراضي المفتوحة عنوة بدل تقسيمها بين المقاتلين، مراعيا في ذلك المصلحة، مصلحة الحاضر والمستقبل، وإذا كان قد عدل عن قسمة الغنائم بالسوية، كما كان يفعل النبي وأبو بكر، وارتأى أن العدل يقتضي قسمتها على أساس السبق في الاسلام والقرابة من الرسول (صلى الله عليه وسلم)، إذا كان عمر بن الخطاب- المشرع الأول في الاسلام بعد الكتاب والسنة- قد اعتبر المصلحة ومقاصد الشرع فوضعهما فوق كل اعتبار، فلماذا لا يقتدي المجتهدون والمجددون اليوم بهذا النوع من الاجتهاد والتفكير، بدل الاقتداء بفقهاء عصر التدوين والترسيم؟ لماذا نضيق على أنفسنا ونسجن اجتهادنا في قواعد كانت تفي بالمصلحة والمقاصد، قليلا أو كثيرا، في زمان مضى، إذا لم تعد تفي بنفس الغرض اليوم على أكمل وجه، والحال أنها قواعد مبنية على ظن المجتهد وليس فيها شيء من القطع واليقين باعتراف أصحابها أنفسهم؟
أما دوران الأحكام مع المصالح فشيء يفرض نفسه ما دمنا نقرر أن المصلحة هي الأصل في التشريع، واعتقد أن هذا المبدأ هو الذي صدر عنه الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب· وإذن فالاجتهاد يجب أن يكون لا في قبول هذا المبدأ أو عدم قبوله بل في نزع الطابع الميكانيكي عن مفهوم الدوران والعمل من أجل الارتفاع بفكرة المصالح إلى مستوى المصلحة العامة الحقيقية كما تتحدد من منظور الخلقية الإسلامية· إنه بدون هذا النوع من التجديد سيبقى كل اجتهاد في إطار القواعد الأصولية القديمة اجتهاد تقليد وليس اجتهاد تجديد حتى ولو أتى بفتاوى جديدة، حتى ولو جاء بتخريجات من ذلك النوع المعروف عند الفقهاء القدامى بـالحيل الفقهية· إن التطور الذي يطبع عصرنا لا تفيد فيه مثل تلك الحيل مهما كان شأنها، إنه تطور في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، محليا ودوليا، لن يستوعبه إلا فكر يرتفع بالاجتهاد والتجديد إلى مستوى هذا التطور ذاته· إن الاتجاه الإسلامي في الفكر العربي المعاصر مطالب بإعادة البناء في هذا الأفق وعلى هذا الأساس إذا هو أراد أن يتجاوز الشعارات العامة، التي من قبيل الاسلام هو الحل، إلى حلول عملية للمشاكل العملية التي تطرحها الحياة المعاصرة، حلول إسلامية فعلا ولكن معاصرة أيضا·

الاتحاد الإماراتية
  #57  
قديم 07/02/2004, 11:34 AM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
ما وراء الهجوم على شيخ الأزهر (1 ـ 2)
عبد الرحمن الراشد
هل الانتقادات الحادة التي وجهها شيخ، كيوسف القرضاوي، ضد زميله شيخ الأزهر مباشرة عبر التلفزيون، وآخرها في دبلن، كانت بنت لحظة انفعال ام انها تسير في نفس حرب المشايخ الحمر ضد الدور التقليدية للفتوى؟
في هذه الحرب صار مشايخ النقد يديرون معركة مع المراجع التقليدية في كل مرة تعلن فتوى من الخلع الى الحرب وحديثا الحجاب.
تخلّوا في مساجلاتهم عن آداب الانتقاد المعروفة بين علماء الدين، التي تسمح بالاختلاف لكن تحظر التشهير ببعضهم، في العلن على الأقل.
أسبابها تبدو عديدة بعضها اختلاف طبيعي في الرأي بين علماء الدين، ومنها تجاذبات الزعامة والمرجعية، لكن اخطر دوافع الهجوم على مراكز الفتوى التقليدية هي سياسية، الرغبة في تهشيم قيادات دينية ضمن الحرب على المؤسسات الرسمية في العالم الاسلامي. خلال السنوات الماضية، مع ظهور فكر ديني مسيس يطرح نفسه البديل، لم تسلم معظم المراكز والمراجع المعتمدة من النقد العلني وهجمات التشكيك وتحديدا في مصر والسعودية. فاصحاب المشروع الديني السياسي الجديد يعتقدون، وهم محقون، انهم لن ينجحوا بلا علماء دين يقبل بهم العامة، ولن يقبل عامة المسلمين بأحد الا عند زعزعة المراجع الحالية واعتماد البديلة. لهذا لجأت هذه الحركات الى اشاعة رموزها عبر وسائل الاعلام الشعبي ولم تتردد في افتعال مصادمات عاطفية علنية كما يحدث في قضية منع الحجاب في فرنسا. فهي ليست معركة على حجاب طالبات في دولة اوروبية، بل نزاع على السلطة الدينية في العالم الاسلامي.
خلال الايام الماضية هاجموا بشراسة شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي، لا بصفته فقيها، بل كمركز تعتبره التنظيمات عقبة في وجهها. وحتى يتم تهشيم الشيخ ومركزه لم يتردد المشايخ الحمر من تسفيه فتواه الأخيرة جهارا في قضية الحجاب في فرنسا، التي طالب بتفهم ظروفها مرددا «فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه».
وحتى تكون منابرهم معتمدة اخترعوا مؤسسات موازية جعلوها مرجعا دينيا، واضافوا عليها مسميات تفخيمية لايهام الناس انها مراجع معتبرة. وهي في حقيقة الامر حركة افتاء انفصالية تطرح نفسها بديلة لدور الفتوى المعروفة تاريخيا. وهي لا تتردد في مزاحمة، وربما ضرب، المجاميع الكبيرة من مجمع الفقه الاسلامي في مكة، ومفتي السعودية، وشيخ الازهر، ومفتين كبار في الدول الاسلامية. ومع ان احدا لا يستطيع ان يتهم هؤلاء العلماء المتمردين بانهم في خلية واحدة مع حركات العنف اليوم الا ان نشاطهم ينسجم مع برنامج الحركات السياسية الجديدة، فبعضها ينفذ التفجيرات وبعضها يقوم بالدعاية وبعضها يجمع المال وبعضها يصدر الفتاوى من مشايخ تحت الأرض.
وهؤلاء بعلمهم او بدونه يخدمون عملية التفكيك الفعلية التي تتعرض لها المؤسسات الدينية المعتمدة، التي ستؤدي في نهاية المطاف الى فوضى ليست في صالح احد من الجانبين وتصبح الغلبة لمتطرفين كـ«التكفير والهجرة».



ما وراء الهجوم على شيخ الأزهر (2 ـ 2)
عبد الرحمن الراشد
في رأيي من الخطأ السير في ركب مشايخ المعارضة من دون فهم طبيعة الارتباط السياسي بالفتوى الدينية التي تحولت في السنوات الأخيرة الى وسيلة في يد التنظيمات المعارضة، تستخدمها لاقصاء المراجع الحالية، لتساير عمليات الاقصاء الفكري والسياسي. وما سميت بمعركة الحجاب في فرنسا ما هي الا معركة لتجييش المسلمين في العالم، بما سماه بن لادن معركة الفسطاطين، لا علاقة لها بالحجاب نفسه. ولهدم الفسطاط الآخر تشن معركة ضد المراجع الدينية التقليدية، ومن بينها مشيخة الأزهر.
وهذه المعركة واحدة من سلسلة، بحيث ما ان ينطفئ خلاف على فتوى حتى يتم إشعال آخر من أجل الهاب المشاعر، بدليل ان زعيم الحملة الحالية، الشيخ يوسف القرضاوي، وصف مشروع قرار فرنسا بانه «حرب على المسلمين»! وهو قول خطير يحرض الشباب المتدين على ما هو أكثر من التظاهر. ولا ننسى ان القرضاوي وزملاءه من شيوخ التطرف لم يقولوا الشيء نفسه في حق الدول الاسلامية التي سبقت فرنسا الى ذلك!
والأزهر تحديدا استهدف باستمرار ملحوظ لالغائه كمرجعية رئيسية، ونقل الفتوى لأناس طرحوا انفسهم بديلا مثل جبهة علماء الأزهر او ما يسمى بالمجلس الاسلامي الاوروبي في دبلن وغير ذلك من اليافطات المستحدثة. واجهوه عندما أفتى بجواز الخلع، وعندما نهى عن تسمية الحرب في العراق بالصليبية، محذرا مشايخ المعارضة من التغرير بالمسلمين، قائلا سموها أميركية، ومذكرا بأن الكنائس الرئيسية كانت ضد الحرب. الأزهر سواء أخذ موقفا متسامحا، مثل ترك الحكم على التعامل مع مجلس الحكم في العراق لعلماء العراق، او متشددا كما فعل عندما رفض اجازة قتل الرحمة، أي ترك المريض الميئوس منه يموت، لا يثني عزيمة تنظيم المعارضة من انتقاده علانية وتعمد الاساءة اليه. والمعارضة لاسباب سياسية، لا دينية صرفة، ليست جديدة فعلماء ايران كفروا الشاه وحرضوا عليه لان حكومته سمحت بالبنوك الربوية واعتمدت تنظيم الاسرة، أي الحد من النسل. انظروا اليهم في ظل مشايخ ايران اليوم، الفائدة مسموحة والحكومة الدينية هي التي تقدم النصائح بالحد من النسل وفي المساجد نفسها التي كان يحارب من على منابرها!
والحق ان الدكتور طنطاوي كان شجاعا عندما وقف وحيدا في معركة الحجاب، رافضا التراجع رغم سيل الاساءات اليه. وقف في وجه تنظيم مشبوه حرك مسيرات لأول مرة من نوعها حتى في مدن مشغولة بما هو أعظم، في غزة وبغداد. والمؤسف ان الفكر المتطرف استدرج جيشا من المعلقين والكتاب ساروا في ركابه غير مدركين حقائق الساحة الفرنسية نفسها، وعُمْيَان عن رؤية استغلال التنظيمات المعارضة لهم في قضية أكبر، هي هدم القائم واحلال فكرهم السياسي المبني على الكراهية واقناع المسلمين بانهم في حرب مع العالم.











آخر تحرير بواسطة صقر الخالدية : 07/02/2004 الساعة 11:41 AM
  #58  
قديم 07/02/2004, 11:49 AM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
من طيوب الذاكرة
بين المتنبي و أدونيس

د. رياض نعسان آغا


قد يستغرب كثيرون أن أجمع المتنبي وأدونيس في عنوان واحد يوحي بأن ثمة مقاربة أو مقارنة بين شاعرين أولهما رائد الكلاسيكية الأصيلة ، وثانيهما هادم الكلاسيكية الأصيلة ، ولكن هذا الحكم شكلاني متسرع ، وإن كان ثمة تضاد موضوعي ، فإنه بحد ذاته يشكل رابطاً هاماً بين شاعرين كبيرين في ثقافتنا القديمة والحديثة ، وهما على الرغم من هذا التضاد يلتقيان في جملة من الرؤى والهواجس والمواقف ، كما أنهما يفترقان في جملة أخرى ، فأما أماكن اللقاء فبوسعنا أن نتلمس أبرزها في :
كون الشاعرين شخصيتين إشكاليتين ، وقد شغلا الناس وأثارا معارك نقدية هامة في أدبنا وثقافتنا العربية .
كون الشاعرين يعتبران الشعر نبوءة ، حيث يقال إن أبا الطيب ادعى النبوءة في السماوة ، و كذلك فعل أدونيس حين اعتبر شعره نبوءة ،أو أعتبره مريدوه نبي شعر .
سجن المتنبي بسبب معتقده ، و كذلك سجن أدونيس بسبب معتقده في عام 1954 ، حين كان عضواً في الحزب القومي السوري .
رحل المتنبي عن بلده وتغرب ضارباً في الأرض باحثاً عن مبتغاه الذي لم يبح به ، بل جعله أجلّ من أن يسمى ، وكذلك رحل أدونيس وتغرب طامحاً إلى هدف قلق رافض لليقين .
وكلا الشاعرين مأزوم بالدين ورافض له .
وكلاهما متأثر بالحركة القرمطية.
وكلاهما مملوء بالغرور الفني والشعور بالعظمة .
***
فأما حكاية ادعاء المتنبي للنبوة فهي موضع شك وريبة وكذلك الأمر في نبوة أدونيس الشعرية ، فكلا الرجلين ينكر هذا الإدعاء ، وقد استبعد القدامى حكاية نبوة المتنبي لأسباب عديدة منها أنهم متمسكون بدينهم ، ولكنهم في الوقت ذاته يحبون المتنبي ويعجبون بعبقريته ، ولو أثبتوا ادعاءه للنبوة لحكموا عليه بالردة ، وبإنكار نبوة خاتم الأنبياء محمد عليه الصلاة والسلام ، ولكن هناك من يقدم حججاً على صحة هذا الاتهام متكلفاً الاستشهاد بقول أبي الطيب على سبيل المثال : ( ما مقامي بأرض نخلة إلا كمقام المسيح بين اليهود ) أو قوله ( أنا في أمة قد تداركها الله غريب كصالح في ثمود ) وأستبعد أن يكون الشراح كما يقول بعض الدارسين قد أغفلوا من شعره ما لا يقبله المسلمون فقد عاش المتنبي في عصر التدوين الشامل ، والانفتاح الفكري المطلق على الثقافات بما فيها تلك التي تعارض الإسلام والدين عامة ، وقد شهدت الكوفة في ذلك العصر نشاطاً فكرياً وسياسياً يصعب أن تقبل به العواصم العربية والإسلامية اليوم ، ولكني لا أستبعد أن يكون هو قد أزاح من ديوانه ما قد ينكره عليه المسلمون ، وقد حفظ التاريخ الأدبي للمتنبي صلته بالقرامطة الذين كانوا يملأون الكوفة في عصره ، وحفظ لنا رغبته بثورة دينية يتحالف فيها مع شيخ حدد مواصفاته بقوله ( شيخ يرى الصلوات الخمس نافلة ، ويستبيح دم الحجاج في الحرم ) ولم ينكر أحد حتى من أنصار المتنبي أن الرجل كان مستخفاً بالدين ، ولكنني لا أجد تشبيهه لنفسه بالسيد المسيح بين اليهود ، أو بالنبي صالح في ثمود ، دلالة كافية على ادعائه النبوة ، ولا أعتقد بأنه حقاً ابن (عبدان السقاء الجعفي) ذي الصلة بالأئمة كما يقول الدارسون ، بل أميل إلى الظن بأن والده (الحسين) رجل ذو مكانة بين السادة العلويين، ولعله أخفى نسبه خوفاً على نفسه ، ولم يكن يعرف حقيقته غير الخاصة ، وأحسب أن منهم سيف الدولة الذي سمح للمتنبي أن يقول في مجلسه ( سيعلم الجمع ممن ضم مجلسنا ، بأنني خير من تسعى به قدم ) ولم يستغرب أحد من معاصريه أن يقول عن أبيه ( أنا ابن من بعضه يفوق أبا الباحث والبعض نجل من نجله ) وأن يعتز بأرومته في رثاء جدته ( ولو لم تكوني بنت أكرم والد ، لكان أباك الضخم كونك لي أما ) ولم تكن مطالبة المتنبي بالولاية كما أحسب لمجرد أنه يجد في نفسه الكفاءة للحكم ، ولو كان الأمر كذلك لاستهجن سيف الدولة مطلبه ، ولما تجرأ هو على طلب كهذا أمام كافور ( وغير كثير أن يزورك راجل فيرجع ملكاً للعراقين واليا ) فالدافع المعقول الممكن ديني محض .
وأما نبوءة أدونيس فهي مجاز إبداعي لا أكثر ، وقد سمعته ينكر ذلك ، ولكن الطريف أن كاتباً في النيويورك تايمز هو آدم شاتز ذكرنا بأن أدونيس تنبأ بما حدث في نيويورك في 11 سبتمبر، في قصيدته القديمة ( جنازة في نيويورك ) التي كتبها عام 1971 ويقول ( شاتز ) في مقالته عنه ( إن أدونيس كان يبحث عن شبح والت ويتمان، ويتخيل رياحاً شرقية تقتلع ناطحات السحاب . وكان يصور مدينة تحترق ) ولكن بوسع القارئ بالطبع أن يلمح في القصيدة روح إليوت في (الأرض اليباب) .
***
ويبدو لي أن الهاجس الديني هو موضع اللقاء الأوضح بين المتنبي وأدونيس ، رغم أنهما نافران من الدين ، ولكنهما يريان في حركة القرامطة وهجاً إبداعياً ( والرأي في رؤية أبي الطيب لإبداع القرامطة هو رأي أدونيس يفصله في كتابه (الكتاب - أمس المكان الآن ) ولكن أبا الطيب لم يتجرأ على نقد المؤسسة الدينية كما فعل أدونيس ، و ما بدأ به شغله الثقافي منذ أن سمى نفسه ( أدونيس ) مبتعداً عن اسمه الحقيقي ( علي ) و قد كتب الثابت والمتحول ، الذي وقف منه كثيرون من الدارسين موقفاً حذراً ورافضاً ( عدا مريديه وأتباعه ) لأنه كما قالوا يبحث فيه عن عثرات العرب وعن مساوئهم ويظهر الجانب السيء من تاريخهم ، ويقولون إنه ينتقد اتباعية الشريعة التي أصّلها الشافعي ، واتباعية السياسة التي أصّلها الخلفاء الراشدون( رضي الله عنهم جميعاً ) مبتدئاً باجتماع السقيفة ، واتباعية الشعر التي أصّلها الأصمعي ، ويعترض خصومه كذلك على موقفه من النبوة ومن إعجاز القرآن الكريم ، وعلى إشادته بثورة الزنج ، وبحركة الخوارج ، وعلى انبهاره بالرازي وابن الراوندي وسواهما من المتهمين بعقائدهم ، وبأبي نواس وغيره من الشعوبيين الداعين إلى نسف القيم الدينية و إطلاق حرية الغرائز ، ويتهمه خصومه بأنه منذ بداياته يحارب فكرة التوحيد ، ويرى أن التاريخ الأجدر بالعناية هو تاريخ ما قبل العروبة ، وهو في هذه الرؤية تلميذ في مدرسة سعيد عقل ، ورغم هذا الموقف من الدين عند أدونيس ، فإنني أظن أنه مسكون مأزوم بالدين ، فقد انغمس فيه طول حياته ، وجعله شغله الشاغل ، يحاوره ويطرح عليه الأسئلة الصعبة المقلقة التي لم تستقر روحه إلى جواب شاف لها ، وهو يرى أن الوجود الحقيقي لا يكون إلا في الباطن ، وهذا سر نزعته الصوفية كما أحسب ، على الرغم من أنه ينفي باستمرار أن تكون صوفيته دينية ، فهو يقول في حوار نشرته صحيفة ( الوطن العمانية ) أجراه معه مراسلها في دمشق ( إن القراءة الدينية للصوفية لا تشوه الصوفية فحسب وإنما تشوه تاريخ الفكر العربي ) ويقول( لقد نظرت إلى الصوفية بوصفها منهجاً وحاولت أن أقارن بينها وبين ما يسمى بالفرنسية السريانية التي هي في العمق صوفية ) وهذا الكلام ينسجم مع تعلقه بمرجعياته في حضارات وثقافات ما قبل العروبة والإسلام ، ولكنه يبدو لي غير مقنع ، وليعذرني إن لم أفهم كيف يمكن أن تكون الصوفية منهجاً في التفكير إذا ما فُرّغت من بعدها الوجودي الميتافيزيقي ، وأدونيس يرى الكتابة صناعة روحية تجسد صور الباطن بالحروف ، وقد أطلق الشك ورفض اليقين والحتمية ، ولكنه لم يقدم بديلاً فكرياً عن القلق الروحي المستمر الذي يذكرنا بقلق أبي الطيب ( على قلق كأن الريح تأخذني يميناً أو شمالاً ) لكن أدونيس يصرح بأن الإسلام ( رؤية للعالم وللإنسان وللذات وللآخر) في مقالته التي يهاجم فيها الحجاب التي نشرها في ( الحياة ) بعنوان ( حجاب على الرأس أم حجاب على العقل ؟) والطريف أنه في هذه المقالة يأخذ موقف المفتي الإسلامي فيرفض الحجاب من داخل الدين لا من خارجه ، فهو يقول إنه لا يوجد نص ديني يفرض الحجاب ، وبوسع المرء أن يسأله على سبيل الدعابة ، وماذا لو كان هناك نص ديني ؟ هل يتبدل شيء بالنسبة له ؟
*وعلى الرغم من كل ما يقال عن عداء أدونيس للإسلام من قبل خصومه ، فإنه في مقالته التي أشرت إليها عن الحجاب يعترف بمكانة الإسلام الفكرية يقول ( إن الإسلام كان منذ قرون عديدة رمزاً للإبداع والإشعاع ) ولكنه في هذه المقالة يدعو إلى أمر يرفضه المسلمون وهو أن يخفوا إسلامهم حتى في المجتمعات العربية ، وأن يمارسوه سراً في الجامع فقط ، كي يحافظوا -كما ينصح - على الخصوصية ، و كيلا يبدو دينهم استعراضاً وهو يقول (كل ممارسة خارج الجامع ، اجتماعية أو عامة، إنما هي عدوانٌ على القيم المشتركة. المؤسَّسة، وبخاصة التربوية، المدرسة والجامعة ، مكانٌ مدنيٌّ عامٌّ ومشترك. مكان لقاء. مكانٌ مفتوحٌ للناس جميعاً. مكانٌ يجب أن تزولَ فيه العلامات الدينية الخاصة، الفارقة ، أياً كانت) وهو يعتقد أن أساس التجربة الدينية هو قيامها على الحميمية ، على نوعٍ من الخفاء ، على البساطة ، وعلى الخَفَرِ والصّمتِ والانزواء ، بعيداً عن المظاهر بأشكالها جميعاً ) وأعتقد أن المسلمين في الشرق وفي الغرب لن يقبلوا بهذه الدعوة لأن أحدهم إذا حضرته الصلاة سيصلي حيث يكون ، وليس بالضرورة في الجامع ، وهو لا يعتدي بذلك على قيم أحد كما توهم أدونيس.

(0(0تتت
وأما موقف المتنبي الفكري والفلسفي من الإسلام فهو موقف غامض ، وهو لم يسئ إلى الإسلام بتشبيه أو كناية أو نقد أو سخرية ، ولم يعرف عنه أنه دعا إلى هتك للقيم أو أخذ بالملذات على النحو الذي كان شائعاً في عصره ، وقد انغمس في الهتك أبو نواس وبشار بن برد وسواهما ، بل إن أبا الطيب ترفع حتى على الغزل ، فلا تجد مكاناً ذا شأن للمرأة المحبوبة في شعره ، غير ما يلتمس له الباحثون تكلفاً من قصة حب غامضة لا دليل عليها غير أبيات قالها في رثائه الشهير لأخت سيف الدولة ، وقد تهكم أبو الطيب على الشعراء الغزليين حين قال ( إذا كان مدحاً فالنسيب المقدم ، أكلًّ فصيح قال شعراً متيم ؟ ) وما ندري أكان يمنع أبا الطيب من نقد الدين إيمان باطني أم خوف من ناموس المجتمع ؟ فقد يكون طموحه إلى السلطة والحكم قد أملى عليه ألا يخالف الرأي العام.
وأعتقد أن أدونيس والمتنبي يتماهيان عند جوهر الحداثة ، ولئن كان أبو الطيب قد حافظ على الشكل الكلاسيكي للقصيدة الجاهلية فإنه خرج عن سياقها المضموني ، واعتبر نفسه المبدع الفرد المؤسس ( ودع كل صوت غير صوتي فإنني أنا الطائر المحكي والآخر الصدى ) ولئن كان أبو الطيب في حداثته عبر الاستمرار مع الجوهر الثقافي للأمة ، فإن هذا ما يؤكد عليه أدونيس اليوم خلاف ما هو شائع في أدبيات الحداثة من دعوة إلى القطيعة ، فهو يقول إن القطيعة الفكرية والجوهرية مستحيلة ، فأما الممكن فهو قطيعة في الشكل وحده ، وقد قال في برنامج تلفزيوني ( على شاشة المستقبل في حوار مع زاهي وهبة سأله فيه عن المتنبي ) إنه مع شعرية أبي الطيب ولكنه ليس مع شكله ، وأعتقد أن هذا وعي مقبول لمفهوم الحداثة التي كان بعض منظريها يدعون إلى القطيعة الكاملة ، وهذا ما جعل الناس يخشون على تراثهم من عاصفة الحداثة .
يبقى الاختلاف بين الشاعرين أكبر بكثير من التشابه ، فأنت أمام أدونيس في حالة عجيبة خاصة ، وهي أن الكثرة من النقاد يعتبرونه أكبر شاعر عربي بين الأحياء بعد أن رحل الكبار من أمثال نزار قباني والجواهري وأبي ريشة وبدوي الجبل و البياتي ( وهو بالطبع مرشح عربياً منذ سنوات لجائزة نوبل ، وقد فاز أخيراً مع محمود درويش بجائزة العويس ) ولكنك لا تكاد تجد أحداً يحفظ له بيت شعر واحد ، بعكس المتنبي الذي لا تكاد تجد عربياً واحداً حتى لو كان أمياً لا يحفظ له بيت شعر على الأقل ، ولاسيما شعر الحكمة الذي أصبح جزءاً من الوجدان العربي يستشهد به المثقفون والأميون ، فضلاً عن كون الذاكرة العربية الشفاهية المثقفة ما تزال إلى اليوم تحفظ شعر أبي الطيب عن ظاهر قلب ، والأمر محزن مع أدونيس ، فحتى أنصاره وعشاق شعره لا يحفظون شيئاً منه في الذاكرة ، وهو يقول في تبرير ذلك إن عصر البداهة والشفاهية قد انتهى ، والحق أنه لم ينته تماماً ، بدليل أن شعر نزار قباني مطبوع في وجدان الناس ومحفوظ في الذاكرة الجمعية ، لكن المشكلة على ما أظن هي إخفاق الذاكرة في حفظ القصيدة النثرية والتغني بها لافتقارها إلى الموسيقى ، ولغموض معانيها على الأغلب ، كما أن المجتمع العربي لم يستسغ جيداً هذا النوع من الشعر ، ولا بد من الاعتراف بأن كثيرين من أنصار أدونيس يناصرونه فكرياً بوصفه ناقداً ، أكثر مما يناصرونه بوصفه شاعراً ، وبعضهم يحابونه ويؤخذون بشهرته ، وثمة من يحب فيه المشاكسة والتمرد أو التجديد ، مما يجعلنا نتساءل إلى أي مدى من الزمن سيبقى أدونيس الشاعر ، وإلى أي مدى سيبقى أدونيس الناقد ؟ في حين أن أبا الطيب باق بقاء العروبة ، وقد صدقت نبوءة قوله ( أنام ملء جفوني عن شواردها ويسهر الخلق جراها ويختصم ) وقد يسهر الخلق ويختصمون جراء الثابت والمتحول ، ولكن أتراهم يتطارحون أشعار أدونيس الذي ثار عليه حتى أتباعه الحداثيون أنفسهم حين شتم بيروت ، واكتشف المتابعون أن القلوب ملآنة ؟
على أن نقطة اللقاء التي يحسن أن أختم بها هذه المقاربة السريعة بين الشاعرين هي الغرور الشعري وتضخم الذات ، فلو أن أبا الطيب حي لهجاني هجاء مراً لمجرد أني أعقد مقارنة ما بينه وبين أدونيس ، وربما ذكّر الناس بقوله لسيف الدولة ( بأي حق تقول الشعر زعنفة ، تجوز عندك لا عرب ولا عجم ؟؟ ) وأحسب أنه وهو الكلاسي الأصيل سيعتبر الحداثيين اليوم لا يقولون شعراً ولكنهم يثرثرون ، ومصير ثرثرتهم إهمال واستهجان ، وأحسب أن الأمر ذاته مع أدونيس الذي وصفه صديقه الحداثي القديم بول شاؤول بأنه شخصية منهوشة بالغرور والانتفاخ والأحادية ، أنظر مقالته ( في المستقبل 8 نوفمبر 2003 ) ولكن المفارقة مرة أخرى هي في طموح أدونيس أن يصير كلاسيكياً بمعنى أن يترسخ مذهبه ، وتتضح قواعده ، وأن يتحول إلى ما يشبه الأصولية التي تهضمها الأجيال كي تتجاوزها .
ولست أنكر أنني أخالف أدونيس في كثير من آرائه ، ولكنني أجد معه أن تاريخنا بحاجة ماسة إلى قراءة نقدية موضوعية جديدة ولكنني أطمح أن تكون القراءة النقدية خارجة عن سلطة الموروثات الخلافية ، وعن الموقف المسبق ، فنحن بحاجة إلى الكف عن الخلط بين ما هو تاريخي وما هو ديني ، ولابد من الإشارة إلى إعلان أدونيس بأن العلمانية لا تعادي الدين ، وهذا ما ينبغي أن يتضح لأن ثمة فهماً سائداً بأن العلمانية تقتضي الإلحاد ، وهذا ليس صحيحاً بالضرورة ، وثمة فارق بين العالمانية وبين العِلمانية ( بكسر العين لابفتحها ) وهي التي تعلي شان العلم ، وتفصل الدين عن الدولة ولكنها لاتتدخل في حرية المجتمع عقائدياً .
ولا أنكر كذلك أنني لست مع أدونيس في جوابه على سؤال زاهي وهبه في نهاية حواره معه ( في برنامجه خليك في البيت الأسبوع الأول من يناير 2004 ) أن يوجه كلمة لأطفال العرب ،فقد قال أدونيس للأطفال ( ثوروا على آبائكم ) وقد ظن زاهي أن المفكر يقصد الآباء المعنويين من حكام ونقاد ومؤرخين ، فاستوضح من أدونيس ليؤكد له أنه يقصد حتى الآباء الحقيقيين ، وأنا أفهم البعد الفلسفي الذي قصده أدونيس ، ولكني أخشى من إطلاق الثورة على الآباء ، وأخشى أن يسمع أحد من الأطفال هذه النصيحة التربوية فيرمي أباه على الفور بأقرب ما تقع عليه يده ، فهو أمر مفزع أن يثور الأبناء على آبائهم ثورة فوضوية ، في جحود ينسف مفهوم الأبوة المقدس ، ويزدري ما قدم الآباء لأبنائهم من تضحيات ويرى أن كل ما في عقائدهم وتاريخهم وتراثهم باطل، وكان أولى أن يوضح أدونيس فكرته لا أن يجىء بأخطر ما قال في عجالة تستدعي سوء الفهم ، هذا على حسن ظن بما أراد .
إنني مع أن يتجاوز الأبناء آباءهم ، وأن يبنوا أفضل مما بنى الآباء ، وأن يصححوا أخطاءهم ، ولكنني لست مع الثورة المطلقة عليهم ، وأحسب أن الأطفال سيقرؤون تجربة آبائهم مع الثورات ولن يكرروها ، وأرجو من أطفالنا أن يوقروا آباءهم وألا يقولوا لهم ( أف ) وأن يحترموا التضحيات التي بذلها الآباء من أجلهم .
ولكن مهما يكن الموقف الفكري والنقدي عند كثيرين من أدونيس فإنه يبقى علماً من أعلام الثقافة العربية ورائد الحداثة في أدبنا الجديد ، ومن هذا المنطلق أهنئه بجائزة العويس ، و قد رأى فيها اعترافاً طالما تمناه من مؤسسات أدبية عربية تقليدية كانت تخشى مجرد الثناء عليه ، وعلى الرغم من مخالفتي الفكرية له ، في نظرته إلى التاريخ العربي و في محاولته الانتماء إلى الثقافة الغربية التي احتضنته ، فإنني أحترم دأبه واجتهاده وإبداعه وثقافته الفذة الكبيرة و كونه وهب نفسه للفكر عامة ، وتمكن من أن يحرك السواكن ، ومخالفتي له في الرأي النقدي لا تحجب عني رؤية مكانته الهامة في أدبياتنا العربية ، إنه حقاً ملأ دنياه وأثار الناس بفكره وشغلهم بشعره ، ولو أنه كتب شعراً كلاسياً لأدهش العرب ، ولطالما تمنيت لو أنه فعل مثل ما فعل أستاذه سعيد عقل الذي لم يمنعه نضاله من أجل تحطيم اللغة العربية من أن يتحف الأدب العربي بقصائد خالدات مثل قصيدته الشهيرة (سائليني ياشآم) وغيرها من القصائد التي غرسها في الوجدان صوت فيروز حين شدت بها وستبقى في الذاكرة وحدها تذكّر الناس بعبقرية سعيد عقل الذي رفض الناس فكره ونظرياته ، ولكنهم أحبوا شعره وحضوره.
إنني أرجو ألا يضيق صدر أدونيس بنقدي له ، وما أظن أنه يضيق فقد اعتاد أن يسمع أصوات معارضيه ، وليس له أن يعتب ، فقد تحملنا من نقده الكثير مما نخالفه فيه ، ولم يضق صدرنا به ، وقد التقيته في الصيف الماضي في دمشق على مائدة غداء دعته إليها وزيرة الثقافة السورية السابقة الدكتورة نجوى قصاب حسن ، وكان مدعواً من المفوضية الأوروبية لإحياء أمسية شعرية في بلده ، فعبرت له عن احترامي العميق لمكانته الثقافية وعن أسفي لأن يزور سوريا بدعوة من الاتحاد الأوروبي ، وودت أن تكرمه دمشق ، وأن تحتفي بعودة ابنها إليها بعد اغتراب أربعين عاماً ونيف ، وشعبنا في كل أقطار العرب ، صاحب رؤية حضارية ديموقراطية عريقة ، تدعوه إلى احترام المبدعين حتى ولو خالفهم آراءهم .





المصدر جريدة الوطن
  #59  
قديم 08/02/2004, 12:29 PM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
حميّ الرسائل الخلوية القصيرة عبر قنوات المنوعات
2004/01/12

غراميات مفضوحة وحروب كلامية عنصرية:

عمان ـ القدس العربي من هديل ****: لا يتحرج إعصار وطرزان الأردن أو وسيم وفارس الكويت أو ريم الخليج أو ولد قطر أو عذاب وغيرهم من مدمني الرسائل القصيرة بأسمائهم المستعارة هذه كما وردت عبر بعض قنوات المنوعات الفضائية العربية القادمة من كل صوب وحدب، في التعبير بلا استحياء أمام ملايين المشاهدين علي الهواء مباشرة عن إعجاب أحدهم أو إحداهن بالآخر، وطلب التعرف عليه أو تبادل عبارات الحب والغرام الساخنة بأعداد هائلة من الرسائل قد تصلح لفكرة عمل درامي اجتماعي مثير، أو عمل تراجيدي آخر مستوحي من الرسائل الأخري الملغومة بألفاظ ذات دلالات عنصرية وطائفية وشتائم،تنقل بعض الفضائيات المختصة هذه الأيام أحد فصولها علي خلفية منافسات دوري القدم الأردني خصوصا بين أكبر فريقين محليين، لحد وصل إلي توقيف بث الرسائل المؤيدة والمعارضة ذات النزعة العنصرية ليوم كامل، ساندتها أيضا بعيدا عن الروح الرياضية مناكفات قطرية ضيقة شنت حول مجريات كأس الخليج 16لكرة القدم وغيرها من المناسبات العامة والخاصة.
وتبدو المفارقة الأكثر جدلا في الشارع الأردني هنا بعد المتابعة والرصد، هو ذلك الهوس الناتج عن الكم الهائل من الرسائل الصادرة عنه علي أبرز الفضائيات المنوعة مثل (روتانا ومزيكا وميلودي) التي تقدم خدماتها شركتان منافستان للجمهور الأردني إلي جانب الشركات الوسيطة للفضائيات بموجب عقود موقعة، مما دفع صحف أردنية كأسبوعية (الحدث) في تقرير نشرته عام أواخر عام 2002 الحديث عن إحصائيات غير رسمية حول تصدّر الشعب الأردني من بين شعوب العالم مراتب أولي في استخدام الرسائل القصيرة عموما بمعدل 45رسالة شهريا للفرد، كما ذكرت أنه نحو مليوني رسالة قصيرة متبادلة سجلتها شركة فاست لينك للاتصالات الخلوية يوم عيد الحب من العام 2001.
ولا يغيب في هذا السياق عن ذاكرة العرب والأردنيين ذلك العرس الوطني الأضخم علي الساحة الأردنية لفوز ديانا كرزون بلقب مسابقة ما سمي بـ سوبر ستار العرب بفضل ضخ أصوات الأردنيين لها عبر الرسائل القصيرة حصدت فيه ما نسبته 53% من المجمل النهائي،لتتفوق علي نظيرتها السورية ابنة البلد الأكثر سكانا والأقل استخداما للخلوي لحداثة طرحه بالأسواق. وما بين أكثر من مليون مشترك أردني بالهواتف النقالة من أصل نحو خمسة ملايين نسمة وبطالة متفشية تصل إلي ما يقارب 14% وفق إحصائية أعلنها وزير العمل الأسبق العام الماضي و11% يعيش في مستنقع الفقر، تفاوتت التأويلات حول تلك الحروب الكلامية الدائرة علي الشريط الأفقي لمحطات يغلب عليها الطابع الفني البحت، فلم يرفض د.بلال الجيوسي أستاذ التربية في إحدي الجامعات الأهلية في اتصال مع القدس العربي فكرة افتتاح قنوات جديدة للاتصال بين الأجيال تتناقل فيها الآراء بحرية تحت مظلة تكنولوجية غير مسبوقة في الأردن مقارنة بالدول العربية الأخري،مما أفرز نزعة استهلاكية قوية تفوقت في جو عام من الإحباط والانهزاميات العربية المتراكمة منذ زمن. مؤكدا في الوقت ذاته في إشارة إلي تلك الألفاظ التي تقحم الجمهور في نزعات طائفية وجهوية وعنصرية، ضرورة إيجاد ميثاق شرف إعلامي لتقنين الحد الأدني من القيم الأخلاقية حتي لا تفرّغ مضامين الأفكار من هدفها الحقيقي خاصة عندما يتعلق الأمر بلعبة ذات طابع قتالي تنافسي مثل كرة القدم.
وعن التكهنات التي دارت حول انخفاض تكلفة الاتصال والتراسل علي المواطن الأردني دون غيره،لم ينف أحمد الرمحي الموظف في شركة فاست لينك للقدس العربي حقيقة ذلك بقوله ان تمتع الأردن بمنافسة أكثر من شركة علي الساحة بخلاف احتكار مثيلاتها كما في السعودية مثلا، يقلل تكلفة الاتصال والتراسل بمقدار ضعفين علي الأقل تصل أحيانا إلي أربعة أضعاف.
و المفارقة الأكبر علي هذا الصعيد تكمن في إخلاء شركتي الاتصالات الخلوية الأردنية والشركات الأخري الوسيطة مسؤولياتهم مما يرد علي شريط الرسائل، كما ذكرت صحيفة الرأي اليومية في عدد اليوم الأخير من شهر ديسمبر الماضي علي موظف في قسم التسويق في شركة فاست لينك أيضا، مشيرا إلي اقتصار دور الشركة علي تشغيل خدمة إرسال الرسائل أو ما يعرف بـ(SMS TO TV). وأوردت الصحيفة عن مدير عام شركة ITP الوسيط المتعاقد مع قناة (مزيكا) بأن مهمة الشركة تنحصر في حذف ما يمكن حذفه من الألفاظ الفاحشة الواردة في الرسائل فقط حسبما يقتضيه، العقد الموقع بين شركات الاتصالات والوسيطة وهو ما يتم آليا أو يدويا وبصعوبة كما ورد. وعلي الجبهة الأخري تميزت رقابة التلفزيون المحلي عبر برنامج فني معروف، منع فيه إظهار اسم المرسل كاملا في معظم الرسائل خاصة الغرامية كما أفاد إعلامي يعمل في هذا المجال، معللا ذلك بأسباب أخلاقية واجتماعية سائدة، كما منع برنامج منوع آخر نهائيا أي اهداءات علي الهاتف فيها تحريض علي فريق لكرة القدم ضد الآخر .
ويبدو أن مجرد الاعتقاد باتخاذ الجهات المعنية موقفا حازما حيال تلك المسلسلات اليومية المقروءة ضربا من الخيال مع الأرباح الطائلة التي تجنيها الشركات المستفيدة مشكلة مصدر رزق أساسي لها، لتتقاطع الأحاديث شبه المؤكدة بانضمام شركة اتصالات خلوية ثالثة إلي ساحة المنافسة، بما يتفق مع سياسة الانفتاح التي ينتهجها الأردن علي عالم الاتصالات الحديثة منذ أعوام،وطرح ما لا يخطر علي قلب بشر من الوسائل المبتكرة في عالم الرسائل القصيرة التي باتت صناعة مستقلة. والأعجب من ذلك أنه وبالرغم من كل هذا الصخب الاتصالي الذي تساوي فيه كل المواطنين لأول مرة، تتضاءل أكثر فأكثر احتمالية تراجع المواطن الأردني والعربي عن الترديد بأن كأس الخليج 16 هو سعودي سعودي سعودي كما أصر عدد من رواد الشريط المتحرك، أو أن الدوري الأردني وحداتي وبس في رسالة آخر، كما لن يكف أبو محمد من جرش عن مغازلة عذاب الخليجية أو ما طلبه أحدهم عندما وصف نفسه بـ مهستر بالتعرف علي مهسترة مثله كما ظهر في بعض الرسائل، إذ ان هذه الظاهرة فتحت أفقا جديدا علي شبكة المعلومات الدولية بإطلاق مواقع إلكترونية مخصصة للتعارف والتراسل، يتصدر زيارتها غالبا، أيضا مدمني تلك الرسائل القصيرة سالفي الذكر

القدس العربى
  #60  
قديم 11/02/2004, 10:10 AM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
طارق سيف:
المتسكع المثقف
الأحد 18 يناير 2004 01:46
التسكع ظاهرة إنسانية فريدة لكونها تعبر عن شخصية غير مبالية وغير مسؤولة، ولكن عندما يدعي المتسكع الثقافة والفكر والخطابة فإنها تصبح كارثة إنسانية بكل المقاييس، لأن المعايير تختلط، وتزول الحدود والفواصل بين ما هو جد وما هو هزل، وتفقد كثير من القيم والاعتبارات الجوهرية للحكم على الأشياء قيمتها· ومن هنا تمثل ظاهرة التسكع الثقافي خطراً قد لا يلتفت إليه كثيرون، متصورين أن الأمر لا يتجاوز حدود الترويح عن النفس وانتزاع بعض الضحكات في وسط أصبحت سمته الأساسية هي العبوس والتجهم، أو على الأقل الجدية، وهو عالم الفكر والبحث العلمي والمعرفة والثقافة·
حاولت ألا أكتب عن هذه الظاهرة، ودائما كنت أعتقد أن هناك من الموضوعات الملحة في الواقع العربي ما هو أحق بالتناول، وأن هذه الشخصيات لا تستحق الكتابة عنها لكونها كائنات طفيلية تتسلق على مائدة السلطان، وتلتقط فتات الموائد وبقايا الطعام مقابل دور هزلي تؤديه يعتمد على قلة الحياء ونبذ اعتبارات الأدب والحشمة واحترام الذات، وكما يصفها البعض هي التمادي في الباطل والجهل والتخبط والتلون على حسب الموقف وعلى رغبات السلطان الذي يدفع ليستمتع بالنكات والحكايات والروايات المسلية·
المتسكع المثقف عبارة عن بائع متجول للكلام، وهو حكاء ماهر يجيد فنون القص وسرد الروايات والأخبار، ويمتلك سرعة الخاطر والبديهة الحاضرة واللفتة الذكية والعبث بالألفاظ وتحويرها· ويحتفظ هذا النوع من المهرجين في ذاكرته بعشرات النكات والحكايات - البذيئة غالباً- ليطلقها عند الضرورة منتزعاً ضحكات ساخرة تمثل مصدر رزقه· والمتسكع المثقف يغلف هذا الدور الدوني بقناع زائف من الثقافة والخبرة والمعرفة، ويقرأ عادة مجموعة من الكتب التاريخية والتراثية التي قد يكون أهمها كليلة ودمنة ، وحكايات الجواري والغلمان وشعراء الخلاعة والمجون في كتب مثل الأغاني و المستطرف في كل فن مستظرف وغيرها من الكتب المعنية بهذا النوع من الأخبار والقصص· وتتراكم لدى المتسكع المثقف بذلك مجموعة كبيرة من المعلومات العامة التي يبهر بها جالسيه في المرة الأولى، حيث يتنقل بين عصور التاريخ المختلفة مستعرضاً أسماء خلفاء ووزراء ومفكرين وشعراء وفلاسفة، مضيفاً إليها بعض ما التقطه عرضاً من النظريات والاصطلاحات الاجتماعية والثقافية والفلسفية المعاصرة، وبضع كلمات بلغات أجنبية يبثها في ثنايا كلماته لتزيد من قيمة الطبخة الثقافية الفكرية· ولكن إذا جالست المتسكع المثقف أكثر من مرة فستجده يكرر الأفكار والقصص نفسها، وقد يصلح في أحسن الأحوال للظهور كضيف في برنامج من سيربح المليون أو وزنك ذهب ·
وكل مهارات المتسكع المثقف تظهر فقط على مائدة السلطان الذي يمثل هدفه الرئيسي· ومن خصال المتسكع المثقف التنقل الدائم على حسب توافر الدولار أو الدرهم أو الريال، وإن كان الدفع بالجنيه الاسترليني أفضل، لأنه يدل على السخاء والكرم· وهذا التنقل الدائم حسب اتجاه هبوب الشيكات أو الكاش يجعله يبدل تحالفاته وأعداءه بشكل مستمر· فهو اليوم يأكل على مائدة شخص ويسب أعداءه ويروي عنهم الحكايات والنكات، لكنه في اليوم التالي مباشرة يأكل على مائدة أخرى وقد يسب ولي نعمته بالأمس، ويخترع بدوره الحكايات ويلفق القصص ويطلق النكات التي تنال منه· والحكايات المفضلة لدى هذه الفئة من الطفيليين تركز على العنصر النسائي والغرائز والشهوات ونهش الأعراض والافتراء على الشخصيات العامة وتشويهها باختراع حكايات وترويج شائعات حسب حالة الممول وحسب بورصة خصوماته وصداقاته وصراعاته ومصالحه·
لقد عرف بلاط السلاطين والحكام قديماً هذا النوع من البشر، وكانت وظيفة مهرج الملك أو مضحك الملك وظيفة رسمية يتولاها شخص معروف· وهناك مسرحية للكاتب علي أحمد باكثير بعنوان مضحك الخليفة · ولعل الوضع الرسمي لمضحك السلطان كان أفضل بكثير من الوضع الحالي الذي تختلط فيه الأوراق، فلم يكن مقبولاً من هذا المهرج أن يرتدي ثياب الحكماء أو مسوح العلماء إلا وهو يسري عن مليكه وولي نعمته ويغمز من وقار العالم أو الحكيم، كما يحدث في أحد مشاهد مسرحية مصرع كليوباترا لأمير الشعراء أحمد شوقي، حيث يقول المضحك للعالم الجليل معابثاً: وما الكتب قوتي ولا منزلي فما أنا سوس ولا أنا فار · أما الآن فإن المتسكع المثقف يدعي الثقافة ويقحم نفسه بين أصحاب الفكر والرأي دون أن يجد من يرده إلى الصواب، ويضعه في المكان الذي يستحقه، ويذكره بحقيقة نفسه· ولعل استحداث منصب مضحك الخليفة أو السلطان يكون خيراً، لأنه سيريحنا من ادعاءات المدعين ويسمي الأشياء بأسمائها الحقيقية، ويوقف الإساءة التي تنال من الفكر والثقافة بانتساب هذه النماذج إليها زوراً وبهتاناً· فالمتسكع المثقف ليس كاتباً مبتكراً أو عالماً شهيراً أو صحفياً مخضرما، بل بائع متجول للثقافة الرخيصة·
أما الجانب المظلم من شخصية المتسكع المثقف فهو ما يخفيه وراء سخرياته ونكاته الماجنة وتعليقاته المضحكة من حقد وحسد وكراهية للعالم ولنفسه، وهذا الجانب المظلم كفيل بأن يجعل منه شخصية درامية بامتياز بسبب ما تنطوي عليه نفسه من صراعات، وتباين بين الظاهر والباطن· المتسكع المثقف شخص مأزوم، يعاني إحساساً بالمهانة الداخلية والهزيمة النفسية العميقة، وهو في ذاته يحتقر وضعه ولا يرضى عن نفسه· إنه عادة شخصية فاشلة خارج موائد السلاطين، وهو يخدع نفسه فيلقي باللائمة في فشله على أسباب غير موضوعية، إذ يتصور أنه أفضل من الآخرين وأكثر معرفة ووعياً وفهماً وذكاء، وأنه لا ينال التقدير الكافي لما يمتلكه من مواهب وقدرات· وينسى المتسكع المثقف أن حفظ بعض الأبيات الطريفة من الشعر والإلمام بطرف من الحكايات التاريخية والمصطلحات العلمية لا يجعل منه مثقفاً أو مفكرا· وهذا الإحساس بالفشل يدفع المتسكع المثقف إلى كراهية كل الناجحين والمتفوقين، والرغبة في تشويه نجاحهم وتفريغه من مضمونه، لذلك يخصهم بكثير من افتراءاته وسخرياته وحكاياته البذيئة، ويسيء إليهم وإلى أعمالهم وانجازاتهم كلما وجد لذلك فرصة·
أما المهانة الداخلية التي تسيطر على نفسية المتسكع المثقف وإحساسه بأنه يريق ماء وجهه ويبيع كرامته من أجل الارتزاق فتجعله يحقد بشدة على كل من يحترم ذاته ويحرص على كرامته، لذلك يكون عنيفاً في محاولة هدمهم وتلويث سمعتهم· وهو يجد في المناخ الثقافي والسياسي العربي السائد فرصة مناسبة بسبب ما يشيع فيه من عشوائية وتخبط وصراعات·

الاتحاد الإماراتية
  #61  
قديم 15/02/2004, 11:25 AM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
فضائية "الحرة" ليست الأولى"عقول العرب وقلوبهم .. مستهدفة أمريكياً "
محيط : فتحي مجدي ·

لم يعد خافياً على أحد ذلك الدور الذي تلعبه وسائل الإعلام والاتصال الجماهيري في تشكيل اتجاهات الرأي العام على المستويات المحلية والإقليمية والدولية نحو القضايا المتشابكة والمعقدة التي يزخر بها عالم اليوم ، سواء في أوقات الأزمات والحروب أو في أوقات السلم فأقل ما يوصف به هذا الدور أنه أصبح على درجة كبيرة من الخطورة والتأثير ، في ظل ما يسمى بثورة الاتصالات التي تصاعدت حدتها منذ نهايات القرن الماضي وحتى وقتنا الحاضر ، والتي ما زالت تتطور بمعدلات متسارعة وبخاصة في مجال الوسائل المرئية منها . .




فما نراه اليوم أن الأنظمة على اختلاف اتجاهاتها السياسية والعقائدية ، تنفق مئات الملايين من الدولارات على أجهزتها الإعلامية بغية استخدامها كمنابر دعائية تعينها في كسب معاركها الداخلية والخارجية ، وتهيئة الرأي العام المحلي والعالمي لتقبل السياسات التي تنتهجها في تناول القضايا الخاصة بشعوبها ، سواء كانت تلك السياسات مجحفة بشعوبها أم عادلة .وليس هناك من خلاف على أن الولايات المتحدة ، من أكثر دول العالم إدراكا لفعالية وسائل الإعلام في تشكيل اتجاهات الرأي العام المستهدف من ناحية ، والرأي العام الأمريكي والعالمي من ناحية أخرى ، الأمر الذي دفعها للتوسع في استخدام تلك الوسائل ، وبخاصة الفضائيات منها ، في تنفيذ استراتيجيتها الكونية التي تستهدف- في جزء منها - إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط في إطار هدفها الغائي وهو : الهيمنة على العالم ، والتحكم باقتصادياته ، والتفرد بقيادته ، واتخاذ القرارات الهامة بشأنه . وفي هذا السياق ، أطلقت واشنطن عدداً من الإذاعات والفضائيات مستهدفة المواطن العربي على وجه الخصوص وذلك لسببين : أولها- إحداث توازن مع ما تبثه بعض الفضائيات العربية من رسائل إعلامية ، يمكن أن تشكل على المدى المنظور عائقاً رئيساً يحول دون تنفيذ مخططاتها في المنطقة على النحو الذي ترجوه ، وثانيهما- تحسين صورة الولايات المتحدة في المنطقة العربية وبخاصة بعد ما أصابها من تشوّه شديد بعد غزوها للعراق وانحيازها الصارخ لمجرم الحرب شارون . وكانت آخر ما تحاول إنجازه في هذا المجال ، عزمها على إطلاق فضائية موجهة للمنطقة العربية ب اسم "الحره" ، لتستخدمها في مخاطبة المتلقي العربي وتشكيل اتجاهات الرأي العام في المنطقة من منظور أمريكي ، والتصدي لما تبثه بعض الفضائيات العربية وبخاصة قناتي "الجزيرة" و "العربية" من رسائل إعلامية تثير استياء الإدارة الأمريكية وتعارض مخططاتها وأهدافها في الهيمنة على المنطقة . ويرى المراقبون أن إطلاق هذه الفضائية ، يعد من أهم المشروعات الإعلامية التي تقيمها الولايات المتحدة على الساحة الدولية منذ إنشائها لإذاعة "صوت أمريكا" عام 1942 ، والتي يرون أنها تجيء للحد من التشويه الذي لحق بصورة الأمريكيين لدى شعوب المنطقة على يد الفضائيات العربية ، التي درجت على بث الرسائل الإعلامية التي كان يوجهها زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن والرئيس العراقي المخلوع صدام حسين ، فضلاً عن إذاعة الرسائل الإعلامية التي تصب في خانة معاداة أمريكا . .



إقبال العرب على مشاهدة الفضائيات
" الحرة " .. محاولة أمريكية لتجميل الصورة المشوهة ويؤكد المراقبون أن هناك العديد من الأهداف المعلنة وغير المعلنة من وراء إطلاق الفضائية الأمريكية من بينها :أ - العمل على كسب عقول وقلوب الجمهور العربي المستهدف الذي يمثل الشباب فيه النسبة الغالبة ، وتوجيهه نحو قبول القيم والأفكار وأنماط السلوك السائدة في أمريكا والدول الأوروبية ، وهو ما يعبر عنه بالغزو الثقافي والفكري للعالم العربي .ب - تحسين صورة الأمريكيين لدى العرب ، والتي شوّهتها إلى درجة مقلقة الحرب الأنجلو - أمريكية على العراق ومن قبلها على أفغانستان ، وكذلك صور القتلى في صفوف المدنيين والعسكريين التي كانت تبثها أجهزة الإعلام ، وما تلاها من مشاهد الخراب والدمار التي أعمّها الاحتلال في أرجاء العراق .ج - محاولة تحقيق تفوق حاسم في المعركة " الإعلامية " على الساحة العربية ، وبخاصة في وجه الفضائيات العربية المنافسة بعد أن فشل الإعلام الأمريكي في فرض تفوقه على الفضائيات الأخرى ، بعكس ما كان الحال في حرب الخليج الثانية ، حيث انفردت شبكة "CNN" الإخبارية الأمريكية ببث أنباء المعارك في تلك الحرب . وقد علق "نورمان باتيز" المدير التنفيذي لـ"ويست ورد وان" ، التي تعتبر أكبر شركة إذاعية في الولايات المتحدة على تلك الأهداف التي تقررت على أساسها فكرة إطلاق الفضائية الجديدة ، قائلاً : نحن نتنافس بهذه القناة في بيئة إعلامية تتحدث فيها الكراهية ضدنا عبر محطات الإذاعة والتلفزيون .. بيئة يأخذ منها المواطن العربي انطباعاته عن سياساتنا وثقافتنا وعن مجتمعنا .. وهي انطباعات خاطئة ، الأمر الذي يستوجب من الأمريكيين التصدي إعلامياً لهذه المحطات التي دأبت على التشهير بأمريكا والأمريكيين . ويعترف "باتيز" بأن فضائية "الحرة" ستتواجد في كل مكان توجد فيه قناة "الجزيرة " القطرية . وأشار في هذا الصدد إلى أنه بحلول منتصف الشتاء الحالي ، سيكون لهذه الفضائية فرع خاص بها في العراق يتم تمويله بنحو 40 مليون دولار أمريكي تقتطع من مبلغ الـ 87 مليار دولار التي خصصتها الإدارة الأمريكية لجهود إعادة الإعمار في كل من العراق وأفغانستان ، كما سيكون لها فروع أخرى في مناطق مختلفة من الشرق الأوسط . وفي السياق ذاته ، يؤكد المراقبون على صعوبة تحقيق الأهداف التي من أجلها تزمع الإدارة الأمريكية الفضائية الجديدة إطلاق فضائية "الحرة" ، وبخاصة سعيهم لكسب عقول المشاهدين العرب وقلوبهم " ، حيث أثبتت التجارب السابقة أن إنشاء الإذاعات الموجهة للجمهور العربي ، لم يكن في مجمله أمراً سلبياً . فقد أثبتت معظم الدراسات الحديثة انصراف المشاهد العربي عن وسائل الإعلام الأمريكية والغربية ، وبخاصة في عصر انتشرت فيه الفضائيات العربية التي استطاعت أن تستحوذ على الغالبية العظمى من المشاهدين ، وساهمت في تشكيل رأي عام عربي يقوم على حرية التفكير وإبداء الرأي في القضايا التي تهم الوطن العربي . كما يرى المراقبون أيضاً أن فرصة نجاح أي عملية لـ "تجميل" صورة الأمريكيين أمام المواطن العربي تبدو ضئيلة للغاية ، حيث أن ما شاهده المواطن العربي عبر شاشات الفضائيات أثناء الحرب على العراق ومن قبل على أفغانستان ، واللتين أودتا بحياة الآلاف من الأطفال والنساء والشيوخ من أبناء الشعبين العراقي والأفغاني دون ما ذنب يغتفر سوف يجعل من مهمة فضائية "الحرة" أمراً يكاد يكون مستحيلاً .



" الإدارة الأمريكية تتهم " الجزيرة " بالتحريض
ويشكك خبراء الإعلام في نجاح الفضائية الأمريكية الجديدة في مواجهة الفضائيات العربية ، برغم الأموال الضخمة التي رصدتها للإنفاق عليها ، والتي تكلف الخزانة الأمريكية مبلغ 65 مليوناً من الدولارات ، مؤكدين - في الوقت ذاته- على أنه حتى إذا ما حققت بعض القبول ، فلن يبرر هذا القبول حجم الإنفاق الضخم الذي خصص لها . وفي هذا السياق ، يتنبأ خبراء الإعلام بمواجهة حامية الوطيس ، سوف تدور رحاها بين " الحرة " والفضائيات العربية من أجل الحصول على أكبر نسبة من جماهير المشاهدين في كافة أقطار الوطن العربي . كما يرون أن الخصم الأول في هذه المعركة الإعلامية سيكون قناة " الجزيرة " ، التي كانت موضع انتقاد وهجوم عنيف شنته الدوائر السياسة الأمريكية خلال الحرب الأمريكية على العراق ، حيث اتهمتها بعدم الموضوعية وتعمد إثارة الجماهير العربية باللعب على وتر المشاعر الإنسانية وبث القصص التي تؤدي لتصاعد حجم الكراهية لكل ما هو أمريكي .ولتجاوز هذه العقبة ، يذكر القائمون على إنشاء قناة "الحرة" ، أنهم سيحاولون الابتعاد قدر الإمكان عن الموقف الرسمي الأمريكي ، وأن تتسم المواد التي تبثها الفضائية المقترحة بالاستقلالية التامة ، شأنها شأن مثيلاتها من الإذاعات الموجهة مثل إذاعة "صوت أمريكا" وإذاعة "راديو أوربا الحرة" . غير أن المراقبين وخبراء الإعلام يشكون في إمكان تحقيق هذا الهدف على النحو الذي ترجوه الإدارة الأمريكية ، حيث يؤكدون على أنه من الصعب الفصل بين السياسات الأمريكية وبين سياسة المحطة الجديدة ، التي لم تنشأ إلا من أجل : تحقيق أهداف دعائية يقف الترويج للمخططات والسياسات الأمريكية "سابقة التجهيز" في المنطقة العربية على قمتها ، والتي تعتبر المستهدف "الوحيد" للحرب التي تشنها أمريكا على ما تسميه بالإرهاب . وفي هذا الصدد ، نقلت صحيفة " نيويورك تايمز " الأمريكية عن "شبلي تلحمي" الأستاذ بجامعة "ميريلاند" قوله : إن القناة الجديدة ستتعرض لضغوط كبيرة من واشنطن في حال تبنيها وجهة النظر المستقلة التي أعلنت عنها . كما يرى "إدوارد جيريجيان" رئيس معهد "جيمس بيكر" للسياسة العامة التابع لجامعة "رايس" الأمريكية ، أن القناة الجديدة ستعاني من "أزمة مصداقية باعتبارها مشروعا أمريكيا صرفاً" . ويذكر القائمون على إنشاء هذه القناة التي من المقرر أن تبدأ بث برامجها خلال الشهر الحالي عبر الأقمار الصناعية من إحدى ضواحي العاصمة الأمريكية واشنطن ، أنها ستعتمد على سياسة جديدة غير التي تعتمدها الفضائيات العربية ، حيث لن تقتصر رسالتها على البرامج الجادة فقط من خلال بث البرامج والنشرات الإخبارية فقط ، وإنما ستبث أيضاً برامج ترفيهية . ويضم فريق المحطة مجموعة مختلطة من الأمريكيين والصحفيين العرب ، كما يأمل القائمون على تشغيلها بأن تتمتع بـ "حس عربي" لكون مديرها شخصية عربية هو "موفق حرب" ، الذي عمل في السابق كرئيس لمكتب صحيفة "الحياة" اللندنية بواشنطن ، والذي يسعى الأمريكيون من خلاله لاستقطاب طاقم عمل مكون من 200 شخص ، على أن يكون معظمهم من العرب .



هل تنجح "الحرة" في إزالة هذه الصورة من الذاكرة
وقد تعاقد القائمون على هذه القناة مع مجموعة من النجوم ومقدمي ومعدي البرامج في الفضائيات العربية المعروفة ، مثل بيير غانم من محطة تلفزيون أم. بي. سي ، ومذيعات من محطات تلفزة لبنانية ، منهن داليا احمد من محطة "يو تي في" ، كما تردد أن رواتب مالية مرتفعة جدا جري عرضها علي من يريد الانضمام إلى المحطة تتراوح ما بين 70 ألف دولار و 120 ألف دولار ، حسب مكانة الشخص وخبراته ووظيفته . كما تقرر أن يكون شعار الفضائية الذي يظهر على الشاشة ، حصان عربي يجري على الشاشة في الفواصل بين البرامج . ويؤكد موفق حرب الذي عمل مديرا للقسم الإخباري في إذاعة "سوا" الأمريكية الموجهة للعرب ، إنه اختار للقناة التلفزيونية اسم "الحرة" بدلا من "شبكة تلفزيون الشرق الأوسط" الذي قد يوحي بنزعة غربية . وأن " الحرة " ستعمل على نشر "أخبار موضوعية متوازنة" .وضرب مثالا يقارن فيه بين " الجزيرة " و " الحرة " قائلا : "على سبيل المثال ، الجزيرة في تقرير لها عن إحدى الغارات الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية تشير إلى أن الطائرات المستخدمة في الغارة هي من صنع أمريكي .. لكن الحرة لن تفعل ذلك" ، في إشارة إلى أن هذه الفضائية لن تربط عند عرضها للخبر بين الولايات المتحدة والغارة الإسرائيلية ، رغم أن الطائرة المستخدمة في الغارة هي فعلا من صنع أمريكي . من جهتهم ، استغل المسئولون بقناة " الجزيرة " الآراء التي تشكك في استقلالية " الحرة " عن الإدارة الأمريكية ، وقالوا إن المشاهد العربي سينظر إلى الشبكة الجديدة على أنها إحدى أدوات تلك الإدارة . وقال جهاد بلوط الناطق باسم " الجزيرة " : إن برنامج "الحرة" سيكون الدفاع عن وجهة النظر الأمريكية ، مشيرا إلى أن وظيفة الجزيرة ليس الدفاع عن أي وجهة نظر ، بينما التصريح الممنوح للحرة واضح وهو مساندة وجهات النظر الأمريكية . إذاعة " سوا " وأخواتها وفي إطار توجهاتها الجديدة نحو المنطقة ومخاطبة الرأي العام العربي بقصد "سلخه" عن هويته ، وبناء شخصيته وفق الأفكار الأمريكية ، أطلقت الإدارة الأمريكية العديد من الإذاعات الناطقة باللغة العربية والموجهة إلى المنطقة العربية في السنوات الأخيرة . وليس من شك أن إطلاق الفضائية الجديدة ، وإن كانت فكرة ليست بالجديدة اعتمدتها الدول الاستعمارية في السابق ، إلا أنها تكشف عن الاهتمام المتزايد من جانب واشنطن بمخاطبة العرب بوسيلة إعلامية فاعلة تسعى من خلالها إلى تحقيق أهدافها وأطماعها في ثوب استعماري جديد يطمح لستر عوراته وسوءاته أمام أعين العالم العربي .وقد تزايد اهتمام الإدارة الأمريكية بمخاطبة الجمهور العربي والعمل على إيصال صوتها إليه ، بسبب الانتقادات الشديدة التي تعرضت لها وازدياد موجة العداء والكراهية تجاهها لتحيزها التام لإسرائيل ، وهو ما ظهر بشكل صارخ العقود الأخيرة من القرن العشرين ، كما توجهت الأنظار الأمريكية نحو المنطقة في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001م ، وبعد الحملات المناهضة للعرب داخل الولايات المتحدة وخارجها ، وتحميلهم مسئولية تلك الأحداث . من هذا المنطلق ، أطلقت الإدارة الأمريكية إذاعة "راديو سوا" التي بدأت بثها في مارس 2002م ، بهدف تقديم معلومات وأخبار عن أمريكا والعالم وتوضح سياساتها ومواقفها من قضايا هذه المنطقة ، وبخاصة بعد اعتراف مسئولين أمريكيين بالحاجة إلى مخاطبة ما يسمونه بـ "الإساءات الموجهة إلى الولايات المتحدة عبر وسائل الإعلام العربية" .وتعود فكرة إذاعة "سوا" التي تعني باللغة العربية الفصحى "معًا" ، إلى ما قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر بفترة طويلة ، لكن الفكرة اكتسبت تأييدًا كبيرًا بعد تلك الأحداث ، وبخاصة داخل الكونجرس الأمريكي . وكان "نورمان باتيز" هو أيضاً صاحب فكرة إطلاق إذاعة " راديو سوا " التي استهدف من ورائها كسب جمهور الشباب العربي ، عبر استخدام برامج شبيهة ببرامج الإعلانات التجارية الهادفة إلى ترويج سلعة ما .. لكن في حالة "سوا" تصبح الأخبار والقيم الأمريكية ، هما السلعتين موضوع الإعلان . ويقدم راديو " سوا " خدمته الإذاعية باللغة العربية على مدى أربع وعشرين ساعة يوميا، وتتضمن تقديم نشرات إخبارية وتحليلات للأخبار ، مع مزيج من أفضل المنوعات الموسيقية الغربية والعربية .ويُلتقط بث هذه المحطة التي بدأت اعملها في مارس 2002م ، في خمس دول عربية هي مصر والعراق والسودان والكويت وعمان على موجات "إف إم"، كما يمكن التقاط بثها بالأقمار الاصطناعية عبر خدمة نايل سات وعربسات ويوتيل سات. وتقدم إذاعة " سوا " موجزا للأخبار كل نصف ساعة .. يتضمن أحدث الأخبار عن السياسة الأمريكية ، وتطورات منطقة الشرق الأوسط وبقية دول العالم . ولا يستغرق بث هذا الموجز أكثر من بضع دقائق ، تعود بعدها الإذاعة لبث الموسيقى الراقصة وأغاني البوب العربية والأجنبية ، حيث تشغل موسيقى البوب نسبة 85% من إجمالي الإرسال ، بينما تحتل الأخبار المنتقاة التي تخدم السياسة الأمريكية نسبة 15% . ويرى المراقبون أن المتتبع لهذه الإذاعة ، لا يخفى عليه مدى انحيازها تجاه السياسات الأمريكية وتشددها تجاه الملف العراقي ، حيث تعكس وجهة النظر الأمريكية التي يعبر عنها صقور الإدارة الأمريكية ، فضلا عن أن هذا الانحياز هو علامة مميزة لأدائها تجاه القضية الفلسطينية ، وهي سمة مميزة لكل وسائل الإعلام الأمريكية تقريبا، وبالذات إذاعة صوت أمريكا على مدى ما يقرب من 50 عاما ، هو عمر الإذاعة وعمر الصراع العربي الإسرائيلي . ولم تقف الإدارة الأمريكية عند حد استهداف الجمهور العربي في منطقة الشرق الأوسط فحسب ، وإنما امتدت لتشمل توجيه خدمة إذاعية للأكراد في شمال العراق من خلال " القسم الكردي " في إذاعة صوت أمريكا الذي يبث إرساله الإذاعي لمدة أربع ساعات يوميا ، حيث يقدم نشرات الأخبار عن آخر التطورات العالمية والإقليمية والأمريكية ، إلى جانب تقارير المراسلين حول مجريات الأمور على الساحة العراقية ، كما يقدم برامج عن العلوم والتكنولوجيا والثقافة الأمريكية .



مصور قتيل برصاص الاحتلال الأمريكي
إذاعة "العراق الحر" .. سلاح أمريكي في المعركةكذلك تدعم الولايات المتحدة إذاعة "العراق الحر" التي دأبت منذ نشأتها عام 1998على إذاعة البرامج الإخبارية والتقارير والمقابلات في العراق في إطار إعدادها للحرب التي شنتها أمريكا عليه . وتعتمد تلك الإذاعة في تقديم أخبارها وتقاريرها والمقابلات التي تجريها مع الشخصيات البارزة ، على مجموعة من المراسلين المنتشرين في جميع أنحاء العراق .ويوجد مركز المحطة في العاصمة التشيكية "براغ" ، حيث يعمل فيها موظفون عراقيون يتخذون من بغداد والبصرة وأربيل وكركوك والموصل والسليمانية مصدراً لمعلوماتهم ، كما أنها تبث برامجها على موجة إف إم ، والموجتين القصيرة والمتوسطة ، إضافةً للبث عن طريق الأقمار الصناعية . وتقدم إذاعة " العراق الحر " الأخبار العاجلة والتطورات العسكرية والسياسية ، فضلا عن التقارير الشاملة والمقابلات حول القضايا ذات الاهتمامات الخاصة . كما تقدم عددا من البرامج الأسبوعية حول الحياة الثقافية العراقية . ويبلغ عدد النشرات الإخبارية المنتظمة التي تقدمها هذه الإذاعة يومياً 12 نشرة مدة كل منها خمس دقائق ، إضافةً للبرنامج الصباحي اليومي الذي يستغرق 30 دقيقة ، والذي يذاع في خمسة أيام في الأسبوع كما يختتم البرنامج بموجز لأهم الأنباء مدة ثلاث دقائق ، بعد ذلك يبدأ بث البرنامج المميز "ملف العراق" وهو برنامج مدته 25 دقيقة تُقدم فيه تقارير المراسلين ، وتُجرى فيه المقابلات مع الشخصيات الهامة . هذا بالإضافة إلى برنامج أسبوعي يُبث من بغداد بعنوان "حوار" ، يتم فيه إجراء مقابلات مطولة مع كبار الشخصيات العراقية الدينية ، والثقافية ، والسياسية . وتبلغ مدة الإرسال اليومي لإذاعة العراق الحر حالياً 17 ساعة على موجات إف إم ، كما يجري التخطيط أيضا لزيادة البث على موجات إف إم للمدن العراقية الشمالية مثل إربيل والسليمانية لمدة تتراوح بين تسع إلى 15 ساعة يوميا . وبالإمكان التقاط جميع البرامج التي تبثها المحطة على الموجات القصيرة والمتوسطة وعبر الأقمار الصناعية "هوت بيرد 3" و "أشياسات-د3" وعلى شبكة "الإنترنت" . إذاعة " صوت أمريكا " .. فشلت في تحقيق أهدافها يطرح التوجه الأمريكي "القديم- الحديث" نحو توجيه وسائل إعلام ناطقة باللغة العربية إلى منطقة الشرق الأوسط ، سؤالاً عما إذا كانت تلك الفضائيات والإذاعات الموجهة ستجني ثمار الملايين التي تنفقها عليها الحكومة الأمريكية في إطار حربها على ما تسميه بـ" الإرهاب " ، والتي جندت من أجلها "ترسانة" ضخمة من الشبكات والمحطات الأمريكية التي تخضع لسيطرة اليهود ؟ ، وبخاصة بعد أن أصبح التدخل الأمريكي الذي لا يمكن أن يوصف بأقل من أنه تدخل استعماري قهري يستهدف الاستيلاء على ثروات المنطقة العربية النفطية وغير النفطية ، و"أمركة" الثقافة الإسلامية .. أصبح أمراً واقعاً لا مجال لإنكاره ، أو تجميل صورته ، أو التقليل من أخطاره تحت أية دعاوى يسوقها الأمريكيون لتبرير هذا التدخل . وبهذا المعنى ، يؤكد الخبراء في مجال الإعلام أن التجربة الأمريكية الأقدم في هذا المضمار ونعني بها إذاعة "صوت أمريكا" منيت بالفشل ، بعد مرور أكثر من 50 سنة على إطلاقها ، والتي بدأت بثها عام 1942م . فقد عملت هذه الإذاعة طيلة عمرها كناطق رسمي باسم الفرع التنفيذي المسئول عن السياسة الخارجية الأمريكية الذي هو جزء لا يتجزأ من وكالة الاستعلامات الأمريكية . وكانت تضطلع بثلاث مهام رئيسة هي : أن تعمل كمصدر موثوق به وموضوعي للأخبار ، وأن تقدم سياسات الولايات المتحدة ، وأن تقدم صورة جذابة للمجتمع الأمريكي . وقد اعتمدت إذاعة " صوت أمريكا " في تقديم خدمتها الموجهة على الأخبار والتعليقات القصيرة والموسيقى والبرامج الخفيفة التي تعد من أكثر المواد جذبا للمستمعين ، مع التركيز على تعريف المستمع بالطبيعة السريعة للمجتمع الأمريكي وتاريخ هذا المجتمع وثقافته ، ولا يخفى على أحد الدور الذي لعبته إذاعة " صوت أمريكا " في شرح السياسة الأمريكية تجاه البلدان المستهدفة ، وتبرير سياستها في الشرق الأوسط . ويرى خبراء الإعلام أن إذاعة " صوت أمريكا " فشلت في الاستحواذ على عقل المستمع العربي وقلبه الذي أدرك حقيقة الأهداف الخفية من وراء هذه الخدمة الإذاعية الموجهة ، والذي يعلم تماما أن موقف الولايات المتحدة لا بد أن ينعكس بالضرورة على موقف الإذاعة من قضايا المنطقة ، الأمر الذي لم يكن من السهل إقناعه بصحة المعلومات التي تبث إليه وأن يقف منها موقف الحذر ، وبخاصة في ظل التحيز الأمريكي السافر لإسرائيل على حساب الحقوق العربية . وللسبب ذاته ، يشكك هؤلاء الخبراء في جدوى بث الفضائية "الحرة" انطلاقاً من حقيقة أن هذه الفضائية قد تصبح بوقاً إعلامياً يستخدمه الأمريكيون واليهود لأغراض دعائية كسابقاتها من وسائل الإعلام التي وجهتها أمريكا للمنطقة . ومهما يكن من أمر ، فإن الحقائق التي أصبحت اليوم راسخة في عقول العرب وقلوبهم وهي : إن الحرب التي تشنها أمريكا على ما تسميه بـ "الإرهاب" إنما تستهدف فقط الهيمنة على الأمتين العربية والإسلامية والاستيلاء على ثرواتهما الطبيعية وبخاصة النفطية منها .. وإن الانحياز الأمريكي الصارخ لإسرائيل على حساب الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني والشعوب العربية إنما ينطوي على عداء أمريكي مقصود للأمتين العربية والإسلامية .. وإن محاولاتها السافرة في إحلال القيم الأخلاقية والأعراف الاجتماعية الأمريكية والغربية محل القيم والأعراف السائدة في المجتمعات العربية والإسلامية التي تستند لأحكام الشريعة الإسلامية .. كل هذه الحقائق تجعل من الصعب على فضائية "الحرة" وغيرها من وسائل الإعلام الأمريكية أن تحقق الأهداف المرسومة لها والتي تتمحور حول تشكيل اتجاهات الرأي العام في المنطقة العربية باتجاه القبول بالتواجد الأمريكي في المنطقة العربية ، والتصديق بالدعاوى والحجج التي يسوقها الأمريكيون لتبرير هذا التواجد. ***
  #62  
قديم 16/02/2004, 12:38 PM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Cool نربيهم لزمن اخر

بقلم: فريد أحمد حسن





































"إن ثماراً كثيرة وكبيرة وذات قيمة يمكن أن نجنيها مستقبلاً لو أننا أعطينا الآن أدب الطفل شيئاً من حقه بالاهتمام به وتشجيع الداخلين فيه ودعمهم". هذا ما يقوله كل مهتم بأدب الطفل ويقوله كل مقدّر لهذا اللون من الأدب ويقوله كل ذي عقل ينظر إلى البعيد. إن أدب الطفل في البلاد العربية بشكل عام لم يتبلور بعد ولم تظهر له شخصية متميزة. والكثير مما قدم ويقدم للأطفال لا تراعى فيه خصائص الطفولة، وهذا يعني أنه بعيد عن أدب الطفل.

هذا ما يقوله الجميع وهو صحيح دونما شك. كما وأن الجميع -من ذوي العلاقة بالطفل وأدب الطفل- يدركون أن الكثير من السلبيات التي يعاني منها الإنسان العربي اليوم يمكن لأدب الطفل أن يسهم في تخليص إنسان المستقبل منها. إن سلبيات مثل التخلي عن المسؤوليات وإلقائها على الآخرين والاتكالية والتكامل والتعلق بالغيبيات وغيرها, يمكن التخلص منها مستقبلاً بانتهال أطفال اليوم للأدب الهادف الذي يبني شخصياتهم ويبنيهم اجتماعياً ونفسياً وعقلياً. فدور أدب الطفل في هذا المجال لا يستهان به.

ترى لماذا نكره زوجة الأب؟ نحن العرب في مختلف البلاد العربية نكره زوجة الأب ونعتبرها شريرة ولا نأمن جانبها حتى لو كانت طيبة وأثبتت أنها تستحق الاحترام والمودة، أما لماذا فالسبب واضح ومعروف, وهو أن الحكايات والأقاصيص التي استمدت من التراث العربي وسمعناها ونحن صغار كانت تصور لنا دائماً أن زوجة الأب شريرة, وأنها مهما حصلت من مودة وحنان وكرم فإنها تظل قاسية على أبناء زوجها وتسعى لأذيتهم والتنكيل بهم. الآن يمكن لأدب الطفل أن يسهم بفاعلية في تغيير هذه النظرة بإيجاد معايير عملية للحكم على الأفراد وبناء إنسان جديد قادر على التعامل مع متغيرات الحياة في عصر العلم والتكنولوجيا.

إننا بحاجة ماسة إلى التشجيع على الدخول في أدب الطفل ودعم الداخلين فيه بقوة لتأسيس ثقافة متميزة هي سلاح إنسان الغد وإنسان الزمن الذي سيجيء، ثقافة يستخدمها في تعامله مع مختلف المتغيرات. قديماً قال العرب إننا نربي أبناءنا لزمان غير زماننا، وهذا يعني بكل بساطة أن أدب الطفل -الذي هو جزء أساسي في عملية التربية- يعني التعامل مع المستقبل ويخطط له، لكن التعامل مع المستقبل ووضع أسسه ينبغي ألا يعتمد على أفراد قلائل، لذا لا بد من العمل على خلق قاعدة قوية لهذا الشيء أساسها تكثير وتقوية الأقلام التي اقتحمت مجال أدب الطفل.

كم كانت فرحتي كبيرة بطفل لا يتعدى الثانية عشر من عمره التقيته في سوق الملح بصنعاء. سمعني أقول مازحاً لصاحب محل يتاجر في العقيق إنني أريد خاتماً يجلب الرزق، ففوجئتُ بالطفل يتدخل ويقول بلهجة الواثق ما معناه أن دع هذه الخرافات جانباً فالرازق هو الله سبحانه وتعالى, ومن يقول لك غير هذا فإنه يضحك عليك. هذا هو الطفل الذي نبحث عنه ونسعى لخلقه، وأعتقد أن هذه هي مهمة التربويين جميعاً وعلى رأسهم كتّاب أدب الطفل الذين ندعو إلى رعايتهم ودعمهم ليتمكنوا بدورهم من دعم الأطفال ورعايتهم وإعدادهم لبناء المستقبل.

لكن لا بد من ملاحظة أمر مهم في ما يخص أدب الطفل والخوض فيه، فالكثيرون يستسهلون الكتابة للطفل ويعتبرونها أسهل أنواع الكتابات، في الوقت الذي يؤكد فيه المعنيون بالطفل أن الكتابة له أصعب من الكتابة للكبار. في الثمانينات من القرن الماضي تحديداً بدأ بعض مَن تربطهم بالطفل علاقة الكتابة له, فعرضت في تلك الفترة في مختلف دول المنطقة الكثير من المسرحيات، لكن للأسف ليس كل من شارك في تلك المهمة كان ذو علاقة، حيث استغل البعض الموضوع تجارياً وصار كل من يعرف الكتابة بالقلم يكتب للطفل، وصار كل من شعر بأنه يستطيع تحريك ممثل على خشبة المسرح يخرج مسرحيات للأطفال. والنتيجة أن الكثير مما قدم للطفل من مسرحيات على وجه الخصوص جاء بعيداً عن عالم الطفل وفي غير صالحه, بل أثر سلباً على مسرح الطفل وعلى الجمهور الذي كان يفترض أن يلتصق بالمسرح لاحقاً.

إن ما نعانيه حقاً هو جهلنا بالكثير من حاجات الطفل، فنحن لا نعرف إلا القليل عن حاجاته النفسية والاجتماعية وأعتقد أننا نجهل أيضاً أساليب إشباع تلك الحاجات. لست هنا بصدد التعميم فبيننا من درس ويدرس الطفولة ويحاول أن يتعرف على حاجات الطفل المختلفة ويحاول أن يقدم له شيئاً مفيداً وجيداً يشبع حاجاته، ولدينا بالتأكيد تجارب ناجحة في هذا الصدد, ولدينا أسماء يشار إليها بالبنان، سواء في كتابة المسرحية للطفل أو القصة أو الأغنية... الخ. إنما حديثي عن أولئك الذين يستسهلون التعامل مع الطفل فيكتبون له ويخرجون الأعمال أو يلحنون ويغنون وهم على غير دراية بحاجاته وبأساليب إشباع تلك الحاجات. فمثل هؤلاء لا يعرفون أن أدب الطفل أداة فنية من أدوات تنشئة الطفولة، ولا يعرفون أن هذا الأدب يسهم بشكل كبير في بناء شخصية الطفل، بمعنى أن التعامل الخاطئ معه يؤثر على الطفل بالسلب.

إن من الأمور التي ينبغي أن يدركها كل من يحاول التعامل مع أدب الطفل هي أن الطفل قليل الصبر، لذا فإنه لا يحتمل على سبيل المثال عرضاً مسرحياً تزيد مدته عن الساعة (الذي كان يحدث ويحدث الآن أيضاً أن المنتج يفرض على كاتب النص والمخرج أن لا تقل مدة عرض المسرحية عن ساعتين لأمور تتعلق بالشباك وبالتسويق). والطفل يفهم بعض كلماتنا بغير ما نعني بها، لذا ينبغي أن نخاطبه بلغة يفهمها هو لا نفهمها نحن فقط (وفي هذا الصدد حدّث ولا حرج).

الطفولة طاقة كبيرة علينا أن نعمل على الاستفادة منها، وهي لا يمكن أن تنطلق إلا إذا عملنا على تفتحها وعرفنا كيف نتعامل معها. علينا أن نعرف أن للطفل حاجات بيولوجية ونفسية تختلف من عمر لآخر، فلكل مرحلة من مراحل النمو خصائص معينة، وهذه مسألة يراعيها جيداً بعض كتّاب القصة عندما يكتبون للأطفال، وغالباً ما نقرأ على الغلاف أن هذه القصة للأطفال من سن كذا إلى سن كذا، غير أن هذه المسألة لا يتم مراعاتها في المسرح فمثلاً، فالذي يحدث هو أن المؤسسة المنتجة تقدم مسرحية للأطفال (دون تحديد سن الأطفال الذين تناسبهم المسرحية), فيدخل لمشاهدتها الأطفال من سن ثلاث سنوات إلى سن الثامنة عشرة. وفي هذا الصدد يقول المعنيون بأدب الطفل إن ما يبعث الخوف والقلق في نفس طفل في الرابعة مثلاً قد يثير السرور والسعادة في نفس طفل في العاشرة، وأنه لا بد أن يتوافق الغذاء الأدبي المقدم للطفل مع مستوى النمو. أما النتيجة فهي أن الطفل الذي دفع والده قيمة تذكرة دخوله يهرب من العرض وينشغل بأمور أخرى، فالمعروف أن الطفل يهرب من الأعمال التي تعلو مستواه.

ربما يقول البعض أن مراحل النمو متداخلة ويصعب تحديدها، وقد يقول البعض أن بين الأطفال فروقاً فردية، وهذا صحيح، فالتداخل في مراحل النمو موجودة والفروق الفردية موجودة، لكن هذا لا يعني أن نقدم عملاً للأطفال دون تحديد الفئة التي نعتقد أنها مناسبة لمشاهدة العمل. فليس من المعقول أن نقدم لطفل الخامسة مثلاً عملاً بطولياً عن صلاح الدين الأيوبي, لأن هذا العمل لا يناسب هذه السن ولكنه يناسب الطفل الذي يبلغ التاسعة أو العاشرة مثلاً، وهكذا.

جانب آخر في مشكلة أدب الطفل علينا أن نهتم به هنا, وهو ما يدعو إليه الكاتب البحريني إبراهيم بشمي دائماً, حيث يقول: إن علينا نحن الكبار آباء وأمهات وأولياء أمور أن نقرأ ما يكتبه كتّاب أدب الأطفال ونوصله بطريقتنا إلى الأطفال في لحظات قبل النوم. والطريقة نفسها ينبغي أن نلجأ إليها في العروض المسرحية، فالأفضل هو أن يذهب الأب والأم وولي الأمر لمشاهدة المسرحية أولاً ثم يقررون إذا كان هذا العمل مناسباً أم لا. لكن في هذه الطريقة شيء من المثالية وكثير من الصعوبة، فليس كل الآباء والأمهات على درجة من العلم والثقافة تتيح لهم تقييم عمل مسرحي وتقرير ما إذا كان يصلح لأبنائهم أم لا. كما أن الإعلانات التلفزيونية المشوقة تدفع الطفل ليضغط على والديه ويرغمهما على أخذه لمشاهدة المسرحية حالاً. لذا فإن الحل الأفضل يكمن في دعوة المعنيين بالطفولة من أكاديميين وكتّاب ومهتمين إلى مشاهدة العمل المسرحي قبل عرضه بوقت كافٍ ومناقشته مع فريق العمل وإبداء ملاحظاتهم ومن ثم إجراء التعديلات المناسبة قبل عرضه على الأطفال. وهذه عملية ممكنة وقابلة للتطبيق ومن شأنها أن تخلصنا من شبح الأعمال التجارية التي تستغل الأطفال لتسلب جيوب الكبار.

ولا بد من الإشارة أيضاً إلى جانب من مشكلات أدب الطفل في الوطن العربي، فأولها وأهمها في اعتقادي غياب البحوث العربية في أدب الطفل، ثم نظرتنا إلى الطفل على أنه رجل صغير فنتعامل معه بلغتنا وبتفكيرنا، ثم قيام من ليس له علاقة بالطفل بالكتابة له من دون أن يدرك خصائص نموه وميوله ودوافعه وقدراته، وبالطبع مشكلة السعي إلى الربح المادي، فليس مهماً عند البعض ماذا يقرأ الطفل أو ماذا يشاهد, وإنما المهم هو أن يشتري ويشاهد.

ولعل من المناسب أن أطرح تساؤلاً مهماً وهو: مَنْ مِن كّتابنا يشاهد ما يقدم للأطفال من قصص عبر برامج الأطفال والرسوم المتحركة؟ وأستشهد للإجابة عنه بما ورد في محاضرة للدكتور عبد العزيز السبيل (الأستاذ بجامعة الملك سعود) ألقاها ضمن فعاليات معرض البحرين الدولي التاسع للكتاب, حيث ذكر أن دراسة أجريت شملت كبار كتّاب القصة القصيرة في الوطن العربي سُئلوا خلالها عما إذا كانوا يعتمدون على الخبرة الكتابية والقرائية لفن القصة من خلال من سبقهم من الكتّاب, أو يعتمدون على حصيلتهم النظرية في هذا الفن وتقنياته ومناهجه. فأجابوا جميعهم وبينهم أسماء كبيرة مثل نجيب محفوظ ويحي حقي ويوسف إدريس بأنهم لم يقرؤوا شيئاً عن أصول فن القصة أو طرق كتابتها. وأعتقد أن الأمر نفسه يصدق على كتّاب أدب الطفل.

وفي دراسة لعبد التواب يوسف بعنوان "حول أدب الأطفال في الخليج العربي" يذكر في مقدمتها أن العناية بأدب الطفل سمة حضارية لأنها تعني التعامل مع "علم المستقبل" والتخطيط له. ووفق ما قاله العرب: إننا نربيهم لزمان غير زماننا. وكذلك كان اهتمام منطقة الخليج العربي بهذا الأدب من منطلق الأصالة والمعاصرة والمستقبلية. لكن عبد التواب الذي يشيد بالتفاتة الإنسان الخليجي إلى المستقبل ممثلاً في الأطفال وكتبهم وأدبهم يبدي ملاحظة مهمة هي أن الأقلام التي اقتحمت مجال أدب الأطفال قليلة والكتب الصادرة لهم عددها متواضع، وهو يعتقد أنه بسبب حداثة هذا اللون من الأدب وقلة التقدير الأدبي والمادي للعاملين فيه انصرف عنه كثيرون كان من الممكن أن يحققوا فيه نجاحاً كبيراً.

ملاحظة عبد التواب يوسف (وهو باحث ودارس في أدب الأطفال يمتاز بخبرته الطويلة في هذا المجال) ملاحظة مهمة للغاية، فبيننا في منطقة الخليج الكثير من ذوي الموهبة والقدرة على توظيف أقلامهم وخبراتهم الحياتية في خدمة الطفل الخليجي والعربي, ولكن ينقصهم التشجيع والاهتمام سواء من الحكومات أو المؤسسات الثقافية والاجتماعية ذات العلاقة. ولعل العدد القليل الذي يكتب في مجال أدب الطفل اليوم يشجع وزارات الإعلام في دول الخليج على تبنيهم ودعمهم وتوفير دورات خاصة لتدريبهم والرقي بقدراتهم، بل أنه يكفيهم حتى طباعة مؤلفاتهم وتسهيل إنتاجها.

تشجيع بسيط حصل عليه الكاتب البحريني إبراهيم سند في فترة سابقة أعطاه الدافع لينتج ما يسهم في رفع اسم مملكة البحرين في المحافل الثقافية العربية حيث نال العديد من الجوائز المهمة في مجال الكتابة للطفل، والأمر نفسه يمكن أن يتحقق مع كتاب آخرين لو أنهم حصلوا على تشجيع ودعم من المسؤولين في مجال الإعلام والثقافة. وبالمقابل بالطبع ابتعد آخرون عن الكتابة للطفل بعد ما اكتشفوا أنهم يجدفون لوحدهم في بحر مليء بالصعاب.

إن المهتمين بأدب الطفل في كل العالم يؤكدون على سبيل المثال أهمية القصص الخيالية في تعلم الطفل وإعداده للحياة. فعندما تلبى هذه الرغبة الملحة لدى الطفل فإنها تفتح أمامه العديد من الطرق للإفادة من مظاهر الحياة, حيث تصبح الكثير من شؤون الحياة وأحدثها معروفة لديه ومنها يتعلم الكثير من عادات المجتمع وسلوك الإنسان. وبمثال أكثر وضوحاً فإن بإمكان كتّاب أدب الأطفال تعليم الأطفال الاتزان في إصدار أحكامهم على الناس وعلى ما يشاهدون من أعمال، وسواء تم ذلك من خلال القصة أو المسرحية أو الأغنية... الخ, وهذا يؤكد أن أدب الأطفال يسهم بقوة في إعداد الطفل للمستقبل.

لكن ليس الدور كله في تشجيع كتّاب أدب الطفل يقع على الحكومات، فهناك أيضاً القطاع الخاص الذي يجب أن يقوم بدوره في دعم الثقافة بشكل عام ودعم أدب الطفل وإعداده للمستقبل بشكل خاص، وهناك المؤسسات الاجتماعية والسياسية والثقافية والتربوية التي عليها أيضاً أن تقوم بدعم وتشجيع كتّاب أدب الأطفال. وبالطبع لا يمكن أن ننسى الدور المهم الذي يمكن أن يقوم به أولياء الأمور، حيث عليهم أن يشجعوا أبناءهم على شراء ما ينتجه كتّاب القصة في الخليج، ذلك أن شراء نتاج الكاتب المحلي هو نوع من الدعم والتشجيع له، علاوة على أن ما يكتبه هؤلاء الكتّاب لا يكون في كل الأحوال غريباً عن الطفل الخليجي.

ومن المعنيين بتشجيع ودعم كتّاب أدب الأطفال أيضاً دور النشر التي يجب أن لا يعميها الربح المادي فلا تبالي بما يكتب للطفل أو تغالي في أسعارها فلا يستطيع كتّاب أدب الأطفال توصيل نتاجاتهم إلى الأطفال. والأمر نفسه ينطبق على أصحاب المكتبات والجهات المنظمة لمعارض الكتب, حيث عليهم تقليل هامش الربح فيما يتعلق بكتب الأطفال.

أيضاً تقع مسؤوليات كبيرة في هذا الخصوص على المؤسسات ذات العلاقة بالطفولة، فعلى سبيل المثال لا بد أن يكون للجمعيات المعنية بتنمية الطفولة في الخليج دور في دعم وتشجيع كتّاب أدب الأطفال، وكذلك المجلس العربي للطفولة والتنمية ومقره القاهرة، وغيرها من المؤسسات المهتمة بالطفولة.

إن ثماراً كثيرة وكبيرة وذات قيمة يمكن أن نجنيها مستقبلاً لو أننا أعطينا الآن هذا اللون من الأدب شيئاً من حقه بالاهتمام به وتشجيع الداخلين فيه ودعمهم. العديد من الباحثين في أدب الأطفال يؤكدون أن هذا اللون في البلاد العربية لم يتبلور بعد ولم تظهر له شخصية متميزة، بل أن الكثير مما قدم ويقدم للأطفال لا تراعى فيه خصائص الطفولة, وبالتالي فهو بعيد عن أدب الأطفال. لذا فإن على جميع الجهات المذكورة في هذا المقال دور كبير في تكوين أدب للأطفال سليم يعد للمستقبل.

الكثير من الأمور السلبية في إنساننا العربي والخليجي اليوم يمكن لأدب الأطفال أن يخلص إنسان المستقبل منها، فسلبيات مثل التخلي عن المسؤوليات وإلقائها على الآخرين والاتكالية والتكامل والتعلق بالغيبيات وغيرها يمكن التخلص منها مستقبلاً بانتهال أطفال اليوم للأدب الهادف الذي يبني شخصياتهم وينميهم اجتماعياً ونفسياً وعقلياً، فالدور الذي يلعبه أدب الأطفال لا يستهان به. ومثلما أسهمت الحكايات والأقاصيص التي استمدت من التراث العربي في بغض إنسان اليوم لزوجة الأب مهما اتسمت بالطيبة, فإن بإمكان أدب الأطفال تغيير هذه النظرة وإيجاد معايير عملية في الحكم على الأفراد بكل فئاتهم وبناء إنسان جديد قادر على التعامل مع متغيرات الحياة في عصر العلم والتكنولوجيا.

إنها دعوة ملحة ومباشرة للتشجيع للدخول في أدب الطفل ودعم الداخلين فيه دعماً قوياً يؤسس لثقافة متميزة هي سلاح إنسان الغد وإنسان الزمن الآتي في تعامله مع مختلف المتغيرات... فهل من مجيب؟
  #63  
قديم 16/02/2004, 12:47 PM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Cool نربيهم لزمن اخر

بقلم: فريد أحمد حسن





































"إن ثماراً كثيرة وكبيرة وذات قيمة يمكن أن نجنيها مستقبلاً لو أننا أعطينا الآن أدب الطفل شيئاً من حقه بالاهتمام به وتشجيع الداخلين فيه ودعمهم". هذا ما يقوله كل مهتم بأدب الطفل ويقوله كل مقدّر لهذا اللون من الأدب ويقوله كل ذي عقل ينظر إلى البعيد. إن أدب الطفل في البلاد العربية بشكل عام لم يتبلور بعد ولم تظهر له شخصية متميزة. والكثير مما قدم ويقدم للأطفال لا تراعى فيه خصائص الطفولة، وهذا يعني أنه بعيد عن أدب الطفل.

هذا ما يقوله الجميع وهو صحيح دونما شك. كما وأن الجميع -من ذوي العلاقة بالطفل وأدب الطفل- يدركون أن الكثير من السلبيات التي يعاني منها الإنسان العربي اليوم يمكن لأدب الطفل أن يسهم في تخليص إنسان المستقبل منها. إن سلبيات مثل التخلي عن المسؤوليات وإلقائها على الآخرين والاتكالية والتكامل والتعلق بالغيبيات وغيرها, يمكن التخلص منها مستقبلاً بانتهال أطفال اليوم للأدب الهادف الذي يبني شخصياتهم ويبنيهم اجتماعياً ونفسياً وعقلياً. فدور أدب الطفل في هذا المجال لا يستهان به.

ترى لماذا نكره زوجة الأب؟ نحن العرب في مختلف البلاد العربية نكره زوجة الأب ونعتبرها شريرة ولا نأمن جانبها حتى لو كانت طيبة وأثبتت أنها تستحق الاحترام والمودة، أما لماذا فالسبب واضح ومعروف, وهو أن الحكايات والأقاصيص التي استمدت من التراث العربي وسمعناها ونحن صغار كانت تصور لنا دائماً أن زوجة الأب شريرة, وأنها مهما حصلت من مودة وحنان وكرم فإنها تظل قاسية على أبناء زوجها وتسعى لأذيتهم والتنكيل بهم. الآن يمكن لأدب الطفل أن يسهم بفاعلية في تغيير هذه النظرة بإيجاد معايير عملية للحكم على الأفراد وبناء إنسان جديد قادر على التعامل مع متغيرات الحياة في عصر العلم والتكنولوجيا.

إننا بحاجة ماسة إلى التشجيع على الدخول في أدب الطفل ودعم الداخلين فيه بقوة لتأسيس ثقافة متميزة هي سلاح إنسان الغد وإنسان الزمن الذي سيجيء، ثقافة يستخدمها في تعامله مع مختلف المتغيرات. قديماً قال العرب إننا نربي أبناءنا لزمان غير زماننا، وهذا يعني بكل بساطة أن أدب الطفل -الذي هو جزء أساسي في عملية التربية- يعني التعامل مع المستقبل ويخطط له، لكن التعامل مع المستقبل ووضع أسسه ينبغي ألا يعتمد على أفراد قلائل، لذا لا بد من العمل على خلق قاعدة قوية لهذا الشيء أساسها تكثير وتقوية الأقلام التي اقتحمت مجال أدب الطفل.

كم كانت فرحتي كبيرة بطفل لا يتعدى الثانية عشر من عمره التقيته في سوق الملح بصنعاء. سمعني أقول مازحاً لصاحب محل يتاجر في العقيق إنني أريد خاتماً يجلب الرزق، ففوجئتُ بالطفل يتدخل ويقول بلهجة الواثق ما معناه أن دع هذه الخرافات جانباً فالرازق هو الله سبحانه وتعالى, ومن يقول لك غير هذا فإنه يضحك عليك. هذا هو الطفل الذي نبحث عنه ونسعى لخلقه، وأعتقد أن هذه هي مهمة التربويين جميعاً وعلى رأسهم كتّاب أدب الطفل الذين ندعو إلى رعايتهم ودعمهم ليتمكنوا بدورهم من دعم الأطفال ورعايتهم وإعدادهم لبناء المستقبل.

لكن لا بد من ملاحظة أمر مهم في ما يخص أدب الطفل والخوض فيه، فالكثيرون يستسهلون الكتابة للطفل ويعتبرونها أسهل أنواع الكتابات، في الوقت الذي يؤكد فيه المعنيون بالطفل أن الكتابة له أصعب من الكتابة للكبار. في الثمانينات من القرن الماضي تحديداً بدأ بعض مَن تربطهم بالطفل علاقة الكتابة له, فعرضت في تلك الفترة في مختلف دول المنطقة الكثير من المسرحيات، لكن للأسف ليس كل من شارك في تلك المهمة كان ذو علاقة، حيث استغل البعض الموضوع تجارياً وصار كل من يعرف الكتابة بالقلم يكتب للطفل، وصار كل من شعر بأنه يستطيع تحريك ممثل على خشبة المسرح يخرج مسرحيات للأطفال. والنتيجة أن الكثير مما قدم للطفل من مسرحيات على وجه الخصوص جاء بعيداً عن عالم الطفل وفي غير صالحه, بل أثر سلباً على مسرح الطفل وعلى الجمهور الذي كان يفترض أن يلتصق بالمسرح لاحقاً.

إن ما نعانيه حقاً هو جهلنا بالكثير من حاجات الطفل، فنحن لا نعرف إلا القليل عن حاجاته النفسية والاجتماعية وأعتقد أننا نجهل أيضاً أساليب إشباع تلك الحاجات. لست هنا بصدد التعميم فبيننا من درس ويدرس الطفولة ويحاول أن يتعرف على حاجات الطفل المختلفة ويحاول أن يقدم له شيئاً مفيداً وجيداً يشبع حاجاته، ولدينا بالتأكيد تجارب ناجحة في هذا الصدد, ولدينا أسماء يشار إليها بالبنان، سواء في كتابة المسرحية للطفل أو القصة أو الأغنية... الخ. إنما حديثي عن أولئك الذين يستسهلون التعامل مع الطفل فيكتبون له ويخرجون الأعمال أو يلحنون ويغنون وهم على غير دراية بحاجاته وبأساليب إشباع تلك الحاجات. فمثل هؤلاء لا يعرفون أن أدب الطفل أداة فنية من أدوات تنشئة الطفولة، ولا يعرفون أن هذا الأدب يسهم بشكل كبير في بناء شخصية الطفل، بمعنى أن التعامل الخاطئ معه يؤثر على الطفل بالسلب.

إن من الأمور التي ينبغي أن يدركها كل من يحاول التعامل مع أدب الطفل هي أن الطفل قليل الصبر، لذا فإنه لا يحتمل على سبيل المثال عرضاً مسرحياً تزيد مدته عن الساعة (الذي كان يحدث ويحدث الآن أيضاً أن المنتج يفرض على كاتب النص والمخرج أن لا تقل مدة عرض المسرحية عن ساعتين لأمور تتعلق بالشباك وبالتسويق). والطفل يفهم بعض كلماتنا بغير ما نعني بها، لذا ينبغي أن نخاطبه بلغة يفهمها هو لا نفهمها نحن فقط (وفي هذا الصدد حدّث ولا حرج).

الطفولة طاقة كبيرة علينا أن نعمل على الاستفادة منها، وهي لا يمكن أن تنطلق إلا إذا عملنا على تفتحها وعرفنا كيف نتعامل معها. علينا أن نعرف أن للطفل حاجات بيولوجية ونفسية تختلف من عمر لآخر، فلكل مرحلة من مراحل النمو خصائص معينة، وهذه مسألة يراعيها جيداً بعض كتّاب القصة عندما يكتبون للأطفال، وغالباً ما نقرأ على الغلاف أن هذه القصة للأطفال من سن كذا إلى سن كذا، غير أن هذه المسألة لا يتم مراعاتها في المسرح فمثلاً، فالذي يحدث هو أن المؤسسة المنتجة تقدم مسرحية للأطفال (دون تحديد سن الأطفال الذين تناسبهم المسرحية), فيدخل لمشاهدتها الأطفال من سن ثلاث سنوات إلى سن الثامنة عشرة. وفي هذا الصدد يقول المعنيون بأدب الطفل إن ما يبعث الخوف والقلق في نفس طفل في الرابعة مثلاً قد يثير السرور والسعادة في نفس طفل في العاشرة، وأنه لا بد أن يتوافق الغذاء الأدبي المقدم للطفل مع مستوى النمو. أما النتيجة فهي أن الطفل الذي دفع والده قيمة تذكرة دخوله يهرب من العرض وينشغل بأمور أخرى، فالمعروف أن الطفل يهرب من الأعمال التي تعلو مستواه.

ربما يقول البعض أن مراحل النمو متداخلة ويصعب تحديدها، وقد يقول البعض أن بين الأطفال فروقاً فردية، وهذا صحيح، فالتداخل في مراحل النمو موجودة والفروق الفردية موجودة، لكن هذا لا يعني أن نقدم عملاً للأطفال دون تحديد الفئة التي نعتقد أنها مناسبة لمشاهدة العمل. فليس من المعقول أن نقدم لطفل الخامسة مثلاً عملاً بطولياً عن صلاح الدين الأيوبي, لأن هذا العمل لا يناسب هذه السن ولكنه يناسب الطفل الذي يبلغ التاسعة أو العاشرة مثلاً، وهكذا.

جانب آخر في مشكلة أدب الطفل علينا أن نهتم به هنا, وهو ما يدعو إليه الكاتب البحريني إبراهيم بشمي دائماً, حيث يقول: إن علينا نحن الكبار آباء وأمهات وأولياء أمور أن نقرأ ما يكتبه كتّاب أدب الأطفال ونوصله بطريقتنا إلى الأطفال في لحظات قبل النوم. والطريقة نفسها ينبغي أن نلجأ إليها في العروض المسرحية، فالأفضل هو أن يذهب الأب والأم وولي الأمر لمشاهدة المسرحية أولاً ثم يقررون إذا كان هذا العمل مناسباً أم لا. لكن في هذه الطريقة شيء من المثالية وكثير من الصعوبة، فليس كل الآباء والأمهات على درجة من العلم والثقافة تتيح لهم تقييم عمل مسرحي وتقرير ما إذا كان يصلح لأبنائهم أم لا. كما أن الإعلانات التلفزيونية المشوقة تدفع الطفل ليضغط على والديه ويرغمهما على أخذه لمشاهدة المسرحية حالاً. لذا فإن الحل الأفضل يكمن في دعوة المعنيين بالطفولة من أكاديميين وكتّاب ومهتمين إلى مشاهدة العمل المسرحي قبل عرضه بوقت كافٍ ومناقشته مع فريق العمل وإبداء ملاحظاتهم ومن ثم إجراء التعديلات المناسبة قبل عرضه على الأطفال. وهذه عملية ممكنة وقابلة للتطبيق ومن شأنها أن تخلصنا من شبح الأعمال التجارية التي تستغل الأطفال لتسلب جيوب الكبار.

ولا بد من الإشارة أيضاً إلى جانب من مشكلات أدب الطفل في الوطن العربي، فأولها وأهمها في اعتقادي غياب البحوث العربية في أدب الطفل، ثم نظرتنا إلى الطفل على أنه رجل صغير فنتعامل معه بلغتنا وبتفكيرنا، ثم قيام من ليس له علاقة بالطفل بالكتابة له من دون أن يدرك خصائص نموه وميوله ودوافعه وقدراته، وبالطبع مشكلة السعي إلى الربح المادي، فليس مهماً عند البعض ماذا يقرأ الطفل أو ماذا يشاهد, وإنما المهم هو أن يشتري ويشاهد.

ولعل من المناسب أن أطرح تساؤلاً مهماً وهو: مَنْ مِن كّتابنا يشاهد ما يقدم للأطفال من قصص عبر برامج الأطفال والرسوم المتحركة؟ وأستشهد للإجابة عنه بما ورد في محاضرة للدكتور عبد العزيز السبيل (الأستاذ بجامعة الملك سعود) ألقاها ضمن فعاليات معرض البحرين الدولي التاسع للكتاب, حيث ذكر أن دراسة أجريت شملت كبار كتّاب القصة القصيرة في الوطن العربي سُئلوا خلالها عما إذا كانوا يعتمدون على الخبرة الكتابية والقرائية لفن القصة من خلال من سبقهم من الكتّاب, أو يعتمدون على حصيلتهم النظرية في هذا الفن وتقنياته ومناهجه. فأجابوا جميعهم وبينهم أسماء كبيرة مثل نجيب محفوظ ويحي حقي ويوسف إدريس بأنهم لم يقرؤوا شيئاً عن أصول فن القصة أو طرق كتابتها. وأعتقد أن الأمر نفسه يصدق على كتّاب أدب الطفل.

وفي دراسة لعبد التواب يوسف بعنوان "حول أدب الأطفال في الخليج العربي" يذكر في مقدمتها أن العناية بأدب الطفل سمة حضارية لأنها تعني التعامل مع "علم المستقبل" والتخطيط له. ووفق ما قاله العرب: إننا نربيهم لزمان غير زماننا. وكذلك كان اهتمام منطقة الخليج العربي بهذا الأدب من منطلق الأصالة والمعاصرة والمستقبلية. لكن عبد التواب الذي يشيد بالتفاتة الإنسان الخليجي إلى المستقبل ممثلاً في الأطفال وكتبهم وأدبهم يبدي ملاحظة مهمة هي أن الأقلام التي اقتحمت مجال أدب الأطفال قليلة والكتب الصادرة لهم عددها متواضع، وهو يعتقد أنه بسبب حداثة هذا اللون من الأدب وقلة التقدير الأدبي والمادي للعاملين فيه انصرف عنه كثيرون كان من الممكن أن يحققوا فيه نجاحاً كبيراً.

ملاحظة عبد التواب يوسف (وهو باحث ودارس في أدب الأطفال يمتاز بخبرته الطويلة في هذا المجال) ملاحظة مهمة للغاية، فبيننا في منطقة الخليج الكثير من ذوي الموهبة والقدرة على توظيف أقلامهم وخبراتهم الحياتية في خدمة الطفل الخليجي والعربي, ولكن ينقصهم التشجيع والاهتمام سواء من الحكومات أو المؤسسات الثقافية والاجتماعية ذات العلاقة. ولعل العدد القليل الذي يكتب في مجال أدب الطفل اليوم يشجع وزارات الإعلام في دول الخليج على تبنيهم ودعمهم وتوفير دورات خاصة لتدريبهم والرقي بقدراتهم، بل أنه يكفيهم حتى طباعة مؤلفاتهم وتسهيل إنتاجها.

تشجيع بسيط حصل عليه الكاتب البحريني إبراهيم سند في فترة سابقة أعطاه الدافع لينتج ما يسهم في رفع اسم مملكة البحرين في المحافل الثقافية العربية حيث نال العديد من الجوائز المهمة في مجال الكتابة للطفل، والأمر نفسه يمكن أن يتحقق مع كتاب آخرين لو أنهم حصلوا على تشجيع ودعم من المسؤولين في مجال الإعلام والثقافة. وبالمقابل بالطبع ابتعد آخرون عن الكتابة للطفل بعد ما اكتشفوا أنهم يجدفون لوحدهم في بحر مليء بالصعاب.

إن المهتمين بأدب الطفل في كل العالم يؤكدون على سبيل المثال أهمية القصص الخيالية في تعلم الطفل وإعداده للحياة. فعندما تلبى هذه الرغبة الملحة لدى الطفل فإنها تفتح أمامه العديد من الطرق للإفادة من مظاهر الحياة, حيث تصبح الكثير من شؤون الحياة وأحدثها معروفة لديه ومنها يتعلم الكثير من عادات المجتمع وسلوك الإنسان. وبمثال أكثر وضوحاً فإن بإمكان كتّاب أدب الأطفال تعليم الأطفال الاتزان في إصدار أحكامهم على الناس وعلى ما يشاهدون من أعمال، وسواء تم ذلك من خلال القصة أو المسرحية أو الأغنية... الخ, وهذا يؤكد أن أدب الأطفال يسهم بقوة في إعداد الطفل للمستقبل.

لكن ليس الدور كله في تشجيع كتّاب أدب الطفل يقع على الحكومات، فهناك أيضاً القطاع الخاص الذي يجب أن يقوم بدوره في دعم الثقافة بشكل عام ودعم أدب الطفل وإعداده للمستقبل بشكل خاص، وهناك المؤسسات الاجتماعية والسياسية والثقافية والتربوية التي عليها أيضاً أن تقوم بدعم وتشجيع كتّاب أدب الأطفال. وبالطبع لا يمكن أن ننسى الدور المهم الذي يمكن أن يقوم به أولياء الأمور، حيث عليهم أن يشجعوا أبناءهم على شراء ما ينتجه كتّاب القصة في الخليج، ذلك أن شراء نتاج الكاتب المحلي هو نوع من الدعم والتشجيع له، علاوة على أن ما يكتبه هؤلاء الكتّاب لا يكون في كل الأحوال غريباً عن الطفل الخليجي.

ومن المعنيين بتشجيع ودعم كتّاب أدب الأطفال أيضاً دور النشر التي يجب أن لا يعميها الربح المادي فلا تبالي بما يكتب للطفل أو تغالي في أسعارها فلا يستطيع كتّاب أدب الأطفال توصيل نتاجاتهم إلى الأطفال. والأمر نفسه ينطبق على أصحاب المكتبات والجهات المنظمة لمعارض الكتب, حيث عليهم تقليل هامش الربح فيما يتعلق بكتب الأطفال.

أيضاً تقع مسؤوليات كبيرة في هذا الخصوص على المؤسسات ذات العلاقة بالطفولة، فعلى سبيل المثال لا بد أن يكون للجمعيات المعنية بتنمية الطفولة في الخليج دور في دعم وتشجيع كتّاب أدب الأطفال، وكذلك المجلس العربي للطفولة والتنمية ومقره القاهرة، وغيرها من المؤسسات المهتمة بالطفولة.

إن ثماراً كثيرة وكبيرة وذات قيمة يمكن أن نجنيها مستقبلاً لو أننا أعطينا الآن هذا اللون من الأدب شيئاً من حقه بالاهتمام به وتشجيع الداخلين فيه ودعمهم. العديد من الباحثين في أدب الأطفال يؤكدون أن هذا اللون في البلاد العربية لم يتبلور بعد ولم تظهر له شخصية متميزة، بل أن الكثير مما قدم ويقدم للأطفال لا تراعى فيه خصائص الطفولة, وبالتالي فهو بعيد عن أدب الأطفال. لذا فإن على جميع الجهات المذكورة في هذا المقال دور كبير في تكوين أدب للأطفال سليم يعد للمستقبل.

الكثير من الأمور السلبية في إنساننا العربي والخليجي اليوم يمكن لأدب الأطفال أن يخلص إنسان المستقبل منها، فسلبيات مثل التخلي عن المسؤوليات وإلقائها على الآخرين والاتكالية والتكامل والتعلق بالغيبيات وغيرها يمكن التخلص منها مستقبلاً بانتهال أطفال اليوم للأدب الهادف الذي يبني شخصياتهم وينميهم اجتماعياً ونفسياً وعقلياً، فالدور الذي يلعبه أدب الأطفال لا يستهان به. ومثلما أسهمت الحكايات والأقاصيص التي استمدت من التراث العربي في بغض إنسان اليوم لزوجة الأب مهما اتسمت بالطيبة, فإن بإمكان أدب الأطفال تغيير هذه النظرة وإيجاد معايير عملية في الحكم على الأفراد بكل فئاتهم وبناء إنسان جديد قادر على التعامل مع متغيرات الحياة في عصر العلم والتكنولوجيا.

إنها دعوة ملحة ومباشرة للتشجيع للدخول في أدب الطفل ودعم الداخلين فيه دعماً قوياً يؤسس لثقافة متميزة هي سلاح إنسان الغد وإنسان الزمن الآتي في تعامله مع مختلف المتغيرات... فهل من مجيب؟
  #64  
قديم 17/02/2004, 10:45 AM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
التصوير النبوي للتكافل
د. محمد عمارة

في المأثور الاسلامي: «من لم يهتم بأمر الناس فليس منهم»، اي ان الفردية والأثرة وقطع الروابط الاجتماعية مع الناس تخرج صاحبها من زمرة الانسانية! فالتكافل الاجتماعي هو «اللحمة» التي تصل الفرد بجنس الانسان ومعنى الانسانية.
وفي التعبير عن هذا المعنى الانساني والاجتماعي، جاء التصوير النبوي لهذا التكافل الذي يجعل الامة جسدا واحدا حيا رغم تفاوت اعضاء هذا الجسد في الحجم والتأثير والامكانات والاحتياجات.. فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، مثل الجسد، اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» ـ رواه البخاري ومسلم.
فإذا غاب هذا التكافل، تحللت الروابط الاجتماعية في المجتمع، وتحللت الاعصاب الجامعة للأمة.. ولقد بالغ الاسلام في التحذير من ذلك الى الحد الذي جعله سببا في براءة ذمة الله سبحانه وتعالى، وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم، من الجماعة البشرية التي تسقط في مستنقع هذا الخلل الفاحش في علاقات الاجتماع.. وفي ذلك وعنه، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيما أهل عرصة (اي مجتمع، صغيرا كان أو كبيرا)، اصبح فيهم امرؤ جائع فقد برئت منه ذمة الله تعالى» ـ رواه الامام احمد.
فمجتمع التكافل الاجتماعي هو مجتمع الجسد الحي. واسهام كل عضو من الاعضاء في حياة الجسد وحيويته ليس متماثلا ولا متساويا.. وحظ كل عضو ونصيبه من رصيد حياة الجسد وحيويته ليس فالتوازن والارتفاق، الذي يصبح فيه كل عضو فاعلا ومنفعلا ومتفاعلا مع الآخرين، وكأنه المرفق الذي يرتفق به وعليه الآخرون كما يرتفق هو بهم وعليهم، مع التفاوت في الحظوظ والمقادير والدرجات في عملية الارتفاق والتوازن هذه.. ان هذه الصورة هي الممكنة والحقيقية والعادلة في مبدأ المساواة بالميادين التي تتفاوت في طاقات الناس، وتتفاوت فيها ايضا احتياجاتهم لما يحصلون في هذه الميادين.
اما اذا غاب التكافل الاجتماعي، وحل محله «الخلل» في الاجتماع الانساني، فإن الثراء سيتركز في جانب، بينما يتركز الفقر في الجانب الآخر، ولذلك كان مجتمع التكافل هو النقيض لمجتمع «دولة الاغنياء» الذي تحدث عنه القرآن الكريم فقال: «ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الاغنياء منكم وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب» ـ الحشر: 7، ذلك ان النشوز الاجتماعي والاستفراد بسلطة المال ـ وبكل سلطة ـ هو المقدمة المفضية الى الطغيان الاجتماعي.. والسياسي.. والاداري.. والاقتصادي. وصدق الله العظيم: «كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى» العلق: 6 و7.
فالتكافل الاجتماعي هو الطريق الى حياة واحياء الانسانية في المجتمع.. والفردية والأثرة هي سبيل الطغيان.


جريدة الشرق الاوسط
  #65  
قديم 18/02/2004, 09:42 PM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
الاصلاحات السعودية ...رهينة اتجاهات متباينة وجيوب مقاومة يقودها الحرس القديم
2004/02/04

نواف التميمي



لايحتاج القارئ لتاريخ المنطقة العربية الي جهد استثنائي للتاكد من حالة الاستقرار السياسي والاجتماعي التي ظلت الدولة السعودية الحديثة تتمتع بها منذ تاسيسها في منتصف القرن العشرين.كما ان الباحث لايحتاج ايضا لاي جهد استثنائي للتوصل الي حقيقة ان هذا الاستقرار انما كان يختزل في احشائه الكثير من التناقضات والاعتراضات ازاء السلطة ، ودور النخبة المثقفة والمتعلمة في المشاركة في الحياة العامة والمشاركة السياسية ،ودور المؤسسات الدينية في ادارة شؤون الدولة،وجمود مؤسسات الدولة ونظام الحكم في مجارات التطورات الدولية والاقليمية.
غير أن حرب الخليج الثانية وأنهيارالاتحاد السوفيتي وظهور نظام عالمي جديد يستند الي قطب واحد مركزه في واشنطن ثم احداث الحادي عشر من سبتمبر الفين وواحد وتشكل جبهة "الحرب علي الارهاب" بقيادة الولايات المتحدة خلقت مناخا مناسبا لتيارات واتجاهات سعودية متعددة الالوان والانتماءات والمارب لتحريك المياه الراكدة و لتكثيف ضغوطها علي النظام السعودي للاستجابة لمطالبها في الاصلاح والتغيير ، مستغلة حالة الاستياء العام والضغوط التي يتعرض لها النظام داخليا وخارجيا.
واذا كانت تداعيات حرب الخليج الثانية قد اسست لبروز مقولات حقوق الإنسان واصلاح وتطوير أنظمة الحكم في الخليج. فان تداعيات ما بعد أحداث 11 سبتمبر،و سعي التيار اليميني الأمريكي لزج السعودية ضمن محور الشر عبر سلسلة من الحملات الإعلامية تتضمن إلصاق تهمة الارهاب الدولي بالسعودية عزز هذه الدعوات واتجه بها نحو التأطير او علي الاقل اتخاذ اشكال تقارب التيارات او الاتجاهات السياسية.
ومن باب التعامل مع هذه المعطيات والافرازات الجديدة،استجاب النظام السعودي لبعض المطالب بادخال سلسلة من التغيرات والاصلاحات من قبيل استحداث مجلس للشوري ،ومجلس وطني للحوار،واجراء انتخابات بلدية ، وتأسيس بعض الادارات للمشاركة في ادارة شؤون الدولة. لكن هذه الاجراءات لم تسهم في تحقيق الكثير للنظام السعودي الساعي للحفاظ علي ضمان استقراره وتمتعه بالتاييد والدعم الذي ظل يتمتع به لعقود طويلة.ولم تكن تلك "التنازلات" او"الاصلاحات" "الدفاعية" او "الحمائية" مرضية لا للمعارضة السعودية ولا لدعاة التغيير والاصلاح من الليبراليين او العلمانيين.وبينما اعتبرها البعض مناورة من النظام،رأي فيها البعض الاخر دون المطلوب علي اهميتها.
وبينما كانت الضغوط الخارجية والداخلية تشتد علي مؤسسة الحكم في السعودية بات المشهد السياسي السعودي يتشكل علي نحو غير مسبوق.وظهرت خلف دعوات الاصلاح والتغيير والتكيف مع المتغيرات الاقليمية والعالمية اتجاهات او توجهات داخل الاسرة الحاكمة نفسها وداخل المجتمع السعودي بامتدادته،وشكلت شعارات التغيير والاصلاح القاسم المشترك الاعظم بين كل هذه الاتجاهات رغم ان اهداف ووسائل ورؤي كل اتجاه جاءت متباينة وتختلف عن الاخرين.
وان كان من الجائز الحديث عن تيارات وحركات اصلاحية او معارضة باتت تشغل حيزا هاما علي الخارطة السياسية السعودية،فانه لايمكن الحديث عن أكثر من وجهات نظر او توجهات متباينة داخل بيت "ال سعود"،احيانا تتلاشي المسافات فيما بينها واحيانا تبدو وكأن اصحابها ينتمون الي كواكب عدة.
وداخل الاسرة الحاكمة في السعودية يمكن تلمس ثلاثة توجهات او"اتجاهات" رئيسية تسعي الي صياغة او"فرض"صفحة جديدة في تاريخ الدولة السعودية الحديثة.الاتجاه الأول وهو ما يوصف ب "المحافظ" او "الحرس القديم" ويسعي الي تطوير قدرات العائلة المالكة علي استيعاب التمدد في حجمها،واستيعاب الطبقة السياسية والمثقفة في ادارة شؤون الدولة وتوزيع الثروة بين الدولة والافراد واعضاء الاسرة الحاكمة مما ينزع فتيل الاحتقان داخل المجتمع ويجرد المعارضة السياسة من شعارات ترفع من وتيرة السخط والنقمة علي ابناء الاسرة الحاكمة.
وبالتالي فان أصحاب هذا الاتجاه يميلون الي احداث تغييرات شكلية لاتمس الجوهر الذي بينت علي اساسه العلاقات سواء داخل الاسرة الحاكمة اوداخل مؤسسات الدولة او في علاقة كل منهما مع الاخري. ويجد اصحاب هؤلاء الاتجاه في القوي الدينية المحافظة والقوي العشائرية التقليدية سندا او علي الاقل قاعدة تتلقي وتتقبل طروحاتهم المحافظة والمتمسكة بالقيم والمبادئ المتوارثة.
اما الاتجاه الثاني فيسعي بكل جدية لاخراج الدولة من عزلتها وتخلفها الحضاري باتجاه مواكبة المدنية الحديثة والانفتاح علي العالم،ومشاركة قوي المجتمع المدني في ادارة شؤون الحكم والثروة،والتمتع بحق المشاركة السياسية.واهم ما يميز هذا التيار تمسكه ب"سعودة" الاصلاح والتغيير اي رفض اللجوء لادوات خارجية او الاستجابة لاملاءات اجنبية وخاصة من قبل الولايات المتحدة كما أن اصحاب هذا التوجه يتمسكون بضرورة "طبخ الاصلاحات" علي نار هادئة دون احداث هزات او صدمات سياسية او اجتماعية يصعب السيطرة علي تفاعلاتها.ويجد اصحاب هذا الاتجاه في القاعدة العريضة من الاكاديميين والمثقفيين ورجال الاعلام والاعمال سندا لهم خاصة وان اطروحاتهم تلتقي وتطلعات "الليبراليين المحافظين" والعلمانيين.كما ان تطلعاتهم تجد صدي واسع الانتشار في صفوف الشباب الذي يشكل السواد الاعظم من المجتمع السعودي.
الاتجاه الثالث وهو الذي يلتقي مع الاول في كونه يسعي الي تطوير قدرات العائلة المالكة،و ويلتقي مع التجاه الثاني في تبني ضرورة استيعاب الطبقة السياسية والمثقفة في ادارة شؤون الدولة وتوزيع الثروة بين الدولة والافراد واعضاء الاسرة الحاكمة. ولكن هذا الاتجاه لا يري حرجا من النزول عند الاملاءات والبرامج او الخطط المستوردة.اي بتعبير اكثر وضوحا هو الاتجاه الذي يعكس الرؤية الامريكية في "دمقرطة" الحياة السياسية السعودية ولا يري بديلا عن احداث هذه "الدمقرطة" بالسرعة والشكل المحددين في الخطاب الامريكي.ويبدو أن هذا الاتجاه يجد في المجتمع السعودي من الرافضين أكثر من المؤيدين. وبينما يقتصر انصار هذا الاتجاه علي "الليبراليين جدا" او المعجبين بالنموذج الامريكي،فان معارضي هذا الاتجاه ينتشرون علي امتداد الخارطة السياسية افقيا وعموديا،داخل الاسرة الحاكمة وخارجها، من العشائر الي القوي الدينية وانتهاء بالليبراليين المحافظين واليساريين التقليديين.
أما خارج دائرة الاسرة الحاكمة، فقد بدأت موجة المعارضة والمطالبة بالتغيير والاصلاح تتبلور منذ التحضيرات التي سبقت حرب الخليج الاولي ومجيء القوات الامريكية الي السعودية باعداد كبيرة حيث بدات الانتقادات في خطب الجمعة ودروس الوعظ وكتابات بعض المثقفين،ورغم انها بدت في وقتها كمبادرات او رؤي فردية،فانها بلا شك تراكمت وشكلت مقدمات تؤسس لولادة تيار معارض وقوي تدعو الي الاصلاح والي ادخال تغييرات بنيوية علي النظام الحاكم والانفتاح الحضاري والمشاركة السياسية.وكان من ابرز حركات هذا التيار تلك المسماة "حركة الاصلاح" التي تتخذ من لندن مقرا لها.
وان كانت قوي اخري معارضة اختارت مسارا مغايرا في مواجهتها مع السلطات السعودية عبر ضرب المصالح الاجنبية في المملكة للضغط علي الحكومة لابعاد هذه الدول من الاراضي السعودية لانها تقوم بدور الاستعمار والهيمنة في المملكة.فان الاغلبية من التيارات والقوي والشخصيات السياسية رفضت النهج العنفي وأشارت إلي ضرورة إيجاد سبل أخري لمعالجة الأوضاع غير المستقرة، وأهمها المضي فورا ودون إبطاء في وضع مشروع الإصلاح الشامل في المملكة وعلي كل الأصعدة موضع التطبيق.
وتمثل هذا التوجه بصورة جلية في الدعوات المتتالية للالتفاف حول مضمون "عريضة الـ104" الإصلاحية، والتي سبق أن قدمها قبل عدة أشهر مجموعة من المثقفين السعوديين -من كافة الاتجاهات- للأمير عبد الله بن عبد العزيز ولي العهد السعودي، موضحين أنهم ينتظرون تطبيقا عمليا وخطوات جادة وحازمة علي طريق الانفتاح السياسي وتوسيع المشاركة السياسية لفعاليات المجتمع المدني.
ورغم اختلاف هذا الفريق مع ذاك،اواعجابنا بهذا التوجه او ذاك،فمما لاشك هو هذه الحيوية غير المسبوقة في الحياة السياسية السعودية،والتي تشير الي جدية "التحول الحتمي" المنتظر بعد المخاض السياسي الجاري في رحم المجتمع المدني السعودي.
ولكن السؤال المطروح والذي يشغل المراقبين يتعلق بولادة "التحول الحتمي" وهل انه سيري النور عبر عملية طبيعية ميسرة أم انه سيحتاج لعملية قيصيرية؟.الواضح لغاية اللحظة الراهنة يشير الي وجود الكثير من "جيوب مقاومة" تحول دون تطوير النظام السياسي للحكم باتجاه الاصلاح الدستوري الذي يؤدي إلي إقامة دولة المؤسسات، و الفصل بين السلطات، وإقامة سلطة تشريعية منتخبة مباشرة من الشعب تكون لها سلطة رقابية علي السلطات الأخري. وبعيدا عن الخوض في العوائق والعراقيل المتعلقة بالبنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية في المملكة وما يرتبط بذلك من افرازات الطفرة النفطية في السبعينات وماتلاها من تأسيس لمجتمع ريعي نفطي.فان العوامل التالية تبقي هي العصي الاغلظ التي تحول دون دوران عجلة التغيير:
- غياب اي وجود مؤسساتي لفعاليات المجتمع المدني الضاغطة من قبيل الاحزاب السياسية أو النقابات أو الاتحادات أو حتي الجمعيات المهنية والأهلية والنسائية والتي بجانب دورها في تأطير وتنظيم قوي المجتمع الفاعلة تشكل الرافعة الحقيقية لتقدم الحياة السياسية وحمايتها من المتهورين او المتطرفين او العابثين.
- الحضور القوي للمؤسسة الدينية المتزمتة والتي تظل أقوي المؤسسات التي تعيق تنفيذ الاصلاحات لتناقض مصالحها ومفاهيمها الجامدة مع المطالب السياسية والحقوقية، ورفضها حتي للمفاهيم التي تقبل بها التيارات الإسلامية المتنورة ،كمفهوم الحريات العامة وحقوق الإنسان والديمقراطية والمشاركة الشعبية والتعددية.
- النفوذ القوي ل"الحرس القديم" او القوي التقليدية المحافظة في مقابل الاصوات "الليبرالية" أو المقتنعة بضرورة تغيير الواقع السعودي بما يخدم تخفيف الاحتقانات الداخلية الناتجة عن الأزمات الاقتصادية أو السياسية أو جمود الحراك المجتمعي وبما يخفف أيضاً من التدخلات السافرة للمؤسسة الدينية في الحياة الخاصة والعامة للأفراد.
- ويعد غياب هيئة مخولة تضم جميع التيـارات السياسيـة و الدينيـة و الاقتصادية وأطياف المجتمع المدني. تتمتع بصلاحيات واسعة قصد القيام بتنفيذ استراتيجية التغيير و الإصلاح،من العوامل الاهم خاصة وأن هذا الغياب يفتح الباب أما اصوات كثيرة تتشدق بالاصلاح ولا تسعي اليه،ويفتح الباب لخلط كلام الحق بالباطل واضاعة الجهود الحقيقية التي تعمل بصمت خلف الابواق التي ينطبق عليها مقولة"اسمع جرشا ولا اري طحينا".
- أما من العوامل الخارجية فهناك التدخل الامريكي في شؤون السعودية ومحاولة املاء مطالب وشروط لا تراعي الخصوصية السعودية.وهذا التدخل الامريكي يجد معارضة اولا من المؤسسة الدينية وثانيا من القوي الوطنية وحتي من الاتجاهات الليبرالية المحافظة وبالتالي هو يخدم معارضي الاصلاح الحقيقي بدلا من كونه عاملا مساعدا لاتجاه الاصلاح.
هذه المحاولة لتوصيف المشهد السياسي السعودي لا تدعي النضوج او امتلاك الحقيقة الكاملة وانما هي نظرة من خارج الدائرة وتوصيف لا يمكن ان تكتمل عناصره قبل نضوج المشهد السياسي في العربية السعودية وتبلور اطار تنتظم في داخلة الحياة السياسية السعودية وبالتالي تصير قابلة للقراءة بشكل اكثر دقة.
صحافي من فلسطين يقيم في لندن

جريدة القدس العربى
  #66  
قديم 19/02/2004, 03:13 PM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
ظاهرة عمالة الأطفال
أنور بن محمد الرواس*


ما شدني للكتابة في هذا الموضوع هو ذلك الرقم الذي نشرته مجلة الطفولة والتنمية وهي مجلة علمية تعنى بالطفولة وتهتم تحديدا بعمالة الأطفال، حيث تشير المجلة من خلال دراسة أعدها باحثان عن المحددات الاجتماعية والاقتصادية لعمالة الأطفال إلى تقدير حجم الطفولة العاملة في دول مجلس التعاون الخليجي بحوالي 104 آلاف طفل، تتركز في الثقل السكاني في منطقة الخليج العربي، وهي المملكة العربية السعودية الذي قدر حجم عمالة الأطفال فيها بـ83 ألف وسلطنة عمان بـ11 ألف طفل، في حين يتوزع الباقي على الأقطار الخليجية الأخرى. والرقم الذي يعنينا في هذه العجالة السريعة عن عمالة الأطفال في السلطنة صادر عن تقرير لليونسيف عن عمالة الأطفال في يونيو عام 1997، أي هو تقرير دولي نشر بناء على تقديرات لمكتب اليونسيف في مسقط، ونحن هنا لا نطعن في هذا الرقم ولكن نتساءل عن منهجية التقرير، والجهات التي اشتركت في صياغته في ظل عدم توفر بيانات دقيقة في الوطن العربي بشكل عام، ولعدم توفر إحصاءات حول هذا الموضوع في الكثير من الأقطار العربية، إذ يتم إدماج الكثير من الأطفال في مؤسسة العمل التابعة للأسرة، وخصوصا في قطاعي الفلاحة والرعي، الأمر الذي قد لا يعتبر ضمن مدخلات عنصر العمل؟.
ونحن على يقين ان الأرقام التي تنشر بين الحين والآخر، لم تأت من فراغ، فهناك عوامل عدة ساهمت في انتشار ظاهرة عمالة الأطفال في البلدان النامية، فالبيئة الاجتماعية والاقتصادية وعناصرها التي تمثل المحيط الاجتماعي الذي يسمح بوجود هذه الظاهرة، كالنمو السكاني والتركيب العمري للسكان والنشاط الاقتصادي والعوامل التكنولوجية والاستقطاب الاجتماعي للثروة، إضافة إلى ما تحققه عمالة الأطفال لأصحاب العمل من مزايا تتمثل في انخفاض الأجور وعدم المسؤولية والالتزامات الحكومية، وربما كانت أسباب انتشار هذه الظاهرة هي الفقر ورغبة الأسرة في زيادة الدخل لمقابلة احتياجاتها، علاوة على التسرب الدراسي الذي يمثل المنبع الرئيسي لعمالة الأطفال في أغلب دول العالم النامي. ووفقا لتقارير اليونسيف عام 1996-1997 فإن عدد الأطفال العاملين يقترب من 200 مليون طفل في العالم، تتراوح أعمارهم بين 6-8 سنوات، وتشير الأرقام المتوفرة عن حجم الطفولة العاملة في المنطقة العربية الى حوالي 9 ملايين طفل عربي.
إننا أمام واقع جديد تمليه علينا موضوعيتنا في التعاطي مع الدراسات العلمية، فقد فتح الباب على مصراعيه للمنظمات التابعة للأمم المتحدة بأن تقوم بدراسة المجتمع العماني في كافة المجالات، وأتساءل كما يتساءل الكثيرون منكم، أما آن الأوان ان تكون لدينا مراكز دراسات وأبحاث مستقلة وحريصة على دراسة واقع المجتمع العماني، بدلا من ان نستسقي المعلومة من الغير. وفي هذا الصدد أريد ان أطرق بابا يخص جامعة السلطان قابوس بالتحديد، أين دور مركز الدراسات العمانية حيال ما يجري على الساحة العمانية؟ وما فائدة وجود مركز يحمل اسما للدراسات العمانية باستطاعته ان يكون منبراً علميا ورائدا في إثراء الساحة المعرفية في السلطنة وخارجها بدراسات متعمقة في كافة الجوانب الحياتية في بلادنا. ان مركز الدراسات العمانية بحاجة إلى مراجعة شاملة لأهدافه وخططه المستقبلية، كما أنه بحاجة إلى تقييم علمي وموضوعي، فما نراه حاليا ونحن لسنا بعيدين عن الجامعة ان المركز لا يتعدى كونه ارشيفا خاصا بالوثائق، مع العلم ان هناك مبالغ مخصصة للبحوث العلمية كان من الأفضل للقائمين على اللجنة التي تشرف على البحوث العلمية ان توازن تقييمها لكافة الدراسات المعروضة عليها للمصادقة، فإلى جانب النواحي العلمية التي لها علاقة مباشرة بالكليات العملية هناك حقل لا يقل شأنا عن الشأن العلمي، ويستطيع المختصون في العلوم الاجتماعية إجراء الدراسات الميدانية وتشخيص الواقع والتوصية بالحلول. فالدراسات الإنسانية والاجتماعية تعتبر بمثابة العمود الفقري لحركة وديمومة المجتمع المحلي. لقد حان الوقت إلى مواجهة بعضنا البعض كأكاديميين بأسلوب حضاري ينم عن وعي وإدراك للمتغيرات التي طرأت على المجتمع، وبالتالي فإن التحديات القادمة تكمن في دراسة الحراك المجتمعي على أساس من تفاعل المجتمع العماني مع تلك المتغيرات ومحاولة كشف مكامن الضعف وإيجاد الحلول لها، إضافة إلى دراسة أماكن القوة في المجتمع ومحاولة دعمها بما يخدم آلية العمل السياسي المستقبلي في البلاد.
إننا أمام مرحلة جديدة وهامة خاصة وان أفراد المجتمع باستطاعتهم الحصول على المعلومة بكل سهولة ويسر من خلال ما توفره الشبكة الدولية للمعلومات (الإنترنت) والفضائيات العربية والأجنبية، ولكن، ما هو متوفر أخطر بكثير مما يتصوره البعض منكم، فالمعلومة المتوفرة والواردة من مختلف المواقع تشكل فكرا وأيديولوجية مختلفة لم تكن يوما ضمن أجندة المواطن العماني، نظرا للواقع العماني الذي يعتمد كثيرا على التمسك بهويته كأساس في ممارسته حياته اليومية وليست كهوية معرفية يدافع عنها ويتمسك بها، وبتقاليده التي يرى فيها جيل الشباب أنها تعوق حركته نظرا لجمودها وعدم قدرتها على التجديد لمواكبة واقع العصر الجديد. هذا هو الخطر المحدق الذي يتنظرنا في المرحلة القادمة، وما أشرنا إليه لا يتعدى كونه النذر اليسير من التدافع القوي للشباب نحو وضع قبعة عصرية تبعدهم عن ثقافتهم وحضارتهم، وهاتان وللأسف الشديد تم تعليقهما في أرفف التاريخ الموثق. ما العمل إذا؟ سؤال أطرحه بصوت عال لكافة المؤسسات الرسمية والأكاديمية لعلنا نجد مخرجا يقينا عثرات المستقبل قبل فوات الأوان.
فدراسة أوضاع الطفولة في بلادنا أصبحت من الضروريات الملحة، فلا يمكن لنا ان نتجاهل الأرقام والإحصائيات التي تنشر عن واقع الطفولة في السلطنة بشكل عام، فالمسألة أعمق بكثير مما يتصوره البعض على أنه رقم وحسب ونسبته ضئيلة مقارنة بعدد السكان، وأتساءل هل ننتظر حتى تتفاقم المشكلة وتتبلور لتصبح ظاهرة مجتمعية، ومن ثم تمنح لها الموافقات لدراستها، أم نتصدى لهذه المشكلة ان لم تكن قد أصبحت ظاهرة، وإعطاء جهات الاختصاص بالاشتراك مع الباحثين الأكاديميين لتقييم حجمها، وبالتالي نكون قد تخطينا مشكلة مع أنفسنا ألا وهي التصدي للظواهر الاجتماعية في حينها بدلا من ان تتفاقم، من أجل ان تنعم عمان بمستقبل طموح لخير أبنائها؟

اما آن الاوان ان تكون لدينا مراكز دراسات وابحاث مستقلة وحريصة على دراسة واقع المجتمع العماني ومركز الدراسات العماني بجامعة السلطان قابوس بحاجة الى مراجعة شاملة لاهدافه وخططه المستقبلية لانه باستطاعته ان يكون منبرا ورائدا في اثراء الساحة المعرفية في السلطنة بدراسات متعمقة.


المصدر جريدة همان
  #67  
قديم 20/02/2004, 08:52 AM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
أحلام مستغانمي وكسر تابو الرجل
2004/02/19


د. نبيه القاسم

أعادتني المبدعة أحلام مستغانمي في لقائها في برنامج تلفزيوني استضافها اخيرا إلي ذلك اللقاء الصدفة الذي كان لي مع المؤرخ الفلسطيني ابن مدينة نابلس المرحوم إحسان النمر. فبينما كنت أقلب الكتب في إحدي مكتبات مدينة نابلس بعد احتلالها في حزيران (يونيو) 1967 وأسأل صاحب المكتبة عن ديوان لفدوي طوقان، اقترب مني عجوز نحيف البنية، وقور، طالبا التعرّف بي، وبعد التعارف السريع دعاني لزيارته. وفي طريقنا الي بيته وفي البيت اهتم أن يقنعني بأنّ فدوي طوقان لا تُبدع الشعر وإنّما تسرق قصائد أخيها المرحوم ابراهيم طوقان وتدّعيها. أنصتُ إليه ولم أناقشه لادراكي زيف قوله وجهله للشعر، واحتراما لسنوات عمره ولكونه صاحب كتاب تاريخ جبل النار .
وفي بداية عام 1989 وخلال أمسية شعرية في معرض القاهرة الدولي للكتاب كنت اجلس الي جانب الكاتب رجاء النقاش وبعض كتاب مصر من شعراء ونقاد وأدباء نستمع الي الشاعرة سعاد الصباح وهي تنشد علي المسرح أمامنا قصيدة تُهاجم بكلماتها عقلية الرجل الشرقي الذي لا يري في المرأة غير كونها لعبته الجنسية رافضا صداقتها أو التعامل معها بنديّة. وكانت سعاد الصباح وهي تقذف كلماتها المتّهمة تنظر الي جالسي الصف الأول من الكتاب والشعراء، فقلت لرجاء النقاش مازحا: إنها تخاطبك أنت ومن تتهمونها بمصداقية شعرها. وابتسم رجاء ولم يُعلّق. وفي تلك السنوات كانت سعاد الصباح تتعرّض لحملة تشهير واتّهام بأن الشاعر نزار قبّاني هو الذي يكتب لها القصائد، والبعض يقسم بأنّه رأي مسوّدات القصائد بخط يد نزار.
وتتعرض المبدعة أحلام مستغانمي في السنوات الأخيرة لهجمة محمومة تبغي التشكيك بمقدرتها الابداعية، فمنذ صدور روايتها ذاكرة الجسد عام 1993 وعلامات الاستفهام تلاحقها، مُشككة في كتابتها للرواية، فأحيانا يتّهمونها بسرقتها من الكاتب المرحوم مالك حداد الذي أهدته إيّاها في تقديمها. والبعض ينسب الرواية للشاعر العراقي سعدي يوسف، الذي كما يبدو فرح بهذه الضجة التي جعلت منه نجما فآثر الصمت واكتفي بالتلميح لخلق الهالة حوله. وهناك كرجاء النقاش من اجتهد لعقد مقارنة بين رواية ذاكرة الجسد ورواية وليمة لأعشاب البحر للكاتب حيدر حيدر، والهدف هو انكار إبداع أحلام مستغانمي للرواية.
النجاح اعتداء علي الآخرين، لأنّه يكشف فشلهم . هكذا ردّت أحلام مستغانمي علي اسئلة مقدم البرنامج الشاعر زاهي وهبي. ووصفت سعدي يوسف بالسلبية والغدر و بالمبدع الذي يقتات من المنفي ، واتهمت رجاء النقاش بعدم الموضوعية في نقده وبحثه. وقالت متحديّة: ليس ذنبي إذا نجحتُ . وأكدت أن هذه الحملة دليل نجاحها، وأن العمل الابداعي هو الذي يُحاكم النقّاد الموهومين فالشبهة مؤنّثة والخطيئة كذلك .
لقد اعتاد القارئ العربي علي أن الابداع مقتصر علي الرجل، امّا المرأة فمكانها في الابداع يتلخص في الانجاب والطبخ والكنس وبتدبير شؤون البيت. وإذا ما خرجت واحدة عن الطوق يُسارعون للتقليل من شأن ما قدّمت.
عرفنا مثل هذه النظرة الذكورية الاستعلائية قبل وزمن الخنساء، واستمرت في تهميش إبداع المرأة علي مرّ العصور. حيث يري الرجل المُبدع في إبداع المرأة محض تسليات لا تُؤخذ بالجدّ الكافي، حتي أنّ المرأة المبدعة نفسها كان يُلازمها الشعور بالوهن والخوف من تجربتها ومن عدم قدرتها علي الصمود أمام تجارب الرجال، فتنكفئ علي ذاتها وتنسحب من الساحة الأدبية كما تقول الكاتبة فاطمة المحسن.
وكما حصر النقد العربي القديم إبداع المرأة في موضوع الرثاء فقط كما عبّر عنه بروكلمان في قوله: علي أنّ إظهار الحزن لم يكن يُناسب رجال القبيلة، كما كان لائقا بنسائها وخاصة بالأخوات، ومن ثم بقي تعهد الرثاء الفني من مقاصدهن حتي عصر التسجيل التاريخي تاريخ الادب العربي 1/84 وكما اشارت إليه بنت الشاطي بأن النقاد العرب القدماء حصروا شاعرية المرأة في الرثاء فقط، متأثرين في ذلك بأوضاع مجتمعهم الذي وأد الانثي عاطفيا واجتماعيا ولم يعترف بالنساء غير راثيات الخنساء ص 59 هكذا نجد نقاد وأدباء العصر الحديث أطّروا المرأة في صورة الرجل ومثاله في الجمال، ولم يفصلوا بين المرأة والجسد، وأنّ المرأة تمثل طرفا في علاقة تقوم عل الحب والعواطف أوّلا، وحضورها لا بدّ ان يُصاحبه طقسه الخاص المتمثل بالرغبة الجنسية. كما تقول الكاتبة فاطمة المحسن.
الرجل العربي لم يعترف بقدرة المرأة علي الابداع، فبشار بن برد يقول: لم تقل امرأة شعرا إلا ظهر الضعف فيه . ومثله استخف الرجل، في عصرنا الحديث، بابداع المرأة واعتبره محض تسليات لا تُؤخَذ بالجد الكافي .
قد يعود هذا التقزيم لمكانة ودور المرأة في الابداع الادبي الي ما اتّسم به إبداعها من ضعف وركاكة لغوية. وهذا ما حاولت الكاتبة غادة السمّان أن تتحداه وتتخطّاه بقدرتها علي التلاعب بمفردات اللغة، واكسابها الدلالات العديدة، وأن تجمع في لغتها ما بين الشعر والنثر، فتأتي لغتها شاعرية هامسة مثيرة تأخذ بالقارئ وتأسره.
ورغم ان النقد ظلّ يتعامل مع أدب غادة السمّان بكونه فن التسلية والإمتاع إلاّ انّ غادة بكتاباتها الابداعية استطاعت أن تقدّم هوية لغويّة للكتابة النسائية تُضاهي بها الرجل وتزيد. ولم يستطع احد ان يتهم غادة السمّان في ابداعها أو ينقصها قدرتها أو يشكك في نسبة ما تكتب إليها.
هذا القبول لإبداع غادة السمان مع حصره في مجال محض التسلية سرعان ما انقلب الي رفض تام وعداء سافر مع أحلام مستغانمي، حيث استكثر الرجل عليها هذا الابداع المدهش الذي كسر تابو الرجل علي الابداع واللغة. وبينما استطاعت غادة السمّان في كتاباتها ان تتحدّي الرجل في تعاملها مع اللغة بجملها المصقولة ومنولوجياتها الشعرية الآسرة، وعملية التوتر والاسترخاء في اللغة مع الاثارة الأخّاذة. فانّ أحلام مستغانمي سحبت التابو علي اللغة نهائيا من الرجل، وعرّته وكشفت ضعفه امام امكانيات اللغة التي لا حدود لها. أحلام مستغانمي فجّرت مفردات اللغة وكسرت تركيبات جملها، وكتبت لغة تكاد لا تجد لها الوصف الملائم.
لغة تأخذ قارئها في رحلة خاصة لا يعرف كيف العودة منها، ولا يفكر بذلك حتي اذا ما وصل الي الكلمة الاخيرة من الرواية يُصاب بحالة من الذهول لا يخرج منها إلاّ وهو علي غير ما كان سابقا.
هذا التميز والتفوق للغة احلام مستغانمي هو الذي جعل الكثيرين من الرجال المبدعين يستنكرون اقتحامها اختصاصهم، ويرفضون التسليم بتفوقها، فراحوا يشككون بانتساب روايتها ذاكرة الجسد إليها، وكل يدّعي أو يوهم بنسبتها إليه ويجد من يساعده في إثارة الشك وإثبات تهمة التزوير. وكان جواب أحلام مستغانمي حاسما بقولها: المبدع يردّ علي كلّ فاجعة بكتاب وليس بمعارك .
وكان ردّ احلام مستغانمي الحاسم والقاطع والمسكت إصدارها لروايتيها فوضي الحواس عام 1998 و عابر سرير عام .2003 فأسكتت الألسن وكشفت العورات رغم أن الجرح الذي خلّفته تلك الاتهامات لم يندمل بعد.
أحلام مستغانمي هي المثال للمرأة المبدعة القادرة علي إثبات تفوّق المرأة علي الرجل وتعريته في حالة ضعفه واستسلامه.

كاتب من فلسطين
  #68  
قديم 21/02/2004, 10:51 AM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
ثقافة الخليج الاستهلاكية...هل تصلح لمواكبة التنمية؟
ثريا الشهري*

الثقافة بمعناها المحايد قد تكون ثقافة تدعو للتأخر مثلما قد تدعو إلى التقدم والنهضة، وبتتبع هذا المفهوم نجد أن مسيرة التاريخ الثقافي لمجتمعات الدول الخليجية قد ساهمت في خلق نوع من الثقافة الاستهلاكية المحلية كانت السبب في الإرباك الذي أحاط بحركة التنمية في هذه المجتمعات، فالوضع المعكوس الذي بدأ بالأمور من نهايتها قد أوجد معه في المقابل أولويات معكوسة، فمن بدايات النفط وتصديره، إلى التعرف على العلوم والتقنيات الحديثة، ثم الالتفات إلى الثقافة التي لم يساهم عامل الزمن القصير نسبياً في التدرج الاستيعابي الشامل بمدى أهميتها، فلا هي بتلك التي رُبطت بقوت اليوم الذي لا يأتي إلا من خلالها، ولا هي التي اتكأ عليها صعود السلم الاجتماعي، الذي أثبت الواقع أن الثراء والمنصب هما الطريقان الأسهل لمدارجه، لتبقى معه الثقافة الإنتاجية، التي تدعو إلى التفكير والإبداع وزرع روح العمل والتنظيم والاختراع، بعيدة في آفاقها عن الشخصية الاستهلاكية السائدة التي تعودت على التلقي والاستيراد من العوالم الأخرى المنتجة، مكتفية بإنتاج محلي سلحفائي الحركة بطيء الإيقاع، أو بنقل عن ثقافات أجنبية مجففة لا تتوائم وطبيعة الوراثة المجتمعية المتجذرة في قدسية الدين وهيمنة الأعراف، وبالرغم من مظاهر الوعي الخليجي بحجم هذه الإشكالية الاستهلاكية التراكمية وانعكاساتها السلبية، والتي بُذلت على إثرها المحاولات ووضعت الخطط الإنمائية للانتقال بها إلى المراحل الإنتاجية.
إلا أنه من الحري القول إن المسلكيات المؤشرة لم تصل بعد في منهجيتها أو سرعة تنفيذها إلى الدرجة الكافية التي تسمح معها بنمو ثقافة بديلة ناضجة ومتطورة، فلا زالت تلك المجتمعات تلتحف بالكثير من مظاهر الحضارة الإستهلاكية التي لا تبتعد عما تبثه الفضائيات والاستسلام لبرامجها مهما أسرفت في بلاهتها، أو ملاحقة مواسم الشراء وتخفيضاتها، أو اللهاث خلف وجبات غذائية حظيت بشهرة قلما وجدتها عند شعوبها، بل حتى خريجو الجامعات أنفسهم ترى الواحد منهم ما أن يصل إلى وظيفة أو يحترف تجارة حتى يطمئن على وضعه المحيط، فينسى تحصيله العلمي وينخرط باتجاه الحياة المادية بمغرياتها، زاعماً أن بناء الحضارة الانتاجية لمجتمعه شأن يختص به غيره، والغريب في الأمر، أن جيل ما قبل اكتشاف النفط كان حريصاً على الثقافة والتحصيل ولو على ضوء القناديل، في الوقت الذي أصبح معه اقتناء الكتب في عصر الكهرباء والرخاء مجرد زينة للتباهي، فهل صحيح أن الإنسان لا
ينشط إلا في وجود المعاناة! وهل المطلوب أن يعود الزمن بعقاربه إلى تلك الأيام بهمومها حتى يكتشف المرء كم ضيع من عمره في تحصيل ما لا يلزم!
في مطلع العصور الحديثة كان أكبر قوتين بحريتين من نصيب بريطانيا واسبانيا، فكيف وصل الحال ببريطانيا لأن تصبح الدولة العظمى في العالم آنذاك، ولا يبقى لاسبانيا غير الأدوار الثانوية لتلعبها القصة تتلخص في بعد النظر والجهد الذي بذلته بريطانيا في استثمار مادة الفحم التي حبتها الطبيعة بها، والتي عن طريقها أسست نهضتها الصناعية فاستطاعت أن تهزم أسطول أسبانيا الشهير «الارمادا» في القرن السابع عشر فتتوج على إثره سيدة البحار، ويكتفي سادة أسبانيا بكل ما يملكونه من ذهب لم يستغل إلا في سبك حدوات لحوافر جيادهم والاستمتاع والتلذذ بحياة الفراغ، لتأتي النهاية بانتصار «أصحاب الفحم» على «سادة الذهب»، فتفوز بريطانيا لأنها حققت الإنتاجية، وتسقط أسبانيا لأنها وقعت في الاستهلاكية، فيحكم التاريخ للأولى، ويعود فيحكم على الثانية. وهو ذات المبدأ الذي مشى على خطاه المهاتما غاندي، فأرصد قواه للنهوض ببلده في مكافحة الاستعمار البريطاني ومقاطعة بضائعه وفرض الحصار الاقتصادي على جميع الرساميل والاستثمارات الأجنبية، بمعادلة بسيطة تتلخص في أن لا يأكل شعبه إلا مما يزرع، ولا يلبس إلا مما يصنع، بمعنى التحول الكلي إلى الاعتماد على الطاقات والإنتاج المحلي، فيتم لمن رفض أن يكون تابعاً، أن يتحرر من عبودية المستعمر، فماذا حصل عند تطبيق ذات السياسة في مقاطعة البضائع الأمريكية التي دخلت مفرداتها منذ فترة في تفاصيل الحياة اليومية العربية؟ وإن كان الحديث هنا مقتصراً على الخليجية وحدها لتشابه الظروف البشرية والجغرافية فيما بينها.
لقد أثبت التاريخ أن على الإنسان أن يتمكن من أدواته قبل أن يعلن استغنائه عن الآخر، والمجتمع الذي لا يمهد بثقافة إنتاجية، ولا يبحث لدى غيره من الشعوب المتقدمة على وصفة نجاحهم فيقلدها حتى الاتقان والتفوق عليها، كما فعل اليابانيون عقب الحرب العالمية الثانية، فلن تجدي معه حزمة انفعالات وعواطف متمثلة في مقاطعات أو غيرها، لا تؤدي إلا لمزيد من تعميق شعور المواطن بمدى عجزه الذي وصل أن يجسده مشروب غازي لم يصمد طويلاً في مقاطعته، فالروح الإنتاجية لا بد أن تضخ في عروق الأبناء منذ صغرهم، ومن واقع مناهجهم وطرق تدريسها، ومن خلال نشاطاتهم وبعد أهدافها، فما المانع مثلاً من توجه الرحلات والزيارات التي تقوم بها المدارس إلى محطات توليد الكهرباء! أو تحلية المياه أو مصانع تكرير النفط ومشتقاته وأماكن استخراجه، التي من شأنها جميعاً أن تغرس في عقول تلك البراعم أبجديات الصناعة والإنتاج، فتكون لهم فرصة باعتبارها مناطق لا يصح دخولها إلا بإذن المسؤوليين، بخلاف الرحلات المختصة بمناطق من السهل الوصول إليها بدون إذن مسبق.
إن النفط سيبقى قدر شعوبه ليس كصناعة واقتصاد فحسب، ولكن كمصير له أبعاده الوطنية، وعليه، ينبغي أن يُدرس كعلم بذاته منذ الطفولة، حيث المرحلة التأسيسة للعلاقة العضوية والصحية بين الطفل وتاريخه!
والحقيقة أن مثقفي بلاد النفط يقع على عاتقهم جزء كبير من مسؤولية هذه الأزمة الإستهلاكية، فكم يا ترى أنتجوا لبلادهم من الأبحاث والدراسات المدركة للواقع بشكل نقدي هادف! وكم قدموا من إنتاج أدبي أو فني يدعو إلى تحفيز بذرة التساؤل والتفكير لدى المتلقي! إن الإنتاجية أن تكون مشاركاً غيرك في عمليات التبادل، إن قدم لك ابتكاراً قدمت له اختراعاً، وإن أبدع لك فناً، أبدعت له فكراً، مع مراعاة التقيد في البعد عن الطابع السلبي الذي من شأنه حماية المجتمع من مظاهر الثقافة الرخيصة، فالرواية التي تمس قضايا النفس والمجتمع لا تقارن بتلك المحرضة على الجهل المعرفي والاخلاقي، أو المحشوة بحوداث المبالغة في الضحك والتهريج البعيد عن الترفيه بمعناه الحضاري، التي لا يسفر عنها إلا ضياع الجهد والوقت، وأحياناً العقل، ونحن إذ سمعنا عن أمة سعت لتحقيق اكتفائها الذاتي، علمنا أنها قد قررت أن تزيد من قدرتها الإنتاجية والتخفيف من ترفها الإستهلاكي، ومع هذا، وكما كرر غاندي في قوله «ان الإنسان لا يملك إمكانية تحقيق الممكنات كلها»، فليس من المتوقع أن تتحرر«بالكلية» مجتمعات استهلاكية ألفت وضعاً نمطياً محصوراً إلى آخر مستقل مادياً وفكرياً، ولكن إن حدث وجاء من يريد أن يتجاوز هذا الامتداد المستهلك في قالب لا يخلو من مظاهر الاستقلال عنه، فليس أنفع لهذه الحركة الإنمائية من وعي ثقافي اجتماعي يصاحبه إيمان مواطنيه، واقتناعهم بالخطوة فيعطونها من كدهم وإخلاصهم وحماسهم، فالتقدم على صعيد الإنتاج إنما يكون هكذا ..المهم أن نبدأ!


* كاتبة سعودية
  #69  
قديم 23/02/2004, 10:41 AM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
ليست العلة في المفهوم.. ولكنها في قراءة المفهوم..!
تركي الحمد

يعيش المسلم المعاصر اليوم أزمة حضارية، بل هي أزمة معيشية يومية في كل الميادين، وتنعكس هذه الأزمة على العقل والسلوك والنفس منه، فتجعله في حالة من فقدان الوزن والتوازن بحيث لا يدري في النهاية من هو أو ماذا يريد في أحسن الأحوال، أو قد ينجرف نتيجة هذا الضياع نحو تدمير غير مفرق، كحل انتحاري أخير، نفسي أو بدني، لأزمته التي لا يجد له منها في النهاية مخرجاً. فالمسلم اليوم يعيش في عالم مختلف تمام الاختلاف عن ذاك العالم الذي يُعلم له في الكثير من المدارس ومؤسسات التنشئة على انه عالم المسلم الحقيقي، بل وعالم المثال بالنسبة للبعض، مع التركيز على مرحلة من ذلك العالم دون أخرى، أو اختزال مرحلة وتنقيتها من الشوائب العالقة على انها هي الفردوس المفقود الذي تجب اعادة بعثه أو احيائه من جديد. يخرج هذا المسلم الى العالم الحقيقي، أي العالم الذي يجب عليه ان يعيش فيه ويتحرك ويتعامل، فيجد ان كل ما فيه يتناقض مع كل ما رُبي عليه من مبادئ الهوية الصافية، وأسس الذات والذاتية النقية، فيكون الضياع، سواء من ناحية ازدواجية السلوك الشاطر للذات والمعيق لتفتحها في النهاية، كما هو حال الأكثرية، أو محاولة وضع حد لهذا العالم ان كان ذلك مستطاعاً، كشرط لعودة الفردوس المفقود، أو مغادرته الى حيث جنة لا صراع فيها ولا معاناة أو ألم، كما يعبر عن ذلك سلوك أقلية وصل لديها التوتر أقصاه، وفي ذلك راحة للنفس المأزومة والذات المتشظية.
أسباب عدة يمكن ان تفسر هذا الانشطار والتشظي في الذات المسلمة اليوم، منها ما هو اجتماعي ومنها ما هو سياسي ومنها ما هو نفسي، وكل هذه الأمور متداخلة بحيث لا يمكن معرفة أين تبدأ الحلقة وأين تنهي.
ولكن جزءاً من أسباب هذه الأزمة، ولا نقول كل الأسباب، يعود الى جذور معرفية وثقافية، قبل ان يكون ذلك في طبيعة الحياة والمجتمع. فالثقافة، بشكل عام، هي ذاك المنظار الذي من خلاله تتحدد معاني الأشياء، التي لا معنى محايداً لها من دون اطار من ثقافة معينة. والعقل المسلم، كما هو مُشكل اليوم، انما هو مقاد بمفاهيم يجد ان عليه الايمان بها، ولكنها في النهاية لا تصف له عالم الحال كما هو، ولا تلك الثقافة التي ينظر من خلالها بقية العالم ويسلك، وبالتالي لا تمنحه القدرة على التصرف السليم، أو حتى مجرد التصرف في أحوال كثيرة. مفاهيم مقدسة في أصلها وذاتها، ولكنها ليس بالضرورة ان تكون مقدسة في مقاربتها وقراءتها. ولكن المسلم البسيط لا يستطيع التفرقة بين ما هو مقدس بطبيعته وبين ما هو مقدس بالاضافة، فتختلط لديه الأمور وتضيع المعالم، ومن هنا ينشأ السلوك غير السوي، سواء بتلك الازدواجية الشاطرة للذات، أو بتلك الانتحارية القاضية على الذات.
مفاهيم تمر على المسلم كل يوم حين قراءته لقرآنه مثلاً، ومن حسن ايمان المرء الايمان بها على صفة الاطلاق، ولكن ذات هذه المفاهيم تبدو وكأنها غير مقبولة في العالم الذي يعيش فيه، ويجب عليه ان يعيش فيه، فيما هي من ضرورات مقدساته، أو انها مقبولة في عالمه الذي يعيش فيه، ولكنها تبدو مرفوضة في نصوصه المقدسة، الأصيل منها والمضاف، فتنشأ أزمة لا يستطيع لها حلاً، فيكون الشلل أو التدمير هو النتيجة في أحيان كثيرة. مفاهيم مثل الارهاب والحاكمية والأحزاب والولاء والبراء، تجد معاني مختلفة بين العالم المعيش وتلك النصوص المقدسة التي لا يستقيم الايمان الا بها، فتنشأ الأزمة حين لا يُحل التعارض، ويولد السلوك غير السوي. فهو يقرأ مثلاً: «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف اليكم وانتم لا تُظلمون» (الانفال، 60). الارهاب هنا شيء محمود، ولكنه ظاهرة محاربة في كل انحاء العالم، فكيف يفسر الأمر؟ وكيف يتحدد سلوكه في هذه الحالة؟ وذات الشيء يمكن ان يُقال عن آيات أخرى، فهو يقرأ: «يا أيها الذين أمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فانه منهم ان الله لا يهدي القوم الظالمين» (المائدة، 51). فالعلاقات الدولية بين الأمم والدول اليوم لا تقوم على أساس الدين والمعتقد، بقدر ما تقوم على المصالح ومنطق الدولة، وكذلك الأمر في العلاقة بين مواطني الدولة الواحدة، حيث المواطنة هي أساس العلاقة، فكيف يستطع العقل المسلم ان يوفق بين ما يقوله النص المقدس بعدم موالاة اليهود والنصارى والبراءة منهم، في ذات الوقت الذي يجد فيه الدولة التي يحمل جنسيتها تحاول ممارسة السياسة، في الداخل والخارج، وفقاً لمنطق الدولة ومنطق العصر، والذي يعني ان المعتقد لا دخل له في السياسة في مثل هذا العالم الذي نعيش فيه؟ وذات الشيء ينطبق على مفاهيم تبدو متناقضة في معناها المقدس مع المعاني الحديثة لها، مثل قضية الأحزاب والحاكمية ونحوها.
المشكلة هنا هي مشكلة قراءة ومقاربة، أكثر منها قضية تناقض نص وواقع. فهل المقاربة المتبناة مقاربة معرفية، أم انها مقاربة ايديولوجية؟ بحث عن المعرفة، أم بحث عن التبربر؟ هنا يكمن مربط الأزمة معرفياً، وهنا تكمن معضلة العقل المسلم في تعامله مع عالم اليوم. فعندما يكون المدخل لفهم النص معرفياً خالصاً، كما كان نهج كبار الفقهاء في تاريخنا، فان مثل هذا النص يؤخذ مرتبطاً بما قبله وما بعده من ناحية، وفي اطار النصوص المقدسة الأخرى التي يحتويها المرجع المعتمد.
ومن ناحية أخرى، فان المقاربة المعرفية الخالصة تعني محاولة استنطاق النص بشكل كامل، بمعنى معرفة أسباب النزول التاريخية، والمعنى الذي كان يُفهم من كلمة الارهاب مثلاً، وكيفية الممارسة في ظل هذا المفهوم، وعدم فصل المفهوم عن ظروفه المحيطة، بل وحتى استخدام اكتشافات العلوم الاجتماعية الحديثة لمثل هذا الاستنطاق، وهكذا.
وفق مثل هذه المقاربة، يتبين مثلاً ان الارهاب المذكور في النص المقدس يعني الى حد كبير ما يُسمى اليوم في عالم السياسة بـ«الردع»، كما كان الحال بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي حين كان «الردع» يعني نوعاً من توازن القوى المانع لبدء أحدهما بالحرب، ولا يعني المبادرة بالحرب. أما الارهاب في المعنى الحالي فهو شيء مختلف عن الردع، وبالتالي فان التشابه في الكلمات لا يعني توحد المعنى، ربما كان كل هذا الخلط الخطأ ناتجاً عن الترجمة مثلاً، ولو ان كلمة TERRORISM ترجمت مثلاً الى كلمة غير ارهاب، كالارعاب مثلاً، لربما ما كان مثل هذا الخلط ليحدث، ولكن مثل هذا القول فيه تبسيط للأمور أكثر مما يجب، اذ ان المسألة أبعد غوراً من ذلك بكثير.
ذات الشيء يمكن ان يُقال عن مفاهيم الحاكمية والأحزاب والولاء والبراء وغيرها من مفاهيم مختلطة في الذهن المسلم. فالحاكمية مثلاً جاءت من حكم وحكومة، وهي تعني في معناها العربي والقرآني القضاء، وليس الحكم بالمعنى السياسي المعاصر، المستمد من التجربة الغربية أساساً. حين تختلط المفاهيم، فتصبح الحاكمية التي يتحدث عنها القرآن الكريم هي ذات الحاكمية والحكم في المفهوم المعاصر، هنا يتشتت الذهن وينشطر. والأحزاب لم تُذكر في القرآن الا بمعنى الفرقة والتشتت والعصبية، أو في مجال المقارنة بين الخير والشر (حزب الله في مقابل حزب الشيطان)، ولكنها في الأدبيات السياسية المعاصرة لا تعني ذات الشيء. ونفس الشيء حين الحديث عن الدولة، والمعنى المختلف الذي يورده القرآن الكريم ومورس في تاريخنا، مقارنة بالمعنى السياسي المعاصر.
حين تختلط مثل هذه المفاهيم، وتتداخل المعاني المتناقضة، يكون انشطار العقل، ومن ثم تشظي الذات، وبالتالي شلل الحركة، سواء في عدم القدرة على الحركة ابتداء، أو في حركة هي الى تدمير الذات أقرب. جزء كبير من الخلل يكمن في القراءة ومقاربة النص، كما ذكر سابقاً. والعلة لا تكمن في تعدد القراءات، اذا كان المنطلق معرفياً صرفاً، ولكنه يكمن في طبيعة القراءة الايديولوجية، مهما تعددت هذه القراءات والمقاربات.
فالقراءة الايديولوجية قراءة ذات غرض، بمعنى انها تبحث عن التبرير لهدف محدد من الأساس، وذلك من خلال توظيف النص، أو جزء منه لهذا الهدف، وليس الهدف هو استنطاق النص بشكل معرفي. فالذين يستخدمون مفهوم الولاء والبراء لأغراض سياسية معينة مثلاً، ويقسمون العالم الى فسطاطي كفر وايمان، لا يهمهم ان تكون آية عدم موالاة اليهود والنصارى السابقة قد نزلت في عبادة بن الصامت، فالغرض ليس هو ذات المعرفة المتكاملة، بقدر ما انه بناء ايديولوجيا تخدم الهدف في النهاية.
وذات الشيء يمكن ان يُقال عن قول الحق: «ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الكافرون» (المائدة، 44)، والتي أقام منها الخوارج والمودودي وسيد قطب ومن سار على نهجهم، ايديولوجيا كاملة فيها تكفير للمؤسسات والأفراد، وتجهيل للمجتمعات، رغم ان الآية نزلت في عدم تحكيم اليهود لتوراتهم في قضية زنى معينة ومحددة، ولا علاقة لها بانظمة الحكم السياسية، ولكن الغرض الايديولوجي هو الغالب في هذه الحالة. مشكلة المسلم المعاصر تكمن هنا في المقام الأول، أي في تقديم القراءة الايديولوجية على انها قراءة معرفية، وبالتالي تختلط المقاصد العامة للدين بالأغراض الخاصة للايديولوجيا، وتكون الضحية ذات المسلم الذي يفقد بوصلة السلوك المناسبة، فلا هو الذي عاش دنياه من دون أزمات، ولا هو الذي عبد ربه من دون توترات.
أما لماذا ينحو الأفراد والجماعات الى القراءة الايديولوجية للنص المقدس، وغير المقدس، على اختلاف هذه القراءات، فتلك مسألة أخرى ولها نقاش آخر.







المصدر جريدة الشرق الاوسط
  #70  
قديم 26/02/2004, 04:36 PM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
البكاء امام جثة التراث بين العلمانية وبعبع الديمقراطية
2004/02/13

عبد العزيز بن محمد الخاطر


عبر التجربة التاريخية التي انتجت ما يسمي بالديمقراطية ثمة ارتباط بين هذا المفهوم ومفهوم اخر هو العلمانية او علي الاقل احد مضامينها او تفسيراتها. والملاحظ اليوم ان محاولات اقلمة هذا المفهوم وهو الديمقراطية عربيا واسلاميا باءت بالفشل او في طريقها الي ذلك، الامر الذي ادي ويؤدي الي ازدياد تناول واستخدام المفهوم الثاني وهو العلمانية كشرط لابد منه لتمكين المفهوم الاول وهو الديمقراطية من الاستيطان في البيئة العربية والاسلامية. لعل احد تفسيرات العلمانية هو ما يلزم لقيام الديمقراطية وهو المتضمن حيادية الدولة امام الاديان في المجتمع. لان التفسيرات الاخري التي تصفها بمعاداة الدين او توصمها بالالحاد لا يمكن بحال من الاحوال استيعابها ضمنيا داخل مجتمعات هي متدينة بالفطرة كما ان التفسير القائل بحيادية الدولة امام الاديان يعني من ناحية اخري قيام المواطنة الحقة لافراد المجتمع دون تمييز. حتي مع هذا التفسير المتعلق بمفهوم العلمانية تبرز تحديات لا يمكن معها وبسهولة استيعابه في عالمنا العربي والاسلامي اول هذه التحديات هي مع الاكثرية ذات الدين الواحد وهو الاسلام في عالمنا العربي والاسلامي حول الصياغة الدستورية لمحتوي حيادية الدولة والتحدي الاخر هو مع النخب الحاكمة التي لن تقبل مبدأ المواطنة الحقة بين جميع افراد المجتمع وان صرحت بذلك علنا الا انها تعني في الاساس ما دونها كطبقة متعالية لا يمكن المساس بها فهي فوقية ذات ارث تاريخي الهي مكتسب. من هنا تأتي صعوبة التأصيل لمفهوم الديمقراطية في عالمنا العربي والاسلامي رغم ما قيل وما يقال وما يكتب ليلا ونهارا عنه. ما يخيف الغرب اليوم ليس هو غياب الديمقراطية حيث يمكن اعتبار ذلك مدخلا لكثير من التدخلات وفرض الحلول وتغيير الديمغرافيا والجغرافيا في هذه المنطقة او تلك من هذا العالم العربي الاسلامي، ولكن الذي يخيفه فعلا هو تطبيق الديمقراطية الاجرائية دون وجود او تطبيق لقيمها ومبادئها التي قامت عليها هذه الاجراءات، فما الذي يمكن ان يحمله تطبيق الديمقراطية الاجرائية من انتخابات وصناديق اقتراع في ظل الفشل التنموي في هذا العالم؟ ولعل ما حصل في الجزائر في اول التسعينيات يعتبر مثالا واضحا لما سيكون عليه الامر في حالة عدم توافق اساسي اولي بين مفهوم العلمانية والديمقراطية كما فهمها وطبقها الغرب. سيكون الاكتساح كبيرا للقوي الاسلامية وللمد الاسلامي الجارف بعد فشل المشاريع السياسية الاخري. والغرب علي ادراك كامل بهذا، لذلك يشرع اليوم لتوطين مفهوم او مصطلح الديمقراطية من خلال ربطه بمفهوم العلمانية الملازم له والضروري لانباته صحيا طبقا للمواصفات الغربية التاريخية. في ظل هذا الوضع يجد العالم العربي والاسلامي نفسه عاجزا عن ايجاد البديل الخاص به بالرغم من طرح مفهوم الشوري الا انه لم يتفق علي آلية واضحة عصرية تأخذ بامتزاج الثقافات المعاصرة بشكل لم يسبق له مثيل في التاريخ بعد سقوط الاسوار وتحطم الجدران وتآكل الحدود. فالامة اليوم بين خيارات محدودة فقط اما الاخذ بالديمقراطية الغربية ممزوجة بشكل من اشكال العلمانية الذي ينص علي حيادية الدولة وقيام المواطنة الحقة لجميع افراد المجتمع او ايجاد البديل الحضاري الاسلامي الذي يتفق ومتطلبات العصر فعليا ويسمح بالتعدد والتجدد وقابلية الانسياب مع حركة التاريخ.
فزرع التربة الديمقراطية في هذه المنطقة يتطلب اقامة وعاء ثقافي وفكري جديد هو بالضرورة ذو علاقة بفكرة العلمانية من حيث هي حالة من التسامح والمساواة بين افراد المجتمع وبين ما يعتنقونه من عقائد واديان وليس ادل علي ذلك من مراجعة المناهج التعليمية لان الغرب يعلم انه بدون ذلك وبالاكتفاء باجراءات الديمقراطية فقط سيعيد انتاج كتل تتصادم معه منتخبة ديمقراطيا فأزمته هناك ستكون اعم واشمل. اما من جانبنا فالاكثار من الحديث عن الديمقراطية وكأنها طوق النجاة دونما التنبه والوعي باساسها التي تقوم وترتكز عليه وهو العلمانية من حيث هي ـ مفهوم عريض ومتشعب يمكن التعامل معه بلطف او بحدية ـ ولكن لا بديل عن وجوده بشكل او بآخر، فذلك يدل علي عدم فهم تاريخي لنشأة هذا المفهوم.
ومن المعروف ان صور الديمقراطية في العالم الراهن تختلف من مجتمع الي آخر ولكنها جميعا تتفق علي اساسها العلماني. ان عدم ايجاد صورة عصرية لمصطلح الشوري وتطويره بشكل يستوعب مفاهيم العصر من مواطنة ومساواة جعل الامة في وضع لا تحسد عليه بين الاستيراد الناقص لمستلزمات العصر الفكرية بعد ان اوغلت في استيرادها لمستلزماته ماديا وبين ضياع تراث كان الممكن ان يغنيها لو احسنت استغلاله بدلا من الاقتتال حوله وهو جثة هامدة.


ہ كاتب من قطر

القدس العربى
8
  #71  
قديم 26/02/2004, 10:14 PM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
ساحرةُ مسفاة العَبريين







في الطريق من مسقط الى "نزوى" و"بهلا" و"مسفاة العبريين"، تلك القرية الخلابة بتدليها العنقودي المنحوت من ظلال الجبل الاخضر، رأيتُ ـ فيما يرى النائم ـ أيام "إمامة عُمان" في -الداخل- و"سلطنة مسقط وعُمان" في -الساحل-.
فيما يرى النائم، تراءت لي تلك الرحلة الصعبة للعمانيين بين -ساحلٍ وداخل- بآلامها وذكرياتها في لُموع سفوح الجبل الأخضر المائلة كشاشةٍ متحركة بالبطولات والهزائم التي مالت أقدار أبطالها دونما حتى ذكرى.
تلك الرحلة التي، عادةً، ما يصفها العائد من "البندر" آنذاك بجملةٍ لها دلالتها: "بكره رايحين عمان" ـ كما لو كان عائداً إلى المكسيك، لوعورة الطريق وصعوبة الرحلة التي تتطلب مهارةً وتوقيتاً جيداً وركوبةً قويةً وأدلاء يعرفون مراوغة بنادق "الصمعا" و"العماني" في أبراج الجبال.

***
حديثي ليس عن تلك الحقبة الخمسينية والستينية. ليس عن الحمير وقوافل الجمال، ولا عن شاحنات "البيد فورد" التي يتكدس على ظهورها من حظي "بإباحة مرور" للسفر إلى »مصادر الرزق« أو لزيارة الدكتور طومس في مستشفى "مطرح"، ولا عن تلك الأبراج العالية التي تغتال بنادقها الخصوم في قيعان الوديان، ولا عن تحالفات »المع ـ والضد« بين إمامةٍ وسلطنة.
ليس عن تلك الأيام حديثي. سأكون خفيفاً اكثر من أعناق الكلمات التي تشرأب من الحلق، خفيفاً وساحراً كحكايةٍ سمعتها تحت أذان المسجد المعلق فوق الممرات الظليلة لـ"المسفاة" حيث يتناهى خرير الوضوء بين الجدران الطينية المرصوصة على حجارة ضخمة يكاد المار أسفلها يظن أنها ساقطة عليه لا محالة، كما هي النخلات المائلة بدلال ضفائرها التي تحد من قسوة الصخر، كما تُضخّم هدير الماء في الوادي الجاري بعيداً في الهاوية، وبالصوت الأرق لمجرى "الفلج" الهابط من "العالي" بحركة لولبية تجعله يمرّ أسفل المسجد المعلق ليشرب الشارب ويتوضأ المتوضىء في جنة معلقة، كأنما بضربةٍ موسيقية ترددها طيور الوادي وماعزه وطُهرُه وصدى ثعالبه في الكهوف.
خفيفاً سأكون، لأروي حكايةً سمعتها هناك تحت خرير الوضوء من مُسنّ استدرجه اهتمامي بالمسفاة وحكاياتها القديمة.
يقول، أو تقول الحكاية: أن ساحراً مشهوراً من بهلا -الشهيرة بالسحر- أراد ان يباهي، بقوة سحره، ساحراً آخر من المسفاة التي وصلها على متن ديكٍ مُحمّلٍ بكيسين كبيرين من التمر، هديةً منهُ لساحر المسفاة. طرق باب صديقه وخصمه فلم يجده في البيت. ردّت عليه صبية في الخامسة عشرة قائلةً: أبي غير موجود، فقد سافر إلى البندر. ردّ عليها، وهو ممتط ديكهُ المثقل بكيسي التمر: "قولي لهُ، عندما يعود، أن فلان الفلاني من بهلا زاره للتسليم عليه، وهذان كيسان من خيرة تمر بهلا هدية له". ردت عليه الصبية: "هل لك، ياعم، أن تنتظر قليلا". خرجت من درفة الباب واقتادته الى مكان قريب من الوادي حيث مدّت أمام ناظريه شعرةً من خصلاتها بين نخلتين يفصل بينهما الوادي. كانت الشعرة أطول من توقع الساحر، لكن ما لم يخطر على باله -وهو الساحر!- أنها أمرت ثوراً يحرث في الجوار أن يعبر الوادي على متن تلك الشعرة. فعل الثور ذلك قاطعاً الفراغ بثقله دون ان يسقط من على تلك الشعرة، مستمراً في حرث حقل الضفة الاخرى، غافلاً عن انتقاله الفيزيقي الميتافيزيقي من حقل صاحبه إلى حقل آخر.
عندها، ودون أن ينبس ببنت شفة، قفل ساحر بهلا عائداً بعد أن فاقته الصبيةُ سحرا.

***
لستُ بحاجة لذكر شيوع السحر في عُمان، واشتهارها به بصرةً وكويتاً ودوحةً وزنجبارا. فهو سحر قديم ترعرعت أخباره فذاع وشاع. كما أنه سحرٌ ينقسم في الذاكرة الفقهية ـ الشعبية إلى مدرستين: "العُلاّم والظُلاّم". فقد اشتهر الشيخ العلامة جاعد بن خميس بقدراته الصوفية، وينسب اليه البعض قدرته أن يرسم خطاً على الأرض من يتخطاه يجد نفسه في زنجبار -ويا لها من وسيلة نقل مريحة جداً-، وهذا نموذج لسحر "العلام". أما سحر الظلاّم فأمثلته أكثر شيوعا.
وكما هو الحال في المغرب، مثلاً، بالنسبة لكثير من الأوروبيين والمغاربة الذين يدرسون تلك الظاهرة أنثروبولوجياً، أو الذين يستسلمون "لسحرها"، كما هو حال بعض الفرنسيين المقيمين في المغرب، وحتى الشباب الهيبيين في ساحة جامع الفنا بمراكش، نجد أن الكثيرين من الخليجيين يأتون خصيصاً إلى عُمان للتداوي بالسحر. مدفوعين بالاسطورة البهلانية القديمة لمعالجة أمراض لم تفلح فيها مصحات لندن وسويسرا. وعدا الزيارات السرية لسحرة معدودين متخصصين في مجالات سحرية لا نعرفها، تقام حفلات الزار في أماكن كثيرة، منها منطقة في رمال وهيبة اشتهرت بوجود مخيم صحراوي يحج إليه الموسرون من قطر والسعودية والكويت ينذرون النذور ويقيمون حفلات الزار لاخراج "شيطان ظالم" بقوة "شيطان خيّر".
ويذكر أبناء جيلي في طفولاتهم تحذير الأهل من السحرة و"المغايبة" -وهم الموتى المسحورون الذين يأتون في الليل لزيارة منازل ذويهم-. وكثيراً ما يقال عن فلان أنه لم يمت، وأنه حي يرزق في كهوف الجبال على هيئة "مُغّيب"، بل كثيراً ما يكون الساحر شخصاً معروفاً وذا اعتبار في القرية، لكن لا أحد يجرؤ على ذكر ذلك أمامه. وكثيراً ما وصف لنا سقاة الفلج الليليون مصادفتهم لفلان الفلاني الذي دفناه قبل اسبوعين. وعندما كنا، نحن الاطفال، نسأل عن جثة الميت يقال لنا: ذاك جذع نخلة، أما الميت فلم يمت، إنه الآن "مغّيب". وكم أثارت مخيلتي مفردة المغّيب تلك، فهي تعني أن المتوفى ليس حياً ولا ميتاً، وأن هناك أملا في استعادته ذات يوم.
أذكر، حدث هذا معي عندما توفي عزيز علي وأشيع أنه مغيب. وكم تمنيتُ أثناء عودتي من المسجد بعد صلاة العشاء أن ألتقي به "مغيبا" في ظلمة النخيل، وأشكو له افتقادي له. بل كم تماديتُ في أخيلتي تلك لأسألهُ عما حدث له بالضبط؟.. وهل صحيح أن ما رأيته قبل الدفن لم يكن هو، وإنما جذع نخلة؟.. وهل دخل القبر وأخرجه الساحر منه، أم أن الساحر فرّ به مباشرة بعد موته إلى الكهف؟ وهل المغيبون الآخرون ودودون معه؟.. وأحياناً أطيل الجلوس في الظلمة لأجد التأنيب على تأخري منتظراً في البيت، مفكراً في طريقة أخفي بها صديقي عن أعين الساحر، وأعيده، بمعجزتي، إلى الحياة. متخيلاً فرح الأهل بعودته حياً يرزق. ثم لا ألبث وأتراجع عن تلك الفكرة خوفاً من أن يعرف الساحر بخططي، ويحيلني إلى مغيّب أنا الآخر. لا سيما وأنني أعرفه شخصياً، ويصلي معنا في ذات المسجد. وكم كان فرحي كبيراً، بعد سنوات، عندما مات ذلك الساحر "الظالم".

***
أحببتُ تلك المفردة وما زلت أحبها حتى اليوم، ربما بوازع شعري يحاولُ ربطها بظلال المجاز وأقمار الأسطورة.




المقال للشاعر والكاتب مخمد الخارثى
المصدر موقع محمد الخارثى
  #72  
قديم 27/02/2004, 12:56 PM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Thumbs up

مواقع أخرىقناة المستقلة وتراث ابن تيمية


الخميس 26 فبراير 2004 06:38


خالد الغنامي






تابعت باهتمام كبير ما بثته قناة المستقلة خلال 12 حلقة حول تراث الإمام ابن تيمية رحمه الله. فلنغض النظر عن لغة الحوار التي استخدمها المشايخ وعن الطريقة التي أدار بها السيد الحامدي الهاشمي تلك الحلقات، فقد بقي المتحاوران يكيلان الشتم لبعضهما طوال تلك الأيام برغم أنهما بقيا محافظين على رغبة الهاشمي الحامدي بأن لا يقولا أي كلمة مناهضة للسامية من سب أو انتقاد لليهود. لكني سررت أن وضع كل هذا التراث المهم على الطاولة حتى يجبر الناس على الحديث عنه كما كنت أتمنى. ههنا بعض الملاحظات التي دونتها و أنا أتابع هذه الحلقات، لعلها أن تجمع شتات ذهن من تابع هذه الحلقات و تزيد الأمر وضوحاً لآخرين.


1- نقول صحيحة:
كل ما نقله المتحاوران عن الإمام ابن تيمية برغم تناقضه الظاهر صحيح. هذه مشكلة ما زلت ألاحظها خلال عشر سنوات من الاهتمام المكثف بتراث الشيخ ابن تيمية . تجد أنه يقول الشيء ونقيضه. لعل السبب هو أن ابن تيمية مثل أي عظيم مر في حياته بكثير من التنقلات الفكرية والروحية التي ما زال بعض أتباع مدرسته ينفونها ويريدون أن يقولوا أنه كان كتلة واحدة من البداية لم يطرأ عليها أي تغيير، الأمر الذي لا يمكن أن يكون صحيحاً.لا يمكن أن يبقى العظيم بلا تطور. ابن تيمية مر في حياته بمراحل مهمة، فقد كان في البداية فقيهاً حنبلياً تقليدياً، يظهر هذا جلياً لمن قرأ كتابه " شرح عمدة الفقه"، ثم تأثر على مر العقود الطويلة باطلاعه على آثار علماء الكلام خصوصاً الغزالي والفلاسفة خصوصاً ابن رشد، وهذا التأثر جعله يغير رأيه في كثير من القضايا، وهذا أمر طبعي لا عيب فيه، لكن ينبغي أن نتذكر دائما هذا التقسيم المرحلي و نحن نقرأ.


2- تكفير ابن تيمية:
يقول الأشاعرة، الخصوم التقليديون لابن تيمية، أن الله ليس بسبب البرية اكتسب اسم الباري ولا بسبب الخليقة اكتسب اسم الخالق، فهم يرفضون مبدأ السببية أصلاً. فخالفهم ابن تيمية و قال: لا يمكن أن يكون الله معطلا عن الخلق في أي زمن من الأزمان. فهو ما زال يخلق متى شاء ويفني متى شاء.ولم يكن هناك أبداً فترة معطلة عن الخلق. لذا قال خصومه من الأشاعرة أنه وافق الفلاسفة في قولهم بقدم العالم الذي يؤدي لتسلسل الحوادث، أي القول بأن هناك حوادث لا أول لها، و كفروه لأنهم يكفرون الفلاسفة، وقالوا أن الفترة العدمية التي قبل الخلق تدخل في مثل قوله تعالى عن نفسه ( سريع العقاب ) برغم أن العقاب في الآخرة.
في رأيي أن كل واحد من هذين القولين الميتافيزيقيين لا يملك الحجة القاهرة التي تتغلب على الآخر برغم ميلي لقول ابن تيمية هنا، و التكفير خطأ محض وهو يندرج في ظاهرة التكفير و التكفير المضاد على طريقة الفقيه الشافعي أبي إسحاق الاسفراييني الذي قال " أكفر من كفرني ". إذن فهذا التكفير هو عبارة عن ردة فعل و ردة فعل مضادة.




3- نحن والتراث:
مشكلتنا مع تراث ابن تيمية هي مشكلتنا مع التراث كله، فالمسلم المعاصر يجد نفسه محاصراً بين نوعين من الغزو، غزو الثقافة الغربية التي تقود ركب الحضارة الآن ولن ترحمه إن تخلف عنها، وغزو من الماضي يريد منا دعاته أن نبقى في مضماره، ليس فقط فيما يتعلق بالعقيدة الإسلامية السهلة التي كان البدوي يتعلمها في ساعة، بل يريد أن تكون السلفية منهج حياة كامل بحيث لا تحك أذنك إلا بأثر كما قال سفيان الثوري، وهذا معناه " العيش في عزلة شعورية في زمن العولمة".




4- ابن تيمية هو السلفية:
أعتقد أن السلفية هي الحنبلية، وأحمد بن حنبل قام مذهبه على القرآن والحديث. والحديث هو الغالب على مذهبه، ثم فتاوى الصحابة إما القياس فبالرغم من أن ابن القيم قال في" إعلام الموقعين" أن أحمد يعتمد القياس إلا أنني لم أر هذا بعد قراءتي لمسائله مراراً و تكراراً، وكذا كتب المذهب ككتب ابن قدامة " الكافي" و"المغني" وغيرها، وابن تيمية الحنبلي هو الحنبلية في صورتها الأخيرة.
أما بقية المذاهب السنية فلم تكن على هذا، فالإمام مالك بن أنس كانت سلفيته مقيدة بأهل المدينة ولم ينقل في كتابه أي شيء عن الصحابة الذي خرجوا منها كابن مسعود وغيره، و لقد عاتب فقيه مصر الليث بن سعد عتاباً شديداً لمجرد مخا لفته لسلفية أهل المدينة، بل إنه كان يرفض الأحاديث صحيحة الإسناد التي كانت تخالف ما عليه أهل المدينة ومن ذلك أحاديث موجودة في صحيح مسلم كحديث فضل صيام ست من شوال.
أما أبو حنيفة والشافعي فكان لهما مدرستان عقليتان تقومان على القياس. فأبو حنيفة السني لا يقبل إلا الحديث المتواتر الذي لا يرى فيه معارضة للقرآن، ومسنده لا يوجد فيه سوى 17 حديثا، ً ليس زهداً في الحديث، ولكن لعدم اعتقاده صحة كثير منها. والشافعي كان بعد ذلك يقيس ويعمل عقله ولا يرى قول الصحابي حجة كما يبين ذلك الآمدي وغيره. أما الصحابة رضي الله عنهم فلم يكونوا يعرفون الحديث عن قدم العالم وتسلسل الحوادث والكلام في كون الله في داخل العالم أم في خارجه. ولقد جلد عمر بن الخطاب صبيغ بن عسل لما سأل عن بعض متشابه القرآن الكريم. يقال إنه سأل عن معنى: ( والنازعات غرقا ).
ماذا سيحل بمن سيقرأ على عمر رضي الله عنه جوهرة التوحيد الأشعرية أو الرسالة التدمرية لابن تيمية خصوصاً القاعدة السابعة منها والتي تقوم بكاملها على علم المنطق الأرسطي، أو" درء التعارض بين العقل والنقل" أو " نقض تأسيس الجهمية ".؟ مجرد تساؤل بريء.
إن الناظر في الرسائل الجامعية السلفية يجد أنها تعتمد اعتماداً كاملاً على ما كتب ابن تيمية عندما يتعلق الأمر بالعقيدة. فعندما تبحث القضاء والقدر ترجع للمجلد الثامن من الفتاوى والمجلد الرابع من منهاج السنة ولكتاب ابن القيم شفاء العليل. وهكذا فالسلفيون قد جعلوا الإمام ابن تيمية رحمه الله وسيطاً بينهم وبين القرآن والسنة. والفهم السلفي للنصوص هو في حقيقته هو فهم ابن تيمية أما الصحابة رضي الله عنهم فلم يكونوا يخوضون في مثل هذا أبداً. بل أخذوا الدين ببساطة دون نقاش في معنى صفات الله، كما هو حال أكثر المسلمين اليوم.




5- التقريب بين المذاهب:
كان للنقاش فائدة كبيرة جداً، ألا و هي أنها جعلت الناس يتصورون أسباب اختلافهم، و أن المقصود كان من البداية هو الوصول للحقيقة الدينية، فالسلفي حظي بفرصة لتصور الدواعي التي جعلت نفاة الصفات يحملون الآيات الكريمة على غير ظاهرها و يقولون أن المعان المتبادرة للذهن من تلك الآيات غير مقصودة وإنما هي مجاز لتقريب الصورة للأذهان.




6- تمنيت لو أن المتحاورين تحدثا عن منهج ابن تيمية في مسائل التكفير و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر. فنحن و الإرهابيون ما زلنا نتقاتل على أطراف ابن تيمية. فمشايخنا يحتجون بنصوص السمع والطاعة وهم صادقون في نقلهم، وهي موجودة في كتبه.والإرهابيون يحتجون في رسائلهم المبثوثة في ساحات الإنترنت بكلام له مثل قوله في الفتاوي ( 34 – 176 ): "وكذلك الأمير إذا كان مضيعاً للحدود أو عاجزاً عنها لم يجب تفويضها إليه مع إمكان إقامتها بدونه".
وفي نص آخر في نفس الصفحة يقول: " وكذلك لو فرض عجز بعض الأمراء عن إقامة الحدود و الحقوق أو إضاعته لذلك لكان ذلك الفرض للقادر عليه".
وكذا تمنيت لو أنهم تحدثوا عن تكفيره للرازي بسبب تأليف الأخير لكتاب في علم الاسترولوجي اسمه " السر المكتوم في مخاطبة النجوم" برغم أن ابن تيمية نقل في كتابه الصفدية ( 2 –66) عن الرازي أنه قال: "هذا ملخص ما وصل إلينا من علم الطلسمات و السحريات والعزائم ودعوة الكواكب مع التبري عن كل ما يخالف الدين ويثلم اليقين".
كيف كفّر الإمام ابن تيمية الإمام الرازي والحال هذه، وهو الذي علمنا أن ناقل الكفر ليس بكافر؟ هل منهجه في التكفير الذي يعتمده السلفيون بكل أطيافهم، متناقض؟



7- خطأ منهجي:
من أكبر الأخطاء المنهجية التي يقع فيها الباحثون في الديانات، عندما ينقلون كلام طائفة من كتب خصومهم بدلاً من الرجوع لأمهات الكتب المعتمدة في المذهب نفسه. ولذلك سمعت كثيراً من الأخطاء نسبت لفرقة المعتزلة الذين لم يحضر من يدافع عنهم، مثل قول أحد المتحاورين أن المعتزلة يقولون أن القرآن ليس بكلام الله. و الصحيح أن المعتزلة مجمعون على أن القرآن كلام الله مخلوق.



8- التعايش بدلاً من محاولة الهداية:
منذ أكثر من ألف سنة وهذا الجدل الذي دار في قناة المستقلة يدور بين الفرق الإسلامية ولم ولن ينتهي، ويندر أن يرجع أحد عن مذهبه، وقد رأيت بنفسي من إذا وقع عقد عمل للتدريس في جامعة ما، تظاهر بتبنيه لمذهب تلك الجامعة، فإذا عاد لبلده عاد لإظهار مذهبه الحقيقي. لا فائدة ترجى حقيقة من محاولة الهداية هذه، فالناس على دين مشايخهم و المشايخ لن يغيروا مذهبهم مهما كان لاعتبارات كثيرة، ولذا فالحل الوحيد هو توحيد الجهد على قضية قبول الآخر كما هو، بدلاً من الجدل البيزنطي الذي لا يتناسب إطلاقاً مع روح العصر الحديث.

المصدر موقع ايلاف
  #73  
قديم 06/03/2004, 01:17 PM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
العراق واشكالية الديون
أمركة الثقافة الاسلامية
عراق ما بعد صدام








المحتوى العربي على الإنترنت .. بين الواقع والمأمول
محيط : جورج صبري· ليس ثمة شك أن شبكة الإنترنت تعد الوسيلة الرئيسة التي تتيح نقل المعلومات وتبادلها بين الدول ، وهذا يتطلب بطبيعة الحال وجود تسهيلات عملية وقانونية تتيح لمختلف قطاعات مجتمع بعينه استخدامها بسهولة ويسر ، وغير ذلك يعني تخلف ذلك المجتمع عن متطلبات العصر ، وزيادة الفجوة المعلوماتية التي تفصل بينه وبين المجتمعات المتقدمة التي قطعت شوطاً بعيداً في تدفق المعلومات منها وإليها .




وإذا كان العالم العربي قد عانى وما زال يعاني الكثير بسبب الفجوة التكنولوجية والعلمية والصناعية التي تفصل بينه وبين الدول المتقدمة ، وإذا كان تضييق تلك الفجوة هو السبيل الوحيد لتقدم العالم العربي ونموه ، فإن السبيل الأكثر تفعيلاً لهذا الهدف ، هو اللحاق بركب الطفرة المعلوماتية التي تجتاح العالم ، والتي بدون استيعابها وتمثلها واستثمارها في مختلف مجالات الحياة ، لن يستطيع العالم العربي أن يلحق بركب الدول المتقدمة ، بل إن الفجوة بينه وبين تلك الدول سوف تزداد اتساعاً بمعدلات سريعة تجعل من الصعب إن لم يكن من المستحيل على العرب أن يفعلوا شيئاً حيالها . ماذا نعني بمجتمع المعلومات ؟ مصطلح "مجتمع المعلومات" الذي يتداوله الخبراء بكثرة هذه الأيام ، يطلق على المجتمع الذي بات فيه إنتاج المعلومات والمشاركة في تداولها وتبادلها وإدارتها ، من أبرز النشاطات الثقافية والاقتصادية . وبخلاف المجتمعات الزراعية أو الصناعية ، فان مجتمع المعلومات يعتمد أساسا على استعمال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ، باعتبارها أدوات رئيسة تتدخل في إعادة تشكيل سلوك الناس وطرق معيشتهم وتفاعلهم مع بعضهم البعض ووسائل اللهو والترويح لديهم ، وطرق تعلمهم وتعليم أولادهم ، وكيفية إنجازهم لأعمالهم وعنايتهـم بصحتهم .ويجتاز مجتمع المعلومات الحدود التقليدية من خلال توظيف تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ، باعتبارها وسيطاً مسرّعاً ومعزّزاً للتغيير في كل جوانب المجتمع الاجتماعية والتجارية والاقتصادية والطبية والسياسية والتعليمية والثقافية ، كما يتيح للبنى التنظيمية التقليدية الإلكترونية أن تتطور وتصبح اكثر مرونة وتضافراً واقل مركزية ، الأمر الذي يساعد على الانتقال إلى الاقتصاد المبني على أساس المعرفة .



الإنترنت وحلم التطوير المستمر
الوضع الكمي للمحتوى العربي على الإنترنت بدايةً لا بد من التذكير بأن كلمة المحتوى العربي على الإنترنت ، تعني كل ما هو نتاج أشخاص وهيئات ومؤسسات عربية ، بغض النظر عما إذا كان ذلك النتاج مصاغ باللغة العربية أم لا . ولكن إذا نظرنا إلى المحتوى العربي الموجود باللغة العربية الآن ، نجد أن استخدام العربية في المواقع يقل عن 6 في الألف من المواقع المحلية . ورغم سيطرة اللغة الإنجليزية على الإنترنت من حيث المحتوى والذي يبلغ نحو 47% ، غير أن اللغات الأخرى تحظى على نصيب أوفر مما تحظى بها اللغة العربية ، حيث تبلغ حصة اللغة الكورية 4,4%بالمائة ، والإيطالية 3.1% ، والبرتغالية 2.5% ، وهذه لغات يقل عدد المتحدثين بها عن متحدثي اللغة العربية الذين يتجاوزون 300 مليون نسمة بكثير ، إضافةً لعشرات الملايين الموزعين في شتى أنحاء العالم الإسلامي .وتفسر الأرقام السابقة السبب في انصراف الشباب العربي عن الكثير من المواقع العربية واللجوء إلى المواقع الأجنبية ، بقلة المحتوى العربي المعروض باللغة العربية ، بخلاف نوعية هذا المحتوى الذي يتدنى مستواه كثيراً عن مستوى محتويات أخرى ، وهو مـا سنتحدث عنه بالتفصيل في موضع أخرى من هذا التقرير .وفي حديثة لصحيفة الشرق الأوسط ، ذكر عبد العزيز الأحمدي نائب رئيس شركة «شباك الخير» ، أن عدد المواقع العربية المحلية بلغ حتى نهاية عام 2001 ما يقرب من 9216 موقعاً بنسبة لا تزيد عن 26 في الألف من إجمالي عدد المواقع العالمية البالغ عددها 36 مليون موقع ، حسب إحصاء "دومينستيت دوت كوم" الذي جرى في يناير 2001 . ونعني بالمواقع المحلية تلك المواقع التي تنتهي بامتدادات تخص دولاً بعينها مثل امتداد "sa " الذي يدل على المواقع السعودية ، أو امتداد "ae " الذي يشير إلى المواقع الإماراتية ، وامتداد "eg " الذي يدل على المواقع المصرية وهكذا .. فيما توجد مواقع عربية وعالمية مسجلة على المستوى العام المعروف بالامتداد com"" أوNet" " أو "edu" أوorg"" وما إلى ذلك ، وهذه المواقع لا ترتبط بالمواقع المحلية بل بنوع نشاط القطاع ، والتي لا توجد إحصاءات دقيقة حول عددها . ولعل من المفيد أن نعلم أن الأسماء المسجلة عالمياً على مستوى النطاق العام "com" و "net" يتعدى 29 مليون اسم . وتحتل ليبيا المركز الأول في عدد المواقع العربية المسجلة محليا بواقع 4426 موقعا، تليها السعودية بحوالي 3158 موقعاً، ثم مصر بواقع 2485 موقعا، وهكذا إلى أن يصل عدد المواقع في بعض الدول العربية إلى أقل من مائة موقع . بل إن هناك من الدول ما يقل عدد المواقع فيها عن عدد أصابع اليد الواحدة ، مقارنة بحوالي أربعمائة ألف موقع في الأرجنتين . وإذا ما أخذنا هذه الإحصاءات بشكل تقريبي ، فإن الجميع يتفق على قلة المواقع باللغة العربية ، حيث تصنف جميع الدراسات مواقع اللغة العربية على الإنترنت ضمن اللغات الأخرى التي تمثل في مجملها بأقل من 4 في المائة ، ما يعني أن المحتويات العربية هي أقل من نصف بالمائة . وقد أكد تقرير صادر عن المجالس القومية المتخصصة في مصر عام 2003 ، أن هناك ما يقرب من 130 ألف موقع عربي محلي على الأرقام ، وأن نصيب مصر من هذه المواقع بلغ 1600 موقعاً . وجاء هذا التقرير بمثابة الصدمة لكثير من المهتمين بموضوع المحتوى العربي على الأرقام ، بعد أن تأكد وجود 30 ألف موقع إسرائيلي محلي مقابل هذا العدد الهزيل للدول العربية مجتمعة ، ناهيك عما ذكره هذا التقرير عن مضمون هذا المحتوى والذي نفرد له جزءا خاصا به في موضع آخر من هذا التقرير.



موقع محيط الإخباري خطوة نحو محتوي عربي جيد
وعلى جانب آخر يجب الإشارة إلى الأرقام التي تدل على مدى انتشار الإنترنت في العالم العربي ، والتي تؤكد أن انتشار الأرقام يعتبر متدنياً للغاية . بل أن انتشار الأرقام في عالمنا العربي يقل نسبياً عن المتوسط العالمي الذي وصل إلى نحو 5% ، في حين لا يتجاوز متوسط انتشار الشبكة في الدول العربية عن 2% . أضف إلى ذلك ضعف التواجد العربي– من حيث المحتوى– على الشبكة ، رغم أهمية اللغة العربية ليس فقط للعرب ، بل لأكثر من مليار مسلم . وإذا أردنا مقارنة المحتوى الذي يبث باللغة الصينية ، فسنجد أن العالم العربي يتخلف عنه بفارق كبير ، ففي حين أن حوالي 9% من محتوى الشبكة العالمية يبث باللغة الصينية ، فإن تواجد اللغة العربية على هذه الشبكة يزيد قليلاً عن نسبة 6 في الألف مما يبث عليها كما ذكرنا . وهكذا نرى أن من الطبيعي أن يشكل هذا التواجد المتواضع ، عائقاً طبيعياً يحول دون استخدام الشبكة العالمية لشرائح عريضة من المجتمع العربي وملايين المسلمين ممن يرتبطون روحياً بهذه اللغة ، هذا بالإضافة إلى أن انتشار الحاسبات الشخصية في منطقتنا العربية ، ما زال قاصرا ودون المستوى المطلوب ، حيث يمثل هذا الانتشار ما نسبته 15% ، مقارنة بالدول المتقدمة تقنياً مثل غرب أوربا الذي يصل فيها إلى نحو 50% ، وفي الولايات المتحدة الأمريكية حيث يصل لنحو 70% .وقد كشف مسح تم إجراؤه حديثا عن أن 0.9% من المواقع على شبكة الإنترنت ، توائم محتوياتها احتياجات المستخدم العربي ، وهو ما يعظم الاحتياج إلى المزيد من المحتوى العربي المتميز على شبكة الإنترنت . آراء الخبراء في الوضع الحالي للمحتوى العربي وحول أهداف المحتوى العربي على الأرقام أكد الأستاذ وليد محمود مدير التسويق والمبيعات بشركة Advanced System لمندوب "محيط" أن هذا المحتوى لم يستهدف حتى الآن الدخول فيما يسمى بـ internet business ، الذي يعتبر – في نظره – الهدف النهائي من استخدام الأرقام ، مؤكداً أن المحتوى الموجود أقل بكثير مما يجب ، فضلاً عن أنه بلا مغزى أو قيمة ، كما أكّد أن معظمه ترفيهي ويؤثر سلباً على المستخدم العربي .. مشيرا إلى أن دور الحكومة ينبغي أن يتمحور حول توفير مناخ جيد للقطاع الخاص ، من أجل النمو بالمحتوى العربي الذي يبث حالياً على الشبكة ومضمونه . وعن سؤال الأستاذ وليد حول مدى استفادة العرب من الأرقام ، أكد أنه لا توجد استفادة فعلية من إمكانات هذه الشبكة حتى الآن ، مقارنة بما يمكن أن تقدمه إذا أحسن استغلالها .ويشير العديد من الأرقام والدراسات إلى نتائج محزنة لما وصل إليه حال استخدام الأرقام في العالم العربي ، حيث أشارت دراسة حديثة لمركز دعم واتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء المصري أن 4% فقط من مستخدمي الإنترنت العرب هم من الإناث . وبالرغم من أن الكثيرين قد يرون أن هذا الوضع ناتج عن ضعف اهتمام المرأة بالإنترنت ، فقد يعني ذلك أن الإلكترونية الرقمية كوسيلة إعلامية لا تجتذب المرأة العربية ، حيث أن محتوى المواقع العربية لا يتضمن ما يشد انتباهها بصفة عامة . وإذا حاولنا أن نتناول مدى ضعف المحتوى العربي من ناحية الكيف ، فسنجد أن هناك العديد من الآراء التي تفسر هذا الضعف وأسبابه . فقد أكد الأستاذ محمد عزت مدير إحدى شركات الاستشارات الإدارية في حواره مع مندوب "محيط" ، أن السبب في ضعف محتوى المواقع العربية على الشبكة هو تركيز الغالبية العظمى منه على عنصر الترفيه ، وأنه لا يوجد على الأرقام محتوى جاد يمكن الاطلاع عليه ، ما يدفع الزائر العربي للبحث عن ضالته في المواقع الأجنبية . كذلك يشير الأستاذ محمد عزت إلى أن أهم ما يعيب المواقع العربية هو عدم الحيادية التي تلتزم بها المواقع الأجنبية بصفة عامة . وحين سُئل عن رؤيته للجهة المسئولة عن تطوير هذا المحتوى ، أكد أن دور الحكومات ضعيف وغير قادر على إثرائه ، وأنه يقع على عاتق القطاع الخاص الجزء الأكبر من تطويره .أما المهندس طارق وهبي مدير تطوير الأعمال بشركة للأنظمة الجغرافية ، فقد ذكر لمندوب محيط أنه لا يدخل للمواقع العربية بسبب ضعفها ولأن تكنولوجيا المعلومات بدأت في الأساس باللغة الأجنبية ، مؤكداً أن المحتوى في المواقع الأجنبية أفضل وأقيم بكثير منه في المواقع العربية ، فضلاً عن أن الوصول إليه يتم بسهولة ويسر .. مشيرا إلى أن على الحكومات العربية أن تتعاون مع القطاع الخاص لإثراء المحتوى في المواقع العربية .وقد أنهى حواره مع محيط مؤكداً أن المحتوى العربي على الأرقام ضعيف ، بسبب أن تكنولوجيا المعلومات في الوطن العربي هي أساساً ضعيفة .



مستخدمو الإنترنت هم ضحية المضمون الضعيف
وفي دراسته الهامة حول هذا الموضوع ، قدم المهندس علي الغامدي من شركة الاتصالات السعودية والعضو في لجنة تنظيم تقنية المعلومات بدول مجلس التعاون الخليجي ، ورقة عمل عرض فيها تحليلاً قيماً لوضع المواقع العربية الحالي على شبكة الأرقام وبخاصة في دول الخليج . وقد أشار في هذه الدراسة إلى كثرة انتشار المواقع في منطقة الخليج بشكل أسرع منه في أي بلد عربي آخر ، حيث توجد آلاف المواقع باللغة العربية سواء كانت شخصية أو خاصة بالشركات والمؤسسات التجارية والمصالح الحكومية ، نظرا لتوافر التقنيات والأدوات المجانية لتصميم وتطوير المواقع وانتشار مواقع الاستضافة المجانية أو بأسعار رمزية ، وكذلك وجود الكثير من المواقع التي تُعنى بشرح كيفية تصميم ونشر المواقع ، مستعينة بتقنيات متطورة وحديثة يحرص أصحاب المواقع على استخدامها .وقد أشارت هذه الدراسة إلى أن الكثير من هذه المواقع الإلكترونية تتميز بالشكل والإخراج المقبول ، ولكن معظمها يفتقر إلى المضمون والمحتوى الجيد والمفيد ، كما أشارت إلى أن معظم هذه المواقع هي بمثابة اجتهادات شخصية قام بها مصممو هذه المواقع ، دون أن يأخذوا في الاعتبار نوع المعلومة وتأثيرها على المتصفح وبخاصة في ظل غياب الرقابة . فمن المفهوم جيداً أن محتوى الموقع من المعلومات المكتوبة والمسموعة والمرئية ، يعتبر الأساس لبناء أي موقع ، فإذا كان هذا المحتوى جيداً ، كان الموقع جيداً والعكس صحيح .ولعل من أبرز مشاكل المحتوى العربي في المواقع كما ذكرت الدراسة ، عدم وجود معايير ومقاييس للمصطلحات التقنية باللغة العربية وغياب التوافق في المصطلحات العربية ، إضافة لعدم التزام الموضوعية في نشر المحتوى ، والتكرار والتقليد في الشكل والمضمون في معظم المواقع ، والاهتمام بالشكل وإهمال المضمون ، وغياب أو عدم وضوح هدف الموقع ، وأخيراً مخالفة الأنظمة العالمية وحقوق الملكية الفكرية . المحتوى العربي والتجارة الإليكترونية أظهرت دراسة جديدة حول هذا الموضوع أن معظم المواقع العربية على شبكة الإنترنت تتبع مؤسسات اقتصادية وتجارية ، وأن أكثر من خمسها يرتبط بتسويق المنتجات والخدمات الخاصة بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات ، تليها المواقع الخاصة بالتسلية والرياضة والدين والعقائد والمؤسسات المختلفة والأفراد والصحف والمجلات . ويعتقد البعض أن أولى المراحل التي مرت بها اللغة الإنكليزية قبل انتشارها الواسع على مواقع الإنترنت ، كانت إدخال تنوع واسع يشمل نتاج صناعات النشر الورقي ، والنشر الإلكتروني ، والبرامج الإلكترونية التطبيقية على اختلاف أنواعها ومستوياتها ، مثل :الكتب ، وتسجيلات الموسيقى ، وقواعد البيانات ، والصحف والمجلات ، ووثائق التراث ، والوسائط المتعددة ، وبرمجيات التطبيقات ، والوثائق الحكومية ، والنشر العلمي ، والبرامج الإذاعية ، والبرامج التلفزيونية ، والأفلام ، والعاب الكومبيوتر ، والأدوات البرمجية الخاصة بزيادة الإنتاجية وصفحات مواقع الإنترنت العامة ، والبيانات الشخصية ، وكتالوجات المنتجات ، ووثائق نشاطات الأعمال ، وبنوك الصور ، وبراءات الاختراع . وهكذا يمكن القول بأن غياب محتوى عربي جيد على مواقع الإنترنت ، يرجع لعدم وجود مؤسسات حكومية وتعليمية وثقافية تضع في أولوياتها بناء محتوى عربي جيد يتحدث عنها عبر الشبكة الدولية . وهذا لا يعني الانتقاص من أهمية الجانب التجاري والتسويقي الذي تقوم به المؤسسات العربية على شبكة الإنترنت حالياً ، لكن دورها في هذا المجال ما زال ضعيفاً وغير مؤثر ، حيث أفادت بيانات صادرة عن مؤسسة النقد العربي السعودي ، بأن من أهم العوائق التي تحول دون انتشار التجارة العربية عبر شبكة الاتصالات الدولية "الإنترنت" ذلك الانخفاض النسبي في : 1 – الثقة والأمان بالاتجار عبر الشبكة ، حيث لم تتجاوز نسبة 27% .2 - المحافظة على الخصوصية ، ونسبتها 20% . 3 - عدم جودة المحتوى ونسبتها 12% .4 - غياب البنية التحتية المؤهلة ونسبتها 11% . 5 - الرفض الاجتماعي 7% . 6 - عدم إدراك مزايا التجارة الإلكترونية ، ونسبتها 6% . 7 - وجود عوائق مؤسسية وقانونية ونسبتها 6% .وقد صف تقرير صادر عن المجالس القومية المتخصصة بمصر نمو التجارة الإلكترونية العربية بأنه نمو خجول ، وأن معظم المشتريات التي يقوم بها العرب عبر الإنترنت تتم عبر مواقع أجنبية . لكن هذا التقرير أفاد أيضا بأن هذه التعاملات سوف تزيد ، وأن التجارة الإلكترونية العربية سوف تشهد مزيدا من النمو بالنظر إلى مشاريع رائدة جديدة يجري تنفيذها ، مثل مشروع مدينة دبي للإنترنت وبعض المشاريع الأخرى في مصر ولبنان .وبرغم أن الكثير من المؤسسات البحثية والحكومية ، تخرج علينا بين الحين والآخر بالعديد من الإحصاءات والأرقام المتضاربة ، غير أن الغالبية العظمى من هذه الأرقام تتراوح في تقديرها للوضع العربي في هذا المجال ما بين سيئ وغاية في السوء ، وكلاهما يوجب على الدول العربية أن تنهض من سباتها ، لتواجه التغيرات السريعة التي تطرأ في العالم ، وبخاصة في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات . وليس أدل على هذا التضارب من أن بعض المعلومات الرقمية ، تقدّر عدد مستخدمي الإنترنت العرب في نهاية عام2002 بنحو 5 ملايين ، في حين تؤكد جهات أخرى أن العدد لم يتجاوز 3 ملايين ، ثم يأتي آخرون ليرفعوا العدد إلى 8 ملايين ، بينما يأتي من يزايد على هؤلاء ليرفع العدد إلى أكثر من 15 مليون . وتشير عدة دراسات إلى أن المحتوى العربي الذي ينشر على الإنترنت ، يشكل– في غياب أي مؤشر على وجود خطة منظمة تستهدف رفع مستوى العرض والطلب على النشر الإلكتروني العربي– وسطا فقيراً وبسيطا لا يلبي حاجة الزائر .فمن الطبيعي أن الطلب المنخفض يتبعه عرض منخفض ، وأن تخلّي المؤسسات الحكومية عن مشاريع نشر خدماتها على الإنترنت ، يؤثر سلباً على مجمل حركة استخدام الإنترنت باللغة العربية .ومع الاعتراف بدور هذه الأسباب في انخفاض مشاركة الناطقين بالعربية في التعامل مع الشبكة العالمية للاتصالات ، غير أن من الأسباب الرئيسة لهذا الانخفاض غياب المحتوى المعلوماتي الجيد عن المواقع العربية .



الشباب العربي منصرف تماما عن لغته العربية
اجتهادات وتوصيات للارتقاء بالمحتوى العربي في حواره مع شبكة المعلومات العربية محيط ، أكد أحد مديري المبيعات بشركة معلوماتية مصرية ، أنه يدخل إلى المواقع وفقاً لطبيعة المعلومة التي يبحث عنها بما في ذلك المواقع العربية . لكنه عاب على هذه المواقع عدم التحديث المستمر لمحتواها ، مشيرا إلى أن المواقع الأجنبية ترصد أحداث الوطن العربي لحظة بلحظة وتتيحها عبر الأرقام للزائر قبل المواقع العربية . وأضاف قائلاً : إن اللوم لا يقع على الحكومة وإنما على صاحب الموقع المسئول عنه ، وأن الحل لبناء محتوى عربي جيد يجتذب الكثيرين ، هو أن تتعاون الحكومة مع القطاع الخاص ، ولا تخشى من نشر المعلومات الصحيحة ، ولا تضع عليها قيودا .وفي الدراسة التي أشرنا إليها في موضع سابق ، قدم المهندس علي الغامدي عدة توصيات لإثراء المحتوى من أهمها : التنسيق مع القائمين على تسيير المواقع العربية والعمل بتوصياتهم ، وتوحيد المقاييس والمعايير الخاصة بالمصطلحات العربية ، وإيجاد أسلوب لحماية المواقع المتميزة من النّسخ والتقليد ، ورعاية المواقع المتميزة لإبرازها عالمياً ، وإقامة مسابقات سنوية لأفضل المواقع من حيث المحتوى لحث أصحاب المواقع على الاهتمام بتلك الناحية ، وحث شركات تقديم خدمة الأرقام على الاهتمام بتقديم خدمة استضافة المواقع لمشتركيها وغير المشتركين مقابل تسهيلات أو دعاية أو إعلان يحصل عليه مزود الخدمة ، بشرط تقديم الدعم الفني والأدوات اللازمة للتصميم للمشركين . هذا بالإضافة إلى تشجيع شركات ومؤسسات استضافة المواقع على شراء خدمات الاستضافة ومتطلباتها الأساسية ، بدلاً من استئجارها من الخارج لاستقطاب المواقع المتميزة وضمان استمراريتها ، ثم أخيراً وليس آخراً حث وسائل الإعلام والصحف والمجلات العلمية على تقديم البرامج المتخصصة التي تفيد في عملية تأمين المحتوى وتحد من إمكانية نسخه أو سرقته ، وتقديم برامج إعلامية وتعليمية في وسائل الإعلام المختلفة تشرح آخر التقنيات المستخدمة في مجال التصميم .وأثناء الحوار الذي أجراه مندوب "محيط" مع الأستاذ أحمد محمد أمين مدير المبيعات بشركة "تلي تك" للاتصالات ، أثار الأخير نقطة غاية في الأهمية وهي أن مشكلة المحتوى العربي حاليا تكمن في كثير من جوانبها في غياب الإعلان تماما عن هذا المحتوى . وبمقارنة مع المواقع الأجنبية يشير إلى أنه يوجد تحت أي موضوع مكتوب باللغة الإنجليزية مثلاً ، اسم الموقع الذي يمكن الدخول إليه للحصول على مزيد من المعلومات ، وهو ما لا يحدث بالنسبة للموضوعات والإعلانات العربية . واستطرد قائلاً : إنه يرغب في الدخول إلى مواقع عربية ، لكنه لا يعرف أسماء المواقع المعنية بمجالات اهتمامه ولا كيفية الوصول إليها ، ما يدفعه للجوء كثيرا للمواقع الأجنبية .وأشار أيضاً إلى أن المواقع الأجنبية ليست أفضل من المواقع العربية دائما ، لكن معظمها يتفوق على المواقع العربية شكلاً ومضموناً ، وإن على الحكومة دور كبير يجب أن تقوم به لإثراء المحتوى العربي ، مؤكداً على أهمية الاستفادة من تجربة دبي التي يرى أنها الأفضل عربيا في مجال الإنترنت . التجربة الهندية في مجال تكنولوجيا المعلومات وفي ضوء استعراض الوضع الحالي للمحتوى العربي على الأرقام وآراء الخبراء والدراسات وتوصياتهم للنهوض بمستواه ، يبقى أن نشير إلى أن هذه التوصيات لا يصعب تنفيذها إذا ما توافرت النية الصادقة وتضافرت الجهود نحو تطوير المحتوى العربي على الإنترنت ، والإيمان بأن هذه القضية تمثل ركناً رئيساً من أي خطة تستهدف الارتقاء بالأداء العربي في مجال تكنولوجيا المعلومات . فعلى سبيل المثال يمكن أن نقارن وضعنا بدولة مثل الهند ، وهي دولة تعاني مثلنا من العديد من المشكلات . فبالرغم من أن الهدف التنموي المعلن للهند هو رغبتها في أن تصبح قوة اقتصادية رئيسة في عام 2020، وإنها ستسعى لتحقيق معدل نمو حقيقي يتجاوز 8% في المتوسط سنوياً ، ورغم أن أكثر من مليون من أبنائها من خبراء المعلوماتية يعملون في مختلف أرجاء العالم .. وأنها تسعى لتحقيق طفرة رقمية برغم الصعوبات الكبيرة التي تواجهها بسبب معاناة السكان من الأمية ، وأن أكثر من 500 مليون من الهنود يعيشون على دخل يقل عن الدولار الأمريكي الواحد يومياً ، وأن انتشار خدمة "الإنترنت" يغطي أقل من نصف من الواحد بالمائة من السكان وهو ما يقل كثيراً عن المتوسط العالمي (5%) ، وأن توافر التليفون هو في حدود 2,2 خط لكل مائة من السكان ، وهو معدل متدن مقارنة بالمتوسط العالمي الذي يقدر بنحو15.5 خط لكل مائة فرد ..نقول إنه بالرغم من ذلك كله ، فإن الهند ما زالت تصر على البقاء في الحلقة الرقمية وكسب الجولات لصالح اقتصادها الرقمي ، عبر تصميمها على إيجاد بنية وبيئة حاضنة ومنافسة من التشريعات والحوافز والمزايا . حوة عربية والتعلم من دروس الماضي وفي النهاية .. نعود ثانية للتوصية التي نادى بها جميع المعنيين بهذا الموضوع وتطويره ، وهي أن الوصول لمرحلة مجتمع المعلومات هو فرصة للوطن العربي من أجل التواصل مع الدول المتقدمة ، بدلا من تكرار الوقوع في فجوة مقيتة كتلك التي حدثت في الحقبة الصناعية ، وأن على المجتمعات العربية حكومات وشعوباً الاهتمام بخطورة الفجوة الرقمية التي ستزداد تفاقماً طالما استمرأنا مشاهدة الدول الأخرى تعمل وتجتهد واكتفينا بشراء منتجاتها . فبعيدا عن التصريحات والدراسات التي تُصوّرنا على أننا نسير على الطريق الصحيح ، وأن الوطن العربي أصبح يجتذب كبرى الشركات المعلوماتية ، يجب أن نتيقن من أن ما يحدث الآن هو على النقيض من ذلك تماماً ، وأن لا نكرر المأساة التي حدثت للعالم العربي خلال الخمسين عاماً الماضية ، حين جاءت كبرى الشركات البترولية لاستخراج النفط العربي ، حيث كان النفع يعود على تلك الشركات وعلى دولها ، أما نحن فقد أكتفينا بشراء ما يقومون بتصنيعه من خير بلادنا بأثمان باهظة ، دون أن نبذل أي جهد للحاق بركب الثورة الصناعية التي شهدها العالم في تلك المرحلة .وها هو المشهد يتكرر الآن .. فالكثيرون يعتقدون أنه بمجرد إقامة المؤتمرات والاحتفالات تتحقق التنمية المعلوماتية . فهذه الشركات العالمية التي أصبحت تهتم بالمنطقة العربية هدفها ربحي بالدرجة الأولى ، وهذا ليس عيبا ولا خطأ منها ، لكنه عيب فينا أن نعتبر هذا هو التقدم التكنولوجي .فالمقولة الصينية الشهيرة التي تقول "بدلا من أن تعطيني سمكة علمني كيف أصطاد " ، يجب أن نأخذ بها في تعاملنا مع مثل تلك الشركات والمؤسسات الدولية ، وذلك بالاهتمام بتدريب أبناء الوطن العربي لدخول عصر المعلومات ، وتعليمهم كيفية إنتاج ما يتطلبه العصر الحديث ، بدلا من الاكتفاء بتعليمهم كيفية استخدام التقنيات المعلوماتية الحديثة .فبعد أن فشلنا في اللحاق بالمجتمعات المتقدمة في الفترة الصناعية ، وقلنا : "يجب ألا نبكي على تخلفنا في الحقبة الصناعية .. علينا الاهتمام بالعصر القادم" ، نأمل أن لا يتكرر ذلك في حقبة ثورة المعلومات التي تجتاح عالم اليوم ، فنقول : "يجب ألا نبكي على تخلفنا في عصر المعلومات .. علينا الاهتمام بالعصر القادم" ، ثم نعود كالعادة إلى صفوف الحالمين الذين يحلون مشاكلهم بأحلام اليقظة ليس إلاّ . ***
  #74  
قديم 10/03/2004, 11:15 AM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
أميركا والإعلام العربي: حزمة أغاليط وادعاءات
فهمي هويدي
نواجه هذه الأيام بحزمة أغاليط تنتقد موقف الاعلام العربي من الولايات المتحدة، وتساق تلك الأغاليط في معرض تسويغ الحملة الاعلامية المضادة التي تشنها واشنطن، موجهة الى الادراك العربي، بهدف «تصحيح الصورة» و«انصاف» السياسة الاميركية «المظلومة» في المنطقة. ومع اطلاق القناة الاميركية الجديدة «الحرة» الموجهة باللغة العربية، ارتفعت وتيرة ذلك الانتقاد، الذي تردد على ألسنة مسؤولي المحطة التلفزيونية وضيوفهم على مدار يومها الأول (السبت الماضي 2/14). وكنا قد سمعنا الكلام ذاته في أوقات سابقة، حينما وجهت الولايات المتحدة محطة اذاعة جديدة للشباب «سَوَا» ثم أصدرت مجلة «هاي». إذ قيل في كل مرة ان هذه المنابر يراد بها تعويض التوازن المختل في الخطاب الاعلامي العربي، بحيث تطرح وجهة النظر الأخرى في قراءة الأحداث الجارية بالمنطقة.
لست في معرض الدفاع عن الاعلام العربي الذي أزعم ان السياسة تضغط عليه بأكثر مما ينبغي، حتى حولته في أغلب الأحيان الى تابع أو بوق لها، ولي كتابات سابقة في هذا المعنى لا محل لاستعادة مضمونها. من ثم فلدي ـ ولدى غيري بكل تأكيد ـ الكثير من المآخذ التي يمكن أن نسجلها على الاعلام العربي، لكن ليس من بينها تلك الحجج التي تساق لتبرير اطلاق الحملة الاعلامية الاميركية، التي تطرق أسماعنا وأبوابنا في إطار ما أسماه وزيرا الدفاع والخارجية الاميركية «حرب الأفكار»، التي تستهدف التأثير على عقول الناس ومداركهم في العالم العربي والاسلامي.
بل لعلي لا أبالغ اذا ما قلت انه اذا كان للاعلام العربي من حسنات ـ وهي قليلة ـ فلعل موقف بعض منابره الكاشف للسياسة الاميركية هو أحد تلك الحسنات، حتى يخالجني شك كبير في أن يكون الهدف من الحملة الاعلامية المضادة هو ستر عورات السياسة الاميركية ومداراة ذلك الانكشاف، ومن ثم التشويش على الحقائق وليس تبيان وجهها الآخر كما يدعي، ولا أريد أن أستبق، لأن التجربة ما زالت في بداياتها، لكنني ألفت النظر الى أن الأبواق الاميركية الجديدة ستواجه امتحانا مهما في تعاطيها للشأن العراقي الفلسطيني بوجه أخص، وسنرى اذا كانوا سيعتبرون الوجود الاميركي في العراق احتلالا أم تحريرا، ودفاع الشعب الفلسطيني عن حقه وأرضه مقاومة أم إرهابا، ورئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون «رجل سلام» كما قال الرئيس بوش، أم سفاحا ومجرم حرب كما يقول سجله المبسوط بين أيدي الكافة.
حزمة الأغاليط التي أشرت إليها تتضمن انتقادات وادعاءات عدة في مقدمتها مايلي:
* ان الاعلام العربي «متحامل» على الولايات المتحدة كأنما يتعامل معها بحسبانها «الشيطان الأكبر» والمصدر الأول للشرور في العالم، وهي حجة تفهم اذا كان ما تنشره أو تبثه وسائل الاعلام العربية من قبيل الافتراء وليس تسجيل الحقيقة. من هذه الزاوية فأحسب أن السؤال المهم الذي تثيره الملاحظة هو ما اذا كانت المعلومات التي يقدمها الاعلام العربي صحيحة أم لا، ذلك ان المشكلة لا تكمن في تحامل الاعلام العربي على الولايات المتحدة، بقدر ما تكمن في طبيعة السياسات والممارسات الاميركية ذاتها، التي أدت الى «تقبيح» الصورة الاميركية في الخارج، وهذا القبح يبلغ ذروته في موقف الادارة الاميركية من الجرائم الاسرائيلية في الأرض المحتلة، وهو موقف لايشجع على أي احسان للظن بالسياسة الاميركية ناهيك عن التعاطف معها.
* ان الاعلام العربي ينقل رأيا واحدا، ولا يتيح الفرصة لتسجيل وجهات النظر الأخرى في السياسة الاميركية. وهذا ادعاء غير صحيح بالمرة، ليس فقط لان 80 بالمائة من التقارير الاخبارية التي يبثها الاعلام العربي مصدرها وكالات الانباء الاميركية، ولكن أيضا لأن أغلب الصحف العربية المهمة شهدت في أعقاب 11 سبتمبر ما يمكن أن نسميه غزوا اميركيا واسع النطاق، فأغلب التحليلات الخارجية أصبحت تعتمد على الخدمات الصحفية التي تسوقها الصحف الاميركية (واشنطن بوست، نيويورك تايمز، لوس انجيليس تايمز...إلخ)، وعدد غير قليل من كبار الكتاب الاميركيين أصبحوا ينشرون مقالاتهم في كبريات الصحف العربية، ذلك بالاضافة الى الكتاب العرب الذين أصبحوا أبواقا للسياسة الاميركية في المنطقة، هؤلاء جميعا لهم حضور قوي الآن في الصحافة العربية خاصة (لا تنس ان الوجود الاميركي بل والاسرائيلي دائم في أغلب البرامج التلفزيونية الحوارية والتحليلية)، حتى ان أحد أساتذة الجامعة الاميركية في القاهرة قال لي ضاحكا ذات مرة انه أصبح يقرأ بعض الصحف العربية مستعيضا بها عن قراءة نيويورك تايمز، ليس فقط لكي يقوي لغته العربية، ولكن أيضا لأنها أصبحت حافلة بالأخبار والتعليقات والتحليلات الاميركية.
* ان الاعلام العربي عبأ الناس ضد الولايات المتحدة حتى شاعت بينهم مشاعر الكراهية لها، وهي حجة غير صحيحة من وجهين، الأول ان الحقائق التي تجسد السياسة الاميركية على أرض الواقع لا تدع مجالا لزرع بذور الود إزاء الولايات المتحدة، واذا كانت تلك الكراهية قد تضاعفت في ظل الادارة الاميركية الحالية ـ وهو صحيح ونص ـ فمن غير المعقول ان يفسر ذلك باعتبار ان الناس قد تغيروا، وينبغي الاعتراف بأن السياسة الاميركية هي التي تغيرت حتى نفرت الناس منها.
أما الوجه الثاني، فيتمثل في اننا اذا صدقنا ان الاعلام العربي هو الذي عبأ الناس ضد الولايات المتحدة، فان ذلك لا ينسحب على مجتمعات أخرى في العديد من أنحاء العالم، وبوجه أخص في أوروبا، ذلك ان أحدا لا يستطيع القول إن المشاعر الرافضة للسياسة الاميركية والناقمة عليها في أوروبا متأثرة «بتميزات» الاعلام العربي، واذا لاحظنا في هذا الصدد ما أسفرت عنه نتائج استطلاع الرأي الذي أجرته المفوضية الأوروبية، واعتبر ان الولايات المتحدة تأتي ـ مع دول أخرى ـ في المرتبة الثانية لمصادر تهديد السلام العالمي (اسرائيل احتلت المرتبة الأولى)، فان هذه الملاحظة تشير بقوة الى أن النفور من السياسة الاميركية ليس مقصورا على العرب وحدهم، وهو ما يبرىء ساحة الاعلام العربي من التهمة، كما تشير بذات الدرجة من القوة الى أن ثمة شيئا غلطا في السياسة الاميركية ذاتها يجب تصويبه.
* ان الاعلام العربي يشوه وعي الناس من جراء القصور في ادراكه بخريطة الواقع الاميركي، فهو يخلط بين السياسة الاميركية والشعب الاميركي، ثم انه غير مدرك للتمايزات الحاصلة في المجتمع، أو تلك الواقعة داخل الادارة الاميركية ذاتها تلك لعمري حجة واهية لا دليل عليها، بل ان الشواهد تدل على أنها حجة ضد الاعلام الاميركي وليس الاعلام العربي، ذلك اننا اذا قارنا كم حوادث الاعتداء على الاميركيين في العالم العربي، بحجم الاعتداءات التي يتعرض لها العرب في الولايات المتحدة، فان تلك المقارنة ستبين لنا بوضوح على أي جانب يجري الخلط بين السياسة والمجتمع، ذلك اننا لا نعرف ان مواطنين اميركيين عاديين تعرضوا للاعتداء في العالم العربي من أقصاه الى أقصاه خلال السنوات الثلاث الماضية (بعد احداث 11 سبتمبر)، وان وجدت تلك الحالات فهي لا تكاد تذكر رغم علم العرب أجمعين بالمواقف والممارسات الاميركية في فلسطين وأفغانستان والعراق بوجه أخص، بالمقابل فان العرب والمسلمين المقيمين في الولايات المتحدة تعرضوا في عام 2002 الى 602 اعتداء، بزيادة 46 بالمائة عن عام 2001، أما حوادث الاعتداء التي تعرضوا لها في عام 2003، طبقا لتقرير منظمة «كير» ـ المجلس الاسلامي الاميركي ـ الذي هو تحت الطباعة الآن يتجاوز الألف حالة، علما بأن هذه هي الحوادث التي تم الابلاغ عنها، ولابد أن تكون هناك حالات أخرى لم يبلغ عنها. وذلك كله بخلاف سبل الإهانات والملاحقات ومظاهر التمييز الجارحة التي يتعرض لها العرب والمسلمون المقيمون والوافدون الى الولايات المتحدة.
ان الحقيقة التي لا يريد أهل القرار في واشنطن الاعتراف بها هي أن ما يحتاج الى تغيير حقا هو السياسة الاميركية، التي لا تكف عن زراعة الشوك والمر في بلادنا، واستمرار تلك السياسة له معنى واحد هو أن تتسع رقعة المر والشوك، حيث ينبغي ألا يتوقعوا أن يكون الحصاد من غير جنس الزرع.
بطبيعة الحال، هم أحرار في ملايينهم التي يبعثرونها هنا وهناك آملين في أن يحصدوا شيئا على النقيض مما زرعوه، ولئن خصصوا ثلاثين مليون دولار لتمويل البث التلفزيوني الأخير، فإننا لا نرى في هذه الخطوة سوى أنها حلقة جديدة في سياسة الحرث في البحر التي أدمنوها في تعاملهم مع العالم العربي والاسلامي، ولو ان الأمر ظل تعلقا بوهم تغيير المنطقة لهان، لكن المشكلة ان ذلك يعبر عن غفلة شديدة عن حقيقة استمرار تنامي مشاعر الكراهية ضد السياسة الاميركية في العالم العربي والاسلامي، الأمر الذي يبقي على باب المفاجآت مفتوحا، وإزاء الاصرار على تجاهل تلك الحقيقة فإننا لا نملك إلا أن نرفع أكف الدعاء الى الله راجين منه اللطف في المقادير.





المصدر الشرق الاوسط
  #75  
قديم 13/03/2004, 11:00 AM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
قضايا و اراء
42831 ‏السنة 128-العدد 2004 مارس 13 ‏22 من محرم 1425 هـ السبت


نحو التعاون العربي المتكافل
بقلم‏:‏ الحسن بن طلال



إن التحديات التي تواجه الأمة العربية‏,‏ وكذلك التحديات التي يواجهها عرب المهجر‏,‏ والفساد بصوره المختلفة‏,‏ أدت لدعوة زعماء العالم لصياغة عبارات جديدة عن الشرق الأوسط الكبير‏.‏ فمحاولة الخروج العربي من دائرة التأثر إلي دائرة التأثير أوجدت ضرورة إصلاح توجه الجامعة العربية وتحصين مضمونها كما هو متوقع في طرح المبادرة السعودية‏-‏ المصرية‏-‏ السورية علي مؤتمر القمة العربي المنعقد في تونس نهاية شهرمارس‏.‏
إذا عدنا إلي البدايات فإن العمل العربي المشترك‏,‏ بدأ في بروتوكول الإسكندرية عام‏1944,‏ وتضمن مبادئ أدت إلي قيام جامعة الدول العربية‏,‏ لتحقيق التعاون في المجال الثقافي والاجتماعي والاقتصادي‏,‏ وفي عام‏1950‏ أقر مجلس الجامعة العربية معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي بين البلاد العربية‏,‏ الذي يعتبر الحد الأدني للتفاعل والمساندة المتبادلة‏,‏ كما أنه الخطوة الأولي علي طريق التكامل الاقتصادي العربي‏.‏ ولكن ضعف الإرادة السياسية العربية التي لم تصل إلي المستوي المطلوب لتنفيذ التزامات العمل القومي العربي بشتي الصعد‏,‏ مع غياب الفهم الدقيق لمعدلات العلاقات الدولية‏,‏ كشفت هشاشة النظام الإقليمي العربي وغيبت مفهوم الصالح العام في التعامل‏.‏ لقد كتب الكثير في سلبيات العمل العربي المشترك‏,‏ وفي عجز الجامعة ومؤسساتها عن تحقيق الأهداف التي تأسست من أجلها‏.‏ ولكن ما نحتاج إليه في ظل هذه الظروف‏,‏ هو النظرة الإيجابية لكيفية تطوير مؤسسات العمل الجماعي بما يخدم الإنسان العربي‏.‏

كما هو واضح من واقع الحال‏,‏ فإن تفعيل اتفاقيات العمل العربي المشترك‏,‏ تحتاج إلي إرادة سياسية جامعة من قبل الأنظمة العربية‏.‏ فعدم وجود تعريف لإقليمنا هذا المدعو بالشرق الأوسط‏,‏ وعدم التغيير في العلاقات البينية العربية بالرغم من أن النظرة العالمية للأمة العربية قد تغيرت وتحول مع هذا التغير مفهوم الحوار بين الحضارات إلي الهيمنة الحضارية من قبل الطرف الأقوي‏,‏ يستدعي توقفنا وقفة جادة للتعامل مع قضايانا الأساسية بشكل عملي ضمن الانفتاح علي العالم‏.‏ فمن الطبيعي إذا‏,‏ أن نبدأ من انتهاج الوسطية العقلانية‏,‏ التي يجب أن تكون سبيلنا الأوحد للإعلاء من الشوري والديمقراطية والتعددية‏,‏ والحيلولة دون الشرذمة الطائفية والمذهبية والإقليمية‏,‏ من خلال الاختلاف الواعي الذي يرسخ الصالح العام‏,‏ ونبذ الاجندات الخاصة وذلك للتلاقي مع القيم الإنسانية التي بقيت علي مر العصور جزءا من الوعي الإنساني الجماعي‏.‏ إننا نستطيع التكلم بإسهاب عن الكثير من الأنظمة‏,‏ أكانت منها السياسية أم الاقتصادية أم التكنولوجية‏,‏ ولكننا عندما يتعلق الأمر بالإنسان العربي‏,‏ نجد دائما صعوبة بالغة في إيجاد نظام يرتكز علي كرامة الإنسان وذلك لغياب القيم المشتركة وكذلك غياب الضمير العالمي‏,‏ ولكن لكي لا نبقي مع النظارة والمتفرجين‏,‏ بعيدين عن دائرة الفعل والتأثير‏,‏ علينا أن نتجه نحو التشبيك‏-‏ عربيا وعالميا‏-‏ مع تجمعات ومنظمات تهدف إلي ماتهدف إليه من خلال برامج عملية مدروسة تنأي عن التطرف وتكون جزءا من الحركة الوسطية العالمية‏.‏ لقد كنا كعرب وأعضاء في الجامعة العربية في السابق‏,‏ مع مفهوم عدم الانحياز إلي هذه القوة العظمي أو تلك‏,‏ وتعلمنا الكثير من الدروس والعبر من خلال نهجنا هذا‏,‏ ولكن تحديات هذا القرن تفرض علينا أن نكون مبادرين بحركة عالمية تنحاز من حيث المبدأ إلي السلام وثقافة السلام بإطلاق خريطة طريق اقتصادية واجتماعية محورها كرامة الإنسان واحتياجاته‏,‏ وغايتها صنع السلام المتجذر في الأفئدة والعقول‏.‏ سواء كان هنالك حديث عن شرق أوسط جديد أو كبير والذي لايزال حتي في هذه الصيغ غير معرف‏,‏ فلابد لنا من أن نكرس في مجتمعاتنا العربية ثقافة المشاركة التي تقوم علي احترام حقوق الإنسان‏,‏ ومشاركة الفرد في شئون مجتمعه‏.‏ فإن ثقافة كهذه تغري بالاستثمار من أجل التنمية‏,‏ وتعزز الثقة بالمناخ الاقتصادي والاجتماعي والسياسي في أقطارنا‏,‏ كما أنها تضمن سلامة المسيرة ال
إنمائية والاقتصادية المتسارعة‏,‏ وعدالة توزيع مردودها‏.‏ إن الأمن الأساسي الذي يجب أن نأخذه بالاعتبار من خلال أطروحاتنا لا يتعلق فقط بالحرمان‏,‏ والجوع‏,‏ وفقدان المؤن‏,‏ ولكن أيضا بالحرمان للمواطن من المشاركة في بناء مجتمعه‏.‏
إن الثقافة هي القاسم المشترك الأعظم الذي يحدد هوية الفرد الواحد منا‏,‏ وهوية الأمة علي حد سواء‏,‏ كما أن التنوع الثقافي مصدر قوة وإلهام إذا ما أحسن توظيفه‏,‏ وفي هذا السياق لطالما تذمرنا من أن النمط الغربي وعالمنا المعولم يملي إملاء علينا حتي عن طريق ما يسمي المجتمع المدني العولمي‏.‏ ولكن إذا لم ينم المجتمع المدني أو الأهلي في بلداننا من القاعدة إلي القمة عبر القناعات المحلية وقناعات الجماهير‏,‏ وأيضا من خلال تعدد الحداثات‏,‏ حينئذ سيكون من الصعب فعلا أن نناوئ بنجاح التيارات السلبية للعولمة‏,‏ قد لا نستطيع أن نغير مجري التاريخ‏,‏ إلا أننا مطالبون بأن يكون لنا قولنا في هذه الحقبة العصيبة ومطالبون أيضا لإطلاق طاقات الشباب العربي خارج أطر الانكفاء والعزلة والإقصاء‏,‏ للتعاون والحوار الفاعل المتفاعل مع شباب العالم من أجل توضيح وجهنا الإنساني والثقافي‏.‏ إنه مما لاشك فيه‏,‏ أن الشباب هم الذين سيرسمون صورة ثقافتنا في العقود القليلة القادمة‏.‏

علينا أن نعني بشكل جاد‏,‏ في عصر المعلوماتية هذا‏,‏ بتوفير قاعدة معلوماتية دقيقة مبنية علي أسس موضوعية وعلمية توضح بإسهاب احتياجات ومتطلبات الدول العربية‏,‏ وكذلك إنجازاتها‏.‏ وقد تنشأ هذه ضمن إطار يعني بحوار السياسات والسيناريوهات يكون معلما من معالم كل قطر من أقطارنا‏,‏ علي أن ينتظم عقدها في اتحادنا عبر القطري والممثل بالجامعة العربية‏.‏ كما أنه وفي رأينا‏,‏ قد حان الأوان لأن نبادر إلي تأسيس هيئات عبر قطرية للمياه والطاقة والبيئة‏,‏ بمفهومها الإنساني الواسع‏,‏ وذلك علي غرار ما أنجزه الاتحاد الأوروبي بالفحم والصلب‏.‏
إن الأقطار العربية الممثلة بالجامعة العربية تقع ضمن الرقعة الجغرافية التي اسميها الهلال المتأزم‏.‏ وهي ذلك الإقليم الممتد من شاطئ الأطلسي عند الطرف الشمال العربي لإفريقيا‏,‏ الذي يتجه إلي الجنوب الشرقي عبر الصحراء الكبري‏,‏ ثم ينحني إلي الشمال الشرقي‏,‏ شاملا الكونغو والسودان والقرن الأفريقي وشبه الجزيرة العربية وشمالي القارة الهندية‏,‏ ثم آسيا الوسطي‏,‏ إن معظم هذه الدول المجاورة لعالمنا العربي ذوات خلفية حضارية إسلامية واحدة وثقافات متقاربة‏.‏ وهو متأزم لأنه يكاد لا ينقضي عقد من الزمان من دون اندلاع أزمة فيه أو أزمات تشده إلي النزاع والصراع‏.‏ فما أحوجنا فيه إلي ما يشبه خطة مارشال لإعادة تأهيل شعوبه المسحوقة في فلسطين والعراق وكشمير والشيشان وغيرها‏,‏ إلي صناديق زكاة وصدقات لتمويل فيالق سلام‏,‏ إلي سياسات بعيدة المدي تستند إلي رؤي نافذة‏,‏ لا سياسات نفط أو أسلحة‏,‏ وإلي حوارات عربية عربية‏,‏ وإسلامية اسلامية‏,‏ إضافة إلي حوارات مع الآخر‏.‏ وفي هذا الصدد أود أن أنوه بالانجازات التي تم تحقيقها من خلال تجمع هلسنكي للمواطنين والاستفادة منها‏,‏ فبالرغم من العداوات القائمة كما الحال في البوسنة وكذلك بين أذربيجان
وأرمينيا‏,‏ فلقد نجحت هذه التجمعات بإيصال فكرة سبل العمل من أجل السلام بالطريق السلمية‏.‏
إن احترام قدسية الحياة هو أساس كل المعتقدات العظيمة‏.‏ فأعمال عنف تجعل من الأبرياء رجالا ونساء وأطفالا هدفا ومأربا‏,‏ هي أعمال لا يمكن تبريرها‏.‏ وليس هنالك من مفاهيم وتقاليد دينية تتسامح مع مثل هذا العمل‏,‏ لا بل أن جميعها تستنكره بصوت عال‏.‏ فالتعامل الجزئي في مكافحة الإرهاب لن ينفع‏,‏ ولن ينفع كذلك رد الفعل المبني علي الحدس‏.‏ ففي أوقات كهذه يسهل التصرف علي الفور‏,‏ ولكن يجب التفكير حاليا حين اتخاذ قرارات لا رجعة عنها‏.‏ إن جميع أتباع الديانات السماوية يشتركون في إرث واحد‏.‏ وعليه فإنه من الواجب عدم جعل سياسات الشرق الأوسط تحول دون قدرة المؤمنين علي أن يتعايشوا‏,‏ وأن يعملوا سويا‏.‏ فيجب علينا أن نتمسك دائما بالقيم الأخلاقية المستوحاة من إرثنا المشترك بغض النظر عن مبدأ الحقوق المتناقضة ونسبية عدم العدالة اللتين لا تزالان تفصلاننا عن بعضنا البعض‏,‏ إن سيل الدماء ليس بجواب‏.‏

هناك حاجة ماسة لإيضاح مجموعة القيم التي نؤمن بها لشعوبنا أولا وللناس كافة‏.‏ ولذلك لا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال إيجاد أرضيات مشتركة للحوار المؤسس علي قاعدة الحرية المسئولة‏.‏ فإن ما نحن بحاجة إليه جدول أعمال مشترك بعد عن الاستقطابات‏,‏ وإجماعي تعاقدي يرتكز بالأساس علي أهمية إعادة العدالة إلي المواطن العربي‏.‏






المصدر جريدة الاهرام
  #76  
قديم 18/03/2004, 04:27 PM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
ملاحـظات حول الطبقة..التسلح..والنخبوية


فريدة النقاش


يكاد تقرير التنمية الإنسانية الثانى للوطن العربى الذى صدر فى نهاية 2003 يمشى على الزجاج مستخدما لغة الأمم المتحدة التى لا تغضب أحدا بادئا سلسلته الجديدة حول المعوقات الثلاثة التى تعطل التنمية الإنسانية فى الوطن العربى وهى غياب الحريات وتدهور المعرفة ونقص تمكين المرأة ـ بادئا بالمعرفة ومنح لتقريره الجديد عنوان نحو إقامة مجتمع المعرفة .
ويبدأ التقرير بشرح فحوى اختيار صفة الإنسانية بدلا من البشرية، حيث إن التنمية البشرية هى المصطلح الشائع مبررا هذا الاختيار بأن التنمية الإنسانية عندنا هى تعريب أصدق تعبيرا عن المضمون الكامل والأصيل للمفهوم.
ويضيف: فعلى حين تستعمل كلمتا البشرية والإنسانية تبادليا فى العربية يمكن إنشاء تفرقة دقيقة، ولكن دالة بين الأولى كمجموعة من الكائنات والثانية كحالة راقية من الوجود البشري..
فلفظة الإنسانية تعبر عن سمو الوجود البشرى وفى القرآن الكريم يستخدم لفظ الإنسان فى مواضع المسئولية والتكريم، بينما يستعمل لفظ البشر لوصف مجموعة من المخلوقات انظر مثلا خلق الإنسان علمه البيان ومن محاسن لفظة إنسان فى اللغة العربية أنها تجمع النوعين الذكر والأنثى فى صنف واحد.
وهذه التفرقة هى أساس تفضيلنا لمصطلح التنمية الإنسانية .
نتيجتان مهمتان

فللبشر لمجرد كونهم بشرا حق أصيل فى العيش الكريم ماديا ومعنويا، جسدا ونفسا وروحا ويتفرع عن هذا المنطلق نتيجتان مهمتان الأولي: ترفض التنمية الإنسانية بداية أى شكل من أشكال التمييز ضد البشر على أى معيار كان النوع أو الأصل أو المعتقد، والثانية أن مفهوم الرفاهية الإنسانية لا يقتصر على التنعم المادى وإنما يتسع للجوانب المعنوية فى الحياة الإنسانية الكريمة مثل التمتع بالحرية واكتساب المعرفة والجمال والكرامة الإنسانية وتحقيق الذات الذى ينبع من المشاركة الفعالة فى شئون الاجتماع البشرى كافة.
ولا أظن أن أحدا يمكن أن يجادل فى أهمية هذا كله للتنمية الإنسانية ولكننا ينبغى أن نجادل فى تعريف التمييز ضد البشر الذى حدده فى ثلاثة مجالات هى التمييز فى الأصل أو النوع أو المعتقد متجاهلا مجالا لابد أن يأتى فى مرتبة متقدمة إذا شئنا أن نرتب المعايير وندققها بصورة شاملة ألا وهو الطبقة، فطالما أدى الانقسام الطبقى خاصة إذا كان حادا..
بل فاضحا كما هو الحال فى مجتمعاتنا العربية إلى تحويل كل الشعارات البراقة والجميلة حول المساواة والكرامة الإنسانية إلى سراب.
عجز جماهيري

وقد ارتبط ذلك الانقسام فى البلدان التى تكبلها نظم استبدادية وفاسدة تصادر الحريات العامة بالعجز المزمن لحركة الجماهير المنظمة من أجل الدفاع عن مصالحها وانتزاع حقوقها من الطبقات المالكة، إذ إن الحريات العامة والديمقراطية هى أدوات لا فحسب لتغيير النظام السياسى وتداول السلطة، وإنما أيضا لإعادة توزيع الثروة داخل المجتمع وتقليص الفجوة بين نصيب رأس المال ونصيب العمل من هذه الثروة، بل وتحديد المكانة والنفوذ اللذين لا يقتصران فى هذه الحالة على التملك فقط، وإنما أيضا على الفعالية الاجتماعية والاحترام والصوت المسموع.
وتتعزز هذه الملاحظة حول غياب البعد الطبقى حين يتحدث الفصل الأول من القسم الثانى من التقرير حول المعرفة والتنمية الإنسانية ومجتمع المعرفة فى البلدان العربية، قائلا: إن أحد المحددات الجوهرية لتوافر المعرفة، ألا وهو قيام طلب مجتمعى قوى ومطرد وفعال تسنده قوة شرائية بالمعنى الواسع أى رغبة ومقدرة على تخصيص الموارد اللازمة بحيث يحفز العمليات المجتمعية لنشر المعرفة وإنتاجها.
ولا يمكننا أن نرجع تدنى عدد ونسبة مستخدمى الإنترنت فى الوطن العربى الذى تتردى فيه التنمية الإنسانية على حد قول التقرير ـ فقط إلى تراجع مستوى التعليم ومضمونه مع انتشار الأمية وتسرب الفقراء من المدارس، وإنما لابد أن نضيف الانتشار الواسع جدا للفقر كعامل إضافى رغم الثراء الفاحش فى الوطن العربى باعتباره أغنى مناطق العالم بالنفط.
معطيات مخيفة

وليس أدل على ذلك من هذه الإحصائية التى برزت فى أوراق مؤتمر الطفولة العربية الأخير فى تونس التى تقول إن هناك 70 مليون مواطن عربى أميون ونصف النساء العربيات أميات وثلث الرجال أميون وهناك 11 مليون طفل عربى محرومون من الدراسة، وهؤلاء جميعا لا يعجزون فقط عن القراءة سواء الأبجدية أو لغة الكمبيوتر ولكنهم يعجزون أيضا عن شراء أجهزة الكمبيوتر للتعامل مع العصر بأدواته، ونحن نعرف أن الكمبيوتر أصبح فى البلدان المتقدمة جهازا أساسيا فى أى بيت شأن التليفون والراديو والتليفزيون.
يقول التقرير: تتمثل المقومات الحاكمة للسياق المجتمعى لمنظومة اكتساب المعرفة، خاصة فى منظور الوطن العربى فى الثقافة السائدة شاملة عوامل حاكمة مثل التراث الفكرى والدين واللغة والتشكيلة الاجتماعية والاقتصادية بما فى ذلك طبيعة نمط الإنتاج ومستوى النمو وتوزيع الدخل والثروة وما يرتبط بها من نسق حوافز مجتمعى .
والثقافة السائدة فى أى مجتمع هى فى المقام الأخير وعبر تجليات معقدة تعبير عن طبقة سائدة تتميز بطابع أساسى لنمط نشاطها الاقتصادى والإنتاجى ورؤيتها للعالم وللعلاقات الاجتماعية، وفى الوطن العربى سوف تجد هيمنة نمط الإنتاج الريعي، الذى تشتق القيمة الاقتصادية فيه أساسا من استنضاب المواد الخام القائم الآن فى أغلب البلدان العربية، إما مباشرة فى البلدان العربية النفطية أو اشتقاقا فى غيرها نتيجة للاعتماد على المعونات وتحويلات العاملين من الأولى .
وقد تبلور هذا الطابع الريعى للطبقات الحاكمة فى الوطن العربى بدرجات متفاوتة عبر عملية تاريخية معقدة ارتبطت بانهيار حركة التحرر الوطنى ومعها التنمية المستقلة غير القائمة على التبعية ثم عودة الاستعمار للمنطقة عن طريق هشاشة هذه النظم الريعية.
تدهور معدلات الادخار

وقد أدى هذا الطابع الريعى لكل من الطبقات والثقافة السائدة إلى تخلق قيم استهلاكية بل إنه سعار استهلاكى من جهة وتدهور معدلات الإدخار من ثم من جهة أخري، ويكفى أن نعقد مقارنة بسيطة بين الهند وهى بلد فقير متوسط دخل الفرد فيه هو بالكاد نصف متوسط دخل الفرد فى مصر وفيها أيضا نظام رأسمالى ومع ذلك، ولأن رؤية الطبقات المهيمنة للعالم وثقافاتها هى رؤية إنتاجية ومن ثم إبداعية فإن معدل الإدخار فيها من جهة هو ضعف معدل الإدخار فى مصر، بل إن الهند تصدر بما قيمته سبعين مليارا من الدولارات برامج كمبيوتر أى أنه انطبق عليها قول التقرير يعنى مجتمع المعرفة اعتماد المعرفة مبدأ ناظما لجماع الحياة البشرية ..
وهو ما لا ينطبق على الوطن العربى بسبب هذا الطابع التبعى والريعى للتطور الذى أسسته الطبقات الحاكمة.
وبما أن السمكة تفسد من رأسها كما يقول المثل الشائع فإن الطابع الريعى الاستهلاكى المظهرى لتكوين الطبقات السائدة وثقافتها قد أفسد لا فحسب منظومة المعرفة فى الوطن العربى الذى يقف فى ذيل الأمم فى هذا الميدان وفى ميادين أخرى كثيرة، بل أفسد حياتنا كلها.
لذلك جادل كثيرون حول ترتيب أولويات القضايا الثلاث الحاكمة التى أسس التقرير الأول عام 2002 عليها بناءه كله وهى قضية الحريات وقضية المعرفة وقضية المرأة، ورأوا أن الحكم الصالح فى ارتباطه بمسألة الحريات العامة الغائبة والتى تتردى أوضاعها كان ينبغى أن يصبح هو البداية وأن يحظى بالأولوية.
قضية الاتفاق العسكري

ويطرح التقرير قضية الإنفاق العسكرى فى البلدان العربية على النحو التالي: وأن احتلال الأراضى الفلسطينية والأراضى العربية الأخرى يضع عبئا مباشرا ومتواصلا على اقتصاديات البلدان العربية، ويقود إلى وضع هرم للأولويات، ما كان له أن يقوم حينما يغيب الاحتلال والمخاطر الخارجية، فهو يخلق حالة من القلق فى الوطن العربى تجعل للإنفاق العسكرى أولوية على برامج التنمية الإنسانية .
وإذا كان هذا يصح تطبيقا على دول الجوار لفلسطين التى اضطرت دائما لتخصيص ميزانيات باهظة للتسلح، فإنه لا يصح تطبيقا على دول أخرى ودول الخليج بشكل خاص التى كان إنفاقها لجزء كبير من عوائد النفط على التسليح جزءا عضويا من علاقات التبعية للولايات المتحدة الأمريكية، فتكدست الأسلحة دون قدرة بشرية على استيعابها أو استخدامها وظلت بعض دول الخليج والجزيرة العربية ـ والسعودية على نحو خاص ـ تأتى على رأس قائمة الدول المشترية للأسلحة، ولم يحدث أبدا أن دخلت هذه الدول فى مواجهة مع إسرائيل فكان السلاح على هذا النحو استنزافا مباشرا لعوائد النفط بدلا من إنفاقها على التنمية فى البلدان العربية الفقيرة أو حتى لتصنيع عربى مشترك للسلاح وربما سوف يأتى الوقت للتعرف على الجوانب الخفية فى عملية تصفية هيئة التصنيع الحربى العربى وتغيير طابعها لتتخصص فى الإنتاج المدنى بدلا من العسكري.
ولكن التقرير يتوقف عند استخدام آخر للسلاح الذى تشتريه الحكومات العربية إذ إن الحكومات قد تتوسل بها لتحقيق مآرب سياسية واقتصادية أخري، فهى قد تصبح ذريعة لمنع التحول السياسى المطلوب أو إبطائه، أو التلكؤ فى تمكين القوى المحرومة والمهمشة وإدماجها فى سياق العملية السياسية وفى سياق مسار التنمية الاقتصادية .
وترجمة هذه الفقرة تقول: إن بعض النظم تستخدم السلاح الذى تستورده بكثافة لقمع المجتمع وتخويفه وتعطيل التطور الديمقراطى فيه، سواء فى ذلك النظم التى قامت بعد الانقلابات العسكرية أو تلك التى تحكمت فيها أسر وعشائر وقبائل.
تغييب الشعب

ومرة أخرى سوف نجد أن تغييب الشعب فى ظل نظم التحرر الوطنى بعدوان هذه النظم على الحريات العامة أدى إلى إهدار فرصة ثمينة كانت قد توفرت لها فى ظل النظام العالمى ثنائى القطبية حين حصلت على السلاح المتطور من الاتحاد السوفيتى وبلدان المنظومة الاشتراكية آنذاك بتسهيلات كبيرة وشروط ميسرة وأدى كل من الفساد والاستبداد وتغييب الشعب وإهدار الرقابة المجتمعية على الجيوش إلى تدمير الأسلحة على الأرض كما حدث فى هزيمة 1967 وحين عوض المعسكر الاشتراكى هذه الأسلحة المدمرة بتسهيلات كبيرة انقلب عليه العرب وأعلن الرئيس الراحل أنور السادات استراتيجيته الجديدة وشعارها أن 99% من أوراق الحل للصراع العربى ـ الصهيونى هى فى يد أمريكا ثم عقد اتفاقيات الصلح المنفرد مع إسرائيل أى مرة أخرى نعود إلى موضوع الحرية والديمقراطية والحكم الصالح كموضوع لابد أن يحظى بالأولوية، ولا يمكننا معالجته بمعزل عن قضية إعادة توزيع الثروة فى الوطن العربي.
لا يستطيع قارئ هذا التقرير أن يمنع نفسه من الشعور أنه معنى فقط بالطبقة الوسطى العربية وتطور معرفتها وطرق تعليمها وقدراتها باعتبارها كما يرى الكثيرون من الباحثين وحتى من السياسيين هى رافعة التقدم وقاعدته، أما الفئات الدنيا فى المجتمعات العربية فإن العناية بها هامشية وعابرة وكأن أوضاعها سوف تتغير بمجرد تغير أوضاع الطبقة الوسطى وتقدمها وهى فكرة شائعة فى بعض الأدبيات السياسية الليبرالية.
أسلوب التربية

فمثلا فى سياق الحديث فى الفصل الثانى عن نشر المعرفة فى البلدان العربية عن نوعية التعليم ما قبل المدرسى ومن أجل تنمية قدرات الطفل وتوسيع مداركه لكى يصبح عنصرا فعالا فى مجتمع المعرفة يتعين الانتباه إلى أسلوب التربية داخل محيط الأسرة وداخل رياض الأطفال ..
وذلك دون انتباه لحقيقة أن هناك ملايين الأطفال خارج المدارس وبالطبع هم خارج رياض الأطفال 11 مليون طفل ومن بين هؤلاء أطفال الشوارع الذين يقدر عددهم فى مصر طبقا لإحصائيات وزارة الشئون الاجتماعية بما يقرب من مليونى طفل.
والخروج من إطار الطبقة الوسطى وحدها فى التفكير والتخطيط والتنظير وبناء استراتيجيات المستقبل للتعامل مع الطبقات والفئات الشعبية هو وحده الكفيل بتعميم فائدة هذا التقرير المهم وتحوله إلى أداة للتغيير لا فى يد النخبة من الطبقة الوسطى وحدها وإنما أيضا فى يد طلائع الطبقات الشعبية التى تكافح لتغيير حياتها، وبناء مجتمع أفضل يتوفر فيه العدل والكرامة الإنسانية لجميع الناس حتى يسيطروا على مصيرهم.
دور الدين فى الثقافة

وتتعلق الملاحظة الجزئية الأخيرة على هذا التقرير ـ نحو إقامة مجتمع المعرفة ـ تتعلق بحديثه عن الدين فى الفصل السادس الخاص بالثقافة حين يقول إنه من الطبيعى أن يكون الدين الإسلامى هو المقصود هنا أكثر من غيره، ذلك أنه دين الأغلبية فى البلدان العربية، فضلا عن أنه كان باعثا أساسيا فى تشكيل الحضارة العربية الإسلامية، لكن هذا لا يقلل أبدا من شأن الجماعات العربية التى تدين بغير دين الإسلام لا سيما المسيحيون الذين احتلوا مكانة جليلة فى الثقافة العربية الكلاسيكية والحديثة.
والتقرير يتجاهل هنا ــ لأسباب سياسية على ما أظن ـ الدور الكبير الذى لعبه اليهود فى الثقافة العربية الإسلامية قديمها وحديثها خاصة قبل زرع إسرائيل فى قلب الوطن العربى واغتصاب فلسطين.
أما معالجة التقرير لموضوع المرأة فسوف أناقشها فى مقال مقبل.



فريدة النقاش -كاتبة وصحفية مصرية

المصدر عرب اون لاين .......
  #77  
قديم 24/03/2004, 07:58 AM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
من المستفيد من التدفق الحر للمعلومات؟

د. حامد شظا المرجان

يكثر الحديث هذه الأيام عن التدفق الحر للمعلومات، ومن المستفيد من هذه المعلومات وما تأثيرها على دول العالم، وإذا كانت المنظمات الدولية ذات الشأن المعلوماتي وعلى رأسها منظمة اليونسكو تؤكد على التوازن والموضوعية في تدفق المعلومات بين دول العالم، فهناك دول تتحكم في تدفق المعلومات وترى ان سيطرتها على المعلوماتية يمكنها من السيطرة على العالم ثقافياُ واقتصاديا.
وبما أن العالم اليوم ينقسم انقساماً حادا بين المجتمعات الغنية والشعوب الفقيرة، وان جاذبية الحداثة والتنمية أصبحت ذات إغراء قوي يمكنننا فهمه وربما لا يمكن إدراكه بالنسبة للبلدان الفقيرة، حيث لا تحظى الظروف المصاحبة للتنمية دفعاً للنمط العربي بتقدير كاف، فالتكنولوجيا وطريقة استخدامها تؤثر على الاتصال الاجتماعي والثقافي وان قبول التنمية أو الحداثة في دولة ما يجلب معه الكثير من المعدات والتقنيات مغلفة بثقافة الصانع وطبيعة الاتصال التكنولوجي بين البشر يحدد العلاقات الاجتماعية بينها.
وقد عبر الكثير من علماء الغرب عند مناقشتهم لموضوع التنمية ووصلوا إلى قناعة بأن التأثير الذي يمكن أن تضطلع به وسائل تكنولوجيا الاتصال عن طريق النصح والمحاكاة في إرشاد الشعوب "التقليدية" إلى اتباع النهج الذي سلكته المجتمعات الأكثر تقدماً وهكذا رأى أنصار هذه الآراء أن تعزز وسائل الإعلام الحديثة بما يسمى "بالتقمص الوجداني" من أجل إحداث التغيير والاتجاه إلى العصرية والتخلي عن النزعة التقليدية وتفضيل السلع التي ينتجها المجتمع الاستهلاكي الغربي. والمتتابع للمتغيرات الاجتماعية والثقافية في البلدان التقليدية يلاحظ أن نظرية التقمص الوجداني قد أثبتت نجاحها في الدول التقليدية وبالأخص في الدول النامية أو التقليدية ذات الوفرة المالية فنرى التقمص الوجداني في هذه الدول اصبح ذا تأثير قوي ليس فقط في تفضيل السلع الاستهلاكية التي ينتجها الغرب وانما الأكثر خطورة التأثير الثقافي للغرب في المجتمعات التقليدية.
إن نظرية الحداثة التي تمت دراستها من قبل علماء الاجتماع السياسي في معهد ماساشوسيتس للتكنولوجيا تؤكد أن الحداثة تمر بأربعة متغيرات هي التحضر والتعلم والتعرض لوسائل الإعلام والمشاركة ومن ثم فان التحضر المتزايد اتجه إلى زيادة التعلم وازدياد نسبة التعلم اتجهت إلى الزيادة في نسبة التعرض لوسائل الإعلام والقنوات التلفزيونية والإنترنت وغيرها مع اتساع المشاركة الاقتصادية والسياسية ولاشك يجب أن يضاف إليها الأهم وهي المشاركة الثقافية التي تشكل بعدا خطيراً على كثير من الشعوب.
وبالمقابل تنبهت كثير من المؤسسات الدولية للعلماء الأمريكيين وعبّرت المنظمة الدولية لليونسكو عن رأيها بأن يجب أن تكون هناك معايير تتحكم في وسائل الإعلام والاتصال حتى تكون ملائمة للتنمية، والمتتابع لعلماء الاجتماع الأمريكيين يعرف أن هذه النظريات تتم دراستها في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي ولكن اصبح لها تأثير شديد بالرغم من تطور وسائل الاتصال من إنترنت وغيره ساعدت بقوة من المشاركة لشعوب العالم عن طريق أدوات الاتصال الحديث.
وما يهمنا في هذا المقال الكيفية التي يمكن بها حماية مجتمعاتنا من الجوانب السيئة للحداثة الغربية وثقافتها و الاستفادة منها إيجابيا. طبعاً من المستحيل أن تستورد التكنولوجيا الغربية وتطور اتصالاتها إيجابيا فقط ولكن يمكننا تطوير هويتنا الثقافية لتكون قادرة على مواجهة الغزو الثقافي الغربي.
ومجمل القول ولاسيّما تكنولوجيا الاتصال قد تم ادراكها وتطويرها وتشعبها بمصالح الرأسمالية الأمريكية ومواصفاتها منذ الحرب العالمية الثانية وما زالت كذلك حتى الآن.
وبما ان التكنولوجيا الغربية لا تعد جزءا لا يتجزأ من النظام الاستغلالي فحسب، إنما تعمل على توسيع وتعميق ذلك للاستغلال فهل يمكن تصور وجود بديل، وبأن النظام العولمي الجديد هو نتاج ما تم الاتفاق عليه في الحرب العالمية الثانية وتم تطويره بعمل المؤسسات تحت ما يسمى بالمنظمة العالمية للتجارة وظهرت هناك الكثير من المعارضة الدولية والشعبية على نطاق العالم مما أدى إلى البحث عن بديل للنظام العالمي الجديد.
وبدأت في كثير من الدول وعلى رأسها ألمانيا وفرنسا تدعمها كثير من المؤسسات و الجامعات العالمية ومنظمات ذات توجهات انسانية لتبني ما يسمى بالطريق الثالث الذي يرى اعادة النظر في النظام العولمي الجديد وتبني أفكار وأنظمة اقتصادية جديدة تراعي فيه الدول الذات المختلفة والحفاظ على التعددية الثقافية للشعوب خوفاً منها من تسبب هذا النظام في حرب عالمية ثالثة لا يحمد عقباها.
لا شك أن العالم أجمع لا يرغب في تكرار الحرب العالمية الأولى أو الثانية وان التقدم التكنولوجي صاحبه تقدم في الآلة العسكرية يمكنه فناء العالم في ثوان، لهذا يدرك حكماء العالم بأنه يجب البحث عن اتجاه جديد يراعى فيه الظروف الاقتصادية والثقافية لشعوب العالم أجمع يكون أساسه العدل والتوزيع العادل للثروة ومراعاة الشعوب الفقيرة وتنميتها مع الحفاظ على ثقافتها هذا إذا أردنا ان نعيش في عالم يسوده السلام والوئام.
ويرى الكثير من العلماء والسياسيين ان ظاهرة الإرهاب ما هي إلا نتيجة لما يحصل في العالم من سياسات غير حكيمة لاتراعي المصالح العالمية ولا تنظر إلى العالم إلا من وجهة نظر أحادية وأن الاستمرار في السياسات الاقتصادية ذات التوجه الأوحد سوف تزيد من هذه الظواهر.



--------------------------------------------------------------------------------
المصدر جريدة عمان
  #78  
قديم 29/03/2004, 12:25 PM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
تحدي القراءة !


ثريا الشهري *

من حق القارئ أن يسأل عن بذور الثقافة التي نمت في حياة الكاتب أو المؤلف التي على أساس ثمارها الناضجة كان النتاج المقروء، ولكن الأصعب هو أن يتحدث المرء عن بستانه الذي قد لا يرى فيه ما يميزه عن غيره من البساتين الأثمر والأرحب.
مع هذا، وبالرغم من حساسية الطرح بكل ما فيه من تحدث عن النفس قد يُفهم على أنه تضخيم للذات، وبالرغم من تشابك عناصر أخرى مكونة لا تقف عند حدود عناوين الكتب المقروءة ونوعيتها، إضافة الى عامل البيئة العائلية والتعليمية المحيطة، ومشوار الحياة بطوله وما صاحبه من تفاعل مستمر بين الشخصية والظروف التي مرت بها، ما لا يستوعبه مقال موجز. لكن لابأس في المحاولة.
لكن لا يمكن إغفال تأثير العناصر السابقة في التكوين العام لشخصية الكاتب، لذا سأتجاوز المهم للأهم، والسؤال المطروح: كيف بدأ معي حب القراءة؟ وبم استعنت في ترجمة هذا الشغف الذي تملكني منذ الثامنة من عمري؟ إنه قدر جاء بهديته في يوم من أيام الدراسة وبالتحديد في فترة اختبارات الصف الثالث الابتدائي، حين اجتمعت مع زميلات لي لنقص على بعضنا الحكايات، فكانت زميلتنا (هدى) أقدرنا على السرد، مما دفعني لسؤالها عن مصدر ما جاءت به، لتجيبني بكلمة واحدة «قرأته». لم تكن في حاجة لتزيد عليها، فمنذ تلك اللحظة بدأت علاقتي «الفسيولوجية» بعالم الكتاب، جوع عقلي ينتظر الشبع، وظمأ نفسي يتوق إلى الارتواء، وهو عالم كان بسيطاً في بداياته، لا يزيد عن مجموعة قصص، كانت الصفحة الواحدة منها تأخذ مني وقتاً وجهداً لأنتهي من قراءتها، وقد يحدث وأسأل نفسي: بماذا خرجت! فلا أملك جواباً، فأستشيط غضباً من كاتب لم يراع قدراتي، ولا أغضب من إصراري على قراءة كتب لا أملك معاني مفرداتها! ولكن أبداً لم يثنني ذلك الشعور عن المضي في عالم القراءة، وما لم أكن أستوعبه، وجدتني أستمتع بقراءته فيما بعد، وكيف لا يكون وأنا أقرأ لأحمد أمين، فالحق أن هذا الكاتب الأزهري الموسوعي الذي استطاع المزج بين الثقافتين العربية والأوروبية، قد كان له الأثر الإيجابي في نفسي وفكري، فمن يقرأ ما كتبه من تاريخ للحياة العقلية في سلسلته عن «فجر الإسلام وضحاه وظهره»، ومن يهضم «فيض الخاطر» بأجزائه العشرة لا بد وأن يجتمع له من الثراء اللغوي والمعرفي ما يعينه على التمكن عند تأسيس بنائه الثقافي، ولا يفوتني في هذا السياق التنويه بدور والدي في متابعة قراءاتي، فلا أذكر أنه منعني يوماً واحدا من قراءاتي، وإنما كان الطلب المعتاد بأن آتيه بما لديّ من كتب لأسمع تعليقه عليها، وخاصة ما اشتريته منها أثناء العطل الصيفية للمدرسة، وكم نصحني باقتناء مؤلفات كانت مكتبتي المحدودة آنذاك تفتقر إليها. وأذكر ذات يوم أنه رافقني إلى المكتبة وطلب مني شراء ما أرغب، فكنت من فرط سروري وعلمي بميزانية الشراء المفتوحة أشتري بدون قراءة التعليق الذي ألفناه في نهاية الكتاب، وهي عادة ما زالت تلازمني حتى اللحظة، فكما تتفحص المرأة ثوباً لتشتريه، كذلك الحال عندي مع استبدال الثوب بالكتاب هذه المرة، فالمرء يبتدئ في الثقافة هاوياً، فإذا بها وقد تحولت إلى عادة تملك عليه لباب عقله، فيمضي الوقت معها، ويضن بها على غيرها، وهي صناعة ثقافية يعود نجاحها إلى التنشئة الابتداعية لا إلى تلك الإتبّاعية، ولم أر غير الكتاب، قراءة وتمحيصاً يتبعها النقد وعقد المقارنات، أكثر قدرة على غرس هذه النزعة الابتكارية في طريقة التفكير منذ الصغر، وهو أسلوب يأتي إلى صاحبه بالتعود والإصرار مع توقد الذهن والتدقيق أثناء القراءة.
فالكتاب الذي لا يحفز فينا روح التساؤل ولا يضيف إلى خزانة معلوماتنا ما يبعث على الرغبة والنشاط في الارتقاء، فهو إما أنه اختيار سيئ لكتاب مسطح، أو أن المتبع في تلقي المعلومة قد ركن عند درجة الجمود لا التغيير، إذ يجب على من ينشد الثقافة ألا يترك ما قرأه إلا وله عليه حكم، فلو علم المشتغلون بالحرف أن غاية قرائهم أن ينتفعوا ويرتقوا بما يقرأون، لعمدوا إلى التركيز الأكثر، وإلى البحث الأشمل قبل كتابة ما لا ينفع وما لا يرفع، وللإنصاف ينبغي الاتيان على ذكر الشق الآخر من المعادلة الذي يقرر أنه لو كانت النزعة الارتقائية عند القارئ، أو كما يسميها برناردشو «شهوة التطور» هي الهدف المرتجى دائماً من وراء القراءة، للسمو بالنفس إلى مستويات أرفع من المستوى المعاش، لكانت وطأة إرضاء جميع الأذواق أقل حدة عند اختيار الموضوعات المطروحة، لأن الذوق العام وقتها سيتحدد بكل ما هو راق، ولكن، وبما أن المطبوعة إنما يحددها طلب السوق، والمعتمد في رواجه على الشريحة الأكبر التي قد لا تعي إلا مستوى معين في اللغة والتناول، فإن قانون الاستمرارية أحياناً قد يفرض منطقه على حساب النوعية.
أعود لمحور المقال، أكثر ما أضاف إلى عقلي لم يكن مجرد دراستي الجامعية للغة العربية وما أرسته من قواعد لكتابتي، وإنما هي القراءة باللغة الإنجليزية، التي وصفها أحمد أمين عند تدوينه لسيرته الذاتية وكأنها العين الأخرى للإنسان، فتخصصي عند دراسة «الماجستير» الذي حتم عليّ الخوض في فروع لم أتعود التبحر في عوالمها، كان من ضمنها السياسة والاقتصاد، قد فرض عليّ التخصص في مجالات قد ينفر منها المرء أحياناً، ناهيك ممن دأبت أن تقرأ في الأدب القصصي والاجتماعيات، فكنت أقرأ الكتاب الواحد ثلاث مرات، الأولى لفهم اللغة وما استعصى من كلمات، والثانية لقصد المؤلف من تناوله، والثالثة للتلخيص والاستنتاج، وهي عملية متواصلة للاطلاع كانت تستحوذ على جزء كبير من ساعات المساء، باستثناء وقت المحاضرات، وما يتطلبه البحث والتنقيب في مكتبة الجامعة أثناء النهار.
وغاية القول ان القراءة تحتاج إلى الصبر، ثم الرغبة والحافز الذي ينشأ عنه ما يسمى بالعاطفة والميل نحو الكتاب، وهو أمر ينبغي أن تتخلق النفس به، بعيدا قدر الإمكان عن التأثير السلبي لمركب نقص في الشخصية أو لتجارب واقع أليم، حتى لا يقع المرء في دائرة الغرور والاحتقار للغير، اللذين قد يكونان النتاج الطبيعي لهذا النوع من الثقافة الاستعلائية، المغلفة بمنطق التميز الفوقي وليس التطوري.
إن القصد من الثقافة هو التعلم، أي نقل المعارف إلى حياتنا بحيث ننتفع بها في سلوكياتنا وميولنا وتصرفاتنا العامة والخاصة، فلا قيمة تذكر لثقافة لا تتفاعل مع الحياة، أي ليس لها من وظيفة عضوية في الكيان النفسي، ولئن وجد هذا الاستعداد، فلا ينبغي التعويل على مقدار الذكاء الفردي، فذكاء متوسط مع كثير من الرغبة في التحصيل، هما خير من ذكاء متوقد مع انعدام هذه العاطفة، وكم من ذكي انتهى بترهل ذهني وحياة منطفئة، وكم من آخر أقل في قدراته الذاتية وصل باجتهاده وتحديه إلى احترام الناس له وانبهارهم من قدرته على الإلمام الواسع بمختلف المعارف، خاصة إذا توجت بعمل ينتفع به المجتمع، فالمسألة برمتها خاضعة للإنسان وإرادته بقطع النظر عن امكاناته.
وبعد، هل أكون بحديثي هذا قد استوفيت الموضوع حقه! لا أبالغ إذا قلت أنني لم أبدأ بعد، ولكن لعلمي بتجربتي وما قد تعود بمضمونها من إضاءة ما عند بعض القراء والقارئات، فقد حملني هذا العلم على إلحاق مقالي بآخر أتحدث فيه عن جوانب أخرى لم تسعفني المساحة لتناولها! فإلى الأسبوع القادم إنشاء الله.

المصدر جريدة الشرق الاوسط
  #79  
قديم 30/03/2004, 10:04 AM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
ببغاوات تبحث عن مؤلف
2004/02/14


خيري منصور


اول ما خطر ببالي عندما نعت بريطانيا الصغري ببغائها العظمي، او المس تشارلي، التي عاشت اكثر من صاحبها بعقود، هو ما تردده الببغاء من عبارات انتهت صلاحيتها السياسية منذ الحرب العالمية الثانية، والمس تشارلي هي ببغاء ونستون تشرتشل، التي لم تكن طوال تلك العقود التي اعقبت رحيله مجرد يتيمة، فهي اقرب الي الأرملة، ولا بد انها كانت تهذي في لحظات الاحتضار الطويلة التي تليق بالببغاوات المعمرة في الامبراطوريات غير المعمّرة بكلمات تهجو هتلر، وتنذر النازية بالسقوط، ولعلها ايضا رددت في لحظة ما عبارة تشرشل الشهيرة وهي (بترلة) الاسطول البريطاني، والكلمة مشتقة من البترول.
واذا كان روائي الماني هو غراس قد كرّس نصا للبحث عن كلاب الفوهرر المدللة، والمصير الذي انتهت اليه بعد أفول الرايخ، فان ببغاء تشرشل او ارملته ذات الاجنحة ما تزال تبحث عن روائي من طراز داريل او اورويل او حتي غرين ليكتب حكايتها.
والتداعيات التي يثيرها نعي ببغاء انجلوساكسونية تجاوز عمرها القرن لا حدود لها، منها مثلا تلك الأوصاف النادرة، المفعمة بالرثاء الممزوج بالهجاء التي قدمها ماركيز في خريف الباتريارك، جيف ومومياوات، وهياكل عظمية، لأبقار وغزلان ونسور، وروائح عريقة، تلاشت مصادرها لكنها بقيت مبثوية في الهواء الفاسد داخل الغرف الموصدة في القصر المهجور!
أذكر ان الراوي، تساءل في خريف الباتريارك عن اعشاش غربان السلطة، وهو يملأ عينيه بالمرمر والرخام، والقفازات الحريرية البيضاء لخدم بالغي التهذيب، وذلك كله وسط روائح حريفة لقهوة طازجة وعطور برية تنبعث من عدة زوايا في المكان!
وتذكّرنا ببغاء تشرشل او أرملته المجنّحة بالكلب هول الذي طالما امتدحه اللورد راسل في ثلاثينات القرن الماضي، لأنه *** مدرب علي عض الثوار المصريين.
وقد يكون مدربا ايضا علي شم روائح نوايا الناس، فهو *** مسيّس، وله رتبة كولونيل، وقد يؤدي له الجنود او الضباط الانكليز من الرتب الادني التحية، وقد يرد عليها، لأنه كان يرتدي سترة عسكرية، ويمشي الخيلاء مثل صاحبه، ومن معه من الجنرالات!
لقد رحل الكلب هول ، مثلما نفقت كلاب الفوهرر، وتحوّلت الحيوانات والنسور المدللة للباتريارك الي جيف ناشفة بلا تحنيط في ممرات الرخام، وهذا ما حدث لمس تشارلي ببغاء الرئيس، الذي لا بد انه جعلها تدمن رائحة السيجار الكوبي الذي لم يكن يفارق شفتيه حتي وهو يداعب ببغاءه!
واذا كانت الوثائق السرية حسب التقاليد الدبلوماسية يمكن الافراح عنها في المتحف البريطاني او أطلال وزارة المستعمرات بعد ثلاثين سنة، فان اكثر من سبعين سنة تكفي لكي تستجوب الببغاء، فلعلها تعرف عن اسرار الحرب العالمية الثانية اكثر من جنرالات، لكن المشكلة هي ان الببغـاء حين تسمع ســـؤالا، تكرره، فهي تــــــردد الكـلام فقــــــط، ومن يدري لعلها كانت تعرف موعد نهاية الحرب الكونية الثانية اكثر من اقرب القـــــادة الي تشـــــــرشل، الذي سأله سائقـــــه ذات يوم ... متـــــي ستنتهي هذه الحـرب يا سيدي؟ فأجابه تشرشل: عندما تعرف ارجوك ان لا تتردد في ابلاغي بذلك الموعد!
ان طيور وحيوانات وزواحف الزعماء لها من المزايا ما لم ينعم به المقربون، فلا بد ان كلاب الفوهرر عاشت حياة أكثر سعادة واطمئنانا من غوبلز نفسه، مثلما عاش الكلب هول في مصر حياة اكرم من حياة من تعاونوا مع الاحتلال او حتي من كانوا من ضباط الاحتلال.
وثمة مشهد اقترن بسقوط بغداد في تلك الظهيرة الربيعية غير الخضراء، عندما شاهد الناس علي الشاشة مهرا عربيا رشيقا تائها كاليتيم بين السيارات، هو من خيول عدّي ابن الرئيس التي كانت تعيش حياة كريمة في مزرعته، ولأن فضولنا نحن العرب داجن، ومقتصر علي العناوين السياسية الكبري، فما من مقالة او تعليق كتب عن ذلك المهر.. الذي قد يكون انتهي الي حصان كسير، يجر عربة كاز في بغداد، او يحرث حقلا رغم انه لم يعرف مثل هذه المهنة من قبل!
لقد خشيت شاعرة ذات شأن هي ايديث سيتويل علي مصير قطتها المدللة لحظة الاحتضار اكثر مما خشيت علي نفسها من الموت، ويروي انها عندما جاء القس لتعترف امامه في لحظات الوداع، اغمضت عينيها وافتعلت النوم او الغيبوبة، لتفاجأ بأن القس مدّ يده واخذ حصة القطة من الحليب! واخذ يلعقه ببطء وثقة! مما دفعها الي طرده ورفض مواصلة الطقس الاعترافي، دفاعا عن القطط التي احبّتها!

ہہہ

ولأن الشيء بالشيء يذكر، والببغاء تذكر ببنات جنسها، فقد روي اندريه مالرو في اللامذكرات، حكاية طريفة عن ببغاء العائلة وكان اسمه كازيمير ، حصل عليه جد مالرو من سيرك اقيم في قريته، ثم لقّنه جملة واحدة كان يكررها كلما مر به الصبّي المتمرد اندريه... العبارة تقول: افعل ما ينبغي عليك .....
وذات يوم ارتكب الطفل اندريه مالرو خطأ عاقبته عليه العائلة، مما حفّز الببغاء الي الالحاح في تكرار تلك الموعظة ... افعل ما ينبغي عليك، وعندما ضاق الطفل المتمرد بتلك الببغاء التي وصفها بأنها شمطاء ثرثارة أحضر لها باقة من البقدونس، لأنه سمع من بعض اصحابه ان الببغاء تموت علي الفور اذا اكلت البقدونس، لكن حظ الطفل كان سيئا، فبعد ان القمها البقدونس كله، تحسنت صحتها، وازدادت عافية وثرثرة، ولعلها الببغاء الوحيدة في التاريخ التي شذّت عن القاعدة، وحوّلت اسباب الموت الي اسباب عافية، بالطبع تعلم اندريه مالرو من الببغاء كازيمير اكثر مما تعلّم من الموسوعيين الفرنسيين، او حتي جان جاك روسو، وعاش حياة علي الحافة من كل شيء، وأدمن المغامرة حتي المجازفة لكنه لم يمت كما ينبغي له ان يموت، وانتهي علي فراشه مشلولا، وان كانت الببغاء كازيمير لم تعمر مثل المس تشارلي ببغاء تشرشل، لأنها لو عاشت مئة عام، فلا ترددت في ترديد عبارات بعينها علي مسمع العجوز مالرو!

ہہہ

في ادبياتنا الشعبية، خصوصا تلك التي تتغذي من الفروسية، يطــــيب للراوي ان يقتل حصان او فرس الفارس بعد رحيله، لأنها تأبي ان يمتطيها رجل آخـر، وقد تذهب بعض الحكايات بعيدا، فتصور الفرس ارملة، تصهل طوال الوقت بعينين دامعتين، وهي تفتش عن فارسها!
لكن الببغاوات والكلاب والقطط ليست افراسا، والبعض منها يقترن اسمه بالخيانة، لأنه يدين فقط لمن يعلفه ويؤويه ويداعب فروته.
لم يقل لنا احد اين وكيف عاشت الببغاء تشارلي طوال تلك الاعوام بعد رحيل صاحبها وبقي مصير الكلب هول الذي عشقه اللورد رسل في مصر غامضا، تماما كمصير كلاب الفوهرر التي لم تكن معه وبصحبة طبيبه د . مايلر وعشيقته ايفا براون في الملجأ الذي شهد المصير التراجيدي.
ولا أظن ان الدعوة الي رحمة عزيز ذلك تشمل الحيوان او الطير، لأنها لا تشمل الناس انفسهم احيانا!
وقد يبدو افراغ الطاقة في تأمل مساحات صغيرة وهوامش صغري كهذه من قبيل البطر الثقافي، وذلك لأن بعض الثقافات في عالمنا ابتليت ونكبت بمن ضيّقوا الخناق عليها، وجعلوها حكرا علي العناوين، والكليات، لهذا فهي ثقافات يأسرها التجريد بمعناه السلبي، لا الموسيقي، فهي تمجّد الصنف او النوع لكنها تزدري الفرد المنتسب الي هذا الصنف، ولو شئنا ترجمة هذا الكلام العام الي ما هو محسوس ويومي، فلنتأمل خطاب ثقافتنا الذي يعلي من شأن العرب كقوم، لكنه ينكّل بالعربي، ويزدهي بالشّعر ويزعم انه صاحب ديوانه الأبدي، لكنه يصلب الشعراء ويتفنن في تعذيبهم، وانكارهم!

ہہہ

بين الببغاء تشارلي التي عاشت في كنف ونستون تشرشل وبين الببغاء كازيمير التي ادمنت البقدونس، ما بين سياسي محترف ومثقف وجودي، فونستون تشرشل رغم شغفه بالثقافة في بعدها القومي كاعتزازه ذات يوم بأنه من بلاد شكسبير، لم يكن مثقفا بالمعني التاريخي الدقيق، ورغم انه رسم العديد من اللوحات الا انه لم يندرج في قائمة الرسامين المهمين في اوروبا.
بعكس اندريه مالرو الذي فشل في ان يكون مجرد ظل للجنرال ديغول، كما فشل في أن يجعل دوره في الهند الصينية، او في الحرب الاهلية الاسبانية أهم من رواياته مثل الطريق الملكي، وقدر الانسان، واشجار الجوز في التنبورغ.
وكأن الببغاوات ايضا لها اقدار، تستمدها رغما عنها من اصحابها الذين عاشت معهم، فلو عمّرت ببغاء عائلة مالرو حتي اصبح الصبي كاتبا فاعلا في فرنسا، لرددت عبارات عدمية، واخري وجودية، من فرط ما تسمع من المؤلف المهجوس بأبطال عصرنا، هؤلاء الضائعون التائهون بين جحيمين.
وقد لا يكون ابطال روائي ما ينطقون باسمه لأنهم ليسوا ابواقا للمؤلف، لكن ما قاله ابطال مالرو عن المثقف العظيم في احدي رواياته، لا بد انه ترديد لما كان يدور في رأس المؤلف، وهو ان المثقف العظيم هو الذي يعتني بالفروق لكي يبعثا.
ومن يدري، لعل بعض شخصيات الروايات، هم ببغاوات ايضا، علفوا بالبقدونس ليموتوا لكنهم اخرجوا ألسنتهم للمؤلف، وسمنوا من السم بدلا من ان يموتوا به!
0

المصدر جريدة القدس العربى
  #80  
قديم 31/03/2004, 10:13 AM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
دورة المجتمع المدني والعنف السياسي.. في البلاد العربية


د. علي الطراح

كان للتغيرات التي حدثت على الساحة الدولية، تأثير كبير على إعادة طرح موضوع المجتمع المدني، فقد أدى انهيار الاتحاد السوفيتي سابقا وسقوط جدار برلين والنضال الذي لعبته المعارضة للنظام الشيوعي في بولندا وبقية الدول الاشتراكية، إلى الإسراع في طرحه من جديد.
أيا كان الأمر، فإن طرح هذا الموضوع من جديد يشير إلى فشل النظام السياسي العربي في تأطير المجتمع والسير به إلى بر الأمان، فسنوات الأحادية الحزبية والنظام السياسي الشمولي والقمع الذي مارسته السلطة الحاكمة ضد كل من يعارضها في التوجه وطمس المجتمع المدني وعدم تفعيله والحاقه قسرا بالنظام السياسي، كلها عوامل ساعدت على بروز الأزمات التي عرفتها بعض الدول العربية من عنف سياسي، الذي مهما كانت مبرراته فإنه يعتبر كمؤشر لفشل الدول الوطنية ما بعد الاستعمار في جميع الميادين: اقتصاديا فشل برامج التنمية، اجتماعيا غياب فعلي لمؤسسات المجتمع المدني، سياسيا فقدان للشرعية السياسية وما يتبعها من حرية التعبير وغياب الديمقراطية.
فقد بدأ بعض الباحثين في العالم العربي استخدام هذا المفهوم النسبي «المجتمع المدني»، عندما ساد الاقتناع بأن الدولة العربية القطرية الحديثة (أي دولة ما بعد الاستقلال) فشلت في إيجاد الحلول للتحديات الناتجة عن التطورات السكانية والاقتصادية والسياسية التي واجهها المجتمع العربي في النصف الثاني من هذا الفشل فسّره كثيرون بأنه نتج ـ جزئيا على الأقل ـ عن الطابع السلطوي الذي اتصفت به معظم الأنظمة العربية والذي لم يتح مجالا كافيا للمشاركة الشعبية.
وهكذا غدا مفهوم المجتمع المدني يقدم إجابة عن العديد من المسائل، فهو الرد عن سلطة الحزب الواحد في الدول الشيوعية بإيجاد مرجعية اجتماعية خارج الدولة، وهو الرد على بيروقراطية وتمركز عملية اتخاذ القرار في الدول الليبرالية، وهو الرد على سيطرة اقتصاد السوق على الحياة الاجتماعية، وهو الرد على دكتاتورية العالم الثالث من جهة، وعلى البنى العضوية والتقليدية من جهة أخرى.
يشير مفهوم المدني إذن إلى التحول الهائل والحاسم الذي حدث في الفكر السياسي خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر بوجه خاص. ويعبر عن الإرادة التي أظهرها الفكر الغربي الحديث عامة في الانتهاء من أزمنة العصور الوسطى والتخلص منها، بل وفي إعلان القطيعة مع النظام القديم جملة وتفصيلا والقول بنظام جديد يقوم على أسس مختلفة ومخالفة.
إن مفهوم المجتمع المدني يتجاوز المصالح الآنية الضيقة، إذ ان هدفه هو الصالح العام ومنشأه ودافعه هو العمل الحر الطوعي لصالح المجتمع، بل هو صمام الأمان للدولة وهو بارومتر التوازنات التي تحدث في المجتمع وهو فوق هذا أداة للتوازن والتنظيم تقف بين الدولة بسلطتها القهرية والمادية وبين المجتمع وتطلعاته التي قد تتجاوز ما هو مسموح به قانونا والحد من هذه النزوعات الأنانية التي قد تتخذ أشكالا تعبيرية تتنافى مع فلسفة ومبادئ المجتمع المدني.
قد يبدو للوهلة الأولى أن مقولة العنف السياسي أو اقتران كلمة السياسي بكلمة العنف، تعني أن العامل السياسي هو الدافع الحقيقي للعنف، وهذا الطرح ليس سليماً ولا يعبّر عن حقيقة الظاهرة ـ العنف ـ إذ تتشابك عدة عوامل وتتضافر لتفسير ذلك، وإذا كان ظاهرياً أن العنف الذي ظهر في بعض الدول العربية ارتبط بالأصولية والإسلام السياسي في العقود الأخيرة. ومن المفارقات، أن ذلك ارتبط أيضاً بدخول مصطلح المجتمع المدني إلى قاموس علماء الاجتماع العرب ـ ومن بين هذه الأسباب ما هو اقتصادي، وما هو ثقافي، وما هو اجتماعي، اضافة إلى العامل السياسي.
ان العنف ليس ظاهرة خاصة بمجتمع دون غيره، وليس بزمان دون غيره، فهو ظاهرة تاريخية عالمية، من هنا، وانطلاقاً من التفكير المنهجي العلمي السليم الذي يقول إن لكل ظاهرة سببا أو أسبابا تؤدي إلى حدوثها، وأنه لا توجد ظاهرة اجتماعية تنشأ من فراغ، يمكننا القول إن هذه الظاهرة ليست ظاهرة ذاتية المولد، بل ان أسباباً عديدة ومتضافرة تؤدي إليه وإلى ممارسته.
ان أحد الأسباب المهمة لظهور ظاهرة العنف السياسي، هو غياب مجتمع مدني أو عدم فعاليته، ويكفي أن ندلل على ذلك اقتران ظهور هذا المصطلح على الساحة الفكرية والعملية بظهور بوادر فشل الدولة الوطنية في تحقيق مطالب شعوبها وعلى جميع الصعد سياسيا فقدان الشرعية وغياب الديمقراطية والمشاركة السياسية الفعالة، والتعددية السياسية.. الخ، التي أدت في النهاية إلى توفير الأرضية الخصبة التي ترعرع فيها العنف السياسي وعلى ما يقول المفكر المغربي «عبد الإله بلقزيز»، لا يحتاج المرء إلى كبير شرح لبيان درجة الانسداد التي بلغها النظام السياسي لـ «الدولة الوطنية» في الوطن العربي الحديث، وليس من دليل أبلغ على ذلك من عجزه عن تقديم أجوبة حقيقية عن المطالب التاريخية للمجتمع العربي: النهضة، التقدم، والديمقراطية، التي كان بعضها في أساس قيامه أو على الأصح ـ من مزاعم قيامه، وليس من شك في أن هذا الإخفاق السياسي الذي يعيشه النظام الحاكم في دول العرب المعاصرة مرده إلى فقدان الشرعية التي يقوم عليها كل نظام حديث: الشرعية الديمقراطية الدستورية: فهو إما نظام نخبات عسكرية نشأت خارج الحياة السياسية الليبرالية المتواضعة، أو اما نظام قبائل وعشائر وطوائف ينهل ثقافته من النظام السياسي العصبوي القروسطي أو من نظم الحكم المحلي في أوائل العهد الحديث، أو نظام ثيوقراطي يستعيد تقاليد الدولة السلطانية التقليدية.
إذن العنف السياسي التي تقوم به الحركات الأصولية المتطرفة في البلاد العربية، يترجم حقيقة ويعبر عن الأزمة العميقة التي تعيشها الدولة الوطنية التي احتكرت لسنوات طوال كل المجالات والمنابر، وألحقت مؤسسات المجتمع المدني، إن وجدت بها، لخدمة مصالحها ومشروعها الآيديولوجي الذي فشل في الأخير نتيجة لقوة القمع والقهر التي مارسها النظام الحاكم على المجتمع. وللتدليل على صحة ما نقول، نجد ان النظام السياسي هو نفسه الذي كان سباقا إلى استعمال هذا المصطلح ـ المجتمع المدني ـ وشجع على استعماله وهذا لمواجهة الأصولية الدينية. وهذا اعتراف صريح أن غياب مؤسسات المجتمع المدني كان يمكن أن يكون صمام الأمان للدولة لتجنبها العنف السياسي الذي تحول في الأخير إلى إرهاب أعمى.
ان وجود مؤسسات فعالة للمجتمع المدني كان يمكن أن ينشر الديمقراطية والحوار وثقافة التسامح بدل ثقافة العنف والإقصاء، فالمجتمع المدني هو فضاء للحرية والديمقراطية والمشاركة البناءة والمساهمة في تحقيق مشاريع التنمية وتجنب المجتمع والدولة التجاوزات التي قد تظهر نتيجة للإفراط في الذاتية والأنانية.
ان أهمية وجود مؤسسات فعالة للمجتمع المدني دفعت بالبعض إلى وصفه بـ «رأس مال اجتماعي» ففي كتاب صدر في السنوات الأخيرة للعالم الأمريكي «روبرت بونتام» أستاذ بجامعة هارفارد بعنوان «جعل الديمقراطية تعمل» يؤكد المؤلف عبر هذا الكتاب على العلاقة الوطيدة بين المجتمع المدني والديمقراطية، وبعد أن حاول كل التفسيرات الممكنة خلص إلى تفسير رئيس وهو ما أسماه رأس المال الاجتماعي.
ان تأكيدنا على أهمية المجتمع المدني وضرورة وجوده في مجتمعاتنا العربية، ينبع من التاريخ السياسي والاجتماعي للمجتمعات العربية أين غيبت مؤسسات المجتمع المدني وبدلاً من الحوار والمشاركة البناءة حل محلها القمع والإقصاء؟ وهكذا على مر السنين تراكمت الأخطاء والكبت ومع رياح الديمقراطية القادمة من الغرب، وجد المجتمع العربي نفسه مدفوعاً إلى الانتفاضة ضد الأشكال السابقة من التسيير السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وكان من بين مظاهر هذه الأزمة متشعبة الجوانب ما شهدناه من عنف سياسي كاد يعصف ببعض الأنظمة العربية.

أستاذ علم الاجتماع وعميد كلية الدراسات الاجتماعية ـ جامعة الكويت

المصدر جريدة الشرق الاوسط
  #81  
قديم 31/03/2004, 11:55 AM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
متي يعلنون وفاة التليفزيون المصري؟!
2004/03/31


سليم عزوز

النقد الجاد لأداء التليفزيون المصري محفوف بالمخاطر، لان القائم علي امره هو الرجل القوي في مصر السيد الأستاذ الرائد متقاعد صفوت الشريف، وهو رجل مبدع.. وفي كل شيء، ويكون مبدعا غاية ما يكون الإبداع وهو ينتقم من خصومه، الذين يتصورون ان الديمقراطية المصرية الخلاقة تسمح بالاقتراب من رحابه.. الطاهرة طبعا !
وقد جربت هذا الاقتراب وتلقيت تحذيرا لم آبه به، وكان الرد رادعا وصاعقا، وعندما تلقيت عرضا من القدس العربي للكتابة في هذا الباب فضائيات وارضيات وجدتني اردد اغنية جرح تاني مع المطربة المصرية المستجدة التي يذكرنا نجاحها بالقول المأثور: وعزتي وجلالي لأرزقن من لا حيلة له حتي يتعجب من ذلك أصحاب الحيل !
وفي الواقع فان مشكلتي مع نفسي، لاني صعيدي الذي علي قلبي علي لساني، وشعاري في الحياة: ليس لدي ما اخسره ، وزاد الطينة بلة ان أصبحت تحت يدي مساحة متخصصة في النقد التليفزيوني، وانا من المتابعين للحال المائل للتليفزيون المصري العملاق، وان كنت لم اعد من مشاهديه كما كنت في السابق، لان من مشاهدته باستمرار خشيت ان يكون عقلي قد أصابه الخفيف !
التليفزيون المصري الباسل راحت عليه ، وقد اصبح وجوده في حياتنا نحن المصريين فيه اكبر إساءة لنا، ولن أتحدث عن حضارة آلاف السنين، ولا عن ان التليفزيون المصري بث إرساله بينما هناك دول كانت لا تعرف كيف تتعامل مع أحذيتها، وهل تضعها في الأقدام ام فوق الرؤوس، فهذا كلام لا يؤخر ولا يقدم، فالشاعر الذي لا يحضرني اسمه الان ولا شكله قال: ليس المرء من يقول كان ابي وجدي. فما يعنيني هنا انه بسبب حال تليفزيوننا الذي لا يسر عدوا ولا حبيبا، أصبحت النظرة الي الإعلامي المصري لا تتسق مع قدراته، ولهذا تتهافت الفضائيات الجديدة علي الشوام، لان أصحاب هذه المحطات معهم عذرهم ان تصوروا ان التليفزيون المذكور يعكس قدرات العاملين فيه!
وان كانت التجربة قد اثبتت ان هذه النظرة ليست في محلها ، فالمذكور لا يعكس الا قدرات قياداته بقيادة المهيب الرائد صفوت الشريف، فهناك كثيرون قد اثبتوا جدارة خارج أسواره، ولعلنا نذكر ان المسئول عن قطاع الأخبار في قناة الجزيرة كان مصريا، وقد عمل في مصر فلم يكن يعرفه أحد، ولم يكتشف نبوغه مخلوق، وهو الذي كاد سمو الرائد ان يسحب منه الجنسية ويقدمه للمحاكمة بتهمة الخيانة العظمي، بحجة انه يعمل في قناة تهاجم مصر، وقد ناشد سموه الكتاب والمفكرين المصريين الا يشاركوا في برامجها علي أساس انها لم تقم الا علي عاتقهم، ولم تثبت نجاحا الا بالاستعانة بهم، ولم يسأل أحد سيادته ما دام الامر كذلك فلماذا لم يستعن بهم تليفزيونه لعله ينجح ويصبح جديرا بمصر وبتاريخها، ولماذا تقتصر استضافته في البرامج علي الهاجع والناجع والنائم علي صرصوره، ومن ثبت ـ بحكم القضاء ـ انهم يدفعون مقابل ظهورهم، مع ان المتعارف عليه ان المصدر يحصل علي اتعاب مقابل ظهوره وليس العكس!
وفي الواقع ان هذه الغضبة التي بدت علي الوجه الكريم لسعادة الوزير وهو يهدد ويتوعد، وهو ايضا يستجدي ويستعدي الكتاب والمفكرين المصريين، لم يكن لمصر فيها نصيب، فقد كان المحرض عليها هي الغيرة من ان تتفوق علينا قطر بقناتها التي هي مثل علبة الكبريت . ويلاحظ هنا ان يسري فوده الذي اثبت وجوده ونجوميته في قناة الجزيرة كان يعمل في قطاع الأخبار بالتليفزيون المصري، ولم يكن يعرفه انس ولا جان، ولو ظل في وظيفته لمات دون ان يسمع به احد، الامر الذي يؤكد ان المشكلة ليست في الإعلاميين، ولكن في القيادات الفاشلة، والتي شاخت في مواقعها ـ وهو الامر الذي يؤكد أيضا ان الغضبة كان لها ما يبررها، فنجاح الجزيرة كان كاشفا عن ان الفشل يرجع الي أصحاب القرار (الذين لم تعد لديهم القدرة علي ان ينافسوا خصما او يكيدوا عزولا) وليس في العاملين في عزبتهم!
وقد سعوا الي المنافسة، وهم لا يملكون متطلباتها، ولان الرغبة وحدها لا تكفي فقد فشلوا، وتحولنا بسببهم الي مسخرة يتغني بها الركبان، فالمحاولة كانت كمن شرب كوبا من اللبن الحليب، وظن انه بذلك اصبح اقوي رجل في العالم ونزل ليصارع محمد علي كلاي في عز مجده.. انظر الي المشهد لو ان هذا قد حدث، حتي تعلم حال تليفزيوننا العملاق وهو ينافس ويدوحر ويحاول علي طريقة شد الحبل !
في الأحداث المهمة والمفاجئة فان التليفزيون يصبح في حال يصعب فيه علي الكافر، ففي الأسبوع الماضي عندما ارتكب العدو الإسرائيلي جريمة اغتيال الشيخ احمد ياسين، كان التليفزيون المذكور اخر من يعلم، وقد سقطنا في الامتحان بجدارة، ولم نكن نحتاج الي امتحان من أي نوع لنكتشف فيه ان القوم لم تعد لديهم القدرة علي ان يصلبوا طولهم ، ولعلنا نذكر ان حاله كان يثير الضحك ـ علي اعتبار ان شر البلية ما يضحك ـ عندما وقعت أحداث البرجين، فقد كان تصرف القائمين عليه كمن تتخبطهم الشياطين من المس، ويكفي ان ألفت النظر هنا، الي انهم كانوا ـ طبعا بعد ان ذهبت السكرة وحلت الفكرة ـ ينقلون من الـ سي ان ان بشكل مضحك، فلم يعد خافيا علي احد ان هذا الحدث كان تكريسا لمكانة الجزيرة ودليلا علي نجاحها، ولم يعد ينفع في الامر، ان يخرج أكاديمي كالنائحة المستأجرة او كاتب يخطب ود صاحب ماسبيرو ليؤكد ان الجزيرة قناة فاشلة وان أعجبت العوام والدهماء!
لقد كانت الـ سي ان ان تنقل عن الجزيرة ولم تجد في ذلك حرجا، ولان تليفزيوننا الباسل كان يري ان النقل عنها عيبة في حق اقدم تليفزيون اخرج للناس، فقد تم التحايل علي ذلك بحيلة تنتمي الي قبيلة الماسخر حماها الله ـ القبيلة وليس الماسخر ـ حيث كانت الأحداث يتم نقلها من الـ سي ان ان ، والتي تنقلها من الجزيرة، ولان المحطة الأمريكية كانت تترجم تعليق المذيع الي الإنجليزية، فقد كان القوم عندنا يترجمون الترجمة، لنسمع هيصة ، فالمذيع الجزيري يتحدث بالعربية، والأمريكي يترجم عربيته الي الإنجليزية، والمصري يترجم الإنجليزية الي العربية، ضوضاء ما بعدها ضوضاء وكأننا في مولد سيدي احمد البدوي!
ولم يكن اداء التليفزيون التاريخي بأحسن حالا في أحداث الحرب علي العراق، وان كانت هناك مفارقة واضحة الدلالة هنا!
ففي أحداث البرجين وملحقاتها كان هناك اعتراف ضمني بالعجز، وكانت هناك محاولة خائبة لتبريره، اما في أحداث العراق فقد اتحفنا احد كبار صغار المسئولين بقولـه الذي قطع قول كل خطيب: (اننا تفوقنا علي الجزيرة و العربية ).. وهي بجاحة أخرست الجميع، ولعل هذا هو السبب في ان أحدا لم يعلق علي وكستنا في حادث استشهاد الشيخ احمد ياسين!
وان كنت اعتقد ان هذا الصمت المريب راجعا الي اعتقاد الجميع ان التليفزيون المصري قد مات ولم يبق الا إعلان ذلك، فمتي يعلنون وفاته ـ يرحمه الله ـ حتي نستريح؟



كاتب وصحفى مصرى
  #82  
قديم 05/04/2004, 04:13 PM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
267 ـ 1 ابريل 2004
Issue 267 April 1, 2004




سياسة

لا نسمع إلا المديح الأجوف للأشخاص والمؤسسات
صمت في الإمارات

بقلم: محمد عبيد غباش








































الإمارات هي الدولة الخليجية الوحيدة الصامتة عن قضية الديمقراطية. كل دول الخليج بما في ذلك العربية السعودية قامت بمراجعة سياسية لنظامها السياسي, وأدخلت تعديلات على آلية الحكم فيها, أو على الأقل هي تبذل جهداً معلناً يتبنى فكرة الإصلاح السياسي للمؤسسات القائمة, ويقوم بفتح حوار مع نخب مثقفة بغية توليد أفكار إصلاحية وتوافق حول خطوات التغيير.

أما في الإمارات فلا نسمع سوى صوت الصمت. هل أوضاعنا جميلة إلى الحد الذي لا نرى فيه أهمية للإصلاح والتغيير؟ هل تتمتع مرافقنا بالكفاءة وحسن الأداء إلى حد أننا لا نحتاج لإدارتها ديمقراطياً, بل نكتفي بالأسلوب الذي نديرها فيه طيلة العقود الثلاثة الماضية؟

إن أي رصد لمؤسساتنا العامة ومرافقنا التعليمية والصحية والسكنية يكشف أن مشكلاتنا كبيرة. بل إن أي تلمس لبعض جوانب الحياة العامة يُظهِر لنا أن هناك كوارث وأشباه كوارث... والمأساة أن نظامنا السياسي عاجز عن التصدي لها أو هو قد قرر سلفاً ألا يتصدى لها.

فهناك عدد هائل ممن فاتهنّ قطار الزواج, حُدد بـ35 ألف حالة لفتيات لا ذنب لهن في أن يُحرمنَ من الحياة الأسرية, ومهددات بفقد الجنسية إن هنّ أقدمن على الزواج من غير المواطنين, وهي الممارسة ذاتها المباحة للشباب المواطنين دون أن يتهددهم قانون بفقد الجنسية.

وهناك عدد هائل من العاطلين عن العمل الذين يتأخر توظيفهم أو يتم توظيفهم في غير المواقع المتوافقة مع رغباتهم, والأسوأ أن التوظيف بات متعذراً إن لم يكن مستحيلاً لفئة ليست بالقليلة.

هاتان ظاهرتان من أشباه الكوارث التي لا تقدم الدولة حلولاً حقيقية لها. لكن الظاهرة الأسوأ هي المشكلة السكانية التي يبدو أن الدولة بلغت فيها حالة اليأس التام. في الماضي كانت هناك محاولات (فاشلة دائماً), لكن على الأقل كانت هناك محاولات متعددة تحاول فهم الظاهرة ووضع بعض الحلول لتخفيف وطأتها. أما اليوم فلا يوجد أي جهد يبذل لمعالجة هذه الكارثة التي تجعل نسبة المواطنين تنخفض في بلدهم إلى ما بين 20% ـ 10%, وعليك أن تصدق بنفسك النسبة التي تريدها حسب المصدر الذي تود أن تصدقه... بدلاً من مواجهة الوضع المأزوم بشكل علمي وتحديد العلاجات المناسبة الكفيلة بعدم المساس بحاجات التنمية, فإن الدولة لا تفعل شيئاً, بل تفتح مطاراتها وموانئها للمزيد من التدفق السكاني الذي أصبح كالطوفان.

والالتفات لمرافقنا العامة وخدماتها يكشف هو الآخر أن المحاسبة غائبة عن كثير من هذه المؤسسات الأمر الذي يجعلها تقدم خدمات منخفضة للمواطنين. ومن الغرائب التي لا يستطيع أحد فهمها أن دولة نفطية غنية كالإمارات, سخية في مساعداتها الخارجية الإنسانية, لكنها بخيلة للغاية في الإنفاق على مرافقها العامة الأمر الذي بالضرورة يجعل هذه الخدمات متدهورة وهزيلة.

السياسة معطلة بالكامل في الإمارات. فلا مجلس الوزراء يتصدى للأزمات الكبيرة, ويشكو وزراؤه من قلة الموارد المتاحة لهم, ولا المجلس الوطني يحاسب مجلس الوزراء على مهامه المعطلة ومرافقه العاجزة. وحينما نأتي للإعلام والصحافة فلا نسمع أو نرى إلا هذا الطوفان العارم من المديح الأجوف للأشخاص والمؤسسات. ولا نسمع إلا صوت الصمت إزاء قضايانا المصيرية.



مجلة الازمنة العربية
  #83  
قديم 07/04/2004, 10:28 PM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Wink

عامر بن عبد الله الشهراني
: تحديات السعودة
الخميس 25 مارس 2004 06:43

هناك العديد من المفاهيم المتعلقة بإحلال العمالة الوطنية محل العمالة الوافدة، وهذه المفاهيم تختلف باختلاف الدول، ففي المملكة العربية السعودية يطلق على مفهوم إحلال العمالة الوطنية محل العمالة الوافدة "السعودة" وفي الكويت "الكوتتة"، وفي الأردن "الأردنة"، وفي قطر "القطرنة"، وفي الإمارات "الأمرتة"، وفي بعض الدول التي لا توجد بها عمالة وافدة تعد هذه المصطلحات غريبة بالنسبة لها نظراً لأن مواطنيها يؤدون جميع الأعمال التي تقوم بها العمالة الوافدة، وحقيقة الأمر أن السعودة من أكثر الموضوعات التي تمت مناقشتها وتناولتها وسائل الإعلام المختلفة بالحوار والمناقشة واللقاءات المتعددة مع المسؤولين ومن جوانب مختلفة .والهدف من ذلك هو تحقيق أهداف السعودة، وتوعية أفراد المجتمع بالدور المطلوب منهم في هذا المجال.
وفي إجازة عيد الأضحى المبارك وبالتحديد في مدينة جدة، وأثناء التسوق في أحد الأسواق القديمة وجدت نفسي غريباً وقد أجزم بأنني كنت السعودي الوحيد الموجود في هذا السوق، وقد لاحظت أن جميع العاملين في هذا السوق من العمالة الوافدة سواء من الجنسيات العربية أو الآسيوية. وفي أثناء تجوالي لفت انتباهي إعلان صغير فوق أحد مداخل مؤسسة تجارية متخصصة في بيع العطور، والأدوات الكهربائية، والخردوات الأخرى، ونص الإعلان "يوجد لدينا وظائف للسعوديين وفق الشروط التالية: مؤهل جامعي، العمر لا يقل عن أربع وعشرين سنة، يجيد اللغة الإنجليزية تحدثاً وكتابة" وبعد الانتهاء من قراءة هذا الإعلان دار في ذهني العديد من الأسئلة ومنها:
- لماذا تحتاج هذه المؤسسة إلى الشهادة الجامعية لشخص سيقوم ببيع العطور، ولعب الأطفال؟
- هل أصبح التعليم العالي يؤهل لمثل هذه المهن التي تحتاج إلى خبرة أكثر من حاجتها إلى الشهادة الجامعية؟
- لماذا لم تسهم هذه المؤسسات بالتنسيق مع الغرف التجارية في تقديم دورات تدريبية قصيرة في مهارات الاتصال والتعامل مع الآخرين؟
- هل جميع الذين يعملون في الوقت الحاضر من عمالة وافدة في هذه المؤسسة لديهم درجة جامعية؟
- هل التعليم الجامعي مسؤول عن تخريج أفراد مؤهلين بشهادات جامعية ليعملوا في مهن غير مرتبطة بتخصصاتهم؟
كما أن تحديد العمر بأربعة وعشرين عاماً كشرط من شروط التوظيف في القطاع الخاص لا يستند إلى أساس واضح ومحدد، وهل شرط السن يطبق تماماً على العمالة الوافدة عند الاستقدام؟ الشرط الآخر هو إجادة اللغة الإنجليزية تحدثاً وكتابة وهنا أقول إن الشخص الذي لديه هاتان المهارتان (التحدث والكتابة باللغة الإنجليزية) لن يبحث عن هذا النوع من الأعمال البسيطة ولن يقبل به، حيث إن المتمكن من اللغة الإنجليزية بهذه الدرجة سيجد عملا بسهولة سواء في القطاع العام أو الخاص، مع العلم أن كثيراً من العمالة الوافدة لا يجيدون اللغة الإنجليزية تحدثا أو كتابة، بل لا يجيدون اللغة العربية، والشروط التي يضعها القطاع الخاص لتوظيف السعوديين ولتحقيق أهداف السعودة ما هي إلا شروط تعجيزية بالإضافة إلى المرتب الشهري المنخفض الذي يقدمه القطاع الخاص، وهذه بعض الأساليب التي يتبعها بعض أصحاب المؤسسات والشركات الخاصة (القطاع الخاص) حيث ينشر الإعلان في الصحف، أو يعرض إعلانه في الأماكن العامة وفق الشروط المحددة التي لا تناسب طبيعة العمل، ولا يمكن تحقيقها، وهذا بمثابة تحايل أو تهرب من سعودة الوظائف لعدم تقدم من تنطبق عليهم الشروط، وهنا يمكن القول إن القطاع الخاص مطالب بأن يستشعر المسؤولية حيال مشروع السعودة وجعله من أولوياته ومسؤولياته تجاه الوطن. وقد يكون ذلك ممكناً من خلال تحديد استراتيجيات وأساليب منطقية لجذب، واختيار، وتأهيل بعض خريجي الثانوية العامة أو الجامعة ليقوموا بشغل الوظائف الملائمة لتخصصاتهم وقدراتهم والتي تقدم عائداً مادياً يناسب ظروف المعيشة.
وهناك تجارب للسعودة في قطاعات مختلفة، فقد أثبتت شركة أرامكو السعودية تجربة ناجحة في هذا المجال، كما نجحت شركة " سابك " إلى حد كبير في توطين هذا المفهوم، واستقطاب عدد كبير من السعوديين للقيام بالعمل في المجالات المختلفة، كما أن هناك بعض المؤسسات الأخرى التي استثمرت الموارد البشرية السعودية، ونجحت في ذلك، بل أسهمت في تحقيق أهداف السعودة، وبدأت تعتمد على الأيدي السعودية المؤهلة في كثير من مجالاتها. وفي السنوات القليلة الماضية بدأت السعودة في أسواق الخضار بالمملكة، وبدأت هذه التجربة بقوة وبمتابعة الجهات المعنية ونجحت في البداية إلى حد كبير، ولكنها بدأت تتراجع نظراً لعدم وجود الرقابة المستمرة على تطبيق هذا المفهوم، وقابلت بعض الصعوبات في البداية التي بالإمكان التغلب عليها، والتجربة الأخرى في مجال السعودة تتمثل في سعودة سيارات الأجرة المنتشرة في جميع مدن المملكة، وقد قدمت الحكومة التسهيلات الضرورية لتحقيق سعودة سيارات الأجرة مثل تقديم القروض لمن أراد الحصول على سيارة أجرة، ويتم تسديدها على أقساط ميسرة، وتم ذلك وفق تنظيم محدد وفق جدول زمني مناسب، ومع ذلك فلا يزال هناك بعض العقبات التي تواجه تطبيق هذا المفهوم بفعالية ونجاح.
ومن التجارب أيضاً في مجال السعودة في القطاع الخاص سعودة العمالة في محلات وأسواق الذهب في السعودية، ولقد تمت هذه الخطوة على مراحل وتم تدريب الأطر (الكوادر) السعودية في مجال تسويق الذهب وبيعه. وقد أعطيت هذه الخطوة وقتا كافيا وتمت بالتدريج حيث تم التخطيط لسعودة هذه الأسواق وفق نسب معينة، وكانت غرة محرم 1425هـ هي الموعد الأخير لسعودة أسواق الذهب بنسبة 100%، وهذه خطوة في الطريق الصحيح، وتحتاج إلى متابعة دقيقة، وأن يكون لها آلية، أو استراتيجية واضحة ومحددة تضمن لصاحب العمل الإنتاجية المناسبة، وتضمن للعامل أو الموظف السعودي حقوقه وواجباته.
ومن الصعوبات التي واجهت السعودة في القطاع الخاص عدم استمرار الأفراد السعوديين في العمل لفترة طويلة حيث يتم التوقف عن العمل، أو الفصل في حالة حصولهم على عمل آخر أفضل سواء في القطاع العام أو الخاص، كما أن بعض طالبي العمل من السعوديين يريدون العمل في المجال الإداري وأن يصبح الفرد مديراً من أول يوم يلتحق فيه بالعمل. والبعض الآخر من الأيدي العاملة الوطنية لم يثبت لصاحب العمل الجدية، والإنجاز في العمل بالمستوى الذي يتوافق مع التوقعات.
وفي الجانب الآخر يعاني بعض العاملين من السعوديين في القطاع الخاص من صعوبات خاصة بأصحاب العمل مثل عدم ثقة أصحاب العمل بقدراتهم، وإمكانياتهم، وعدم إعطائهم المسؤولية التامة، والاعتماد عليهم في بعض الجوانب، كما أن الرواتب أو الشروط التي يتم تحديدها تُعد بمثابة عائق في سبيل تحقيق أهداف خطط السعودة بصفة مباشرة أو غير مباشرة لعدم مراعاة البعد الاقتصادي، والاجتماعي عند تحديد الرواتب الشهرية، ويمكن وضع نظام للرواتب حسب الشهادات، والتخصصات، والخبرات، ونوعية العمل (إداري، وفني، وغير ذلك).

*أكاديمي وكاتب سعودي

موقع ايلاف
  #84  
قديم 09/04/2004, 12:09 AM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Thumbs up

مهنة تصيّد الأخطاء


أنور بن محمد الرواس


عجيب أمر مجتمعاتنا العربية، فهي تصور لنا مدى عجز الإنسان الواضح عن فهم أمور حياته، هذا الإنسان الذي قدر له العيش على هذه البسيطة، نجده يكيّف الدين على طريقته الخاصة، ويأتي بالحجج والبراهين التي تدعم رأيه، غير مبال بالقيم والأخلاق الحميدة، ولا يضع احتراما لآراء الآخرين.
في هذه العجالة السريعة أود أن أضع بين أيديكم قضية أو ظاهرة قد تكون طبيعية نظرا لطبيعة الإنسان في سعيه نحو المجد والشهرة وإن تطلب الأمر الالتفاف والتحايل على القانون. إن الهدف من فتح هذا الملف للنقاش ليس من باب التباهي بالشيء، ولكن ما نراه ونسمعه بشكل يومي يجعلنا نقف حائرين حيال ما يجري من تجاوزات غير حميدة في مجال نقل الأخبار بطريقة تدخل فيها المكيدة أحيانا، والخبث في أحايين كثيرة، أو نصب فخ سواء كان ذلك الفخ تقنيا من خلال الأجهزة الإلكترونية أو ورقيا من خلال تسجيل النقاط على الزملاء فيما يقولونه أو يكتبونه.
نحن نعرف أن هذه سنة بشرية، ولكن لماذا يمتهنها كثيرون من الناس، ويجعلونها جزءا عمليا من حياتهم؟، وإذا كنا نرى الأطفال يتصيدون أخطاء بعضهم البعض آملا في استرضاء والديهم، فيظل الأمر محصورا في عالم بريء لا يتعدى كونه دعابة وقتية تنتهي بتدخل الوالدين لإصلاح الاعوجاج، وإعادة الوضع إلى نصابه الصحيح. ولكن ما أن يصل الأمر إلى عالم الكبار، حتى نرى الخسائر كثيرة، فهذا العالم الذي غلبت عليه الماديات وحب الذات، وحب التملك، والتفنن بأساليب الحسد، لا يأبه بالقيم، ولا بالأخلاق، فالضمائر هنا تسيطر عليها الغرائز، وتمتلكها شهوة العبث بكل ما هو مقدس. حيث نجد الموظف الصغير يتصيد أخطاء زملائه، ولا يقتصر الأمر على الموظف الصغير فحسب، فهناك من هم في مراتب عليا وظيفيا يتصيدون أخطاء بعضهم البعض إلا من رحم ربي، وهؤلاء قلة في عالم الماديات. وبطبيعة الحال فالعاقل منا يعي تماما أن المدينة الفاضلة لا مكان لها على الخريطة، ومن يعتقد أن المجتمع باستطاعته تحديد معالمها على الخريطة، فإنما يطالب بإعادة عقارب الساعة إلى الوراء. ولكن هناك اسس ثابتة وشرائع سماوية تقتضيها الأمانة الخلقية أن نتمسك بها، ونطبقها على أرض الواقع، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، وكما هو معروف فالدين المعاملة، وأقرب الناس إلى الله أنفعهم للناس، فإذا طبق المجتمع القيم الدينية، فإنه يحفظ ما تبقى من كرامة للإنسانية جمعاء.
وعلى الرغم من كون مهنة تصيد الأخطاء مهنة رخيصة، إلا أن لها رواجا ومريدين في مجتمعاتنا، فهم وإن لبسوا ثوب الكياسة ودماثة الأخلاق، إلا أن البواطن تحمل جوانب سيئة ودنيئة، فهي مهنة تعشق الخبث وتروج لها بطريقة مريضة، وتهيم في ديباجة الغيرة وتسعى الى حرق القيم والأخلاق، وتناضل من أجل نصرة منطق الحسد لتدفن ما تبقى لمنطق التكافل والتعاضد. أمور كثيرة يناور فيها هؤلاء حبا في ذات مريضة تسعى الى تحقيق مكاسب لنفسها ومن معها لتشق به طريقها نحو المجد والشهرة على حساب روحانية القيم والأخلاق. فالمجد لا يأتي على أكتاف الآخرين، فهناك معايير كثيرة، فإلى جانب العلم والثقافة، هنالك الأخلاق واحترام الآخرين، والكفاءة المهنية التي تزيد من مكانة الإنسان إلى جانب الصفات التي ذكرت سابقا.
سبحان الله على أولئك الذين يقفزون الحواجز، ولا يبالون بالأعراف أو القيم ليصلوا على أكتاف الآخرين بأية وسيلة لتحقيق مصلحة ذاتية. فإذا رأوا شخصا ناجحا ومتميزا في مجال عمله، ويكسب رزقه بعرق جبينه، تقام الدنيا ولا تقعد، ولا يهنأ لهم مقام حتى يروه فاشلا، ويتصيدون له الأخطاء بطريقة أو بأخرى، فالنجاح عدو هؤلاء، وما دام هناك بشر يعشقون الحسد ومحاربة الناجحين حتى من داخل الأسرة الواحدة، فيجب علينا أن نواجههم ونفند مزاعمهم التي لا تستند إلا على سراب يبعدنا عن جوهر الحقيقة ألا وهي حب الذات مهما كان الثمن. إن محاولة الكشف عن الجانب الآخر للحقيقة فضيلة ربما لا يجرؤ الكثيرون على الاقتراب منها ، إيثارا للسلامة، ومسايرة للموجة الغالبة، أو خشية من وضعهم في القائمة السوداء على حساب وقوفهم العلني إلى جانب الحق والحقيقة. لا نزايد على بعض فكل واحد فينا لديه منظوره الخاص عن الحياة يفسرها بالطريقة التي يراها مناسبة لنفسه، ولكن عندما يتعلق الأمر بزرع بذور الشقة والحسد فعلينا التصدي لمثل هذه النوعية من الأعمال. وعندما يصل الأمر إلى مروجي الشائعات وهم الفئة التي تلقى رواجا كبيرا في المجتمع، نظرا لاعتمادهم على الثقافة السمعية ومعرفة سلبيات الآخرين، فعلينا أن نقف في وجههم ونتصدى لهم بالكلمة الصادقة، والعمل الدؤوب حفاظا على تماسك المجتمع، و إلا فسيجد هؤلاء ضالتهم ومن على شاكلتهم في تكثيف مهام عملهم المتخصص في الحسد، وإلصاق التهم والمكائد بالاشخاص الناجحين والمتميزين من أبناء المجتمع، إنها مهنة تدخل فيها المصالح وحب الذات بأسلوب إجرامي، حتى وإن تطلب الأمر قيادة أبرياء إلى حتفهم الوظيفي والحياتي معا. والله يحفظ الجميع.
المصدر جريدة عمان
  #85  
قديم 14/04/2004, 10:35 PM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
الثقافة الثالثة)... ولكن!


الخوف من طغيان الثقافة العلمية خوف مشروع حتى لا تتحوّل إلى بديل شامل عن مجمل الثقافة الإنسانية.
نشر الثقافة العلمية كفيل بحماية المجتمع من الاستخدامات السيئة للعلم ومفرزاته في الاستهلاك اليومي أو المشاريع الاستراتيجية.

الندوة الموسعة التي أقامتها (العربي) تحت عنوان (الغرب بعيون عربية), لا تزال أصداؤها تتردد, ليس فقط على مستوى الإعلام والصحافة الثقافية, بل أيضًا في جوهر المواضيع التي تبرز كأولويات جديرة بالبحث في عالم اليوم إزاء الغرب, الذي لا يمكن تجاهل موقعه المؤثر على ظهر كوكبنا. ومن بين هذه المواضيع يطفو مصطلح (الثقافة الثالثة) الذي يعكس انشغال الغرب بتأثيرات التقدم العلمي والتقني, منذ ما يقارب الخمسين عاما, بينما الكثيرون منا لا يزالون يجترون ثقافة (ِمكَرِّ, ِمفَرِّ), بالرغم من تغير الزمان. (الثقافة الثالثة) مصطلح يكاد يكون مجهولاً في الساحة الثقافية العربية, بالرغم من خطورته وإلحاح دلالاته, وهو مما ينبغي عدم تركه, أو تمريره دون فحص ومراجعة.

حين تناولت في حديث الشهر لعدد أكتوبر الماضي موضوع (التعليم العلمي والتكنولوجي) كحلقة غائبة من حلقات التعليم العربي, الذي لا يماري أحد في تأزمه, واخترت لمعالجة الموضوع منطق المقارنة مع غيرنا, خاصة إسرائيل, وجعلت العنوان الثاني (إنهاض الذات بألم المقارنة), لم أكن أتصور أن تكون المقارنة موجعة إلى هذا الحد, فقد انتبه كثيرون من المثقفين الأصدقاء, والقراء الأعزاء, إلى هول وقائع وأرقام المقارنة التي تشير إلى تقصيرنا العلمي. وهو تقصير في حق أنفسنا, يضعنا في موقع الأضعف دون مبرر حقيقي, فمن نواجهه ليس متفوقًا عنا بالخلقة أو الجبلة, بل الأمر كله أخذ بالأسباب التي أهملناها طويلاً, وآمل ألا نهملها أبدًا. لهذا أجدني مدفوعا لمواصلة هذا الإيلام, حالمًا بأصغرمساهمة ممكنة, من أجل إيقاظ الذات بحقائق المقارنة مع الغير. والغير هذه المرّة ليس وقفًا على من نواجهه داخل منطقتنا العربية, بل من يطل علينا بتقدمه العلمي من شرفات الغرب ونوافذ الشمال, وننظر إليه في عجز مموّه, أو قعود استهلاكي, وهو مصدر هذا التخريج الثقافي الجديد الذي يدور حوله حديثنا في هذا الشهر.

لقد تحدثت عن (التعليم العلمي والتكنولوجي) من قبل, مؤكدا أهميته وخطورته لردم الهوة بيننا وبين غيرنا, وأود أن نتحدث اليوم عن (ثقافة العلم والتكنولوجيا) التي بات يُشار إليها بمصطلح (الثقافة الثالثة) للدلالة على تغيير خطير وواقعي في مفهوم الثقافة وتعريف المثقف, وهذا بالضرورة يقودنا إلى التساؤل عن كنه النخبة التي تقود عملية التعريف بهذه الثقافة الواقعة والضرورة, وهي نخبة يشار إليها بتعريف (مفكرو الثقافة الثالثة) (Third-Culture Thinkers).

والجديد في الأمر, من زاوية ما عرفناه من معتاد التاريخ الثقافي, أن هذه (الثقافة الثالثة) ومفكريها, لم تعد نوعا من ترف النخبة الثقافية التقليدية وسمر الصالونات وترفّع الأبراج العاجية, بل هي بالمعاينة والاختبار, صارت ضرورة وجود في عالم اليوم, وضرورة معاش بالشكل الذي يليق أو ينبغي أن يليق بالإنسان في مطلع الألفية الثالثة وبدايات القرن الواحد والعشرين. ومادام الأمر كذلك, فإنه لا مفر من ضرورة العودة إلى البدهيات في استقراء كُنه هذه (الثقافة الثالثة) ومفكريها, وما يعنيه وجودهم أو غيابهم أو تغييبهم في ساحتنا العربية. كما لا يفوتني أن أحذر من التمادي في اعتبار هذه (الثقافة الثالثة) بديلاً شاملاً عن مجمل الألوان الثقافية الإنسانية التي من دونها تغدو هذه الثقافة الثالثة نفسها مثل السحر الذي يرتد على الساحر, وهو أمر سأعود إليه, وإن كنت أفضل الرجوع إلى حكاية هذه (الثقافة الثالثة) نفسها, فلها معي صحبة خاصة, ودلالات عامة.

عود على بدء

منذ ما يقارب السنوات الثلاث لفت نظري عنوان كتاب مما تعرضه صفحات التعريف بالكتب المهمة في الدوريات الأجنبية وكان عنوانه الرئيسي The Third Culture, وبعد ذلك بعدة أشهر قدم لي صديق عزيز ممن ينظرون إلى الغرب بعيون عربية متحضرة, ويعودون من أسفارهم إلى هذا الغرب بكل جديد من زاد العقول العطشى إلى جديد المعرفة.. قدم لي الكتاب, وما إن راجعته حتى أدركت أهميته الشديدة لنا كعرب, من موقع أن الفجوة الحقيقية بيننا وبين غيرنا من أهل الشمال السياسي (ومن يمشي على خطاهم من أهل الجنوب والشرق), هي فجوة في التقدم العلمي وتطبيقاته المتجسدة في التكنولوجيا والمتجلية في المعرفة.

دفعت بالكتاب ليتم عرضه على صفحات (العربي), ونُشر هذا العرض في عدد نوفمبر الماضي (2003), أي بعد شهر من نشر افتتاحية عدد أكتوبر التي أشرت إليها. وهكذا خلال شهرين متواليين كان العلم والتقنية هما محور التنبيه إلى نقيصة من نقائص التعليم والثقافة لدينا. لكن ردود الفعل, الحماسية, التي لاحظتها, تجعلني أراجع مفهوم (الثقافة الثالثة) هذا بمنطق نقدي لا احتفائي, فأقول ما لهذا المفهوم من أهمية وانعكاسات, وأذكر ما أتصور أنه يرتبط به من محاذير وتحفظات.

من الإنكار إلى التعظيم

عام 1959 أخرجت دار نشر جامعة كمبريدج كتابا لـ (س.ب. سنو) تحت عنوان (ثقافتان حيال الثورة العلمية), وكان جوهر هذا الكتاب القول إن هناك ثقافتين ترتبط إحداهما بالعلم والأخرى بالإنسانيات, وواجه هذا الكتاب انتقادا واسعًا لاعتباره أن العلم رافد من روافد الثقافة. ولعل هذا مما حدا بسنو إلى إعادة نشر كتابه عام 1962, مضيفًا إليه مقالة جديدة لا تقول إن هناك ثقافتين - كما سلف - بل تتوقع ظهور ثقافة ثالثة قوامها التواصل بين المثقفين أدبيًا والعلماء. ولم تكد تمضي بضع سنوات حتى أخرجت دار نشر كمبريدج كتابًا لـ (ج. بروكمان) عنوانه الثقافة الثالثة (The Third Culture) وأعيد نشره بعد ذلك عدة مرات حتى وصل إلى الطبعة الأحدث والأشهر التي ذاع صيتها أخيرًا, وحملت عنوانًا ثانويا جديدا يشير إلى أن هذه (الثقافة الثالثة) هي ظهير ثورة العلم والتكنولوجيا. وكانت وجهة نظر المؤلف جديدة حقًا, وصادمة لمن أغلقوا باب الثقافة على الإنسانيات, ولم يسمحوا للعلم بأن يكون مجرد منتسب إلى مفهوم الثقافة. فقد قطع الطريق حتى على الحل الوسط الذي يمزج بين معطيات العلم وإعادة تقديم هذه المعطيات للجمهور من قبل مثقفي الإنسانيات من آداب وفنون وفلسفة وعلوم اجتماع وغيرها, وأعطى للعلماء أنفسهم حق تقديم هذه الثقافة الجديدة المرتبطة بالعلم للجمهور مباشرة. وكان لهذه القفزة مبررات منطقية هي أن العلم - خاصة في ذراه العالية الحديثة - لم يعد معبرًا عن إدراك بدهي بل صار مرتبطًا بأسلوب خاص في التفكير يناقض التفكير البدهي الذي تكثر احتمالات ارتكابه لأخطاء ضخمة عند تطبيقه على مشاكل تحتاج إلى نظام تفكير كمي صارم كما في مجال العلوم. وقد صادق على هذه الملاحظة بالرأي والفعل كثيرون ممن ينتمون إلى العلم والثقافة العلمية. فيقول (لويس وولبرت) في كتابه (طبيعة العلم غير الطبيعية) الذي ترجمه الدكتور سمير حنا صادق: (إن المجتمع العلمي أصبح الآن معتادًا على شرح مجالات عمله للجمهور, بعد أن تخلى العلماء عن فكرة الارتياب في عملية تبسيط العلوم) ولم يكن هذا الزعم بعيدًا عن الحقيقة الواقعة إذ شهدت السنوات الأخيرة بزوغًا ساطعًا لكتب الثقافة العلمية التي يتصدى لتقديمها علماء مرموقون, وصارت كتبهم تنافس الروايات الجماهيرية في الحصول على لقب أفضل الكتب مبيعًا في العالم مثل كتاب (تاريخ موجز للزمان) و(عالم جديد شجاع) و(كيف نموت) وغيرها من الكتب التي جعلت مؤلفيها نجومًا لهم جمهورهم الواسع من خلال وسائل النشر والإعلام المختلفة.

(الثقافة الثالثة) إذن, هي الثقافة العلمية, مقدمة من قبل علماء أو مشتغلين بالعلم, وبغض النظر عن التسمية التي ينبغي مراجعتها لما تتضمنه من معنى القطيعة مع ثقافة أولى وثانية تسبقها أو رابعة وخامسة تليها, إلى غير ذلك من إيحاءات الترقيم الذي لا يخلو من الخطورة, فإن تصدي العلماء والمشتغلين بالعلم لتقديم ثقافة المعرفة العلمية - وتطبيقاتها التقنية بداهة - هي خطوة مهمة وقيمة مضافة لرافد من روافد الثقافة لم يعد ممكنا للإنسان المعاصر الذي يعيش عصر تقنية المعلومات وثورة الاتصالات والمكتشفات المذهلة في أعماق الخلية الحية وآفاق الكون الفسيح.. لم يعد لهذا الإنسان أن يكون مثقفًا دون معرفة بها قدر من العمق الكافي لما يدور في حقول العلم وتطبيقاته التي وصلت إلى أبعد نقاط كوكبنا, وحيثما كان هناك بشر, حتى في البيئات الأكثر تخلفًا من العالم, وكما يقول (اسحاق آسيموف): (إن الجمهور الذي لا يفهم كيف يعمل العلم يمكن بسهولة أن يقع ضحية للجهلاء الذين يسخرون مما يجهلون, أو لأصحاب الشعارات الذين يزعمون أن العلماء اليوم هم جنود مرتزقة في خدمة العسكريين).

وما الفائدة.. أو العائد?

وأبعد مما قاله آسيموف فإن نشر الثقافة العلمية بدقة ووضوح من لدن عارفين بالعلم, لا يقف فقط عند حدود استكمال المنظومة المعرفية للمثقف المعاصر, بل يشكل مردودًا حقيقيًا على التنمية الإنسانية والتطور العصري في أي مجتمع ينتبه إلى ضرورة نشر هذه الثقافة العلمية بين مواطنيه.

إن نشر الثقافة العلمية - كما هو نشر الثقافة عموما - يشكل مساهمة في صقل وإرهاف الإنسان بفعل المعرفة. كما أن وعيه بالعالم الذي يعيشه زمانًا ومكانًا سيزيد من شدة بصره ودقة بصيرته, في الحركة نحو مواقع جديدة ورفيعة في الحياة المعيشة. ويضاف إلى هذا التأثير الفردي تأثيرات عامة يشير إليها (لويس وولبرت) بالقول: (إن الأمل المنشود في تفهم الجمهور للعلم هو أن يؤدي ذلك إلى مقدرة أصح على اتخاذ القرار في مسائل مثل البيئة والهندسة الوراثية وغيرها من المواضيع المهمة.

ولعل هذه الرؤية تستدعي إلى الذهن مباشرة صورة صانعي القرار العرب ومتخذيه, فبديهي أن تزودهم بالثقافة العلمية - خارج تخصصاتهم الوظيفية المتعلقة بالإدارة والسياسة - سيجعل هذه القرارات أصوب مستقبليا إذ تمنح الثقافة العلمية بصيرة مستقبلية, منطقية التتابع, ذات أسس ملموسة, للآثار السلبية والإيجابية لأي قرار ممتد النفاذ من الحاضر إلى المستقبل, فلا نفاجأ بمشاريع تتألق اليوم شكليًا وتتحول إلى وبال جوهري غدًا.. سواء على البيئة أو الإنسان أو الأنساق الاقتصادية أو الاجتماعية.

كما أن نشر الثقافة العلمية كفيل بحماية المجتمع من الاستخدامات السيئة للعلم ومفرزاته, خاصة في أبعادها الاستهلاكية.

أما عن استثمار الثقافة العلمية في التنمية الإنسانية, فهو عنصر تفوق عوائده أي استثمار آخر لأنها تنظر إلى المستقبل عبر براعم الحاضر مباشرة, فلا شك أن الطفل أو الصبي أو الشاب الصغير - المزود بالثقافة العلمية منذ نعومة أظفاره, سيكون قادرًا على اختيار مجال التخصص الذي يتلاءم مع مواهبه وقدراته الخاصة, فيحدد اتجاهه بشكل أصوب ويكون عطاؤه أنجح, ويصير المردود عليه أكثر اتساقًا وإبهاجًا, وعلى مجتمعه أوفر عطاءً وإنتاجًا, وأرفع قيمة.

كل هذا جيد, ولا مراء فيه, فهذه (الثقافة الثالثة) هي البعد المعرفي وراء المحرك المادي للحياة العصرية المعيشة, للعلم, لكن الحماس المفرط لهذه الثقافة يمكن أن يؤدي إلى تفريط يضر بمجمل المحتوى الثقافي اللازم للإنسان الفرد وللنسيج المجتمعي لهذا الإنسان.

تحسّبات ومحاذير

إن الخوف من طغيان العلم, وبالتالي طغيان الثقافة العلمية, أو (الثقافة الثالثة) هو خوف قديم, فها هو (د.هـ. لورانس) يعبر عنه قائلاً: (قتلت المعرفة الشمس, فجعلت منها كرة من نار مليئة بالنقاط السوداء.. عالم العقل والعلم: هذا هو العالم الجاف العقيم الذي يعيش فيه العقل التجريدي).

وعلى هذا النسق يقول فاسلاف هافيل: (إن العلم الحديث يلغي الأسس العميقة الأساسية لعالمنا ويعتبرها مجرد خيال.. أصبح العلم هو الوصي القانوني الوحيد والحكم المدعي لكل الحقائق. لقد ظن الإنسان أنه يمكنه تفسير الطبيعة والتحكم فيها. كانت النتيجة أنه حطمها وفقد حقه في إرثها).

بعض هذه المخاوف مشروعة, وبعضها الآخر مردود عليه, إذ يقول العالم (لوس وولبرت): (من الممكن أن يكون العلم مقلقًا على الأقل لبعض الناس, فهو يرفض السحر, ولا يعلمنا كيف يمكن أن نعيش, ولكن لا يوجد سبب وجيه لتصديق مقولة د. هـ. لورانس بأن الاكتشافات العلمية تخلق عالمًا (جافًا وعقيمًا) بإزالة الغموض عن الحياة, ولنذكر مقولة أينشتين: (إن أعظم لغز في العالم هو عدم الفهم الجزئي للعالم).

اللمحة الأخيرة لأينشتين, وبرغم بعدها عن لحظتنا الراهنة بعقود, هي لمحة ذكية وصائبة تمامًا كأنها ترى ما نراه نحن اليوم, من أعتى العلماء حتى الإنسان العادي الذي يشاهد بانبهار تلك الأفلام التسجيلية العلمية عبر شاشة التلفاز. فنحن جميعًا نزداد دهشة كلما كشف العلم الحديث عن صفحة جديدة كانت مطوية ومجهولة من قبل: نزداد دهشة مع هبوط أول مركبة من صنع البشر ترسل صورًا من المريخ, ونزداد دهشة عندما نرى نتائج الهندسة الوراثية في الاستنساخ, ونزداد دهشة ونحن نرى الزمن يتفتت أمام كاميرا أحمد زويل الليزرية فنصل إلى الفيمتوثانية التي تزداد تفتتا بدورها.

العلم الحديث مدهش ومليء بسحر يشبه سحر الفن, حتى أن هناك من يعتقد في أن الإبداع العلمي والإبداع الفني لهما طبيعة خلاقة واحدة, لأنهما ناتجان عن الخيال الإنساني فالعالم الألماني ماكس بلانك يقول: (العالم يجب أن يكون له خيال جامح فالأفكار الجديدة لا يولدها الاستنتاج بل الخيال الخلاق).

وهذا ما يردده أيضا جيكوب برونوفسكي في كتابه عن (بدهية العلم) إذ يقول: (إن اكتشافات العلم والأعمال الفنية هي استكشافات بل انفجارات لها تشابه داخلي, ويقدم المكتشف أو الفنان وجهين من الطبيعة ملتحمين ببعضهما البعض الآخر, وهذه هي عملية الإبداع في العلم والفن المبتكرين).

كل هذا جميل, وتكاد لا تختلف حوله العقول الممعنة, ولو قليلاً... لكن التحسب والتحذير هو من الاكتفاء بالثقافة العلمية مصدرًا واحدًا وشاملاً للثقافة, فهذا وإن أغنى العقل العلمي المعاصر قليلاً أو كثيرًا, يظل إغناءً مبتسرًا سرعان ما يرتد على نفسه بمظاهر الإفقار العقلي نتيجة للاختزال الثقافي.

الإنسانيات

إن المبالغة المفرطة في تقدير دور هذه (الثقافة الثالثة) عند من يستشعرون بؤس الموقع السياسي والاقتصادي في عالم اليوم, وكنتيجة للتخلف العلمي والتقني هي - أي المبالغة المفرطة - إهدار لحكمة التطور, بل التطور العلمي نفسه, فالتاريخ الثقافي,, وضمنه تاريخ العلم, يخبرنا أن ثقافة الأدب والفن والمعرفة الإنسانية بشتى ألوانها كانت ممهدة غالبا لظهور طفرات في مجال الاكتشافات العلمية وتطبيقاتها. وإنني لأستشهد هنا بما جاء في كتاب (قصة العلم) لـ(ج.ج جراوثر) تحت عنوان (ميلاد العلم الحديث وارتقاؤه)...يقول: (أقيمت أسس العلم الحديث بفضل مجتمع المدينة الذي نشأ إبّان عصر النهضة, وتطور بادئ ذي بدء في مدن إيطاليا, وقد خضعت الحياة في تلك المدن لهيمنة متفاقمة من الصيارفة والتجار ورجال الحرف, الذين أدخلوا التحسينات على مختلف تقنياتهم. وكان تزايد الثروة ذا آثار شتى, من ضمنها أثران لهما أهمية عظمى, ذلك أن أرباح التجارة والتصنيع جعلت الناس أكثر انكبابا على تحسين العمليات الفنية الأساسية لهم, والثروة المتنامية أتاحت مزيدًا من الفراغ للتأمل في سائر العمليات الطبيعية والاصطناعية. في البداية انصرف اهتمامهم إلى الآثار والآداب, فنقبوا عن الآثار الإغريقية والرومانية, وكشفوا عن تماثيل وأوان للزهور).

كانت هذه بداية عصر النهضة, عصر انتقال أوربا من العصور الوسطى إلى العصور الحديثة عبر التيارات الثقافية والفكرية التي ظهرت - بداية - في إيطاليا في القرن الرابع عشر, حتى بلغت أوج ازدهارها في القرنين الخامس عشر والسادس عشر فانتقلت هذه النهضة من إيطاليا إلى فرنسا وإسبانيا وألمانيا وإنجلترا. وفي هذه البدايات المبكرة لصعود أوربا كان أعظم شخصيات عصر النهضة فنانين أعلاما مثل (ليوناردو دافينشي), و(مايكل أنجلو).

إذن كانت الثقافة, برؤاها الجمالية في الفن والعمارة والموسيقى والإنسانيات, هي التمهيد الحقيقي للنهوض الشامل في أوربا والغرب عموما, وما النهوض العلمي الأخير وما يواكبه من ثقافة علمية, أو (ثقافة ثالثة), إلا آخر ملامح هذا النهوض.

فلتكن (الثقافة الثالثة) هدفا من أهداف النهوض العربي المأمول, لكنها ينبغي ألا تكون الشكل الوحيد من أشكال الثقافة التي ينبغي إعلاء شأنها. فالثقافة طيف واسع من الألوان, ينبغي أن يبدأ بالرقي والجمال, ويظل يطمح إلى الرقي والجمال, ومن ثم لا يهمل الإنسانيات, فهي ليست فقط شرطا من شروط حدوث النهضة العلمية وغير العلمية, بل هي صمام أمان ليظل لأي نهضة وجهها الإنساني, وبالتالي جدارة استمرار هذه النهضة في الحياة الفاعلة لمصلحة البشرية, ولأطول وأفضل وقت ممكن.


سليمان إبراهيم العسكري


المصدر مجلة العربى لشهر ابريل
  #86  
قديم 15/04/2004, 10:33 PM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
التأهيل والتدريب الإعلامي... مسؤولية من؟


د. عبيد الشقصي
هل توجد فجوة بين ممارسة الاعلام وتدريس الاعلام؟ وما هو دور كل من المؤسسات الاعلامية والمؤسسات التعليمية في تأهيل الكوادر الاعلامية؟ هذان السؤالان كانا محور اجتماع عقد بالخرطوم في الأسبوع الماضي برعاية المنظمة الاسلامية للتربية والعلوم والثقافة (الايسسكو) وتنظيم الأكاديمية السودانية لعلوم الاتصال.

موضوع الاجتماع مهم جدا خاصة في تسارع تطور تكنولوجيا الاتصال والاعلام وتغير الكثير من القيم والمفاهيم الاعلامية السائدة قبل منتصف التسعينيات من القرن الماضي. وقد تميز الاجتماع بثراء التجارب الشخصية كما قدمها ممثلو الدول المشاركة. وأجدني هنا مضطرا الى أن أمزج في هذا المقال بين المعايشة الشخصية وتحليل الواقع الاعلامي السائد محليا وعربيا.
لعل أهم ما طرح في أوراق ومداخلات الاجتماع هو الصراع الدائر حول الاعلام بين الأنظمة الرسمية وأرباب المؤسسات الاعلامية وبين أفراد المجتمع. فنظرة السلطة وصناع القرار للإعلام ووسائل الاتصال في المجتمعات عموما قد تختلف عن نظرة المجتمع لها. ويتمحور هذا الاختلاف في الجهة التي تحدد حاجات ورغبات المجتمع من وسائل الاتصال، هل تحدد من قبل المجتمع أو الجمهور نفسه أم من قبل النظام وصناع القرار وأرباب هذه المؤسسات؟ وهذا الصراع ينسحب على طريقة تأهيل وتدريب الكوادر الاعلامية. فهل ستعمل المؤسسات التعليمية مثل أقسام وكليات الاعلام على تأهيل طلاب الاعلام وفقا للقيم والمبادئ الاعلامية المجردة أم وفقا لسياسات ومبادئ الأنظمة السياسية وصناع القرار؟ والحاصل هو أن المؤسسات التعليمية تسعى دوما للتجريد في تدريسها للإعلام خصوصا عندما توجد مجموعة من الطلاب من خارج المجتمع. وتترك مسألة مواءمة خريج الاعلام لسياسات الأنظمة والملاك وصناع القرار على المؤسسات الاعلامية التي يلتحق للعمل بها لاحقا. ولكن اوجد هذا التفاوت في النظرة نوعا من الانفصام والاحباط عند الطالب أثناء التدريب في المؤسسات الاعلامية أو الخريج الملتحق للتو للعمل. حيث تتم ملاقاة حماس الطالب أو الخريج في العمل الاعلامي بمجموعة من اللاءات والقوانين والتعليمات التي يجب عليه الانصياع لها دون مناقشة أو مبررات في كثير من الأحيان.
والسؤال الذي طُرح في الاجتماع أيضا، هو كيفية التوفيق بين أقسام وكليات الاعلام والمؤسسات الاعلامية؟ والى أي مدى يمكن أن تصبح المؤسسات الاعلامية والقائمون عليها معينا مهما لتأهيل وتدريب وتشجيع بحوث الاعلام؟ وهل ينبغي ربط التأهيل بسوق العمل المحلي أم أنه ينفتح على العالم خاصة في ظل العولمة؟ ويبدو أن النظرة بالاجماع كانت تتجه صوب ضرورة ربط التدريب بالتأهيل النظري وأن الاعلام أصبح مربوطا بمدى قدرة الشخص على توظيف واستغلال أجهزة الانتاج والبث المتقدمة. وتتجه أيضا نحو وجود شراكة بين المؤسسات الاعلامية والتعليمية في مجال التدريب وذلك لعدة أسباب. السبب الأول يعود الى أنه من الصعب على المؤسسات التعليمية المواصلة في تحديث أجهزة الاتصال لديها مثل الاستوديوهات الاذاعية والتلفزيونية نظرا لتجدد هذه الأجهزة بصورة سريعة ولارتفاع ثمنها. والسبب الآخر يعود الى أن مشاركة المؤسسات الاعلامية يهيئ طالب الاعلام لجو العمل والاختناقات التي قد تصاحبه. ولا تزال النظرة تتجه صوب ربط التعليم بسوق العمل المحلي ولكن من جهة التخصصات والمقررات التي تطرحها أقسام وكليات الاعلام وليس من جهة تحديد نسبة وأعداد المقبولين فيها. ورغم سلامة هذه النظرة، الا أنها تستثني انفتاح الأسواق المحلية على الأسواق الأخرى في اطار العولمة الاقتصادية.
وفي المحور الآخر المتعلق ببحوث الاعلام، تبين من خلال الاجتماع أن الدول العربية تعاني من فقر حاد في البحوث الاعلامية ومن مشكلة فقدان التعاون في البحث الاعلامي على مستوى الدول العربية. ويرجع هذا النقص في المقام الأول الى ضعف التمويل عموما. حيث لا تنفق الدول العربية كثيرا على البحوث العلمية. وفي السلطنة نجد أن مساهمة العمانيين في مجال البحث الاعلامي ضئيلة جدا. حيث لم تتعد تلك البحوث الثلاثين بحثا، والتي تم اعداد أولها في عام 1986. كما أن عدد الباحثين الاعلاميين لم يتعد 12 باحثا حتى الآن وارتبط معظم انتاجهم البحثي الاعلامي برسائل الماجستير والدكتوراة. وما يهمنا هو تشخيص حركة البحث الاعلامي في السلطنة. حيث ارتبط معظمهم بالبحث في مجال وسيلة الاتصال التي جاء التلفزيون في مقدمتها ومن ثم المتلقي. ومن الملاحظ
أيضا أن البحوث التي تتصل مباشرة بمؤسسات الاعلام بطريقة أو بأخرى الأكاديمية كانت تعطي نتائج مغايرة تماما. ويعود السبب في ذلك الى الخوف غير من المبرر من عرض الواقع خاصة من قبل غير العمانيين. ويلاحظ أيضا، عدم وجود شراكة حقيقية بين مؤسسات الاعلام وقسم الاعلام في مجال البحث الاعلامي على الرغم من التواصل بينهما على مستوى التدريب.
وعلى مستوى العالم العربي، فنجد أن الهوة بين هذه الدول على مستوى البحث الاعلامي تزيد بسبب عدم وجود قاعدة بيانات ومعلومات تربط بين هذه الدول، وبقاء الكثير من البحوث بعيدا عن الاستفادة. وغياب الكشافات والملخصات الخاصة ببحوث الاتصال فضلا عن غياب البحوث الجماعية بين الباحثين في الدول العربية. وخلاصة القول ان العالم العربي على المستوى المحلي أو القطري، يعاني من فقر في بحوث الاتصال، وعدم استغلال للبحوث القائمة وسوء توجيه للمواضيع والمشكلات التي ينبغي أن تدرسها تلك البحوث. كما أن المؤسسات الاعلامية لا تزال تنظر الى البحوث كعملية مكملة وليست أساسية لصنع واتخاذ القرارات بدلا من اعتبارها حجر الزاوية لذلك.
المصدر جريدة عمان
  #87  
قديم 16/04/2004, 01:45 PM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
مواقع أخرىثقافة التمجيد وخرافة أدونيس!!
الأحد 04 أبريل 2004 06:19
كريم عبد








الثقافة العربية المعاصرة لم تخلق حقائق كبرى، بل هي لم تكتشف حقيقتها بعد. والسبب هي أنها لم تزل محدودة التجربة زمنياً في الأقل. ومقابل رطانة السلطات العربية التي ظلت تنعكس عليها بأشكال مختلفة، لم يتسن لهذه الثقافة أن تخلق تراكمات معرفية وخبرة نقدية تكفي لتحولها إلى مركز أو طرف جدي في الحوار الإنساني المعاصر. بل هي حيث بدأت تتلمس وجودها في العالم الحديث وجدت حولها ثقافات ناضجة وحيوية تكاد تسود العالم وتهيمن عليه، تلك هي ثقافات ولا أقول ثقافة الغرب. وقد انعكس ذلك على ( اللغة ) العربية المعاصرة ذاتها، فهي لغة مقطوعة عن تاريخها وذاكرتها بحكم انقطاعها الحضاري خلال قرون الهيمنة العثمانية، أي أنها بدأت تتأسس من جديد. فحين بدأت تستيقظ منذ نهاية القرن التاسع عشر، كان على الكتابة العربية أن تغير شكلها وأساليبها كل عقدين أو ثلاثة عقود !! ونستطيع أن نقارن بين لغة الكتابة في بداية القرن العشرين ولغتها أيام العقاد والمازني والرصافي والزهاوي وبين لغة الستينات وبين هذه الأخيرة وبين لغة التسعينات، لنجد اختلافاً بيناً بين هذه وتلك.
هذه التغيرات بقدر ما تدل على الحيوية والرغبة بالتجدد، إنما تدل أيضاً على كونها لغة تتأسس من جديد، مثلما تدل أيضاً عن البحث عن الذات وقلقها المشروع من تقدم العالم وتسارع أحداثه وإنجازاته الباهرة من حولها، بينما العالم العربي ظل يتراجع باستمرار، فحيث تنفق الدول العربية ستين مليار دولار على التسلح سنوياً فهي تنفق أثنين بالألف من الناتج القومي على البحث العلمي !! وإذا كانت نسبة البطالة تزيد على 25 بالمائة فإن ما يقارب 40 بالمائة من السكان يعيشون تحت خط الفقر، وهذا التراجع الحضاري ينعكس على وعي المثقفين ومشاعرهم بأشكال مختلفة ولكن بنتائج سلبية في الغالب، حيث لا دور مهماً للمثقف هنا، ولا إمكانية لأديب أن يعيش من قوة عمله أي من واردات كتبه وسط هذا الفقر والأمية، إذ أصبحت دور النشر لا تطبع في الغالب أكثر من ألف نسخة لفضل المؤلفين !! لذلك وجدنا نسبة كبير من المثقفين تندرج في اللعبة الإعلامية المربحة للأنظمة العربية التي أصبحت تستعمل المثقف استعمالاً أو تشتري صمته أحياناً، أو هو يتنازل عن مواقفه كي لا يخسر شيئاً حقيقياً أو مفترضاً. وكمثال ملائم هنا : هل سمع أحدكم موقفاً لأدونيس حول ما يدور في بلاده سوريا التي تعيش تحت وطأة حالة الطوارئ منذ أربعين سنة وما دار خلالها من ويلات ومآسٍ، بما في ذلك اعتقال زملائه من الأدباء والأكاديميين؟! وما ينطبق على أدونيس ينطبق على كثيرين سواه !!
لقد أصبح تنافس المثقفين العرب على الوجاهة والمهرجانات والمنافع هو السائد على غيره، بينما يدفع فقر الواقع العربي وخلوه من الحقائق ومن البهجة أيضاً الكثيرين إلى خلق الخرافات والإيمان بها والدفاع عنها، كتعويض نفسي عن هذا الفقر الذي لا يحتمل. أدونيس وآخرون خلقوا ( خرافة الشعر ) وعمموها على أجيال متتالية من الأدباء اللاحقين، على طريقة هذا ( زمن الشعر ) أو الشعر هو الخلاص أو ( تغيير العالم بالشعر ) ليتم تتويج كل ذلك ب ( خرافة الشاعر الكبير ) !!
أي أنهم جمعوا كل خرافات الثقافات الأخرى حول الشعر وحشروها في صناديق الثقافة العربية كي تمتلئ وتصبح ثقيلة الوطء على الرؤوس التي لكي تتخفف من هذا الحمل تبدأ بنسج خرافاتها وكلُُ ُ على طريقته.
في هذا الخضم وُلدت خرافة أدونيس، خرافة الشاعر الكبير، دون أن يعرف مريدوه بأن أهمية الشعر التي يقصدها أدونيس هي أهميته هو وأهمية شعره هو وليس الشعر لذاته أو بذاته، ليس شعر الآخرين الذي قلما يمر عليه أدونيس أو يتوقف عنده، لكن الكاتب العراقي علي حسن فواز يقول في مقاله في ( النهضة ) 23 – 3 – 2004 : ( يبدو أدونيس قد نزع آخر القشور عن جلده ليكون لصق ذاته الشعرية، فلم تعد تحتوي - عريه – المدن أو الأمكنة، لأن الشعر ألقى عليه غباره السحري فغاب في هيولى غرائبية أعطته إحساساً بالخلاص والحرية من نفاق الآخرين واللغة والسلطة، يحاول أن يؤسس مكوثه المقترح بشروط شعرية هو يختارها وليس إغواء الأمكنة التي تضغطنا في التاريخ والتابو والمهيمن.. وهذا دليل آخر على قوة الشعرية حيث تتخلص من الخيانات والأكاذيب )
وهذا كلام تحتاج كل عبارة فيه إلى وقفة. فهو خطاب يريد أن يدين التابو والمهيمن، دون أن يشعر صاحبه بأنه يكتب خاضعاً لهيمنة خرافة ( الشاعر الكبير ) وللغة السحرية ( = اللا علمية واللا واقعية ) التي لا بد منها للشعور بلذة هذا الخضوع للخرافة. فهو لا يكتب عن ظاهرة واقعية هي شاعر اسمه أدونيس له دور وحضور معينين في خريطة الشعر العربي المعاصر، لا يكتب بلغة نقدية منهجية تجعل القارىء يفهم ما يريده بالضبط، بل يريد فواز أن يفرض علينا خرافة دون أن يدرك أننا غير مضطرين لتصديق ما يقول، فنجده يستخدم لغة خرافية ( ألقى عليه الشعر غباره السحري فغاب في هيولى غرائبية ) لتمرير فكرة شخصية عن شاعر اسمه أدونيس أصبحنا نعرف جميعاً بأن حضوره الشعري بدأ ينخفض عقداً بعد عقد مع تطورات الثقافة العربية وظهور أسماء شعرية وثقافية جديدة لم يعد يهمها أدونيس كثيراً.
ولنتساءل الآن، ما معنى ( يحاول أن يؤسس مكوثه المقترح بشروط شعرية هو يختارها وليس إغواء الأمكنة التي تضغطنا في التاريخ والتابو والمهيمن )؟! وإذا اتفقنا على كون الشعر هو نتاج صراع الشاعر مع العالم والظروف المحيطة به، فهل هناك شاعر خارج الأمكنة؟ بمعنى هل بوسع شاعر أن ينتج لغة لا علاقة لها بمكان وتاريخ معينين؟! وهل هناك مكان بدون تاريخ؟! وهل هناك ثقافة بدون صراع مع تابو ومهيمن؟! وهل هناك تاريخ شخصي أو وطني بدون خيانات أو أكاذيب؟! وهل أدونيس لديه طاقة سحرية حقاً تجعله ما فوق بشري بحيث يمتلك كل هذه الصفات التي أغدقها عليه فواز؟!
عندما نكتب نقداً أو تعليقاً نقدياً ينبغي أن نكون دقيقين باستخدام الكلمات، فالحكمة تقول ( أوصيك بالدقة لا بالوضوح ) وهي حكمة شاعر وليست حكمة فيلسوف. وإذا كانت الحكمة والحقيقة تأتي من وقائع الواقع، ليتأسس المنهج عليها، فمن أجل الخيانات والأكاذيب، سأحيل فواز إلى بعض الوقائع : بعد وصولي إلى بيروت ربيع 1979 بأسابيع، ذهبت مع عدد من الأصدقاء إلى أمسية شعرية لأدونيس في قاعة ( جامعة بيروت العربية ) أعاد أدونيس قراءة قصيدته ( هذا هو اسمي ) المنشورة في كتاب قبل سنوات، وفي المقطع الذي يقول ( باسم يافا سمني قيساً وسمي الأرض ليلى / باسم شعب شردته البشرية ) قام أدونيس بتغيـير كلمة ( بشرية ) إلى ( بربرية ) !! ولأن أكثرية شعر أدونيس خاضع لهواجس ومواضيع سياسية على عكس ما يدعيه ويدعو إليه، ففي اليوم الثاني قرأنا في جريدة السفير مقالاً للشاعر عباس بيضون، وربما لكاتب آخر، أوضح فيه أن تغيـير الكلمة لم يأت اعتباطاً، بل أن جهات لبنانية ذات علاقة، كانت قد أخبرت أدونيس بأنه مرشح لجائزة ( لينين للسلام ) وما تعنيه هذه الجائزة أيام وجود الاتحاد السوفيتي آنذاك، لذلك تم تغيير الكلمة، ف( البشرية ) في المقطع المذكور تنطوي على إدانة للولايات المتحدة والغرب عموماً وكذلك للاتحاد السوفيتي الذي سبق الجميع بالاعتراف بقرار تقسيم فلسطين الذي تسبّبَ بتشريد شعبها. وبعد شهور على هذه الفضيحة التي لم يرد عليها أدونيس طبعاً، نشر أدونيس مقالاً بعنوان ( العقل المعتقل ) في السفير أيضاً، وبعد يومين نشرت السفير مقالاً للروائي الراحل غالب هلسا بيـّن فيه أن الأفكار الواردة في مقال أدونيس مأخوذة من مقال لكاتب غربي ذكر أسمه وقارن بين المقالين، لكن أدونيس لم يرد أيضاً !! ناهيك عن كتاب الشاعر كاظم جهاد ( أدونيس منتحلاً ) لكن أدونيس لا يرد على أحد، لأن الرد والمناقشة تعيدانه إلى الواقع وحقائقه، وهو رجل خبير في صنع الخرافات وخاصة خرافته هو، ومن حسن حظه أنه يجد دائماً من يصدق هذه الخرافات ويتبنى ترويجها، ولكن ليس مجاناً طبعاً !! فالزميل فواز لم يأت بجديد في الواقع، وعملية أو نسق صنع الخرافات ليس من ابتكاره، فمثل مقاله قرأنا الكثير في العديد من الصحف العربية. وتفسير هذا الولع بالخرافات ولغة التخريف، هو أن ثقافة التمجيد التي أوصلها شعراء صدام حسين ومادحوه إلى ذروتها التي هي الحضيض بعينه، ثقافة التمجيد هذه هي نتاج الواقع، ونحن إذ نسقط تحت وطأتها فلأننا جزء من هذا الواقع، الواقع العربي الفاشل الذي أصابنا ( بعقدة البحث عن بطل )، وبقدر ما تكون الكتابة عن الخرافة، خرافة ( الشاعر الكبير ) أو ( البطل القومي )، انغماساً بلغة الأوهام ذاتـها وخضوعاً لسطوتها، فهي تنطوي على رغبة الكاتب بالتشبه بالشاعر الكبير على أمل الالتحاق بعوالمه السحرية، وهي لذلك لا تستطيع تلمس حقيقة واقعية فتسقط خارج معنى المعرفة من حيث هي تطمح لتصدر الواجهة. والمشكلة الناتجة عن كل ذلك هي أن إدمان مجتمع ثقافي معين على الأوهام والخرافات يحولها إلى ( حقائق ) بالضبط مثل حقيقة ( البطل القومي ) صدام حسين والذي لم يستطع الكثيرون من الأشقاء العرب أن يصدقوا بعد، أنه مجرد مجرم جبان وتافه، ما أدى إلى تحويل الخرافات والأوهام إلى ( ثقافة عامة ) فلا يعود المتابع قادراً على التمييز بين الواقع وبين الوهم، أو بين الحقيقة وبين الخرافة !!
يقول فواز ( بما أن الثقافة في النسق العربي لم تتحول إلى – إنتاج – مؤسسي خارج إطار السلطة !! فإن هذه السلطة تنظر للمثقف / الشاعر / العراف / عالم الديانات / الراوي المؤرخ / كاتب السيرة / حافظ الحديث /.. بعين الريبة وتحاول دائماً تهميشه أو وضعه في مكونها ومتماهياً مع نظرها للملك والملكية. وهذا ما يجعل البعض من مثقفينا ممن أغواهم الولع ( التملكي ) الاندفاع لاستبدال موقعهم في الثقافة الحرة مع موقع هامشي في النسق السلطوي مقابل إيهامات بالتملك ومن ضمنها – ملكية الكتابة - ) أنه يدين هذه الظاهرة وهي إدانة تنطوي على إطراء ضمني لأدونيس باعتبار بعيداً عن هذه الظاهر ونقيضاً لها، لكن واقع أدونيس ومواقفه تقول عكس ذلك تماماً، ففي مقابلة في ( القدس العربي ) 11 – 10 – 97 أجراها معه شاكر نوري الذي عمل وسيطاً لمهرجانات النظام السابق لسنوات طويلة، يقول نوري في المقدمة ( أتذكر أيام كان يعمل في اليونسكو، وجهت له دعوة لحضور مهرجان المربد وقد كلفني أحد الشعراء المسؤولين بمفاتحة الشاعر أدونيس آنذاك لكنه رد عليَّ بكل وده ولباقته المعهودتين : إنني لا أشترك في مهرجان يحضره ألف شاعر. ثم سألني بدهشة : هل تعتقد يا أخ شاكر بأن هناك ألف شاعر في الوطن العربي )؟! أعرف أن شاكر نوري غير مؤهل ثقافياً لطرح أسئلة جادة، بالإضافة إلى كون ( مهمته ) لا تسمح بذلك، وإلا لسأله : لماذا لا تتوقع ألف شاعر في أمة تتكون من ثلاثمائة مليون إنسان، خاصة وأنك القائل بأن هذا الزمن هو ( زمن الشعر)؟! لماذا لا تتوقع وجود خمسين شاعرا في كل بلد عربي إذن؟! أم أنك تعتقد بأن الشعر ملكية خاصة لا يحق لأحد أن ينازعك عليها؟! ولماذا لا يكون الشعر مباحاً للجميع كالفرح والماء والهواء؟! أم أن حديثك عن وجود ألف شاعر هو كلام حق يراد به شيء آخر؟!
هذا من الناحية الثقافية أما من الناحية الأخلاقية، فكنا نتوقع من أدونيس أن يرد على شاكر نوري بالسؤال التالي : كيف أستطيع أن أشارك في مهرجان رسمي لنظام شرد كل هذا العدد من الأباء والفنان والكتاب والأكاديميين العراقيين؟!
أسئلة من هذا النوع لا تخطر على بال أدونيس أيضاً، لأن من لا يدافع عن حرية التعبير ومصير المثقفين في بلاده لا يمكن أن يدافع عن هذه القضية في بلدان عربية أخرى، وهذا يشمل الكثير من المثقفين العرب بمن فيهم سوريون وعراقيون من المقيمين في الخارج. فالمصالح الدنيوية الواقعية أو المتخيلة لا علاقة لها بغبار الشعر وسحره يا عزيزي فواز، لأن الواقع شيء والخرافات شيء آخر. ورداً على سؤال عن سبب رفضه لحضور مهرجان للشعر في تونس وقبوله لحضور مهرجان مماثل في الكويت آنذاك، يتحدث أدونيس عن سلبيات مهرجانات الشعر العربية، ثم يورد نص الرسالة التي بعثها لوزير الثقافة التونسي، ومما جاء فيها ( الشاعر عامل منتج باللغة ويعيش من عمله ونتاجه شأن المحامي والمغني والموسيقي...، لذلك لا بد حيث يُطلب منه أن يقدم نتاجه في حفل ما، من أن يُقدَّم له، بالمقابل مبلغ مالي يتوازى مع عمله ومكانته... لا أقدر شخصياً لظروف صحية ضاغطة أن أسافر في الطائرة بدرجة سياحية. هذه بالنسبة إلي ضرورات لا غنى عنها، يمليها الحرص على الحق والمبدأ والمساواة... ) وهذا موقف واقعي وصريح، وسواء اتفقنا معه أم لا، فهو يتعلق بالمُلكية لنـتاج معين وأرباح مالية محددة تترتب عليها، والكلام موجه لأي سلطة عربية تدعو أدونيس لأمسية شعرية، وهذا الموقف يا أخي فواز لا علاقة بينه وبين ما تقول أنت : ( يبدو أدونيس قد نزع آخر القشور عن جلده ليكون لصق ذاته الشعرية، فلم تعد تحتوي - عريه – المدن أو الأمكنة، لأن الشعر ألقى عليه غباره السحري ) بينما أدونيس يبحث عن المدن وإغواء الأمكنة وبالدرجة الأولى في الطائرة، لذلك ذهب إلى الكويت ولم يذهب إلى تونس. وهذا عكس الصورة التي رسمتها أنت لأدونيس وتريد أن تقنعنا بها !! أم أنك تعتقد بأن في الكويت ( هيولى غرائبية أعطته إحساساً بالخلاص والحرية من نفاق الآخرين واللغة والسلطة )؟!
هذه هي خلفية مواقف أدونيس من بيروت أو تونس أو الكويت أو القاهرة أو بغداد كما يعلنها هو بشكل واضح ومحدد، وهناك أشخاص ومؤسسات تشاطره الرأي والمصلحة، فلماذا نضفي عليه مسحة سحرية هو لا يدعيها؟!
أن الخرافات تُصنع عادةً بعد أن يتم الانفصال عن الواقع وحقائقه. وهدفي من كل ما تقدم هو السؤال التالي : هل الثقافة العراقية والمجتمع العراقي ما يزالان بحاجة للاستمرار بصناعة الخرافات مع استبدال شخوصها أم آن لنا أن نعود للواقع وحقائقه؟!
لا أشك بموهبة وكفاءة فواز الثقافية ولا بنواياه الطيبة، وأعرف أن الكثير من الأدباء العراقيين الشباب يقاسمونه نفس المشكلة أو الإشكالية المتعلقة بطريقة تفكير معينة، لكن المأساة العراقية الراهنة والمرحلة الجديد ومئات الآلاف من عيون الأرامل والأيتام تفرض علينا التخلص من وطأة الاستغراق في الخرافات حول دور الشعر وأسطورية الشاعر وما تجره من استهلاك للوقت والجهد ناهيك عن الخلافات والأحقاد والصغائر التي غالباً ما تتأسس على تلك الأوهام بينما تتطور البشرية من حولنا عبر ثقافة المؤسسات والبرامج المحددة وحقائق الحياة الملموسة وأفراح الجسد الواضحة وغنى الروح بتلك الأفراح، فنحن في عصر العلوم ووسائل الاتصال الحديثة والإنجازات الكبيرة الأخرى، التي غيرت النظرة للآداب والفنون ودورها وطريقة إنتاجها وتداولها، وطبيعة الأديب والفنان وطريقة حياته وحقيقته كونه لا يختلف عن بقية البشر، فهو له أخطاؤه وتناقضاته ونقاط ضعفه، والنظر له على هذا الأساس أنفع لنا وله سويةً، علينا أن نعود إلى الواقع، إلى العراق وحقائقه لنكتشف مأساتنا ولغتنا وأهمية وجودنا ومشروع مستقبلنا بعيداً عن الخرافات والأوهام حول أنفسنا أو حول الآخرين.


المصدر موقع ايلاف

آخر تحرير بواسطة صقر الخالدية : 18/04/2004 الساعة 04:27 PM
  #88  
قديم 18/04/2004, 04:01 PM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Thumbs up

من أجل إعادة بناء الفكر السياسي في الإسلام

د. محمد عابد الجابري
لم تكن الثغرات الدستورية التي برزت في أواخر عهد عثمان والتي كانت وراء "انقلاب الخلافة إلى ملك عضوض" هي وحدها الدروس السياسية التي يمكن استخلاصها من التجربة التاريخية للأمة العربية الإسلامية (انظر المقال السابق). هنا جوانب أخرى لابد من إبرازها، وبالخصوص منها الكيفية التي دأب الحكام في الإسلام على اعتمادها في إضفاء الشرعية على حكمهم ابتداء من معاوية أول ملك في دار في الإسلام.
لقد كان معاوية يعرف جيدا أنه اغتصب الحكم بالسيف، وأنه بالتالي يفتقد الشرعية التي تأسس عليها الحكم في الإسلام منذ أبي بكر، شرعية "الشورى"، فراح يلتمس الشرعية لحكمه من "القضاء والقدر" من جهة، ومن العمل، من جهة أخرى، على استرضاء الناس بالتلويح لهم بإشراكهم في ثمار الحكم، خصوصا المادية منها. وهكذا نجده من جهة يكرر في خطبه أن ما حدث من حرب بينه وبين علي بن أبي طالب، وما كان من انتصاره وانتزاعه الحكم، إنما كان "بقضاء الله وقدره"، وبالتالي فالله هو الذي قضى "بسابق علمه" أن يتولى الأمويون الحكم لأنهم أهل له وأكثر الناس خبرة بشؤونه. وقد ردد عماله هذه الفكرة نفسها، ومنهم زياد بن أبيه في خطبته المشهورة بـ"البتراء" التي قال فيها:"أيها الناس، إنا أصبحنا لكم ساسة وعنكم ذادَة نسوسكم بسلطان الله الذي أعطانا ونذود عنكم بفيء الله الذي خولنا". وخطب معاوية أمام معارضي تولية ابنه يزيد وليا للعهد فكان مما قاله:"وإن أمر يزيد قد كان به قضاء من الله وليس للعباد خيرة في أمرهم".

هذا من جهة، ومن جهة أخرى، سلك معاوية سياسة "واقعية"، وعمل جهده على حمل الناس على النظر إلى مسألة الحكم بعين "الواقعية السياسية" التي تقوم على التسليم بالأمر الواقع. خطب في المدينة بعد تمام "البيعة" له "عام الجماعة" فقال:"أما بعد فإني ما وليتها بمحبة علمتها منكم ولا مسرة بولايتي، ولكني جالدتكم بسيفي هذا مجالدة"، ثم قال إنه حاول أن يحمل نفسه على سيرة أبي بكر أو عمر أو عثمان، ولكنها أبت ذلك ولم تستطع، ثم أضاف:"فسلكت بها طريقا لي ولكم فيه منفعة: مواكلة حسنة ومشاربة جميلة". "فإن لم تجدوني خيركم فإني خير لكم ولاية". وقد سار "الخلفاء" الأمويون من بعده على هذا النهج فاعتمدوا القول بالجبر كإيديولوجيا والعطاء كممارسة سياسية، فكان هذا وذاك هما أساس الشرعية التي بنوا عليها حكمهم.

وعندما نجحت الثورة العباسية في إقامة دولتها، لم يكن من الممكن أن يعتمد رجالها صيغة إيديولوجيا الجبر الأموي، وهم الذين كان في صفوفهم رجال قياديون عارضوا الأمويين وحاربوهم رافعين شعارات إيديولوجية مضادة، وفي مقدمتها القول بقدرة الإنسان على إتيان أفعاله بحريته واختياره، وبالتالي تحمله المسؤولية على أعماله. من أجل ذلك عمدوا إلى التماس الشرعية لحكمهم، لا من فكرة "القضاء والقدر"، كما فعل الأمويون بل من عبارة "إرادة الله ومشيئته"، مع أن المعنى واحد: قالوا إن الله هو الذي شاء أن يحكموا، وإنهم إنما يحكمون بإرادته ويتصرفون بمشيئته. خطب أبو جعفر المنصور، المؤسس الفعلي للدولة العباسية، فقال:"أيها الناس إنما أنا سلطان الله في أرضه أسوسكم بتوفيقه وتسديده وتأييده، وحارسه على ماله أعمل فيه بمشيئته وإرادته وأعطيه بإذنه". وهكذا أصبح "الخليفة" الذي كان زمن الخلفاء الراشدين خليفة للنبي (أبو بكر)، أو خليفة لخليفته (عمر)، أو خليفة لخليفة خليفته (عثمان)، أقول أصبح "الخليفة" العباسي "خليفة الله" و"سلطانه في أرضه"، وأصبح ذلك هو أساس الشرعية عنده. وقد تكرس هذا الأساس، البعيد عن الإسلام كل البعد، بما نقله ابن المقفع وغيره من "الكتاب" (كتاب السلاطين) من مقولات الإيديولوجيا السلطانية الفارسية وغيرها التي تقوم على المماثلة بين الحاكم الطاغية المستبد وبين الإله... وفي بعض الأحيان المطابقة بينهما باتخاذ الحاكم إلها.

أما "فقه السياسة"، فلم يظهر إلا في فترة متأخرة مع الماوردي بصورة خاصة. لقد كان قبل ذلك "كلاما في الإمامة"، يرد به متكلمو أهل السنة على آراء الشيعة "الروافض" الذين رفضوا الاعتراف بخلافة أبي بكر وعمر وعثمان، وقالوا إن النبي كان قد أوصى لعلي بن أبي طالب بالإمامة من بعده، فقام متكلمو أهل السنة يردون على ذلك بإثبات صحة خلافة كل من أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، مستندين إلى الوقائع التاريخية، ثم بنوا على ذلك ما اعتبروه شروطا في الإمامة وكيفية تعيين الإمام الخ، محاولين الارتفاع بالكيفية التي جرت بها الأمور زمن الخلفاء الراشدين إلى مستوى "السوابق" "التشريعية". وكان ذلك كله بهدف مواجهة الباطنية والروافض من الشيعة، فكان "فقه السياسة"، في حقيقته وجوهره، تشريعا لماضي الحكم في الإسلام، وبالخصوص فترة الخلفاء الراشدين، ولم يكن تشريعا لا للحاضر ولا للمستقبل. نعم لقد حاول الماوردي إضفاء نوع من الشرعية على الحكم في عصره على مستوى "الأحكام السلطانية"، أي الوظائف الإدارية و"الولايات الدينية" من قضاء وغيره، ولكن "تشريعه " ذاك لم يكن سوى وصف لأمر واقع، ومحاولة لإضفاء نوع من الشرعية الفقهية عليه. وقد تطور "فقه السياسة" بعد الماوردي عبر سلسلة من التنازلات والتخلي عن الشروط، حتى انتهى به الأمر إلى الاعتراف بأن الحكم إنما يتم بالشوكة والغلبة (الغزالي ومن جاء بعده) ثم انتهى الأمر بالفقهاء إلى صياغة "مبدأ كلي" يلغي "فقه السياسة" إلغاء تاما. مبدأ يقول:"من اشتدت وطأته وجبت طاعته". وقد عبرت عنه "العامة" في المغرب بهذا الدعاء:"الله ينصر من أصبح!".

تلك هي الدروس السياسية التي تقدمها لنا التجربة التاريخية للأمة العربية الإسلامية، الدروس المستخلصة من السياسة المطبقة، أولا قبيل "انقلاب الخلافة إلى ملك" (الثغرات الدستورية موضوع المقال السابق) ثم بعد انقلابها إلى نظام في الحكم يلتمس الشرعية لنفسه من التمويه الإيديولوجي والعطاء السياسي، وقبل ذلك وبعده: من الشوكة والغلبة.

ولكن التجربة التاريخية للأمة العربية الإسلامية ليست هي السياسة المطبقة وحدها، بل إنها أيضا ما نعبر عنه هنا بـ"الخلقية الإسلامية" في الحكم، تلك الخلقية التي بقيت تلهم الفكر الحر وتنعش الآمال في الإصلاح والتغيير. والعناصر الأساسية في هذه الخلقية، التي يجب التماسها في عهد النبوة، هي التالية:

ا- الشورى. لقد جعل القرآن الكريم من الشورى خصلة من الخصال الحميدة، جنبا إلى جنب مع الإيمان بالله والتوكل عليه وتجنب الكبائر وإقامة الصلاة... الخ، فقال تعالى:"فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا، وما عند الله خير وأبقى، للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون، والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون، والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون، والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون" (الشورى 36-39). ويؤكد القرآن الكريم هذا المعنى نفسه متوجها بالخطاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليجعل من الشورى صفة من الصفات الحميدة التي يجب أن تبنى عليها علاقته بأصحابه، فقال تعالى:"فبما رحمة من الله لنت لهم، ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك، فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر"(آل عمران 159).

2- المسؤولية وتوزعها في جسم المجتمع. لقد كان الفكر السياسي في حضارات الشرق القديم، من فرعونية وبابلية وعبرانية وفارسية، يقوم على نموذج "الراعي" الذي يرعى قطيعا من الغنم. فالحاكم "راع" والباقي قطيع (أي رعية). ويقوم هذا النموذج على المطابقة بين "راعي الكون" (الله) وراعي "القطيع" من البشر (الرعية). أما في الإسلام- إسلام عصر النبوة، لا إسلام الإيديولوجيا السلطانية- فقد أصبح لمضمون "الراعي" معنى آخر، وذلك من خلال الحديث النبوي الشهير القائل:"ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته: فالإمام الذي على الناس راع وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية على أهل بيت زوجها وولده وهي مسؤولة عنهم، وعبد الرجل راع على مال سيده وهو مسؤول عنه. ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته". وواضح أن الرعاية هنا تعني حفظ الأمانة وتحمل المسؤولية، وهي ليست من اختصاص شخص بمفرده، بل هي موزعة في جسم المجتمع كله من أعلى الناس إلى أدناهم. والأهمية السياسية التي ينطوي عليها هذا المبدأ هي أنه ينص على توزيع المسؤولية، فلا استئثار بها ولا استبداد.

3- أما العنصر الثالث من العناصر المؤسسة للخلقية الإسلامية في ميدان الحكم والسياسة وغيرهما من شؤون الدنيا التي ليس فيها نص فهو قوله عليه الصلاة والسلام:"أنتم أدرى بشؤون دنياكم". لقد مر ذات يوم بأناس يلقحون النخل فسألهم عما يفعلون، فقالوا: نلقحه لينتج. فقال: هلا تركتموه! ولما تركوه ولم ينتج أخبروه بذلك، فقال لهم:"أنتم أدرى بشؤون دنياكم". وبما أنه توفي عليه السلام من دون أن يعين من يخلفه، ولا طريقة تعيينه، ولا نوع اختصاصاته، ولا غير ذلك من شؤون الحكم والسياسة، فإنه لا مناص من اعتبار هذه الشؤون من جملة ما يدخل في قوله:"أنتم أدرى بشؤون دنياكم".

تلك في نظرنا هي الأسس التي تقوم عليها "الخلقية الإسلامية" في شؤون الحكم والسياسة. ونحن نستعمل هنا كلمة "الخلقية" لأن النصوص التي تقرر تلك المبادئ ليست نصوصا تشريعية، أو على الأقل اعتبرت وتعتبر كذلك، وهذا ما يجعل مجال الاجتهاد في شؤون الحكم واسعا غير محدود إلا بحدود المثل العليا التي يقررها الإسلام... ومن هنا يتجلى بوضوح أن إعادة بناء الفكر السياسي في الإسلام يجب أن تنطلق من إعادة تأصيل المبادئ الثلاثة المنوه بها أعلاه، وذلك بالصورة التي تجعلها تستجيب لحاجات عصرنا ومتطلباته: إن تحديد طريقة ممارسة "الشورى" بالانتخاب الديمقراطي الحر، وإن تحديد مدة ولاية رئيس الدولة في حال النظام الجمهوري، وإسناد مهام السلطة التنفيذية لحكومة مسؤولة أمام البرلمان في حال النظام الملكي والجمهوري معا، كما أن تحديد اختصاصات كل من رئيس الدولة والحكومة والبرلمان المنتخب انتخابا نزيها حرا بصورة تجعل هذا الأخير هو وحده مصدر السلطة... تلك مبادئ لا يمكن ممارسة "الشورى" في العصر الحاضر من دون إقرارها والعمل بها. إنها المبادئ التي بها وحدها يمكن سد الثغرات الدستورية الثلاث التي برزت في أواخر عهد عثمان، فأدت إلى "انقلاب الخلافة إلى ملك عضوض".
  #89  
قديم 19/04/2004, 02:27 PM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
سحاب
لديك عقل حر!!

ناصر صالح الغيلاني

نعم أنت انسان حر لديك عقل حر هذا العقل بامكانه ان يفكر معتمدا على نفسه وأن يتساءل وأن يصل الى الحقيقة هذا العقل ملكك وهو اهم ميزة تتميز بها عن بقية المخلوقات الاخرى لذلك لا تسلم قياد هذا العقل لأحد ولا تمنح اي احد الفرصة لان يكون وصيا عليه , عليك ان تحافظ على استقلاليته وحريته في التفكير والوصول الى الحقيقة.
ستصادف في حياتك اناسا كثر حاولوا وسيحاولون ان يسلبوا منك هذا العقل ويحولونه تابعا ذليلا لهم ويحرمونك من حرية استخدامه وقد يكون من بين هؤلاء الناس من تحبهم ومن لهم افضال كبيرة عليك تذكر مثلا والديك ! لقد ظلا يصران على انهما يملكان الحقيقة وأن عليك ان تصدق كل ما يلقنونك اياه من اوامر على هيئة نصائح ولكم كرروا على سمعك بأنك لا تعرف شيئا وأن عليك ان ترجع لهم في كل كبيرة وصغيرة من شئون حياتك تذكر معلميك لقد كانوا يصبون على سمعك كلمات وجملا كثيرة ويطالبونك بأن تحفظها لانها مهمة دون ان تدري لماذا هي مهمة؟! عليك ان تحفظ لهم كل التقدير والاحترام والوفاء والشعور بالامتنان ولكن هذا لا يعني ان تسلمهم قياد عقلك وان تجعلهم اوصياء عليك تذكر ان عقلك حر هذه هي طبيعته الاصيلة وان بامكانه ان يكتشف حقائق اخرى غير التي يقولونها! وان عليك ان تثق به وتعتمد عليه ستصادف كذلك في هذه الحياة اناسا وجماعات كثيرة ومتنوعة سيوحون لك بشتى الطرق انهم يملكون الحقائق وأنهم على الطريق الصحيح وأنهم لا ينطقون الا بالحق وأن عليك ان تصدقهم هكذا بحسن النية وبدون براهين! ستجد منهم من يتحدث مدعما كلامه بقوة الايمان والصلاح ومنهم من يتحدث مدعما قوله بالمال او بنفوذ السلطة او بهيمنة الاعلام سيحاصرونك بالاوهام دون ان تشعر وسيحاولون ان يسلبوا منك هذا العقل كي لا تحتج كي لا تعترض سيؤكدون لك بآلاف الطرق ان ما يقولونه فقط هو الحقيقة وأن ما وجدنا عليه اباءنا هو الشيء الصحيح! لا تصدقهم تماما عليك ان تختبر كل ما يقولونه بعقلك تفحص مقولاتهم ابحث عن منطلقاتهم تفكر في مراميهم الخفية غير المعلنة ولا تغتر بما يقولونه في العلن تشكك دائما فيما يقال وفيما هو شائع ولا تقبل منه الا ما يتوافق مع المنطق الصحيح لا تقتنع بما يدعونه بالحقائق لمجرد ان بها رائحة الاباء والاجداد تذكر ان عددا كبيرا من الناس في الجاهلية ظلوا على كفرهم ولم يدخلوا الاسلام لمجرد انهم ارادوا ان يكونوا اوفياء لاصنام ابائهم واجدادهم! الماضي ليس كله صحيحا وليس كله خطأ وعليك لوحدك ان تستخدم عقلك لتكتشف الصحيح من الخطأ.
ولكن وقبل ان تقرر تحرير عقلك عليك ان تتذكر بأن طريق العقل شائك ملئ بالمصاعب والمصادمات والمواجهات وقد تقع مرات كثيرة وقد تصاب بالكدمات وقد تتعرض للمخاطر دون ان تجد احدا الى جانبك سوى نفسك! اما الطريق السائد فهو ممهد لقد مشى فيه الكثيرون لقد تم اختباره ونتائجه معلومة سلفا وهو خال من المغامرة والمفاجآت لكنك مع هذا الطريق لن تكتشف شيئا جديدا حياتك رتيبة مملة وتكرار لحياة الالاف قبلك اما طريق العقل فرغم صعابه الا انه ملئ بالمفاجآت والاكتشافات والاثارة والمعنى العميق والمتجدد للحياة طريق العقل سيجعل منك مكتشفا ورائدا لانه طريق المكتشفين والرواد الذين غيروا الحياة.
ان لديك عقلا حرا لا تكبله بالقيود ولا تجعله يتعفن مهملا في دماغك كما قال شكسبير ولا تسلم قياده لأي شيخ او امير او اي سلطة انت وحدك من عليه عبء تغيير مصيرك انت انسان حر وفرد لا يشبهك احد على وجه الارض ليست هنالك وصفة جاهزة وموروثة للنجاح في الحياة عليك ان تجرب وان تخضع كل شيء للتساؤل .. فقط حرر عقلك حرر فكرك حرر ارادتك كي تغدو انسانا حرا.

جريدة الوطن
  #90  
قديم 20/04/2004, 05:32 PM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Talking

المثقفون والزواج
2004/03/31


إدريس الخوري

ذات يوم، طرح علي أحدهم سؤالا عابرا كأنه يتقصّد نفسه : لماذا يفشل المثقفون المغاربة في الزواج ؟ هل بسبب نرجسيتهم الزائدة وحساسيتهم المفرطة أم أن نساءهم لسن في مستواهم الثقافي والفكري ؟ قد يكون الأمر كذلك إذا ما وضعنا، في عين الاعتبار، طباع المرأة وسلوكها وأنثويتها أيضا، لكن النزعة الذكورية تبقي سمة أساسية في هذه العلاقة الزوجية غير المتكافئة لأن موضوع الارتباط جد شائك اجتماعيا ونفسيا وثقافيا، ومع ذلك فإني أري أن موضوع زواج المثقفين وفشله ليسا ظاهرة مغربية عربية فقط، بل إنه ظاهرة أوربية وأمريكية أيضا، أمامنا نموذج الكاتب الامريكي سكوت فيتزجيرالد مع زوجته السكيرة زيلدا، آرثر ميللر مع مارلين مونرو، سارتر مع سيمون دوبوفوار، بول بولز مع جين، إلخ.. فثمة حالات استقرار هنا وهناك تعيش وفق "وئام مدني"، حيث يتحمل كل طرف عبء الآخر علي مضض من أجل الأطفال والعيش والملح، ذلك أن المثقف المفترض هنا سيجد نفسه محاصراً في حريته الشخصية مقيداً بعدة التزامات عائلية لا "ثقافة" له عنها ولا مناص من الوفاء بها، فلا هو متزوج مائة بالمائة ولا هو حر مائة بالمائة، إنه مذبذب بين متعته اليومية (المقهي- الحانة الأصدقاء) وبين ما يسمي ب "الواجب العائلي" (التغذية- الأطفال- المدرسة- السرير) لذلك يبدأ جدار العلاقة في التشقق تدريجياً ويحدث الانهيار.
المثقف المغربي، في إطاره النفسي والاجتماعي العام، حالة إنسانية ملتبسة إن لم أقل معقدة بحكم تربيته الدينية ونشأته المحافظة في بيئة عمالية- فلاحية، غير قادر علي التمرحل مع مظاهر الحداثة التي تزخر بها المدينة (مثل الدار البيضاء والرباط وطنجة مثلا) حتي النهاية، فهو بين مد وجزر، بين الحفاظ علي هويته الذكورية (الفحولة والرجولة) وبين الاندماج في الحداثة مع ما تتطلب هذه الاخيرة من انفتاح ووعي، لذلك يجد نفسه موزعا بين عالمين متعارضين كلاهما مرٌّ. هل يستمر في وحدته النفسية والاجتماعية أم يؤثتها بكائن أنثوي يزيل عنه رتابة الوقت وأعباء البيت ؟ سيتزوج ذات يوم لامحالة من أجل ترميم وحدته، وعبره سيفرغ ما اختزنه من رغبات ظلت مكبوتة. هنا سينتمي إلي المؤسسة باعتبارها طقساً تقليدياً.
***
لا يختار المثقف كائنه- النموذج، بل يختار الجسد اللحم باعتباره استيهاماً، فهو حتماً لم يعرف المرأة في طفولته حتي تبقي قائمة في ذاكرته مع مر السنين، ولذلك تخلو العشيقة من حياة الكتاب والمثقفين العرب علي غرار ما نجد عند الكتاب الاوربين والامريكيين الذين لا يأبهون لمؤسسة الزواج، وحتي إن وجدت فهي مجرد كائن متخيل أو محلوم به في اللاوعي، أما إذا انخرطوا في مؤسسة الزواج فهو إرضاء لها وليس إرضاء للذات، كذلك الأمر في الأدب : إنه يكاد يخلو من عشيقات روائيات يلهمن الكاتب الروائي ويؤثتن فضاءه بنزقهن وتقلباتهن ورغباتهن اللاتنتهي.
ولعل الفارق الثقافي والاجتماعي، بله الطبقي، من المثقف وزوجته، سيساهم، بدوره، في حفر هوة عميقة بينهما ويجعل المسافة بعيدة، عندها يدب الفتور إليهما ويصبحان كائنين شبه منفصلين، فالزوجة تشد والرجل يطلق وبالعكس، وبتوالي الايام والشهور يسود الجفاء والبرود العاطفي والجنسي وتصبح العلاقة فاترة، هو نادم في سره علي الارتباط بها وهي كذلك، وسيزداد شروداً في أحلامه الطوباوية والنرجسية لأنه الزوجة، بالنسبة إليه، ليس إلا خادمة وسريرا بالليل، فإلي أين يتجه ؟ إلي الكتابة أم إلي البيت ؟ ينضاف إلي هذا المناخ المتوتر عنصر المصروف اليومي والنفقات الطارئة. ثمة شاعر لم يستطع إلي الآن أن يملأ ثلاجته، فكان يكتفي، كل يوم، بشراء وردة لزوجته وقنينة نبيذ أحمر وخبزة مستطيلة وربع كيلو من كفتة الخيول ! هو متزوج شرعاً، لكنه غير متزوج نفسيا، لذلك يهرب إلي الحانات. روائي آخر يضرب زوجته ولا يعود إلي البيت إلا في ساعات متأخرة من الصباح- مفكر وفيلسوف لا يُري حَرَمُه لضيوفه لأن عقليته ذكورية رغم ادعائه الحداثة- أستاذ جامعي كذلك- روائي آخر يلجأ إلي المقهي لأن زوجته ثرثارة وتحب الذهاب إلي الاعراس لسماع "الشيخات" !- ناقد يترك زوجته رهينة بالسيارة ليذهب إلي الحانة لاحتساء البيرة، قاص صموت ينام وحده لأن زوجته أصبحت إخوانية، إنها عقليات مزدوجة، ونحن لا ننبش في الحياة الشخصية للمثقفين، ولكننا نشير إلي المفترقات التي تجمع بين الوعي وبين السلوك، غير أن ثمة استثناءات نادرة.
أيضا، هناك مثقف متسلط ومعقد نفسيا وجنسيا وامرأة وديعة، امرأة متسلطة ورجل وديع. إن المثقف كائن استثنائي، فوضوي مثل شكري، لا التزام لـه غير نفسه، وقليلات هن اللواتي يتفهمن هذه الخاصية الفريدة التي "يتميز" بها المثقف فيخضعن لشروطها حفاظا علي سير المؤسسة، لقد مر مثقفون بتجارب زواج فاشلة وأصيبوا بصدمات نفسية- كهربائية لم يستطيعوا الفكاك منها، فكانوا أن أعادوا الكرة مع نساء أخريات لعل وعسي، لكن المسافة ما تزال محضورة.
فأين "السعادة " ؟
سعادة الكاتب وسعادة الحياة ؟
كاتب من المغرب
0

المصدر القدس العربى
  #91  
قديم 22/04/2004, 12:27 AM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
المعرفة والتنمية في البلدان العربية

د.حامد بن شظا المرجان


جاء في تقرير التنمية الانسانية مطالبة العالم العربي بالانفتاح وبالغوص في منابع المعرفة العالمية. ويؤكد مؤلفو التقرير بالالتزام الحازم الواضح بالارتباط بالعالم ولكن العالم الخارجي فيما يبدو لهم انما يفرض هيمنة عسكرية ويرى التقرير ان لدى البلدان العربية امكانات هائلة لتطوير مقدراتها المعرفية لا بسبب مالديها من رأسمال بشري لم يستغل بعد ومعظمه مهمش أو مهاجر بل لان لها تراثا ثقافياً ولغوياً وفكرياً ثرياً.
يقر التقرير بان تجديد النظم التربوية البالية الشحيحة الموارد في المنطقة لن يكون امراً سهلاً غير انه يصر على الضرورة القصوى لان يقوم كل من الاقتصاد والمعرفة بتغذية الآخر اما الخيارالحاسم للأمة العربية مثل ما جاء في التقرير هو مواكبة العالم الجديد بروح ايجابية أو انكم ستتخلفون وراءه. وبالنسبة لمن يتخوفون من ان يلحق بثقافاتهم الضرر بفعل التأثيرات الخارجية فان هذه الدعوة للانفتاح قد تكون مدعاة للخلاف. لماذا المعرفة في الوطن العربي كانت اهم محاور تقرير التنمية الانسانية العريبة، لان المرحلة التي يمر بها العالم حاليا والتطور السريع يقوم على قوة المعرفة والتسارع في انتاجها. وتشير الدراسات بوضوح الى تخلف الوطن العربي في مضمار المعرفة وهي من القضايا الهامة التي تعيق بناء التنمية الانسانية.
يقول المفكر العربي ادوارد سعيد "لا نريد المعرفة كمنتج أو سلعة ولا نريدها كعملية اصلاح تعني المكتبات اكبر أو عدداً اكبر من الحواسيب فقط. المعرفة التي نريدها يجب ان تقوم على الفهم. اعتقد ما يقصده المفكر ادوارد سعيد انه يجب ان يصحب آليات اكتساب المعرفة القدرة على فهم المعرفة حيث هناك من يدعي فى العالم العربي ان لديه اعدادا هائلة من الحاسوب وخريجي الحاسوب ولكنه لم يستطع الانتاج لانه لم يستطع الفهم لينتج المعرفة وهو مضمون التنمية الانسانية الاساسية، واكتساب المعرفة هو سبيل التنمية الانسانية.
ان اكتساب المعرفة من خلال التعليم والبحث والتطوير وتوظيفها هي مسائل التنمية الانسانية في بدايات القرن الحادي والعشرين سواء كان ذلك في العمل لتوسيع نطاق الحرية وضمانها أو ضمان الصحة أو ضمان مقومات الرفاه المادي والمعنوي التي تساعد لاشك على اتخاذ القرار عقلانياً على المستويين الفردي والجماعي ومثل ما جاء في التقرير ان تطور البشرية يعتمد على المعرفة التي هي سبيل بلوغ الغايات الانسانية الاخلاقية الاعلى مثل الحرية والعدالة والكرامة الانسانية. فالمعرفة او مجتمع المعرفة على وجه التحديد هو المجتمع القادر على نشر المعرفة وانتاجها وتوظيفها بكفاءة في جميع مجالات النشاط المجتمعي والاقتصاد والمجتمع المدني والسياسي في هذه المجتمعات تكسب المعرفة دوراً في تشكيل بناها المجتمعية وقوة ادائها في مجالات الاقتصاد والمجتمع المدني والسياسي للوطن العربي.
فتقرير التمنية الانسانية العربية لعام 2002 اشار الى النواقص الجوهرية المعوقة للتنمية الانسانية في بداية القرن الحادي والعشرين، فالتاريخ يعتبر انه كان للعرب في حقب سابقة مساهمات بارزة في انتاج المعرفة ومن ثم في اغناء الرصيد المعرفي للبشرية جمعاء. فاقامة مجتمع المعرفة في البلدان العربية تمثل استعادة لواحدة من درر تاريخ الوطن العربي. وجاء في تقرير التنمية الانسانية العربية 2002 انه بالرغم من الانجازات التي تحققت في مجال التوسع الكمي في التعليم في البلدان العربية منذ منتصف القرن العشرين الا ان الوضع العام للتعليم لايزال متواضعاً مقارنة بانجازات دول اخرى حتى في بلدان العالم النامي ويكمن التحدي الاكبر في مجال التعليم في مشكلة تردي نوعية التعليم المتاح، بحيث يفقد التعليم هدفه التنموي الانساني من اجل تحسين نوعية الحياة وتنمية قدرات الانسان بالاضافة الى عناصر اخرى تؤثر في تحديد نوعية التعليم ومن أهمها سياسات التعليم ووضع المعلمين والمناهج واساليب التدريس على سبيل المثال بعض الدول العربية لا تستطيع معظم الاسر تعليم اطفالها في مدارس الحضانات فبعض هذه الاسر تسجل اطفالها في الكتاتيب ذات التكلفة المنخفضة كما كان تسجيل الاناث في عام 2002 في المراحل التعليمية الثلاث 45% فقط. ويبلغ عدد الطلبة في الفصل الدراسي الواحد اكثر من 45 طالبا ويقدر بان 40% من خريجي التعليم العالي يبقون من غير عمل كما يترك اكثر من 50% من طلبة الجامعة قبل اكمال دراستهم. اما وسائل الاعلام فدورها مهم في نقل المعرفة وانتاجها ولكن لا يزال الاعلام العربي ووسائط النفاذ اليه وبنيته التحتية ومضمونه يعاني الكثير مما يجعله دون مستوى التحدي. ومن ناحية اخرى تؤكد الاحصائيات الدولية ان المواطن في الدول العربية لا يتواصل بالقدر الكافي مع وسائل الاعلام ويتضح ذلك جلياً من المقارنة بين عدد السكان في الدول العربية ووسائل الاعلام المتاحة لهم من جانب ومقارنة هذه البيانات بمناطق اخرى من العالم. فالبلدان العربية تتسم بانخفاض نسب وسائط الاعلام والصحف واجهزة الإذاعة والتلفزيون لكل 1000 شخص، فانخفاض عدد الصحف لكل 1000 شخص الى اقل من 35 في الدول العربية مقارنة مع285 صحيفة لكل 1000 شخص في الدول المتقدمة. وهذا يعني ان المواطن العربي لا يوجد طلباً كبيراً على الصحف بسبب انخفاض معدلات القراءة وارتفاع تكلفة الصحف مقارنة بالدخل وتراجع مستوى الصحافة العربية واستقلاليتها ومهنيتها جعلها غير مرغوبة عند فئات واسعة من القراء العرب. أما القنوات الفضائية فقد يتجاوز عددها 120 قناة فضائية واكثر من 70% من هذه القنوات تابعة رسمياً للحكومات العربية لاشك ان بعض هذه القنوات حققت تقدما ملحوظا فى مضمون رسالتها الإعلاميه. اما من ناحية مصادر المعلومات فيواجه الاعلاميون العرب في معظم الدول العربية وبدرجات مختلفة صعوبات في الوصول الى المعلومات والحصول على الوثائق والبيانات كما انه لا توجد مصادر مستقلة ومتنوعة للمعلومات واعتمادها على الوكالات الاجنبية بالرغم من ان كل دولة عربية لها وكالة انباء. وكشفت الدراسات والبحوث عن أن وسائل الاعلام العربية تسيطر عليها مضامين الترفيه ويغلب على بعضها السطحية والتشابه الشديد في المضمون وتؤكد على القيم الاستهلاكية واهدار قيمة العمل.أما من حيث الترجمة فتواجه المجتمعات العربية تحدياً ثقيلاً فبالرغم من ازدياد عدد الكتب المترجمة من حوالي175 عنواناً في السنة خلال الفترة من 1079 - 1975 الى ما يقارب من33 0 كتاباً وهو خمس ما تترجمه اليونان مثلاً ، ويقدر العدد الاجمالي التراكمي للكتب المترجمة منذ عصر المأمون حتى الان بحوالي 10000 كتاب و هو يوازي ما تترجمه اسبانيا في عام واحد ولنا حديث آخر في الاسبوع القادم عن انتاج المعرفة فى الوطن العربي.

المصدر جريدة عمان
  #92  
قديم 22/04/2004, 01:43 PM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Thumbs up

التعليم العربي وتحديات القرن الحادي والعشرين

محمد بن خلفان الشكيلي

المقالة الفائزة بالمركز(( الاول )) فـي مسابقة المنتدى الادبي لهذا العام..



تعالت خلال السنوات القليلة الماضية العديد من الاصوات - الداخلية والخارجية - مطالبة الدول العربية باعادة النظر فـي مجالات التعليم العربي على وجه العموم، منطلقين فـي ذلك من عدة توجهات - كل حسب توجهاته ورغباته التي يسعى اليها - فالاصوات الداخلية تسعى الى ان يكون التعليم مسايرا للتغيرات العلمية والتكنولوجية المتسارعة بشكل لا مثيل له، فـي حين يرى العديد من المنادين باصلاح التعليم من خارج الوطن العربي على اعتبار ان التعليم كان سببا رئيسا فـي التحولات التي شهدها العالم اجمع بعد ان احداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م، حيث ترى هذه الاصوات ان تعليمنا العربي وخاصة التعليم الديني هو المحرك الرئيسي للارهاب وما صاحبه من شد بين العديد من الدول.
وعلى الرغم من ذلك .. لنا ان نتساءل - ما الاسباب الرئيسة التي تجعل المطالبة باصلاح التعليم العربي فـي هذا الوقت بالذات تتعالى؟ وهل تعليمنا بهذا السوء حتى يراه العديد من المعنيين بانه تعليم تقليدي غير قادر على تلبية احتياجات مجتمعة؟ .. ما هي التوجهات المستقبلية التي تسعى اليها الدول العربية - مجتمعة او منفردة - لتحقيقها من خلال التعليم وتطويره؟ .. هذه الاسئلة وغيرها الكثير غالبا ما يتبادر الى ذهن المواطن العربي عندما يسمع هذه الاصوات المتعالية من كل حدب وصوب. وسنحاول من خلال هذا المقال - بمشيئة الله - التعرف على جدوى اصلاح التعليم، وكيف لنا نحن العرب ان نستفيد من الثورة التكنولوجية بالشكل الصحيح حتى نستطيع ان نصحح من وضعنا بين الامم والشعوب الساعية للرقي الحضاري.
***
يعد التعليم هاجسا مؤرقا للكثير من الامم والشعوب على اختلاف توجهاتها ورؤاها السياسية والاجتماعية والاقتصادية، نظرا لما للتعليم من اهمية بالغة فـي المجتمعات ولدوره اللامحدود فـي تحقيق الرقي والتطور لاي مجتمع كان، فالتعليم هو قطب الرحى والمحرك لجميع المجالات، ونستطيع القول انه اساس الاساسيات لصناعة المستقبل بكل اطيافه وتشكيلاته، وهو اكبر وأهم الصناعات التي تؤثر على موارد الدول وانتاجها، كما يؤثر على حضارتهاوتقدمها بين دول العالم؛ ذلك ان التعليم يهتم فـي المقام الاول بتكوين الانسان وصياغته وفق النمط الذي تسعى اليه الدولة، وبالتالي ايجاد الموارد البشرية القادرة على تلبية احتياجات المجتمع فـي جميع الميادين.
ولا يزال التعليم فـي الوطن العربي - بتعدد تسمياته ومجالاته - دون الطموحات الكبرى التي يأملها منه المجتمع والتربويون رغم ما يصرف حاليا من مبالغ باهظة فـي العديد من المجالات، فالكثير من المؤسسات التعليمية العربية عفى الزمن عليها ولم تستطع ان تساير التطورات التي يعيشها عالمنا المعاصر، واصبحت تدار بعقلية القرن التاسع عشر، فالبيروقراطية والروتين الممل اصبح ممسكا بكثير من خيوط تطوير التعليم فـي الوطن العربي. فهل السبب فـي ذلك قلة الانفاق على التعليم ام سبب آخر غير ذلك؟!
تشير الكثير من الدراسات ان الانفاق على التعليم العربي لا يقل عما تنفقه الدول الاخرى، فاذا كانت الولايات المتحدة الامريكية تنفق على التعليم (5.5%) من ناتجها القومي، والسويد تصرف 8.5% من ميزانيتها على التربية والتعليم، فان الدول العربية تنفق ما يقرب من 5.8% على قطاع التربية والتعليم، كما وجد فـي دراسة نشرتها احدى المجلات التربوية المتخصصة ان ما يصرف على الطالب المصري يعادل او يوازي تماما ما ينفق على الطالب الامريكي.(1)
ومما يدعو الى الاسف انه رغم هذا الانفاق العربي على التعليم إلا ان هناك فرقا شاسعا فـي المستويات التعليمية العربية والاجنبية، وكذلك الحال مع المخرجات التعليمية، ولعل السبب فـي ذلك يرجع الى عدة اسباب منها نوعية التعليم المقدم، وانتشار الامية بشكل رهيب فـي الوطن العربي التي تصل الى 50% من السكان، هذا بالاضافة الى عدم تحديد الاولويات بشكل صحيح فـي عالمنا العربي وكيفية إدارتها وتوجيهها الوجهة الصحيحة، وهذا يقودنا الى القول ان غياب الاستراتيجية الوطنية بعيدة المدى، والواضحة فـي الاهداف والمجالات هو ما ينقصنا فـي عالمنا العربي، فغالبية الأمور تدار بطريقة ارتجالية اكثر منها بطريقة علمية ومنظمة تحقق الهدف الاول الذي تسعى اليه الدولة - اي دولة - لتحقيقه، فخطط التعليم فـي بلادنا لا تبنى على الاستراتيجية العامة لمتطلبات الدولة واحتياجاتها المستقبلية، وانما تبنى كخطة قطاعية مستقلة، غير متصلة مع القطاعات الاخرى كالقطاع الصناعي والقطاع التجاري والقطاع الصحي والقطاع الاقتصادي. فكل قطاع يضع استراتيجية بعيدا عن الاخر، وهذا بالطبع ادى الى تخبط الجهود وازدواجية التخطيط وعشوائيته والى تضخم فـي بعض الاحتياجات ونقص فـي احتياجات اخرى.(2)
ولن تستطيع الدول العربية - والحالة كهذه - ان تحلق بالتطورات المتنامية والمتلاحقة فـي كل المجالات ومنها مجال التربية والتعليم اذا ظلت الجهود عشوائية وغير مركزة او مستندة على رؤية وطنية واضحة لما يجب ان تكون عليه الدولة فـي المنظورين القريب او البعيد، وستبقى الجهود متناثرة ليس لها تأثير على حياة الافراد، وليس ادل على سوء التنظيم والتخبط فـي الادارة انه على الرغم من معقولية الانفاق على التعليم بشكل عام 5.8%، كما اشرنا سابقا إلا ان نصيب الفرد فـي الوطن العربي من هذا الانفاق على التعليم لا يتجاوز 340 دولارا سنويا، فـي حين يصل نصيب الفرد فـي اسرائيل الى 2500 دولار سنويا. فالحاجة ماسة الى استراتيجية عامة تتبلور من خلالها جميع الرؤى والتوجهات الوطنية وصياغتها مجتمعة من قبل جميع الجهات المعنية بها.
ولعل ابلغ مثال على نجاح مثل هذه الاستراتيجية هو ما قامت به الجمهورية الماليزية عام 1985م عندما قررت ان تصبح دولة صناعية، فأقامت لذلك المؤتمرات والندوات التي تهدف الى مراجعة برامجها ونظمها التربوية واعادة تصميمها وتنفيذها بما يتواءم واحتياجاتها المستقبلية فـي ان تصبح دولة صناعية، وهكذا استطاعت فـي سنوات وجيزة مكللة بالعمل المدروس والمخطط فـي ان تحقق ما طمحت اليه، وأصبحت احدى الدول الصناعية المهمة فـي شرق آسيا التي اطلق عليها مجموعة (النمور الآسيوية).
ويواجه التعليم العربي فـي الوقت الراهن العديد من الصعوبات والتحديات المتجددة فـي عصرنا عصر الانترنت والتكنولوجيا الرقمية التي باتت تتدفق بكل لافت للنظر، الى جانب الضغوط الخارجية التي تتعرض لها الدول العربية من الخارج والمتمثلة فـي نظام العولمة والسوق المفتوحة واعلام الفضاء المفتوح بمصراعيه لاستقبال المعلومات والثقافات المتعددة والمتضاربة فـي آن واحد، والدعوات المتعالية من الولايات المتحدة الامريكية من اجل نشر الديمقراطية فـي الشرق الاوسط عامة والدول العربية على وجه الخصوص والمتمثلة فـي المشروع الامريكي المعنون (بالشرق الاوسط الكبير) الذي سوف يناقش فـي يونيو القادم فـي قمة الدول الصناعية الثماني الذي سيعقد فـي ولاية جورجيا الامريكية.
ونظرا لتسارع المعلومات فانه لزاما على الدول العربية. اذا ما ارادت ان يكون لها موطئ قدم فـي عالم متغير الاتجاهات. ان تبدأ من الآن فـي بلورة الاهداف، واعداد الخطط والموازنات المالية اللازمة لذلك واعتمادها بما يضمن ايجاد موارد مالية قادرة على تلبية وتغطية التكاليف الباهظة لارتفاع التعليم ونفقاته المعتمد على تقنية المعلومات بشكل كلي، ففيما يتعلق باستخدام الحاسوب يوجد فـي اسرائيل 217 جهاز حاسوب لكل الف شخص، فـي حين يوجد فـي الاردن 52 جهازا لكل الف شخص، و39 جهازا فـي لبنان و9 اجهزة فقط فـي مصر.
ولن تستطيع الدول بمفردها توفير النفقات المرتفعة اذا ظلت مقتصرة على الموارد المالية للدولة، وكمثال على ارتفاع النفقات فـي تطوير التعليم بما يتوافق مع متطلبات العصر الرقمي فاننا نجد ان الولايات المتحدة الامريكية قد صرفت فـي عام 1999م حوالي 6.9 بليون دولار فـي عام واحد فقط؛ وذلك لتوفير الشبكات والحواسيب فـي مدارس التعليم العام (3)، وفـي بريطانيا تسعى الحكومة هناك الانفاق (400) مليون جنيه استرليني بحلول عام 2006م لانشاء ما يسمى بمناهج الدراسة الشبكية التي تعتمد على شبكة الانترنت ولاتاحة سرعة اتصال المدارس بالانترنت. هذا الى جانب بليون جنيه استرليني تم انفاقها بالفعل من اجل وضع تقنية المعلومات والاتصال فـي العملية التعليمية. (4).
وللتغلب على ارتفاع نفقات التعليم لا بد على الدول العربية ان تجعل من التعليم قضية وطنية يتم التعامل معها على اعلى مستوى من صناعة القرار السياسي بمشاركة جميع القطاعات والفئات الخاصة والحكومية. وهي الدول التي تنظر للتعليم كاستثمار طويل الاجل وليس كخدمة اجتماعية تقدم للافراد فـي المحتمع، وهي الدول التي لديها رؤية واضحة وخطة شاملة تسير عليها ويؤدي التعليم فيها دورا مهما وهو تحمل عبء توفير الطاقات البشرية اللازمة لقيادة وتنفيذ خطط التنمية الشاملة وضمان عملها ونجاحها وهي الدول التي تعيش تحديات واضحة ولديها اهداف محددة ووسائل لتحقيق هذه الاهداف (5)، ولا بد للقطاع الخاص ان ينهض بدوره الوطني فـي المساهمة بتحمل اعباء قطاع التعليم فمخرجات التعليم ذات المهارة والكفاءة العالية ستعود بالنفع على جميع المؤسسات بما فيها مؤسسات القطاع الخاص على وجه التحديد، وهو ما سيقلل من نفقات التدريب والتأهيل التي تنفقها هذه المؤسسات من اجل إعادة تأهيل مخرجات التعليم بما يتناسب واحتياجاتها الفعلية.
ولكي يستطيع التعليم مستقبلا ان يلبي احتياجات المجتمع فلا بد ان تنقل العملية التعليمية من دور الحفظ والتلقين وتكدس المعلومات فـي المناهج الدراسية الى دور آخر اكثر جدوى، دور يتمثل فـي الارشاد والتوجيه الى مصادر المعرفة المختلفة وان يكون الطالب هو محور العملية التعليمية بجميع جوانبها، وعلى العملية التلعيمية ان تقيس جميع القدرات الشخصية للمتعلم بكافة ابعادها بدلا من قياس الجوانب التحصيلية له مع الاعتراف بالقدرات الفردية لكل متعلم ومراعاتها والعمل على تلبيتها بوسائل واستراتيجيات وانشطة مختلفة وان يتوافق هذا التعليم مع اعمدة المعرفة الاربعة التي حددتها اللجنة الدولية للتعليم فـي القرن الحادي والعشرين والمتمثلة فـي التعليم للعلم والتعليم للعمل والتعليم للعيش مع الاخرين والتعليم للكينونة وهي التي تحقق فـي ذات الوقت مبدأ التعليم مدى الحياة والتعليم المستمر الذي تنادي به العديد من المنظمات والهيئات الدولية.
اننا كشعوب عربية امام تحديات جمة لا نستطيع مواجهتها الا من خلال ايجاد بيئة تعليمية قادرة على الايفاء بمتطلبات هذاالعصر الآنية والمستقبلية، واعداد الطاقات والامكانيات البشرية المؤهلة والمدربة التدريب الذي يضمن لها المنافسة والابتكار فـي سوق المعلومات وتقنياته، وهذا لن يتأتى الا من خلال الاهتمام بالتعليم واعطائه الاهمية القصوى فـي سلم الاولويات بل على رأسها جميعا. فبالتعليم سنصل بمشيئة الله الى ما نطمح اليه من تقدم وازدهار لمجتمعاتنا.. وليكن شعارنا دائما (التعليم.. التعليم.. التعليم).
المصدر جريدة عمان

آخر تحرير بواسطة صقر الخالدية : 22/04/2004 الساعة 01:48 PM
  #93  
قديم 25/04/2004, 04:45 PM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Question

فضائية "الشرقية"... هل هي عراقية... أم... بعثية؟
السبت 24 أبريل 2004 16:52
داود البصري






في خضم الهجمة الظلامية الأصولية المسعورة والتي تهدد بإفناء البشر وحرق الحجر، وتدمير كل شيء جميل في عراق الأصالة والخير والجمال والحضارة، تكون الحاجة لتنفيس الأوضاع وتنقية الأجواء وتغييرها ومحاولة إعادة البسمة المفقودة للوجوه المتعبة والنفوس الحائرة الخارجة من رماد الحروب البعثية العبثية وإستنساخاتها المهدوية الظلامية أكثر من ضرورية بل أنها مهمة إستراتيجية تقتضي من النظام العراقي المقبل إتخاذ خطة إعلامية ذكية ومبرمجة من أجل تحسين الأوضاع النفسية ومحاولة بناء الإنسان العراقي بناءا نفسيا جديدا وبأسلوب علمي وحضاري متطور يعوض كل عقود الإرهاب والتخلف الطويلة التي مرت على العراق وهشمت كيان شعبه وحولت العديد من شخوصه ونماذجه السلوكية إلى صور عدوانية مرعبة تثير الرعب والأسى والحسرة، ومن يطالع صور وشريط الأحداث الإرهابية الأخيرة التي عصفت بالعراق وخصوصا عمليات حرق وسحل الجثث في (مدينة المساجد) الفلوجة!! والتمثيل الجاهلي الوحشي بها يعجب ويدهش لصور (أطفال العراق الفلوجيين) وهم يضحكون ملء أشداقهم لمناظر الجثث المتفحمة بل ومشاركتهم في (حفلات التمثيل) البشعة!! وهو إنحراف سلوكي خطير بحاجة لأكثر من الأطباء ووصفاتهم التقليدية لعلاجه؟ إنها مرحلة التوحش والبدائية والوحشية والموت قد بسطت جناحيها على براعم العراق ورجال غده ! وتلك نتيجة حتمية ومؤسفة لأسلوب وثقافة وتربية سلطة الموت البعثية البائدة التي حولت العديد من العراقيين لمسوخ وأشباح بشرية ومشاريع حقد متفجرة وظلامية وعلى الضد تماما من كل القيم الإجتماعية والدينية الموروثة والتي تتناقض تماما مع التصرفات السائدة ميدانيا! وهنا أؤكد من أن التخريب البعثي الفاشي قد نجح وبإمتياز في تشويه الثقافة الشعبية وتخريب النواحي السلوكية وفي الإجهاز على بذور الخير والإنسانية، وفي تعميق الحقد والكراهية لسلطة قامت أسسها على قيادات فكرية مريضة ومنحرفة وساقطة إستطاعت للأسف أن تعمم سقوطها الفكري والأخلاقي والسياسي على مساحات بشرية واسعة للغاية وبما يهدد مستقبل السلام الإجتماعي في المجتمع العراقي الذي يعاني المرض بشكله الشديد والمتأزم وهنا لايستطيع كل عاقل حصيف إلا أن يلقي بالمسؤولية المباشرة على إعلام النظام البعثي البائد الذي كان يعتمد على الأكاذيب وعلى تمجيد الحروب والعدوان وإشاعة الأحقاد الطائفية والقبلية وتهميش قطاعات واسعة من الشعب العراقي وإحتقارها ووصمها بسمات وأوصاف مخجلة كوصفه للشيعة بأنهم أولاد زنا ولأهل الأهوار بأنهم من الهنود!!، هذا غير إشاعة العداوات والحزازات الإقليمية وفصل الشعب العراقي عن جواره العربي المسلم كعدوانه الفظ والمجرم على جيراننا في إيران وأشقاؤنا في الكويت، بل أن أكاذيب (الفيلق الإعلامي والفني) البعثي كانت أخطر بكثير من قواته العسكرية الضاربة!، لقد كان نظام صدام مجرد قنبلة إعلامية قائمة على الرشوة القومية وشراء الذمم وإلتقاط المحاسيب والأزلام، ولعل (دبابة طارق عزيز) الشهيرة الدليل الأنصع على مفاهيم الرشوة الإعلامية القومية، وكان الإعلام البعثي رديئا ومريضا وسقيما وهو يعمم الأكاذيب ويمجد سلطة القهر والموت ويضفي من الصفات الآلوهية على قائده الفرد (الجرذ) مايثير العجب والتندر ! فشعراء النظام وفنانيه كانوا من سقط متاع القوم وكانت الهدايا المقدمة لهم لنشاطاتهم الإعلامية الفاشية هدايا ذات صفات إجرامية كالمسدسات الفضية أو الرشاشات الذهبية! وكان وزير الثقافة والإعلام البعثي الأسبق لطيف نصيف جاسم الدليمي لايختلف عن أي طبال أو مهرج بائس ورخيص! وكذلك كان الحال مع زمر الفنانين من المطربين والملحنين الذين تعاونوا معه لينتجوا فنا فاشيا رخيصا ومدمرا للذات العراقية وممجدا للقتل والدماء والجثث المسحوقة ليقبضوا الثمن مناصبا عليا وهدايا ومكرمات القيادة البعثية ولينزوي الفنان العراقي الحقيقي وضمير الشعب في كواليس اللجوء البعيدة الباردة وليقضي العديد منهم نحبهم في صمت لابل أن سرقة أعمال الفنانين العراقيين الأحرار المغضوب عليهم والمنتصرين لحرية شعبهم قد أضحت أمرا عاديا في ظل سلطة سرقت من الشعب حتى أحلامه وكما حصل مع الملحن والفنان العراقي المبدع (كوكب حمزة)! وغيره من المبدعين؟ كالفنان المطرب فؤاد سالم الذي تحول لضمير الفن العراقي الحقيقي في ظل حالة التعتيم المطبق التي طبعت كل شيء في العراق، واليوم وبعد أن تنفس الشعب العراقي عبير الحرية المقدسة لأول مرة في تاريخه الحديث رغم كل الأحوال العامة السيئة وجبال المؤامرات التي لايراد منها أن يستعيد العراق عافيته تفتقت أذهان ومبادرات بعض العراقيين لضرورة إستثمار مسألة التلفزيونات الفضائية فظهرت الإعلانات المتكررة عن فضائية عراقية جديدة تبث من إمارة (دبي) بعنوان (الشرقية) وحيث مافتأت تلك الشرقية تقدم مقاطعا من برامجها وأغانيها ومشاريعها التنموية أيضا! وقد علمت من ان المشرف على هذه الفضائية الوليدة في الفضاء السمعي البصري العراقي الجديد هو الأستاذ الإعلامي والصحفي العراقي المعروف سعد البزاز رئيس تحرير صحيفة الزمان والمدير السابق لإذاعة وتلفزيون بغداد في أوائل التسعينيات من القرن الماضي! أي أنه يمتلك الخبرة التلفزية اللازمة لإدارة وتشغيل تلك القناة الجديدة والتي لها دون شك أهداف عديدة بعضها مفهوم وبعضها في عالم الغيب والتكهن..! ولكن هنالك ملاحظات غامضة قد أطلت برأسها ونحن نرى الدعاية اليومية لتلك الشرقية وهي تركز على إستحضار العديد من فناني العهد السابق من البعثيين والمطبلين في إحتفالات الطاغية ومن الوجوه الكريهة التي عافها العراقيون لأنها تذكرهم بسنوات الذل والعذاب والموت السابقة وهؤلاء الفنانون هم من البضاعة الرخيصة المتبقاة من إرث الطاغية البعثي النافق والذين لامكان لهم في العراق الجديد لأنهم كانوا يمثلون فترة التألق النازي البعثي ويطبلون في مهرجانات المحارق العراقية في قادسية صدام وأم المعارك وحيث هربوا لدول الجوار الخليجية ليستعين بهم أهل (الشرقية)!! لابل أن الإستهتار بالذوق العراقي قد وصل لحد الإستعانة بصوت أحد المذيعين الذي كان متميزا في (الفضائية العراقية) السابقة ببث البيانات الكاذبة والتمجيد بسلطة القهر طيلة أكثر من عقدين ليعود هذه المرة وقد تزكى وتطهر ليكون بلبل السلام والمحبة! فأي مهزلة هذه، وهل عقمت الكفاءات العراقية الشابة؟ ولماذا لاتتم الإستعانة بالفنانين العراقيين الذين أبعدوا عن الواجهة زمنا طويلا بدلا من الإتكاء على نفايات الفاشية البعثية الهاربة في هذا الجحر أو ذاك؟ فهل هذه الخطوات تدخل ضمن السياقات الممهدة لعودة البعثيين (والعياذ بالله) للحياة السياسية في العراق؟ أم أنها (عودة الشيخ إلى صباه)! في إلتقاط هوائم البعث وإعادة الصبغ والطلاء والتلميع؟ بعد ذلك لانعرف متى تبث تلك الشرقية تحديدا، فماهو موجود مجرد إعلانات لبرامج وأغاني ومنوعات والإستعانة ببقايا البعثيين الذين دمروا الإعلام العراقي وحطموا الذوق العراقي وأساؤا أكبر إساءة للفن العراقي الحقيقي والراقي... فهل ستكون (الشرقية).. الإحتياطي المضموم للفضائية العراقية المنقرضة؟ أم أنها ستكون حصان طروادة الذي سيعيد البعثيين للواجهة الإعلامية من جديد؟

الجواب رهين بتطورات الأحداث.. ولكنني أرى رؤوس البعث قد أطلت بقرونها من جديد!.

المصدر موقع ايلاف
  #94  
قديم 26/04/2004, 04:39 PM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Cool

ويحدثونك عن الغزو الثقافي ومفاتيح البيوت واقفالها من صنعهم!
2004/04/26

د. فيصل القاسم
ما أن تطلق أمريكا أو الغرب عموماً فيلماً أو وسيلة إعلام جديدة أو حتي شريطاًً كرتونياً حتي يبدأ بعض رجال الدين والقوميين العرب يحذرون من غزو ثقافي جديد يهدف إلي تدنيس القيم الإسلامية أو تقويض الثقافة القومية. وقد وصل الأمر ببعض الشيوخ في السعودية مثلا إلي إطلاق فتاوي عاجلة قبل أيام تحّرم مشاهدة هذه القناة الأمريكية أو تلك، كما لو كانت رجساً من عمل الشيطان. ولا شك أنكم تذكرون جيداً تلك الحملة الشعواء التي شنناها علي مسلسل بوكيمون الكرتوني وحذرنا من مخاطره الرهيبة المزعومة علي الأجيال العربية الصاعدة. لا أدري لماذا لدينا هذه الحساسية المفرطة مما يسمي بالغزو الثقافي. لا أدري لماذا نحب أن نظهر للعالم وكأننا جنس مطهر كامل الأوصاف لا يقبل أي تلاقح ثقافي مع أحد مع العلم أننا مخترقون من رأسنا حتي أخمص قدمينا سياسياً واقتصادياً وثقافياً واجتماعياً وحتي دينياً. ألا نعيّر الغرب دائماً بأنه سرق الكثير من منجزاتنا الحضارية والعلمية وحتي الثقافية واستغلها في بناء نهضته العملاقة؟ لماذا قبل الغربيون بكل ما أخذوه منا دون أن يعتبروه غزواً؟ لماذا نتباهي بتأثيراتنا الثقافية والحضارية علي الآخرين ثم نستنفر عندما يأتينا شيء من الخارج وكأنه تهديد لأمننا القومي أو الديني ؟ ألم نمل من لعبة التصدي الأجوف للمؤثرات الخارجية؟ ثم من قال إن أمريكا خصوصاً والغرب عموماً يريدان أن يدمرا حضارتنا وثقافتنا وديننا؟ إنها أسطوانة مشروخة يجب أن نتوقف عن تشغيلها لأنها باتت تخدش مسامعنا بصريرها المتكرر وجرش صوتها المنفر.
لا بد أن نعرف أولاً أن ليس لأمريكا ثقافة أو قيم خارقة للعادة تريد أن تفرضها علينا كي نتخلي عن ديننا وقوميتنا وثقافتنا. ولا أبالغ إذا قلت إن آخر شيء يفكر به الأمريكيون هو تدمير ديننا أو قيمنا. وإذا كانوا يستهدفوننا فعلاً فليس للقضاء علي ثقافتنا العربية أو الإسلامية، لأنها في كثير من الأحيان تخدم مصالحهم وأهدافهم أكثر بكثير مما تضرها. فماذا أنتجت ثقافتنا المزعومة علي مدي قرون غير التخلف السياسي والاجتماعي والاقتصادي والعلمي كي ندافع عنها بأسناننا كلما هب عليها بعض النسيم العليل؟ دعوني أطمئنكم بأنه وبالرغم من كل ما يقال عن نفوذ اليمين المسيحي في الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أنه لا يشكل أي خطر علينا من الناحية الثقافية أو الدينية. فالإدارات الأمريكية المتعاقبة لم يكن همها في يوم من الأيام تجريد هذا الشعب أو ذاك من ثقافته أو دينه ليصبح مسيحياً كاثوليكياً أو بروتستانتياً أو إنجيلياً . فالثقافة الأمريكية التي يحاولون تصديرها للخارج وتعميمها عالمياً ليست ثقافة دينية أو حتي ثقافية بالمفهوم العام، كي نخاف منها أو نخشي علي مجتمعاتنا من تأثيرها، فهي ثقافة مادية استهلاكية لا أكثر ولا أقل لا تستهدف العقول والوجدان بقدر ما تستهدف البطون والنزوات والاحتياجات البشرية. ولا يغرنكم شعار أمريكا المطبوع علي الدولار الأمريكيst In God We Tru نحن نؤمن بالله ، فهو للعرض فقط، بعبارة أخري فهو ليس شعارهم الحقيقي، فالشعار الأصلي لديهم هو نحن نؤمن بالدولار . وكان من الأفضل أن يزين هذا الشعار وسط العملة الأمريكية بدلاً من الشعار الديني الذي تحمله زوراً وبهتاناً. بعبارة أخري فإن كل ما يريده الأمريكيون منا هو أن نكون مستهلكين جيدين لمنتجاتهم وسلعهم وعملاء تجاريين لهم، وإذا كان لا بد من السجود فيفضـّل أن يكون لدولارهم الأخضر.
لا شك أن هناك حملات أمريكية قوية جداً لتغيير ثقافتنا، لكن ليس لاستبدالها بالثقافة الغربية المسيحية، لأن تلك الثقافة ذاتها لم يعد لها محل من الإعراب أصلاً في المجتمعات الغربية، فقد غدت مجرد كماليات. وهناك إحصائيات جديدة تشير إلي أن مرتادي الكنائس أيام الأحد في بريطانيا مثلاً في تناقص خطير. وبناء علي هذه المعطيات فإن المحاولات الغربية الرامية إلي تغيير ثقافتنا تهدف بالدرجة الأولي إلي تعويدنا علي استهلاك المزيد من البضائع الغربية. وإذا تطرفنا وسمينا تلك الحملات بغزو ثقافي أمريكي لنا فإنه بلا أدني شك غزو فريد من نوعه في التاريخ لأنه ليس روحياً ولا دينياً ولا ثقافياً حقيقياً، وبالتالي ليس تقليدياً. صحيح أن الأمريكيين يريدون منا أن نتأمرك ونصبح مستخدمين للغة الانكليزية وعاشقين لأفلام هوليوود وديزني ومسلسلات دالاس ولابسين للأزياء الأمريكية وغيرها من مظاهر الثقافة الغربية قاب قوسين، لكن ليس لنصبح تابعين للصليب الأمريكي بل لنكون مستهلكين نجيبين لما ينتجونه من طعام وشراب وملبس وألعاب وأجهزة الكترونية وغيرها من مستلزمات وضروريات وكماليات الحضارة الحديثة. فكلما تأثرنا بالثقافة الأمريكية زاد استهلاكنا للسلع الأمريكية والغربية عموماً. لهذا مثلاً نري المطاعم الأمريكية المنتشرة في بلداننا تقدم مع الوجبات أحياناً أشرطة فيديو للأطفال لأشهر أفلام الكرتون وأفلام الأكشن الأمريكية لإغرائهم بشراء المأكولات ثانية من المطعم. بعبارة أخري فهي تغرينا بالشريط (الثقافة) كي نستهلك بضاعتها، أي أن الثقافة الأمريكية هي في خدمة البضاعة. لاحظوا الربط بين أفلام الفيديو والوجبة الأمريكية! وإذا استخدمنا التحليل الماركسي سنجد أن شريط الفيديو هو بمثابة البناء الفوقي الهزيل للبناء التحتي الصلب المتمثل بالسلعة. إذن المستهدف من كل حملاتهم التي نسميها خطأًً غزواً ثقافياً هي جيوبنا أو بالأحري ما توفر لنا من نقود وثروات.
وهذا الغزو لو صحت تسميته كذلك لا يستهدف العرب والمسلمين دون غيرهم، بل يستهدف كل من لديه أي نوع من العملات يريد أن ينفقها. وقد يكون هذا الشخص في مجاهل أفريقيا أو في غابات البرازيل، فطالما لديه قدرة شرائية فهو مستهدف بالثقافة الأمريكية أو بالأحري بما يمكن أن نسميه مجازاً بالتنصير الاستهلاكي الأمريكي . والدليل علي ذلك أن المُـنتج الأمريكي غزا أوروبا واليابان وأمريكا الجنوبية بقدر ما غزا المجتمعات العربية والإسلامية. هل كان الأمريكيون يريدون تحويل اليابانيين من البوذية إلي المسيحية؟ بالطبع لا. هل كانوا يريدون تنصير أو إفساد الدين السائد في أوروبا وأمريكا اللاتينية؟ بالطبع لا أيضاً لأن سكان تلك القارتين يدينون بالمسيحية أصلاً. هل كانوا يريدون أن يحرفوا الهنود عن هندوسيتهم أو التايلنديين عن بوذيتهم؟ طبعاً لا. هل كان المتحكمون بمفاصل الاقتصاد والتجارة الأمريكية يريدون تنصير الشعب الأمريكي؟ بالطبع لا، فهو في معظمه خليط من الكاثوليك والبروتستانت وغيرهم من الطوائف المسيحية، فكل ما يبتغونه من الشعب الأمريكي أن يزيد من شهيته في استهلاك ما تنتجه المصانع الأمريكية من مأكل ومشرب وأجهزة. بعبارة أخري، فالعقلية الحاكمة والمتحكمة في الغرب عموماً ليست عقلية حضارية بمعاني دينية بل عقلية تجارية واقتصادية في المقام الأول، وكل ما يهمها من الشعوب الواقعة تحت سيطرتها هو أن تجود عليها بما توفر في جيوبها من نقود كي تبادله بسلع وبضائع. إنهم يتعاملون مع شعوبهم بنفس الطريقة التي يتعاملون بها مع بقية شعوب الأرض. إنه المنطق الرأسمالي القائم علي شريان الإنتاج والاستهلاك المتواصلين.
فهل يمكن أن نقول بعد كل ما تقدم إننا مستهدفون ثقافياً؟ بالطبع لا. وحتي لو قلنا ذلك، فالكلام لم يعد ينفع لأننا، كما أسلفت، أصبحنا مخترقين حتي أذنينا بهذا الغزو الثقافي الغربي إذا أصريتم وسميتموه غزواً. فكل ما في بيوتنا هو من إنتاج غربي تقريباً، التلفزيون، الراديو، الثلاجة، الكومبيوتر، الفاكس، الهاتف، الأضواء، النوافير، المكانس الكهربائية، إطارات الصور، الساعات والعطور، حتي مواد البناء ومفاتيح ومماسك الأبواب في بيوتنا ومساجدنا ليست من صنعنا. حتي أكلاتنا الشعبية بدأت تأتينا جاهزة ومعلبة من أمريكا مثل الفلافل والحمص والفول المدمس ناهيك عن مكونات المأكولات الأخري. ولا ننسي حتي أزياءنا التقليدية من غترة وعقال ودشداشة. ألا نتباهي بالإعلان عن وصول غترات من صنع سويسري وبريطاني وأمريكي وياباني إلي محلاتنا التجارية؟ ألا يتسابق أصحاب الماركات العالمية علي تصنيع ملابسنا الشعبية لنا، فهذه غترة من تصميم دانهيل وتلك صناعة انكليزية فاخرة. وحتي لو اتخذت ماركات بعض الغترات أسماء عربية أحياناً إلا أنها تكون مصنوعة في الغرب. وحدث ولا حرج عن ماركات الشماغ التي يتباري التجار الخليجيون في الإعلان عنها في وسائل الإعلام. فهي أكثر من الهم علي القلب ومصممة ومصنوعة أيضاً في سويسرا وبريطانيا وغيرهما. والأخطر من ذلك أن بعض أزيائنا التي كنا نعتقد أنها وطنية ليست وطنية أبداً، بل اخترعها لنا وفرضها علينا بعض المستعمرين، كالكوفية الأردنية الحمراء مثلا. فهذه الكوفية ليست الزي التقليدي لبدو شرق الأردن كما قد يتوهم البعض، بل استقدمها غلوب باشا الضابط البريطاني الذي كان قائداً للجيش الأردني أيام الانتداب، من مدينة مانشستر البريطانية وعممها علي الأردنيين لتصبح رمزاً وطنياً. ويقال أيضاً إنه وراء اختراع الكوفية الفلسطينية البيضاء والسوداء وجعلها رمزاً للهوية الفلسطينية. وحتي ملابسنا الداخلية فضلاً عن الخارجية ونعالنا مستوردة من الغرب. وهل نسينا أن كل أزيائنا باستثناء الزي الخليجي أصبحت غربية، بدءاً بالبنطالون وانتهاء بالكرافات. وحتي الزي الخليجي ليس صناعة خليجية، فالقماش المصنوع منه إما ياباني أو أوروبي وفي أسوأ الأحوال صيني!
وحدث ولا حرج عن المدارس الانكليزية والأمريكية، فكلنا نطمح إلي إرسال أولادنا إلي المدارس الأجنبية التي تنتشر في ديارنا كانتشار النار في الهشيم ونتسابق علي دخولها بأرجلنا. ألم تصبح أفلام ديزني ومنتجات هوليوود الترفيهية الزاد الترفيهي الأساسي لأطفالنا؟ هل يشاهدون غير سوبرمان وسبايدرمان وباتمان وسوبر زورو وبوكاهنتاس وتوم أند جيري وبوكيمون وغيرها؟ حتي ـ يا جماعة الخير ـ! الآليات التي تستخرج لنا النفط من باطن أرضنا لنبيعه ونقتات علي مداخيله ليست من صنعنا، ولو تـُرك الأمر لنا لتعفن البترول في قاع صحرائنا وحقولنا. زد علي ذلك أننا ما أن استلمنا ريع النفط حتي انطلقنا به لنودعه في بنوك أمريكية وأوروبية. ونري بعد كل ذلك شيوخنا الأكارم يصعدون المنابر ليصيحوا بأعلي أصواتهم: إننا نتعرض لغزو ثقافي، قاطعوا تلك القناة الأمريكية أو ذاك المسلسل الكرتوني! أرجو أن يجد أحد المستمعين لبعض المواعظ ذات مرة الشجاعة الكافية في نفسه ليقول لخطباء الجوامع: اخفضوا صوت الميكرفون الذي تعظوننا من خلاله كي لا يُصاب بعطل! لا. استمروا ودعوه يخرب، فبإمكاننا أن نشتري ميكروفوناً أمريكياً آخر! ويحدثونك عن الغزو الثقافي!


المصدر جريدة القدس العربى
  #95  
قديم 01/05/2004, 08:22 PM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Wink

الصحافة بين حرية التعبير وحرية التشهير
2004/05/01

أحمد السطاتي
من الحريات التي تميز مجتمعات التقدم حرية التعبير، فالتقدم في جانب مهم منه يقوم علي الحوار والتواصل وتبادل الرأي، إذ كل إنسان محمّل بطاقات شعورية تريد أن تعبر عن نفسها بالكلمة والكتابة والصورة والحركة وما إلي ذلك من صنوف التعبير وأشكاله. وكل تعطيل لهذه الطاقات بفعل إرادي أو إجباري يحد من إبداع الانسان وقدرته علي العطاء والابتكار ويدنيه من مملكة الحيوان.
من تجليات حرية التعبير الكلمة المنطوقة والمكتوبة.
ومن الثابت أن الانسان في خلواته وتوحده يكلم نفسه ويحدثها بحرية، فلا قيود إطلاقا علي عالمنا الداخلي، لكن الأمر يختلف عندما نهم بمخاطبة غيرنا أو نحدثه بما يجول في خاطرنا حيث نقيم وزنا للرقابة السياسية والاجتماعية ولقواعد التربية والاخلاق السائدة، والتي تحدد ما يجب، وما لا يجب أن نبوح به. وغني عن البيان أن التقدم لا يتحقق في مجالات البحث والمعرفة ومختلف النشاطات الاقتصادية والاجتماعية وغيرها، إلا إذا رفعت الرقابة والقيود عن حرية الفكر والتعبير. وقد ناضل الانسان طويلا للفوز لهذه الحرية. ففي مراحل قاسية من تاريخ البشرية لم يكن حق الحرية في التعبير متاحا ومشاعا للجميع، كان للكلام كواحد من تجليات التعبير ملوك وأباطرة وكنهوت يحتكرونه، لهم وحدهم أن يتكلموا وعلي الآخرين أن يسمعوا.
في العالم الحر باتت حرية الكلمة والتعبير حتما حقا مشاعا أنشئت لها قنوات ومنابر ومؤسسات من خلالها يمكن للأفراد والجماعات أن يعبروا عن آرائهم وهمومهم واهتماماتهم ومن أهم هذه المنابر الصحافة، وأقصد بذلك الصحافة الحرة التي أخذت تشكل في العالم الحرب سلطة رابعة لا يحيلها بالطبع إلي سلطة مطلقة، فالحرية لا تعني التحرر من كل القيود، تحرير الانسان من الاكراه والالزام لا يعني تحلله من أي التزام.
أنت حر فأنت مسؤول عن الفعل الذي صدر عنك وأضرّ بغيرك، لأنك كنت قادرا علي تركه بمقتضي الحرية التي تتمتع بها، وقبل أن يكون الانسان مسؤولا أمام القانون، الذي هو تعبير حر عن إرادة الأمة، هو مسؤول بدرجة أكبر إزاء ضميره الاخلاقي والمهني، والذي يشكل الضمانة الكبري ضد طيش الأصم ووساوس النفس الأمّارة.
يكمن دور الصحافة في التوعية والتنوير وتزويد المواطن بالاخبار الصحيحة التي لا يُراد إخباره بها وفتح بصره وبصيرته علي ما يراد له وما يراد به من طرف القائمين علي تدبير الشأن العام. لها أن تفضح الفساد والرشوة والتبذير وسوء التسيير والشطط في استعمال السلطة. فمن حق المواطن أن يعرف الحقيقة دون وصاية وأن يتواصل مع العالم بدون رقابة.
الحقيقة لا تؤلم ولا تضر إلا أهل الباطل، وفضح الفساد لا يتأذي منه سوي الفاسدين، بيد أن الصحافة تزلّ وتخطئ طريقها إذا اعتمدت الكذب والتضليل والقذف وأباحت لنفسها الخوض في أعراض الناس والمس بشرفهم.
قد يدعي الصحافي أن الحقيقة هي ضالته المنشودة يركض وراءها ركضا دائما، لكن ثمة حقائق لا تستحق الركض ولا الكشف مادامت لا تضر ولا تنفع، من حقي مثلا أن أكره زيدا أو أحب عمرو، لكن ليس من واجبي، أن أعلن هذه الكراهية علي الملأ وأطالب بتعميمها. فتلك عاطفة لا تخص أحدا سواي يمكن أن أتداولها مع من يحسون نفس إحساسي لكي لا أرفعها إلي درجة الحقيقة المطلقة، إلا إذا اعتبرت نفسي مقياسا مطلقا للحقيقة، ذلك أن الحقيقة في الحكم علي الناس هي ما يقع عليه إجماع الناس، وإن كان الأمر لا يخلو من تجوّز.
قد يقال ليس من الظلم ولا من القذف أن تنعت الانسان بأوصافه التي هو عليها، فمن المؤكد أن الظلم صفة مكروهة وفعل ضار مع ثبوت المحبة. التنديد بها مطلوب وواجب، لكن ليس من الخلق ولا من الواجب أن تقول للأعمي أو الاعرج أو المعوق عموما : إليك عني وتسخر منه بحجة أنك لا تنعته إلا ماهو عليه، وأن تلك هي حقيقة التي لا ينبغي أن يضجر منها. الكشف عن مثل هذه الحقائق يكشف نية خبيثة ورغبة وإيذاء الغير وإهانته ليس إلا.
الصحافة التي يرمي الجميع إلي حمايتها من شطط السلطة وتعسفاتها يجب ألا تسقط في الكذب وتخريب البيوت والتعريض بأعراض الناس وكذلك الحرمات وتشويه الحقائق لقاء ربح سياسي رخيص أو مكافأة دنيئة. علي الصحافي أن يدرك يوما أن ثمة خيطا رفيعا مثل الشعرة بين حرية التعبير وحرية التشهير، وأن يتذكر قول المتنبي :
جراحات السنان لها التئام
ولا يلتئم ما جرح اللسان.

كاتب من المغرب

القدس العربى 1/5/2004
  #96  
قديم 05/05/2004, 01:05 PM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Smile أنظمة ملكية عسكرية وتقليدية

وجهة نظر حول الجيش والسياسة والسلطة في الوطن العربي
2004/04/19


د. منذر سليمان

أنظمة ملكية عسكرية وتقليدية

شهدت العقود الأخيرة نوعا من الاستقرار النسبي أو الانتقال السلمي للسلطة في العالم العربي وخاصة في الدول التي كانت مسرحا تقليديا للانقلابات العسكرية المتتالية في عقدي الخمسينيات والستينيات. ويبدو النظام الرسمي العربي محكوما بنوعين من الملكية مهما تنوعت التسميّات: الملكية التقليدية للأسر الحاكمة والملكية العسكرية للأنظمة التي تطلق علي نفسها غالبا لقب جمهورية.
و لكن غياب حدوث الانقلابات العسكرية لم يرافقه تراجع في سيطرة العسكريين علي زمام الحكم في معظم الدول العربية، حيث يتربع علي السلطة عسكريون أفرزتهم المؤسسة العسكرية نفسها، أو أغدقت عليهم بالتراضي رتبا عسكرية رفيعة بالإضافة إلي الجمع بين منصب الرئاسة والقيادة العليا للقوات المسلحة. وحتي في الأنظمة الملكية التقليدية يتبوأ الملك أو أمير البلاد منصب القائد العام للقوات المسلحة أيضا.
وفي العديد من الملكيات العسكرية تم إضفاء الطابع المدني والشرعي علي استمرار العسكريين في السلطة عبر إجراء الاستفتاءات أو الانتخابات التي تجري بطريقة لا تسمح عمليا بحدوث منافسة للحاكم المرشح الأوحد وتجاوز القوانين والدستور من خلال تجديد العمل بقانون الطوارئ والأحكام العرفية التي تجعل محاكم أمن الدولة أو المحاكم العسكرية المرجعية المهيمنة للبت في القضايا المدنية والجزائية بحجة أنها تمس أمن الدولة.
لقد تحول الجيش في معظم الدول العربية إلي العنصر الحاسم في ضمان استمرار الحكم وأضحت مهمته الرئيسية أمنية داخلية كرديف قوي للأجهزة الأمنية الداخلية الأخري وتزايدت الحالات التي يتم فيها الاعتماد علي الجيش في مهمات الأمن الداخلي لدرجة أن طبيعة تدريبه واختيار ثكناته وتمركز تشكيلاته مرهون بالهواجس الأمنية الداخلية وليس لهواجس المخاطر الخارجية مع بعض الاستثناءات في الدول التي لا تزال تحسب حساب المواجهة مع المشروع الصهيوني.

عوامل ساهمت في غياب الانقلابات العسكرية

علي أية حال يبدو السؤال المنطقي والمشروع طرحه هنا لماذا غابت الانقلابات العسكرية عن المسرح السياسي العربي لفترة طويلة؟
كي لا نقع في التعميم المخل هناك حالات من الانقلاب العسكري المباشر وغير المباشر قد جرت في عدة بلدان عربية في الفترة الماضية رغم أنها لم تحمل برمتها الطابع الكلاسيكي للانقلابات وتجدر الإشارة هنا إلي ما جري في اليمن والسودان وفي تونس والجزائر دون أن ننسي ما تردد من أنباء عن محاولات فاشلة أخري في عدة بلدان عربية خليجية. ويبقي الاتجاه الغالب في الساحة العربية هو استقرار الأنظمة التي نشأت في أحضان الانقلابات العسكرية وعدم انتقال العدوي للأنظمة الملكية التقليدية.
يبدو أن الأنظمة الرئاسية (العسكرية أصلا) تمكنت من إتقان فنون البقاء في السلطة ومنع الانقلابات عليها بتضافر عوامل عديدة أبرزها:
ـ تكوين ميليشياتها الخاصة تحت مسميات الحرس الجمهوري أو الوطني أو القوات الخاصة، وربطها بشبكة من العلاقات العائلية أو القبلية ومنحها صلاحيات واسعة لحماية النظام مما جعلها عنصر موازنة مع الجيش الرسمي الذي تمسكه بيد من حديد عبر المغريات أوالمناقلات المفاجئة لكبار الضباط أو الترقيات والاقالات وحتي التصفيات. ومارست الأنظمة الملكية التقليدية سياسة موازية لمثيلاتها في تكوين الحرس الوطني أو الأميري وأخضعته أيضا لشبكة الولاءات العائلية والقبلية وجعلته منافسا طبيعيا للجيش، وكانت اكثر اقتدارا في السخاء عليه.
ـ في ظل غياب السعي الجدي لبناء مؤسسات المجتمع المدني تحولت المؤسسة العسكرية إلي أهم قطاعات الدولة وأوسعها حجما، والمتلقي للقسط الرئيسي من الميزانية السنوية للإنفاق الحكومي بحجة الإعداد للمواجهة مع المشروع الصهيوني. ورعت السلطة أفراد المؤسسة العسكرية عبر الإنفاق غير العادي بمنح الزيادات المتكررة في الرواتب وتقديم التعويضات والخدمات وتسهيلات الرعاية الاجتماعية والصحية والتعليمية والسكنية وغيرها من المنافع التي ربطت الأفراد وعائلاتهم وجيش المتقاعدين في شبكة المصالح المشتركة، وهكذا تحولت الدولة إلي دولة الرفاه والرعاية الاجتماعية والاقتصادية للقوات المسلحة ومتقاعديها الذين يضمنون مداخيلهم ومنافعهم مدي الحياة طالما أن النظام قادر علي توفيرها وفي المقابل يضمن النظام ولاءهم.
ـ إن عدم انخراط المؤسسة العسكرية في معارك وطنية ضد العدو الخارجي حوّل النخبة العسكرية إلي مجموعة من الموظفين الإداريين بعيدين عن الاحتراف العسكري وإتقان العلوم العسكرية وفنون القتال وإدارة المعارك وحال دون بروز قيادات عسكرية تتمتع عبر خبرتها الميدانية في الصراع بمكانة خاصة لتكون رموزا وطنية تتجاوز بسمعتها وشعبيتها دائرة السلطة الحاكمة وتستجيب للمخيلة الشعبية الطامحة إلي الالتفاف حول أبطال وطنيين قادرين علي كسر الطوق المحكم حول الاستئثار بالسلطة وتحفزهم علي القيام بحركات إنقاذية داخلية انقلابية.
ـ واقع التجربة المريرة التي عانتها الحركات والأحزاب السياسية التي استلمت السلطة عبر جناحها العسكري الحزبي والتي وجدت نفسها ملحقة به ومهمشة جعلها تتراجع عن مجرد التفكير بالعمل الحزبي داخل القوات المسلحة كما تعلمت ذلك الأحزاب والحركات السياسية الثورية الأخري، وأحجمت أيضا عن توخي العمل مع العسكريين عبر الانقلابات العسكرية، من أجـــل إحـــداث التغيير المنشود. يضاف إلي ذلك تراجـــع العمل الحزبي المنظم في الساحة العربية نتيـــجة الـــهزائم المتكررة التي عانت منها فصائل حركة التحرر العربي بتياراتها المختلفة.
ـ مصادرة الحياة السياسية والفكرية والثقافية عمليا من قبل أنظمة الحكم وتطويع الحركات السياسية المعارضة والسماح لتيارات منها بالدخول إلي البرلمانات طالما أنها تشكل أقلية غير فاعلة وتضفي علي الحكم طابعا ديمقراطيا شكليا.
ـ سيادة المنطق الإقليمي في التعامل مع القضية القومية خاصة منذ عام 74 في مؤتمر الرباط، حيث تم تفويض منظمة التحرير الفلسطينية بالتمثيل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني وتكريس التنازل العربي رسميا من المشاركة الفعالة في القضية القومية وتكريس الفصل التعسفي بين الشأن الوطني الداخلي والشأن القومي وإزالة مفاعيل التأثير الطبيعي لقضية فلسطين المركزية في تثوير الواقع الداخلي لكل قطر عربي.
ـ انعدام الحاجة لدي الأطراف الخارجية الدولية بالتخطيط أو العمل علي إحداث انقلابات عسكرية كوسيلة مفضلة للإتيان بأنظمة حكم متعاونة أو تابعة لها. إذ أن التحولات الدولية والإقليمية أسهمت في جعل العديد من أنظمة الحكم في العالم العربي تتعاون بصورة طوعية معها. وتضمن عدم تعرض مصالحها للخطر.

دور المؤسسة العسكرية في الدولة الحديثة

هناك انطباع شائع وخاطئ باستقلالية وحياد المؤسسة العسكرية عن السلطة والنظام السياسي في الدول الغربية الحديثة. ويساهم في تعزيز هذا الانطباع ترسخ مؤسسات المجتمع المدني في هذه الدول وانحسار دور الزعماء العسكريين الذين تبوءوا السلطة في العديد من الدول الغربية الرئيسية بعد الحرب العالمية الثانية. ولكن بإلقاء نظرة فاحصة علي هذه الدول يتبين لنا أنها تشهد تدخلا واضحا ونفوذا متزايدا من قبل القوات المسلحة في السلطة السياسية بصورة مباشرة أو عبر ممثليها أو حلفائها في المجمع الصناعي الحربي الذي يحتل مرتبة الصدارة في توجيه الاستراتيجية العالمية لهذه الدول ومثال الولايات المتحدة الأمريكية شديد الدلالة علي تعاظم دور ونفوذ المجمع الصناعي الحربي في تعزيز اتجاه إدارة بوش الجمهورية لضمان التفوق العسكري الأمريكي المطلق للولايات المتحدة وفرض الهيمنة والسيطرة علي العالم. لقد أتقن العسكريون وحلفاؤهم السياسيون في العالم الغربي الصناعي اللعبة السياسية الداخلية لدرجة لا يحتاجون معها للقبض علي زمام السلطة السياسية مباشرة وبصورة مكشوفة، ويفضلون البقاء وراء الستار وخلف الواجهة المدنية التي تتحرك وفقا لمشيئتهم. ولقد أضحي الـــكونغرس الأمريكي مضربا للمثل في الارتهان لإرادة المجمع الصناعي الحربي عندما يصوت لزيادة الميزانية العسكرية بصورة دائمة ويضيف عليها اعتمادات جديدة تتجاوز ما يقترحه العسكريون.
سيطرة العقلية الانقلابية
في العمل السياسي العربي

بالطبع يختلف الأمر في العالم العربي غير الصناعي والذي ترعرعت في معظم دوله ـ وبنسب متفاوتة ـ المؤسسة العسكرية في ظل سلطات الانتداب الأجنبي قبل نيل الاستقلال السياسي الشكلي واستمرت المؤسسة في نمط تكوينها وتطورها تعتمد علي خبرات دول الانتداب الفرنسي والبريطاني ولاحقا الأمريكي، ولا تزال النخبة العسكرية تتلقي تعليمها وخبرتها العسكرية في المعاهد الغربية من خلال إرسال البعثات التعليمية والتدريبية إليها.
وشكلت تداعيات الصراع العربي ـ الصهيوني منذ قيام إسرائيل ـ الكيان الوظيفي الاستيطاني ـ في قلب العالم العربي حافزا إضافيا لتعزيز مكانة المؤسسة العسكرية في بلدان خط المواجهة أو حتي البعيدة جغرافيا عنه وبحجج الإعداد لمواجهة المشروع الصهيوني تلقت المؤسسة العسكرية القسط الأوفر من الإنفاق الداخلي كما ذكرنا سالفا. ولم يكن مفاجئا أن تندرج معظم الانقلابات العسكرية التي شهدها العالم العربي في إطار التبرير كردّ علي عجز الحكومات وتخاذلها في مواجهة المشروع الصهيوني، ولا تخلو بيانات الرقم واحد من التعرض لمحاربة للفساد الداخلي والتبعية للأجنبي والخيانة الوطنية والقومية تجاه قضية فلسطين المركزية. لقد نشأت الانقلابات العسكرية أيضا في ظل ترسخ العقلية الانقلابية داخل الأحزاب الثورية بكافة اتجاهاتها العقائدية وبررت اللجوء إلي العمل داخل المؤسسة العسكرية بذرائع مختلفة، ولكن الأمر الجوهري هو انعدام الممارسة الديمقراطية داخلها وعدم إيمانها العميق بحركة الجماهير المنظمة رغم خطابها الدعائي التحريضي الداعي إلي تأطير الجماهير وتوعيتها وتنظيمها في اتحادات ونقابات ومؤسسات. لقد توهمت هذه الأحزاب أن بإمكانها اختصار الطريق الطويل وتحقيق الثورة والتغيير من فوق. ولا شك أن تفضيل هذه الأحزاب والحركات للانقلابات العسكرية علي التحرك الجماهيري والانتفاضة الشعبية يعكس أيضا نزعتها النخبوية التسلطية وافتقارها إلي روح التضحية والاستعداد لتحمل تبعات ومشقات النضال الجماهيري الثوري الذي يستوجب الاستعداد للسجن والتعذيب والنفي وحتي الموت.

سيناريوهات التغيير في المستقبل

يبدو أن الشغف العربي بالعسكريتاريا مغروس في التكوين النفسي والثقافي للفرد في مجتمعاتنا العربية الريفية/الزراعية الطابع أساسا. لقد كان طموح الفتية بأن يصبحوا ضباطا أو طيارين عندما يبلغون، وحتي مع عملية التحديث والتمدن المشوهة للمجتمعات العربية ـ بحيث تحولت إلي مجتمعات مدينية كبري معظمها محاطة بأحزمة البؤس ـ بقيت هذه الطموحات طاغية رغم تحول الناشئة إلي إضافة مهنة المهندس والطبيب وموظف الحكومة إلي قائمة تمنياتهم المستقبلية. وربما ساعد إرث الانتداب الفرنسي والبريطاني العسكري وقبله الحكم العثماني العسكري في ترسيخ حفر صورة مبهرة للبذلة العسكرية والنجوم اللامعة التي ترافقها، وتدافعت هذه الصور عبر الأجيال المتعاقبة تمنح مرتدي البذلة مكانة خاصة تستوجب الاحترام والمهابة وترمز إلي السلطة والنفوذ والامتيازات وتنتزع الإعجاب والاعتزاز. وليس مستغربا في هذه الحالة أن يكون مفهوم النخبة أوالصفوة في المخيلة الشعبية العربية منذ أواسط القرن العشرين قد انحصر بمرتدي البذلة العسكرية اكثر من اقترانه بنخبة الفكر والثقافة والأدب والعلوم والطب والهندسة. وجاءت الانقلابات العسكرية علي أيدي الضباط لتزيد من ترسيخ هذه المخيلة. ولم يتم طرد هذه الانطباعات من الذهنية الجماعية العربية بصورة نهائية رغم فشل أنظمة الانقلابات العسكرية في تحقيق الإنجازات الداخلية التي وعدت بها الجماهير أو تحقيق الكرامة القومية والانتصار علي المشروع الصهيوني.
وليس مستغربا أيضا أن نسمع عن آراء تتردد في أوساط الشارع العربي تفيد بأنه سيتعاطف مع أي تغيير يحصل في العالم العربي حتي لو جاء علي صهوة دبابة، لأن الشارع يتحسر علي غياب الطليعة الحزبية المنظمة القادرة علي إحداث التغيير الثوري ويتألم لتشتتها وهامشية دورها، لكنه أيضا سئم من العجز والإفلاس العربي الرسمي ويرغب في رمي أي حجر من أحجار التغيير في هذه البحيرة العربية الراكدة والآسنة، علّه يجد سبيلا لوقف الانحدار إلي قعر الهاوية، وتذكّره يوميا المجازر الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني بحالة المهانة والإذلال التي يعيشها قوميا واقتصاديا ولا يجد أمامه من يحاول ردع الهجمة الصهيونية الشرسة غير الأجساد الفلسطينية المتفجرة. فبقدر ما يعبر عن سخطه الشديد لاستقالة المؤسسة العسكرية العربية عن الفعل القومي لن يكون مستاء من أي تحرك داخلي تقوم به لإحداث تغييرما في المعادلة الداخلية القائمة رغم تحفظه التقليدي علي تجربتها حتي الآن. قد يتهم البعض هذا الطرح بأنه انسجام مع المشاعر العفوية الجماهيرية وتسويق للتغيير بواسطة الانقلابات العسكرية، ولكن القراءة المتأنية لخريطة القوي السياسية العربية المرشحة لإحداث التغيير في العالم العربي في المرحلة الراهنة تدفع المرء إلي ترجيح احتمالات حدوث موجة جديدة من الانقلابات العسكرية في العشر سنوات القادمة وتستند هذه القراءة إلي الاعتبارات التالية:
ـ لا تزال المؤسسة العسكرية هي الإدارة الأكثر تنظيما وانضباطا وجاهزية بحكم موقعها الرئيسي في الهيكلية التنظيمية للمجتمعات العربية وبقدر ما هي ضامن أكيد واحتياطي حاسم لضبط الوضع الداخلي إلا أنها مرشحة للانقسام وعرضة للتململ الداخلي تحت وطأة مواجهة الأزمة العميقة الاقتصادية والمعيشية المرشحة للإنفجار الوشيك.
ـ عدم حل معظم النظم العربية لمسألة الخلافة والانتقال السلمي للسلطة والغياب المريب حتي الآن لتحديد هوية الرجل الثاني أو الخليف العتيد وعدم رضي وامتعاض المؤسسة العسكرية من إمكانية اللجوء إلي تأسيس حكم وراثي عائلي في العديد من النظم الملكية العسكرية (الجمهورية).
ـ لن تكون الأنظمة الملكية التقليدية بمأمن من تدخلات المؤسسة العسكرية خاصة في ظل أوضاع تنجم عن غياب القيادات التاريخية فيها وتنازع مراكز القوي داخل الأسر الحاكمة علي تركة الحكم وإمكانية لجوء أطراف منها للمؤسسة العسكرية لترجيح كفتها في السيطرة علي الحكم.
ـ سيبقي سلاح الطيران وكبار الضباط فيه المصدر الرئيسي والحاسم لتدخل المؤسسة العسكرية بحكم دوره المميز وتركيبته الفريدة في دول العالم الثالث والإمكانات الواسعة والامتيازات التي يتمتع بها قياسا ببقية فروع القوات المسلحة.
إن الوضع الاستثنائي للمؤسسة العسكرية والأمنية في العديد من البلدان العربية قد يتحول تدريجيا إلي المدخل الطبيعي وربما الوحيد المتاح لهز لأوضاع الرسمية إذا لاحت مؤشرات انهيار النظام وفقدان تماسكه تحت وطأة التحرك الجماهيري الغاضب والقادم من تفاقم الأحوال المعيشية وتفشي البطالة واستمرار توفر صاعق التفجير القومي بعدم التوصل إلي حل عادل ودائم للمسألة القومية المركزية. إن اشتداد الضغوط السياسية والاقتصادية علي الأنظمة العربية التي تعاني من المديونية واستمرار انعكاس النتائج السلبية للكونية/العولمة والركود الاقتصادي العالمي، وارتهان هذه الأنظمة لضوابط وقواعد صندوق النقد الدولي ومتطلباته سيفرض عليها عاجلا أم آجلا البدء باسترجاع العديد من المنافع والخدمات المميزة التي يتلقاها أفراد المؤسسة العسكرية والأمنية من جيشها الاحتياطي من الموظفين العسكريين والمدنيي كما أن الهزات النقدية التي ستنشأ بسبب التضخم وارتفاع أسعار المواد الأساسية وانخفاض القدرة الشرائية وقيمة العملة الوطنية ستؤدي إلي هز صورة الاستقرار وستكون صرخة أفراد المؤسسة العسكرية والأمنية أقوي واندماجهم أسرع في حركة الشارع الجماهيرية خاصة عندما يتعذر علي السلطات إحكام السيطرة علي المؤسسة العسكرية خلال فترة مستديمة من التحرك الشعبي.
ربما يكون هذا السيناريو مغرقا بالتفاؤل حيال إمكانية انتقال المؤسسة العسكرية إلي خيارات بعيدة عن حماية النظام القائم ولكنه يبقي احتمالا واردا يستوجب علي القوي والمنظمات والأحزاب السياسية التي تنشد التغيير الديمقراطي والجذري في العالم العربي أن تدخل في حساباتها الدور الحيوي الذي يمكن أن تلعبه المؤسسة العسكرية سلبا أو إيجابا في معركة التغيير وألا تدير ظهرها كليا لقطاع واسع من المجتمع وتصنفه بصورة أبدية في المعسكر العادي. إن عملية إخراج الجيش من المعادلة السياسية الداخلية هي محاولة غير واقعية أو منطقية وعملية الفصل بين الجيش والسلطة والسياسية في العالم العربي ستبقي محاولة لإحلال الرغبات الذاتية مكان الواقع العملي السائد، بانتظار أن يتم إعادة بناء حقيقية وتشكيل مؤسسات المجتمع المدني واعتماد التعددية السياسية والسماح بتشكيل الأحزاب وإصلاح الأنظمة الانتخابية واحترام الحريات والحقوق المدنية.



باحث وإعلامي مهتم بالشؤون السياسية والإستراتيجية مقيم في واشنطن
المصدر جريدة القدس العربى
  #97  
قديم 09/05/2004, 04:00 PM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Smile

نقد الذات في سبيل ترتيب البيت السعودي فكريا
2004/04/24


د. الطاهر بن عبد السلام حافظ

ادعو المثقفين السعوديين الي التفكر بعمق في معاني قول الله تعالي: (ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور) (النور ـ 40)، وفي مقتضياتها وآثارها في حياتهم الشخصية والاجتماعية والسياسية! لندرك اننا بحاجة الي إعادة ترتيب البيت السعودي من حيث الفكر بنفس الأهمية التي تشعر الدول العربية بحاجتها الي إعادة ترتيب البيت العربي من حيث العلاقات السياسية. ومن اكثر قضايا بيتنا السعودي اهمية الجيل الذي يهيمن علي مواقع التفكير في السعودية، اذ ينتظر منه الاسهام في تقدم البلاد والحفاظ عليها.
لدينا اليوم عدد كبير من اساتذة الجامعات السعوديين يجوبون طرقاتها واقسامها العلمية بتكويناتهم العقلية والنفسية التي نشأت في عصر البترودولار فختم عليهم بصماته ولم ينج منها الا القليل. وان اردنا نهضة حقيقية بمجتمعنا لا بد ان نتعود علي نقد الذات ونقبله نبراسا للتحرك نحو الأفضل والأسلم. لو فكرنا في سمات عصرنا مليا لأدركنا ان عقول كثير من اساتذة الجامعات السعودية نشأت منذ عمرها المبكر علي الفوضي الفكرية والكسل الذهني والتخاذل النفسي والانهزامية والاتكالية، وهذه من اخطر سمات عصر البترودولار التي اضرت بمجتمعنا ايما ضرر. ويكمن خطره الأكبر في تخديره للعقول الي درجة رفض مجرد التفكير في الانتقاد ودراسة الذات. وهي صفات مضرة حتي للعوام ولكنها مهلكة ان كانت في اساتذة المجتمع. وان احتاج قارئ هذا المقال دليلا علي ذلك فلينظر ماذا يجول في قلبه هذه اللحظة من نفور وفي عقله من رفض واستغناء. تعودنا ان نسمع من معظم الاساتذة والمتعلمين العصريين ان كل شيء علي ما يرام وان ليس بالامكان خير مما كان رغم كل المشاكل من حولهم والتي يعجزون عن ايجاد حلول جذرية لها. وتعودنا في معالجاتنا لقضايانا العلمية والفكرية علي مبادئ عاجزة مثل بكرة يحلها الحلال واحلال البيروقراطية المنهكة محل التفكير المنطقي والتفكير العملي. وفهمنا ان الدبلوماسية في العمل هي مجاراة التيار الفاسد لا بذل الجهد بالحكمة علي اصلاحه. ولم نتعود علي التفكير بعمق والتركيز في الاتجاه الواحد، كما لم نتعود علي التخطيط الدقيق لأن عقولنا لم تتعلم معني الدقة.
فأما الفوضي الفكرية فقد اكتسبها جيل اساتذة جامعاتنا من نشأتهم علي الفوضي الأسرية منذ نعومة اظفارهم، حتي اذا كبر الابن واصبح استاذا اخذ ينظم عاداته شيئا ما ولكنه لا يستطيع ان يغير من الفوضي في غرف فكره، اذ الفكر امر تجريدي لم يتمرس علي نهج التعامل معه، ولن يستطيع من شكلت الفوضي عقله في الصغر ان يخرج من سجن التخبط الفكري. وأما الكسل الذهني فناجم عن أمرين: اولهما توجيه آباء هذا الجيل لأبنائهم (الاساتذة) نحو تأجيل التفكير في الامور التي تطرأ فطريا علي عقولهم في الصغر، وثانيا احاطتهم بمحيط اسري سطحي فلا يرد علي اذهانهم ما يشد خيالهم نحو الامور الاعلي شأنا من حاجاتهم البدائية، ويصل الابن الي مرحلة الشباب وقد كسلت ملكات عقله عن التفكير الجاد حتي اصبح استاذا يبحث عمن يكتب له ابحاثه او يفكر عنه ليقدم اليه افكارا جاهزة وربما احتاج الي من يصوغها عنه. ومن مظاهره كذلك الكسل عن قراءة ما يفيد والاقتصاد علي ما يمتع الشهوات الحسية، والكسل عن الخلوة بالنفس للتفكير مليا في معاني الحياة ومقصدها وفي قضايا المجتمع والامة والانسانية، ومن ثم الكسل عن العمل علي تنفيذ أي افكار ايجابية.
واما التخاذل النفسي فمرجعه الي نشوء هذا الجيل علي الانانية وحب الذات بما يحجب الفرد عن الاقدام والتضحية بملذاته فضلا عن ضروراته في سبيل المجتمع والأمة والحضارة، فيغدو كل واحد منهم وهو يقول امام قضايا الامة: ولماذا اكلف نفسي واتعب نفسي؟ . ولم يدركوا ان هذا قول العوام وليس قول الاساتذة! بل ان الاسلام لا يجيز حتي للعامي ان يكون متخاذلا عن مجتمعه. واما الانهزامية فتتبع التخاذل، اذ يتوجس الاستاذ خيفة من كل ما يضر بمصالحه الخاصة فيتراجع عما يمكن ان يفعله من اجل الناس، او ينهزم امام مشكلة لأنه يراها اكبر من دوره او طاقته. وكم من الاساتذة اليوم من يبقي علي فساد طلابه علميا وفكريا بسبب انهزامه امام علاج المشكلة ويتخاذل عن العلاج بالجراحة اذا احتيج اليها خوفا من الامها! وكم منهم ينهزم انتظارا منه لصلاح النظام التعليمي بنفسه اولا وينظر الي الطالب المدان علميا علي انه ضحية، فيضيف بذلك الي الفساد العلمي والفكري للمجتمع مصائب اخري! وأما الاتكالية فمرجعها الي الترف الذي عاشه هذا الجيل ماديا وفكريا وعاطفيا، وقد أدي هذا الترف الي نمو شعور باللامبالاة و ليحدث ما يحدث ، وحتي ان كان الامر من احتياجاته الشخصية يتوجه عقله الي ان هناك من يؤديها له عنه! ولنعلم ان التوبة من مظاهر الفساد قد تكون سببا في مغفرة ما لحقها من ذنوب ولكنها لا يمكن ان تعيد قوي العقل الذي حباه الله اساسا بنوره ثم انطفأ.
رأينا عبر العقود الخمسة الماضية تركيزا علي الكم لا علي الكيف: كم طالب يتخرج من الجامعات؟ وكم استاذا سعوديا يعين فيها؟ واعتقدنا (ايضا بسبب ظلام الفكر) ان سعودة الكم ستغطي علي سلبيات الكيف المفقود! فأصبح لدينا كم هائل من اساتذة سعوديين لكنهم يخلقون من المشاكل الفكرية والعلمية والاجتماعية والسياسية اكثر مما يحلون. الدولة اليوم تحتاجهم للوقوف الي جوارها في هذه الظروف الخطيرة فلا تجد منهم من يستطيع ان يكون فاعلا حقا الا القليل، وهم يشيرون علي الدولة بأفكار من نفس منطلق سمات الفوضوية والكسل والتخاذل والانهزامية والاتكالية التي نشأوا عليها فتنقلب نصائحهم اضرارا وشرورا. فما هي علاقة كل هذا بقوله تعالي (ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور) العلاقة مباشرة وقوية! اذ كيف يمكن للمجتمع ان يرجع بالتاريخ القهقري ليعيد تربية الجيل المعاصر علي غير سماته المضرة؟ ولأن الله تعالي يعلم ان من المجتمعات المسلمة من ستفسد مناهجه ويقع في مصائب اجتماعية عامة تعرضه للهلاك فقد جعل عز وجل ابوابا للخروج من هذه المآزق دون الحاجة الي الرجوع بالتاريخ الي الوراء ـ وهو امر مستحيل.
واول فتح الباب ان يقر الاساتذة في انفسهم بوجود سمات العصر الضارة فيهم وان تعتقد قلوبهم بأهمية استبدالها بسمات نبوية يكمن فيها النجاح العقلي الباهر الذي نجح به اسلافهم والذي يمكن لهم ادراكه بوضوح اذا قارنوا انفسهم بسمات اساتذة الأمة من قبل سواء في علوم الاسلام او في علوم اللغة والطب والفلسفة والكيمياء والرياضيات وغيرها. كلهم اشتركوا في صفة نور الحكمة الإلهية فاشتركوا في سمات صفاء الفكر والنظام والدقة والعزيمة والاقدام والتضحية والعالمية والاعتماد علي النفس، وفهموا حقيقة معني ان كانت النفوس كبارا تعبت في مرادها الاجسام ، وليس ان كانت الشهوات كبيرة كما يفهمها كثير منهم اليوم. فاذا تمكن الاساتذة من فتح الباب بهذا، استطاعوا ان يعيدوا تكوين عقولهم ونفوسهم بما يضيئه نور الله تعالي الذي يمنحه تعالي لمن يطلبه بصدق، فنور العقل اساسا من نور الله، ولكن البيئة تظلم نور العقل احيانا فيسير في غرف الفكر كما يسير الاعمي في غرف قصر مظلم سرعان ما تهلكه مداخله ومخارجه. ولا يمكن للعقل البشري ان يري خيرا حتي لنفسه الا بنور الله تعالي، وهذه الآية الكريمة صريحة في حصر النور في اعطاء الله له، وفي هذا السياق يفهم قول رسول الله صلي الله عليه وسلم (اللهم لا تكلنا الي انفسنا طرفة عين). أما المستغني عنه والمكتفي بعقله فليس له من نور يري به، ومشورته لا تقدم لمجتمعه خيرا بل تقدم خداعا حتي ان ما يراه خيرا يتحول فجأة الي مشكلة اخري او يخرق منفذا آخر للأعداء المتربصين. فأين عقول الاساتذة السعوديين عن قضايا الأمة الخطيرة؟ أين منتجاتهم الفكرية وجهودهم العملية عن تفشي ضعف الايمان بالله؟ وعن استبدال الحياة النبوية بالحياة الغربية الكافرة؟ وعن انحطاط التعليم حتي غدت الجامعات تخرج ثيرانا معممة؟ وعن انحلال الشباب وتدهور الاسرة؟ وعن تمرد المرأة وتسيب الرجل؟ وعن انتشار الرذيلة وتراجع الفضيلة؟ وعن تطرف الافكار والعواطف حتي اصابنا الارهاب الذي كنا نشاهده في غيرنا؟ وعن تفشي الشذوذ؟ والفساد الاخلاقي والاداري؟ وعن اختراق الاعداء للمجتمع؟ وعن الالحاد المغلف بالعصرنة والحداثة؟ وعن التشكيك في ماهية الاسلام ـ حتي اختلط المعتدل بالمتطرف؟ وعن فتن حقوق الانسان و حرية المرأة و الديمقراطية ، وغير ذلك كثير من القضايا الفكرية المصيرية يتركها الاساتذة السعوديون لغيرهم يفتون فيها بأهوائهم الفاسدة بينما هم يقبعون في دهاليز السلبية الباردة... فلا بد ايها الاخوة الكرماء من وقفة ناقدة جادة بدلا من المكابرة التي تهزم صاحبها.. وخير لنا ان نعيد حساباتنا قبل ان يزحف الغير علينا ليرينا مهالك هذه السمات السلبية التي تكون شخصياتنا.. ومن صدق الله في الطلب صدقه في العطاء.

ہ كاتب من السعودية


المصدر القدس العربى
  #98  
قديم 10/05/2004, 03:58 PM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Thumbs up د. فيصل القاسم: سامحكم الله يا آباءنا الطيبين

د. فيصل القاسم: سامحكم الله يا آباءنا الطيبين
الاثنين 10 مايو 2004 05:41

آه كم فكرت برفع دعوى قضائية مجلجلة ضد والدي سامحه الله! آه كم خطرت على بالي ملاحقته وجرجرته في المحاكم والحصول منه على تعويضات لها أول وليس لها آخر. آه كم فكرت بالانتقام منه بشتى الوسائل كما انتقم منا في صغرنا وزرع في نفوسنا قيماً وخصالاً وفضائل بائدة أكل عليها الدهر وشرب وعادات مندثرة لا تناسب العصر الذي نعيش فيه هذه الأيام بأي حال من الأحوال. آه كم جنيتم علينا يا آباءنا الأعزاء! آه كم كنتم مخطئين وبريئين! آه كم أضعتم من أعماركم ووقتكم وأنتم تحاولون أن تغرسوا فينا الأخلاق الحميدة والقيم الإنسانية الطيبة التي لا محل لها لا من الإعراب ولا من الصرف في هذا الزمان العربي القبيح! آه وألف آه! لا شك أنكم "خجلانون" منا و"مكسوفون" أعلى درجات الكسوف لأنكم أخطأتم في تربيتنا. لماذا يا آباءنا الطيبين لم تقرؤوا كتاب "طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد" للمصلح العظيم عبد الرحمن الكواكبي كي تتعلموا منه كيف تربون أولادكم كي يستطيعوا العيش في عصور الطغيان والفساد العربية اللاحقة؟ لو فعلتم ذلك لما كنتم نادمين الآن على ما صنعت أياديكم بأبنائكم المساكين.
يقول الكواكبي في الفصل المعنون "الاستبداد والتربية" في كتابه المذكور الشهير : " إن الاستبداد المشؤوم يسطو على النفوس فيفسد الأخلاق ويضغط على العقول... وبناء عليه تكون التربية والاستبداد عاملين متعاكسين في النتائج، فكل ما تبنيه التربية مع ضعفها يهدمه الاستبداد بقوته... فالاستبداد ريح صرصر فيه إعصار يجعل الإنسان كل ساعة في شأن، وهو مفسد للدين في أهم قسميه، أي الأخلاق. وأما العبادات منه فلا يمسها، لأنها تلائمه في الأكثر، ولهذا تبقى الأديان، في الأمم المأسورة، عبارة عن عبادات مجردة صارت عادات، فلا تفيد في تطهير النفوس شيئاً، فلا تنهي عن فحشاء ولا منكر، وذلك لفقد الإخلاص فيها، تبعا لفقدها في النفوس التي ألفت أن تلتجئ وتتلوى بين يدي سطوة الاستبداد في زوايا الكذب والرياء والخداع والنفاق، ولهذا لا يُستغرب في الأسير الأليف في تلك الحال أن يستعمل كل هذه الرذائل أيضا مع ربه ومع أمه وأبيه ومع قومه وجنسه وحتى مع نفسه". بعبارة أخرى فإذا أردت أن تعيش سعيداً في زمن الاستبداد فعليك أن تكون كذاباً ومرائياً ومخادعاً ومنافقاً وغداراً من الطراز الأول. آه يا آباءنا لماذا لم تستبقوا هذا الزمن العربي المنحط وتعلمـوّنا طبائع الغدر والخداع وبيع الضمير كي تسّهلوا علينا مهمة العيش لاحقاً بسهولة ويسر! هل كنتم تريدون أن تعذبونا؟ فقد كادت جهودكم أن تضيع سُدىً! اسمعوا ما يقوله الكواكبي:
"الاستبداد يُضطر الناس إلى إباحة الكذب والتحايل والخداع والنفاق والتذلل ومراغمة الحس وإماتة النفس إلى آخره، وينتج من ذلك أنه يربي الناس على هذه الخصال. بناء عليه، يرى الآباء أن تعبهم في تربية الأبناء، التربية الأولى، لا بد أن يذهب يوماً عبثاً تحت أرجل تربية الاستبداد، كما ذهبت قبلها تربية آبائهم لهم سدى. ثم أن عبيد السلطة التي لا حدود لها هم غير مالكين أنفسهم، ولا هم آمنون على أنهم يربون أولادهم لهم، بل هم يربون أنعاما للمستبدين وأعواناً لهم عليهم. وفي الحقيقة إن الأولاد في عهد الاستبداد سلاسل من حديد يرتبط الآباء بهم على أوتاد الظلم والهوان والخوف والتضييق، فالتوالد من حيث هو، زمن الاستبداد، حمق، والاعتناء بالتربية حمق مضاعف". اسمعوا جيداً يا آباءنا الأقدمين واتعظوا: "لماذا يتحمل الآباء مشاق التربية؟ فهم إن نوّروا أولادهم جنوا عليهم بتقوية إحساسهم فيزيدونهم شقاء، ويزيدونهم بلاء، ولهذا لا غرو أن يختار الآباء الذين فيهم بقية من الإدراك ترك أولادهم هُملاً تجرفهم البلاهة إلى حيث تشاء". لا شك أن ضميركم بدأ يؤنبكم بقوة يا آباءنا المساكين. لماذا لم تتركوا أولادكم "هُملاً" بلا أخلاق وضمير؟ لماذا ربيتموهم على الغيرة والحمية ونصرة المظلوم وقول الحق حتى لو أدى ذلك إلى قطع رقبتهم وأرزاقهم؟ لماذا، لماذا؟ لماذا لم تعلمونا أن نكون سميكي الجلد وفاقدي الإحساس وعديمي الوفاء؟ لماذا لم تعلمونا أن نجابه التجبـّر بالتذلل والتصاغر؟ لماذا لم تعلمونا مجابهة الشدة بالتلاين والمطاولة؟ لماذا لم تعلمونا التصامم عن سماع ما يُحكى عنا والتظاهر بفقد الحس؟ لماذا لم تعلمونا ستر العلم بالتجاهل والعقل بالتباله؟
لماذا لم تنتبهوا يا آباءنا الأكرمين إلى أن التربية الصحيحة غير "مقصودة ولا مقدور عليها في ظلال الاستبداد"؟ وحسبُ الآباء أن يزرعوا الخوف في قلوب أبنائهم من "شر الظالمين"، وهذا النوع من التربية يستلزم "انخلاع القلوب لا تزكية النفوس". هل تعلموا يا آباءنا أن أنظمتنا العربية قد وضعت سياسات إفساد منظم لحكم المجتمعات العربية، والويل كل الويل لمن لا يسير على هديها؟ هل علمتم أن النظام العربي الفاسد لا يستطيع العيش في مجتمع فاضل، وبالتالي كان لا بد له من إفساد المجتمع حتى يتمكن النظام من الاستمرار؟ لماذا غابت عنكم يا آباءنا حقيقة أن أولادكم مقبلون على عالم متخم بالوساخة والقذارة بكافة أشكالها؟ وطوبى لمن أتقن فن المداهنة والقوادة واللف والدوران والتضرع والخنوع وتخريب بيوت الناس والسمسرة ولعق الأحذية والطعن في الخلف وحفر الحفر لأخوته وتدبير الخوازيق وتأليف التقارير وامتهان التزوير وأكل الحرام وهتك أعراض الأنام وسرقة أموال اليتامى والمساكين والوشاية بأقرب المقربين والانقلاب على النازلين والصعود مع الصاعدين وبيع الأقربين بحفنة من تين!

آه يا لو تعلمون يا آباءنا المخدوعين كم يعاني أولادكم الذين انطلت عليهم الخصال الحميدة والأخلاق الإنسانية النبيلة! لقد انقلبت القيم ليصبح الخيّرون مُدانين والأوغاد واللصوص هم الشرفاء الميامين. ألا تعلمون أن شعار مجتمعاتنا العربية غير المعلن غدا: الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف؟ فالمعروف أصبح جزاؤه في عصرنا الراهن أحياناً، للأسف الشديد، نكران الجميل. آه لو استمع أبناءكم إلى النصيحة الذهبية: "اتق شر من أحسنت إليه". فكم من أعمال الخير ذهبت أدراج الرياح لدى أناس تربوا على السفالة والنذالة وخيانة الخبز والملح. آه يا زمن الخيانات الصغيرة والكبيرة! لقد انقلبت الموازين، ومحظوظ كل من يُعطي ضميره إجازة مفتوحة كي يستطيع التأقلم مع زماننا اللعين.
لكن لا تحزنوا يا آباءنا الورعين ولا تندبوا حظكم العاثر المسكين! صحيح أن المعيشة البشرية في عهود الاستبداد "محض نماء يشبه نماء الأشجار الطبيعية في الغابات والأحراج يسطو عليها الحرق والغرق وتحطمها العواصف والأيدي القواصف، ويتصرف في جذوعها وفروعها الفأس الأعمى، فتعيش تحت رحمة الحطابين". إلا أن الكواكبي لم يكن متشائماً تماماً، فظل يحدوه أمل بانتصار الخير على الشر في النفس البشرية، ففي الوقت الذي يعترف فيه بأن الحياة الإنسانية في زمن الطغيان تبقى تحت رحمة الصدفة، إلا أنها برأيه قد "تعوَّج أو تستقيم، تثمر أو تعقم". بعبارة أخرى فإمكانية الاستقامة والإثمار تبقى قائمة رغما عن أنوف المستبدين والمتلاعبين بمصائر الشعوب وضمائرها وأخلاقها. وهناك مثل شعبي بسيط يقول: لو "خليّت بليّت"، أي أن الدنيا لن تخلوا أبداً من الناس الخيرين والطيبين، "وبفضل نفس صالحة واحدة تعمر جزيرة" كما يقول أهلنا البسطاء. ولهذا أحضكم يا آباءنا ألا تقعوا فريسة للندم والقنوط وأطمئنكم أننا سنبقى أوفياء لتعاليمكم الطيبة وموضتكم الأخلاقية المندثرة مهما عضنا الزمن، فلن نعلم أبناءنا ألا يسعفوا جريحاً أو يغيثوا ملهوفاً أو يطعموا جائعاً أو يروا ظمأ عطشان أو يساعدوا محتاجاً أو يدافعوا عن مظلوم أو يناصروا قضايا الشعوب المغبونة حتى لو كان فيها الكثير من السفلة والغدارين والأنذال والساقطين!

جريدة الشرق القطرية
  #99  
قديم 17/05/2004, 05:52 PM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Smile ارهاصات نسائية خليجية وصناجة لغوية واقعية

ارهاصات نسائية خليجية وصناجة لغوية واقعية
2004/05/15


أنور القاسم

في الخليج العربي حراك صحي أنثوي هذه الأيام غير مسبوق، فأينما وليت ناظريك تري في وسائل الاعلام والتلفزات برامج وندوات ونشاطات نسائية مبرمجة، بدأت تطل علي استحياء تنشد دوراً حقيقياً أشمل وأفعل لمرأة تستحق ان تواكب ترائبها في المجتمعات الحديثة.
وقد شدني في هذه البرامج نقاش شيق عرضته محطة عُمان الفضائية عنوانه سنعمل استضاف سيدات خليجيات مسؤولات، استفاض في الحديث عن هموم وحاجات وتطلعات المرأة العُمانية خاصة والخليجية عامة، سابراً أعماق الوهاد التي ما زالت تغفو بها.
البرنامج يحاول تشجيع ودفع الفتيات الخليجيات لخوض غمار التعلم بكافة مشاربه والتأهيل في حقول العمل، الذي تتطلبه الحياة المعاصرة.
وقد دعا من خلال محاوريه أرباب المنازل للسماح للبنات بالتدرب والتأهيل خارج المنزل والمساهمة بنسيج المجتمعات الحديثة. وطالبت السيدة شكور بنت محمد الغماري الاباء والازواج بالتوقف عن التعفف من ارسال النساء الي حقول الانتاج.
واكدت السيدة ميمونة بنت عبد الله السرواري، وهي احدي المشاركات ايضا علي ضرورة انشاء واطلاق برامج تلفزيونية خليجية مشتركة لتوعية السيدات بأهمية العمل والاعتماد علي النفس لرفد حراك المجتمع ونهوضه، وبرامج اخري لتوعية أولياء الامور لحثهم علي اعطاء الفرص والدعم المالي والفني والمعنوي للنساء المترددات.
وتأتي هذه البرامج في الوقت الذي حققت المرأة العربية الخليجية بعض المكاسب السياسية علي مدي الاعوام القليلة الماضية، حيث باتت تشارك في مجالس الشوري والادارات وحتي الوزارات، فهناك نساء يمارسن حقوقهن في الحياة السياسية، كما هو الحال في عُمان او الانتخابات البلدية كما في قطر، تصويتا وترشيحا. وهناك النهوض والانفتاح اللذان تختبرهما الامارات والسعودية، لكن بتؤدة وهدوء واللذان كانا سرابا قبل اعوام فقط.
لكن هذه الحقوق لم يكن طريقها مفروشا بالورود ففي الكويت مثلا حينما صدر مرسوم اميري باعطاء المرأة حقها في الترشيح والتصويت قبل عام اثار موجة عارمة لدي المعارضة في الاوساط الاسلامية مما ادي لاجهاضه.
ومن اللافت مسارعة وسائط الاعلام، وخاصة الفضائية منها لتغطية هذا الحراك النسائي الخليجي ومتابعته، فقد شاهدنا كيف نقلت فضائيات الخليج مؤتمر نساء الاعمال السعوديات في مدينة جدة، والذي لاقي استحسانا، والمؤتمرات شبه الشهرية التي تعج بها دول الخليج العربية وترعاها سيدات المجتمع من اميرات وشيخات فاضلات.
وقد ارتقت مستويات هذه البرامج التلفزية، التي اخذت تنأي عن تقديم المرأة بين افراطين، اي اما هي قطعة هامة من اثاث المنزل او باربي للمتعة والاغواء.
الا ان واقع المرأة الخليجية ما زال يتنازعه تياران، تيار تحرري وآخر متزمت، وتحاول هذه البرامج ايجاد مكان للمرأة بينهما يتصف بالاعتدال والوسطية.
واذا ألقينا بعض تبعات تخلف واقع المرأة الخليجية مقارنة بالرجل علي المجتمع والتقاليد وبعض الآراء الدينية، التي تُستغل لمنع المرأة من الانتخابات والترشيح فان الامر الذي لا يقل أهمية هو عدم نضوج الجمعيات النسائية وغيابها احيانا كثيرة، كما هو حال جمعيات المرأة في البلاد العربية.
فتحسين واقع المرأة وتطويره ما زال يحتاجان قرارا سياسيا، ولم يكونا نتيجة تدرج في مطالب ومثابرة الجمعيات النسائية والاهلية والمجتمع المدني في نيل الحقوق، كما هو واقع الحال في المجتمعات التي تقدمت بهذا المضمار.
وربما نحن بحاجة اولا لنضج الوعي الاجتماعي والسياسي لدي الرجل قبل المرأة، فبهما ينتصر المجتمع علي العادات الباليات والمشكلات التي تواجه مجتمعاتنا الحديثة، فالمرأة العربية اشتركت عبر تاريخها في البيعة السياسية وفي الدفاع وفي المشورة وفي اختيار الخليفة الراشدي.
واي تخطيط واستثمار للمستقبل مرتبط ومرهون كليا بنصف المجتمع المغيب وغير ذلك انحراف عن مسار التنمية الحقيقية والتقدم وتأجيل للمؤجل.
فالمرأة العربية عموما كما يراها الراحل نزار قباني في برنامج قديم اعادت بثه فضائية تونس ليلة الجمعة ما زالت مواطنة من الدرجة الثانية. وقد رحل شاعر الانثي وهو يؤكد انه لا يقيم حدا جغرافيا بين المرأة والرجل، فالمرأة وطن قبل كل شيء.
وحان للمرأة العربية أينما كانت وحيثما وجدت ان تتحرر ثقافيا وسياسيا واجتماعيا، فالوطن الذي يُهمل المرأة وطن مُستعمَر.

Mi Lebanon تيئبريني أبوشي

اتسعت أحداق صبايا تلفزيون الواقع علي وسعها وقد باغتهن مذيع آل. بي. سي الوسيم، الذي اختير لتدريسهن اصول النطق باللغة العربية سائلا اياهن تشكيل وقراءة بيت الشعر الجميل التالي، وتحديد الحروف المرققة والحروف المفخمة:
حاملُ الهوي تعبُ يستخفهُ الطربُ
إن بكي يحقُ له ليس ما به لعبُ
وتفرفطت الصبايا وتاهت ألسنتهن، فبدّلن كلمتي يستخفه الطرب بـ يستحقه التَرب وإن بكي يحقُ له الي يحكُ له. انتفض مدرس الضاد متذمرا، وقال: رجاء رجاء يا صبايا اللغة جمال وأناقة، ولفظـها صحيحا موسيقي.. ألم تسمعن بأن في اللغة أحرفا شمسية واخري قمرية.. فأنا لا اطلب منكنْ إلا اتقان لغة بسيطة وصحيحة. ودار حوار مطول حول اللفظ واللغة وتأثيرها علي المستمعين والمشاهدين.
وصحح لهن نطقهن بأن القول يستقيم بقول: قررت وليس أررت والقصة وليس الايصة ودنيا وليس دنيي ولا تقل وليس لا تكل والقوافي وليس الكوافي والافق وليس الافك .
ثم طالبهن بترديد بيت الشعر التالي بلغة صحيحة ومخارج صوتية سليمة: تعبجينَ من سقمِي صحتي هي العجبُ
فردد معظمهن: تعجبين من صقمي و سِحتي هي العجب، فيما سألت احداهن: شو يعني صقمي؟ فطالبهن أن يشددن حناكهن قليلا. وخرس الكلام حينما نطق كلمة تتبوأ فوقعت علي اسماعهن كالصاعقة، متسائلات شو بتعني .
وفيما هو منفتح كليا علي تفاصيل ومنعرجات اللغة كانت الصبايا سارحات شاردات مع اغاني عالي عالي بابا Uh baby.. baby و let us go party. ولست احسده علي نتائج دروسه هذه بل لوجوده بينهن يئبروني ابوشي .
وهذا البرنامج الذي احتل مكانه بجدارة في السابع من الشهر الحالي علي شاشة ستار اكاديمي والذي تبثه محطة LBC1 الذي ستناط به مهمة انتخاب ملكة جمال لبنان من هؤلاء الصبايا الست عشرة متبارية، اللواتي تتراوح اعمارهن ما بين 18 و24 عاما وقد اصطفين من بين ألف متقدمة.
وخصص للمتباريات الفاتنات الدلوعات شفافات الروح واللباس بناء زهري انثوي منعزل، يمضين فيه فترة اقامتهن التي تستمر ستة عشر اسبوعا متتاليا يمارسن فيها حياتهن اليومية بخفاياها وسجاياها، حيث ترصد حركاتهن وانفاسهن وسكناتهن كاميرات التصوير، مما يسمح لملايين المشاهدين بالتلصص والفرجة لساعات طوال علي مسلسل انثوي خالص، نصه مرتجل ومستقي من التفاصيل الحميمة جدا كما المملة علي مدار الساعة لبنات يعبرن عن مشكلاتهن وآمالهن وامانيهن ودلعهن ايضا.
وتتلقي هؤلاء الحوريات دورات في تابلوهات الرقص والازياء واللغات والسياحة والارشاد والمعلومات العامة.
وفيما تعتبره نسبة واسعة من المشاهدين مسليا ومشوقا، وجذابا، تجده شريحة اخري مضيعة للوقت وسخيفا بل ورتيبا ايضا.. وبينهما مشاهد انبهر للفكرة المستقدمة من اوروبا، في اشتهاء للجديد، والتي مثلت لديه انقلابا ابيض علي تقليدية المحطات العربية ومنهجيتها المملة.
والجانب الخفي في البرنامج هو تلك الصيغة العبقرية في ابتزاز المشاهدين من خلال التصويت لصالح مشتركة دون غيرها علي ارقام ظاهرة بأناقة علي مدار 24 ساعة، فقد حقق وصيفه برنامج ستار أكاديمي العربي ريعا بالملايين لم يصرح عنها بعد، فيما حقق Star Academy الفرنسي 120 مليون يورو. وهكذا فان التحالف بين أصحاب رؤوس الاموال والتلفزيونات بات امرا مسلما به ضمن معادلة السيطرة والربح.
وهي برامج ـ مهما قيل فيها ـ علي كل حال تروي لدي المشاهد عطشا مزمنا للمشاركة في القرار وحق تقرير المصير في مجتمع يمر بمرحلة قاسية جدا تشهد انهيار المشاريع الكبري، مما يدفع المشاهد المقهور للانطواء والانكفاء علي ذاته، هاربا الي الجانب الانساني والفني ليصنع من ممثليه الحقيقيين ابطالا في الحياة العامة بعد ان طال المطال وعز وجود الابطال.

كاتب من أسرة القدس العربي
المصدر القدس العربى
  #100  
قديم 20/05/2004, 01:22 PM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
الانسلاخ من لغة القرآن الكريم
أنور بن محمد الرواس
باحث وأكاديمي ــ جامعة السلطان قابوس

كنت أحسب ان الذين يحملون درجات علمية عليا أحرص على الحفاظ على ثقافتنا وهويتنا من غيرهم في ظل المتغيرات المتسارعة التي تشهدها المنطقة بسبب منظومة العولمة وتداخل الثقافات.
وكنت أحسب ان الذين يعملون في مواقع اقتصادية ومالية لديهم الحرص الكافي على تفعيل لغتنا العربية بين بعضهم البعض، ولكنني اكتشفت ومعي الكثيرون ممن لم تسمع أصواتهم بأن هناك تحركا خفيا يزحف بقوة للقضاء على ما تبقى من لغة القرآن الكريم أبطالها للأسف الشديد هم عرب أبناء حضارة عريقة.
ومما يدعو للاستغراب ان وسيلة التخاطب بين الأعضاء العمانيين في المجلس الأكاديمي بجامعة السلطان قابوس منذ افتتاحها في عام 1986 ولغاية يومنا هذا هي اللغة الانجليزية. ولا يقتصر الأمر على الأكاديميين العمانيين فحسب، فهناك الموظفون العمانيون في المصارف المحلية الذين يدفعون باللغة العربية الى طريق الهاوية والتمسك بما هو أبعد من ذلك من خلال فرض ثقافات جديدة على المجتمع العماني باستخدام لغات جديدة يفضلها هؤلاء كوسيلة تخاطب بين بعضهم البعض وهي اللغة السواحلية، واللغة القادمة من شبه القارة الهندية، عجيب أمر هؤلاء العمانيين الذين يفضلون لغات أخرى على لغتهم وهم الأكثر تقديسا واعتناقا وتمسكا بلغة القرآن الكريم.
إننا مصدومون من فلتان هؤلاء في تغريب الذات والعمل بطريقة منظمة على طمس الهوية الثقافية العربية بحجة ان العالم المتحضر يتجه الى تبني لغة عالمية لا مكان لمن لا يعتنق هذه اللغة ما لم ننسلخ من لغة القرآن، أمّا الأممُ الأخرى فنراها ترتقي سلّمَ التقدّم ومعها لغتها يقيناً منها انّ اللغة هي مفتاح التقدّم وشخصيّة الأمّة، ولا ينجح التقدّم مع الانسلاخ عن اللغة، لأنّ التقدّم لن يتأصّل في حياة الأمّة بلسانٍ غير لسانها مع ضعفها وزهدها بتراثها.وما هو أخطر على اللغة العربية في وقتنا الحاضر هو ان بعض الأكاديميين العمانيين وبعض العاملين في المجال المصرفي من أبناء هذا البلد يتبنون طرح التغريب ويروجون له بطريقة علنية للقضاء على اللغة العربية جملة وتفصيلا. والقارئ الفطن يستطيع ان يرى حقيقة مشهد انسلاخ مجموعة من الرموز العلمية والمالية وهم يحاولون تغيير ملامح ثقافتنا بطريقة مشينة تبعدهم عن جادة الطريق إكراما للغير وتحقيقا لرغبات مروجي العولمة دون الحاجة الى توجيه رسالة مكتوبة للقيام بذلك. وتحضرني في هذا الصدد مقولة للرئيس الفرنسي جاك شيراك بقوله "لن نكون عربا أكثر من العرب أنفسهم" في اشارة الى ان العرب باستطاعتهم فرض ثقافتهم بصورة حضارية مستمدة من روحانية القرآن الكريم.
وعلينا ان ننظر الى هذا الموضوع الخطير بجدية الحريص على مستقبل هويتنا، وان لا يمر مرور الكرام وكأنه نتاج طبيعي تمليه المتغيرات الدولية، فمن يظن نفسه أنه مدرك لمتطلبات العولمة باعتبارها الخلاص من التقوقع والتقليد، فإدراكه في حدود ضيقة وهو في غفلة من أمره وعليه ان يعيد حساباته. فعلى الرغم من ان العولمة تحمل جوانب مضيئة، الا أنها تحمل سموماً كثيرةً أهمها طمس الهوية الثقافية لكافة الشعوب، ولقد وجدت قلة ممن يدعون العلم وأصحاب الثقافة السطحية يقومون بترويج ثقافة العولمة بأسلوب هادئ دون الحاجة الى فرضها بالقوة على حضارة الشعوب. لقد تنبه العقلاء من العرب الأصيلين الى ان الخطر الحقيقي ليس ممن يروج للعولمة من الخارج، ولكن الخطر المحدق منبعه أساسا من بعض العرب الذين يظنون أنفسهم بأنهم وصلوا الى أعلى درجات الفهم والادراك في تغيير منظومة الثقافة التقليدية التي لا تستند الا الى واقع سحيق ساهم في تأخير العرب عن الوصول الى مصاف الدول المتقدمة.
واذا كانت هذه حسابات مروجي العولمة فهي حسابات خاطئة ولا يعتد بها، فالثقافة العربية التي تستمد قوتها وعطاءها من لغة القرآن الكريم، فهي لغة راقية وعظيمة بعظمة القرآن الذي قال عنه رب العزة والجلال (انّا أنزلناه قرآنا عربيّا لعلكم تعقلون)، وفي آية أخرى (قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون)، وفي أخرى (انّا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون)، وقال تعالى عنه في محكم كتابه (انّا نحن نزلنا الذكر وانّا له لحافظون). فاللغة العربية ليست بحاجة الى هؤلاء الذين يروجون لثقافة الغير بقصد أو بغير قصد، ولن تثنينا عزائمنا عن اغلاق المنافذ على هؤلاء، وفتح ملفات مشكلة العمانيين مع اللغة العربية كقضية وطنية حان الوقت لمناقشتها لإنقاذ ما يمكن انقاذه من خلال التجاوزات المستمرة لهؤلاء، حفاظا على ثقافتنا وهويتنا، وان يعاد النظر في السياسات والآليات التي ينتهجها المسؤولون في جامعاتنا ومدارسنا والمؤسسات الرسمية ومؤسسات القطاع الخاص وتحديدا المصارف المحلية دون خوف أو استحياء وان يقف الجميع موقفا موحدا من خطر طمس الهوية، و الا سوف يستشري هذا المرض السرطاني بطريقة سريعة وساعتها نفقد كل شيء، والساكت عن الحق شيطان أخرس.
وما نقصده من طرح أزمة اللغة العربية في مؤسساتنا الرسمية والخاصة للنقاش هو بمثابة جرس انذار هدفه الحفاظ على هويتنا من الانهيار التدريجي في ظل متغيرات العصر الذي تسيطر عليه اللغة الانجليزية وتفشي جنون العظمة بهذه اللغة التي فضلها بعض الناس على لغتهم العربية، بل وامتد الأمر بهم الى ما هو أخطر من ذلك وهو ان تتبنى الأسر العمانية لغة الخواجة في تربية أبنائهم وكأنها المنقذ من ويلات التخلف، مع العلم ان أرباب هذه الأسر تجهل حقيقة ان اللغة العربية هي مفتاح نجاح أبنائهم ووصولهم الى مستويات عالية في العلم والوظيفة. اننا أمام معضلة كبيرة، وعلينا جميعا ان نواجه أخطاءنا بشجاعة الحريص على تماسك اللغة العربية من الفلتان غير المبرر في عصر نحن في أشد الحاجة الى لغة القرآن من أي وقت مضى. اللهم اني بلغت اللهم فأشهد..
 

أدوات الموضوع البحث في الموضوع
البحث في الموضوع:

بحث متقدم
تقييم هذا الموضوع
تقييم هذا الموضوع:

قواعد المشاركة
ليس بإمكانك إضافة مواضيع جديدة
ليس بإمكانك إضافة ردود
ليس بإمكانك رفع مرفقات
ليس بإمكانك تحرير مشاركاتك

رموز لغة HTML لا تعمل

الانتقال إلى


جميع الأوقات بتوقيت مسقط. الساعة الآن 02:39 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions Inc.
سبلة العرب :: السنة 25، اليوم 127
لا تتحمل إدارة سبلة العرب أي مسئولية حول المواضيع المنشورة لأنها تعبر عن رأي كاتبها.