سبلة العرب
سبلة عُمان الصحيفة الإلكترونية الأسئلة الشائعة التقويم البحث مواضيع اليوم جعل المنتديات كمقروءة

العودة   سبلة العرب > سبلة الثقافة والفكر

ملاحظات

 
 
أدوات الموضوع البحث في الموضوع التقييم: تقديرات الموضوع: 3 تصويتات، المعدل 3.67.
  #1  
قديم 08/12/2003, 12:02 PM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Cool اخــترت لـك

سهرة في مقهي بعرة!2003/12/06

خيري منصور


في شارع قاهري عريق، اقترن اسمه بمقاهي الفن ودور السينما والمسارح، قطعت المسافة بين زمنين، كما لو كنت اقطعها بيني وبيني، وكانت الاضاءة الشحيحة قد ضاعفت من احساسي بالوحشة، وانا اقارن بين الفتي الذي كنته والرجل الذي اصبحته، وبين قمر قضمه الليل حتي اوشك ان يتلاشي في ليل مديد وبين عنقود نور سخيّ سطع في الذاكرة علي نحو مباغت.في البداية تفحصت اصداء الغاربين والغاربات في مقهي فينكس، رخام البار المليء بالتجاعيد، والغياب الذي يصفر في زاوية كانت ذات شتاء مقعدا وثيرا ينبض بالحياة والدفء، لم اصدق ان تلك العتبة المرمرية مهرتها اقدام رقصت حتي بللت الليل بالعرق مثلما تطاير زغب الليل عليها، فالاعوام قد تنتهي الي صرير في باب خشبي قديم او الي صمت يشبه العنكبوت في سقف مكان مهجور، وما تغير هنا، ليس المكان وحده فالزمان يعلوه الصدأ احيانا، ويعوق الصدأ حركة عقارب الساعة، سواء كانت تدور علي جدار او حول معصم معروق! دور السينما التي طالما حولت ذلك الشارع الي تظاهرة راقصة، ومساء مضمخ بالياسمين وشذي الليمون، تبدو مقفرة، الا من ظلال تتأرجح عند مداخلها، والشرفات التي كانت تنحني علي الشارع لالتقاط حبة رمان هنا، او عنقود عنب هناك، تداعت ودنت حتي تدلت لكن من فرط شيخوخة الحجر، وتساقط الكلس كما لو انه تقاويم اخري، واوشكت ان اصرخ في وجه صاحبي.. ما الذي فعله بنا الزمن؟ وكيف مرت تلك العقود العجاف ونحن آخر من يعلم، فالناس جميعا مخدوعون وليس الازواج البلهاء فقط، ما دام الزمن يقشرهم كالبصلة، ويعتصرهم لافظا النوي!ہہہمقهي بعرة ، ما تبقي منه اشبه بغصن سنديانة نشفت جذورها، كان منذ خمسين عاما علي الاقل المكان المألوف لارتياد الكومبارس من الرجال والنساء الذين كان خطـــــهم منذ الولادة ان يقيموا علي الهامش، وان يكونوا بدائل الابطال، لا الابطال، احدهم، قضــــــــي نصف قرن في الجلوس علي مقعد في هذا المقهي يلعب الورق، او يدخن الارجيلة بانتظـــــار دور لا يتجاوز الدقيقة او الثـلاث دقائق في مشهد من فلم، مقابل اجر بدأ بخمسة قروش وانتهي باربعين جنيها.هنا في هذا المقهي عاش ومات الدوبليرات الذين ضربوا نيابة عن النجوم، وسقطوا عن السلالم بدلا منهم، ولم يظفر احد من هؤلاء الكومبارس بابتسامة شهية من نجمة شهيرة، لكن بعضهم قال لي ان بعض النجوم الراحلين مثل توفيق الدقن، ورشدي اباظة واحمد مظهر كانوا يعاملونهم بحنان، وبما يشبه الاعتذار! كان احدهم وقد طلب مني ان لا اذكر اسمه رغم اني لو ذكرته لن يعرفه احد سواه، يحمل في جيب سترته رزمة من الصور لمشاهد ظهر فيها، بعضها بالابيض والاسود، وبعضها بالالوان، لكن الصور جميعها تحولت الي رمادية بسبب القدم وكثرة التداول.بين دخان الاراجيل بمختلف روائحها، وبين اصداء اصوات مبحوحة، وصرير مقاعد تبدو كما لو انها بانتظار ادوار تمثلها كالكومبارس، جلست اشرب شايا نعناعه يفرز اسي بنفسجيا، والمساء اشبه بجملة معترضة في كتاب المدينة، وليلها المتعدد الالوان والنكهات والايقاعات.احدهم وهو الطاعن في السن والتمثيل لبضع دقائق في كل فيلم، قال لي انه فريق من الرجال في جلباب واحد، فهو بواب وعمدة وضابط بوليس ولص محترف، وعليه ان يكون جاهزا لاداء الدور الصغير المطلوب منه خلال دقائق، لكنه اضاف بحزن لم يستطع اخفاءه ان مشهدا يستغرق تمثيله دقيقة واحدة قد يتطلب منه ان يقضي النهار كله بانتظاره. لانه لا يعرف بالضبط متي ينادون عليه! والكومبارس درجات ايضا فثمة الكومبارس الفرد الذي يلعب دورا محددا ويكون له اسم حتي لو نودي به لمرة واحدة، وهو محظوظ قياسا الي كومبارس ما يسمي المجاميع ، فالمجاميع ارخص اجرا كما انهم بلا اسماء، وهم مجرد حضور بشري في زحام، او علي رصيف.لكن البديل او الدوبلير هو علي الاغلب التوأم السلبي وسيئ الحظ للبطل الذي يشبهه، وكم وددت لو ان دوبلير توفيق الدقن الذي تحدث عنه احد اصدقائه طويلا كان حيا، لانني تخيلت وجهه مليئا بالكدمات لكثرة ما تلقي من ضربات في معارك كنا ونحن صغار تدمي أكفنا من التصفيق لمن ينتصر فيها!ہہہبعد ساعتين في ذلك المقهي الذي اقترن اسمه منذ عقود بالكومبارس في السينما والتلفزيون والمسرح، وجدت نفسي اذهب الي ما هو ابعد من مقهي (بعرة)، فالحياة العربية تعج الان بالكومبارس من مختلف المهن، ثمة كومبارس في السياسة، يلعب دور الشبيه او الدوبلير ، كما ان الثقافة والصحافة لها كومبارسها ايضا، وثمة ما يغري بالمقاربة بين هذه الانماط المتعددة للكومبارس، فأكثرهم براءة هو كومبارس السينما، لانه متورط بمهنة قلما يستطيع الافلات منها، وكما قال لي احدهم، فان من تقاليد السينما القاسية، ان الكومبارس لا يمكن له ان يصبح بطلا.لكن كومبارس السياسة، تحول في عالمنا العربي الي بطل، وكان عليه ان ينتظر موت البطل الحقيقي، ليتقمصه تماما، ويسطو علي مذكراته، ويتحول الي ذلك الكاذب المحترف الذي مات جيله، ولم يعد هناك من الشهود من يضبطه متلبسا بالسطو او التقمص! كومبارس السياسة، بدأ حياته كالدوبلير في السينما، يضرب بدلا من البطل ويفتديه بجسده اذا تعرض للسقوط لكنه ما ان وجد اللحظة المناسبة حتي غافل المخرج، وقفز الي مقدمة المشهد واغتصب البطلة، واذا كان للسينما تقاليد تحول دون مثل هذا التداخل في الادوار، فان السياسة لا تقاليد لها ولا اعراف، لانها مصارعة حرة او لعبة بلا شبكة او قوانين، فمن يصحو قبل الاخرين قد يغتصب السلطة ومن يتحمل قيظ تموز (يوليو) العربي في ظهيراته اللاهبة اكثر من سواه قد يجد نفسه في قصر الرئاسة!ہہہاما كومبارس الثقافة والصحافة، فهو من طراز فريد، وان كان له مقهاه ايضا، وطقوسه الخاصة في التعبير عن نفسه ومزاجه المضطرب.كومبارس الثقــافة، تخصص في حفــظ عناوين الكتب، وبصـــــم كلمات الناشرين علي اغلفـتها، وهو ايضا ضلــــيع بعلم النمـــــيمة يعرف من احب من؟ ومن طلق من؟ ومن شرب القهوة مع من.شغوف بالتفاصيل والقــــــرائن المصاحبة لمهنة الكـــــتابة، اما الكتـابة ذاتها فهي خارج المدار.ودوبلير المثقف، او الشبيه الذي يقتفي خطاه، يقلده في كل مظاهره الجسدية، بدءا من اطالة الشعر واللحية حتي شكل النظارة الطبية، واحيانا يدرب لسانه علي صوت ليس هو صوته، والفارق بين دوبلير السينما ودوبلير الثقافة ان الاول لا يغتصب دور البطل بعد رحيله، لكن الثاني يفعل ذلك بشجاعة نادرة، فالدوبلير الذي كان يشبه توفيق الدقن او رشدي اباظة لم يصبح احدا منهما بعد موتهما، لكن دوبلير الشاعر يطمح الي الحلول مكانه، ويسعي جاهدا الي اعادة قتله ودفنه، كي تصبح الجريمة كاملة وبلا أية قرائن تذكر بالقتيل.ہہہزبائن مقهي الكومبارس يتحدثون باكبار عن النجوم الذين عاشوا معهم، وعلي هامشهم، لكن زبائن مقاهي الكومبارس الثقافي يتحدثون بانتقام وثأرية عن الابطال الذين عاشوا علي فضلاتهم الثقافية، فما من قول سمعوه الا وادعوه لانفسهم، ولو اتيح لهم السطو علي نصوص يتيمة، ومجهولة الآباء لنسبوها الي انفسهم علي الفور!ان الكومبارس علي اختلاف حقله وموقعه هو بمثابة نائب الفاعل بالنسبة للبطل الذي هو الفاعل، وما هو مبني للمجهول في حالة الكومبارس يصبح مبنيا للمعلوم في حالة البطل، لكن القاعدة السينمائية تنقلب رأسا علي عقب عندما تهاجر من السينما الي السياسة والثقافة والصحافة، فالبطل في هذه الحقول ذات الصلة بالمعرفة والوعي الكاشف قد ينسحب مخليا الحلبة للبدائل، خصوصا عندما يتجاوزون الحدود كلها وتنتفي لديهم الروادع!ہہہقال لي عمدة الكومبارس في مقهاهم العريق، انه يستطيع الادعاء بانه مثل مئتـين واربعين فلما، وهو عدد الافلام التي لعب فيها دور الكومبارس، لكن اعترافه بالحقيقة يمنعه من هذا الادعاء، لانه يعلم ان ما قام به من ادوار في تلك الافلام لا يصل الي المدة الزمنية التي استغرقها فلم واحد!كومبارس السينما والتلفزيون، سواء كان فردا ذا اسم ولقب او من المجاميع، لديه من الكوابح الاخلاقية والتقاليد ما يدفعه الي اقامة الفواصل بين الادوار، وهو حين يتحدث عن الابطال الذين ناب عنهم في الضرب والمواقف الصعبة التي لا تليق بنجوميتهم، لا يفرز لعابا ساما، ولا يثأر من بطولة حرم منها بواسطة النميمة، وكان آخر ما قاله لي عمدة الكومبارس الذي اقترب عمره من الثمانين حكاية مفعمة بالاسي عن زميل قديم له، انتحر لان شقيقه الثري رفض ان يقرضه خمسين جنيها، يستكمل بها زفاف ابنته الوحيدة.ہہہان سهرة في مقهي الكومبارس، تفتح الليل حتي اقاصيه علي تأملات وتأويلات لا آخر لها، فنحن جميعا كومبارس بشكل او بآخر، لان البطل الحقيقي الوحيد.. هو الزمن!0
ارسل هذا الخبر الى صديق بالبريد الالكترونينسخة للطباعة
  مادة إعلانية
  #2  
قديم 08/12/2003, 12:06 PM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Smile الزجل منتشر في كل الوطن العربي وكل الأغاني التي تكتب بالعامية

الزجل منتشر في كل الوطن العربي وكل الأغاني التي تكتب بالعامية زجل2003/12/08
فؤاد حيدر صديق الموسيقي والشعر:دمشق ـ القدس العربي ـ من أنور بدر:




في محل متواضع اسمه الموسيقي صديقتي من منطقة (الدويلعة) الشعبية، يجلس رجل ستيني السنوات، لكنه يتمتع بحيوية الشباب وإقبال العشاق علي الحياة، يجلس بين آلاته الموسيقية، ويكتب الشعر المحكي أو الزجل .إنه الشاعر فؤاد حيدر رئيس جمعية شعراء الزجل في سورية، وقد كان لـ القدس العربي معه هذا الحوار: أنت شاعر ولكنك صديق الموسيقي؟ وهل ينفصل الشعر عن الموسيقي؟ أنا ممن يحبون الموسيقي كثيراً وحاولت أن أتعلم علي العود منذ كان عمري 12 سنة، وكان أسعد يوم في حياتي حتي الآن يوم اشتريت عوداً، وصدق أني نمت وإياه تلك الليلة في فراش واحد. محبتي للموسيقي دفعتني للبحث عن كيفية صنع الآلات الموسيقية، وأخذت أصنع العود، الغيتار، القانون، الكمنجا، أنا الآن أصنع كل الآلات الموسيقية، ولي محاولات في تطوير بعضها، فكما تلاحظ هنا أكثر من نموذج للعود بعضها يمكن أن يكون أريح للعزف مع أنه يحافظ علي عدد الأوتار نفسه. كما ابتكرت آلة كهربائية موسيقية، وأنا منذ أكثر من سنة أتابع معاملة الحصول علي براءة اختراع دون جدوي. لكن هذا غير مهم، فأنا اعتبر نفسي هاوياً ولست محترفاً، ما زلت أعشق الحياة، ولا زلت أبحث عن قصيدة جميلة لأكتبها. أستاذ فؤاد ما دمت نقلتنا إلي القصيدة، فما هو تعريفك للزجل؟ كثر من الأدباء والمستشرقين عّرفوا الزجل علي الشكل التالي كل شعر كتب في اللهجة العامية أو اللغة المحكية ـ إذا جاز التعبيرـ هو زجل . هناك من يفكر أن الزجل (صف حكي) بلا وزن أو بحر، إلا أن الزجل موزون شأنه شأن الشعر العربي القديم، وله (45) بحرا. البعض يعتبر أن الزجل أدب أو شعر، والبعض يعتبر أنه أحد فنون القول الغنائية من خلال جوقة تؤدي علي المنصة، والبعض يعتبر أنه منزلة بين المنزلتين، بين الأدب والفن، أو بين الشعر والغناء. أين تجد الزجل؟ أنا برأيي أن الزجل شعر محض، وله كل مقومات الشعر العربي الفصيح، فالقصيدة الزجلية هي قصيدة ذات بحر وموضوع. الصورة والمضمون والفكرة تعود لكل شاعر سواء كان يكتب الفصحي أم العامية. أي هي رهن بالشاعر نفسه الذي يترجم الأحاسيس والمشاعر والطبيعة بكلمات عامية أو فصيحة. ولكون الزجل يكتب باللهجة المحكية سمي بالشعر الشعبي أو الشعر المحكي، وشاعر الزجل سمي الشاعر الشعبي. ونحن في الوطن العربي نتكلم جميعاً باللهجات المحكية، لذلك دعنا نتساءل ما المانع أن يكون لهذه اللهجات المحكية شعرها؟ وهناك من يعتبر أن اللهجة المحكية سابقة علي اللهجة الفصيحة، وأن الشعر العامي سابق علي الشعر الفصيح. وكونه يُؤدي غنائياً لا يلغي صفته الشعرية، فكل الشعر المغني فصيحاً كان أو عامياً هو شعر من حيث المبدأ. وأنا بالمناسبة مع الفصحي كلغة قومية، ولا أحب تكريس العامية، وحتي عندما أكتب زجلاً أسعي إلي استخدام لهجة وسيطة ليست عامية محضة وليست قاموسية مقعرة. وهي اللغة المفهومة من قبل الجميع. كل منطقة عربية لها شعرها الشعبي الذي يوازي الزجل عندنا، دعنا نتكلم عن بدايات نشوء هذا اللون الشعري وعن مساحة انتشاره؟ أكثرية الدارسين يعيدون الشعر المحكي أو الزجل إلي عصر الأندلس، وهناك وزير في العصر الأندلسي يُعرف بـ ابن قزمان ولقبه أبو الزجالين، وهو شاعر مهم. وهناك من يعتقد أنه قبل العصر الأندلسي، أو كما أشرت في البداية أنه قبل الفصحي، لكن الأغلب أن الحضارة الأندلسية سمحت بظهور ألوان من الشعر كالموشحات والزجل وساهمت في انتشارها. والزجل منتشر في كل الوطن العربي، وكل الأغاني التي تكتب بالعامية تنطوي تحت لواء الزجل، ففي الخليج شعر شعبي جميل جداً، وحتي الشاعر مظفر النواب الذي كتب بالعامية والفصحي، نجد أن شعره العامي أجمل،. وفي مصر كان يُسمي أحمد رامي بالشاعر الزجّال وكتب أجمل أغاني أم كلثوم شعراً عامياً أو زجلاً. أقصد في منطقة بلاد الشام، لماذا ينتشر الزجل في لبنان بشكل متميز، ويحظي بشعبية أكثر من سوريا، وله فرق وجوقات تسعي لترسيخه ونشره أكثر مما عندنا؟ قبل أن نصوغ السؤال بين لبنان وسورية، دعنا نسأل لماذا ينتشر الزجل في الريف أكثر منه في المدينة؟ وأحياناً في نفس المدينة نجد حياً يؤثر لوناً من الفن كالموال الإبراهيمي أكثر من باقي الأحياء. أما في لبنان فانتشار الجوقات كان سابقاً علينا، فهم أول من ألف جوقة زجلية وصعد إلي المسرح وغني الزجل، واسمعوه إلي عموم الناس كحواريات منذ سبعين سنة تقريباً. نحن في سورية جئنا متأخرين قليلاً، أذكر أنني أول من أسس جوقة في سورية سنة 1964، وتبعها جوقات، والآن لدينا جمعية اسمها جمعية شعراء الزجل . أتمني أن تعطينا فكرة عن الجمعية؟ أنا أبن قرية حينة علي الحدود السورية اللبنانية، وفي قريتنا يشتهر الزجل، وتحيي الحفلات والأفراح والمناسبات من خلال حفلات الزجل، وكنت أشارك فيها وأنا صغير. وهناك قري حدودية كثيرة لا تعرف هذا الفن. وحين جئت إلي دمشق والتحقت بالمدرسة الابتدائية فيها حاولت كتابة الشعر الفصيح، لكنني تركت المدرسة في الرابع الابتدائي وعدت لكتابة الزجل. وشاءت الظروف أن أذهب إلي لبنان لمدة أربع سنوات وهناك تعشقت هذا الفن أكثر من ذي قبل، وأصبحت أتابع الحفلات وجوقات الزجل. خاصة وأنه لم يكن لدينا في سورية مثل هذه الجوقات. عندما عدت إلي دمشق درست بشكل حر ونلت الشهادات الابتدائية والإعدادية والثانوية، والتحقت بالجامعة في لبنان ـ أدب عربي ـ ولكن الظروف لم تساعدني علي الاستمرار في الدراسة الجامعية، فتابعت القراءة والمطالعة وكتابة الشعر العامي أو ما يُسمي الزجل. في إحدي المرات حضرت فرقة من لبنان، وأحيت حفلة في دمشق، وقمت بدعوتهم والتعرف إليهم، وألقيت في هذه المناسبة قصيدة كما ألقي آخرون قصائد زجلية جميلة، فكان السؤال لماذا لا نؤسس جوقة في سورية. وكان ذلك عام 1964، حيث ألفت جوقة من أربعة أشخاص باسم جوقة الشلال واستأجرت سينما الحمراء وطبعت إعلانات، وأحيينا حفلة ناجحة جداً. وعلي الإثر ألف عبد الله خبازي من صحنا يا جوقة ثانية، ثم خُصص لنا برنامج أسبوعي في الإذاعة بدءاً من 1967 وحتي 1974، ثم انتقلنا إلي التلفزيون. الأمر الذي ساهم في اعتبار الزجل في سورية أدباً وفناً معترفاً به. كما تري عدنا للمنزلة بين منزلتين؟ بالضبط هذا ما حصل معنا. حتي قررنا إنشاء جمعية خاصة بنا نحن شعراء الزجل، واستغرق مشوار الجمعية منذ عام 1964 حتي 1971 حتي أخذنا الترخيص بإنشاء هذه الجمعية جمعية شعراء الزجل حيث كنا محكومين بشرط وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، وهو ضرورة توفر (25) عضواً كحد أدني لإنشاء الجمعية. وبالطبع كان هذا شرطاً صعباً جداً بالنسبة لشعراء الزجل فنحن بصعوبة شكلنا جوقتين كل منهما تتألف من أربع شعراء. لكن تشكلت الجمعية في النهاية، وعدد أعضائها الآن يبلغ ثمانين عضواً عاملاً، إضافة لبعض أعضاء الشرف والأعضاء المؤازرين. وشكلنا لجنة قبول في الجمعية ـ لجنة اختبار ـ وكنا ندقق في السوية الإبداعية للشاعر، كما ندقق في السوية الأخلاقية والاجتماعية والسلوك والقدرة الارتجالية أو حتي التحضير، ونحن نفتخر بأن أعضاء الجمعية يشكلون كادراً من الفنانين والأكاديميين المهمين. وانتخبت منذ البداية رئيساً لهذه الجمعية ولم أزل. هل طبعت شيئاً من الشعر العامي؟ طبعت عام 1971 ديواني الأول شموع ، وأنا الآن بصدد التحضير لطبع ديواني الثاني. لدي أشعار تكفي لطباعة عشرة دواوين، لكني لست مع السرعة في هذا الموضوع. بالمناسبة يوجد في لبنان مطبوعات كثيرة تهتم بالأدب الشعبي، وهناك مجلة باسم الأدب الشعبي عمرها ستون سنة، ولا تزال تهتم بكل نشاطات وتحركات وإبداعات شعراء الزجل، وكنا نراسلها من سورية، كذلك في مصر وفي الخليج مطبوعات تعني بالأدب الشعبي. أما عندنا فالاهتمام بالأدب الشعبي في صحافتنا الرسمية قليل، ونحن وفق النظام الداخلي مسموح لنا إصدار مطبوعة أو مجلة، ومع ذلك لم نستطع الحصول علي موافقة. وهذه مسألة تتعلق بالأيديولوجيا القومية، فسورية بلد تحمل كل هموم العروبة علي ظهرها، وحتي الآن بعد أن تحلحل هذا الموضوع قليلاً، حاولنا من جديد ففوجئنا أنه يمكن لنا إصدار مجلة دورية، لكن لا بد أولاً من إيداع مبلغ مليوني ليرة سورية كرصيد في البنك، وميزانية الجمعية في أفضل حالاتها لم تتجاوز المئة ألف ليرة سورية، يذهب ما يقارب نصفها ايجارا لمقر الجمعية. حتي نشرة غير دورية لم نتمكن من إصدارها لأسباب مالية بحتة، وأضيف أننا كجمعية حاولنا الانتقال من تبعية وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل إلي وزارة الثقافة، ولكن فشلنا في ذلك لأن قانون الجمعيات جامدُ بهذا الخصوص. بعض فنون الأدب والثقافة تنحسر في مرحلة معينة، كما حصل مع المقامات مثلاً. وبعضها يزدهر لأسباب لسنا في صددها الآن. برأيك هل يسير الزجل في طريق الانحسار أم أنه ممكن أن يشهد ازدهارا أكبر؟ بالتأكيد الزجل والشعر الشعبي في عصر الفضائيات وصناعة الأغاني المنتشرة، وهي أغاني في أغلب الأحيان لشعر شعبي، أقول كل ذلك سيشجع الشعر الشعبي والزجل علي الانتشار والازدهار، ورحلتنا في سورية مؤشر علي ما أقول. وأضيف أن فن الزجل هو لغة المجتمع أو لغة الناس، يفهمها المثقف والأمي. وهي أقرب علي الأذن، وستبقي اللغة المحكية رديفاً للغة الفصحي في كل مجتمعاتنا العربية، ولا يمكن لواحدة أن تذوب في الأخري. 0
  #3  
قديم 09/12/2003, 07:36 AM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
يحرمون على غيرهم

بقلم احمد اميرى


قرأ الخبر بصوت عالٍ وهو يضحك: "لقي ثلاثة أشخاص على الأقل


مصرعهم وأصيب عشرات آخرون من بينهم سبعة في حالة خطيرة من جراء الانفجار المروع الذي وقع داخل دور سينما تعرض أفلام إباحية في مدينة الموصل". ثم أردف وهو يمسح بقايا الضحك العالق على وجهه: "يستاهلون هاذيل الهروم" أي يستحقون هؤلاء الأوغاد.







































تناولتُ الصحيفة وقرأتُ الخبر بنفسي لكنني لم أضحك. فالأمر يدعو للرثاء وليس للضحك: ثلاثة أشخاص يموتون والعشرات يصابون سبعة منهم في حالة خطيرة لأنهم كانوا يتابعون فيلماً إباحياً. إذاً كيف وبماذا يُعاقب ممثل الفيلم وبطلته؟ وإذا كان هؤلاء "الهروم" يستحقون القتل فنحن نستحق الجرح والتعذيب، لأننا جميعاً نتابع الأفلام الأجنبية والعربية التي يمكن وصفها بأنها نصف إباحية، فالذي يتابع فيلماً إباحياً جزاؤه القتل في شريعة هؤلاء، والذي يتابع فيلماً نصف إباحي يستحق الجرح والتعذيب إذاً. هكذا يأمر العدل والإنصاف.

يوماً بعد يوم يزيد عدد أفراد هذه الطائفة من الناس التي تحلل لنفسها كل شيء وتحرمه على غيرها. فبالأمس القريب كان بعض الناس يهللون لممارسات حركة طالبان في أفغانستان: من إغلاق مدارس البنات, ومنع النساء من العمل, ورفض تلقيهن العلاج على أيدي الأطباء, وفرض الإقامة الجبرية عليهن, ومعاقبة من تخرج من بيتها دون محرم, وتأديبها إن هي لم تلبس الخمار, وتحطيم أجهزة التلفاز والهوائيات, وإجبار الرجال على إطلاق اللحى ولبس العمائم وأداء الصلاة جماعةً في المساجد, وإلزام غير المسلمين على ارتداء لباس يميزهم عن المسلمين, وإفساح المجال لآلاف الغرباء لاتخاذ البلاد التي تعاني الجوع والجفاف والحرمان والقتل والدمار مسرحاً لتطبيق أفكارهم ورؤاهم الخاصة بهم, والتصرف كيفما شاؤوا لتحقيق مصالحهم بمعزل عن مصالح البلاد ومستقبل أبنائها.

وممارسات طالبان ليست الوحيدة التي كانت ولا تزال تحظى بإعجاب الناس التي تؤيد أي شيء ما دام بعيداً عنها, وبالتالي لا يصلها الشرر المتطاير من تلك الممارسات ناهيكم عن الاكتواء بنارها. فذات التهليل نسمعه بشأن قرار إحدى الدول العربية بمنع النساء من قيادة السيارات, أو حالة مواطني إحدى الدول الإسلامية التي تفرض عليهم حكومتهم الحياة مع الأموات والسير في مراسم العزاء وتتبع قوافل الشهداء وتقبل السواد الذي يغطي مدنها كأنها في مأتم كبير، بالإضافة إلى بث الأدعية والأناشيد والمحاضرات أربعاً وعشرين ساعة ومنذ ما يقارب 24 عاماً في القنوات التلفزيونية والمحطات الإذاعية. أي أن الشعب يعيش تحت ظلال الرايات السود ومظاهر الحزن والبكاء ولا شيء يبعث السرور في النفس أو يفرج الهم عن القلب.

ولست هنا بمعرض نقد تلك الممارسات أو القرارات أو السياسات، فلكلٍّ حجته وطريقته في التعامل مع أبناء شعبه، ولست كذلك أنتقد من يحيي تلك الممارسات أو يجدها إيجابية إن كان هو راضياً بها تمام الرضى ولا يرى بأساً في أن تفرض عليه ولا يجد في نفسه حرجاً من تطبيقها على نفسه وأهل بيته، لكن الذين لا يرضون مطلقاً في أن تُفرض عليهم وعلى أهليهم وفي الوقت نفسه لا يرفّ لهم جفنٌ حين تُفرض على غيرهم، بل ويرفعون عقيرتهم تأييداً لها، مثل هؤلاء يستحقون اللوم والعتاب، لأنهم يكيلون بميزانين ويحللون لأنفسهم ما يحرمونه على غيرهم.

إنني أتخيل واحداً منهم يناضل من أجل إدخال ابنته إلى المدرسة قبل أن تصل إلى السن القانونية، ثم تتدغدغ مشاعره كلما كبرت البنت وقطعت مرحلة دراسية جديدة، حتى تدخل الجامعة وتتخرج وتعمل، أتخيل مثل هذا الشخص حين تدخل ابنته ذات الثانية عشرة ربيعاً البيت وهي تبكي لأن رجالاً قساةً غلاظاً يرتدون ملابس القرون الوسطى نهروها في الطريق العام و"هزقوها" وضربوها قليلاً بحجة عدم ارتدائها الخمار… بالطبع فإنه سيثور ويرفض ويجأر بالشكوى، لأن البنت لا تزال صغيرة على مثل هذه الأمور، لكن ما دامت البنت الأفغانية ليست أخته ولا ابنته ولا أمه فلا يهمه. وفي اليوم التالي يُلبسها الخمار ويخمّرها تحت أطنانٍ من الملابس والأقمشة والأسلاك الشائكة والشبابيك المعدنية, لكنهم أيضاً يطاردونها في الشارع ويضربونها لأن مدارس البنات تم إغلاقها، فأين هي ذاهبة؟

وهؤلاء تجدهم متحضرين يفتشون عن فتيات يعملن ويقبضن راتباً حتى يتزوجوهن ويبنون معهن حياة مرفهة، وتجد أن فكرة منع زوجاتهم من العمل أو قيادة السيارة أو الخروج من دون محرم لا تخطر على بالهم البتة، لكنهم فجأة يتحجّرون فكراً وشعوراً إذا كانت المرأة أفغانية أو غريبة عنهم.

وتجدهم يكافحون من أجل إرسال أمهاتهم إلى الخارج لتلقي العلاج، بل ويرافقونهم في الرحلة، والعلاج بالطبع ليس في قندهار حيث الأجواء أكثر حشمة ووقاراً، بل في لندن أو بومباي أو ألمانيا أو أميركا، وليس شرطاً أن يتم على يد الطبيبات، فغالبية الأطباء من الرجال الأشاوس الذين يقف الطير على شواربهم، لكن هؤلاء الذين يشفقون على أمهاتهم لم يكونوا يشفقون بالأمس على الأفغانيات اللاتي كنّ يُمنعن من تلقي العلاج على أيدي الأطباء، فإذا عرفت أن النساء كنّ يمنعنَ من العمل أصلاً، ويشمل القرار النساء الطبيبات، فهذا يعني أنهن لم يكنّ يتلقينَ العلاج على أيدي جن أو بشر، وبالنتيجة فإن وفاتهن من أتفه الأمراض كانت أمراً طبيعياً.

وهؤلاء أنفسهم لا يطيقون صبراً عن لندن وباريس ولاس فيجاس. وهذه المدن غالبية سكانها من غير المسلمين، ولا أدري إن كانوا يتقبلون أن تفرض عليهم السلطات في تلك المدن ارتداء لباس يميزهم عن غيرهم لأنهم مسلمين، يمشون في الشارع والناس تشير عليهم وإليهم وتصرخ في وجوههم: "حوووه، يا مسملين، بووو". إن كانوا يتقبلون هذا الوضع فلا ألومهم عندما كانوا يتضاحكون على قرار طالبان مع غير المسلمين ويرونه قراراً عظيماً.

وهم أنفسهم الذين يملكون بدل الهوائي هوائيات، فواحدة لعربسات وأخرى لنايل سات وثالثة لهوت بيرد ورابعة للقمر الروسي، ناهيكم عن القنوات المشفرة, بالإضافة إلى الذهاب إلى السينما لمشاهدة آخر الأفلام الأجنبية، بل واصطحاب زوجاتهم معهم، وطبيعي في حالة هذا النوع من الرجال أن لا يرضى أو حتى يتخيل أن يكون جالساً في بيته يتابع قناة طاهرة مطهرة كالجزيرة مثلاً، وفجأةً ينقطع البث ويسمع ضوضاء في البيت، فيخرج فيجد ثلة من الشباب الملتحي الذي لا عمل له ينزع الهوائي من سطح المنزل ويحطمه ويلطمه على وجهه ويخرج ضاحكاً.

وإذا أبديت استياءك من وضع تلك الدولة التي تأسست وبقيت حيةً بالأموات ومظاهر الحزن الذي لا ينتهي، للاموك ورموك بأقبح الأوصاف، لكن الموسيقى تصدح من سياراتهم ليل نهار، والطرب يكاد يخلق لهم أجنحة يطيرون بها نشوة وحبوراً، والضحك يملأ أشداقهم وأعينهم لا تفيض دمعاً لحزنٍ أو همّ، بل هي دموع الفرح المتواصل بالحياة وما فيها من مباهج ومسرّات، فما هذا التناقض والموازين غير المستقيمة؟

ليت هؤلاء غير المنصفين لا يحركون ساكناً ويصمتون متجنبين الحديث عن تلك الممارسات، فهذا فن اعتزالي لن يلومهم فيه أحد، لكن دعم تلك الممارسات والاستبشار بها والتهليل من أجلها رغم أنهم هم أنفسهم لو وقعت تلك الممارسات عليهم وعلى أهليهم وطريقة حياتهم لرأيت ظهورهم مجلودةً ورؤوسهم مقطوعةً وأجسادهم معلقةً على الأشجار، فكفى كيلاً بميزانين وتحليلاً لأنفسنا ما نحرمه على غيرنا.

وقفز خبر مقتل العراقيين في السينما إلى مخيلتي مرة أخرى، ومعه قفز ممثل الفيلم الإباحي، ومن خلفه كان قارئ الخبر يرقص عارياً وهو يشجع باقي العراة لكنه كان ينظر شزراً إلى متابعي الفيلم ويشتمهم قائلاً: "يا هروم يا أوغاد".
s\_الأزمنة العربية أون لاين-
  #4  
قديم 09/12/2003, 06:14 PM
صورة عضوية جزيل
جزيل جزيل غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ الانضمام: 25/12/2002
المشاركات: 350
اخـــــــــــــترة لــــــــــــــك = اخـــــــــــــترت لــــــــــــــك

  #5  
قديم 10/12/2003, 08:44 AM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Cool محنة المسلمين بين سنن الله الجارية وسنن الله الخارقة

محنة المسلمين بين سنن الله الجارية وسنن الله الخارقة

معتز بالله عبد الفتاح *

المشهد الأول:مئات الآلاف من المسلمين يصلون في الحرم الشريف يدعون الله أن يولي أمورهم خيارهم.
المشهد الثاني: مئات الآلاف من الجورجيين (من مواطني جورجيا) يخرجون في مظاهرات يطالبون رئيسهم بالاستقالة.
عمَّ يبحث اللاهثون بالدعاء في المشهد الأول؟ وفي ماذا يأمل الخارجون إلى الشوارع في المشهد الثاني؟ الفريق الأول يبحث في سنن الله الخارقة كأن يدمر أعداء المسلمين وأن ينصر المؤمنين وأن يحل لهم مشاكل الدنيا والدين. أما الفريق الثاني من الجورجيين فلم يذهبوا إلى الكنائس في سباق محموم من أجل أن يتقبل عنهم ربهم دعاءهم ويزيل عنهم رئيسهم، بل قرروا أن يحلوا مشاكلهم بأيديهم.
هذه المفارقة أشار إليها باقتدار الدكتور سيف الدين عبد الفتاح، استاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، في مداخلة ذكية على شاشة احدى الفضائيات في الليلة قبل الأخيرة من رمضان حينما كان الفريقان في الوقت نفسه يبذلان السعي لنيل مآربهما. ان المسلمين في مأزق، إنهم يريدون الجهاد من دون أن يعدوا له ما استطاعوا، ويريدون تصحيح صورتهم عند غير المسلمين من دون ان يجتهدوا بالقدر الكافي لتصحيح واقعهم، ويريدون أن يولي أمورهم خيارهم من دون أن يتحملوا أكثر من مشقة الدعاء، انهم «أرادوا الخروج» من دون أن «يعدوا له عدته» فألقوا بأنفسهم في مفارقة الأمل في سنن الله الخارقة من دون العمل من اجل سنن الله الجارية. ان الرسول الكريم أعد عدة الهجرة من طعام وشراب ودابة ورفيق ودليل (وإن كان كافرا) أخذا بسنن الله الجارية، ثم جاء احتياجه لسنن الله الخارقة حين قال صاحبه: «لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا»، فتدخل الله بسننه الخارقة بأن أوحى لعبده ألا يحزن فإن الله معه. وكأنه يكرر مقولة موسى عليه السلام يوم أخذ بسنن الله الجارية بأن أسري بعباد الله ليلا لأنهم متبعون، وحين احتاج المؤمنون مع موسى لسنن الله الخارقة كان الله عونا لهم فقال موسى «إن معي ربي سيهدين».
لقد سئل يوما الدكتور زكي نجيب محمود عن محنة المسلمين فكان رده أنهم قد فقدوا الحس الإسلامي، فأقاموا الشعائر والعبادات وضيعوا القيم والمنهج.
ان عظمة الحضارة الإسلامية لم تأت من قدرتها على خرق العادات والارتفاع فوق قوانين الطبيعة وتحدي سنن الله في خلقه، بل باكتشافها والتفاعل معها. فقدروا العقل ورفعوا منزلته، وطوروا مناهج وأدوات بحث جديدة اختلفت جوهرياً عما خلفه اليونان القدماء. لقد اخترعوا علوما كالجبر مثلا، وصححوا مسارات اخرى كالكيمياء والفيزياء والطب، لقد جمعوا سيادة الكون وعبادة الله في معادلة تؤمن بسنن الله الكونية وتستلهم العمل من دون البحث عن خرق القوانين. قال احدهم: للجهاد معجزاته والموت في سبيل الله أسمى أمانينا حتى من دون أن نكون أقوى من عدونا، فلا ينبغي أن نؤجل الجهاد في فلسطين والشيشان وأفغانستان والعراق، قلت: ولكنك تخليت عن سنة الله في خلقه، فالموت وحده ما كان أسمى أماني المؤمنين الأوائل، فلو صح هذا لما عاد خالد بن الوليد بالجيش من مؤتة بعد أن تبين له استحالة النصر وهلكة الجيش، وقد أقره الرسول صلى الله عليه وسلم على هذا من باب «ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة» (البقرة 195). ان نصرة دين الله هي أسمى أمانينا، أما الشهادة، بنصر أو من دون نصر، فهي نتيجة سعينا للنصر وليست هدفا في ذاتها. فلقد أجل الرسول بعض المعارك (كغزوة ذات الرقاع مثلا)، إلى ما بعد صلح الحديبية حتى يأخذ بسنن الله الجارية في الإعداد والتخطيط والنصر. لقد استعان الرسول بسنن الله في خلقه بأن جعل الحكمة والعلم ضالة للمؤمن، وقد وجدهما المسلمون عند الفرس في فكرة حفر الخندق، وعند الرومان حينما استعان المسلمون بالمنجنيق لفتح الطائف، وعند المنافق (صفوان بن أمية) لحرب هوازن.
ان المسلمين قد ابتلوا بمرض تسجيل المواقف (بالدعاء مثلا) أكثر من السعي العملي لحل المشكلات (بالتفكير العلمي من أجل التخطيط لمستقبلهم). سمعت أحد الدعاة في شريط إسلامي يقول: «إن الله لن ينصر المسلمين على اليهود حتى يكون عدد المسلمين في صلاة الفجر كعددهم في صلاة الجمعة»، ان صلاة الفجر واجبة، وهي في المسجد أفضل درجات عند الله، هذا مما لا شك فيه، لكن ما علاقة صلاة الفجر في حد ذاتها بالنصر على اليهود؟، ربما كان يقصد أن يقول إن الله سينصر المسلمين إذا أبكروا بالقيام من النوم طاعة لله ثم عملا دؤوبا لينفعوا أنفسهم والمؤمنين وعشقا في إتقان ما يعملون ولسان حالهم: «ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم».
وان سنن الله الخارقة لا يمكن التخطيط لها لأنها ليست بأيدينا، وإنما بيد الله يقلبها كيف يشاء «وما يعلم جنود ربك إلا هو» (المدثر 31)، ويمكن أن تعمل في صالح المؤمن كما للكافر. فالله «رب العالمين»، وليس فقط «رب المسلمين»، ومن هنا كانت التفرقة بين عطاء الربوبية الذي لا يفرق بين مؤمن وكافر، كما في قوله: «كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا» (الإسراء 20). وعطاء الألوهية الذي يمنّ الله به على عباده الذين جمعوا بين صفتي الإيمان بالله (قلبا ويقينا) والعمل الصالح وفق سننه كما في قوله: «الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا» (الكهف 30).
وعلى هذا فالعاقل المخلص في عمله، وإن كان كافرا سينتصر على المزيف والمتواكل وإن بدت عليه امارات الإيمان. ان مثل حال المسلمين كمن يرفض أن يتعلم السباحة ويخطط أن يغزو محيطات وبحار العالم بالدعاء من دون العمل.
إنني كم كنت أتمنى أن يطلب الأئمة والمشايخ من المسلمين أن يستبدلوا التزيد في بعض السنن، بجهد منظم لتنظيف شوارعهم من القاذورات، طالما أن النظافة فرض على المسلمين. إن أنفس المسلمين عامرة بالرجاء في الله والخوف منه، لكنها ليست عامرة بعلم سننه وتأمّل قوانينه والبحث العملي عن علاج لمشاكلهم. ان مثل مواطني جورجيا الذين خرجوا مطالبين بحقهم في رفض الاستبداد، ومثل المسلم الذي يدعو الله أن يولي أمور المسلمين خيارهم، كمثل المتوكل الذي أخذ بسنن الله في خلقه وكونه، والمتواكل الذي يدعو الله أن «تسقط عليه السماء ذهبا وفضة».
إننا بحاجة لإعادة ترتيب الأولويات لنجعل قيم العمل والعلم والابتكار والاتقان في المقدمة على قيم الصبر المتخاذل والتواكل الساذج ودعاء العجزة وانتظار المعجزات، اللهم أعطنا قلوب أهل الحرم وعقول أهل جورجيا.. آمين!.

* كاتب مصري مقيم في أميركا
  #6  
قديم 10/12/2003, 10:22 PM
صورة عضوية جزيل
جزيل جزيل غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ الانضمام: 25/12/2002
المشاركات: 350
اللهم أعطنا قلوب أهل الحرم وعقول أهل جورجيا..


آميين
  #7  
قديم 11/12/2003, 01:49 PM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Cool حكام.. وشعوب.. ونقطة نظام !!!

حكام.. وشعوب.. ونقطة نظام!
2003/12/09

ناصر عبيدات
كان الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب يمثل ناقوس العدالة الانسانية في الدعوة الاسلامية.. وكان ابرز اسرار نجاحه قربه من الرعية والسهر علي امنهم والوقوف علي احتياجاتهم.. يصل الليل بالنهار بجهد دؤوب وقلب عطوف.. وكان اذا اعياه التعب والمسير استراح في ظل شجرة في جبت التي فيها كذا رقعة فأحبه الناس.. لان خير الناس انفعهم للناس.. وكان القدوة الخيرة.. وحلت بركات السماء.
وقبله كان الخليفة ابو بكر الصديق مثالا للكرم والخلق والسخاء فيقدم من ماله ليطعم البائس الفقير وبعده جاء الامام علي عالما عادلا وابيا عزيزا حتي قيل انه قبل ان يقاضيه يهودي امام المحكمة الاسلامية.. وجاء الخليفة الاموي عمر بن عبد العزيز فيما بعد ليحذو حذو جده عمر بن الخطاب فكان اذا اجتمع بالولاة ليلا انار شمعة بيت مال المسلمين.. واذا صادفه ان سأله احد هؤلاء الولاة عن صحته.. او مستفسرا عن احواله سارع باطفاء شمعة بيت المال واضاء شمعته الخاصة من حر ماله. رضي الله عن هؤلاء الاكرمين المهتدين.. فكانوا قدوة الخير والبركة للرعية.. وقد كان يفيض المال بالبركة فيغطي كلفة الفتوحات التي شارفت حدود الصين شرقا واوروبا الاندلس غربا.
نقطة النظام في هذه البسطة الموجزة هي الاقتراب من الرعية ثم والاهم الشوري والعدالة الاجتماعية.. حتي ان اعرابيا قال للخليفة عمر: والله يا عمر لو رأينا فيك اعوجاجا لقومناه بحد سيوفنا.
ما شاهدناه في جورجيا كان شيئا يدعو للدهشة والعجب كان شيفرنادزه قبل عقد من السنوات من غلاة الشيوعية في حقبة الاتحاد السوفييتي وربما عاصر حقبة ستالين.. ومع ذلك تنحي عن منصبه دون اللجوء لقوات الجيش او الشرطة.. حقنا للدماء.. وفي ذات المشهد تجاسر رموز الثورة علي الدخول لقاعة المجلس الوطني لخلعه وعدم السماح بالقاء خطابه.. وفي ساحة المجلس الخارجية 200000 مواطن ثائر ومعارض جاء يحمل كل منهم رأيا وفكرا.. لا سكينا او بنزينا او قنبلة.
نقطة النظام الثانية ان احدا من هذا الحشد البشري لم يحرق العربات ولم يعتد علي ممتلكات الشعب او الدولة.. ولم يجرح منهم احدا ولم ترق مقطرة دماء واحدة.. رغم انهم تقريبا وريثو شيوعية شمولية احتوائية.
ونقطة النظام الاهم ماذا لو قامت هكذا مظاهرات في دولة عربية لابد ان شرطة مكافحة الشغب ستكسر مئات الجماجم والرؤوس قبل دقائق من نزول الجيش للحصاد انا اعمي ما بشوف.. انا قطاع السيوف ثم يعلن الحاكم وقد غسل قلبه بالماء والثلج والبرد عن اكتشاف مؤامرة كبري من طراز ارهابيين كفرة.. ومؤامرة لقلب نظام الحكم.. او لصوص يريدون نهب قوت الشعب وتبديد منجزاته الخالدة.. او فتنة يدبرها الموساد الاسرائيلي الصهيوني لزعزعة الاستقرار في حياض هذا الوطن وهكذا..
ما احوجنا الي مصالحة مع انفسنا بحيث انه لو لاحت لنا فرصة حتي ولو في اطار مباراة كرة قدم بين فريقين مغمورين ان لا نحول المسيرة الرياضية الي مظاهرة سياسية تهتف بسقوط النظام وتدمر وتحرق كل ممتلكات الناس والدولة جارفة كل شيء في طريقها..
ما احوجنا ايضا الي مصالحة مع حكامنا وولاة امورنا في كل بلد عربي ان ولاة امورنا في واد.. وشعوبنا في واد اخر.. لكن ان يريدا اصلاحا يوفق الله بينهما مثلا كوبا احد جزر الموز في البحر الكاريبي.. تكاد تقع جغرافيا في الحضن الامريكي.. ومع ذلك قالت للولايات المتحدة ما قاله المثل الفلسطيني لو عكا تخاف من هدير البحر ما جاورت!! .
ها هي صامدة وقيادة شريفة اقتربت من شعبها وشعبها يلتف حولها وهذه اسمي نقطة للنظام!! شعوب العرب فيها خميرة ايمانية وكرامة عربية تعودناها ورضعناها مع حليب الام اناسنا يتألمون جدا حين يطأطيء حكامنا الرؤوس والهامات لادارة بوش.. وقبولهم بدور ناعم الذيل والتبعية لهؤلاء الغرباء الذين يهددون ثقافتنا وانساننا وارضنا.. الشعوب يريدونهم قادة يقودون ولا يتقادون لكي يلتفوا حولهم في ملحمة لا تقصمها كل الاسلحة التقليدية والتدميرية.
كما يتألم المواطن العربي حين يري قدوته وقادته منهمكون في تعلية الاسوار فيما بينهم.. ويحتفظون لبعضهم بعضا بحساسيات خاصة كأنها بالتعبير البلدي حجب السمر.. وبذلك تتكرس الاقليمية الضيقة وتزدهر نزاعات الحدود السخيفة.. ولا نستثني احدا ابتداء من الانظمة اليمينية وانتهاء بالجمهوريات الراديكالية المتفجرة..
المختصر المفيد في هذا المقام هذه الـ بريطانيا التي اسبغت علينا نقمة ونكبة وعد بلفور.. ثم زادت نعمائها في معاهدة سايكس بيكو وقسموا سورية الطبيعية الي دويلات.. وقد بلغ من صفاقتهم والفرنسيين ان داس احد رموز غزاتهم علي ضريح قاهرهم صلاح الدين ليقول: ها قد عدنا يا صلاح الدين.. وعندما جلت عن دول الخليج العربي انعمت عليها بمسمي الامارات المتصالحة لتذكرهم لاحقا بفسخ الصلح ومحاربة بعضهم لكن حكمة الشيخ زايد.. فوت عليهم هذا المقلب.. وعندما قدم الانكليز للعراق في 1917 امعانا في الكيد للعرب والمسلمين فقد حاولوا الحاق العراق بالهند.. حتي جامو وكشمير.. زرعوا الفتنة فيها بتيسير تهجير الهندوس لهاتين المنطقتين مقابل نزوح المسلمين السري خارج ارضهم ووطنهم.. وعلي قارعة الطريق قطاع طرق الهندوس لقتل الذكور.
بريطانيا العجوز بها ذاكرة حاقدة علي المسلمين.. وجاء بلير الاصفر اللئيم ليبعث الحقد الدفين.. في بلاد الافغان.. والعراق وها هم يتحرشون في ايران وسورية والسعودية ولكننا امة عظيمة ستنتفض من تحت الرماد كطائر الفينيق الذي قالوا!
ان للعرب والمسلمين كبرياء وكرامة.. ودعها الله سرا فيمن خصه من الصالحين.. وسيعود الينا قادتنا ولو وهنوا.

ہ كاتب من الاردن
8
  #8  
قديم 12/12/2003, 10:16 AM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Cool الفشل في العراق سيكون كارثة على الغرب

الفشل في العراق سيكون كارثة على الغرب

هنري كيسنجر *

أيا كانت وجهة النظر حول أصل الحرب في العراق، وأنا من الذين أيدوها، فنحن الآن في نقطة يصبح معها الفشل في العراق كارثة للغرب، لأن هذا سيشجع كل العناصر المتطرفة، وكل الذين يعتقدون بأن الغرب في حالة تراجع، ومن هنا تنبع أهمية التعاون بين أوروبا واميركا في العراق.
أما حول ما اذا كان حسن التخطيط والاعداد قد صاحب الحرب وما تلاها من مآزق، فالاشارة تجدر هنا الى أن أميركا ظلت دوما ومتى ما تورطت أو اشتركت في قضية عالمية على اعتقاد بأن هناك وصفة جاهزة للمشاكل. وفي هذا السياق كان هناك اعتقاد مفرط بأن ثمة مقارنة بين احتلال المانيا واليابان وبين احتلال العراق.
مع أن تلك الحالتين مختلفتان كليا، فألمانيا دولة قومية والعراق دولة سيادية ولكنها ليست قومية. ومع الحالة الالمانية لم تكن هناك هزيمة عسكرية فقط للعقيدة السياسية وانما في المقابل أيضا وعي لجهة الكارثة التي سببتها تلك العقيدة والتي لم تترك بقية. ولم يكن ذلك هو الحال مع العراق، لأن عقيدة البعث لم تكن مربوطة بصدام حسين فقط، بل بالخلاف السني ـ الشيعي، فيما لم تكن في المانيا خلافات بين مقاتلي حرب عصابات كما هو الحال مع العراق، أضف الى ذلك أن دول المحيط والجوار مع المانيا كانت تؤيد الاحتلال في حين أن العكس تماما هو ما يحدث مع العراق، لذلك فربما كان الافتراض الأساسي خاطئا. وعلى الجهة الأخرى، فإن الافتراضات الأخرى ما كان لها أن تحدث أي فرق على صعيد ما تقف عنده الأمور الآن، لأننا وبمجرد اسقاطنا لصدام يكون أمامنا أن نواجه نفس المشاكل سواء ما قارناها في أذهاننا بألمانيا أو اعترفنا بها كحالة فريدة لا مثيل لها. ومن هنا واذا فتحنا عيوننا على العراق والمشاكل الماثلة نجد أن لدينا السنة والشيعة والاكراد.. ألخ، أضف اليها موروثات القبلية، ومجمل القول أن هنا منظومة من المشاكل لم يكن هناك مناص منها حتى اذا ما وصلنا للعراق بفريق شؤون مدنية مكتمل ومدرب، ومع ذلك فبوسع المرء أن يقول اننا الآن نعيش حالة وجه لوجه مع المشاكل في العراق، ولا أعتقد أنه كان من المحتمل أن نزيد من وتيرة سرعة العملية حتى لو كنا قد قمنا بتحليل أفضل في البداية.
صحيح أنني أشرت لمسألة حرب العصابات، وأعتقد أنه كان من الممكن تفاديها. وأحسب أن الذين يقومون بها هم بقايا البعث والحرس الجمهوري وجماعات ربما تتلقى التشجيع من سوريا وايران، فلا أحد من دول الجوار له مصلحة في هدوء الأمور بالعراق، وعلى الأقل المصلحة العاجلة أو الفورية، وكل شيء يثيره وجودنا. ولا أحسب هنا أن الامور كانت ستختلف كثيرا اذا تم القبض على صدام حسين رغم أن ذلك في عداد الانجازات ذات الأثر النفسي، وقد يكون صحيحا، كما أشار السؤال، أن العراق هو الوطن الجديد للإرهابيين، ولكنهم على أية حال موجودون بالمنطقة. ولم يأتوا للوجود بسبب العراق مع أنهم يحولون استخدام العراق للقيام بمعاركهم، فهم موجودون في كل الاحوال وسيزدادون نشاطا في أمكنة أخرى.
أما حول الحرب ذاتها وأثرها على استقرار العراق، فيمكن القول انها ستجعله غير مستقر على المدى القصير، وأكثر استقرارا على المدى الطويل اذا ما تصرفنا بحكمة، بمعنى أن علينا أن نخلق تمثيلا، اذا لم يكن ذلك بحكومة ديمقراطية كاملة تقوم بسياسات تقدمية واضعة في ذهنها مصالح شعبها، لأنه وحتى اذا لم تلب كل تلك الأهداف فانها ستكون تحسنا كبيرا يتجاوز الوضع السابق وتجسيدا لدولة ينعقد الأمل لجهة مشاركتها في سياسة عالمية معتدلة.
وأحسب هنا أنه واذا لم يبق الاميركيون في العراق لوقت طويل ومعقول فان سائر المنظومة المتوقعة ستكون في مواجهة خطر كبير، ولذلك فعليهم البقاء لفترة طويلة نسبيا مع بعض الدول المعنية الأخرى.
أما حول كيفية كسب أميركا لدعم فرنسا والمانيا خاصة، والاسرة الدولية عامة، فقد أحزنني كثيرا أنه ومتى ما تحدث أي فرد وفي أي وقت عن الجهود المشتركة فان الاختيار يقع على فرنسا والمانيا كمشكلة، مع أن فرنسا والمانيا على كل حال مشاكل من نوع مختلف، ففرنسا تنفذ سياسة خارجية قومية تقليدية فرنسية، فيما يكون الحال مع المانيا متعلقا بضآلة الجيل الثالث المفقودة بعد الحرب العالمية والجيل الأول بعد الوحدة، ولا أظن أنها رغبة المانيا أن تحد أو تقتطع من النفوذ الأميركي في العالم. أنها وبالاحرى مواقف لتعريف مهمة المانية محددة في العالم، وعلينا أن نحاول اكتشاف نوع من التعقل لجهة المصير المشترك، وأنا لا أنظر لهذه المشكلة من وجهة النظر التي قد تعكس من خلالها مهام المانية محددة بعض التقييم التكتيكي. وآمل أن يتساءل القادة الالمان والاميركيون الآن عما يمكن أن يكون عليه الهدف المشترك في منطقة هي العراق بكل آثارها على الشرق الأوسط وأوروبا. وسيتطلب ذلك بالطبع بعض التكيف التكتيكي في هذه اللحظة ولكن الهدف المشترك وجب ان يكون هو المصير الاساسي.
على صعيد التقييم التكتيكي لأميركا، أحسب أن أهم المؤشرات هنا تتعلق بكم أو ما هو حجم الدور الذي يمكن أن نعطيه لألمانيا أو ذلك الذي نأتمنه عليها، وكم هو حجم المساعدة التي بوسعها أن تقدمها، وحينما نكون في فترة يعتبر فيها الطرفان أنهما جزء من مصير مشترك، فستكون هناك اختلافات كثيرة، ولكن التعاطي معها سيتم في اطار الهدف المشترك. ولكن الحال الآن هو أن هناك خطر القطع بوجود خلاف أساسي مع وجود اتفاقات تكتيكية كثيرة تدخل بنا في مشاكل العلاقات العامة في كل الدول، وآمل أن يرتفع النقاش بين الجانبين في هذا الشأن.
على صعيد ما يمكن أن تقوم به أميركا بدلا من مخاطبة الأمم المتحدة، فأيا كان ما سيحدث في مجلس الأمن، فسيكون هناك قرار ما. ولكن المشكلة ستكون اعطاء محتوى لبرنامج يكون بوسع الجانبين الايمان به حقيقة بل ودعمه. أما اذا كانت أميركا وأوروبا معا فان مشكلة مجلس الأمن ستحل نفسها، لأن روسيا ستنضم حينها، وكذلك الصين، فيما ستتنفس الدول الصغرى الصعداء بأن عبء الاختيار بين وجهتي نظر قوتين قد انزاح من على كاهلها.

* وزير الخارجية الأميركي الأسبق ـ المقال مأخوذ من مقابلة أجرتها معه ويلشام سونجتاج
  #9  
قديم 13/12/2003, 07:02 AM
الصقر الذهبي الصقر الذهبي غير متواجد حالياً
الصقر الذهبي
 
تاريخ الانضمام: 02/03/2000
الإقامة: عمان
المشاركات: 2,288
Thumbs up

إختيارات موفقة أخي العزيز

شكرا لك
  #10  
قديم 13/12/2003, 08:08 AM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Smile : تاريخ التوانسة في الفن المصري

اشهرهم بيرم التونسي وشهرة عليا سبقتها الي مصر وصابر الرباعي آخر العنقود : تاريخ التوانسة في الفن المصري

2003/12/11







القاهرة ـ القدس العربي ـ من عبد الفضيل طه: هز حادث اغتيال المطربة التونسية ذكري، الاوساط الفنية في الوطن العربي خاصة في مصر وتونس (وهذا الحادث غير المبرر لم يكن احد يتوقعه خاصة وان الروابط الاخوية بين البلدين الشقيقين عميقة الجذور ترجع الي الاف السنين وزادت عمقا وترابطا مع دخول الاسلام البلدين.
والتعاون الفني بين مصر وتونس في العصور الحديثة معروف مشهور، وهناك العديد من الادباء والموسيقيين والمطربين والمطربات من ابناء تونس عاشوا في مصر وجاءوا اليها علي فترات يحيون حفلات او يقدمون انتاجهم من فن الغناء والموسيقي.

بيرم التونسي

ولعل اشهر هؤلاء الاديب الكبير محمود بيرم التونسي الذي تربي وعاش في مصر وقدم فيها اعظم انتاجه من فنون الزجل والغناء وحتي الشعر الفصيح، ولست في حاجة الي ذكر بعض ما قدم من انتاج فهو كثير ومتنوع له شهرته في كل العالم العربي. وفي هذا المجال لا ننسي شاعر الرومانسية العظيم ابو القاسم الشابي الذي كان واحدا من اهم شعراء ومؤسسي جماعة ابوللو في مصر ونشر في مجلتها العديد من القصائد الرائعة ومنها:
اذا الشعب يوما اراد الحياة
فلا بد ان يستجيب القدر
والتي شدت بها الفنانة سعاد محمد.
وكانت مصر ولا تزال هي قبلة الكثير من الفنانين من ابناء تونس الخضراء، وكثير منهم وكثيرات قدموا احلي ما عندهم من اغنيات في الاذاعة المصرية وتليفزيونها.
ولعل من اشهر مطربات تونس اللاتي جئن الي مصر ونلن الشهرة الفنانة حسيبة رشدي التي وصلت مصر في منتصف اربعينات القرن الماضي القرن العشرين وانضمت الي قافلة الفنانات العربية من الشام خاصة مثل نور الهدي وصباح ونورهان.. وهناك المطربون العرب امثال غرام شيبة ومحمد سلمان ومحمد البكار وغيرهم. وعرفت ليالي القاهرة حسيبة رشدي مطربة من الطراز الاول واشتركت في العديد من الحفلات التي كانت تنظمها الاذاعة المصرية وقد اشتهرت باغنية:
يا ام العباية.. حلوة عباتك
ثم اختارها الفنان حسين صدقي لتشاركه البطولة في فيلم طريق الشوك الذي بدأ تصويره عام 1949 ثم كان اول عرض له يوم 10 نيسان (ابريل) سنة 1950 والفيلم اخرجه حسين صدقي ولعب بطولته امام حسيبة ومعهما لولا صدقي وفريد شوقي.
وكانت حسيبة قد لعبت دور البطولة في فيلم حب الذي عرض سنة 1948 بطولتها مع محسن سرحان ومع سميحة ايوب وفريد شوقي، ثم مثلت فيلم دماء في الصحراء بطولتها مع عماد حمدي وسامية جمال وعرض في كانون الثاني (يناير) 1950 وبعد طريق الشوق مثلت انتقام الحبيب مع يحيي شاهين.
وقامت حسيبة في فيلم طريق الشوك بدور بدوية تنتمي لاسرة في الصحراء تتاجر بالمخدرات ويقوم ضابط شاب بمطاردة هذه الاسرة وتساعده البدوية (حسيبة) في الايقاع بالتجار ثم تهرب وتعمل مغنية في احدي الملاهي ويعثر عليها الضباط وتنتهي القصة بالزواج.
ونجح الفيلم نجاحا كبيرا واشتهرت اغنية ايش بتريد من قلبي يا خاين التي شدت بها حسيبة رشدي كما قامت الفنانة حسيبة بالغناء في فيلم المتشردة وقامت ببطولة فيلم اخر انتاج مشترك بين مصر وتونس اخرجه التونسي المنصف علي.
ظلت حسيبة من شهيرات المطربات حتي تركت مصر في منتصف خمسينات القرن الماضي وعادت الي تونس تحمل احلي الذكريات عن مطربة اثبتت وجودها وسط عشرات المطربات من صاحبات الاصوات الحلوة.

عليا

وعرفت مصر في سبعينات القرن الماضي المطربة الكبيرة عليا وكانت شهرتها في تونس قد سبقتها الي مصر.. وكان صاحب دعوتها الي القاهرة الموسيقار احمد شفيق ابو عوف الذي اسس فرقة الموسيقي العربية والمسرح الغنائي وكان هو ومعه المطربة شهرزاد وعدد من الصحافيين في استقبالها بمطار القاهرة وانضمت عليا الي قافلة المطربات صاحبات الاصوات الحلوة.. وتزوجت من الملحن المصري حلمي بكر وكان لها اغنيات شهيرة منها:
حبايب مصر
ما تقولش ايه ادتنا مصر
قول ندي ايه لمصر
يا حبايب مصر
ثم كان لها اغنية اخري رائعة الكلمات واللحن هي
ع اللي جري
بس اما تيجي واحكي لك.. علي اللي جري
وامسح دموعي بمنديلك.. ع اللي جري
وهي الاغنية التي عاشت في وجدان الشعب العربي حتي الان ومن حلاوة اداء المطربة الراحلة عليا رأينا عشرات المطربين والمطربات منهم اصالة وصابر الرباعي وعدد كبير من مطربي الكاسيت ويرددون هذه الاغنية باصواتهم وبعضهم سجلها في شرائط.
وعادت عليا الي تونس ثم لقيت وجه ربها بعد ان اكملت رسالتها الفنية الغنائية.

لطيفة

تعتبر المطربة لطيفة من اشهر بنات تونس اللاتي اشتهرن في مصر. ولطيفة جاءت الي مصر في ثمانينات القرن الماضي، وبدأت حياتها الغنائية في فرقة ام كلثوم للموسيقي العربية واحتضنتها يومها عميدة المعهد الاستاذة رتيبة الحفني.
ثم خرجت لطيفة من اطار الموسيقي العربية عندما قدمت اول البوم لها بعنوان ارجوك اوعي تغير وكان مؤلف الاغاني الراحل عبد الوهاب محمد قد غنت له الكثير من الكلمات الناجحة ووجد فيها عوضا عن الفنانات الراحلات اللاتي كان يقدم لهن كلماته مثل فايزة احمد.. وغيرها.
ولطيفة الآن تعتبر من نجمات الطرب الاوائل في الوطن العربي ولها في الاسواق عشرات الالبومات مثل اكثر من روحي بحبك وتركت بعدها عمار الشريعي صاحب الحان الالبومين السابقين ونفذت البوما من تلحين كاظم الساهر لكنه لم يلق النجاح.. وبعدها حدثت لها ازمة عاطفية وغنت البوم بعنوان واضح .
بعد ذلك شاركت لطيفة في اول فيلم سينمائي مع المخرج يوسف شاهين بعنوان سكوت هنصور وطرحت البوما يتضمن اغاني الفيلم.. واخر البوم لها بالاسواق حاليا بعنوان ما نروحش بعيد .
ومن المطربات اللاتي جئن الي مصر مليحة واحيت عدة حفلات بعد نجاحها في اعادة غناء بعض الاعمال القديمة من اهمها اغنية لاموني اللي غاروا مني وهي من التراث التونسي وسبقها في ادائها المطرب لطفي بوشناق. لكن مليحة نجحت اكثر في هذه الاغنية لانها قدمتها بصورة معاصرة من خلال فيديوكليب يعتمد علي التقنيات الحديثة مع جمال اللحن والاداء الصوتي.. فارتبطت الاغنية بـ مليحة اكثر.
واصدر لمليحة البوم غنائي آخر لكنه لم يرق الي مستوي ما قبله ولم يحظ بالنجاح المنشود، وقررت مليحة العودة مرة اخري الي بلدها تونس.
اما المطربون الرجال اصحاب التميز الصوتي في تونس فنعود الي الخمسينات عندما حضر المطرب علي العيادي الذي احيي عدة حفلات واشتهر بغناء المألوف وهو نوع من الغناء التقليدي التونسي.. كما جاء الي القاهرة المطرب الفذ صاحب الصوت الخلاب علي الرياحي الذي غني بدار الاوبرا القديمة وسط حشد عظيم من المشاهدين.
ومن اهم اساطين الموسيقي العرب حاليا الدكتور صالح المهدي الذي له اليد العليا في التربية الموسيقية بتونس، كما انه من كبار الملحنين والعازفين علي اكثر من الة موسيقية، الدكتور صالح المهدي له صداقات عميقة في مصر وله اسهاماته في كل مؤتمرات الموسيقي العربية التي عقدت بالقاهرة منذ عام 1969 حتي اليوم.
وقدم في هذه المؤتمرات العديد من الابحاث الموسيقية المبتكرة.. كما قدم العديد من الحفلات في مسرح محمد عبد الوهاب بمعهد الموسيقي العربية وهو لا يزال حتي اليوم علي صلة قوية برجال المغني المصري.. وهو عضو في اكثر من جمعية موسيقية عربية وعالمية مثل اللجنة الموسيقية العليا التي اسسها وكان يرأسها صديقه الحميم احمد شفيق ابو عوف ويعتبر العلامة صالح المهدي واحدا من اهم الذين يدعمون الصلة الموسيقية بين القطرين الشقيقين.
وفي اواخر السبعينات جاء الي القاهرة المطرب لطفي بوشناق واتصل بالاوساط الفنية في القاهرة وكان دائم الزيارة لمعهد الموسيقي العربية بشارع رمسيس، ثم كان ان عرفته ليالي القاهرة مطربا قوي الصوت قادرا علي غناء اصعب القوالب الغنائية مثل الدور كما كانت له جولاته مع المألوف التونسي وغني من التراث التونسي اغنية نالت شهرة في مصر والوطن العربي وهي:
لاموني اللي غاروا مني
وقالوا لي اش عاجبك فيها
قلت للي جهلوا فني
خدوا عيني شوفوا بيها
واصبح لطفي بو شناق من اشهر الفنانين الذين تستعين بهم رتيبة الحفني في احياء الحفلات علي هامش مؤتمرات الموسيقي العربية التي تقيمها كل عام في دار الاوبرا المصرية.
كما اصبح له معجبون في مصر يطالبون باغانيه في برامج ما يطلبه المستمعون في شتي الاذاعات المصرية.
ومن الذين زاروا مصر من المطربين التونسيين وكانت لهم حظوة عند المستمع المصري: احمد حمزة واشتهر باغنية:
جاري يا حمودة.. يا حمودة
يا جاري جبار عليّ يا امه
الناس تبات رجوده.. رجوده
والنوم حرم.. عليّ يا امه
ثم عرفنا مؤخرا المطرب الشاب صابر الرباعي صاحب الصوت الحلو والذي له باع طويل في الغناء العربي ومن الذين ينتظرهم الجمهور الواعي والذي يعشق الفن الاصيل.
ظهر الرباعي في التسعينات من خلال مشاركته بحفلات مهرجان ومؤتمر الموسيقي العربية ونال المركز الاول في مسابقة المهرجان وبعد هذا النجاح سعت شركات الكاسيت الي التعاقد معه لتقديم البومات غنائية طرح منها: سيدي منصور و اخلص تارك و شارع الغرام .
اهم ما يلفت النظر في البومات الرباعي حرصه الشديد علي تقديم اغنية من التراث التونسي.
ومن الاجيال الجديدة ظهر محمد الباجي.

مصريون في تونس

كما ان مصر عرفت الكثير من ابناء تونس الفنانين كان هناك من الفنانين المصريين من عاش في تونس وقدم فيها العديد من الانشطة الفنية وقضي شطرا كبيرا من ايام اعمارهم في البلد الشقيق.
من اشهر هؤلاء الفنان سيد شطا وهو من اهم رجال الموسيقي العربية قدم العديد من الالحان لكثير من المطربين المصريين كما اشتهر بتلحين التواشيح الدينية والبرامج الغنائية.
سافر سيد شطا الي تونس واصبح من اهم الموسيقيين وكانت له اسهاماته التي لا تنكر مع الوسط الفني من ابناء تونس وظل يعمل هناك حتي لقي وجه ربه.
ايضا عاش في تونس الشيخ امين حسنين الذي عرفته مصر مطربا تقليديا ممتازا ثم انتقل الي تونس ليقدم هناك عصارة فنه حتي رحل عن دنيانا في البلد الشقيق.

ذكري

وكانت الراحلة ذكري من العناقيد الحلوة التي جاءت من تونس وقدمتها مصر في ثوب قشيب من الغناء وتعهدها في بداياتها الملحن حلمي بكر والذي سبق له التعامل مع عليا.. وقدمها من خلال هاني مهني الذي انتج لها البومين هما وحياتي عندك و قصر والاخير خليجي. وحدثت مشاكل بين ذكري وهاني بسبب عقد الاحتكار الذي وقعت عليه لصالح شركته غولدن كاسيت وخلال عامين من المشاكل تدخل البعض وانهاها وانضمت ذكري بعد ذلك الي شركة ميغاستار وقدمت البوم الاسامي وهو اشهر اعمالها.. ثم قدم البوم الله غالب لصالح شركة مشاعر وكان اخر البوماتها لشركة روتانا يوم عليك .
ونظرا لحلاوة صوتها تسابق الملحنون للعمل مع ذكري وانتظروا لها مستقبلا باهرا.. لكن القدر وضع لموهبتها وشبابها نهاية مبكرة وبصورة غير متوقعة.. لكن هي الحياة نحياها ولا نعرف ماذا يخبيء لنا القدر.
رحم الله المطربة ذكري بقدر ما قدمت من فن اسعد الجماهير، وحفظ الله علاقة الشعبين المصري والتونسي من كل الشوائب.
  #11  
قديم 13/12/2003, 12:03 PM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Cool زيجات الفنانات من رجال الاعمال فاشلة

بدأت مع عزيزة امير واحمد الشريعي: زيجات الفنانات من رجال الاعمال فاشلة
2003/12/09

فاتن حمامة وهند رستم وليلي نظمي نجحت زيجاتهن مع اطباء ورجال اعمال

القاهرة ـ القدس العربي : بعد النهاية المأساوية للمطربة التونسية ذكري علي يد زوجها رجل الاعمال ايمن السويدي اتضح للجميع ان سلسلة زيجات رجال الاعمال من الفنانات يكون مصيرها الفشل بنسبة 90% علي الاقل.. وهو ما يشير الي ان اساس العلاقة يبني بطريقة خاطئة غير قوية فيسهل انهيارها في التصادمات الاولي من الحياة الزوجية والتي تحدث مع الجميع سواء في الوسط الفني او غيره.
وخلال الرصد الذي قمنا به لظاهرة زيجات الفنانات لرجال الاعمال اتضح انها قديمة وليست حديثة العهد، وان النماذج التي استمرت كانت بين فنانات ورجال اعمال في المجال الفني ايضا خاصة الذين يعملون في جهات الانتاج الفنية.
من النماذج القديمة نجد زواج الفنانة عزيزة امير من رجل الاعمال احمد الشريعي والذي يرتبط بصلة قرابة مع الموسيقار عمار الشريعي وكان احمد من رجال الاعمال المرموقين وعندما شاهد عزيزة امير في اوج نجاحها الفني وجمالها قرر الزواج منها وليضمن استمراريتها معه انتج لها عدداٌ كبيراً من افلامها.
من الظواهر الملفتة ايضا في زيجات الفنانات من رجال الاعمال ان هناك نماذج نجحت وما زالت مستمرة ولكن الازواج ينتمون الي مهنة الطب بجانب العمليات التجارية التي دخلوا فيها والمشروعات كرجال اعمال من هؤلاء: فاتن حمامة ود. محمد عبد الوهاب الذي يشارك في عدد من المشروعات الطبية كالمستشفيات ومعامل التحاليل وعلاقته بها تجاري فقط.
والفنانة هند رستم وزوجها د. محمد فياض والذي يعد من رجال الاعمال اصحاب السمعة الطيبة وله شركات يديرها.
والفنانة ليلي نظمي التي تزوجت من طبيب امراض نساء ورجل اعمال في عدد من المشروعات التجارية.
هناك نماذج اخري لزيجات فنية مع رجال اعمال لهم علاقة فنية ايضا منها: المطربة عايدة الشاعر مع المنتج والملحن سيد اسماعيل والتي شابتها مشاكل عديدة واكثر من طلاق وقع بينهما ولكنهما نجحا في الاستمرار حتي الان.
الفنانة صفاء ابو السعود بعد تجربة زواج من رجل الاعمال مدحت الهواري.. تزوجت من الشيخ صالح كامل ووقعت بينهما حالة طلاق ثم استأنفا الزواج من جديد.
الفنانة ميرفت امين لها اكثر من زيجة من رجال اعمال منها: مع مصطفي البليدي ـ المحبوس حاليا في قضايا قروض ـ والذي تزوج ايضا من الفنانة هدي رمزي.
وتزوجت ميرفت امين من رجل الاعمال الفلسطيني حسين الفللا الذي دخل مجال الانتاج السينمائي وتخصص فيه بجانب التجارة التي يقوم بها مع احد اشقائه.
الفنانة سهير رمزي لها اكثر من تجربة زواج من رجال اعمال هم: سيد متولي رئيس النادي المصري لكرة القدم ببورسعيد حاليا، ورجل الاعمال الكويتي محمد الملا وخالد بن سعود والاخير له تجربة زواج من الفنانة المعتزلة شمس البارودي.
الفنانة نادية لطفي تزوجت من شقيق حاتم صادق زوج السيدة هدي ابنة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر.
الفنانة نجلاء فتحي تزوجت اكثر من مرة من: احمد عبد القدوس وخالد ابو النجا واخيرا حمدي قنديل.
ومن اكثر الزيجات نجاحا كانت بين الفنانة المعتزلة حاليا سهير البابلي ورجل الاعمال المشهور السرجاني صاحب محلات الذهب والمجوهرات والتي استمرت حتي وفاة الزوج بعدها تزوجت سهير من مقاول اسكندراني ثم انفصلت عنه.
ومن الزيجات التي لفتت الانظار وقتها ما تم بين الفنانة سميرة احمد ورجل الاعمال صفوت غطاس الذي اسلم لاتمام هذا الزواج واتجه الي الانتاج الفني بجانب اعماله التجارية التي يديرها في دول الخليج.

نجمة الجماهير

وتأتي نجمة الجماهير نادية الجندي علي رأس قائمة اطول زواج مع رجل الاعمال محمد مختار الذي ترك التجارة والاستيراد والتصدير وتخصص في الانتاج الفني واستمر زواجهما ما يقرب من عشرين سنة الي ان تم الطلاق وتزوج مختار من الممثلة الشابة رانيا يوسف وانجب منها طفلتين.
الفنانة والراقصة المشهـورة نجـــوي فؤاد تزوجت حوالي ست مرات منها رجل الاعمال سامي الزغبي واستمر حوالي عامين ثم انفصلا.
الممثلة الشــابة شيرين تزوجــــت مـرة واحـــدة من رجل الاعمال صاحب محلات الانتيــــكات محمد اسامة والذي قدم تجــــــربة سينمائية واحدة من بطولة شيـــــــرين وتولي اخراجها ثم انسحب من الحياة الفنــية بعد طلاقه لشيرين ولهما بنت واحدة تدعي ميريت.
الفنانة المعتزلة سحر حمدي تزوجت من رجل الاعمال علاء الخواجة ثم انفصلا وتزوج بعدها اسعاد يونس ثم شريهان بعد انفصالها عن رجل الاعمال السعودي علال الفاسي.
ولا احد ينسي زواج شيرين سيــف النصر والشيخ عبد العزيز الابراهيمي بعد الواقعة الشهيرة لممدوح الليثي.. ولم يستمر الزواج طويلا ثم عادت شيرين الي الفن.
من الزيجات التي لم تنجح كانت حنان شوقي مع رجال الاعمال محمد الشلقاني والتي استمرت عدة سنوات وانتهت بسبب عدم الانجاب.
كذلك حالة المطربة نجوي كرم التي تزوجت مرة واحدة من رجل الاعمال يوسف حرب ولم تستمر لاكثر من عامين بسبب المشاكل العائلية لاسرتها الرافضة ليوسف لانه مسلم ومتزوج وله ابناء.

فضيحة

اما الزيجة التي صحبتها فضيحة اخلاقية هي التي تمت بين الراقصة والممثلة دينا ورجل الاعمال حسام ابو الفتوح وظهر بعدها شريط فيديو لهما بغرفة النوم.
  #12  
قديم 14/12/2003, 01:16 AM
صورة عضوية جزيل
جزيل جزيل غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ الانضمام: 25/12/2002
المشاركات: 350
الاخ الفاضل / صقر الخالدية .. لو تتكرم تكتب لنا اسم الجريدة او الموقع المنقول منه المقال لاغراض التثبيت والتوثيق اكاديمياً.
  #13  
قديم 14/12/2003, 07:55 AM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Cool الفصل الفيصل!

الفصل الفيصل!
سعد العجمي

تسمر العالم مشدودا صوب مدينة هيوستن بولاية تكساس الأمريكية، حيث أجرى فريق من الأطباء قبل أسابيع عملية جراحية معقدة وخطيرة لتوأمين مصريين طفلين ملتصقين بالرأس هما أحمد ومحمد. قلوب العالم كله وصلوات المؤمنين في بقاع الأرض توجهت جميعا إلى الباري عز وجل أن تنجح العملية، وبالفعل استجاب الله سبحانه ـ حتى اللحظة ـ لتلك الدعوات، ونجحت العملية بفصل التوأمين عن بعضهما، وتفيد آخر الأخبار أن حالتهما مستقرة، وأنهما تجاوزا مرحلة الخطر.
أشرف على العملية خمسون من الأطباء والممرضات، وكانوا من المسيحيين واليهود، كما عاونتهم مجموعة طبية مصرية صغيرة للاستفادة من خبرة هذا الفريق الجبار الذي أجرى هذه العملية المعقدة، والتي تطلبت التعامل مع أكثر من مائة شريان دموي في كل رأس بعد فصل التوأمين.
كنت أتابع الأخبار وأستذكر كيف تجاوز الطب والعمل الإنساني كافة الفوارق الدينية واللغوية والإثنية، وكيف تجسد التلاحم الإنساني في غرفة العمليات في تكساس مرسلة أكثر من رسالة من رسائل الرحمة والتعايش، وموجهة صفعة لكل الحاقدين على الانسانية والتعايش الانساني بين جميع البشر.
لقد جاءت رسالة التعايش هذه لتوجه لطمة لكل من يحاول أن يحارب الإسلام تحت ذريعة محاربة الإرهاب، ولكل من يحارب الآخرين بحجة الدفاع عن الإسلام، فالفريق اللادني- نسبة إلى بن لادن- يحلل قتل كل المسيحيين واليهود أينما كانوا ومهما كانوا أيضا، وهذا الموقف لا يستثني أحدا بمن فيهم فريق الخمسين الطبي الذين قاموا وأشرفوا على عملية فصل محمد وأحمد المصريين المسلمين.
إن الدين الإسلامي دين تعايش وتواد وتراحم، وهو دين تقدم وعلم وخير للناس كافة، وسيبقى أهله في غالبهم أهل خير ومحبة، وسيبقى احترام الانسان كمقياس أساس لكل أعمالنا وأفعالنا مهما تشدقنا بالجميل من القول، ومهما رفعنا من براق الشعارات، ولكن الدين رسالة سماوية مجردة، وترجمتها وفهمها وممارستها يقوم بها الإنسان الذي يمكن له أن ينحرف بمبادئها ومثلها، تماما مثلما أفتى بن لادن بقتل أي مسيحي أو يهودي مهما كان وأينما وجد ومهما كان سنه أو مهنته.
تحسنت صحة التوأمين وتقابلا وجها لوجه لأول مرة في حياتهما التي يمكن أن تطول بعد إجراء العملية، وكانت المقابلة المعجزة متزامنة مع انتظار عكس حالة من الجهل والجمود في الفكر الديني وفي عالمنا الإسلامي، وأعني بذلك الهرج والمرج الذي صاحب رؤية هلال شهر رمضان المبارك، ولم يكن هذا الجدل العقيم بسبب الدين نفسه، ولكن بسبب العقول التي احتكرت تفسير الدين، وتمسكت بالنصوص، وأغلقت العقول بمفاتيح الجمود والتخلف.
كم سيكون جميلا لو أن المسلمين اتفقوا على استخدام التكنولوجيا والحساب لحسم الجدل المزمن حول رؤية الهلال لهدف نبيل يقصد منه صيام المسلمين وفرحتهم بالعيد في يوم واحد، لتتحقق وحدة هذه الأمة المتشرذمة ولو على نطاق الصوم والعيد، ولكي نثبت ـ حقا ـ بأن ديننا دين العلم والعصر... ولكن هيهات! فتسخير العلم لحسم الجدل حول مثل هذه القضايا سوف يفقد البعض ميزاته التي تراكمت عبر عصور الجهل والتخلف، وسوف تكون بداية النهاية لكل أولئك الذين استرزقوا وتاجروا بالفتاوى على حساب المعرفة والعلم والحقيقة.
كانت عملية فصل التوأمين فصلا بين الحق وبين الباطل، وفيصلا بين المحبة والكراهية، وبين التعايش والتنافر، وبين التقدم والتخلف.

الشرق الاوسط
  #14  
قديم 14/12/2003, 08:01 AM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Cool خلافا لمسلمين.. مسيحيون ينصرون قيماً إسلامية..!

خلافا لمسلمين.. مسيحيون ينصرون قيماً إسلامية..!
زين العابدين الركابي


هل المسلمون ـ وحدهم ـ هم الذين يفعلون «الخير» ويمارسون «النبل»،أي يحتكرون الأخلاق والفضائل؟
في عالمنا هذا.. هناك من الوقائع والقرائن والمواقف ما ينشئ سؤالاً كبيراً: جد كبير وهو: هل كل من حمل (اسما) إسلامياً هو أقرب إلى قيم الإسلام بمجرد التسمية؟ وهل غير المسلمين ـ جميعاً ـ هم ابعد عن القيم التي دعا إليها الإسلام بحكم هذه الغيْرّية؟
السؤال صاعق: يهز أو يزلزل (مسلّمة): فكرية وثقافية وأخلاقية تكاد تكون ثابتاً من الثوابت الراسخة في نظر الكثيرين.. نعم هو سؤال يجبه العقل والنفس. ولكنه سؤال حق، وعقلاني، وواقعي، يتعين: أن يُبيّن ولا يكتم، ويعلن ولا يكون سراً.. أولاً لأن(العدل) يوجب: الصدع به.. ثانياً: لأن المؤمن لا يدس نفسه، بل يزكيها بألق الحقيقة.. ثالثاً: لئلا يفتن الناس بمقولة: أن قيم التسامح والإنصاف محجوزة للمسلمين، محصورة فيهم دون العالمين.. يفتنون بهذه المقولة أو الدعوى حين يلمسون ويشاهدون: أن شرائح من غير المسلمين فيها من النبل والأخلاق ما ليس في شرائح تحمل أسماء مسلمة.. أخلاق مثل: النزاهة العلمية، والتعامل التجاري الأمين، والإنصاف الأدبي.
مسألة (الزي الإسلامي) للمرأة المسلمة (المسمى بالحجاب) ليست هي قوام هذا المقال، على الرغم من أنها مسألة أو قصة عجيبة ومثيرة.. ففي كوكبنا هذا نحو ثلاثة مليارات انثى أو امرأة لا يرتدي الزي السابغ أو المحتشم منهن إلا 7 في المائة بحكم العادة كالفلاحات والريفيات، وبحكم الديانة كالراهبات والمسلمات.. معنى ذلك: أن أكثر من 90 في المائة من النساء في هذا العالم: متبرجات أو سافرات، ومنهن من هو أكثر من ذلك.. فهل لن يستقر الكوكب، ولن تستقيم شؤونه إلا بالمزيد منهن؟ هل الانتعاش الاقتصادي، والرقي الأخلاقي، والإبداع العلمي، والسلام العالمي الوطيد.. هل ذلك كله لا يتحقق إلا بعد أن ترتفع نسبة غير المحتشمات إلى 100 في المائة.. وما علاقة هذه المسألة بالتقدم؟ ما علاقة زي المرأة بالمثلث الهندسي، أو سرعة الضوء، أو الجينوم.. وعلام هذه الضجة الكبرى؟!
قلنا: إن هذه المسألة ليست هي قوام المقال، ولكنها تصلح شاهداً ودليلاً على أن في غير المسلمين: نبلاً وفضائل وأخلاقا (وهذا هو جوهر المقال).
في فرنسا: ضجة كبرى حول الزي الإسلامي للفتيات المسلمات في المدارس الفرنسية، ولا تزال الضجة تعلو حتى تحولت إلى مشروع قانون يمنع هؤلاء الفتيات من الزي الذي يردنه ويفضلنه.
هنالك تقدمت الكنائس المسيحية ـ بمختلف مذاهبها ـ معترضة على هذا القانون، ومطالبة بحق المسلمين أو المسلمات في(حرية التدين).. نعم. الكنيسة الكاثوليكية هي التي ابتدرت هذا الموقف النبيل بادئ ذي بدء. وقال رئيس مجلس أساقفة فرنسا(المونسنيور جان بيار): «إن إصدار قانون يحظر المظاهر الدينية في مؤسسات التعليم العام هو قانون يمثل تراجعاً للحرية الدينية» بيد أن الكنائس البروتستانتية والأرثوذكسية ظاهرت الكنيسة الكاثوليكية واتخذت الموقف الأخلاقي نفسه.. ولقد دعمت هذه الكنائس موقفها أو فلسفتها بحجة عقلانية اجتماعية وواقعية تمثلت في قولها: «إن الإجراءات التي ستتخذ قد تعتبر قمعية من جانب البعض وتعزز الطائفية بدلاً من أن تضع لها حدا».
ومن قبل أذنت الشرطة البريطانية لشرطيات مسلمات بتكييف زيهن بالطريقة التي يقتضيها حقهن أو حريتهن الدينية.. في حين أن مسلمات ـ في فرنسا ـ وقعن على عرائض تؤيد قانون حظر الزي الإسلامي في المدارس الفرنسية!! وفي حين أن حكومات إسلامية (!) تفصل من العمل كل من تستر شعرها!!
إن هذه مفارقات تثبت أن أخلاق التسامح والإنصاف غير محصورة في المسلمين وحدهم. بل لن نتردد في أن نقول: إن هناك مسيحيين أكثر تسامحا ـ تجاه قيم الإسلام ـ من مسلمين يحملون أسماء إسلامية.
ومن شاء المزيد من الدلائل على (أخلاق) غير المسلمين.. فهذا شيء من المزيد:
أـ في استطلاع علمي ـ موسع وموثق ـ للرأي العام الأوروبي، قال 59 في المائة من الأوروبيين: إن إسرائيل هي المهدد رقم (1) للسلام العالمي. ولقد استند الاوروبيون في حكمهم هذا الى ما تفعله إسرائيل بالفلسطينيين.. وفلسطين قضية عربية ـ اسلامية لا أوروبية، ومن هنا فان دافع الشعوب الأوروبية إلى هذا الموقف الشجاع الكريم العادل، إنما هو دافع إنساني أخلاقي، منبثق من ضمير حي مستقل، لا من جهود عربية إسلامية: مفردة أو مشتركة: استهدفت الشعوب الأوروبية واستمالتها فأقنعتها.
ب ـ ان (غير المسلمين) هم الذين بادروا بل كافحوا ـ فرادى ومجتمعين ـ في سبيل صياغة اتفاقات دولية تحظر استنساخ البشر: مدفوعين إلى ذلك بدوافع دينية وأخلاقية.
نخلص من هذا إلى حقائق ثلاث:
الحقيقة الأولى هي: ان البشر مهما اختلفت أديانهم ومذاهبهم وألوانهم وألسنتهم ومواقعهم الجغرافية ومستوياتهم الثقافية، فان (فضائل أو أخلاقا مشتركة) تجمعهم.. مثلاً: بيننا وبين الرئيس الأمريكي جورج بوش فروق كبيرة من أهمها: تصور العالم، وطريقة التعامل معه، ومع ذلك لا نتردد في تأييد موقفه الأخلاقي الصلب المناهض لـ«تقنين الشذوذ» أو الزواج المثلي، لأن موقفه هذا يستند إلى أخلاقيات وقيم دينية نحن نؤمن بها.
الحقيقة الثانية: ان الصراع أو الخلاف بين عموم المسلمين وعموم المسيحيين ليس (دينياً) بيد أن هذا النفي لا يشمل غلاة مسلمين يريدونها حرباً دينية على المسيحيين كافة، ولا يشمل حفنة في الإدارة الأمريكية قد بدت البغضاء الدينية من أفواههم، ويريدونها حرباً على المسلمين كافة.
الحقيقة الثالثة هي: ان عالمنا الإنساني هنا هو(عالم ملوّن) بعدة ألوان، لا بلون واحد فحسب.
ان هذا العالم ملون، بل شديد التلون: في أجزائه المفردة والمركبة، وفي خيوط نسيجه، وفي العلاقة بين هذه الخيوط.
انه إذا كان من المريح للذات: تصور العالم في صورة واحدة، ذات لون واحد، فان هذه الراحة لا تقوم إلا على أنقاض النظرة الموضوعية، إذ هي رغبة ساذجة أو طفولية في تصور العالم: ليس كما هو. بل كما يهواه المرء ويتمناه، وكأي من أناس، ومن أنظمة ، تصوروا العالم وفق أحلامهم وأوهامهم فصعقهم الواقع فهلكوا أو تراجعوا إلى نقطة بينها وبين ما يدور في العالم: أمد بعيد.. ثم أن هذه الراحة وهمية لا حقيقة، وهمية إلى درجة أنها تتضمن نقيضها. فتصور العالم في صورة واحدة، ذات لون واحد، يشقي صاحبه أو أصحابه بمتاعب ومشاق لا آخر لها في أثناء التعامل الواقعي مع العالم.. ومن هذه المشاق: الصدمة.. والاضطراب.. وعسر الاتصال.. وحرج التكلم بلغة لا يفهمها احد.. إلى آخر ما تجلبه هذه الراحة ـ ذات اللذة الوهمية ـ من مرارة وكرب وعنت.
ان تفسير الأحداث والوقائع والمواقف البشرية: لا يصح بسبب أو عامل واحد: لا يصح ـ منهجياً ـ لأنه تجاهل عوامل موضوعية أخرى: ليس من المنهج العلمي تجاهلها. ولا يصح ـ عملياً ـ لأن ما يبنى عليه من عمل يكون قد انبنى على غير أساس، أو على أساس هارٍ.. مثلاً: من العور المنهجي: تفسير كل حدث وكل واقعة وكل أزمة بان وراءها دافعاً أو هدفاً عقدياً دينياً.. ليس يُنفى العامل الديني ـ بإطلاق ـ فمن استقرأ التاريخ البشري بفهم سديد ووعي رشيد، لا يستطيع أن يتجاهل العامل الديني أو يلغيه، لكن تفسير كل شيء بالدافع الديني وحده: تنطع لا يقتضيه المنهج العلمي ولا يطيقه.. إن حروب استغلال الدين (المعروفة في التاريخ بالحروب الصليبية) لا تخلو من بواعث دينية لدى العامة ـ في الغالب ـ لكن الثقات من المؤرخين الأوروبيين يركزون على (الأسباب الاقتصادية) وإلا فلماذا قاتلت هذه الجيوش (الصليبية) الزاحفة إخوانها في المسيحية من البيزنطيين؟
وفهم العالم المتعدد الألوان: ليس لمجرد التمتع باللوحة الملونة، وإنما الهدف: تكييف منهج التعامل معه على أسس ألصق بالواقع، فمن مقتضيات هذا الفهم: أن نعلم: أن هذا العالم البشري ليس كله شراً بل فيه من الأخلاق والفضائل والمزايا والخير ما أثبتها الدليل آنفاً.. ومن مقتضيات هذا الفهم ايضاً: ألا نفرط في المثالية فنتوقع من الغير ما لا نفعله لأنفسنا. ولقد قال الرئيس الأمريكي (جون كيندي) كلمة، صارت حكمة، وهي: «يصعب علينا أن نساعد من لا يبتدر مساعدة نفسه».. ومن مقتضيات الفهم ـ كذلك ـ : ألا نقبل من الغير مثالية أو كلاماً جميلاً ـ عن حقوق الإنسان، والعدالة الدولية، وأريج الحرية ـ تمحوه الواقعية النقيضة التي يتعامل بها مع القضايا المختلفة.
موجز الكلام: إن في العالم الإنساني حُسناً وسوءاً، وفيه تدن أخلاقي، وفيه أخلاق رفيعة.
ولربما طرح سائل سؤالاً يحسبه محرجاً ملجماً ناسفاً وهو: إذا كان عند غير المسلمين هذا القدر من الفضائل والمحامد والأخلاق، فماذا بقي للإسلام؟ لماذا جاء الإسلام ابتداء بهداه؟.. والجواب في طرف القلم، أي بدهي، وهو:
أولاً: في مجال الأخلاق، ما جاء الإسلام لينشئ الأخلاق وإنما جاء ليتممها.. جاء ليبعثها ويحييها ويجددها وينشرها ويزين للناس ارتفاقها وتمثلها وممارستها.
ثانياً: إن الإسلام يشهد للآخرين ـ بالعدل ـ بما عندهم من خير ونبل وفضل وأمانة: «ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك».. فليس الإسلام (حاسوباً) متخصصاً في إحصاء مثالب الآخرين، وتسجيل معايبهم.
وهذان المحوران من أعظم وأجمل وجوه صدق الديانة الإسلامية، ومن أعمقها جذباًَ للنفوس، وتأثيراً فيها، ومن أقوى أسباب بقاء رسالة الإسلام واطرادها في الزمن المفتوح.




المصدر جريدة الشرق الاوسط
  #15  
قديم 15/12/2003, 08:58 AM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Wink تفجيرات الرياض: قراءة مختلفة

تفجيرات الرياض: قراءة مختلفة
2003/11/12

عبد الباري عطوان



اقدم الرئيس الامريكي جورج بوش على الادلاء باعتراف نادر عندما قال في خطابه الاخير الذي تحدث فيه عن الديمقراطية في الشرق الاوسط، ان بلاده ارتكبت خطأ كبيرا بدعمها انظمة دكتاتورية فاسدة على مدى الخمسين عاما الماضية. ولكن هذه الانظمة، ما زالت تتصرف، وكأن الامر لا يعنيها، تمارس القهر، وتصادر الحريات، ويذهب بعضها الى درجة انكار وجود شعب كتبت عليه الاقدار والانقلابات العسكرية ان يكون تحت حكمها. وان هذا الشعب له حقوق، ويتابع الفضائيات ويقتني اشتراكات في شبكات المعلومات، ولم يعد مغفلا جاهلا.
تكلس الانظمة العربية، وايغالها في الفساد السياسي والمالي، هو التفسير الوحيد لموجة العنف الدموي التي تسود المنطقة العربية حاليا، وبدأت تعبر عن نفسها بشكل اصدق في المملكة العربية السعودية والعراق على وجه التحديد.
فالانفجارات التي تحدث حاليا في الرياض، والمواجهات التي سبقتها في مكة المكرمة، ما هي الا نتيجة احتقان، وبداية تنفيس لانفجار بركان الحقد والكراهية الكامن حاليا تحت عروش الانظمة، وهو انفجار كبير قادم لا محالة.
فالمواطنون السعوديون لجأوا الى ابسط وسائل الاحتجاج السلمي على مدى السنوات العشر الماضية، ابتداء من تقديم العرائض الى اولي الامر المطالبة بالاصلاح وقطع دابر الفساد، وتحقيق المساواة في الوظائف والتوزيع العادل للثروة، او التظاهر السلمي للمطالبة بحفظ الحقوق الاساسية، ولكن هذه العرائض قوبلت بالاستهتار، او ادعاءات ظاهرية بالقبول والاستماع، وبهدف كسب الوقت وامتصاص النقمة، اما المظاهرات فكان نصيبها القمع الشرس، وحملات الاعتقال، التي ترافقت مع فتاوى من وعاظ السلاطين تكفر المتظاهرين، وتعتبر عملهم هذا خروجا على تعاليم الاسلام، وتهديدا لامن المواطن وخروجا على طاعة ولي الامر.
طاعة اولي الامر واجبة، مثلما هي فرض، حماية للمجتمع وامنه وارواح ابنائه، ولكن عندما يكون ولي الامر سيدنا عمر بن الخطاب الخليفة الثاني، او سيدنا علي بن ابي طالب الخليفة الرابع او الخليفة الخامس سيدنا عمر بن عبد العزيز، اما ان يكون حكامنا غارقين في الفساد ونهب المال العام واذلال الوطن والمواطن والتقاعس عن نصرة قضايا الحق في العالم الاسلامي، ومحاباة القوى الاستعمارية ومخططاتها، فلا طاعة لهؤلاء.
فعندما تضيق مساحة التعبير، وتنحصر السلطة ودائرة صنع القرار في الحاكم وابنائه واصهاره ومهرجيه، وتغيب الحريات، وينتشر القهر والجوع، وتنعدم ابسط الخدمات الاساسية، وتتحول ثروات العباد الى يخوت فارهة، وقصور فخمة، وارصدة بالمليارات في الخارج فان علينا ان نتوقع ان يلجأ البعض الى اساليب متطرفة في التعبير عن رفضهم وغضبهم، مثل التفجيرات وغيرها.
اننا هنا نفسر، ولا نبرر، نعيد الظاهرة الخطيرة التي تهددنا جميعا الى جذورها، ونحاول تشخيص المرض لتسهيل وصفة العلاج لمن يريدونها. ونحن لسنا مع العنف كوسيلة للتغيير، ولكننا نعارض ايضا كل الابواق التي تقول بعدم اللجوء الى الاسباب والمسببات وتطالب بادانة ما حدث باعتباره ارهابا منكرا ونقطة على السطر.
الولايات المتحدة الامريكية تتحمل مسؤولية كبرى ومزدوجة عن نشوء ظاهرة العنف هذه واستفحالها فهي التي احتضنت التطرف الاسلامي وشجعته، ومولت بعض منظماته عندما كانت تكافح الشيوعية والمد القومي واليساري العربي، وهي التي دعمت الانظمة الفاسدة ووفرت لها الحماية، وتسترت على اساليبها القمعية، وتحالفت معها ضد المواطن وحقوقه الانسانية المشروعة.
فواضعو السياسات الامريكية في المنطقة كانوا يرتكزون دائما على ركيزتين اساسيتين، الاولى دعم العدوان الاسرائيلي، وبقاء الدولة العبرية قوة عسكرية كبرى مهيمنة ووحيدة في المنطقة، وتحطيم اي تهديد ولو جزئي لها، اما الركيزة الثانية فهي النفط.
وعندما استسلمت الانظمة العربية لهذه السياسات الامريكية، وبدأت تتخلى عن مواجهة المشروع الاسرائيلي وتتبنى التعايش معه كحقيقة واقعة، وتقيم العلاقات معه على استحياء، وتقدم نفطها باسعار متدنية الى الولايات المتحدة وحلفائها، كان من الطبيعي ان تأخذ الراية التي اسقطتها، حركات اسلامية متطرفة، مثل حماس والجهاد في فلسطين المحتلة، والقاعدة في افغانستان، والجماعات الاسلامية المسلحة في المثلث السني العراقي.
في الماضي كان الارهاب الموجه الى اسرائيل هو الذي تطالب امريكا بمكافحته وتجعله المقياس الرئيسي لتقييم علاقاتها مع دول المنطقة وانظمتها، ولكن بعد احداث الحادي عشر من ايلول (سبتمبر)، وغزو العراق، جرى توسيع هذا المعيار، بحيث يشمل محاربة الارهاب الاسلامي في العراق وافغانستان والدول العربية الحليفة لواشنطن.
فالحملة الاعلامية الامريكية على الحكومة السعودية توقفت فور حدوث انفجارات الرياض في ايار (مايو)، وانهاء الهدنة غير المعلنة بين الاسرة الحاكمة وتنظيم القاعدة. وشن السعودية الحرب على الجماعات الاسلامية الجهادية بلا هوادة، ومساندة المخططات الامريكية في العراق. بينما تواصلت الحملات الاعلامية الامريكية ضد سورية لانها ما زالت تدعم حزب الله وترفض الاعتراف الجدي بمجلس الحكم العراقي.
في الماضي كانت الدول تلجأ الى اقامة العلاقات مع الدولة العبرية كمدخل الى صداقة امريكا وحمايتها ودعمها، الان لم تعد هذه البوابة على درجة كبيرة من الاهمية، لان هناك بوابة اخرى اكثر اهمية حلت محلها وهي مكافحة الارهاب، ولذلك باتت الانظمة الاسلامية تتبارى في الادعاء بمكافحة تنظيم القاعدة واقتلاع جذوره، حتى لكأن هذا التنظيم اصبح قوة عظمى اساسية، وجيوشا جرارة من الانصار، وحل محل امبراطورية الشر السوفييتية كمصدر خطر على العالم الحر، بل هو اخطر منها.
العنف الدموي في المنطقة سيتصاعد، وللأسف الشديد، لان الانظمة لا تريد الاصلاح، ولان امريكا غيرت رأيها، وعادت الى دعمها لمجرد تشديدها لحملات قمعها لشعوبها بحجة محاربة التطرف وتنظيم القاعدة.
تفجيرات الرياض هي قمة جبل الثلج، ومن يعتقد ان موجة العنف هذه ستتم محاصرتها مثلما حدث في مصر وبعدها في الجزائر يرتكب خطأ كبيرا في التقدير، فالظروف التي قمعت فيها الحكومة المصرية المد الجهادي العنفي تغيرت. والشيء نفسه يقال عن الجزائر، بل لا نبالغ اذا قلنا ان الفساد في مصر والركود الاقتصادي، والحكم البوليسي، وتفاقم حالات الفقر، كلها عوامل ستعيد العنف الجهادي الاسلامي وربما بصورة اكثر خطورة.
العامل الجديد الذي طرأ على المنطقة وسيقلب كل المعادلات هو عامل احتلال العراق، وظهور المقاومة المسلحة بقوة غير متوقعة، وهي مقاومة حققت مصالحة تاريخية بين التيارات الاسلامية ونظيرتها القومية على ارضية محاربة امريكا وقواتها. وهذه المصالحة لن تظل محصورة داخل العراق وستنتقل عدواها الى دول الجوار ان آجلا او عاجلا.
  #16  
قديم 15/12/2003, 12:45 PM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Smile الخليج وتركيبته السكانية.........

الخليج وتركيبته السكانية

عبد الباري عطوان

كان الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس دولة الامارات العربية المتحدة شجاعا في اعترافه بوجود مشكلة خطيرة تهدد امن بلاده ومستقبل اجيالها تتمثل في خلل التركيبة السكانية في البلاد.
ففي الخطاب الذي القاه امس بمناسبة العيد الحادي والثلاثين لاعلان الاتحاد الفيدرالي بين الامارات السبع التي تكون الدولة قال ان هذا الخلل ما زال يمثل حالة خطيرة تهدد استقرار المجتمع ومصير الاجيال القادمة، ودعا الى تفعيل الاجراءات والقرارات التي اتخذت لمعالجة هذا الخلل.
والخلل في التركيبة السكانية ليست مشكلة دولة الامارات وحدها، وانما معظم الدول الخليجية الاخرى، ولكن من النادر ان يتم الاعتراف بها بهذه الصورة من الشفافية، مثلما يحدث في دولة الامارات.
ولعل الخلل في التركيبة السكانية في الامارات هو الاخطر من بين دول مجلس التعاون الخليجي، فنسبة المواطنين لا تتعدى خمسة عشر في المئة من مجموع السكان، ويشكل الاجانب حوالي تسعين في المئة من القوى العاملة في البلاد، بينما تتراوح نسبة المواطنين في الـــدول الخليجية الاخرى بين ثلاثين في المئة في دول مثل قطر والبحرين وخمسة وثلاثين في المئة في دولة مثل الكويت.
ويشكل الاسيويون، خاصة من دول شبه القارة الهندية والفلبين وبنغلادش النسبة الاعظم من الاجانب، بسبب رخص هذا النوع من العمالة، وتلبيتها لاحتياجات اسواق العمل، مثل الخدمة في المنازل وقيادة السيارات، واعمال النظافة التي تتجنب العمالة العربية القيام بها. وهذا لا يعني ان هناك عمالة اسيوية تتمتع بمستويات مهنية عالية جدا، ولكن نسبة هذه العمالة محدودة ومحصورة في قطاعات برمجة الكمبيوتر والطيران والوظائف الحسابية والتقنية الاخرى.
ويرفض المسؤولون في دول الخليج الحديث عن كيفية معالجة هذه المشكلة المتفاقمة، ولكن من الواضح ان معظم هذه الدول تتجنب الحل الامثل الذي اتبعته معظم دول العالم المتقدم اي توطين العمالة الاجنبية وخاصة المدربة منها.
فالامارات تجنس حوالي خمسة الاف شخص في العام في اكثر تقدير، وتتم عملية التجنيس هذه وفق قرارات ليست محكومة بضوابط قانونية محددة، وفي اطار استراتيجية سياسية واقتصادية بعيدة المدى، بينما تعتبر دولة مثل الكويت جنسيتها بأنها جنسية مقدسة، لا يجب ان تعطى الا بعد وجود مواصفات تعجيزية لدى المتقدم للحصول عليها، ولهذا يزداد الخلل في تركيبتها السكانية تفاقما.
ہ ہ ہ
فمن غير المنطقي ان يقيم شخص في دولة مثل المملكة العربية السعودية او الكويت او الامارات اكثر من اربعين عاما متواصلة ولا يتمتع بحقوق المواطنة او حتى الاقامة الدائمة ويعامل معاملة شخص وصل الى البلاد قبل يوم او اسبوع، فهناك اسر عربية وهندية وباكستانية لم يعرف ابناؤها غير الدول التي ولدوا وعاشوا فيها، ولكن هؤلاء محرومون من التعليم والطبابة في هذه البلدان الامر الذي يخلق حالة من الاحباط لديهم قد تتطور الى تمرد واعمال عنف في المستقبل.
وما لا تدركه الدول الخليجية هو ان هناك حالة من التذمر والقلق في اوساط المجتمع الدولي من اوضاع الاجانب المقيمين فيها وعدم حصولهم على حقوقهم المشروعة، وهناك في المجتمع الغربي مؤسسات تعتبر هذا الوضع غير قانوني وانتهاكا لحقوق الانسان، ففي المجتمعات الغربية يحصل الاجنبي بغض النظر عن لونه وجنسه ودينه على الجنسية بعد خمس سنوات من الاقامة والعمل.
الدول الخليجية ستجد نفسها مجبرة، فيما هو قادم من ايام على تجنيس جميع العمالة الاجنبية لديها، تماما مثلما تتعرض حاليا لضغوط مكثفة لتغيير مناهجها الدراسية، واغلاق المدارس والمعاهد الاسلامية، واعادة صياغة المواد الفقهية، وحذف كل ما يمكن ان يتعرض فيها لليهود والغرب بالسوء.
فاذا كانت الولايات المتحدة الامريكية تتدخل الان في خطب المساجد، وتضع شروطا ومواصفات معينة لها، وتجبر الحكومات العربية على حذف كلمة الجهاد من هذه الخطب، وتمنع خطيب المسجد الحرام من الدعاء للمجاهدين في فلسطين والشيشان، وتحرم على الحكومة السعودية، وكل الحكومات العربية الاخرى، دعم اسر شهداء العمليات الانتحارية، باعتبار ذلك تشجيعا للارهاب فما الذي يمنعها من ان تجبر هذه الدول على تجنيس العمالة الاسيوية، واعطائها حقوق المواطنة، واخذ نصيبها من ثروات البلاد النفطية.
ہ ہ ہ
روي عن سفير هندي حديث العهد في دولة الامارات العربية المتحدة قوله في جلسة خاصة انه يعتبر مدينتي ابو ظبي ودبي اجمل مدينتين هنديتين رأهما في حياته، الامر الذي يعكس كيف تفكر حكومة بلاده في مستقبل هذه الدول.
المشكلة ان معظم دول الخليج تسخر من الهنود والباكستانيين وتعتبرهم مواطنين من درجة عاشرة بسبب قبولهم اجورا متدنية وصبرهم على الكثير من الاهانات التي توجه اليهم، ولكن ينسي الخليجيون والعرب الآخرون، الذين يحتقرون هؤلاء ان الهند طورت قنابل وأسلحة نووية وديمقراطية عريقة وتعايشا فريدا من نوعه بين عشرات الاعراق والديانات والطوائف.
ہ ہ ہ
اننا لن نفاجأ اذا ما كان هندي يمثل احد دول الخليج في مؤتمرات قمة مجلس التعاون، لان كل المؤشرات تؤكد ان المستقبل هو للديمقراطية والتعددية السياسية والانتخابات الحرة، واجراء اي انتخابات في اي دولة خليجية في الوقت الراهن، وفي ظل الخلل في التركيبة السكانية سيؤدي الي قيام برلمانات يشكل الاسيويون الاغلبية الساحقة فيها.
الحقيقة مرة، ولكن يجب ان يوجد من يقولها، لعل بعض النيام في نعيم النفط وعوائده يفوقون من سباتهم قبل فوات الاوان.
  #17  
قديم 16/12/2003, 07:52 AM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Smile أنقذوا الاسلام من اصحاب الطرابيش والعمائم

أنقذوا الاسلام من اصحاب الطرابيش والعمائم
2003/12/09

د. محمد صالح المسفر


قبل ان يكثر المترجمون والمحللون وكتبة التقارير السرية للغاية والعلنية من تناول محتويات هذه الزاوية بالتحليل، اؤكد القول باني ضد العبث والعابثين بأمن الاوطان، ضد الارهاب بكل اشكاله ومصادره، ضد التدخل الاجنبي في شؤون امتنا العربية والاسلامية، ضد الهيمنة الامريكية او اي قوة اخري. ارفض فتاوي فقهاء السلطة والسلطان الساعية الي ارضاء الحاكم او استرضائه حتي ولو كان مخالفا لاحكام الدين الحنيف.
ما دفعني الي هذا القول هو ان شوارع العواصم العربية ومقاهيها وردهات فنادقها تعج بجيش رهيب من المجندين من ابناء امتنا مهمتهم استراق السمع ومتابعة وسائل الاعلام بكل فروعها وترجمة ما يسمعون وما يقرأون للأعداء مع ذكر الاسم والمركز. ولم يعد سرا بان دولة الاستكبار العالمي قد جندت جيشا من المترجمين برواتب مغرية لهذا الهدف. فالكاتب يقطع الطريق علي هؤلاء المرتزقة ويعلن موقفه بكل وضوح فيما يجري وما سيجري في منطقة الخليج والجزيرة العربية.
اعود الي موضوعنا وتكاثر فتاوي شيوخ الازمات، خرج علينا شيخ الازهر من شاشة احدي المحطات الفضائية الناطقة باللغة العربية ليفتينا بجواز التطبيع مع العدو الصهيوني ووصف الرافضين للتطبيع بأنهم جهلاء وجبناء لم يقف عند هذا الحد بل ذهب ليعلن احتجاجه علي امر البابا شنودة بمنع اتباع الكنيسة القبطية من الذهاب الي اسرائيل لاداء طقوس الحج المسيحي الي الارض المقدسة ـ بيت لحم ـ فلسطين طالما هي واقعة ـ فلسطين ـ تحت الاحتلال الصهيوني.
يا للهول! شيخ الازهر يدعو الي التطبيع مع العدو وبابا الكنيسة القبطية يحرم التطبيع. حقا الاول يريد متاع الدنيا والثاني يريد العزة والكرامة في الدنيا ونصيبه من الاخرة لانه عمل عملا صالحا في هذا السياق.
شيخ الازهر يروض الاسلام والسيرة النبوية الشريفة لكل مناسبة فهو روض الاسلام لفتواه حول تحليل الفوائد البنكية ولا استبعد ان يروض الاسلام لتسهيل انتقال السلطة من الأب الي الولد في مصر. يقوم الشيخ الازهري في شأن التطبيع ان الرسول عليه السلام كان يرسل الصحابة لبلاد الاعداء حتي يتعرفوا علي سلاحهم.. .
واسأل الشيخ طنطاوي ما علاقة المتاجرة مع العدو والتطبيع معه بمعرفة اسرار السلاح عنده.
هل يعلم شيخنا الجليل سيد طنطاوي اننا في علاقة مميزة ـ نحن العرب ـ مع امريكا وخاصة الدول النفطية واننا سددنا معظم فواتير حروبها وحتي هذه الساعة لم نستطع الحصول علي وصفة صناعة البيبسي كولا لانها من اسرار التجارة وحتي سلاحنا الذي نشتريه منهم وفي معظمه بهدف مساعدة امريكا لانقاذ صناعة السلاح من الانهيار والحد من ارتفاع معدلات البطالة هناك علما بان كفاءة هذا السلاح تقل بكثير عن السلاح المصدر لعدونا اسرائيل.
هل نسي الشيخ طنطاوي انه قال في مقابلات سابقة ان اليهود الذين يقتلون ويفجرون ويدمرون ويفسقون نحن ضدهم. ونحن لهم بالمرصاد فنحن ندافع عن ديننا وعن اوطاننا وعن كرامتنا دفاعا مستميتا ولن نلين امامهم .
اقول لقد بلغ شيخ الازهر من الكبر عتيا فلم يعد قادرا علي استيعاب المتغيرات الدولية ولم يعد يتذكر ما كان يقوله سابقا وبهذا يكون عبئا علي الاسلام وخطرا عليه.
بارك الله في البابا شنودة وفي اعماله الصالحة ونفع به الامة.
(2)
شيخ آخر في ريعان شبابه خرج علينا ايضا من شاشة محطة فضائية ناطقة باللغة العربية ليفتينا بتحريم خروج شباب الاسلام للقتال في العراق ضد القوات الغازية التي هتكت العرض وعبثت بالارض واستبدلت بالثروات وما برحت تعيث الفساد في ارض الرافدين. فبأي حق ايها الشيخ تجيز لنفسك ذلك القول وعلي اي قاعدة دينية مستمدة من القرآن والسنة تستند عليها في فتواك، وراح صاحب عمامة سوداء في بغداد يفتي باعطاء الغزاة الامان لفترة من الزمان!
لقد انفتح القمقم في عالمنا العربي واندفع الي الساحة الاعلامية وغيرها فقهاء يحللون ويحرمون كما شاؤوا وشيء لهم فأجازوا تحديث المناهج في التعليم وهي كلمة حق يراد بها غير ذلك وذلك الغير هو المساس بقواعد ومحددات اسلامنا وتاريخ امتنا بالحذف والاختصار والانتقاء. لكنهم لا يتحدثون عن تحديث الممارسات السياسية والاهتمام بحقوق الانسان في الثروة وحرية الرأي والمشاركة في صناعة القرار. لقد فشلت كل قوي الشر في العالم في اجهاض عقيدة الاسلام وافراغها من محتواها فعمدوا الي الاختراق من الداخل وهكذا يفعلون.
لقد غاب عن هؤلاء الفقهاء او ارادوا ان يغيب عنهم ان الكيان الصهيوني يعج بالمدارس الدينية الصهيونية وانها تمارس نفوذا كبيرا في الحياة السياسية والاجتماعية والفكرية للكيان والجيش الصيهوني وهناك العديد من هذه المدارس منها المدارس الدينية الرسمية، وهي تحت اشراف وتمويل الحكومة والتبرعات الاهلية وهي مركز تخريج حاخامات وكهنة الجيش الاسرائيلي.
المدارس التوراتية تابعة للاحزاب الدينية ومعظمها مدارس داخلية وهي مصنع لتفريخ العقول المتطرفة المحشوة بالحقد والعنف ومن طلبتها نشأت معظم حركات التطرف الديني مثل حركة غوش امونيم التي اقامت المستوطنات في الضفة والقطاع وكوادرها الذين احرقوا المسجد الاقصي وقتلوا المصلين عند صلاة الفجر واغتالوا القيادات السياسية الفلسطينية ومدارس اخري من بقايا المدارس الدينية المتطرفة ابرزها مدارس حزب شاس وهو ثالث حزب حاكم في اسرائيل وراعي هذه المدارس الحاخام عوفاديا رئيس حزب شاس وهو الذي قال عن دين الاسلام والمسلمين ما يصعب علي ترديده.
فلماذا لا يثار عن هذه المدارس ما يثار عن مدارسنا ومناهج تعليمنا. اقول: انهم متحدون ضدنا وضد ديننا ونحن مشتتون مرتجفون خائفون فاتحدوا يا علماء الاسلام قبل ان يأتيكم الطوفان.


المصدر جريدة القدس العربى

آخر تحرير بواسطة صقر الخالدية : 16/12/2003 الساعة 07:55 AM
  #18  
قديم 16/12/2003, 11:23 AM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Talking ولادة أقلامٍ بالواسطة

ولادة أقلامٍ بالواسطة


بقلم: فريد أحمد حسن
















كاتب عربي كتب ذات مرة أن الأقلام الجديدة لا تولد بالدعوات ولا تنطلق وسط قرعات الطبول ولا تأتي من خواء وليست نباتاً شيطانياً. لكن البعض في هذا الزمن لا يهتم فيسعى معتمداً على ما يمتلك من أموال أو جاه أو منصب كي يكون ابنه شاعراً أو قاصاً أو كاتباً أو فناناً. بل إن البعض لا يتردد عن التصريح بالقول أنه لماذا ابن فلان صار كذا وليس ابني؟

هذه المشكلة نعاني منها في الخليح العربي مهما قررنا مخاصمة الحقيقة، فهناك من يعتقد أنه يمكن أن تولد أقلام جديدة بالمال أو استناداً إلى الجاه والشهرة والمنصب، وهناك من يرفض حقيقة أن الأقلام التي تعاني والتي هي صاحبة قضية, هي فقط التي تستطيع أن تبدع وتواصل المسير.

ليس بالضرورة أن يكون ابن الفنان فناناً, أو ابن الشاعر شاعراً, كما ليس بالضرورة أن يكون ابن الكاتب كاتباً كما يريد هو, لأن ابن صديقه نجح في هذا المجال، ولم يحدث أبداً أن صنع المال من أحد مبدعاً. بإمكان المرء أن يكون نجاراً باكتسابه المهارة والتعلم, وبإمكانه أن يصبح حداداً ومبرمج كمبيوتر, لكنه لا يستطيع أن يكون شاعراً أو أديباً أو فناناً مهما صرف من الأموال ومهما كانت عائلته أو قبيلته تريد ذلك. الأقلام الجديدة المولودة بقرار أو بإرادة فرد مقتدر مالياً لا تستطيع أن تقدم شيئاً أو تضيف شيئاً لأنها لم تخرج من معاناة ولم تعش أحوال الإبداع وآلامه وأهواله.

أعرف أشخاصاً قرروا أن يصيروا كتّاباً مسرحيين, فصاروا. لكن تبين بعد حين أن آخرين كانوا يكتبون لهم بمقابل. وأعرف أشخاصاً قرروا أن يصيروا كتّاباً صحفيين, فصاروا, لكن تبين بعد حين أنهم "يلملمون" ما كتبه الآخرون ويعيدون صياغته بأسلوب هزيل أو أن آخرين يكتبون لهم، تماماً كما قد يعرف البعض أن أسماءً بعينها تفوز في مسابقات معينة لأنه في الأساس لا يجرؤ أحد على تعديها.

مشكلة أو مأساة صرنا نعيشها في الخليج العربي تجاوزت مشكلة السرقات الأدبية إلى سرقة الموهبة في الأدب والفن، وهي مشكلة تحتاج إلى المتخصصين في المجالين الاجتماعي والنفساني لدراستها وتحليلها، فالمال لا يصنع الموهبة، والأقلام التي تولد وفي فمها ملعقة من ذهب لا تدوم مهما حقنت بالمال وبالذهب.

أحد الظرفاء علّق على هذا الموضوع بالإشارة إلى مثال في موضوع آخر ولكنه قريب منه، حيث قال إن بعض الدول تمنح جنسيتها إلى بعض الذين أكدوا تفوقهم في المجالات الرياضية بهدف جلب البطولات والكؤوس والشهرة حتى لو أدى ذلك إلى تغيير أسمائهم. وذكر –الظريف- قصة متخيلة عن دولة ما منحت الجنسية لأحد عشر لاعب كرة قدم وعندما لعبوا المباراة اعتقد الجمهور والفريق المنافس أنهم يلعبون مع منتخب الأمم المتحدة.

ومع هذا يظل موضوع منح الجنسية للاعب أو كاتب أو فنان أو شاعر أمراً مقبولاً إلى حد ما، لكن غير المقبول وغير الممكن هو أن يصنع البعض كتّاباً وشعراء وفنانين لم يخلقوا لهذه المجالات ولسبب بسيط هو أن الإبداع معاناة، والأقلام التي لم تعاني ولم تحترق من الداخل لا تستطيع الصمود ولا العطاء لأن فاقد الشيء لا يعطيه.


المصدر مجلة الازمنه العربيه
  #19  
قديم 17/12/2003, 09:01 AM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Wink السحلية ادمنت الافيون ......

بقلم احمد اميرى ـــــــ مجلة الازمنة العريه





















الإنسان بفطرته يتأذى من رؤية أخيه الإنسان حين يتعرض للأذى. وحتى العدو حين تراه يتلوى ألماً فإن الفطرة تدفعك إلى الانزعاج من ذلك. لكن طبقات معدتي ترقص فرحاً عندما يختار الثور أحد معذبيه الإسبان فيحجزه في زاوية ضيّقة لا منفذ لها ويبدأ في رفسه بقدميه، وأزداد حماساً كلما تيقنت أن الثور الهائج يمسك بزمام الأمور، ولا تهدأ أعصابي المشدودة إلا إذا علمت أن الرجل قُتل أو أصيب، ففطرتي لا يحق لها أن تشعر بهؤلاء الأوغاد الذين لا يرحمون المخلوقات الضعيفة. لكن الثيران ترد الصاع صاعين أحياناً، فبينما يقتل الإسبان عشرات الآلاف منها سنوياً في مهرجاناتهم اللاثورية، فإن الثيران لا تقتل ولا تجرح منهم إلا العشرات. وفي هذا عزاء للثائرين لصالح الثيران، لكن هنالك حيوانات أخرى لا تتمكن من الثأر لنفسها من البشر العابث بها.

حيث تجري بعض القبائل الباكستانية مسابقات بين الديكة في قتل بعضها البعض وسط تصفيق الجمهور وحماسة أصحابها، ومسابقات أخرى للكلاب التي يتفطر قلب الإنسان لحالها المزري، حيث يدربها أصحابها على عضّ ونهش لحوم بعضها بعضاً، بينما الدماء والدموع تسيل منها، بل خصص هؤلاء ****** –أقصد البشر- طبيباً بيطرياً لإسعاف ****** المصابة إصابات بليغة حتى تتمكن من مواصلة اللعب وإمتاع الجماهير الملعونة، وقد قال (ص) حين رأى حماراً وُسّم: "لعن الله الذي وَسَمه". وللأسف فإن هذه الديكة الحمقاء والكلاب الوفية لا تعرف الانتقام ولا تهجم على هؤلاء البشر ولا تشفي صدور قوم مؤمنين كما تفعل الثيران البطلة. ومسابقات المصارعة بين الحيوانات تجرى في الكثير من بلدان العالم كأمريكا وبعض الدول العربية بل وفي الإمارات أيضاً، فتباً لهم جميعاً وكسر الله أيديهم.

التعذيب برأيي لا يقتصر على تلك المسابقات, بل إن حيوانات السيرك هي الأخرى تعذّب و"تبهدل" على يد مدربيها، وإن بشكل آخر ولكن لذات السبب: إمتاع الإنسان الذي لا يحسّ بجمال الكون لبلادة شعوره فيلجأ إلى الحيوان ويعذبه ويستمتع بذلك. وحسناً فعل ذلك الفيل الأبي الذي هجم على مدربه وحطّمه وكسر عظامه، والأسد الشجاع الذي قضم رأسه مدربه وأدخله جهنم بإذن الله.

وحتى لو كان مدربو السيرك يعاملون الحيوانات بالحسنى ويطعمونها جيداً ويلبسونها "الهيلاهوب"، فإن مجرد مطاردتها ونصب الشراك والفخاخ لصيدها واقتناصها من غاباتها وأجماتها ومراعيها وجحورها ووجارها وأعشاشها وأوكارها, وإبعادها عن قطعانها وأسرابها وصغارها, ثم تقييد حريتها ووضعها في أقفاص صغيرة وإجبارها على التنطط على الأقماع البلاستيكية والحلقات الدائرية وسط النيران والأشواك، هذا كله عذاب وهوان للحيوان، وقد أكون متطرفاً حيوانياً إذا قلت أن حدائق الحيوانات لا معنى لها أيضاً، لأنها تتضمن حبساً للحيوان ومنعه من الانطلاق والتحرك بحرية على فطرته كما خلقه ربه. والأسوأ من ذلك ما يفعله بعض أصحاب المقاهي من وضع الطيور الجميلة في أقفاص صغيرة وتعليقها في سقف المقهى حيث الجو قذر ومشبع بالدخان النتن والضوضاء عالية وقهقهات المدخنين لا تتوقف، بينما العصفور قابع في القفص مقهور يرفرف جناحيه محاولاً الطيران فيعجز فيشعر بغصة في حوصلته، أما صاحبه الإنسان فمنهمك بجمع النقود من الدخان الذي يبيعه على شاكلته من البشر.

والإنسان –غير السوي- الذي سُخِّر له الحيوان والنبات والجماد وخُلِّف في الأرض لا يستأهل ذلك التسخير وتلك الخلافة، بل هو أولى أن يُستعبد من قِبل الحيوان، وحبذا لو رأينا الثيران تضع رجلاً على رجل وتأكل "الفراخ" وتشاهد الإنسان حين يفرّ من بين قرون الثيران في الحلبة، وليت صاحب المقهى يقبع في القفص يوماً واحداً بينما الدخان يغطيه من أعلى قمته إلى أخمص قاعدته ويدخل في تجويفاته جميعها، أما صاحبه العصفور فيضع ريشاً على ريش مرحباً بإخوانه العصافير.

وهذا التبديل في الأدوار بين الحيوانات والبشر غير الأسوياء منطقي، لأن ميزة الإنسان على باقي المخلوقات العقل، وإذا ثبت أن الإنسان لا يستخدم عقله، فلا يعود مميزاً عن أخونا البعير وأصحابنا الحمير والأخوات المسامير، بل تتفوق هذه المخلوقات على الإنسان درجةً لفضيلة الأخلاق التي لا أثر لها في الإنسان. فنحن لا نرى أسداً يدخّن السجائر مثلاً لأنه بفطرته يكره الدخان الضار بصحته، بينما الإنسان يدخن رغم أنه مهلك لصحته وماله، بل إنك تجد رؤساء دول -وهم الصفوة- يحششون. فإذا كانت عقول الرؤساء لا ترتقي إلى مستوى فطرة الأسد، فكيف لا يكون الأسد ملكاً للغابة وللعالم أجمع؟ ولم لا يعمل هؤلاء خادمات و"بشاكير" في عرين الأسد؟ والكثير من الناس تضر نفسها قصداً وبعلم ويقين، فهي تشرب الخمر وتسرق وتنهب وتحتال وتزني وهي أفعال لا تأتيها البغال، فكيف لا تصير البغال أسياداً على هؤلاء؟

والمعروف في عالم الحيوان أنها لا تقتل بعضها بعضاً إلا لتأكل أو لتدافع عن نفسها أو للمنافسة على الأنثى، بينما الإنسان يقتل أخاه الإنسان لاستعباده أو لسرقة ماله أو بدافع الحسد أو الغرور أو اللهو، أولم نسمع عن القناصة الصرب الذين كانوا يقتلون المارة في الشوارع بدافع الاستمتاع؟ أولم نسمع أن عدياً –شهيد نزواته- كان يطلق الأسود على خصومه بقصد اللهو؟

ومقولة أصدقاء السوء تدخل في العلاقة بين الإنسان والحيوان، لأنني أعرف طيطاراً (سحلية) كانت تسكن في غرفة رجل يدخن الأفيون وتطل برأسها كلما قعد الرجل للتدخين، ولما مات الرجل هوت السحلية من فوق منتحرة لأنها أدمنت الأفيون ولم تعد تستطيع البقاء من دونه. ولولا صداقة التيوس معنا لما ساءت طبائعها فتركت العشب الأخضر واتجهت لقضم الصحف والكراتين، فهي تقلدنا حين نأكل الهمبرجر ونترك الطعام الصحي النظيف. وفي الغرب المتحضر تدرّب ****** والخنازير والخيول والحمير أحياناً على ممارسة الجنس مع البشر، فما الذي يجعل هذه الحيوانات تخرج من فطرتها وتقترب من البشر لولا صداقتها للإنسان السيئ الذي يُفسد من حوله؟

والإنسان يحقن الحيوان بالهرمون للإسراع في نموه، ويغذيه بأعلاف حيوانية مركبة من لحوم وعظام بقرية مطحونة لتزداد وزناً، ثم نبكي على أنفسنا حين نصاب بالسرطان وجنون البقر جراء تناول تلك اللحوم رغم عدم اضطرارنا لأكلها، لكننا لا نشعر بحال الحيوان وما يلاقيه من ألم نتيجة حقنه بالهرمون وتغذيته بلحوم بني جنسه.

وأخطأ من يسمّون بالداروينية الجديدة حين قالوا بنشوء وارتقاء الإنسان من القرد، فالعكس هو الصحيح، فالإنسان غير السوي ينحط إلى مستوى القرود، بل قد ينحدر أكثر، "أولئك كالأنعام بل هم أضل سبيلا".
  #20  
قديم 20/12/2003, 08:33 AM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
الوعّاظ يلعنون الظلام

الوعّاظ يلعنون الظلام


بقلم: جعفر البحراني




















يعتبر علماء الدين إلى جانب شريحة كبيرة ممن ينتمون للجماعات والتيارات الإسلامية أكثر الناقمين على كثير من برامج الفضائيات في الوقت الراهن، نظراً لما يتم عرضه في تلك القنوات من إثارة واستفزاز سافر لغرائز الشباب المرهفة، فضلاً عن تبعيتها وتقليدها لبرامج لا تنتمي لثقافتنا.

ولقد اكتفى علماء الدين ومن ينتمون للجماعات والتيارات الإسلامية من خطباء ووعاظ؛ بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من خلال التوجيه والإرشاد والوعظ ولصق الفسق والفجور بتلك البرامج وتلك القنوات من دون أن يحركوا ساكناً في المنحى الإيجابي من خلال إيجاد بدائل من شأنها أن تضع منابراً ومنائراً مشتعلةً تنير درب الأجيال الصاعدة. وهم لا زالوا يتحدثون بكثير من الأسى والنقمة على مروّجي الأغاني وخصوصاً أغاني الفيديو كليب, كما يتهجمون على القائمين على الفضائيات الشبابية.

أليس الأجدى والأجدر بهم أن يتحركوا بصورة منظمة وأكثر شمولية وبصورة تحاكي العصر لإيجاد قنوات إسلامية ترسخ جميع المبادئ التي يحملونها؟ ألم يحن الوقت لكي يصمتوا قليلاً ويعملوا كثيراً لخلق بدائل تسد فراغ الجيل القادم؟

أتذكر أنني تابعتُ خلال العامين السابقين مسلسلاً إيرانياً مترجماً عن أهل الكهف, ومسلسلاً آخراً عن مريم العذراء ومسلسلات أخرى عديدة يطول الكلام في ذكرها. تلك المسلسلات رغم التزام الممثلين فيها بالمبادئ والتقاليد والعادات والضوابط الإسلامية؛ لم نشعر فيها بأي خلل يمكن أن يفقد العمل الدرامي أو التمثيلي قيمته الفنية أو الدرامية أو حتى قيمته المعنوية، بل على العكس تماماً، فبالإضافة إلى ما قدمته تلك المسلسلات من إمتاع ومادة تاريخية تنبع من صميم أد بياتنا -وإن كانت برؤية معينة- إلا أنها تشعرنا بكثير من الارتباط والتوجه نحو الخالق سبحانه وتعالى، وهي ميزة أخرى مهمة تضاف لرصيد هذه الأعمال.

السؤال: لماذا يعزف كثير من المحسوبين على التيارات الإسلامية عن المشاركة في إعداد برامج تلفزيونية غير البرامج الدينية أو الوعظية المباشرة؟ ولماذا لا يعملون على كتابة مسلسلات أو إعداد برامج ثقافية أو أن ينخرطوا في سلك التمثيل؟ وإذا لم نرغب في مطالبة هؤلاء بأن يكونوا كذلك -وهو أمر متروك لهم– فإننا نرغب في أن يعملوا بشكل مباشر وغير مباشر وبجهود مضاعفة للعمل أو تشجيع إيجاد قنوات تلفزيونية وفق الضوابط الإسلامية وبدون تشدد، وأن لا تقتصر تلك القنوات على بث البرامج الدينية المباشرة فقط، بل تنطلق بشكل شمولي ومتنوع.ولا أعلم لماذا لا يتم استغلال بعض الأموال الشرعية في هذا الجانب الذي يشكل جانباً كبيراً من الأهمية في عصرنا الراهن؟

كنت أناقش بعض الإخوة الذين ينتمون للتيارات الإسلامية حول هذه الفكرة فحكموا بفشل استمرارية تلك القنوات لعدم وجود دخل مالي لها، وكنت أقول أن الإعلان سيساهم بدرجة كبيرة في حل هذه المعضلة من خلال إعلانات مشروطة بضوابط شرعية، إضافة إلى إعلانات هي في الأساس تقدم دعوات ومواعظ وتأمر بالمعروف كما هو موجود حالياً في الإعلانات التي تدعو لإقامة الصلاة.

عندما شعر الإخوة الهنود في ولاية كيرلا الهندية أنهم محاصرون بخمس قنوات تلفزيونية غير إسلامية بادر أحد الوزراء المسلمين الذي ينتمي لنفس الولاية للعمل على إنشاء قناة إسلامية، من خلال دعوة مجموعة من الهنود المسلمين العاملين في الخارج للمساهمة في إنشاء القناة، ويعلق صديقي الهندي -وهو أحد المساهمين في القناة- قائلاً: "هكذا نبث كل ما يوافق الشريعة الإسلامية، وكل ما نريد بثه للعالم"، وعقّب قائلاً: "اكتتبنا في القناة قبل عام وبعد أن تضاعفت أرباح القناة ها نحن نشهد افتتاح قناة أخرى إخبارية".

إن ما يؤسف له في عالمنا العربي الإسلامي -وخصوصاً في دول الخليج- افتقادنا إلى المشاريع والمؤسسات القائمة على المشاركة والمساهمة الشعبية سواء في المؤسسات التجارية أو المؤسسات الحكومية، حيث لا توجد المشاركة الشعبية إلا بشكل نسبي في بعض المؤسسات.

في الخليج مؤسسات الدولة تديرها الأسرة الحاكمة، والمؤسسات الخاصة تديرها الأسرة المالكة، ولا توجد لدينا مؤسسات أهلية إلا بالقدر اليسير. إننا نتطلع إلى أن يأخذ رموز التيارات الإسلامية زمام المبادرة لإنشاء قنوات تلفزيونية بمشاركة ومساهمة شعبية، من شأنها أن تكون منابراً ومنائراً تضيء درب الأجيال الصاعدة.

المصدر :::: مجلة الازمنة العربيه.....
  #21  
قديم 21/12/2003, 08:05 AM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Cool التلفزيونات العربية: مديح الحكومات وأغاني الكباريهات

التلفزيونات العربية: مديح الحكومات وأغاني الكباريهات !
2003/12/15


الطاهر الطويـل


تبدو القنوات الفضائية العربية ـ في معظمها ـ أبعد ما تكون عن مواكبة الواقع العربي وعن تجسيد أحواله المختلفة. فهي إما أنها غارقة في تمجيد الحكام وتقديم البلاد علي أنها ترفل في النعيم الكامل؛ أو أنها منشغلة بالأغاني المسماة شبابية وأغاني الفيديو كليب ، حيث تتنافس كل قناة عن الأخري في تقديم آخر صرعات الإثارة، من خلال التركيز علي الجسد الأنثوي شبه العاري، واستغلال صورة المرأة للتغطية عن رداءة الأغاني وضعفها.
ولا شك في أن المتتبع الأجنبي للقنوات العربية سيصاب بحيرة واندهاش كبيرين، حين يقف علي هول المفارقة بين أوضاعنا السياسية والاجتماعية وبين ما تعكسه فضائياتنا من أوضاع افتراضية. لقد كان مطلوبا أن تمثل الفضائيات ضميرنا الجمعي الحي، وأن ترصد التحولات الخطيرة التي تجري في المنطقة العربية، وخاصة سياسة الإبادة المتبعة من لدن الكيان الصهيوني بالأراضي الفلسطينية، وكذا الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان الممارسة من قبل قوات الاحتلال الأمريكية بالعراق، وغيرها من القضايا الأخري الموجودة في أكثر من بلد عربي وإسلامي (المجاعة، الحرب الأهلية، الهجرة السرية، أزمة الحريات الخ...) ولكن القائمين علي القنوات العربية يعتبرون أنه لا يجدر بهم تقديم هذه الصورة الرمادية أو السوداء . ومن ثم، فالمطلوب ـ في نظرهم ـ صورة وردية بديلة. وهُمْ، في هذا النهج، إنما يترجمون رغبة رؤسائهم وسادتهم الذين يصرّون علي أن تظل الشعوب العربية معزولةً عن محيطها المحلي والإقليمي والقومي، منجذبةً إلي الأغاني الصاخبة الراقصة والمسلسلات المكسيكية والبرازيلية ومقالب الكاميرا الخفية التافهة وأوهام مسابقات الملايين ونشرات الأخبار المملة المليئة بمباركة مشاريع الحكومة ومنجزاتها وهلمّ جرا.

كيف يمكن لنا، إذنْ، أن نُـقْـنِعَ الآخَـر بعدالة قضيتنا، ونحن لا نخصص لهذه القضية سوي بضع دقائق في نشرات الأخبار؟ يضاف إلي ذلك أننا نقدم مستجدات الأوضاع في العراق وفلسطين بالطريقة نفسها التي تقدمها بها وكالات الأنباء الغربية، أي بحياد بارد وبلغة جافة رتيبة، مثلما لو أننا لسنا أصحاب القضية والمكتوين بمآسيها اليومية. كما أننا لا نخصص لها ـ غالبا ـ البرامج التحليلية والوثائقية التي بإمكانها أن تضيء جوانب عدة من قضايانا وتساهم في توعية المتلقين، سواء كانوا عربا أم أجانب، بمشروعيتها وعدالتها.
إننا نجهل أو نتجاهل أن الحرب الحقيقية الأساسية في عالم اليوم هي حرب الإعلام، ولا سيما السمعي البصري. والظاهر أن الغرب ـ وخاصة الموالي للأطماع التوسعية الأمريكية ـ نجح في توظيف هذه الوسيلة من أجل توجيه الرأي العام العالمي وتضليله، بقلب الحقائق والتستر علي حقائق أخري في الميدان، وهو هنا العراق وفلسطين وأفغانستان. وقد وقعت جل التلفزيونات العربية في الفخ، بمجاراتها الرؤية الإعلامية الغربية، واستنادها علي الوكالات الأجنبية في الأخبار والصور، دون تكليف نفسها جهد انتداب مراسلين لها بعين المكان، حتي تمتلك رؤيتها الخاصة للأوضاع وتستطيع تقديمها بالكلمة والصورة.
الكثيرون يتذرعون بقلة الإمكانات في هذا المجال: انتداب مراسلين عملية مكلفة، وحجز (الساتيلايت) لإرسال المواد الإخبارية واستقبالها أكثر كلفة، ولا يمكن أن نضحي بميزانية التلفزيون كلها لنقل أخبار منطقتين أو ثلاث مناطق . ولكن هذه الحجّة سرعان ما تسقط عندما نري كيف تتصرف التلفزيونات العربية ببذخ وكرم مع أنشطة الحكام وتنقلاتهم في داخل البلاد وخارجها، وأيضا كيف تكون سخية عندما يتعلق الأمر بنقل مباريات كرة القدم أو التنس أو منافسات العدو الريفي أو سباق الخيل! فهذه الأشياء أهم عندها مما يقع في فلسطين أو العراق.
الأدهي والأمر، أنه في الوقت الذي يستعمل فيه اللوبي الصهيوني الكثير من القنوات الغربية أداة للهجوم علي العرب والمسلمين وتسفيه قضاياهم وتأليب الشعوب ضدهم، نجد بعض المليارديرات العرب يصرفون جزءا من ثرواتهم لإنشاء قنوات مخصصة بالكامل للـ هـز يا وز و للعيطة والزمبريطة و رقصني يا جدع ولكل سفاسف الغناء والرقص. وكنا نتمني لو أنهم جعلوا تلك القنوات ذات بث محدود منحصر في قصورهم وقصور أصدقائهم، عوض أن يجعلوها متاحة للجميع؛ اللهمّ إلا إذا كان هدفهم يتماشي مع أهداف المناوئين لقضايا الأمة ومصالحها الحقيقية. وإلا، ما معني أن تكون قناة منوعات ذات تمويل عربي تبث أغان كلها مرح ورقص ودعابة وإثارة، في الوقت نفسه الذي يُقتل فيه العشرات من الأبرياء ببعض المناطق العربية نتيجة ظلم الصهاينة والأمريكيين. أليس في ذلك قمة الاستهتار بالمواطن العربي وبالنفس البشرية ككل؟
لقد كان الأجدي أن يُحوَّل المال العربي الضائع هدرا في أغاني العلب الليلية نحو تأسيس قنوات عربية تجسد الهوية القومية أصدق تجسيد.


نحن لسنا أبدا ضد الفن الرفيع الراقي، الذي يتغني بالقيم الإنسانية النبيلة. كما أننا لسنا ضد قنوات المنوعات، من منطلق نظرة سوداوية أو متشائمة. ولكننا ننتقد منحي التهريج والابتذال والتخدير الذي تسير فيه قنوات المنوعات العربية، مما يحولها إلي كباريهات رخيصة يرقص فيها الثمالي علي إيقاع الدم العربي الذي يسيل غدرا في بلاد الحضارات.
كما أننا، إذ ننتقد طريقة تعامل القنوات العربية مع القضايا القومية وندعو إلي تصحيح هذه الوضعية، لا نريد من تلك القنوات أن تصير كلها قنوات إخبارية، لا مكان فيها سوي لأخبار الحروب والمجازر والمجاعات. ولكننا نأمل في أن توظف الإمكانات العربية، المادية منها والإعلامية، بقنوات متنوعة (ثقافية، تراثية، فنية، علمية، سياحية...) تعيد الثقة إلي المواطن العربي في نفسه وقيمه وحضارته وإبداعاته الحقيقية، وتظهر للأخر ـ أيضا ـ أن العرب ليسوا أُمّة إرهاب كما يُروَّج لذلك، وليسوا مجرد بدو تحركهم الغرائز، وإنما هم أبناء حضارة عريقة ومساهمون في تطور البشرية علي الأصعدة كافّةً.



كاتب صحافي من المغرب
[email protected]

المصدر جريدة القدس العربى
  #22  
قديم 21/12/2003, 09:20 AM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Wink ما قيمة المجلس إذا جاءت منظمة التجارة؟

ما قيمة المجلس إذا جاءت منظمة التجارة؟
عبد الرحمن الراشد

المجتمعون في الكويت من قادة دول الخليج العربية يلتقون اليوم في موعدهم المعتاد، وسيناقشون القضايا المعروفة، وسيصدرون البيان إياه. ولو سألت أيا من المراقبين من الذين يتسكعون خارج مقار الاجتماعات لقال لك ان العراق هو الموضوع الحيوي، لكن هذا ليس صحيحا البتة. المسائل الداخلية هي أهم للخليجيين من قضايا العراق وفلسطين والسلام وغيرها. السبب ان دولا أكبر واكثر تأثيرا عجزت عن فعل شيء تجاه هذه الملفات وبالتأكيد لن تفعل دول الخليج أكثر من دول كفرنسا والمانيا واميركا.
حتى الشؤون الداخلية لهذه الدول بقي فيها القليل الذي يمكن ان تصلحه حيث اقترب موعد تفعيل منظمة التجارة العالمية التي ستفرض علينا دوليا كل ما عجزنا عن فرضه محليا واقليميا، عجزنا عن اقناع انفسنا واقناع بعضنا البعض. ستفتح الاسواق بيننا وستكسر الحواجز الجمركية وسترفع القيود المحلية وستقرب التشريعات وستوحد المحاكم او قواعدها، وهذه كلها انجازات مقبلة لمنظمة التجارة العالمية. اذاً لماذا تصر دولة خليجية على وضع مصائد الفئران في قائمة صناعاتها التي تطالب بحمايتها من الصادرات الخليجية الأخرى وهي التي ستفتح الباب غدا لمشتريات الصلب العملاقة بلا حماية؟ لماذا تماطل دولة أخرى في فتح فروع لبنوك خليجية صغيرة وهي التي ستفتح بأمر الـ«دبليو تي أو» اسواقها لبنوك عالمية عظمى من اميركا واوروبا؟ لماذا ترفض فتح الاجواء بين شركات طيرانها المحدودة وهي التي ستجبر غدا على انتهاج سياسة الاجواء المفتوحة لشركات طيران العالم كله؟
لهذا على الجميع ان يفيقوا من وهم السيادة المحلية الشاملة ويثبتوا انهم ينتمون الى منظمة مفيدة وفعالة، مهما داخلها من اشكالات سياسية بين الاعضاء تعتبر مقبولة، سريعا ما تغتفر وتنسى. فمنظمة عالمية ستحقق لشعوب المنطقة ما عجزت عنه حكومات الدول الست ومجلسهم الخليجي. بأمر منظمة التجارة سيصبح لباعة مصائد الفئران الباب مفتوحا وباعة المياه المعلبة وباعة التقنيات البسيطة التي نقول اننا نخاف عليها ونحافظ عليها كما لو كانت صناعات طائرات البوينج. لماذا تنصاع الحكومات الخليجية لثلة من البيروقراطيين الذي لا يتخيلون العالم بلا عقد قانونية او لحفنة من التجار الذين يريدون تقديم مصالحهم على مصالح كل المواطنين؟ الحقيقة اننا لا نناقشهم بالمنطق لأن منظمة التجارة العالمية قطعت قول كل خطيب بوصولها الى أرضنا وشواطئنا التي لن تجامل مصالح البعض، وستقول لنا قولة بوش الشهيرة اما معها او في الشارع.
المجلس بشيء من الوعي للآتي دوليا يستطيع ان يسبق ويمنح مواطنيه أكثر مما سيحصلون عليه من منظمة التجارة العالمية إن شاءوا التميز واستباق الاحداث المقبلة بسنتين او ثلاث، قادر على توحيد المعاملات الداخلية للمواطنين كالبطاقات والجوازات والعملة، وقادر على فتح السوق الخليجية بلا استثناءات البتة.



المصدر جريدة الشرق الاوسط
  #23  
قديم 22/12/2003, 12:14 PM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Cool البلاد عربية والرطانة إنكليزية

البلاد عربية والرطانة إنكليزية


العداء ضد اللغة العربية في المؤتمرات والندوات



بقلم: خلفان عبدالله






















زار صديق دولة أوروبية غير ناطقة باللغة الإنكليزية. وحين كان يبحث عن عنوان لأحد المطاعم سأل سيدةً عجوزاً باللغة الإنكليزية عن مكان المطعم, ردت عليه السيدة باللغة الإنكليزية قائلة: "آسفة لا أستطيع أن أخبرك, أنت في بلدي ويجب عليك أن تتعلم لغة بلدي لتسألني", وتركته ورحلت.


قد يمثل هذا الموقف من تلك السيدة العجوز حالة مبالغة في الاعتزاز باللغة والوطن. نحن أصبحنا أيضاً في حالة مبالغة, ليس في فرض لغتنا على ضيوفنا, بل في فرض لغاتهم علينا, فصرنا نلهث لتعلم كل لغات الوافدين إلى وطننا بدل أن نشجعهم على تعلم لغتنا. وقد وصل الأمر إلى أن السفارات الأجنبية الموجودة في الدولة تخاطب وزاراتنا ومؤسساتنا الحكومية بغير اللغة العربية. ومن سخرية القدر أن بعض مؤسساتنا الحكومية يخاطب بعضها البعض ويخاطب موظفيه بغير اللغة العربية.

لكن العداء المستفحل ضد اللغة العربية نجده على أشده في المؤتمرات والندوات. وتنفق الدولة والمؤسسات الحكومية والخاصة على هذه الأنشطة العلمية المزعومة ملايين الدراهم من تحضير وإعداد واستضافة للخبراء والمستشارين من شتى بقاع الأرض, والهدف المعلن أن هذه الأنشطة تخدم أغراض التنمية في الدولة.

لكن الملاحظ أن أغلب هذه المؤتمرات والندوات والأوراق العلمية المقدمة لا تمتّ إلى واقع الدولة بصلة, بل لا تقدم للبلد أي شيء يذكر, والغاية منها في الغالب ليس أكثر من الضجيج الإعلامي وملء صفحات الصحف وشاشات التلفزيون.

وأبرز ما يلاحظ غياب العنصر المواطن عن أغلب تلك المؤتمرات والندوات, حيث نلاحظ أن المواطنين قلة بين المشاركين والحاضرين, حتى يكاد يخيّل للمرء أنها مؤتمرات أجنبية تعقد في وطننا. ويلاحظ أيضاً غياب صنّاع القرار أو من يعنيهم الأمر في مثل تلك المؤتمرات والندوات إلا في جلسات الافتتاح والولائم. ويتعذر على أي مؤسسة أو وزارة أن تحدد مدى الاستفادة التي تم تحقيقها سواء للمؤسسة أو العاملين فيها أو الدولة من هذه المؤتمرات والندوات. ومن المشكوك فيه أن يطلع صنّاع القرار على التوصيات والنتائج التي تم التوصل إليها من قِبَل المشاركين في هذه الندوات ناهيك عن تحقيق الاستفادة بتنفيذ التوصيات.

والأمر الخطير الذي يمس الهوية الوطنية للدولة ومكتسباتها وأجيالها هو سياسة التقليد الأعمى عند بعض المسؤولين عن هذه الأنشطة التي تجعل العديد من المؤسسات تقوم بعقد تلك المؤتمرات والندوات وتقديم الأوراق العلمية والمناقشات بغير اللغة العربية.

إذا كانت هذه المؤتمرات والندوات هي من أجل خدمة الوطن والمواطن, فلِمَ لا تكون باللغة العربية؟ أما أن يكون البلد عربي (الإمارات) والمتحدث عربي والمستمع والمناقش عربي والحديث بغير اللغة العربي*ة فهذا من غرائب بلادنا التي صارت بلاد العجائب لكثرة ما فيها من ممارسات ليست موجهة لمصلحة أهلها. فهل يعقل أن يتحول النقاش بأكمله بغير لغة الدولة الرسمية من أجل من لا يتقن العربية من الحضور, أم أن الرطانة باللغة الإنكليزية هي موضة علينا تحملها كما علينا تحمل كل الصرعات والموضات التي تأتينا من الخارج؟ أولا يفترض بأن تكون طبيعة المحافل العلمية أكثر رصانة وجدية من أجواء التقليعات والصرعات؟

ألا يدرك القائمون على هذه المؤتمرات والندوات أنه من المسيء لهم ولمواطنيهم أن يتجاهلوا لغتهم العربية؟

وهذه المؤتمرات التي لا تحقق فائدة للوطن سوى هدر الموارد, أليس من الأفضل إذا عجز القائمون عليها عن عقد ندوات ذات جدوى أن يتم صرف تلك الملايين على المواطنين الباحثين عن فرص عمل أو مسكن أو علاج أو تعليم؟

متى ستفهمون؟ عفواً:

When will you understand?
  #24  
قديم 23/12/2003, 12:22 PM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Cool الفصل الفيصل!

الفصل الفيصل!



سعد العجمي





تسمر العالم مشدودا صوب مدينة هيوستن بولاية تكساس الأمريكية، حيث أجرى فريق من الأطباء قبل أسابيع عملية جراحية معقدة وخطيرة لتوأمين مصريين طفلين ملتصقين بالرأس هما أحمد ومحمد. قلوب العالم كله وصلوات المؤمنين في بقاع الأرض توجهت جميعا إلى الباري عز وجل أن تنجح العملية، وبالفعل استجاب الله سبحانه ـ حتى اللحظة ـ لتلك الدعوات، ونجحت العملية بفصل التوأمين عن بعضهما، وتفيد آخر الأخبار أن حالتهما مستقرة، وأنهما تجاوزا مرحلة الخطر.أشرف على العملية خمسون من الأطباء والممرضات، وكانوا من المسيحيين واليهود، كما عاونتهم مجموعة طبية مصرية صغيرة للاستفادة من خبرة هذا الفريق الجبار الذي أجرى هذه العملية المعقدة، والتي تطلبت التعامل مع أكثر من مائة شريان دموي في كل رأس بعد فصل التوأمين.كنت أتابع الأخبار وأستذكر كيف تجاوز الطب والعمل الإنساني كافة الفوارق الدينية واللغوية والإثنية، وكيف تجسد التلاحم الإنساني في غرفة العمليات في تكساس مرسلة أكثر من رسالة من رسائل الرحمة والتعايش، وموجهة صفعة لكل الحاقدين على الانسانية والتعايش الانساني بين جميع البشر.لقد جاءت رسالة التعايش هذه لتوجه لطمة لكل من يحاول أن يحارب الإسلام تحت ذريعة محاربة الإرهاب، ولكل من يحارب الآخرين بحجة الدفاع عن الإسلام، فالفريق اللادني- نسبة إلى بن لادن- يحلل قتل كل المسيحيين واليهود أينما كانوا ومهما كانوا أيضا، وهذا الموقف لا يستثني أحدا بمن فيهم فريق الخمسين الطبي الذين قاموا وأشرفوا على عملية فصل محمد وأحمد المصريين المسلمين.إن الدين الإسلامي دين تعايش وتواد وتراحم، وهو دين تقدم وعلم وخير للناس كافة، وسيبقى أهله في غالبهم أهل خير ومحبة، وسيبقى احترام الانسان كمقياس أساس لكل أعمالنا وأفعالنا مهما تشدقنا بالجميل من القول، ومهما رفعنا من براق الشعارات، ولكن الدين رسالة سماوية مجردة، وترجمتها وفهمها وممارستها يقوم بها الإنسان الذي يمكن له أن ينحرف بمبادئها ومثلها، تماما مثلما أفتى بن لادن بقتل أي مسيحي أو يهودي مهما كان وأينما وجد ومهما كان سنه أو مهنته.تحسنت صحة التوأمين وتقابلا وجها لوجه لأول مرة في حياتهما التي يمكن أن تطول بعد إجراء العملية، وكانت المقابلة المعجزة متزامنة مع انتظار عكس حالة من الجهل والجمود في الفكر الديني وفي عالمنا الإسلامي، وأعني بذلك الهرج والمرج الذي صاحب رؤية هلال شهر رمضان المبارك، ولم يكن هذا الجدل العقيم بسبب الدين نفسه، ولكن بسبب العقول التي احتكرت تفسير الدين، وتمسكت بالنصوص، وأغلقت العقول بمفاتيح الجمود والتخلف.كم سيكون جميلا لو أن المسلمين اتفقوا على استخدام التكنولوجيا والحساب لحسم الجدل المزمن حول رؤية الهلال لهدف نبيل يقصد منه صيام المسلمين وفرحتهم بالعيد في يوم واحد، لتتحقق وحدة هذه الأمة المتشرذمة ولو على نطاق الصوم والعيد، ولكي نثبت ـ حقا ـ بأن ديننا دين العلم والعصر... ولكن هيهات! فتسخير العلم لحسم الجدل حول مثل هذه القضايا سوف يفقد البعض ميزاته التي تراكمت عبر عصور الجهل والتخلف، وسوف تكون بداية النهاية لكل أولئك الذين استرزقوا وتاجروا بالفتاوى على حساب المعرفة والعلم والحقيقة.كانت عملية فصل التوأمين فصلا بين الحق وبين الباطل، وفيصلا بين المحبة والكراهية، وبين التعايش والتنافر، وبين التقدم والتخلف.

جريدة الشرق الاوسط
  #25  
قديم 24/12/2003, 08:59 AM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Talking أنج زيد فقد هلك عمرو!!

أنج زيد فقد هلك عمرو!!
القذافي يعترف ويتراجع
السبت 20 ديسمبر 2003 14:20
محمد عبدالله ناب





القذافي وجهٌ آخر من وجوه القومية العربية، الذين يرفعون شعار الوحدة والحرية، ويتلاعبون بآمال الجماهير، ويعِدونهم بالمن و السلوى، وبقوة ومنعة بني يعرب، إن هُم إتبعوهم، وصفقوا لهم، وساروا وراءهم كما تسير الأنعام خلف الراعي. وفي النهاية لا منّ ولا سلوى، ولا وحدة ولا حرية؛ بل قتل وسحل وسجون وتعذيب ونهب أموال، وفقرٍ مدقع، وتسلط لأقارب الزعيم الأوحد، متقذُ بني يعرب، على البلاد والعباد..

والقذافي واحدٌ من بقية الرؤساء العروبيين، الثوريين شكلاً، والفئران موضوعاً؛ فهو أقرب الحكام العرب الأحياء إلى منهج أبوعدي المقبوض عليه الآن بعد أن أخرجه الأمريكيون من جُحره، وأودعوه في قفصٍ، ينتظرُ مصيره كفأرٍ ذليل ..

الفرق بين القذافي وصدام أن القذافي رأى ما يمكن أن ينتهي به مصيره إن هو عاند وكابر وراوغ وغالط، رأى ذلك جلياً في صدام حسين و منظر "الجُحر" الذي كان بديلاً عن القصر؛ بينما لم يرَ ـ للأسف ـ صدام تجربة مماثلة ليتعظ كما اتعظ القذافي، فتشدد وتحدى؛ فانتهت به ممارساته الغبية إلى جحر العنكبوت !..

والقذافي كان ممثلاً بارعاً؛ يحرصُ على أن يبدو بشَعرِهِ المنفوش، ونظراته المتعالية، وخطاباته الثورية، وتلك اللفائف القماشية ذات الألوان الفاقعة، كغيفارا زمانه تارة، وتارة أخرى كعمر المختار. غيرَ أن غيفارا بني يعرب، أو عمر مختار العصر، بعد أن رأى ما حل بزميله صدام مؤخراً، ظهرَ أذلُ من نعامة فتخاء تصفرُ من صفير الصافر ِ !.. نسيَ الأخ القائد الثورية، نسيَ غيفارا، شطبَ عمر المختار من ذاكرته، وأعلن على رؤس الأشهاد بالأمس، طائعاً مختاراً وخائفاً حتى الرعب، أن لديه برنامجاً لإنتاج أسلحة الدمار الشامل، وأنه تخلى عنه كما يتخلى الكافر عن كفره وطغيانه، يعني إلى غير ِ رجعة.. وما على بني الأحمر إلا أن يأتوا لبلاده، وقتما يشاؤون، وكيفما يشاؤون، ليسلمهم كل ما يمتلكه من آلات ومن وثائق ومن مواد خام لها علاقة ببرنامج أسلحة الدمار الشامل الذي كان يُخفيه ويرفض الإفصاح عنه سابقاً.. كما أكدَ لهم أن قلمَه جاهزٌ في يده سيوقعُ به كل ما يريدون من اتفاقيات، تعطيهم الحق كل الحق في أن يُفتشوا كل ليبيا من صحرائها وحتى سواحلها، وإن أرادوا غرفة نومه، وغرف نوم أبنائه وبناته وزوجاته، فعلى الرحبِ والسعة، فالقذافي وأهله الضيوف، والأمريكان منذ اليوم هُم أرباب المنزل الحقيقيين. المهم ألا يكون مصيره كمصير صدام. والأحمقُ من لم يتعلم من غيره !..

تبخرت "شجاعة" الأخ العقيد بمجرد أن رأى صدام وما حل به، وظهرَ على حقيقته؛ فقائد ثورة سبتمبر المجيدة، كان في كل ماضيه "يمزح" مع الأمريكان، و يلعب معهم؛ أما تلك "الشجاعة، والخطب النارية،" و " اللاسة النايلون" التي يلتفُ بها، و"الخيمة" التي يعيشُ فيها البطل الثوري المجيد،، فلم تكن سوى مجرد ضرورياتٍ لمشهد من مشاهد مسرحيةٍ للدمى على خشبة مسرحٍ للعرائس، ليس إلا !..

وكما يُشجَعُ الصبي المشاغب عندما " يُقسم بالله العظيم " ألا يعودُ إلى شغبه، طبطبَ على ظهره بوش، وصفقَ له بلير، ووعداه بقطعٍ من "الشوكولاتا" نظيرَ اعترافاته، وتخليه عن مشاغباته مع معلميه وزملائه، وتعهده بأن يكونَ مستقبلاً طالباً نجيباً مؤدباً مطيعاً لكل ما يُمليه عليه أساتذته..

ولكن..

ماذا عن شعبَ ليبيا، وماذا عن ضحاياه؛ بل ماذا عن أقبية التعذيب الرهيبة، ومقابره الجماعيه، واغتيالاته لمعارضيه، وكل من قالَ في وجهه : لا ؟. إن تاريخ بطلنا العروبي المجيد ليسَ ببعيد ٍ أبداً عن تاريخ صدام؛ فيداه ملطختان بالدماء، فكان لا يتردد في اغتيال وقتل ليسَ مواطنيه فحسب، وإنما كل من اختلفَ معهم في الخارج، وما قصة إخفائه الإمام موسى الصدر عنا ببعيد !..

إن تمرير كل جرائم القذافي، وتاريخه الدامي، وتبذيره لثروات بلده دونما حساب خدمة لمغامراته السياسية المجنونة، سيشجع بلا شك كثيرٌ من طغاة العالم من أجل البقاء لدفع أي فاتورة تضعها أمامهم أمريكا، تماماً كما دفعَ القذافي فواتير جريمة لوكربي، وأخيراً إعلانه عن برنامجه لإنتاج أسلحة الدمار الشامل الذي كلف ليبيا بلا شك المليارات. فهل ستذري الرياح كل هذه الجرائم كثمن لمليارات لوكربي، ولاعترافاته الأخيرة ؟..

ثم أي أمة عربية تلك التي يصلُ بها واحدٌ من رؤسائها أو زعمائها إلى هذا المستوى من الذلة والمسكنة واللعب بالمقدرات، ناهيك عن جرائمه الدموية الشنيعة، ثمَ لا تُـثير ساكناً ؟. والسؤال : هل ما نزال بَعدُ خيرَ أمة أخرجت للناس ؟..


موقع ايلاف
  #26  
قديم 24/12/2003, 01:03 PM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Wink طوفان ايران... اسس مجلس التعاون وزلزال العراق يهدده

طوفان ايران... اسس مجلس التعاون وزلزال العراق يهدده
2003/12/24

د. سعيد الشهابي


لم يبتعد عن الحقيقة من اعتقد ان القمة الخليجية الرابعة والعشرين التي عقدت بالكويت هذا الاسبوع هي الاهم منذ تأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربية في 1981. كما لم يجانبها من اعتقد ان نتائجها كانت أقل كثيرا مما كان متوقعا. تعود هذه الاهمية الي عدد من الامور. فكما ان مجلس التعاون تأسس بعد قيام الثورة الاسلامية في ايران بهدف تأمين وضع خليجي جديد يحافظ علي الكيانات التي تشكل العديد منها قبل عشرة اعوام من ذلك الوقت، فان قمة الكويت عقدت هي الاخري بعد حدوث اكبر تغيير اقليمي خلال الاعوام الاثنين والعشرين التي هي عمر المجلس، متمثلا بسقوط نظام صدام حسين وحدوث تغير جوهري في نظام الحكم العراقي. وكما ان الهاجس الامني الذي هيمن علي حكومات المنطقة في مطلع الثمانينات بسبب تداعيات الثورة كان من اهم عوامل تأسيس المجلس، فان الهاجس الامني فرض نفسه مجددا علي اجواء القمة الاخيرة، وأصبحت القضية الامنية محورية في نقاشات المجلس باعتبارها العنوان الاكبر لهموم الزعماء المشاركين.
وكما ان الولايات المتحدة كانت القوة الكبري الداعمة لقيام المجلس عند تأسيسه، فانها هي نفسها تفرض وجودها علي اجواء القمة الخليجية بشكل اكبر من خلال وجودها العسكري المكثف والسياسي في الخليج والعراق.
اما الاوضاع الاقتصادية التي تعيشها دول المجلس، فكانت هي الاخري، أحد عناوين القلق الخليجي في القمة الحاضرة، اذ تداعت الاقتصادات بدرجة كبيرة خلال العقدين الماضيين، بينما بقيت دول المجلس بقرة حلوبا يراد منها تمويل الحروب الامريكية في افغانستان والعراق، تماما كما حدث آنذاك عندما طلب منها تمويل الحرب ضد ايران.
اما علي صعيد الشعوب وتطلعاتها، فما يزال الركود العنوان الاوسع للازمة، فبعد مرور تلك الفترة الطويلة علي قيام المجلس وانتظام قممه التي بلغت اربعا وعشرين، فالشعوب ما تزال بعيدة عن آلية اتخاذ القرار في بلدانها، وما تزال مهمشة بشكل مقلق جدا.
وما بين تأسيس المجلس والقمة الاخيرة حدثت تداعيات كبيرة في الدولة التي تأسس المجلس علي اساس اقتراحات مهمة قدمتها لبقية الدول. فالكويت شهدت فترات من التوتر منذ الايام الاولي للمجلس، اذ استهدفت مصالح امريكية فيها آنذاك، وشهدت لاحقا تعليق الممارسة الديمقراطية بقرار اميري في 1986، ثم تعرضت للاجتياح العراقي في 1990 وهو الاجتياح الذي كان السبب الاول لاعادة العمل بتلك الممارسة. قمة الكويت الاخيرة اذن لا تقل اهمية عن القمة الاولي، وربما كانت ظروفها اخطر. فالمنطقة تعيش علي مرجل من نار برغم ما يبدو من استقرار نسبي بعد سقوط نظام صدام حسين. وقد طغي التوتر الامني علي اجواء القمة، وكما كانت الاتفاقية الامنية الهاجس الاكبر للذين اجتمعوا في الكويت في قمتهم الاولي، فهذه الاتفاقية ما تزال مطروحة للنقاش والتفاوض. ومع ذلك يمكن القول انه في النصف الاول من عمر المجلس كان الهاجس الامني منطلقا من مصدرين اساسيين: ايران واعمال العنف التي ترتكبها بعض المجموعات، وفي النصف الثاني كان للهاجس الامني مصدران، عراق صدام حسين ومجموعات اسلامية متشددة نشطت بعد ازمة الكويت.
اما اليوم فلم تعد ايران او العراق مصدرا للهاجس الامني، بل اصبح متمثلا بما اصبح مصطلحا علي تسميته بـ الارهاب . ولم تعد الكويت او البحرين هي المستهدفة بالعنف السياسي او الامني فحسب، بل اصبحت الدولة الكبري في المجلس تتعرض لمصدري خطر اساسيين: اولهما اعمال العنف المنطلقة من مجموعات تنسب اليها (اي مواطنين يحملون جنسيتها ويتواجدون علي اراضيها) وثانيهما السياسة الامريكية في مرحلة ما بعد صدام حسين، التي تعتبر السعودية احد مصادر الارهاب.
في البداية كانت ايران المصدر الاساسي المتهم بذلك الارهاب، وفي منتصف الطريق اضيف العراق اليها كمصدر للارهاب، واخيرا اضيفت السعودية اليهما. لقد اصبح بعبع الارهاب المدخل الاكبر للولايات المتحدة في شؤون الشرق الاوسط. في البداية كانت اعمال العنف موجهة ضد المصالح الامريكية بالمنطقة (الكويت ولبنان بشكل خاص)، ثم توسعت دائرتها الجغرافية لتصل الي افغانستان والصومال وكينيا وغيرها، حتي وصلت الي الاراضي الامريكية بشكل يتجاوز في حجمه ومخاطره واسبابه المباشرة كل اعمال الارهاب السابقة. بل ان واشنطن اصبحت تتهم العائلة السعودية، او عناصر متنفذة فيها، بالضلوع في تمويل ذلك الارهاب، وهي تهمة خطيرة وقد لا تمتلك ادلة حقيقية عليها. ومع ذلك فقد اصبحت مشكلة الارهاب ومكافحته عنوانا عريضا لقمة الكويت، سواء بدفع امريكي ام بشعور غريزي لدي حكومات الخليج بضرورة التصدي لتلك الاعمال لمنع آثاره المباشرة علي الانظمة نفسها وغير المباشرة التي تتمثل بالضغوط المتواصلة من قبل الولايات المتحدة عليها. وثمة ملاحظة مهمة لا بد من تسجيلها وهي حالة الشيخوخة التي اصيبت بها قيادات مجلس التعاون، والتي تجسدت في قمة الكويت الاخيرة. فقد غاب عنها كل الزعماء الذين شاركوا في تأسيس المجلس، في ما عدا امير الكويت. وكان التغيب اما بسبب الوفاة (كما في حالة امير البحرين السابق) او الاقصاء عن الحكم (كما هو الحال مع امير قطر السابق) او الشيخوخة المانعة من الحضور (السعودية والامارات). وحتي السلطان قابوس اكتفي بارسال نائب رئيس مجلس الوزراء، فهد بن محمود آل بوسعيد. هذا التغير في تركيبة الحاضرين لا يعني تغيرا جوهريا في اجندة القمة، كما لا يقلل من اهميتها وقدرتها علي اتخاذ القرارات التي اتخدت فيها. وبرغم بطء عملية اتخاذ القرارات، فقد تمكنت القمم الخليجية من تحقيق عدد من الامور. فقد انعقدت بشكل منتظم منذ تأسيس المجلس (قمة عادية واخري تشاورية كل عام)، وهو انتظام يحسب للمجلس وان كان لا يخلو من منغصات تمثلت بمقاطعة القمة احيانا من قبل بعض الزعماء خصوصا بسبب المنازعات السابقة بين قطر والبحرين. وحققت القمة بعض الانجازات اهمها تشكيل قوة عسكرية عرفت باسم درع الجزيرة لم تثبت حتي الآن قدرتها علي توفير درع واقية لدول المجلس، وشيئا من التفاهم الامني، وقدرا كبيرا من التعاون العملي فيه، وحققت كذلك اتفاقية جمركية وتعرفة جمركية وضعت موضع التنفيذ العام الماضي، بالاضافة الي اتفاقات اخري حول التبادل الثقافي والتعاون السياسي في المحافل الدولية، بالاضافة الي اتفاقات حول تنقل المواطنين بين دول المجلس بالبطاقة الشخصية.
وطرحت في القمة الاخيرة مشاريع طموحة اهمها العملة المشتركة وجواز السفر المشترك والسوق المشتركة، علي ان يتحقق اغلبها في غضون سبعة اعوام. واذا تحققت هذه الطموحات فسوف تكون تطورات كبيرة بدون شك. اما علي الصعيد الاقليمي فهناك الآن نقاشات متواصلة حول عضوية المجلس، وهي مسـألة شائكة طرحت منذ زمن، وبقي الموقف الرسمي ينص علي الاكتفاء بالشكل الحالي علي اساس تقارب الانظمة الحاكمة في دول المجلس الحالية. ومع ذلك فما تزال اليمن تطالب بالانضمام، وقد كتبت الصحافة اليمنية قبيل القمة الاخيرة وعدد من المثقفين اليمنيين مقالات يطالبون فيها مجلس التعاون بالسماح بانضمام اليمن الي المجلس. وقد طرح ساسة العراق الجدد، من اعضاء مجلس الحكم، مسألة انضمام العراق الي منظومة مجلس التعاون الخليجي. ولكن يبدو ذلك مستبعدا، ويتوقع حدوث معارضة شديدة من حكومات دول المجلس اذا حدث ضغط امريكي بذلك، خصوصا اذا قام في بغداد نظام ديمقراطي حقيقي. فدول المجلس تصر علي خصوصية انظمة الحكم فيها، وعدم رغبتها في توسيع العضوية. فاليمن بلد كبير قادر علي التأثير علي سير المجلس وسياساته، وكذلك العراق.
ويستبعد جدا موافقة السعودية علي السماح بعضوية اي من هذين البلدين نظرا للعلاقات التاريخية المتأرجحة معهما، والحجم السكاني والسياسي لهما. ومع ذلك يمكن القول ان مجلس التعاون استطاع عبور محطات خطيرة اعترضت تاريخه منذ التأسيس بجدارة برغم المؤاخذات التي تسجل علي مسيرته وتعثر جهود التعاون الحقيقي بين الدول الاعضاء. وتجدر الاشارة الي ان المجلس لم يستطع حل اية مشكلة حقيقية في هذا المجال. فلم يستطع حل مشاكل الحدود، وان كان اغلبها قد هدأ الآن اما نتيجة الاحتكام الدولي او التراضي البيني. وسوف تبقي المشكلة الحدودية بين الامارات وايران مصدر ازعاج بين ضفتي الخليج، خصوصا مع اصرار المجلس علي الاحتكام الدولي. وقد تكررت الاشارة الي هذه المشكلة في البيانات الختامية للقمم السابقة، ولم يخل منها بيان القمة الاخيرة. وألقت قضية العراق بثقلها علي القمة، فالقلق يساور المشاركين بدون استثناء، برغم ان الامريكيين هم الذين يهيمنون علي الوضع العراقي. وبقدر ما تمثل هذه الحالة باعثا لاطمئنان الحكومات الخليجية، فانها تمثل ايضا هاجسا سياسيا، لاسباب عديدة منها تراجع الاهمية الاستراتيجية للتحالف الامريكي مع مجلس التعاون ودوله، والقدرة النفطية الهائلة للعراق، والشعور بعدم الاستقرار الداخلي بسبب تصاعد المطالبة الشعبية بالاصلاح السياسي. الامر المؤكد ان زعامات القمة عجزت عن التعاطي الجاد مع ما يتصل باوضاعها الداخلية. وقد تمني اغلب صحف الدول المشاركة ان تصل القمة الي قرارات تتناسب مع التحديات وتلبي طموحات المواطنين . وبرغم ضبابية هذه المصطلحات فلم يعد غريبا عن التصور وجود حالة من عدم الاستقرار النفسي والسياسي لدي هذه الشعوب. المشكلة ان تنامي ظاهرة الارهاب لم يحظ حتي الآن بتفسير واقعي لدي القيادات السياسية، واستمر القاء اللوم علي المجموعات المتطرفة. فصحيفة الرياض السعودية حذرت من خطورة ترك الشباب في الانجراف وراء تيارات الغلو والتطرف الديني والانسلاخ عن المجتمع بتراثه وتقاليده الي الانحرافات الاخلاقية وتقليد المجتمعات الخارجية . وقد يكون في هذا قدر كبير من الصواب ولكن النظام الرسمي الخليجي ما يزال يرفض الاعتراف بان الاستبداد السياسي واحد من اهم دوافع التطرف لدي الشباب، وان الحل يتطلب توجها حقيقيا للاصلاح الداخلي.
وكما قال مدير مركز الخليج للتنمية القطري محمد صالح الكواري فان مجلس التعاون يحتاج الي نقلة بعد نضج التجربة مضيفا: ان اول ما نطالب به كشعوب ومتابعين للتجربة ان المرحلة تحتاج الي تغيير في نظام التصويت فيجب ان ننتقل الي القرار بالاغلبية لان قرار الاجماع لا ينفع مع المرحلة ويؤدي الي ابطاء آلية العمل في المجلس . وقال الكواري ان الامر الثاني الذي تتطلع اليه شعوب دول المجلس من قادتها وهم في قمتهم في الكويت هو الاسراع في تبني رافد شعبي يتيح لهم المشاركة في صنع القرارات التي تخص منطقتهم وليس بالضرورة ان يتم ذلك الان او بعد فترة بل المهم هو العزم علي تبني هذا الموضوع . مسألة التطوير الديمقراطي ما تزال غائبة عن اهتمامات زعماء مجلس التعاون، وهذه مشكلة جوهرية لم تحظ باهتمام يذكر، مع انها من القضايا الاساسية التي تشغل بال المهتمين بشؤون المنطقة من ابنائها وغيرهم. ان من الصعب استشراف اوضاع منطقة الخليج بشكل واضح، ومدي قدرة مجلس التعاون الخليجي علي التعاطي مع التطورات الحالية والمتوقعة في غياب ارضية للتفاؤل علي اساس من الاعتراف الرسمي بضرورة الاصلاح.
وقد وعت قمة الكويت بعض حقائق الواقع السياسي والاجتماعي والثقافي في المنطقة، ولكنها قصرت عن تقديم تصورات عملية للتعاطي مع هذا الواقع. وفيما تعاطت بشيء من الجدية مع الوضع العراقي، فانها لم تأت بجديد علي مستوي اوضاعها الخاصة سواء بالتصالح الحقيقي بين حكومات دول المجلس، ام طرح ارضية مشتركة ملزمة للجميع للعمل السياسي المحلي والدولي، ام التعاطي بقدر من الاستيعاب والجدية مع مطالب شعوب المنطقة وفق دراسات علمية واستقراءات كاشفة للرأي العام. فسقوط نظام صدام حسين ربما أحدث شيئا من الارتياح لدي النفسية الكويتية مثلا، ولكن يجب النظر اليه باعتباره زلزالا سياسيا قد يفوق في آثاره الثورة الاسلامية في ايران التي دفعت حكومات دول الخليج لانشاء مجلس التعاون. ولا تبدو القمة مستوعبة لهذه الحقيقة، وزاولت جدول اعمالها بحالة اللامبالاة التي طبعت القمم السابقة، والتركيز علي القضايا الاجرائية والتعاونية التي تحسم عادة قبل تقديمها للقمة للمصادقة عليها. مطلوب من القمة الخليجية ان تكون اكثر استيعابا للواقع الذي تعيشه المنطقة، وأكثر استعدادا لاتخاذ القرارات التاريخية التي تطور النظام السياسي لينسجم مع عالم محكوم بالديمقراطية وحقوق الانسان.


المصدر القدس العربى
  #27  
قديم 26/12/2003, 08:54 AM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Unhappy حجاب المسلمات في فرنسا

حجاب المسلمات في فرنسا

2003/12/18


عبد الباري عطوان


خيب الرئيس الفرنسي جاك شيراك أملنا، ومئات الملايين من المسلمين والمدافعين عن الحريات المدنية والدينية في العالم، عندما ايد اصدار قانون يمنع الرموز الدينية الظاهرة وخاصة ارتداء الحجاب في المدارس والثانويات العامة.
الذريعة التي استند اليها الرئيس الفرنسي، في تأييده توصيات لجنة الحكماء التي شكلها في هذا الخصوص، هي الحفاظ علي الوجه العلماني للدولة الفرنسية، وتأكيد الفصل الكامل بين الدين والدولة.
مؤيدو القانون في اليمين الفرنسي، يقولون ان التاريخ الفرنسي حافل بالانقلابات الدموية التي قادها رجال دين للاطاحة بالانظمة العلمانية واحكام سيطـــــرة الكنيسة علي سدة الحكــــم، ولذلك لا يرون ان يعيد التـــــاريخ نفسه، ولا بد من تحصين العلمانية الفرنسية الحالية بالقوانين التي تمنع تكرار مثل هذه الانقلابات. ويؤكد هؤلاء ان الدين الاسلامي ليس هو المستهدف، ولذلك سيمنع القانون، في حال صدوره، القلنسوة اليهودية والصلبان المسيحية الكبيرة .
وهذا الكلام مردود عليه، ومن السهل تفنيده، وهذه هي حجتنا ضده:
أولا: المستهدف بهذا القانون هو الحجاب الاسلامي علي وجه التحديد، لأن التفكير باصداره جاء بسبب تزايد ظاهرة الحجاب في المدارس الفرنسية، وقيام بعض مدراء المدارس الفرنسية بطرد طالبات مسلمات يرتدينه، ولم نسمع مطلقاً ان مدرسة فرنسية طردت طالبا يهوديا يرتدي القلنسوة، او نزعت صليبا من علي صدر فتاة.
ثانياً: المسلمون يشكلون اقل من خمسة في المئة من تعداد سكان فرنسا، ومعظمهم من دول المغرب العربي، ولا نعتقد ان هؤلاء يمكن ان يقلبوا نظام الحكم في فرنسا، ويرفعوا راية الخلافة الاسلامية فوق قصر الإليزيه.
ثالثا: نسبة المحجبات بين التلميذات المسلمات لا تزيد عن عشرة في المئة، بينما الغالبية الساحقة هن من غير المحجبات. وغالباً ما تكون هؤلاء التلميذات من ابوين وصلا حديثا الي فرنسا.
رابعا: ارتداء الحجاب، او بالأحري غطاء الرأس، لا يمنع الانصهار في المجتمع الفرنسي، ولا يمكن ان يشكل عقبة في طريق التعايش والاندماج للمهاجرين الجدد او القدامي الذين اكتسبوا او يريدون اكتساب الجنسية الفرنسية، فهو رمز ثقافي علاوة علي كونه رمزا دينيا. ومن الخطأ الوقوع في التعميم والقول ان جميع التلميذات المحجبات هن من اسر متطرفة اسلاميا.
ان العلمانية لا تتناقض مطلقاً مع غطاء الرأس، ولا نعرف لماذا تشذ فرنسا عن جميع انظمة الحكم العلمانية الاوروبية الاخري التي لم تتطرف في هذا الميدان وتصدر قوانين تحظر الحجاب، وتفرض قيوداً علي الديانات الاخري.
هناك اكثر من عشرة ملايين مسلم في كل اوروبا، وباتوا مواطنين صالحين، يساهمون في بناء مجتمعاتهم، واستطاعوا بثقافاتهم المتعددة ان يعطوا نكهة خاصة للمجتمـــــعات الاوروبية، تخرجها من اللون الواحد، وتدمجها في عالم العولمة والالوان الثقافية المتعددة.
اوروبا، وبسبب ازدهارها الاقتصادي، وانخفاض عدد المواليد فيها، باتت بحاجة الي مهاجرين يتمتعون بالخبرة والكفاءة، ويسدون العجز في الايدي العاملة. اي ان المهاجرين العرب والمسلمين في اوروبا باتوا ضرورة وليس عبئاً علي الدول المضيفة لهم.
والدول الناجحة والمستقرة هي تلك التي تؤمن بالتعددية الثقافية والعرقية والدينية. والولايات المتحدة وكندا واستراليا ونيوزيلنده هي ابرز الامثلة في هذا الخصوص. حتي بريطانيا التي تعتبر من اكثر دول العالم نفورا تجاه المهاجرين، باتت تؤمن بالتعددية الثقافية، وتخرج من قوقعتها الثقافية والعرقية، وباتت الدجاج بصلصة المسالا الطبق الوطني في بريطانيا رغم اصولها الهندية.
ان هذا القانون ينطوي علي نزعة عنصرية واضحة، واستسلام لليمين العنصري وافكاره البغيضة، ويستهدف المسلمين، وهذا ما يفسر صدوره في هذا الوقت بالذات الذي تتصاعد فيه الهجمة علي الاسلام.
نشعر بالأسف لانجرار فرنسا، المعروفة بايمانها المطلق بالحريات الدينية، والشخصية، الي هذا المنزلق الخطير، واصدارها مثل هذه القوانين التي لن تحل المشكلة التي صدرت من أجلها، بل علي العكس ستخلق العديد من المشاكل الاخري، ومن بينها تشويه صورتها، واحداث انقسامات اجتماعية ربما تنعكس سلبا علي امنها واستقرارها.
فاختيار غطاء الرأس هو خيار شخصي، ورمز ثقافي وديني، ويأتي من صلب الحريات العامة والشخصية، وتحريمه بقانون، او نزعه من قبل شرطة الدولة، هو اعادة للمكارثية ومحاكم التفتيش، ولكن في القرن الواحد والعشرين.
اذا كان هناك آباء يفرضون علي بناتهم ارتداء الحجاب بالقوة، مثلما يجادل البعض، فان هؤلاء البنات يستطعن اذا اردن اللجوء الي الشرطة والشكوي لرفع هذا الفرض، تماما مثلما يلجأ ابناء المهاجرين الي الاتصال بمخافر البوليس اذا تعرضوا للضرب او الاعتداءات الجنسية من قبل ذويهم.
اننا نستغرب التناقض الكبير في مواقف الحكومة الفرنسية، ففي الوقت الذي تعتبر ارتداء الفتيات ملابس قصيرة جدا، وسراويل ضيقة مخالفة للاداب العامة، والسباحة شبه عاريات، من الحريات الشخصية التي يجب ان تحترم، نراها تعتبر غطاء بسيطاً علي الرأس عيباً كبيرا وخطرا علي العلمانية والهوية الفرنسية. فكيف يكون من حق الفتاة التدخين، وتعاطي المخدرات، والسهر حتي الصباح واقامة علاقات جنسية محرمة، ولا يكون من حقها وضع غلالة خفيفة علي رأسها؟
ان هذا القانون في حال صدوره سيكون انتكاسة للحريات العامة والشخصية في فرنسا، علاوة علي كونه سيفسر علي انه استهداف للاسلام والمسلمين، وممارسة التفرقة ضدهم، الأمر الذي قد ينعكس سلبا علي علاقات فرنسا ومصالحها في اكثر من ستين دولة اسلامية علي الاقل.
  #28  
قديم 27/12/2003, 10:00 AM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Smile أوروبا وظاهرة الحجاب

أوروبا وظاهرة الحجاب
2003/12/06

يحي أبوزكريا



تحول الحجاب الإسلامي في الغرب إلي ظاهرة حقيقية أصبحت تؤرق الكثير من صناع القرار السياسي والإجتماعي والثقافي في الغرب، وموقف هذه العواصم الغربية من الحجاب يتشعب إلي ثلاثة توجهات، التوجه الأول وهو الرافض لظاهرة الحجاب جملة وتفصيلا وتقف فرنسا في طليعة الدول الغربية المؤيدة لهذا التوجه، والتوجه الثاني وهو الذي يعتبر الحجاب مسألة شخصية تتعلق بحرية الشخص وقناعاته الذاتية وهذا التوجه سائد في العديد من الدول الأوروبية وتحديدا في أوروبا الشمالية، وتوجه ثالث يعتبر الحجاب مسألة خاصة لكن يحرم المحجبة الكثير من الحقوق، كحقها في العمل في كثير من القطاعات المتاحة.
وتتوافق هذه التوجهات الغربية الثلاثة علي أن للحجاب علاقة كبيرة بالإسلام الذي بدأت ملامحه تتجلي بوضوح في الغرب، ولذلك وضعه الإستراتيجيون الغربيون تحت دائرة الضوء والتشريح لمعرفة مستقبله وتأثيره علي المعادلة الإجتماعية وحتي الثقافية والسياسية في الغرب، خصوصا بعد أن تبين لهؤلاء الإستراتيجيين أن أبناء المرأة المسلمة غير الملتزمة هم أسرع في الإندماج في المجتمع الغربي بكل تفاصيله مسلكا ولغة وثقافة ومعتقدا، أما أبناء المرأة المسلمة المحجبة فمن الصعوبة بمكان إدماجهم في المجتمع الغربي وإذابة قيمهم وتوجهاتهم.
ويربط الإستراتيجيون الغربيون الحجاب في الغرب بالإسلام ويعتبرون تنامي هذه الظاهرة تناميا للظاهرة الإسلامية في حد ذاتها بإعتبار أن الإسلام يتحرك في الواقع الغربي بمصاديق متعددة أبرزها الحجاب والمدارس الإسلامية والمساجد والجمعيات الإسلامية وغير ذلك من مفعلات العمل الإسلامي في الغرب.
ويعود عدم إقدام الكثير من الدول الغربية علي محاصرة الحجاب إلي القوانين المعمول بها في هذه الدولة وتلك والتي تقدس إلي أبعد الحدود الحرية الإيمانية والدينية للشخص، وهي القوانين التي تم التوافق عليها بين مواطني هذه الدولة الغربية وتلك، ومن الصعوبة بمكان تغيير هذه القوانين التي جاءت إستجابة للتطورات الحاصلة في الغرب علي مدي قرون.
و تدشين فرنسا حملة إعلان الحرب علي الحجاب مرده إلي أن فرنسا يتواجد علي أراضيها أربع ملايين مسلم وهذا الكم الهائل من المسلمين جعل الحجاب الذي تلتزم به الفتيات المسلمات في فرنسا مسألة ملفتة إلي أبعد الحدود إلي درجة أن فرنسا بدأت تخشي من ضياع صورتها الماجنة أمام منظر الحجاب وما يمثله من عفة وطهر والذي له وجود كبير في كل المحافظات الفرنسية.
ويتوافق أصحاب التوجهات الثلاثة المذكورة علي أن ظاهرة الحجاب الإسلامي في الغرب ظاهرة مقلقة وقد تصبح خطيرة علي المدي المتوسط والبعيد لأسباب عديدة منها وجود الحجاب في الشارع الأوروبي يشير إلي فشل سياسة الإندماج التي سعي من خلالها الإستراتيجيون الغربيون إلي تذويب الإنسان المسلم في الواقع الغربي منعا من قيام إثنية دينية في الخارطة الأوروبية في المستقبل المنظور، بالإضافة إلي أن الملازمة الأكيدة بين الإسلام والحجاب تجعل الإسلام ودائما حاضرا في الشارع الأوروبي من خلال الحجاب، وهذا ما يجعل الإنسان الأوروبي يتساءل عن الإسلام الماثل أمامه وقد يكون ذلك مدخلا لإسلامه كما حدث مع كثيرين، وفي كثير من المدارس الغربية وعندما تتواجد فيها فتاة مسلمة محجبة تطلب المعلمة الغربية من هذه الفتاة أن تتقدم إلي مقدمة القسم وتشرح سبب إرتدائها للحجاب ولماذا الإسلام أوصي البنت بالحجاب وهذا قد يكون مدخلا أيضا بإتجاه أسلمة عقول بعض الناشئة الغربيين، وما زلت أتذكر عندما توجهت إبنتي بحجابها إلي المدرسة السويدية طلبت منها المعلمة أن تلقي كلمة عن الإسلام في القسم السويدي، بل دعت المعلمة أمها المحجبة أيضا لتقدم شرحا مستفيضا عن ثقافة الإسلام والمرأة وقد لاقي شرحها إستحسان الحضور، إلي درجة أنه وبعد ذلك أصبح هناك تفهم كامل من قبل المعلمات السويديات والتلميذات السويديات لظاهرة الحجاب.
ولم يصبح حجاب المرأة المسلمة في الغرب مجرد قطعة قماش تستر به مفاتنها بل أصبح محفزا للمرأة المسلمة لتدافع عن حجابها وإسلامها في الوقت ذاته، فلأنها تعيش في خضم مجتمع يرمقها صباح مساء ويعتبرها مظلومة، فإنها تضطر أن تدافع عن نفسها وخيارها الإسلامي في المدرسة والشارع والحافلة والمستشفي، وقد أدي كل ذلك إلي تكريس قناعاتها بالإضافة إلي إقناع الأوروبيات بعظمة الإسلام ومن ثم اسلمت الكثير من الأوروبيات وأرتدين الحجاب تماما كالمرأة المسلمة.
وقد صادف أن أسلمت فتاة سويدية تعمل في محل لبيع الثياب النسائية فطردت من عملها ورفعت دعوي علي رب العمل، فأنصفتها المحكمة السويدية وردتها إلي عملها مقرة بحقها في إرتداء الحجاب وإعتبار حجابها ذلك لا يتنافي مع العمل.
و أشد ما يخشاه الإستراتيجيون الغربيون هو حجاب المرأة المسلمة المولودة في الغرب والتي تجيد اللغة الغربية في هذه الدولة وتلك بطلاقة، حيث كان المعول أن يكون هؤلاء بحكم المولد الغربي وبحكم الدراسة في المدارس الغربية غربيات، خصوصا إذا علمنا أن الكثير من الدول الغربية فتحت باب الهجرة للعرب والمسلمين ليس طمعا في الكهول المشربين بالعادات والتقاليد الإسلامية ولكن طمعا فيمن هم في أصلابهم من الجيل الذي سيولد في الغرب فيكثرون به النسمة الغربية ويخضعونه لعملية غسيل دماع حضاري حتي يكون النسيج الإجتماعي والثقافي والحضاري في الغرب بعد خمسين سنة واحدا من وحي التركيبة الفكرية والثقافية والحضارية الغربية.
وقد أصبح هذا الجيل من المحجبات المسلمات المولودات في الغرب يشاركن في التظاهرات والنقاشات السياسية والثقافية التي تدور في وسائل الإعلام الغربية، ومثلما يثرن الدهشة فإنهن يثرن التساؤل لدي المهتمين الغربيين حول تبدد المشاريع الإندماجية في الغرب التي لم تستطع أن تزحف بإتجاه معتقد المرأة المسلمة المحجبة الذي يردف هذه المرأة بكثير من معاني القوة والإندفاع.
كما لاحظ هؤلاء الإستراتيجيون أن أبناء المرأة المحجبة الملتزمة يظلون محافظين علي قيمهم الدينية ومبادئهم الإسلامية وهو الأمر الذي يعتبره هؤلاء عقبة في وجه إنجاح سياسة الإندماج بشكل كامل.
وفوق هذا وذاك فإن المنظومة الإقتصادية الغربية التي تقدس المادة إلي أبعد الحدود وتعتبر الربح هدفا في حد ذاته، تعتبر أن الحجاب منافس لكثير من صناعات الملابس في الغرب، وقد يشكل إنتشاره بين الفتيات المسلمات والأوروبيات إلي حرمان هذه الشركات المنتجة للملابس والخليعة منها علي وجه التحديد من الرواج المطلوب حيث أن الحجاب بات يصدم أصحاب الفكر المادي ماديا وروحيا.
و يبقي القول أن الإستراتيجيين الغربيين يخشون أن تكون فريضة الحجاب المنتشرة في أوروبا والتي تلتزم بها المحجبات المسلمات منطلقا بإتجاه تكريس الفرائض الأخري، وهو ما تخشاه أوروبا وبدأت تدق لأجله الدوائر المعادية للإسلام في الغرب نواقيس الخطر.




كاتب جزائري
  #29  
قديم 28/12/2003, 08:31 AM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
البعض يفضلونها من على الإنترنت:اختفاء اخلاقيات" دخول البيوت من ابوابها

البعض يفضلونها من على الإنترنت:اختفاء اخلاقيات" دخول البيوت من ابوابها " في البحث عن الحب والزواج وشريكة الحياة


محيط : عواطف عبد الحميد·

زوجتي، الوصل العربي، راسين في الحلال ، الزفاف، طلبات الزواج في موقع المنار ،زواج المسلمين، الإسلامي المهاجر، خدمات صالح للزواج الإسلامي، مكتب الفرح للزواج ، موقع زهرة فلسطين، مكتب زواج المسلمين .




أسماء لآلاف المواقع العربية علي الإنترنت والتي تهدف إلي الإسهام في حل مشكلة تفاقمت داخل الوطن العربي وطفت علي السطح في الآونة الأخيرة بشكل بات يفزع الآباء والأمهات ، وهي مشكلة العنوسة فهذه المواقع أصبحت تسهل عملية البحث لراغبي الزواج و تحميهم في نفس الوقت من التردد والخجل أو الخوف من رفض الجنس الآخر. وهذه النوعية من المواقع تنتشر في العديد من المجتمعات حول العالم التي تساعد الشباب من الجنسين في الوصول إلى نصفهم الآخر،بعدما اختفت الخاطبة التقليدية كما اختفت أشياء كثيرة اتسم بها الزمن الغابر حلت محلها خاطبة آخر الزمان أو الخاطبة الإلكترونية وذاك وجه أخر للإنترنت .فليس كل ما فيه سئ وقبيح ، برغم أن للإنترنت وجه آخر ملئ بالمشكلات والتعقيدات الضارة إنسانيا وعائليا واجتماعيا ،إلا أن ذلك لا يمنع وجود وجه آخر أليف نبيل قد يتمكن من حل بعض المشكلات الكبيرة الجاثمة فوق صدر الوطن العربي وهي مشكلة العنوسة وسواء نجح الإنترنت في ذلك أو لا ونجحت الفكرة أو فشلت فهي علي أية حال فكرة جديدة تستحق الدراسة. شاب يبحث عن نصفه الاخر عبر مواقع الانترنت والسؤال الآن هل يمكن للإنترنت أن يتحول أيضا إلى خاطبة العصر الإلكتروني ويكون وسيطا ملائما وسريعا بين الشباب والفتيات عبر المحادثات المرئية قبل الزواج ، خاصة في المجتمعات المحافظة كمجتمعاتنا العربية التي تحظر الاختلاط.وهل يسهم في حل هذه المشكلة التي تقول عنها الإحصاءات:-في الأردن علي سبيل المثال دراسة قامت بها مؤخراً جمعية العفاف الإسلامية تؤكد ارتفاع عدد النساء اللواتي لم يسبق لهن الزواج في الأعمار 30 - 49 سنة من (6690) فتاة عام 1979 إلى 60 ألفاً عام 2000، .ودفعت هذه الأرقام الكثير من المهتمين بالقضايا الاجتماعية ووسائل الإعلام إلى التأكيد على أن قضية تأخر سن الزواج أو ما يعرف بالعنوسة أصبحت ظاهرة في المجتمع الأردني.وأجمع العديد من المهتمين في هذا الموضوع على أن صعوبة الوضع الاقتصادي وارتفاع تكاليف المعيشة هي أهم أسباب العنوسة بين الجنسين بالإضافة لأسباب اجتماعية أخرى مرتبطة بالعائلة والمجتمع بشكل عام.ودعت رئيسة جمعية النساء الجامعيات في الأردن نهى المعايطة الشباب من الجنسين التفكير بواقعية من أجل التغلب على الوضع الاقتصادي والمالي المتدهور.وحسب نفس الإحصاءات ترتفع العنوسة بين الفتيات أكثر من 10% سنوياً.والعنوسة مشكلة تواجه الشباب من الجنسين الذي قد يتعرض لها اختيارياً أو إجبارياً بحكم الظروف المختلفة وفي الحالتين تكون نتائجها ضارة وتشكل عامل هدم للبناء الاجتماعي..



احدى المواقع المتخصصة في الزواج
وفي مصر أعلن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء عن ارتفاع نسبة العنوسة حيث وصلت إلى 9 ملايين شاب وفتاة تجاوزوا سن الخامسة والثلاثين من دون زواج في حين بلغت عدد وثائق الطلاق التي صدرت في العام الماضي 75 ألف وثيقة طلاق. الطريف أن الإحصائية شملت وجود نحو 5 آلاف مصري متزوج من 4 سيدات ومن هؤلاء الأزواج من يحمل درجة الدكتوراه أو درجات علمية مرتفعة وليس أصحاب المهن أو التجار وحدهم في حين زاد عدد من يجمعون بين زوجتين فقط إلى قرابة مليون مصري.وفي المجتمعات الخليجية تتضح مشكلة العنوسة للفتيات وعزوف الشباب عن الزواج في قضية اجتماعية مزدوجة مرتبطة بالمغالاة في المهور والعادات والتقاليد الاجتماعية المقيدة وعجرفة أولياء الأمور ومبالغة الفتاة في فتى الأحلام الذي تنتظره حتى يفوت القطار ومبالغة الشباب في المواصفات والمقاييس دون أن يطالع مواصفاته أولاً. ويطالب عدد من الفتيات السعوديات بالمساواة بالرجل الذي يحصل على ترخيص بالزواج من الخارج دون السماح للفتاة بالزواج من الأجنبي. ومن خلال آخر دراسة أعدتها وزارة التخطيط السعودية أن نسبة الطلاق في المملكة ارتفعت عن الأعوام السابقة بنسبة 20% . كما أن 65 % من الزيجات عن طريق الخاطبة تنتهي بالطلاق حيث سجلت المحاكم والمأذونين أكثر من 70 ألف عقد زواج و 13 ألف صك طلاق خلال العام الماضي. وأوضحت الدراسة أنه يتم طلاق 33 امرأة يومياً في السعودية لتبلغ حالات الطلاق في العام 12192 حالة. ففي مدينة الرياض وحدها طلقت 3000 امرأة من أصل 8500 حالة زواج. وأشارت الدراسة إلى العنوسة من خلال عدد الفتيات اللواتي لم يتزوجن حيث بلغن سن الزواج 1529418 فتاة وكانت مكة المكرمة قد شكلت النسبة الكبرى بوجود 396248 فتاة ثم منطقة الرياض بوجود 327427 فتاة وفي المنطقة الشرقية 228093 فتاة ثم منطقة عسير بوجود 130812 فتاة تليها المدينة المنورة بـ 95542 فتاة ثم جازان 84845 فتاة ثم منطقة القصيم 74209 فتيات ثم الجوف 5219 فتاة وحائل 43275 فتاة ثم تبوك 36689 فتاة والمنطقة الشمالية 21543 فتاة. احدى المواقع المتخصصة في الزواج وكشفت الدراسة أن عدد الفتيات المتزوجات في السعودية بلغ مليونين و638 ألفا و574 امرأة من مجموع عدد الإناث البالغ أربعة ملايين و572 ألفا و231 أنثى. كما أن هناك ما بين عشر وخمس عشرة حالة زواج سعوديين من إندونيسيات شهرياً، وتبلغ أحياناً 25 زيجة. ويتضح من ذلك ارتفاع نسبة العنوسة في المجتمع السعودي إلى أكثر من مليون ونصف المليون فتاة عانس في السعودية ومثل هذا العدد وأكثر من الشباب عاجزون عن دخول الحياة الزوجية والحاجة إلى ضرورة البحث عن حلول سريعة للشباب والفتيات. بينما دول أوضحت الدراسة التي أعدها مركز سلمان الاجتماعي بالرياض نتائج سيئة تنذر بخطر كبير عن حالات الطلاق والعنوسة في دول الخليج.حيث أشارت الدراسة أن نسبة الطلاق في قطر وصلت إلى 38% من حالات الزواج في حين بلغت نسبة العنوسة إلى 15%.و في الجزائر كشفت أرقام رسمية أن أكثر من نصف نساء الجزائر يواجهن خطر العنوسة وأن أربعة ملايين فتاة لم يتزوجن رغم تجاوزهن الرابعة والثلاثين عاما .وقال الديوان الجزائري للإحصاء إن عدد العزاب بالجزائر تخطى 18 مليونا من عدد السكان البالغ 30 مليون نسمة. وأضاف الديوان أن الإقبال على الزواج زاد عام 2000 بنسبة تسعة بالمائة مقارنة بالعام السابق لكنه أشار إلى أن هذه الزيادة ضئيلة عند مقارنتها بعدد الشباب في سن الزواج، ويمثل الشباب نحو 60 بالمائة من السكان. وأظهرت بيانات الديوان أن 51 بالمائة من النساء في سن الإنجاب يواجهن العنوسة وأعاد الظاهرة إلى عدم توافر السكن وانتشار البطالة وغلو المهور ولم تشمل الإحصاءات عام 2001. .



زواج الانترنت لا يخلو من الغرام
رأي علم النفس ويطرح الدكتور محمد حسن غانم - أستاذ علم النفس بجامعة حلوان - رؤيته حول العنوسة مؤكدا أنها تمثل ظاهرة خطيرة في المجتمعات النامية والعربية تحديدا ، حيث يعد الزواج سترة للبنت ، وحفظا لكرامة أسرتها ، لأن تقدم الفتاة في السن وعدم زواجها قد يثير العديد من الأقاويل التي تمس سمعة الفتاة وسمعة الأسرة ، من قبيل أن البنت ( بارت ) أو غير صالحة للزواج ، وبعض الأسر - خاصة في المناطق الشعبية - تلجأ للعرافين والدجالين ظنا بأن ابنتهم ( معمول لها عمل ) يحول دون زواجها ويوقف حالها.ويؤكد أنه ليس في الأمر بعد خفي ؛ فالواقع يشير إلى وجود العديد من التغيرات التي أدت إلى تفشى ظاهرة العنوسة.ويرصد هذه التغيرات في:أولا - عامل خاص بالفتاة من قبيل عدم التزامها مما ينفر الكثير من الشباب من الاقتران بها.ثانيا - أسرة الفتاة ومدى التزامها بالأخلاقيات وتفهمها لظروف من يتقدم لابنتها.ثالثا - ظروف الشاب الذي يريد الزواج ولا يملك النفقات خاصة أن فئة من الناس تنزع إلى المظهرية والمبالغة في نفقات الزواج وإقامة حفلات الزفاف ؛ مما يصيب من يريد المحاكاة والتقليد باللجوء لأساليب منحرفة إما للحصول على المال أو إقامة علاقة دون ارتباط شرعي .أما الدكتور حسن عبد اللطيف فيقول:"مشكلة العنوسة لها خلفيات عديدة قد تكون أهمها التغييرات التي طرأت على مجتمعاتنا واحتلال النظرة المادية لتفكيرنا ونظام الحياة بشكل عام حتى أصبحت تحكم اختيارات الزواج...ويضيف قائلاً "اليوم الفتاة لم تعد تحلم بالفارس الذي يحملها على الحصان الأبيض ولم تعد تهتم بقوة الرجل أو الشكل بل الأقوى هو القادر على توفير حياة مرفهة...من جهة أخرى أصبح من الضروري أن تتم الفتاة تعليمها ومن الواضح أنه كلما كبرت ونضجت الفتاة تدقق بشكل أكبر في اختيارها وقد لا ترضى إلا بالصورة الكاملة بعكس نظرة طالبة المدرسة الصغيرة التي لا يهمها سوى ارتداء الطرحة البيضاء والفرحة بليلة العمر...إضافة إلى وجود تضارب كبير في المفاهيم فنجد أن المجتمع أصبح متخبطاً بين عاداته وتقاليده وبين مفاهيم الحضارة وهذا ينعكس بشكل أو بآخر على الزواج وتأسيس الأسرة"...وعن الحل لهذه المشكلة يقول الدكتور حسن"لابد أن يساهم المجتمع بأكمله لحل هذه المشكلة والتوعية بأهداف الزواج الحقيقية بعيداً عن الأحلام والماديات التي قد تضر مستقبل الشباب وتضع أمامهم عوائق كبيرة...إلى جانب تنبيه الفتاة كي لا يتسبب تركيزها على مستقبلها العلمي أو الوظيفي وحاجة المجتمع إلى عملها سبباً مباشرة بحرمانها من التفكير في الجانب الأهم من حياتها....لابد أن يكون هناك نوع من الموازنة كي لا يطغى جانب على الآخر وتقع الفتاة فريسة للندم على قطار العمر الذي يفوتها". حــاجــة ملـــحـة من كل ما سبق جاءت فكرة مواقع الزواج علي الإنترنت لتلبية حاجة ملحة وحل أزمة داخل مجتمعنا العربي بل في العالم كله أيضاً والغريب أنها تلقي إقبالاً كبيراً. وبسبب الإقبال الجماهيري أصبحت المواقع على شبكة الإنترنت تتبارى في توفير خدمات البحث عن الحب والزواج. ويرى لويس كانجانيس المدير التنفيذي لموقع " نيرفير كوم" أن إعلانات الزواج على شبكة الإنترنت أصبحت فعالة في حياة الشباب باختلاف أعمارهم وشجعت الكثير منهم على التخلص من الخجل والبحث عن شريك حياته أو على أصدقاء عبر الشبكة. كما فتحت أفاقا جديدة أمام الشباب للانخراط في العلاقات الاجتماعية والبحث عن الحب كامتداد طبيعي للحياة البشرية بدلا من الانعزال. .



شاب يبحث عن نصفة الاخر عبر مواقع الانترنت
ويضيف كانجانيس أن قاعدة البيانات تتباين حسب اهتمام المواقع ببيانات التعارف الخاصة بالذكور والإناث فبعض المواقع تهتم بصور الباحثين عن الزواج ويعتبرونه مهماً جداً لاستكمال بياناتهم. والبعض الآخر لا يهتم بها.وأيضا فيما يتعلق بطرق الاتصال حيث يرسل بعض المواقع رسائل تأكيد ويجرون اتصالات هاتفية بالباحثين عن الزواج لتأكيد صحة بياناتهم قبل نشر إعلاناتهم بالمواقع وذلك بهدف المحافظة على المصداقية بعكس بعض المواقع التي لا تهتم بتأكيد البيانات مما يفتح مجال للنصب باسم الحب الزواج. وعن أطرف البيانات التي تلقاها الموقع كانت بعض الصور المثيرة من الفتيات الباحثات عن الزواج مثل صورهن بلباس البحر. ويشير ناطق بلسان موقع " تيكيتاستر كوم" الأميركي إلى قاعدة بيانات الموقع التي تضم ما يزيد عن ثلاثة ملايين شاب وفتاة يبحثون عن الحب ويدلون بكافة تفاصيلهم الشخصية وملامحهم ومميزاتهم مثل الشعر ولون العين والانتماء العرقي والدين والدخل والرغبة في إنجاب أطفال. كما أن العمر هو المعيار الحقيقي في العلاقات عبر شبكة الإنترنت فبعيدا عن المواصفات الأخرى، التي غالبا ما تكون مبالغ فيها أو مبهمة، بالإضافة إلى المهنة التي تلقى اهتماما كبيرا خاصة من الفتيات بينما باقي المواصفات لا يهتم بها أحد لأنها غالبا مواصفات غير معبرة عن الحقيقة.أسلوب جديد للتقريب زواج الانترنت لا يخلو من الغرام يذكر أن بعض المواقع الخاصة بالزواج على شبكة الإنترنت تتبع أسلوب جديد لتقريب الشباب والفتيات من خلال غرف الدردشة التي ترفع شعار أسأل حبيبك كل يوم خمسة أسئلة وأجب عليها بمنتهى الصدق لتتعرف على نصفك الآخر!.كل ذلك برغم وجود دراسة بريطانية قامت بها منظمة ريليت، أكبر جمعية لتقديم النصائح الزوجية في بريطانيا، أن الإنترنت هو أحد الأسباب الرئيسية لانهيار العلاقات الزوجية في بريطانيا. وتقول المنظمة أن نحو 10 في المائة من تسعين ألف زوج وزوجة يسعون سنويا لاستشارة المنظمة حول الزواج سنويا، أن الإنترنت هو إحدى المشكلات التي يواجهونها. وقالت المنظمة في تقرير لها أن أحد عوامل ذلك هو أن الهوس بالإنترنت يمكن أن يستنفد جزءا كبيرا من الوقت ولا يترك سوي وقت ضئيل للشخص للتفاعل مع شريك حياته، ولكن هناك عوامل أخرى من بينها أن الشبكة تتيح للمرء إمكانية الاتصال بسهولة مع "شركائه" السابقين، حتى مع زملائه في مرحلة الدراسة. ويتمثل عامل آخر في إمكانية مشاهدة صورة إباحية بسهولة والدخول على مواقع الدردشة التي تدور حول الجنس على الإنترنت. وتقول منظمة ريليت أن العلاقات الزوجية بين أولئك الذين تتراوح أعمارهم بين 25 إلى 35 عاما هي الأكثر عرضة للخطر بسبب الإنترنت، وذاك هو الوجه الآخر له. .



زواج الانترنت
هذا عن الغرب أما في بلادنا فكأي فكرة جديدة لها مؤيدوها ومعارضوهاومن المعترضين آمنة محمد التي تري أنها لا تقبل أن تتزوج عن طريق الإنترنت فالزواج علي حد قولها مشاعر وأحاسيس فكيف يمكن أن أختار زوج المستقبل بهذه الطريقة ، وأعتقد أنه مهما قدم الكمبيوتر من معلومات عن شخصية الطرف الآخر ، فلن تكفي أبدا ، ولا يمكن الحكم علي شخص من خلالها ، ولابد أن يقتصر استخدام الإنترنت علي المعلومات المفيدة ودون التدخل في الأشياء التي تمس المشاعر والأحاسيس. المحاسب ماهر عبد الله أحد المتخصصين في مجال الكمبيوتر فيقول عن مواقع البحث على شبكة الإنترنت كوسيط في الوصول إلى شريك العمر أصبحت منتشرة بصورة كبيرة فمن السهل على أي فتى أو فتاة الدخول على المواقع التي تحتوى العديد من طلبات الزواج للجنسين على الإنترنت وهذا عن طريق الدخول مباشرة على الـ kelh . ma-matc أو القيام بعمل hing searc على الشبكة ثم الدخول إلى الـ make match وهنا تفتح مواقع طلبات الزواج لاتصفحها وأختار منها ما يناسبنى أو لأضع بياناتي أيضا وما اطلبه في شريك العمر وكل هذا يتم بشكل مجاني دون أي مقابل مادي إلا في حالة اختيار شخص محدد للزواج والرغبة في الاتصال به بشكل مباشر ومعرفة بيانات أكثر عنه .أما حنان عبد الله فتري - علي العكس - أن استخدام الإنترنت في الزواج أمر جيد ، ويمكن أن يساعد علي حل مشكلة العنوسة حيث أن مجتمعنا محافظ ولا يسمح بالاختلاط أو تعارف الفتاة بالشاب ولكن إذا تم التعارف عبر الإنترنت يمكن أن يتناقش الطرفان وهو أفضل من أن تخطب الفتاة أو تتزوج ثم لا يحدث تفاهم وتفسخ الخطبة أو يتم الطلاق المبكر ، ولذلك فإنني أوافق علي الزواج عبر الإنترنت بشدة ، والذي سيقوم بدور الخاطبة في الوقت الحاضر.ويختلف سعيد هادي فيرفض الزواج بهذه الطريقة ويري أن الفتاة التي تقبل أن تتحدث مع شاب لا تعرفه من خلال الإنترنت أو تراسله ، لا يمكن الوثوق فيها لأنها قد تتحدث مع شباب آخرين بهدف التسلية ولكن عند اختيار زوجة المستقبل فلابد من العودة للوسائل التقليدية ودخول البيوت من أبوابها وليس من شبكات الإنترنت. ويري البعض أن مثل هذه المواقع يمثل فرصة جيدة بالنسبة لغير المتزوجين الناضجين من العرب والمسلمين مؤكدين أن زيادة شعبية الزواج عن طريق الإنترنت هو نتيجة للتغيرات التي طرأت على أسلوب حياتنا في الوقت الراهن، فالشباب غير المتزوج يودون بشكل متزايد توسيع دائرة اختياراتهم فيما يخص الزواج حيث أن الكثيرين منهم يعملون لساعات طويلة في أعمال مضنية قد تتطلب منهم السفر إلى جميع بقاع العالم.ويعتبر البعض أن فكرة الزواج عن طريق الإنترنت هي واحدة من أفضل الأفكار التي ظهرت في القرن الواحد والعشرين، ومما لاشك فيه أن أصحاب رؤوس الأموال والشركات الكبرى في بحثهم الدائم عن صفقات ساخنة يعولون على هذه الخدمة وذلك بوضع أموالهم في مجال قريب من قلوب البشر. وسواء نجحت الفكرة أو فشلت ،عارضها البعض وأيدها البعض الآخر أو اعتبروها فكرة دخيلة علي مجتمعاتنا الشرقية أو لاعتبار أن في الزواج بهذه الطريقة نوع من تزييف الحقائق فالفكرة جد مثيرة تستحق الدراسة وتستأهل منا وقفة نري فيها إلي أين تسير هل هي مجرد موضة وتختفي هل هي مجرد فقاعة هواء لن تلبث لأن تتلاشى أم أنها فكرة مدروسة مخطط لها بشكل جيد تسعي فعلياً لحل مشكلة ما. ***
  #30  
قديم 29/12/2003, 12:59 PM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Cool الإنسان أولاً... فالإنسانية صنو الدين

الإنسان أولاً... فالإنسانية صنو الدين
تركي الحمد

حين ينتفي الحب ومشاعر التسامح من القلوب، فإن الإنسانية لا تعود هي بوصلة الاتجاه، ويصبح كل شيء ممكنا، وكل شيء جائزا، وكل شيء مبررا، حتى باسم ذات الحب وباسم ذات التسامح والإنسانية. جرائم كثيرة وكبيرة على مر العصور ارتكبت باسم أجمل المبادئ وأجل القيم، وهي بريئة كل البراءة من تلك الجرائم. فلا يمكن أن تكون الجريمة مبررة تحت أي مسمى جميل، أو من أجل تحقيق غاية نبيلة، حتى وإن قيل ذلك. نعم قد تأخذ الأمور مساراً محموداً بعد هذه الجريمة التاريخية أو تلك، ولكن الفضل في ذلك لا يعود لذات الجريمة، ولكن كنوع من التكفير عن تلك الجريمة. فالجريمة تبقى جريمة تحت أي مسمى، وبأي لون اتصفت.
هناك بعض أبشع الجرائم في تاريخ الإنسانية، فقد مورست تحت راية الدين وباسم الرحمن الرحيم، والدين من كل ذلك براء، فلا يمكن أن يكون الدين مناقضاً للقيم الجميلة في الحياة، فالله جمال وعدل ومحبة وتسامح، وليس سوطاً من عذاب مسلطاً على كل من عجنت يده، حتى وإن أراد البعض أن يجعله كذلك. فجوهر الدين، أي دين وكل دين حين يبقى الدين ديناً، هو الحب والرحمة وتلك العلاقة المنسية من التسامح بين الإنسان وأخيه الإنسان. وكما أن الحب والرحمة والتسامح هي جوهر الإنسانية، بمثل ما أن الإنسانية هي مزيج كل ذلك، فإن ذلك كله يمثل جوهر الدين حين يكون نابعاً من القلوب، كما بشر به الأنبياء والرسل، وكما فهمه عظماء الإنسانية وبسطاء القلوب من الناس، لا كما سار به التاريخ وترجمته أهواء البشر ومصالح الخلق الضيقة، الآني منها والبعيد. هذا الجوهر في الدين هو الذي يُنسى على مر التاريخ، ولا يبقي البعض من الدين إلا نصوصاً أفرغت من معناها، أو رجالاً فقدوا مكامن الإنسان في ذواتهم، أو مؤسسات فقدت بوصلة الاتجاه، وهنا تكمن كارثة الإنسان في كل مكان.
ففي الماضي مثلاً، استخدم الرومان الدين واجهة ومبرراً لقتل المسيحيين دون رحمة، وهم من كان ينادي بالمحبة والتسامح ودين الإنسان. ولم يلبث الرومان، ومن بعدهم الأوروبيون، أن استخدموا ذات المسيحية المضطهدة، دين المحبة والرحمة والتسامح المطلق، واجهة لنزع الرحمة من القلوب، وسفك الدم الحرام على مذابح الرب، والرب من كل ذلك براء. وكان الفريسيون من اليهود أيام المسيح عليه السلام، يأخذون بنصوص التوراة بدون أن ينفذوا إلى روحها، فكانوا الأكثر تديناً بين اليهود، رغم أنهم في حقيقة الأمر لا يمتون إلى الدين بأي صلة. هؤلاء الفريسيون هم من وشى بمكان المسيح ليلة القبض عليه، ومن ثم صلبه في الرواية المسيحية، أو رفعه كما يخبرنا القرآن الكريم. وهؤلاء الفريسيون هم من كانوا أعداء رسالة المحبة والسلام التي كان ينادي بها المسيح، وهم أصحاب السبت الذين مسخوا قردة خاسئين، رغم أنهم كانوا لا يخالفون النصوص قيد أنملة. واليوم ها هو الدور يأتينا، وإن كان قد اتانا من قبل، فيقوم رجال باسم الدين، وتحت ظل راية الرب الرحمن الرحيم، بتدمير كل ما هو جميل وأصيل وجوهري في الدين. الدماء تُسفك، والنساء ترمل، والأطفال ييتمون، والرؤوس تجز وتحز، وعمارة الأرض تُدمر، باسم جنة عالية يدعي هؤلاء زورا انهم يتسابقون اليها، وكأن الدم والدمار هو مهر تلك الجنة، وهم في كل ذلك عن الحقيقة غافلون، بعد أن اسودت منهم القلوب، فما عاد للنور منفذ وسط كل ذلك الديجور. فالجنة أعدت للمتقين، والتقوى محلها القلب، ولا تقوى مع دياجير النفس والعنف والقسوة واسترخاص الدم الغالي في عين فاطره ومجريه في العروق. فإذا كانت الدنيا وما احتوت لا تساوي في نظر الكريم قطرة دم واحدة مسفوكة بغير حق، فكيف يكون الدم هو ما يرضي الرب ويكون مهراً لجنة عالية، لا تسمع فيها لاغية، ربما لو كانت بيد هؤلاء، ممن انتزعت المحبة من قلوبهم، وانتفت الإنسانية من سلوكهم، ما ادخلو إليها أحداً من خلق خالق الخلق.
قيل لرسول الله، صلى الله عليه وسلم،: «أي الناس أفضل؟ قال: كل مخموم القلب، صدوق اللسان. قالوا: صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال: هو التقي النقي لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد». وفي حديث آخر، قال الرسول الكريم: «أتدرون ما المفلس؟ قالوا المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال: إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقض ما عليه، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار». العلاقة الإنسانية، ومشاعر الرحمة والحب والتسامح هي جوهر الإنسان، والتي لا يمكن للإنسان أن يكون إنساناً بدونها. والإنسانية صنو الدين، وبالتالي فإن من لا مشاعر من إنسانية غامرة تملأ شغاف قلبه، فإن الدين منه براء، حتى لو كان من أشد المتدينين في ظاهره. فالدين في النهاية هو أن يكون الله مستقراً في القلوب، ومن كان الحق المطلق، والجمال المطلق، والحب المطلق مستقراً في قلبه، فإنه لا يمكن أن يرى حيواناً يتألم، فكيف بإنسان يراق دمه، وهو أكرم مخلوقات الخالق على الخالق، منذ أن نُفخت الروح الإلهية في تجاويف الجسد الآدمي.
ورد في الأثر أن بغياً دخلت الجنة بسبب *** كاد أن يموت عطشاً أسقته، ودخلت امرأة النار بسبب هرة حبستها فهلكت، فلا هي التي أطعمتها، ولا هي التي تركتها حرة تبحث عن رزقها في خشاش الأرض. دخلت إحدى المرأتين الجنة رغم كل ذنوبها وخطاياها الظاهرة، فقد كان قلبها عامراً بالرحمة والحب والحنان، فيما لم تنتفع الأخرى من تقواها الظاهرة، فقد كان قلبها كالحجارة أو أشد قسوة، فدخلت النار بسبب هرة لا قيمة لها في عين تلك المرأة، وهي لا تدرك كم كانت قيمة تلك الروح في عين خالقها، حين نزعت الرحمة من قلبها، فنزعت بذلك الإنسان من داخلها، ومن ثم العروة الوثقى مع الرحمن الرحيم، فلم تعد في النهاية إلا شيئاً من جماد لا إحساس فيه، وبذلك استحقت أن تكون مجرد جمرة من جمرات نار تتلظى، كما كان ذات وضعها في الحياة الدنيا، فمن لا يرحم لا يُرحم، ومن كان عديم الإحساس في الدنيا، فهو لا يستحق جنة تقوم على الإحساس بالحب والخير والجمال في الآخرة. وبذات هذا المعنى، يروي الفيلسوف الهندي راما كريشنا (1836 - 1886) قصة مشابهة في مغزاها. يقول كريشنا: كان هناك رجل متنسك يقضي نهاره كل يوم تحت ظل شجرة يُعلم الناس الفضيلة والتقوى. كما أنه كان يعيش حياة زهد فلا يشرب إلا الحليب ولا يأكل سوى الثمار. وكان يعتقد بينه وبين نفسه أنه بهذا الأسلوب من الحياة الذي ينتهجه قد بلغ حداً كبيراً من القداسة والكمال. وكانت امرأة مومس تعيش معه في نفس القرية وقد اتخذت من الزنى مهنة تكسب منها قوتها اليومي، فكان الناسك يأتي إليها كل يوم ويؤنبها على سلوكها المتهور ويحذرها من أن مصيرها في النهاية إلى جهنم، فكانت المسكينة بعد انصرافه تذرف الدموع وتبتهل إلى الله طالبة منه أن يخلصها من هذه الحياة التعيسة التي اضطرتها ظروف فقرها لأن تحياها. وبعد ردح من الزمن توفي الرجل الناسك والمرأة الزانية، فحضرت الملائكة لتأخذ المرأة إلى الجنة، والناسك إلى جهنم. فاحتج الناسك على هذا التصرف المجحف وخاطب الملائكة بحدة قائلاً: كيف تصنعون بي هذا؟! ألم أقض حياتي وأنا أُعلم الناس الطهارة واجتناب الخطيئة. فبأي منطق أساق أنا إلى النار بينما تُقاد هذه المرأة الخاطئة إلى الجنة؟! فأجابته الملائكة: صحيح أن هذه المرأة قضت حياتها في الخطيئة، ولكنها كانت تتجه دائماً إلى الله طالبة منه الخلاص مما هي فيه. وها هي الآن قد حصلت على ما كانت تطلبه. أما أنت فقد قضيت حياتك وأفكارك متجهة دائماً نحو خطايا الآخرين، فكنت لا ترى أمامك سوى الخطيئة، لذلك جئنا لنأخذك إلى المكان المخصص للذين لا يرون سوى الخطيئة..
الحكمة واحدة في أي مكان وكل زمان، إذا كانت الحكمة هي الغاية، بعيداً عن أهواء الذات وعصبيات الجماعة وأسر المذهبيات. فما يقوله كريشنا وغيره من أناس كانت الحكمة الخالصة غايتهم، هو ذاته ما تقوله الأديان وفلسفات الإنسان في كل زمان ومكان. وعندما يكون الإنسان إنساناً من داخله، أي أن الرحمن قد هيمن على كل قلبه، فإن النتائج لا تختلف، فجوهر الإنسان واحد منذ بدء الخليقة وحتى نهايتها، ولكن هناك من يطمس كل ذلك فلا يرى رغم أنه يرى. فالناسك في القصة السابقة غرته نفسه، وأعتقد أنه أقرب إلى الله من تلك المومس الخاطئة المنكسرة الفؤاد، فظن أن الجنة ملك يمينه، غير عالم بأن معايير الرب غير معايير البشر، وإن ادعى البعض معرفة مطلقة بتلك المعايير، فكانت النار مصيره رغم النسك. فلقد كان زاهداً في دنياه، ورعاً في تقواه، ولكن نفسه كانت أكبر من الدنيا كلها كبراً وغروراً، فلم يفده الظاهر حين أصبح في حالة تناقض مع الباطن. وفي هذا المعنى يقول ابن قيم الجوزية: «رب معصية أورثت ذلاً وانكساراً فأدخلت صاحبها الجنة، ورب طاعة أورثت صاحبها عجباً وكبراً فأدخلته النار». ومن الأقوال المأثورة لعلي بن أبي طالب في هذا الشأن: «يا عبد الله: لا تعجل في عيب أحد بذنب فلعله مغفور له، ولا تأمن على نفسك صغير معصية فلعلك معذب عليه». وفي حديث شريف للمصطفى عليه السلام: «شر الناس من اتقاه الناس مخافة شره». نعم.. شر الناس من اتقاه الناس مخافة شره.. هنا يكمن المعنى..وهنا تكمن حقيقة التقوى.. الخير والحب والجمال.. وشر الناس من هجرت هذه القيم روحه، وتركت قلبه قطعة من ليل مدلهم السواد لا فجر بعده..
  #31  
قديم 30/12/2003, 10:57 AM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Cool التجمل بالإصلاح السياسي يحوله إلى إصلاح سياحي

التجمل بالإصلاح السياسي يحوله إلى إصلاح سياحي

فهمي هويدي



فكرة مناقشة اصلاح الوضع العربي في مؤتمر القمة العربية المرتقبة في تونس تستحق الحفاوة لا ريب. لكن المرء لا يستطيع أن يخفي شعورا قويا بالقلق بداخله حتى يكاد يفسد السرور الذي ينتابه، حين يطالع الخبر لأول وهلة. ذلك ان المشكلة في العالم العربي ليست في خطوات الاصلاح وانما هي في جدية ارادة الاصلاح، لاننا من تجارب عديدة ومريرة سمعنا كلاما كثيرا وجميلا عن الاصلاح، وصادفنا ما لا حصر له من القرارات والاجراءات التي رفعت راية الاصلاح، لكننا اكتشفنا بعد حين ان عنصر الجدية لم يكن متوفرا، وأن الحرص على التجمل كان اكثر من السعي للاصلاح، وأن الاهتمام بالطلاء صرف الاهتمام عن ترميم البناء.
خذ مثلا قريبا، الكلمات العربية التي القيت في القمة العالمية للمعلومات التي عقدت قبل اسبوعين في جنيف، وكيف أنها اعربت عن الحماس المفرط لكل عناوين مجتمع المعرفة والمعلومات.
واسهبت في وصف الجهود التي تبذل على المستوى الوطني لبناء المجتمع العصري واستخدام تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات لمواجهة التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتحقيق النهضة الشاملة و...و... الخ.
لم اكن هناك. ولست في موقف يسمح لي بالحديث عن صدى الكلمات التي القيت في محفل جنيف، الذي شهدته وفود 174 دولة وحضره 67 رئيس دولة وحكومة، ونحو 850 منظمة وهيئة حكومية واهلية. لكني ازعم انني قريب من تجارب المجتمعات التي جرى الحديث عنها «بفخر واعتزاز» كما قيل في واحدة من تلك الكلمات. وكمواطن يعيش داخل تلك المجتمعات ويراقب احوالها، فان أول ما خطر لي حين وقعت على تلك الكلمات أن اصدر تكذيبا لما تضمنته من ادعاءات ومعلومات، وأن اعلن على الملأ أن مجتمع المعرفة لا يمكن ان يقوم حقا الا اذا كان المجتمع ديمقراطيا، وان الحديث عن مجتمع المعرفة لا يستقيم اذا تم بمعزل عن الدعوة الى اشاعة الديمقراطية. واذا ما ركزنا على الاولى دون الثانية فاننا بذلك نضع العربة امام الحصان، الامر الذي لن يتيح لنا امكانية التحرك خطوة واحدة الى الامام، ومن ثم سيغدو حديثنا عن «النهضة» المنشودة مجرد ادعاء أو حلم غير قابل للتطبيق.
اكثر من ذلك فإنني أزعم ان توفير تكنولوجيا المعلومات في مجتمع تغيب عنه الديمقراطية ربما كان فيه من الضرر اكثر مما فيه من النفع، لان التكنولوجيا في هذه الحالة سوف تستخدم ضد المجتمع ومن اجل قمعه وليس لصالحه، من حيث انها ستوفر لاجهزة السلطة فرصة التنصت على الناس ومراقبتهم واختراق خصوصياتهم، دون ان يكون بمقدورهم حماية انفسهم من تغول السلطة وعدوانها على خصوصياتهم.
وبعد ان صار مصطلح «مجتمع المعرفة» احد شعارات الموسم وهتافاته التي يرددها كثيرون هذه الايام ـ حتى اشعار آخر على الاقل ـ فانه من المهم للغاية ان نتفق على مضمونه أو ما نتصوره اطارا صحيحا له. ثمة تعريف لمجتمع المعرفة ورد في تقرير التنمية الانسانية الذي صدر عن الامم المتحدة هذا العام ـ ركز على هذه القضية ـ ورد فيه ان مجتمع المعرفة هو ذلك المجتمع الذي يقوم اساسا على نشر المعرفة وانتاجها بكفاءة في جميع مجالات النشاط المجتمعي: الاقتصاد والمجتمع المدني والسياسة والحياة الخاصة وصولا للارتقاء بالحالة الانسانية باطراد. وهذا التعريف المجهل لا اجده وافيا لانه يخلط فيما بين الوسائل والأوعية والمقاصد، على نحو قد يؤدي الى الالتباس، وربما يفتح الباب للعبث بالمصطلح وابتساره. فكل ما يدخل ضمن تكنولوجيا الاتصالات هو من الوسائل، وكذلك تعليم الناس القراءة والكتابة، اما مجالات الاقتصاد والمجتمع المدني والثقافة والسياسة فهي من الأوعية التي توظف فيها تلك الوسائل. والقصد من ذلك كله هو الارتقاء بالانسان والمجتمعات والديمقراطية شرط تحقيق الارتقاء المنشود ببساطة لانها اذا اخذت على محمل الجد ـ وليس على سبيل الهزل كما في بعض تجاربنا العربية ـ فان المعرفة في ظلها ستصبح حقا، وليس مجرد واجب يؤدونه بشكل آلي في مجالات حياتهم المختلفة.
ان مجتمع المعرفة ينبغي ان يعترف بحق الناس في أن يعرفوا، وليس فقط ذلك الذي يعلم الناس القراءة والكتابة أو الذي يوفر للخلق اجهزة الكمبيوتر ووسائل الاتصال الرقمية المختلفة وما لم يتوفر للناس ذلك الحق الذي اشرت اليه فإن البشر في هذه الحالة لن يكونوا افضل كثيرا من قطيع الغنم، لا يتجاوز دورهم حدود التلقي والاستقبال، ويسيرهم الراعي في أي اتجاه، وحق الناس في المعرفة له شرط جوهري هو اطلاق حرية الصحافة بحيث تتمكن من ان تطلع الناس على الحقائق لكي يعرفوا كيف والى اين تسير السفينة بهم. وتلك الحرية في الاخبار لا يمكن لها ان تتحقق الا في ظل أجواء ديمقراطية لا تتحول فيها السياسة الى كهنوت واسرار لا يطلع عليها سوى صناع القرار، ليس ذلك فحسب، وانما حيث يعترف بحق الناس ان يعرفوا، فان ذلك يحول المجتمع الى طرف آخر في المعادلة السياسية، بحيث يؤدي اشاعة المعرفة في هذه الحالة ليس فقط الى اخبار الناس، وانما ايضا الى اتاحة فرصة رصد صدى تلك الاخبار لدى الرأي العام، ووضعه بالتالي في الاعتبار. الامر الذي يخرج المجتمع في حالة التلقي ويحوله الى شريك في صناعة القرار السياسي بدرجة أو اخرى.
من هذه الزاوية فلا مفر من الاعتراف بأن ما تحقق حتى الان في العالم العربي من خطوات على طريق اقامة مجتمعات المعرفة والمعلومات ما يزال يقف عند حدود توفير الوسائل، ولست واثقا من دور تلك الجهود وتأثيرها في الاوعيه المختلفة، لكن القدر المتيقن ان شيئا من المقاصد التي اشرت اليها لم يتحقق بعد، ببساطة لانه لم يثبت ان حق الناس في المعرفة جرى التسليم به وهم ما يزالون يعاملون كرعايا لا كمواطنين، الامر الذي فرض عليهم ان يظلوا متلقين، يستقبلون فقط ولا يرسلون وهو ما يفرغ مجتمع المعرفة من وظيفته ومضمونه، بحيث ان ما يمارس في اطاره يظل يتحرك في حدود التجمل واستجلاب رضى الآخرين، وهو ما وصفته في مقام آخر بأنه بمثابة اصلاح «سياحي» مقطوع الصلة بما تنشده من اصلاح سياسي.
ليس هذا المشهد جديدا ولا هو مفاجىء في الزمن العربي، الذي ازعم ان من سماته الالتفاف حول الديمقراطية والتمسح فيها، مع القطيعة معها في ذات الوقت.
ذلك ان هناك قيما ومؤسسات تمثل منتجا للديمقراطية وافرازا لها، بمعنى ان الدول الغربية الحديثة بعد ان قطعت شوطا في تطبيق النظام الديمقراطي وكفلت لسكانها حق المشاركة وحق المساءلة، فعلا عن حق الكرامة، وجدت ان ثمة انظمة وهياكل يتعين اقامتها سواء لضمان استمرار تلك المسيرة أو لرفع كفاءة وتعزيز عافية مجتمعاتها. وكانت مؤسسات المجتمع المدني ومنظمات حقوق الانسان في مقدمة تلك الهياكل، كما ان حق الناس في معرفة ما يجري في اوطانهم صار قيمة معترفا بها، وغير قابلة للمنازعة.
وحين لجأت اغلب الانظمة العربية الى تحديث مجتمعاتها، واتجهت الى التنمية السياسية التي يفترض ان تواكب التنمية الاقتصادية، فانها قفزت فوق قيم الممارسة الديمقراطية، وتجاهلت استحقاقاتها الاساسية المتمثلة في حقي المشاركة والمساءلة، ثم اتجهت الى منتجات الديمقراطية وافرازاتها وسعت الى التعامل معها بصورة مباشرة. وكان ذلك بمثابة اقصاء للاصل وتركيز على الفرع، وهو ما عبر عنه البعض بقولهم انه تفريغ للديمقراطية من مضمونها الليبرالي.. ماذا كانت النتيجة؟
كما ان الديمقراطية العربية اختزلت في بعض الموسسات والهياكل التي توفر الشكل بينما تعجز عن اداء الوظيفة، فان ما يسمى بالمجتمع المدني ومجتمع المعرفة ومنظمات حقوق الانسان، صارت بدورها عناوين فارغة المضمون، اعطت انطباعا وهميا بالانخراط في مجرى الحداثة والديمقراطية، في حين انها تؤدي دور القناع الذي يغطي وجه الممارسات الاستبدادية.
ذلك وضع محزن وبائس لا ريب، لكن الاسوأ من وجوده ان من شأن استمراره على تلك الوتيرة ان يصيب الشباب بالاحباط، واليأس من أي ممارسة ديمقراطية، ومن ثم من أي تطور سلمي ايجابي في المجتمعات العربية، وحين يبلغ منهم القنوط مبلغه فان العنف يطل برأسه كأحد خيارات التغيير المطروحة، ان لم يكن الخيار البديل الاكثر رجحانا، ولكي تكتمل فصول المشهد المأساوي فاننا لا نفعل شيئا لعلاج المشكلة من جذورها، ولكننا نسارع الى قمع الشباب وسمعتهم دون ان نفكر في محاسبة انفسنا فيما اقترفناه حتى اوصلناهم الى تلك النتيجة.






المصدر جريدة الشرق الاوسط

آخر تحرير بواسطة صقر الخالدية : 30/12/2003 الساعة 11:11 AM
  #32  
قديم 31/12/2003, 08:15 AM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
الشورى.. مبدأ اساسي للحياة بكل جوانبها

الشورى.. مبدأ اساسي للحياة بكل جوانبها



عقيل عبدالخالق ابراهيم اللواتي

ان فكرة الديمقراطية في وقتنا الحاضر تغزو العالم عبر مساحات واسعة من النشاطات الاعلامية والثقافية سواء على مستوى الندوات او المحاضرات او اللقاءات المرئية او صفحات الجرائد، او بالحملات العسكرية لغزو البلدان العربية والاسلامية لنشر ( الديمقراطية) في هذه البلاد او تلك!
ويبدو للعالم اليوم ان الديمقراطية هي التطور السياسي للنظم السياسية وانها النموذج المثالي الذي يمكن اتباعه من قبل كافة الشعوب... وجهة النظر الغربية.
ولا شك ان في هذه الفكرة بريقا قويا.. ويتجلى ذلك عندما نرى كثيرا من الباحثين في السياسة الشرعية يقدمون (الشورى) كمرادف للديمقراطية.. فالديمقراطية اذن لا تنافي بينها وبين الاسلام وانما هي (ترجمة معاصرة) للشورىاو ان الشورى هي التعبير الاسلامي عن الديمقراطية، وذلك على اساس ان الاعتراض انما هو على المصطلح ولا يتجاوزه الى المضمون. في حين يرى بعضهم ان هناك فرقا كبيرا بين الآليتين تسمية ومضمونا، بينما ذهب آخرون الى محاولة التوفيق بينهما فاقترح استعمال لفظ (الشوراقراطية لتدلّك على تمسكنا بجوهر قيم الشورى).
وهنا، فان المسألة بحاجة الى بحث مستفيض عن الاسس الفلسفية او الفكرية التي تنطلق منها الديمقراطية و الشورى والانتباه الى ان لكل مفهوما خاصا ربما يتقاطع مع الآخر ولا يلتقي معه بالضرورة.
فالديمقراطية تقترن دراستها اساسا بالنظم السياسية وهي خاصة بها كمنهج في الحكم يضع حدا لثنائية الحاكم والمحكوم التي سادت تاريخ اوروبا القديم والوسيط، واقترنت بانتشار الحكم الفردي وسيطرة الكنيسة وغياب القانون. ويهدف هذا المنهج الى استبدال هذا الوضع القديم بآخر جديد هو وضع الدولة الحديثة التي يحكمها القانون باعتبارها معبرا عن ارادة الشعب، الذي له حق كل سلطة وتشريع، و يكون ملزما للرئيس والمرؤوس معا. ولا شك ان الديمقراطية تحمل بعض الايجابيات وخصوصا اذا قورنت مع مساوئ الدكتاتورية، الا انها تجاوزت الكثير من الحدود المشروعة والمعقولة في كثير من الجوانب في مقدّمتها انها بشرية النظام، وهي مجرّد تجربة بشرية في افكارها ومضامينها واساليب تطبيقها، وهي ايضا دنيوية الاهداف فتأتي تشريعاتها ناقصة مبتورة تزخر بالنظرة المادية العلمانية التي تضيع فيها الاخلاق والقيم وتكون فيها قيمة المال ومقدار الربح فوق كل شيء.. حتى الانسان.
اما الشورى فان اقتران دراستها بالنظم السياسية لا يعني بالضرورة انها خاصة بها، بل هي عامة تشمل جميع مناحي الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتربوية. ويمكن ان نستوحي من قوله تعالى: ( والذين استجابوا لربهم واقاموا الصلاة وامرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون) - هذه الآية التي نزلت قبل قيام الدولة الاسلامية في المدينة المنورة - بأن وضع الشورى اعمق في الحياة الاسلامية من مجرد ان تكون نظاما سياسيا للدولة.. وان الشورى هي الطابع الذي تتطبع عليه الجماعة ويقوم عليه امرها كجماعة، ثم ينتقل من الجماعة الى الدولة بوصفها افرازا طبيعيا للجماعة.
ومن هنا نجد التناغم واضحا بين شكل الحكم السياسي، وطبيعة الحالة الاجتماعية. فاعتماد الشورى كمبدأ عام للحياة وكسلوك وممارسة اجتماعية، ابتداء من الاسرة والمدرسة والمصنع والمؤسسة والنشاط الديني والاجتماعي، تنطلق من فهم ورؤية دينية ثقافية، كل ذلك يفترض ان يؤدي الى التزام الشورى في المجال السياسي. وهذا هو مصداق الحديث الشريف الذي يقول: (كما تكونوا يول عليكم ).
ومن هنا.. فان الشورى عنصر مهم من عناصر العقيدة الاسلامية، فقد جاءت فريضة بين اشهر فريضتين من فرائض الاسلام وهما الصلاة والزكاة، وهي المرة الوحيدة التي جاء فيها فاصل بين الصلاة وايتاء الزكاة معا وبالترتيب وبدون فاصل بينهما، وهي المرة الوحيدة التي جاء فيها ذكر الشورى مع الصلاة والزكاة ليؤكد رب العزة على انها عبادة يمارسها المسلم في كل موقع، وينبض بها قلب المجتمع في كل حدث، لا حياد عنها ولا مجال فيها لاي عذر شأنها شأن الصلاة والزكاة.
ان الطبيعة الاجتماعية للشورى تفرض علينا التعمق في دراستها كأساس وقاعدة لبناء المجتمع في كل ميادين الحياة وذلك باستيعاب مفهوم الشورى وجذوره الفلسفية والفكرية، وتطبيقاته الاجتماعية، لنضمن بذلك حماية مجتمعنا واجيالنا من الانبهار بديمقراطية الغرب، والعيش ضمن اجواء بعيدة عن نهج الشورى.
فالطريقة المتبعة في مجتمعاتنا لا تزال قائمة على الرأي الفردي، والارادة الاحادية لم يطرأ عليها التطوير فتأخذ بنهج الشورى فما زال رب الاسرة في عوائلنا هو السيد وصاحب القرار في كل شيء، لا يتخذ الحوار منهجا للتواصل مع زوجته واطفاله .. ولا يعود ابناءه على كيفية تقبل الرأي الآخر دون مصادرة.
والوجاهة في القبيلة لا تزال خاضعة في مجتمعاتنا للعصبية والسيطرة متمثلة في اسر عريقة او غنية ترى او يرى لها البعض انها احق لهذا الدور لما لها من وضع ومكانة خاصة. ولو اخذنا بنهج الشورى في ذلك لحققنا وحدة مجتمعاتنا وتفاعلها مع الوجاهة للبناء والتطوير يدا بيد.
والمؤسسات التعليمية لو بادرت واعطت لطلابها مزيدا من الثقة ومنحتهم الفرصة في اثبات الذات والشراكة في التخطيط والتنسيق والاعداد والتنظيم في جميع فعالياتها، واخذت برأيهم واستشارتهم في حل المشاكل التي تواجهها وتصحيح الافكار الخاطئة .. لساهمت فعلا في تنمية تفاعل الطلاب وتشجيعهم على تنمية التعبير عن الرأي ومهارات الحوار البناء وقبول الرأي الآخر.
والمؤسسات الاجتماعية تكون بيد افراد من الاهالي يتم تعيينهم لاعتبارات خاصة ايضا.. فلا ترى الا والفساد يسري في روحها في كثير من الاحيان.. تارة بعدم الكفاءة او الاهمال، واخرى بالتلاعب.. ولو ان هؤلاء تم انتخابهم بالشورى لعادت هذه المؤسسات للوطن والمجتمع بالخير الكثير.
والنشاط الديني والثقافي تشرف عليه وجوه شبه مجمدة في مواقعها.. ولو ان المعنيين قاموا بتفعيل المشاركة لضخ دماء جديدة لانتجوا فكرا جديدا.. في ظل الشورى .. يشعر افراد المجتمع بكرامتهم، واحترام ارادتهم ورأيهم، فتبدع العقول، وتتطور الافكار، وتظهر الكفاءات والمواهب، وتتوفر فرصة التعبير عن الرأي، ويتحمل المجتمع بجميع افراده مسؤولية القرارات التي تتخذ لاسهامه في صنعها .. وفي ظلها ايضا .. باعتمادها كمبدأ عام للحياة وممارسة اجتماعية.. فان المجتمعات تعد نفسها لممارسة الشورى في نطاقها الاوسع وذلك في سياق المشاركة الشعبية في صناعة القرار الوطني.
ويرى بعض المفكرين ان من اهم اسباب فشل تجارب المشاركة الشعبية في صناعة القرار في العديد من دول العالم الثالث او عزوف الناس عن ممارسة حق الانتخاب هو ان هذه المجتمعات لم تتعود على المشاركة اساسا، وتشكلت تركيبتهم الذهنية والنفسية وفق نمطية معينة لا تتحمل اي رأي مخالف ولهذا تفشل عندما تتاح لها الفرصة.
نحن في امس الحاجة لنمارس الشورى في دواخلنا، في اسرنا، ومدارسنا، وفي العمل، وفي الطريق.. من هنا تنبع الشورى، وليس من انتخابات برلمانية او بلدية وغيرها او من لجنة لحماية حقوق الانسان.. ونحن بحاجة لان نحترم ذاتنا، ومواطننا وانساننا، ومن هذا الاحترام والتقدير ينبع نهج الشورى، فالشورى لا تتجزأ، وهي كل متكامل يجب التعامل معه وفق هذه الرؤية.



المصدر جريدة عمان
  #33  
قديم 03/01/2004, 10:19 AM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Red face عــــــام الوهــــــن

قضايا و اراء
42757 ‏السنة 127-العدد 2003 ديسمبر 30 ‏6 من ذى القعدة 1424 هـ الثلاثاء


عــــــام الوهــــــن

بقلم: فهمـي هـويـــدي



هو عام الوهن بامتياز‏..‏ ولو كان للهوان نوط لألقيته الآن في وجهه دون تردد‏.‏ لم لا‏,‏ وقد تجمع في ذلك العام الذي نطوي صفحته الأخيرة خلال ساعات كم من دلائل الانكسار في عالمنا العربي علي نحو لا اعرف له مثيلا في تاريخه المعاصر علي الأقل‏,‏ الأمر الذي يكاد يستعيد مشهد انهيار الدولة العباسية امام زحف المغول‏,‏ الذي وصفه ابن كثير في البداية والنهاية قائلا انه‏:‏ اجتمع علي الناس فيه البلاء والوباء والفناء والطعن والطاعون‏!‏

‏(1)‏
رب قائل يقول أن عام النكسة‏(1967)‏ بالهزيمة المنكرة التي تخللته يناطح عامنا غير المأسوف علي رحيله‏,‏ وقد يتفوق عليه في المهانة والإيلام‏,‏ لكني أزعم ان هذه قراءة ليست دقيقة وتحتاج إلي مراجعة‏.‏ لان الزلزال الذي وقع آنذاك كان بمثابة لحظة انكسار رهيبة اهتز لها وجدان الامة لاريب‏,‏ لكن الفرق كبير في التداعيات والنتائج بين ماجري آنذاك والحاصل الآن في بلادنا‏,‏ حتي ازعم ان محصلة هذا العام‏(2003)‏ اسوأ بكثير منها عام‏67‏ ـ لماذا؟ لان صدمة‏67‏ هزم فيها مشروع ونظام لكن الامة ظلت علي ثباتها وصمودها‏,‏ بدليل ما أعقبها من حرب استنزاف مهدت الطريق للعبور الذي تم في عام‏73‏ ـ وقبل الاثنين تنادي زعماء العرب لاجتماع قمة في الخرطوم التي أعلنت فيها اللاءات الثلاث الشهيرة‏(‏ لاصلح ـ لا اعتراف ـ لاتفاوض‏)‏ وكان ذلك دليلا علي أن الهزيمة لم تنته لا بالتسليم ولا بالانبطاح‏,‏ وان ما انكسر لم ينل من العزم والإرادة‏,‏ وهو مايسوغ لنا أن نقول بأنه رغم ماحدث في عام‏67‏ فقد ظلت الامة حاضرة ومستنفرة‏,‏ أما في ختام عام‏2003‏ فقد التبس الأمر واستبدت الحيرة بالجميع حتي اصبح كثيرون يتساءلون أين هذه الامة‏,‏ بل سمعنا اصواتا لنفر من اليائسين في اكثر من عاصمة عربية شككت في وجود الامة من الأساس‏.‏
ليس ذلك فحسب‏,‏ وإنما بوسعنا ان نقول ايضا انه في أعقاب هزيمة‏67‏ صدمت مجتمعاتنا وعبرت عن غضبها علي النحو الذي نعرف‏,‏ لكنها ظلت صامدة ومتماسكة‏,‏ ومعتصمة بالثقة والأمل‏,‏ وهو ما اختلف كثيرا في نهاية عام‏2003,‏ حيث لانكاد نري أثرا للغضب‏,‏ كما تبدد رصيد الثقة والأمل فيما هو قائم‏,‏ وحدث الانفصال النكد بين بعض شرائح النخبة وبين المجتمع‏,‏ فما عاد الأولون تعبيرا عن ضمير المجتمع أو حلمه‏,‏ وحين انفرط عقد الامة تآكلت في خرائطها أشياء كثيرة‏,‏ حتي صرنا مع نهاية العام اقرب إلي فتات الامة وأنقاضها‏.‏

‏(2)‏
التآكل الذي حدث أصاب خرائطنا السياسية والثقافية ايضا‏,‏ وحل بالواقع كما ان الاحلام لم تسلم منه‏,‏ واذا نظرنا إلي ما حل بخرائطنا السياسية في ذلك العام المنصرم فسنجد انه شهد نوازل عدة أبرزها ما يلي‏:‏

‏*‏ التوحش الاسرائيلي الذي بلغ ذروته‏,‏ سواء في الاجتياحات شبه اليومية التي شملت الضفة الغربية والقطاع‏,‏ او في اقامة السور الوحشي الذي ابتلع الاف الأراضي وشرد وقطع أرزاق عشرات الالاف من الفلسطينيين‏.‏ الأمر الذي حول الأرض المحتلة إلي سجن كبير‏,‏ وأحال مدنها وقراها إلي زنازين أو مسالخ متجاورة‏,‏ لاتسير في شوارعها سوي جنازات الفلسطينيين ومجنزرات الاسرائيليين‏.‏
المدهش في الأمر أن القيادة الاسرائيلية وهي تمارس هذا كله تواجه من النخبة العربية بردود أفعال متباينة‏,‏ كل منها أكثر عبثية من الآخر‏,‏ من ناحية فان تلك النخب صارت تخاطب إسرائيل عبر الولايات المتحدة التي لم تتوقف عن إعلان تأييدها للممارسات الاسرائيلية وتبريرها لكل مايتخللها من وحشية‏,‏ بحجة أن ماتلجأ إليه هو من قبيل الدفاع الشرعي عن النفس‏,‏ ومن ناحية ثانية فان الهدف الجوهري للمساعي العربية ظل يدور حول مطلب واحد هو‏:‏ العودة إلي طاولة المفاوضات من ناحية ثالثة فان الطرف الفلسطيني وهو يتلقي تلك الضربات يوما بعد يوم لم يتوقف عن تقديم التنازلات للاسرائيليين واحدا تلو الآخر‏,‏ فمرة يستجيبون للضغط ويصفون المقاومة بأنها ارهاب‏,‏ وفي مرة ثانية يوافقون علي تفكيك منظمات المقاومة ونزع سلاحها وتصفية بنيتها التحتية‏,‏ وفي مرة ثالثة هذا العام وافقوا علي بقاء المستوطنات في الارض المحتلة‏,‏ وأخيرا قبل شهر في جنيف‏,‏ رأينا بعض الفلسطينيين يتنازلون عن حق العودة‏,‏ كل هذا يدفعه الفلسطينيون ـ أحيانا وسط حفاوة عربية مفرطة ـ دون أن يحصلوا من اسرائيل علي أي مقابل‏.‏ واذا كان هناك من رد فانه يأتي علي النحو الذي رأينا هذا الأسبوع في غزة ونابلس‏:‏ مزيد من الاجتياحات بما تستصحبه من قتل وترويع وتدمير‏.‏

‏*‏ غزو العراق واحتلاله بعد تدميره‏,‏ ثم الاعلان صراحة عن استمرار الوجود الأمريكي فيه‏,‏ اقله في قواعد عسكرية‏,‏ مع الإصرار علي الحاق العراق بعجلة السياسة الأمريكية‏,‏ وفتح أبوابه لاسرائيل‏,‏ وإعادة صياغته من جديد‏,‏ ضمن خطة أمريكية طموحة استهدفت تغيير خرائط الشرق الأوسط‏.‏
هذا الاحتلال الأمريكي لدولة عربية يحدث لاول مرة في التاريخ العربي‏,‏ ويعد خطوة علي طريق تنفيذ المشروع الامبراطوري الأمريكي‏,‏ الذي وجد في العالم العربي منطقة رخوة مهيأة للتقدم السهل صوب تحقيق ذلك الهدف‏,‏ وبتمام الاحتلال دخلت المنطقة العربية طورا جديدا تماما‏,‏ تجاوزت واشنطون كل الحدود‏.‏ حتي ان وزير الدفاع الامريكي نحدث مؤخرا عن الانتقال الي حرب الأفكار في المنطقة‏,‏ التي تستهدف تغيير عقول الناس ومداركهم‏.‏
صدي الاحتلال ونتائجه جاء مذهلا بكل المقاييس‏.‏ فما جري كان كفيلا بأن يشعل حرائق الغضب في كل مكان بحيث يقيم الدنيا ولايقعدها في العالم العربي‏,‏ لكن شيئا من ذلك لم يحدث‏,.‏

‏*‏ في أجواء الانبطاح والامتثال المخيمة‏,‏ انفتحت الشهية الأمريكية لممارسة المزيد من محاولات تركيع دول المنطقة‏,‏ فأصدر الكونجرس بأغلبية ساحقة قانون محاسبة سوريا الذي وقعه الرئيس الأمريكي قبل أسبوعين‏,‏ وهو الذي جاء بمثابة انذار فج لسوريا يتذرع بحكاية دعم الارهاب وتطوير أسلحة الدمار الشامل وتأمين الحدود مع العراق والانسحاب من لبنان‏,‏ ويطالبها بالانصياع للإرادة الأمريكية خصوصا في علاقة دمشق بالمقاومة الفلسطينية‏(‏ التي أغلقت مكاتبها‏)‏ وبحزب الله‏,‏ وإذا لم يتحقق لواشنطون ماتريد‏,‏ فان سوريا مهددة بالحصار الاقتصادي وبتجميد أموالها في البنوك الأمريكية‏,‏ وبغير ذلك من العقوبات التي يراد لها ان تؤدي إلي كسر الإرادة والتركيع‏,‏ ويعد النجاح الذي تحقق في اصدار القانون وتوقيعه من قبل الرئيس الأمريكي فان شهية البعض ازدادت اتساعا وسمعنا عن قانون اخر لمحاسبة دولة خليجية يجري الآن اعداده لتقديمه إلي الكونجرس‏,‏ وفيما يحدث ذلك في واشنطون فان العالم العربي يظل محتفظا بهدوئه المدهش‏,‏ حتي يبدو وكأن كلمة الغضب قد سقطت من قاموسه‏.‏

‏(3)‏
إذ بدا العالم العربي وكأنه سفينة تائهة بلا ربان‏,‏ او مقطورة حائرة بغير قاطرة‏,‏ فان هذه الأجواء كان لها صداها السلبي البعيد في المحيط الثقافي‏,‏ الذي تجلي في ظواهر عدة بينها مايلي‏:‏

‏*‏ شيوع ثقافة العزلة والانكفاء‏,‏ الذي اختزلها شعار نحن أولا الذي رفع تباعا في عدة عواصم عربية‏,‏ وبدا كأنه دعوة إلي نفض الأيدي من استحقاقات الانتماء العربي‏,‏ التي هي في حقيقة الأمر جزء لا ينفصل عن الامن القومي العربي‏,‏ وقد عبر آخرون عن هذا الموقف من خلال تهوينهم من شأن الرابطة العربية‏,‏ وازدرائهم لمخلتف صور العمل العربي المشترك‏.‏

‏*‏ الجرأة المدهشة علي ماتعارفنا علي اعتباره ثوابت للامة‏,‏ وفي مقدمتها الانتماء العربي والاسلامي باعتبارالاستقلال ركيزة للكرامة الوطنية‏,‏ والوحدة هدفا للعمل العربي المشترك‏,‏ والحل العادل لقضية فلسطين مفتاحا لاستقرار المنطقة وشرطا لاقامة أية علاقات مع اسرائيل‏,‏ ومن أسف أن ذلك كله جري العصف به‏,‏ فقد أصبحت الثوابت موضعا للسخرية والازدراء حتي انه في الجزائر التي قدمت اكثر من مليون شهيد لاسترداد هويتها ودفاعا عن عروبتها واسلامها‏,‏ اصبح الانتماء العربي والاسلامي في إعلامها مهمشا‏,‏ كما أن مفهوم الاستقلال صار ملتبسا بعدما اصبح البعض يصف احتلال العراق بأنه تحرير‏,‏ ولايجد غضاضة في اقامة القواعد العسكرية الأمريكية علي الاراضي العربية‏,‏ اما مسألة الوحدة العربية ـ حتي في كونها هدفا بعيد المدي ـ ومسألة مقاطعة اسرائيل للمساعدة في استخلاص الحق الفلسطيني‏,‏ فقد أصبح كل منها جزءا من ثقافة السلفية السياسية التي عفا عليها الزمن‏,‏ كما روجت كتابات هذا الزمان‏.‏

‏*‏ الجرأة علي الثوابت العربية استصحبت جرأة موازية في ارتكاب العديد من الفواحش الفكرية‏,‏ من الجهر بضرورة الالتحاق بالغرب واحتذائه نموذجا‏,‏ إلي الدعوة الصريحة للاستعانة بالولايات المتحدة لتغيير الأوضاع الداخلية في العالم العربي‏,‏ إلي التباهي بالانتماء إلي حزب أمريكا والدفاع المخزي عن الاختراق السياسي والاعلامي للساحة العربية‏,‏ إلي ازدراء النضال الوطني والشعبي والمقاومة الفلسطينية خصوصا‏.‏

‏*‏ الامتثال المستغرب لكل ماتطلبه أمريكا‏,‏ سواء لما اعتبرته من متطلبات حملتها لمكافحة الارهاب‏,‏ أو حتي لما أرادت ان تتجمل به للايحاء بأن لها دورا رساليا في المنطقة‏,‏ لاتبتغي من ورائه سوي النهوض بها واخراجها من الظلمات إلي النور‏,‏ فحين طلبت الادارة الأمريكية تغيير مناهج التعليم في العالم العربي‏,‏ فان الشعار صار مرفوعا في كل العواصم العربية‏,‏ وحين طلبت اخضاع التعليم الديني لاشراف الحكومات وتقليص مناهج الثقافة الدينية‏,‏ فقد تم لها ما أرادت‏,‏ وحين تجملت الولايات المتحدة بحكاية تمكين المرأة وحماية حقوق الانسان‏,‏ تحولت القضيتان إلي برنامج عمل للانشطة الأهلية في عالم العرب من أقصاه إلي أقصاه‏,‏ وحين أدانت واشنطون العمليات الفدائية ووصفت ابطالها بأنهم قتلة وليسوا شهداء‏,‏ فان الخطاب الاعلامي تغير في العديد من المنابر التي دأبت علي وصف أولئك الشبان والشابات بانهم انتحاريون وليسوا شهداء‏.‏

وحين أصبحت كلمة الجهاد تستفز أصحاب القرار في واشنطن فانها غيبت من قاموس الخطاب‏,‏ وصارت تذكر علي استحياء في سياق الحديث عن جهاد النفس إلخ‏.‏

‏(4)‏
إننا اذا حولنا البصر عن الأفق المعتم الذي يتراءي لنا طول الوقت‏,‏ ونظرنا إلي الشارع العربي وهو يموج بالجماهير التي يجري حقنها يوما بعد يوم بجراثيم البلبلة واليأس والانبطاح‏,‏ فسنجد ان جذوة الامل لم تنطفيء بعد‏,‏ وسندرك ان المراهنة علي القابعين في السفح لها مردودها الذي لايخيب‏,‏ اذا ما قورن بعبثية المقارنة علي الجالسين علي القمة‏.‏
النظر المدقق لما يجري في فلسطين يشهد بما نقول‏.‏ إذ رغم كل جبروت ووحشية الممارسات الاسرائيلية‏,‏ ورغم أن شارون وصحبه ركبوا أعلي خيولهم‏,‏ فانهم فشلوا في اخضاع الفلسطينيين وحل المشكلة عسكريا‏,‏ في ذات الوقت نجحت المقاومة الفلسطينية في اسقاط القناع الذي اخفي طويلا مدي قبح الوجه الاسرائيلي‏,‏ حتي اعتبرت شعوب الاتحاد الأوروبي انها تمثل الخطر الأول علي السلام العالمي‏,‏ ليس هذا فحسب وانما كشفت المقاومة عن عمق الشروخ والشقوق في المجتمع الاسرائيلي حتي كتب واحد من أبرز سياسييها ـ ابراهام بورج ـ مقاله الشهير الذي نعي فيه انتهاء الحلم الصهيوني‏,‏ وهو الموقف الذي أيده فيه آخرون‏,‏ وكان له صدي الصدمة داخل إسرائيل‏.‏

صحيح أن مهمة المقاومة صارت أصعب بكثير‏,‏ والثمن الذي يدفعه الفلسطينيون يفوق طاقة الاحتمال‏,‏ ولكنه لم يذهب هباء‏,‏ وليس فقط لما ترتب عليه من صدي داخل اسرائيل ذاتها‏,‏ ولكن لان صمود وثبات ذلك الشعب البطل ومقاومة شبابه الباسلة‏,‏ أصبحت دليلا علي ان الشعب الفلسطيني هو الذي لايقهر‏,‏ وان الامة العربية لم تمت بعد‏.‏
في العراق شهادة أخري تؤجل إعلان وفاة الأمة‏,‏ فهذا الشعب الذي عاش تحت القهر لاكثر من ثلاثة عقود‏,‏ يعبر كل يوم عن رفضه لمذلة الاحتلال من خلال مقاومة شبابه التي تفجرت في مختلف المدن‏,‏ رغم محاولات التشويه والآسي والفتنة التي يبذلها الحزب الأمريكي هناك‏.‏

ما أريد أن أقوله ان كثيرين سقطوا في الامتحان حقا في اختبارات عام‏2003‏ لكن شعوبنا بفطرتها السليمة التي لم تتلوث ما دخلت امتحانا إلا وصمدت فيه وتحقق لها النجاح في نهاية المطاف‏.‏

‏(5)‏
في الحديث النبوي قوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ يوشك أن تداعي عليكم الأمم كما تداعي الأكلة علي قصعتها‏.‏ قالوا أمن قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟ ـ قال‏,‏ لا بل انتم يومئذ كثير‏,‏ ولكنكم غثاء كغثاء السيل‏,‏ وقد أذهب الله المهابة لكم من قلوب عدوكم‏,‏ وقذف في قلوبكم الوهن‏,‏ قالوا‏:‏ وما الوهن يارسول الله قال حب الدنيا وكراهية الموت‏.‏


كل عام وانتم بخير


جريدة الاهرام
  #34  
قديم 04/01/2004, 08:56 AM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
لماذا يعارض الخليجيون التجنيس

بقلم الدكتور:: محمد حسين اليوسفى







مجلة الازمنة العربية



























تهدف هذه الورقة إلى إلقاء الضوء على بعض الظواهر المتعلقة بالجنسية والمواطنة والسياسات المتبعة في دول مجلس التعاون في التعامل مع التمتع بالجنسية بصفة أصلية فضلاً عن سياساتها نحو عملية التجنيس ووضع المتجنس ذاته وأبنائه الراشدين والقصر والذين ولدوا بعد اكتسابه للجنسية. وتتطرق الورقة إلى ظاهرة انعدام الجنسية أو ما يعرف باللغة الاجتماعية بظاهرة البدون، إذ تناقشها الورقة من حيث حجمها كظاهرة ومن حيث الخلفية الاجتماعية لهؤلاء البدون وما هو مطروح حلاً لمشكلتهم.

أخيراً، سيكون التركيز على نظرة قوانين الجنسية للمواطنة الخليجية المتزوجة من أجنبي وبالذات فيما يخص بجنسية أبنائها والمشكلات الناجمة عن ذلك. والورقة تنطلق من اهتمامات علم الاجتماع القانوني الذي يركز -فيما يركز- على القوى الفاعلة في وضع القوانين، ومدى نجاحها في التطبيق العملي أو تعثرها، وآثار ذلك على الحياة الاجتماعية وغيرها. لذا فهي لن تخوض في المسائل القانونية إلا بالقدر الذي يوضح الصورة الاجتماعية لتأثير تلك القوانين.

ولا بد من القول أن المعلومات المتعلقة بموضوع البحث شحيحة، إذ هي شذرات تم تجميعها من هنا وهناك كيما نخرج بصورة عامة هي أبعد ما تكون عن الصورة المتكاملة. وتتباين دول الخليج العربي في هذا الخصوص. ففي حين نرى بأن البيانات المتعلقة بالجنسية والمواطنة وفيرة عن الكويت، نجد أن تلك البيانات نادرة عن بلدان أخرى كعمان وقطر والإمارات.

أولاً: الجنسية بصفة أصلية

إن الجنسية بصفة أصلية حق يؤخذ بقوة القانون. لكن هذا المبدأ في الواقع التطبيقي يخضع لاعتبارات اجتماعية وسياسية، من حيث التوسع في التمتع بهذا الحق، أو التشدد في الشروط الواجب توافرها إثباتاً لهذا الحق. فنرى أن المجتمعات الخليجية تنقسم في ذلك إلى قسمين: 1- مجتمعات تتشدد في هذا الحق، كالكويت والبحرين والإمارات وقطر. 2- مجتمعات تتساهل بذلك، كالمملكة العربية السعودية. أما المجتمعات الأولى فقد مرت بمرحلة التساهل، كالكويت في الستينيات وذلك لضبط نتائج العملية الانتخابية، حيث لا زالت ذيول تلك العملية قائمة بوجود مطالبات كثيرة أمام اللجنة العليا للجنسية التي تشكلت في أواخر السبعينيات، إذ حصل من خلالها1000 شخص الجنسية بصفة أصلية منذ العام 1992 1. والبحرين وقطر والإمارات في السبعينيات، لاستكمال مقومات الدولة وعهد الاستقلال. وفي الإمارات حظيت القبائل العربية وأبناء "قبائل بر فارس العرب" والحضارم بمعاملة خاصة.2 ثم ما لبثت أن تشددت هذه الدول في حق التمتع بالجنسية بصفة أصلية.

أما المملكة العربية السعودية، فقد واصلت سياستها في التساهل حول حق التمتع بالجنسية بصفة أصلية وبالذات تحت ما يسمى "باستعادة الجنسية الأصلية"، حيث استفاد كثير من أفراد القبائل التي هاجرت من الجزيرة العربية في فترات تاريخية مختلفة واستوطنت في العراق والشام والتي لا زالت لها امتدادات قبلية قوية في المملكة العربية السعودية، كقبائل الظفير وعنزة وشمر، أو ما يطلق عليها "القبائل الشمالية". وقد كانت تبعية هذه القبائل، وما تنطوي عليها تلك التبعية، موضع خلاف في مؤتمر العقير في العام 1922 بين الوفدين السعودي والعراقي. وقد تم في ذلك المؤتمر تخطيط الحدود النجدية العراقية3 .

وهذه السياسة تنطبق أيضاً على بعض الامتدادات القبلية لبعض المناطق الحدودية، كقبائل محافظة المهرة في اليمن، حيث تسهل السلطات السعودية لهم الحصول على جنسيتها كما ذكر عدد من هؤلاء للباحث. ومن الجدير بالذكر أن الكويت تضم جالية من المهرة منذ الخمسينيات، وقد خرج هؤلاء من الكويت إبان الغزو العراقي، وكانوا يحملون الجوازات اليمنية الجنوبية، ثم رجع من هؤلاء بعد التحرير من رجع وهم يحملون جوازات سعودية4 .

وفي هذا الإطار، عاملت الحكومة السعودية "النجديين" القاطنين في العراق وبالذات من أهالي مدينة الزبير، الذين أسسوا تلك المدينة قبل ثلاثة قرون، فأصدرت مرسوماً في العام 1973(7/12/1393) توافق فيه على "منح النجديين المقيمين في العراق فرصة العودة إلى جنسية بلادهم الأصلية"5 . وقد أدى ذلك إلى هجرة أهالي الزبير ولم يبقَ من أهلها الأصليين أحد.6

وربما يفسر هذه السياسة اتساع رقعة المملكة العربية السعودية، وبالتالي حاجتها إلى مواطنين "من نفس النسيج الاجتماعي" القائم في المجتمع السعودي فضلاً إلى رؤية أصحاب القرار في بناء دولة قوية. ولا شك أن المواطن بصفة أصلية يتمتع بحقوق لا يتمتع بها المتجنس إلا ضمن شروط معينة تختلف من بلد خليجي لآخر؛ كحق التعيين في المناصب العليا ذات الطابع السيادي أو حق الترشيح والانتخاب للمجالس النيابية والبلدية.

ثانياً: التجنس والمتجنسون

إن السياسة المتبعة في المجتمعات الخليجية هي عدم الأخذ بالتجنيس كآلية لتعديل التركيبة السكانية، وهي عكس تلك السياسة التي اتخذتها الدول الأوروبية الغربية بعد الحرب العالمية الثانية، تعويضاً عن النقص في قوة العمل الناجمة عن الحرب. فبعض هذه المجتمعات قد أغلق باب التجنيس بشكل كامل (حالة الكويت منذ أواسط الستينيات)، وبعضها يجنس ولكن بأعداد متواضعة (كحالة المملكة العربية السعودية). ومن المعروف أن اكتساب الجنسية عن طريق التجنس هو منحة وليس حقاً, وأن هذه المنحة يرجع تقديرها إلى الدولة7 .

وتشير الأرقام إلى أن البحرين قد قامت في الفترة من 1950 إلى مايو 2001 بتجنيس 42997 شخصاً بينهم 9749 عربياً. والعدد الإجمالي للمتجنسين يشمل "الشخص المتجنس وزوجته وأبناءه وأبناء أبنائه وزوجاتهم فضلاً عن الزوجات العربيات المتزوجات من بحرينيين بالولادة". وهؤلاء جميعاً (أي المتجنسون جميعاً) لا تتجاوز نسبتهم 10 في المائة من عدد المواطنين.8 وكان المتجنسون يمثلون ثلث المواطنين الكويتيين قبل تعديل القانون واعتبار أن أبناء المتجنسين الذين ولدوا بعد حصول آبائهم على الجنسية مواطنون بصفة أصلية. ففي العام 1992 كان إجمالي عدد المتجنسين 188017 شخصاً، منهم 64368 متجنساً و29529 عدد الزوجات و94120 عدد الأبناء9 .

أما بالنسبة للملكة العربية السعودية، التي تقوم بعملية تجنيس منظمة فإنها قامت في الفترة ما بين 1386 هـ. الموافق 1966م إلى 1413هـ. الموافق 1993 بتجنيس ما مجموعه 15650 شخصاً. وهذا العدد لا يشمل زوجات هؤلاء وأولادهم، أو زوجات السعوديين الأجنبيات. كان منهم 10903 شخصاً من الجنسيات العربية و 4747 شخصاً من الجنسيات الأجنبية. والواقع أن هؤلاء -عرباً وأجانب- ينتمون إلى جميع الجنسيات المعروفة تقريباً.

فيما يخص دول الخليج العربي الأخرى قطر والإمارات (فيما عدا سلطنة عمان)، فإننا نلاحظ إشارات هنا وهناك تدل على وجود عمليات تجنيس، لكن حجمها غير معروف.

ولعل مرجع رفض المجتمعات الخليجية في اتخاذ التجنيس سياسة لتعديل التركيبة السكانية هو الكلفة الاقتصادية الباهضة التي ستتحملها كون مواطنيها يتمتعون بخدمات مجانية في ظل سياسة "دولة الرفاه" المتبعة. وهذه سياسة قصيرة النظر، فتعديل التركيبة السكانية أمر ضروري لهذه المجتمعات إن أرادت الاستقرار الاجتماعي الحقيقي. وعملية التعديل تلك لا يمكن أن تتحقق دون وضع خطة لتجنيس بعض الوافدين من ذوي الكفاءة، علماً بأن بعضهم قد أمضى أكثر من أربعة عقود في هذه الدول.

ويمثل المتجنسون شريحة مهمة من المواطنين في المجتمعات الخليجية، وينتمون إلى نفس الأصول القبلية والطائفية والجهوية التي ينتمي إليها المواطنون بصفة أصلية (فيما عدا حالة بعض المتجنسين في المملكة العربية السعودية الذين ينتمون إلى مجتمعات بعيدة عن المجتمع الخليجي). وهذه الشريحة تتباين في تمتعها بحقوق المواطنة، منها تسنم المناصب العليا (ذات الطابع السياسي) فضلاً عن حقوق الانتخاب والترشيح وغيرها، فيما عدا حالة البحرين إذ نجد أن قانون الانتخاب رقم 14/2002 قد ساوى بين المتجنس والمواطن بصفة أصلية من حيث التمتع بحق الانتخاب والترشيح. وهذا المرسوم بقانون يتناقض مع المادة السادسة الفقرة الثالثة من قانون الجنسية البحرينية 8/1963 وتعديلاته والتي نصت على وجوب انقضاء عشرة سنوات قبل تمتع المتجنس بحقوقه السياسية، مما يثير الشك في مرامي المرسوم المذكور فضلاً عن عمليات التجنيس التي حصلت قبل الانتخابات الأخيرة وعمليات التجنيس التي تمت في الثمانينيات من القرن الماضي.

والمتجنسون ينقسمون إلى: المتجنس ذاته، وأبنائه القصر وقت تجنسه، وأبنائه الراشدين، ثم أبناء المتجنس الذين ولدوا بعد اكتساب أبيهم الجنسية. وتتعامل قوانين مجتمعات الخليج العربي مع هذه الفئات بصور مختلفة على الصعيد القانوني أو على الصعيد العملي. وقد تولدت عن ذلك مشكلات ستحاول الورقة مناقشتها.

فابن المتجنس الراشد لا يكتسب الجنسية كأخيه القاصر، إذ لا بد له هو ذاته أن يتقدم لطلب الجنسية، إن أراد التجنس بجنسية أبيه. ولما كانت عملية الجنسية وتنظيم المواطنة جديدة على المجتمعات الخليجية في أول انطلاقتها، ولما كان القاطنون في هذه المنطقة لم يكونوا على دراية بشكليات القانون، فإن بعض هؤلاء لم يتمكنوا من الحصول على الجنسية دون أن تكون لهم جنسية معروفة. فأصبح هؤلاء ضمن فئة البدون. ولعل تجربة الكويت في هذا الإطار واضحة. إذ حرم مجموعة من أبناء المتجنسين الذين كانوا راشدين عند كسب آبائهم الجنسية الكويتية، ولم يجنس هؤلاء لأن باب التجنس أقفل في العام 1966، فانتظر هؤلاء إلى العام 1998 لكي يضاف إلى المادة السابعة من قانون الجنسية فقرة لتشمل هؤلاء (قانون11/98). وبلغ أعداد هذه الفئة 581 حصلوا على الجنسية الكويتية في العام 2001.

وتنص قوانين الجنسية لكل من الكويت والسعودية وقطر وعمان على أن ابن المتجنس الذي ولد بعد اكتساب أبيه الجنسية مواطن بصفة أصلية. في حين يعتبره قانوني الجنسية لكل من البحرين والإمارات متجنساً. وخطورة قانوني البحرين والإمارات –دون الدخول في جدل قانوني مفصل- أنهما سيخلقان فئة من المجتمع تتوارث التجنس جيلاً بعد جيل دون أن يكون لها أمل في التمتع بالمواطنة الكاملة!.

ترى، هل تعامل البلدان الخليجية التي تنص قوانينها –كما يفهم من منطوق قوانينها– أبناء المتجنس الذي ولد بعد اكتساب أبيه للجنسية مواطناً بصفة أصلية؟ هذا ما لا نعلمه، ولكن تجربة الكويت -التي نمتلك معلومات كافية عنها- تشير عكس ذلك. إذ عاملت السلطة التنفيذية هؤلاء كمتجنسين، وذلك بغية حصر العملية الانتخابية في أضيق حدود للتحكم بنتائجها. واستمر الحال إلى ما بعد الغزو العراقي للكويت، حيث تغيرت الأجواء السياسية وزادت الوحدة الوطنية، فتم تنظيم تحرك شعبي أثمر عن صدور قانون 44 لسنة 1994 الذي اعتبر هؤلاء مواطنين بصفة أصلية. وقد شمل القانون المذكور 34 ألف مواطن.

ثالثاً: ظاهرة عديمي الجنسية أو البدون

إن كل المجتمعات الخليجية تعاني من ظاهرة وجود فئة عديمي الجنسية، بهذا القدر أو ذاك، ولعل المجتمع الكويتي أوضحها في هذا الإطار. وهناك معلومات عن وجود هذه الفئة في المملكة العربية السعودية. وكان عدد البدون في البحرين حوالي 10000 شخص ينتمون في مجملهم إلى الأصول الإيرانية. وقد اتخذت الحكومة البحرينية خطوات جادة لإنهاء المشكلة.

وتظهر المشكلة أيضاً في دولة الإمارات العربية المتحدة، إذ يؤكد سعيد بن حفيظ المزروعي، عضو المجلس الوطني الاتحادي على أهمية "متابعة قضية بدون حاملي الجنسية (البدون) وحصر هذه الحالات ومسك سجلات لها ومن ثم اقتراح إجراءات معالجة أوضاعها". ولا نمتلك أعداداً لهؤلاء الذين أخذوا يظهرون في بعض الإحصائيات كالتقرير الأمني السنوي لشرطة الشارقة، والذي يبين فيما يبين أن البدون يحتلون المرتبة الرابعة من مرتكبي الجرائم وعددهم 26852 شخصاً بنسبة 15%، علماً بأن هذا العدد يشمل مرتكبي "جرائم السير والمرور". ويبدو أن دولة الإمارات تعيد نفس الخطأ الذي ارتكبته الكويت بتوظيفها البدون في الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية. فقد ذكرت جريدة البيان أن تعليمات قد صدرت -في الشارقة- بتعيين 200 شخص من الذين لا يحملون جنسية الدولة في الشرطة. أما أصول البدون فتشير المعلومات الصحفية المنقولة عن مسؤولين أنهم ينتمون إلى الأصول الإيرانية.

أما الكويت، فإنها تشكو من ظاهرة البدون التي أخذت تتشكل منذ أواخر الستينيات، حيث وصل عددهم في يونيو 1990 إلى 220 ألفاً. وقد انخفض هذا العدد بعد الغزو إلى 138370 فرداً، كان من بين هؤلاء 42557 فرداً لم يغادروا الكويت أثناء الاحتلال، مقابل 95813 فرداً كانوا من المغادرين. أما البقية والبالغ عددهم 80000 ألفاً تقريباً، فقد غادروا الكويت أثناء الاحتلال إلى مواطنهم الأصلية ومعظمهم كان من الأصول العراقية. ويوجد الآن حوالي 70000 ألفاً من البدون، يدخل ضمن إحصاء 1965 حوالي 30000 ألفاً منهم. وهذا الإحصاء هو الحد الأدنى الذي وضعته الحكومة بالاتفاق مع مجلس الأمة للنظر في تجنيس هؤلاء. وحلاً للمشكلة، فقد أنشأت "اللجنة التنفيذية لشؤون المقيمين بصورة غير قانونية" في العام 1996 مهمتا حصر هؤلاء البدون وفرز الذين تنطبق عليهم شروط التجنيس. كما أصدر مجلس الأمة قانوناً أعطى فيه الحكومة إمكانية تجنيس 2000 من هؤلاء سنوياً. وإلى 7 مايو 2002 فقد تم تجنيس 3517 فرداً من البدون. ولا شك أن هذا العدد لن يحل المشكلة، وهناك تردد كبير في مسألة تجنيس هؤلاء.

رابعاً: المواطنات الخليجيات المتزوجات من أجانب

وتتركز مشكلة هذه الفئة في أن قوانين الجنسية في دول مجلس التعاون تعتد بجنسية الأب أساساً لجنسية الأبناء إلا في حالات معينة كأن يكون مجهول الوالدين، أو صعوبة إثبات نسبته إلى أبيه. وهذا يعني فيما يعني اعتبار أبناء المواطنات المتزوجات من أجانب بحكم الأجانب مما يفقدهم التمتع بالميزات التي يتمتع بها المواطن كالتعليم والعلاج المجانيين؛ فضلاً عن اضطرارهم إلى طلب الإقامة وتجديدها وغيرها من الأمور.

ولعل التقلبات السياسية -في كثير من الأحيان- تكون ذات تأثير سيئ على المواطنة المتزوجة من أجنبي. فكلنا يتذكر ما حدث لأزواج وأبناء الكويتيات من فئة البدون أو من الجنسيات التابعة لما سمي "بدول الضد". فقد كان هناك قرابة الـ3000 كويتية أزواجهن من البدون، ويقارب هذا العدد أزواجهن من الجنسيات الأردنية والسودانية واليمنية والعراقية.

والواقع أن الاتجاه العالمي الآن هو اعتبار جنسية الأم كجنسية الأب من حيث آثارها على الأبناء، بمعنى أن يتمتع أبناء المواطنة بجنسية أمهم بغض النظر جنسية أبيهم، إن رغبوا في ذلك. وهذا يتماشى مع اتفاقية القضاء على جميع مظاهر التمييز ضد المرأة الصادرة من هيئة الأمم المتحدة سنة 1989. وهناك دولة عربية واحدة ينص قانون جنسيتها صراحة على ذلك وهي تونس. إذ تنص المادة 6/3 على أنه "يعتبر تونسياً الطفل المولود من أم تونسية وأب أجنبي". وأعلنت الأردن مؤخراً، في المؤتمر الثاني لقمة المرأة العربية، الذي انعقد في نوفمبر 2002 نفس التوجه.

الخلاصة:

لا بد من القول أخيراً أن نظرة جديدة لمشكلات الجنسية والمواطنة في مجتمعات الخليج والجزيرة العربية يجب أن تطرح للنقاش والمداولة، ليس فقط بين النخب المثقفة، بل وأيضاً في الأوساط الشعبية، على أن يرتكز ذلك النقاش على أفكار عملية تراعي مصالح هذه المجتمعات من جهة، وتساير الاتجاه العالمي في هذا الموضوع من جهة أخرى.

ولعل حساسية هذا الموضوع نابعة من أن مواطني مجتمعات الخليج والجزيرة العربية يرغبون في المحافظة على المستوى المعيشي الذي يتمتعون به، وبالتالي نجدهم يعارضون أي عملية تجنيس واسعة، رغماً عن اختلال التركيبة السكانية، والتي لا يمكن أن تتعدل بالزيادة الطبيعية للسكان الأصليين. لذا فإن سياسة التجنيس لا بد أن ترتكز على تجنيس الكوادر المهنية التي تحتاجها تلك الدول فضلاً عن تجنيس أولئك الذين أمضوا سنوات طويلة وامتزجوا بهذه المجتمعات وأصبحوا من نسيجها الاجتماعي.

ولا بد أيضاً من حل مشكلة البدون حلاً عادلاً يراعي واقع أن كثير من هؤلاء قد أمضوا مدداً طويلة (بالمقاييس الدولية) في هذه المجتمعات، وأن كثيراً منهم عملوا ولا زالوا يعملون في أجهزتها الأمنية والدفاعية، وبالتالي فإذا كانت هذه الدول قد ائتمنت هؤلاء على أمنها والذود عنها، فحري بها أن تمنحهم جنسيتها. ولا بد أيضاً من تجنب بروز ظاهرة البدون من الأساس، وحل القضية في المهد، وبالذات لبعض المجتمعات الخليجية التي كثر الحديث فيها عن وجود هذه الفئة.

آخر تحرير بواسطة صقر الخالدية : 04/01/2004 الساعة 09:05 AM
  #35  
قديم 05/01/2004, 10:28 AM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Cool دفاعا عن صدام.. كل شعب يستحق زعيمه

دفاعا عن صدام.. كل شعب يستحق زعيمه

سيد نصار*


ما بين فرحة اميركا وانجلترا واسرائيل بالقبض على صدام والصدمة التي أحدثها ذلك في الشارع العربي هناك الكثير من النقاط اريد أن أطرحها أمام القارئ، أولها أن القبض على صدام حسين بهذه الصورة المهينة يضر بمصالح وصورة الوطن العربي ودوله والانسان العربي نفسه، وعلينا أن نتصور أن مثل هذه الصورة يمكن أن تتكرر في دول أخرى اذا لم تمتثل للأوامر الاميركية وتدخل في بيت الطاعة الاميركي، ولو نظرنا لما فعله صدام في العراق، لوجدنا أنه فعل الكثير فقد حول بغداد من قرية موحشة الى واحدة من أهم عواصم الوطن العربي، كما أنه أقام الكثير من الجامعات وأعد جيشا قويا يدافع به عن بلاده، ولم يجره الى هذه النهاية سوى خطأه الوحيد الذي ارتكبه بغزو الكويت، واعطاء الاكراد أكثر من حقوقهم وهم لا يمثلون سوى نسبة قليلة من الشعب العراقي، وعلينا أن ننظر الى مسألة غزوه للكويت، وسرقة الكويت للبترول العراقي وهي قد اعترفت بذلك، وننظر في الجانب الآخر، الى اليمن الشمالي الذي غزا اليمن الجنوبي ولم يتحرك أحد، من أوروبا أو اميركا أو حتى الوطن العربي. ولم ينظر أحد لليمن الجنوبي على أنه دولة مستقلة وذات سيادة ولم يحق لليمن الشمالي أن يغزوها ويعتدي عليها.
ان تصوير صدام حسين بهذه الصورة المهينة مخالف لمعاهدة جنيف لحقوق الأسرى، فهل ما فعلته أميركا بعد أسر الممرضة الاميركية في بداية حربها ضد العراق، لا ينطبق على صدام حسين وهو زعيم عربي ورئيس لدولة. ألا نساوي بين صدام حسين على الأقل وبين هذه الممرضة التي أقامت أميركا الدنيا ولم تقعدها بعد عرض صورها على شاشات التليفزيون، ان ما حدث في العراق ويحدث الآن هو سيناريو سوف تطبقه أميركا في دول اخرى، ولعل ما يحدث ضد سوريا حاليا بداية لذلك، ان العرب ظلموا صدام والعراق حينما تخلوا عنه، وأنا أعرف ذلك، ولقد اتاحت لي فرصة اللقاء به التعرف على الكثير من الأسرار التي سوف اضمنها في كتاب اصدره قريبا، خاص بعلاقة صدام بأميركا وما حدث مع السفيرة الاميركية ابريل جلاسبي التي التقاها صدام قبيل غزوه الكويت بثلاثة أيام، ولعل من نافلة القول ان اميركا خططت لجر العراق الى غزو الكويت ثم ضربه بعد ذلك.
أما عن اتهام أو وصف صدام بالديكتاتورية فإنه قول يحتاج الى الكثير من البحث، فكل شعب يستحق زعيمه، وأنا مع رفضي للديكتاتورية أعتقد انا صدام اختار ان يتخذ مجموعة من السياسات التي حاول من خلالها حكم الكثير من الطوائف والقوميات التي يتكون منها الشعب العراقي، ولولا ذلك ما كان يمكنه أن يحكم العراق ويسير أمور شعبه، ثم انه من هذه الطوائف اتخذ الكثير من الوزراء، منهم طه ياسين رمضان وأمه كردية ومحيي الدين معروف وهو كردي الأصل وهما اثنان من ثلاثة نواب اتخذهم صدام، والصحاف الشيعي، وسعدون حمادي رئيس المجلس الوطني العراقي وغيرهم.
أما تصوير اميركا للقبض على صدام بأنه أدى الى فرحة الشعب العراقي فهذا يحتوي على الكثير من المغالطة، فهناك قطاعات كبيرة من الشعب العراقي، ترفض الغزو الاميركي وترى ان الأوضاع زمن صدام كانت أفضل بكثير مما يحدث الآن في العراق المحتل، وسوف يؤدي هذا على خلاف ما يعتقدون الى تأجج المقاومة العراقية وزيادة العمليات العسكرية ضد الوجود الاميركي والبريطاني.

* كاتب وصحافي مصري وآخر من التقى صدام قبل سقوط بغداد
إبحث في مقالات الكتاب


المصدر جريدة الشرق الاوسط
  #36  
قديم 06/01/2004, 08:05 AM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
من المهم أن نتعلم.. ولكن الأهم ماذا نتعلم؟
تركي الحمد
لم يكن الكثير من أهل الجزيرة العربية، وقبل فترة ليست بعيدة، من العالمين أو المتعلمين، بل كانوا أمة أمية بشكل يكاد يكون كاملاً، كان فيها من «يفك الخط» نادرة من النوادر. كانوا، بادية وحاضرة، يتعلمون من مدرسة الحياة مباشرة، ومدرسة المجتمع فقط، فلم يكن هنالك مؤسسات حقيقية تكفل لهم التعليم، على نحو ما نعرفه اليوم. ولكن، ورغم هذه الأمية و«الجهل»، لم يكونوا حقيقة من الجاهلين، بل كانوا في الكثير من نواحي حياتهم أقدر من أجيال اليوم المتعلمة على التعامل مع الحياة ومع غيرهم من أفراد وجماعات. كان تجار «العقيلات» مثلاً، يذهبون إلى كل مكان يستطيعون الوصول إليه، فيتعاملون مع أهل تلك الديار تعاملاً حضارياً بكل ما في الكلمة من معنى، ويعودون إلى أوطانهم محملين بالثروات التي صنعوها، وهم الذين كانت تنقصهم كل المعارف، مقارنة بأهل البلاد التي يذهبون إليها. أجيال الأمس كانت أكثر إيماناً بقيمة العمل وأخلاقه، وكانت أكثر تسامحاً وانفتاحاً، وأقل حساسية في كثير من أمورها من أجيال اليوم، التي يفترض أن تكون أفضل بكثير من أجيال الأمس «الجاهلة».
لم يكن النصراني أو اليهودي أو الغربي أو الشرقي يعني لتلك الأجيال شيئاً، سوى أنه مختلف عنهم، ولكن هذا الاختلاف لم يكن يعني أكثر من الاختلاف، ولا يستدعي أموراً أخرى مؤثرة في الموقف أو السلوك، كالقول بولاء وبراء في غير محله، أو بغضاء مصطنعة لأي أحد ما أنزل الله بها من سلطان، أو ما شابه ذلك من اصطناع لأمور لا تحتمل التصنع، كما هو الحال مع قطاعات واسعة من أجيال اليوم. والسؤال الذي يفرض حقيقة هو: ما الذي جرى؟ كيف وصلنا إلى هذه الحالة بالرغم من انتشار العلم والتعليم، وتلك الجحافل الجرارة من المتعلمين، وبعد أن أصبحنا نعيش في جوف العالم والعالم يعيش في جوفنا؟
الجواب يكمن في التعليم والعملية التعليمية، ففيها الداء والدواء، وهي الخصم والحكم في ذات الوقت. فالتعليم في هذه الحالة أشبه ما يكون بسكين حادة، يمكن أن تستخدم في تقطيع الطعام، ويمكن أن تُستخدم في جريمة قتل، واليد التي تمسك بالسكين يقف وراءها عقل معين هو من يحدد إلى أين تتجه السكين. من أجل ذلك نجد أن التعليم مثلاً يشكل العمود الفقري لجمهورية أفلاطون المثالية. فتلك الجمهورية المثالية المفترضة، تعتمد على معرفة المؤهلات الفطرية التي يتمتع بها الأفراد، وعلى ذلك فإن التعليم والعملية التعليمية هي الوسيلة الوحيدة لفرز الأفراد وفقاً لمؤهلاتهم الفطرية الطبيعية، ومن ثم وضعهم في الموقع المناسب الذي يخدم الجمهورية ووظائفها الثلاث: الحكم، الدفاع، والإنتاج. بطبيعة الحال ليس من المفروض أن نتفق مع أفلاطون في طبيعة جمهوريته المثالية، أو في فهمه لطبيعة الحقيقة، أو في مخرجات التعليم المبنية على فلسفته في الطبيعة البشرية، فهذه الأمور غير متفق عليها بين الفلاسفة والمفكرين. ولكن ما أعتقد أنه من غير المختلف عليه هو أهمية العملية التعليمية في إنتاج الفرد القادر على النفع الخاص والعام معاً من ناحية، والقادر على التعامل مع الآخر، فرداً كان أو جماعة، دون إفراط أو تفريط، ودون غلو أو غلواء، ودون إقصاء أو احتكار للحقيقة المعرفية والاجتماعية معاً. وفوق هذا وذاك، فإن أهم غاية للعملية التعليمية تكمن في محاولة إنتاج تلك الشخصية المتوازنة القادرة على مواجهة الحياة وإضافة شيء ايجابي إليها.
فعندما قام أفلاطون بتصنيف جمهوريته، فإنه حدد دوافع السلوك الإنساني بثلاث مناطق في الجسم: العقل والقلب والشهوة، والشخصية المتوازنة هي تلك التي تتوازن فيها الدوافع والمؤثرات، وهنا يكون الانسجام في الذات البشرية. وفي الدولة، فإن هنالك ثلاث وظائف هي الحكم والدفاع والإنتاج، ولا يحكم إلا من كان العقل لديه هو الأبرز «الملوك الفلاسفة»، ولا يدافع إلا من كان القلب لديه هو الغالب، أما البقية، أي من كانت الشهوة هي الغالبة لديهم، فهم للإنتاج يصرفون. وكما أن توازن الفرد لا يكون إلا بتوازن دوافع السلوك الثلاثة لديه، فإن توازن الدولة لا يكون إلا بقيام كل طبقة من هذه الطبقات بوظيفتها على أتم وجه، وأن لا يحكم أو يدافع من كانت الشهوة هي أساس سلوكه مثلاً. هذا هو معنى الفضيلة لدى أفلاطون، وهو ذات المعنى الذي أخذه عن أستاذه سقراط، وتأثر به لاحقاً تلميذه أرسطو: أن يقوم كل موجود بما هو مهيأ له، وهنا تتحقق الفضيلة. لم يكن الجيش هو الأهم ولم يكن الإنتاج أو الحكم عند أفلاطون وغيره، بقدر ما هي كيفية تحديد من يقوم بكل ذلك، وهنا تكمن خطورة التعليم. والسؤال الذي يُطرح هنا، وبالنسبة إلى مجتمعاتنا بالذات هو: هل نحن نتعامل مع العملية التعليمية، على خطورتها، تعاملاً جاداً، وخاصة في ظروف عالمية ومحلية كالتي نعيشها، أم أن أخطر الأشياء في حياة الفرد والجماعة تلقى أقل اهتمام، هذا إن كان هنالك اهتمام من الأساس؟
كما يبدو، فإن العملية التعليمية هي الأقل اهتماماً من قبل متخذي القرار في شؤوننا العامة، رغم أنها يجب أن تُعتبر جزءاً من الأمن القومي أو الوطني، حيث أن العقل المشكل من خلال هذه العملية هو في النهاية من يحدد درجة انسجام الفرد مع المجتمع، وانسجامه مع العالم الخارجي، وهذا هو أساس كل أمن واستقرار في عصر كالذي نعيشه. الجميع يتسابقون لإنشاء الجيوش الجرارة، والحصول على أفضل الأسلحة، وتدريب الجندي كأفضل ما يكون عليه التدريب، وكذلك الأمر في بقية القوى الأمنية المسؤولة عن حماية الوطن والمجتمع، ولكن لا أحد يهتم كثيراً بعملية صناعة العقل، التي هي خط الدفاع الأول بالنسبة للوطن والمجتمع. ترك العملية التعليمية لكل يد وأي يد في كثير من مجتمعاتنا، مكن عناصر معينة من النفاذ من هذه الثغرة، وتشكيل العقول وفق ما تراه من رؤى هي بالنسبة لها عين الحق ولا حق سواها. مثل هذه العناصر، وإن كانت إقصائية وذات هوس فكري لا تقبل بأحد إلا من كان على شاكلتها، إلا أنها بارعة في التخطيط بعيد المدى من ناحية، ومعرفة من أين تؤكل الكتف من ناحية أخرى. فالعملية التعليمية تعني منهجاً ومعلماً وطالباً، وقد قامت هذه العناصر، وفي غفلة تامة من متخذ القرار السياسي والاجتماعي، وربما حتى بنوع من المكر معه، بتشكيل المنهج، وتدريب المعلم، ومن ثم تشكيل العقل الغض للطالب وفق مقتضيات الزاوية المعرفية الإقصائية للمشرف على المنهج، والقائم بتلقين المنهج معاً.
ومن هنا خرجت لنا أجيال متعلمة شكلاً، ولكنها في غاية الجهل فعلاً، مقارنة بأجيال سابقة كانت جاهلة شكلاً، ولكنها في غاية العلم فعلاً. أجيال أُنشئت على قيم يرتكز الكثير منها على الكره والبغضاء، ورفض كل ما هو «غريب»، أو ما يبدو أنه غريب، حتى أصبح كل شيء غريباً، وأصبحنا نحن أنفسنا غرباء في عالم لا يدري كيف يتعامل معنا، ولا ندري كيف نتعامل معه. أدمغة محشوة بأشتات مجتمعات من مختلف المعارف والعلوم، ولكنها غير قادرة على التفكير، بعد أن عُطل العقل لديها. أدمغة معبأة بكل قيم المقت والرفض والبغضاء، على حساب قيم الحب والتسامح والصفاء. لم تكن أجيالنا السابقة تملك العلم، ولكنها كانت تملك شيئاً من العقل والكثير من قيم الإنسان، وبذاك العقل وتلك القيم، استطاعت أن تتعامل مع عالم متفوق عليها في كل النواحي، وتتفاعل معه وتضيف إليه. ففي نهاية المطاف ليس المهم أن نتعلم فقط، ولكن الأهم هو ماذا نتعلم. فأن يبقى الإنسان على فطرته التي فطره الله عليها دون تعليم، خير ألف مرة من تعليم هو أقرب في حقيقته إلى التجهيل.
يجب أن يكون التعامل مع العملية التعليمية بكل تفاصيلها مثل التعامل مع قوى الأمن، من حيث الأهمية ووضع استراتيجيات بعيدة المدى لغاية هذه العملية وما يراد منها، وأهم غاية في هذا المجال هي زرع تلك القيم التي تنتج فرداً حضارياً واعياً بأنه إنسان قبل أي شيء آخر، ومن هنا تنمو بقية القيم الجوهرية للتعامل مع الذات والآخر دون مشاكل أو إشكالات. من دون وضع مثل هذا الإطار القيمي، فإن كل شيء آخر لا قيمة كبيرة له، فتتراكم المعارف دون أن يكون هنالك وعي لقيمة المعرفة، وتتكاثر المعلومات دون أن يكون هنالك عقل لبناء شيء من هذه المعلومات، وذلك مثل كومة أحجار متراكمة لا ينتظمها مخطط لتحويلها إلى منزل. والأهم من ذلك كله، فإنه من دون ذلك تتحول العملية التعليمية ومؤسساتها إلى نوع من حقل مشاع، لكل أحد وأي أحد، وهنا تكمن الخطورة..هنا تكمن الخطورة.







المصدر جريدة الشرق الاوسط
  #37  
قديم 06/01/2004, 07:44 PM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Cool كــبوة الإمـــام الأكــــبر

كــبوة الإمـــام الأكــــبر
بقلم: فهمـي هـويـــدي



بقدر ما أدهشنا موقف الرئيس الفرنسي في انحيازه إلي تقنين منع الحجاب‏,‏ فإن تعليق شيخ الأزهر علي الموضوع فاجأنا وصدمنا‏.‏ وإذا كان بوسعنا أن نفهم الملابسات التي دفعت الرئيس الفرنسي إلي التورط في ذلك الموقف‏,‏ إلا أن ما صدر عن شيخ الأزهر يستعصي علي الفهم‏,‏ ولايمكن أن يفسر إلا بحسبانه زلة لسان من العيار الثقيل لم يحالفه فيها التوفيق من أي باب

‏(1)‏
لقد عبرت انجلترا والولايات المتحدة الأمريكية عن انتقادهما لموقف الرئيس الفرنسي‏,‏ باعتباره عدوانا علي الحريات‏(‏ وليس غيرة علي الإسلام بطبيعة الحال‏),‏ ولكن شيخ الأزهر الذي يفترض انه احد رموز الغيرة علي الدين لم ينطق بكلمة نقد واحدة لذلك الموقف‏,‏ ولم تكن هذه هي المفارقة الوحيدة‏,‏ لأن الشيخ حين تحدث في الموضوع معتبرا القرار الفرنسي شأنا داخليا كان يجلس إلي جواره وزير الداخلية الفرنسي شخصيا‏,‏ الذي جاء إلي القاهرة خصيصا لكي يستأنس برأي مشيخة الأزهر مدركا لأهميته‏,‏ ومتجاوزا الحدود التي وصفها الشيخ لتحصين القرار الفرنسي ضد النقد‏.‏
أما المفارقة الأكبر فهي أن وزير الداخلية الفرنسي أعلن في اكثر من حديث صحفي انه كان معارضا لتقنين حظر الحجاب‏,‏ ولكنه تبني موقف التقنين بعد أن انحاز إليه الرئيس شيراك‏,‏ واصبح سياسة لحكومة هو عضو فيها‏,‏ ولأن الوزير الفرنسي نقولا ساركوزي له تطلعاته السياسية وطموحه إلي الترشيح لرئاسة الجمهورية مستقبلا‏,‏ فإنه يعتبر أصوات المسلمين الفرنسيين‏(6‏ ملايين نسمة‏)‏ رصيدا يريد ان يكسبه إلي صفه‏,‏ وذلك عامل اخر يشجعه علي معارضة القرار‏,‏ الذي يعلم أنه يستفز المسلمين ويثير غضبهم‏..‏ أعني أن معارضته ليست منطلقة من اقتناع شخصي فحسب‏,‏ ولكنها متأثرة ايضا بحساباته السياسية المستقبلية‏.‏

ازاء ذلك فإن زيارة الوزير الفرنسي للقاهرة بدت خطوة في غاية الذكاء‏..‏ لأنه كان قد سمع من شيخ الأزهر انتقادا قويا لفكرة تقنين حظر الحجاب‏,‏ فذلك سيقوي موقفه الشخصي لاريب‏,‏ وقد يكون عنصرا مساعدا علي اعادة النظر في الفكرة خصوصا ان مشروع القانون لم يعد بعد وفي هذه الحالة فإنه سيقابل بتعاطف وتأييد من جانب المسلمين الفرنسيين‏,‏ وهي الورقة المهمة التي يسعي للاحتفاظ بها‏..‏ أما اذا اتخذ شيخ الأزهر موقفا لينا يشجع الحكومة علي المضي في عملية التقنين وهو ماحدث فإنه سيكون بوسع وزير الداخلية في هذه الحالة أن يغسل يديه من الموضوع ويبريء ذمته امام المسلمين الفرنسيين‏,‏ ملقيا بالمسئولية علي مشيخة الأزهر التي سهلت مهمة الحكومة‏,‏ وسوغت لها أن تتقدم بمشروعها‏.‏
اذا صح ذلك التحليل فإنه يستدعي سؤالا ليس بوسعنا أن نجيب عليه الآن‏,‏ وربما تتضح اجابته مستقبلا هو‏:‏ هل كان يمكن حقا أن يتراجع الرئيس الفرنسي عن قراره أو يعدل فيه لو أن شيخ الأزهر اتخذ موقفا صريحا معارضا لفكرة تقنين منع الحجاب‏,‏ خصوصا انه أوفد وزيرا في حكومته إلي القاهرة للقائه بخصوص الموضوع‏,‏ والي أي مدي يتحمل ما أعلنه الشيخ المسئولية عن تشجيع الحكومة الفرنسية علي المضي فيما عزمت عليه؟

‏(2)‏
في اليوم التالي لإعلان الرئيس شيراك تأييده لتقنين حظر الحجاب في المدارس نشرت صحيفة الجارديان البريطانية‏(‏ عدد‏12/17)‏ مقالا لإحدي كاتباتها ـ مادلين بونتنج ـ انتقدت فيه القرار بشدة‏,‏ ووصفته بأنه تعبير عن جنون العلمانية‏,‏ وهو وصف علي شدته يخفف من تشخيص الحالة الفرنسية‏,‏ إذ ليس صحيحا ان للعلمانية موقفا واحدا من الدين‏,‏ باستثناء الاتفاق علي تهميش دوره في الحياة العامة‏.‏ ذلك ان ثمة علميانية متصالحة مع الدين كما في انجلترا التي تتولي فيها الملكة رئاسة الكنيسة‏,‏ وهناك علمانية مخاصمة للدين انطلقت من فرنسا‏,‏ التي قامت ثورتها في عام‏1789‏ اساسا ضد الملكية وضد طغيان الكنيسة الكاثوليكية وسلطانها‏.‏
اذا كان ذلك هو موقف الثقافة الفرنسية التقليدية من التدين بوجه عام‏,‏ فإن التدين الإسلامي كان ولايزال له وضعه الخاص‏,‏ من حيث انه يستعصي علي عملية التذويب بأكثر من غيره لأسباب يطول شرحها‏,‏ وان قبل بالاندماج والتفاعل‏,‏ وبسبب ذلك الاستعصاء فإن الحملة عليه شديدة وتعبئة الغلاة للجماهير ضده لاتتوقف‏,‏ وفي سياق هذه الحملة كان اصرار نخبة الغلاة شديدا علي تخلي المسلمين عن أية خصوصية لهم والانخراط فيما سمي بـ الإسلام الفرنسي الذي اصبح الالتحاق به يقاس بمقدار استعداد المسلم للتخلي التدريجي عن شعائر دينه‏,‏ وهو ما اصبح معيارا وحيدا للاعتدال في نظرهم‏..‏ ومن الثابت أن قضية الحجاب أثيرت في فرنسا بعد نجاح الثورة الإسلامية في إيران التي الزمت النساء بعدم الظهور سافرات في الأماكن العامة‏..‏ الأمر الذي كان له صداه الاحتجاجي والغاضب في فرنسا‏..‏ سواء بسبب حساسية موضوع المرأة في الثقافة الفرنسية‏,‏ أو بسبب العلاقات التاريخية الخاصة بين طهران وباريس‏(‏ لاتنس أن الفرنسية كانت لغة البلاط الشاهنشائي‏,‏ وان الأمام الخميني اختار فرنسا منفي له حين أبعد من العراق وان باريس ظلت احد معاقل المعارضة الإيرانية‏)..‏ منذ ذلك الحين اعتبر الحجاب رمزا للعداء للغرب في الخطاب الإعلامي المبسط مادام انه كذلك في إيران‏,‏ وجري تسويق الفكرة حتي رفضت مدرسة حكومية في سيال قرب باريس قبول تلميذتين مسلمتين في منتصف الثمانينيات لأنهما ارتدتا حجاب الرأس‏,‏ وثارت ضجة آنذاك اضطر إزاءها وزير التعليم العالي إلي احالة الأمر لمجلس الدولة‏,‏ الذي قرر أن الرموز الدينية لاتتعارض مع العلمانية‏,‏ ما لم تكن مصحوبة بأي شكل من أشكال الوعظ او الاستفزازات العرقية ولكن التعبئة المضادة استمرت‏,‏ وتكررت حالات طرد المحجبات من المدارس بل وأعلن المدرسون العاملون بإحدي المدارس الثانوية خارج باريس اضرابا عن العمل لمدة أسبوع احتجاجا علي اعادة قبول تلميذة كانت قد فصلت في السابق لارتدائها الحجاب‏..‏ وفي هذه الأثناء كان اليمين الفرنسي‏(‏ حزب الجبهة الوطنية‏)‏ يصعد حملته ضد الأجانب عموما‏,‏ والمحجبات خصوصا‏.‏ وظلت حملته تلك تكسبه أصواتا وأرضا جديدة كل حين‏,‏ وفي ظل تلك الضغوط شكل الرئيس شيراك لجنة ستاسي لدراسة الموضوع في شهر سبتمبر الماضي التي خلصت إلي عدة توصيات في صدده بينها انها أيدت اصدار قانون يحظر الحجاب في المدارس والمعاهد‏,‏ وكان مدهشا ان الرئيس الفرنسي أيد مطلب تقنين الحظر‏,‏ وطلب من الحكومة اعداد مشروع قانون بهذا المعني‏..‏ كأنما صدق الزعم بأن الجمهورية الفرنسية بكل هيبتها وجلالها يمكن ان يهدد أركانها حجاب ترتديه بعض التلميذات المسلمات‏,‏ ولم يفت بعض معارضي شيراك أن يلفتوا النظر إلي انه بخطوته تلك كان متطلعا إلي انتخابات البلديات التي ستجري في شهر مارس المقبل‏,‏ وأراد ان يسحب من حزب الجبهة الوطنية ورقة مهمة كان يستخدمها في كسب الأصوات‏,‏ ومنهم وصف موقفه انه بمثابة ضربة استباقية ـ اذا استخدمنا قاموس المفردات الأمريكية ـ يفوت بها علي الجبهة الوطنية فرصة المزايدة عليه بتبني الدعوة لمنع الحجاب‏.‏

اذا صح ان عين الرئيس شيراك كانت علي انتخابات البلديات فإن تركيزه علي هذا الجانب افقده الكثير‏,‏ حتي ازعم أن فرنسا خسرت بسبب موقفه هذا ثلاث مرات‏:‏ فقد خسرت سمعتها في العالم الإسلامي كبلد يجسد الالتزام بالحرية وحقوق الإنسان ـ وخسرت ثقة مسلميها بملايينهم الستة الذين خرجت مظاهراتهم رافعة لافتات تقول إن القانون المقترح حرب ضد الإسلام وليس ضد الحجاب ـ وضيعت فرصة اندماج وتفاعل المسلمين مع المجتمع الفرنسي‏..‏ حيث من الطبيعي أن يتوجس المسلمون وينعزلوا عن ذلك المجتمع الذي يحرمهم من الالتزام بشعائر دينهم‏.‏

‏(3)‏
حين تطرق شيخ الأزهر إلي الموضوع في المؤتمر الصحفي الذي حضره وزير الداخلية الفرنسي‏,‏ فإنه وقع في خطأين كبيرين أولهما انه كان محايدا ازاء الموقف الفرنسي وغير متحفظ عليه من أي باب‏,‏ وثانيهما انه بدا غير مدرك لخلفيات وملابسات وابعاد الموضوع‏.‏
كان بعض الغيورين والمعنيين بالشأن الإسلامي قد توجسوا خيفة مما يمكن أن يصدر عن الشيخ بعد لقائه مع الوزير الفرنسي‏,‏ وبعد اتصالات تمت في هذا الصدد‏,‏ فإنه تلقي ثلاثة نماذج مكتوبة تضمنت نقاطا مقترحة للتركيز عليها في تحديد موقف متوازن وحازم ازاء القضية منها مثلا ان الزي الذي ترتديه الفتيات المسلمات ليس شعارا للتميز او الدعاية ولكنه شعيرة دينية كالامتناع عن شرب الخمر او اكل لحم الخنزير او الامتناع عن العمل يوم السبت بالنسبة لليهود‏,‏ وهو في هذه الحالة يختلف عن طاقية اليهود او الصلبان التي يعلقها بعض المسيحيين‏,‏ وهي التي لا يؤثم المتدينون اذا لم يرتدوها‏,‏ بعكس حجاب المسلمات‏,‏ ومادام انه شعيرة شخصية تمارس في حدود النظام العام‏,‏ ولاتتصادم مع مصلحة جماعية للشعب الفرنسي‏,‏ فلا محل لتقييدها من جانب نظام دستوري وقانوني يحمي حرية الاعتقاد وحرية ممارسة الشعائر الدينية من هذه الزاوية فإن القانون المقترح في فرنسا يخص المسلمين بقيد علي ممارسة شعائرهم لايوضع علي اتباع الديانات الأخري‏,‏ وهو أمر من شأنه أن يكرس عزلتهم وغربتهم في فرنسا‏.‏

اضافة إلي ذلك ـ أشارت الأوراق التي اقترحت علي شيخ الأزهر ـ فإن حظر الحجاب بقانون‏,‏ يتعارض مع العلمانية‏,‏ اذا فهمت بحسبانها فصلا للكنيسة عن الدولة وعدم اعتماد دين معين عقيدة رسمية للدولة‏,‏ وما يقتضيه ذلك من حقوق للمساواة بين مختلف الأديان‏,‏ في حين انه يخص المسلمين دون غيرهم بقيد علي شعائرهم‏..‏ الخ‏.‏
فيما بدا فإن شيخ الأزهر نحي جانبا ماقدم اليه من مقترحات وقال كلامه الذي احدث الزوبعة حيث ركز علي ثلاث نقاط‏:‏ الأولي ان الحجاب تكليف شرعي ليس لأحد أن يتحلل منه‏,‏ والثانية أن الدولة غير المسلمة ـ مثل فرنسا ـ لايلزمها هذا التكليف‏,‏ واذا ما اختارت أن تتخذ موقفا يتعارض معه فهذا حقها‏(‏ كرر ثلاثا‏!)‏ والثالثة أن المسلمة التي تعيش في ظل تلك الدولة عليها أن تمتثل لما يصدر فيها من قوانين علي اعتبار انها تصبح في حكم المضطر الخاضع لاستثناء الضرورة‏.‏

فوجيء اعضاء مجمع البحوث الإسلامية الذين شهدوا المؤتمر الصحفي بكلام الشيخ‏,‏ فسجلوا اعتراضهم عليه ونقدهم له‏,‏ علي النحو الذي سجلته وبثته علي الهواء قناة الجزيرة وكانت نقطة الاتفاق بينهم ان الشيخ بما اعلنه عبر عن رأيه الشخصي‏,‏ لا عن رأي الأزهر او مجمع البحوث‏,‏ كما جاء علي لسان الدكتور عبدالصبور مرزوق أمين المجلس الأعلي للشئون الإسلامية‏.‏ وقد حاول الدكتور علي جمعة ـ مفتي مصر ـ إنقاذ الموقف عبر اعادة تركيب كلام شيخ الأزهر علي نحو يتدارك ما اعتراه من ثغرات وماشابه من قبول ضمني بموقف الحكومة الفرنسية‏,‏ لكن ذلك لم يغير كثيرا من الموقف‏,‏ وهو ما أبرزته القناة الخامسة الفرنسية التي بثت تسجيلا للمؤتمر الصحفي ونقلت آراء بعض المواطنين المصريين‏,‏ وهو مابين أن شيخ الأزهر يقف في جانب‏,‏ بينما أغلب علماء المسلمين وعامتهم يخالفونه فيما ذهب إليه‏.‏

‏(4)‏
في الإعلام الفرنسي‏,‏ قدم الأزهر بحسبانه معادلا للفاتيكان عند الكاثوليك‏,‏ ومن ثم اعتبروا كلام شيخه صكا يطلق يد الحكومة في تقنين حظر الحجاب‏,‏ رغم اجماع الأغلبية الساحقة من علماء المسلمين علي معارضته سواء في مجمع البحوث الإسلامية او المجلس الأوروبي للإفتاء الذي يرأسه الشيخ يوسف القرضاوي‏,‏ ورغم أن معادلة الأزهر للفاتيكان لاتخلو من افتعال وتغليط‏,‏ ورغم أن دور الأزهر تراجع كثيرا في السنوات الأخيرة لأسباب يعلمها الجميع‏,‏ إلا أن موقف شيخه من موضوع الحجاب يبدو انه سيفتح الباب لتعميم الحظر في دول غربية أخري‏,‏ والتقرير الذي نشره الأهرام في‏12/30‏ لمراسلها في ألمانيا الزميل مازن حسان‏,‏ ينعي إلينا ذلك الخبر‏..‏ حيث جاء عنوانه دالا ومختزلا الموقف هناك في عبارة تقول‏:‏ سباق بين الولايات‏(‏ الألمانية‏)‏ لسن قوانين تحظر ارتداء الحجاب‏(!)‏
لا أعرف كيف تعالج المشكلة الآن وربما كانت الفكرة التي طرحت لدعوة مجمع البحوث الإسلامية للاجتماع لمناقشة الموضوع وصياغة موقف اكثر صوابا وتوازنا‏,‏ تمثل مخرجا مناسبا‏,‏ ولست متأكدا من إمكانية عقد ذلك الاجتماع‏,‏ الذي يبدو أن ثمة عقبات تحول دونه‏,‏ خصوصا ان شيخ الأزهر رفض فكرة اصدار بيان توضيحي لتصريحاته‏.‏

ولكن إلي أن يتحقق المراد ويأذن الله بفرج من عنده‏,‏ فإن الجميع مدعوون لأن يتوجهوا إلي الله بالدعاء كي يغفر للإمام الأكبر كبوته‏.‏
  #38  
قديم 08/01/2004, 03:52 PM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Re: كــبوة الإمـــام الأكــــبر

اقتباس:
Originally posted by صقر الخالدية
كــبوة الإمـــام الأكــــبر
بقلم: فهمـي هـويـــدي



بقدر ما أدهشنا موقف الرئيس الفرنسي في انحيازه إلي تقنين منع الحجاب‏,‏ فإن تعليق شيخ الأزهر علي الموضوع فاجأنا وصدمنا‏.‏ وإذا كان بوسعنا أن نفهم الملابسات التي دفعت الرئيس الفرنسي إلي التورط في ذلك الموقف‏,‏ إلا أن ما صدر عن شيخ الأزهر يستعصي علي الفهم‏,‏ ولايمكن أن يفسر إلا بحسبانه زلة لسان من العيار الثقيل لم يحالفه فيها التوفيق من أي باب

‏(1)‏
لقد عبرت انجلترا والولايات المتحدة الأمريكية عن انتقادهما لموقف الرئيس الفرنسي‏,‏ باعتباره عدوانا علي الحريات‏(‏ وليس غيرة علي الإسلام بطبيعة الحال‏),‏ ولكن شيخ الأزهر الذي يفترض انه احد رموز الغيرة علي الدين لم ينطق بكلمة نقد واحدة لذلك الموقف‏,‏ ولم تكن هذه هي المفارقة الوحيدة‏,‏ لأن الشيخ حين تحدث في الموضوع معتبرا القرار الفرنسي شأنا داخليا كان يجلس إلي جواره وزير الداخلية الفرنسي شخصيا‏,‏ الذي جاء إلي القاهرة خصيصا لكي يستأنس برأي مشيخة الأزهر مدركا لأهميته‏,‏ ومتجاوزا الحدود التي وصفها الشيخ لتحصين القرار الفرنسي ضد النقد‏.‏
أما المفارقة الأكبر فهي أن وزير الداخلية الفرنسي أعلن في اكثر من حديث صحفي انه كان معارضا لتقنين حظر الحجاب‏,‏ ولكنه تبني موقف التقنين بعد أن انحاز إليه الرئيس شيراك‏,‏ واصبح سياسة لحكومة هو عضو فيها‏,‏ ولأن الوزير الفرنسي نقولا ساركوزي له تطلعاته السياسية وطموحه إلي الترشيح لرئاسة الجمهورية مستقبلا‏,‏ فإنه يعتبر أصوات المسلمين الفرنسيين‏(6‏ ملايين نسمة‏)‏ رصيدا يريد ان يكسبه إلي صفه‏,‏ وذلك عامل اخر يشجعه علي معارضة القرار‏,‏ الذي يعلم أنه يستفز المسلمين ويثير غضبهم‏..‏ أعني أن معارضته ليست منطلقة من اقتناع شخصي فحسب‏,‏ ولكنها متأثرة ايضا بحساباته السياسية المستقبلية‏.‏

ازاء ذلك فإن زيارة الوزير الفرنسي للقاهرة بدت خطوة في غاية الذكاء‏..‏ لأنه كان قد سمع من شيخ الأزهر انتقادا قويا لفكرة تقنين حظر الحجاب‏,‏ فذلك سيقوي موقفه الشخصي لاريب‏,‏ وقد يكون عنصرا مساعدا علي اعادة النظر في الفكرة خصوصا ان مشروع القانون لم يعد بعد وفي هذه الحالة فإنه سيقابل بتعاطف وتأييد من جانب المسلمين الفرنسيين‏,‏ وهي الورقة المهمة التي يسعي للاحتفاظ بها‏..‏ أما اذا اتخذ شيخ الأزهر موقفا لينا يشجع الحكومة علي المضي في عملية التقنين وهو ماحدث فإنه سيكون بوسع وزير الداخلية في هذه الحالة أن يغسل يديه من الموضوع ويبريء ذمته امام المسلمين الفرنسيين‏,‏ ملقيا بالمسئولية علي مشيخة الأزهر التي سهلت مهمة الحكومة‏,‏ وسوغت لها أن تتقدم بمشروعها‏.‏
اذا صح ذلك التحليل فإنه يستدعي سؤالا ليس بوسعنا أن نجيب عليه الآن‏,‏ وربما تتضح اجابته مستقبلا هو‏:‏ هل كان يمكن حقا أن يتراجع الرئيس الفرنسي عن قراره أو يعدل فيه لو أن شيخ الأزهر اتخذ موقفا صريحا معارضا لفكرة تقنين منع الحجاب‏,‏ خصوصا انه أوفد وزيرا في حكومته إلي القاهرة للقائه بخصوص الموضوع‏,‏ والي أي مدي يتحمل ما أعلنه الشيخ المسئولية عن تشجيع الحكومة الفرنسية علي المضي فيما عزمت عليه؟

‏(2)‏
في اليوم التالي لإعلان الرئيس شيراك تأييده لتقنين حظر الحجاب في المدارس نشرت صحيفة الجارديان البريطانية‏(‏ عدد‏12/17)‏ مقالا لإحدي كاتباتها ـ مادلين بونتنج ـ انتقدت فيه القرار بشدة‏,‏ ووصفته بأنه تعبير عن جنون العلمانية‏,‏ وهو وصف علي شدته يخفف من تشخيص الحالة الفرنسية‏,‏ إذ ليس صحيحا ان للعلمانية موقفا واحدا من الدين‏,‏ باستثناء الاتفاق علي تهميش دوره في الحياة العامة‏.‏ ذلك ان ثمة علميانية متصالحة مع الدين كما في انجلترا التي تتولي فيها الملكة رئاسة الكنيسة‏,‏ وهناك علمانية مخاصمة للدين انطلقت من فرنسا‏,‏ التي قامت ثورتها في عام‏1789‏ اساسا ضد الملكية وضد طغيان الكنيسة الكاثوليكية وسلطانها‏.‏
اذا كان ذلك هو موقف الثقافة الفرنسية التقليدية من التدين بوجه عام‏,‏ فإن التدين الإسلامي كان ولايزال له وضعه الخاص‏,‏ من حيث انه يستعصي علي عملية التذويب بأكثر من غيره لأسباب يطول شرحها‏,‏ وان قبل بالاندماج والتفاعل‏,‏ وبسبب ذلك الاستعصاء فإن الحملة عليه شديدة وتعبئة الغلاة للجماهير ضده لاتتوقف‏,‏ وفي سياق هذه الحملة كان اصرار نخبة الغلاة شديدا علي تخلي المسلمين عن أية خصوصية لهم والانخراط فيما سمي بـ الإسلام الفرنسي الذي اصبح الالتحاق به يقاس بمقدار استعداد المسلم للتخلي التدريجي عن شعائر دينه‏,‏ وهو ما اصبح معيارا وحيدا للاعتدال في نظرهم‏..‏ ومن الثابت أن قضية الحجاب أثيرت في فرنسا بعد نجاح الثورة الإسلامية في إيران التي الزمت النساء بعدم الظهور سافرات في الأماكن العامة‏..‏ الأمر الذي كان له صداه الاحتجاجي والغاضب في فرنسا‏..‏ سواء بسبب حساسية موضوع المرأة في الثقافة الفرنسية‏,‏ أو بسبب العلاقات التاريخية الخاصة بين طهران وباريس‏(‏ لاتنس أن الفرنسية كانت لغة البلاط الشاهنشائي‏,‏ وان الأمام الخميني اختار فرنسا منفي له حين أبعد من العراق وان باريس ظلت احد معاقل المعارضة الإيرانية‏)..‏ منذ ذلك الحين اعتبر الحجاب رمزا للعداء للغرب في الخطاب الإعلامي المبسط مادام انه كذلك في إيران‏,‏ وجري تسويق الفكرة حتي رفضت مدرسة حكومية في سيال قرب باريس قبول تلميذتين مسلمتين في منتصف الثمانينيات لأنهما ارتدتا حجاب الرأس‏,‏ وثارت ضجة آنذاك اضطر إزاءها وزير التعليم العالي إلي احالة الأمر لمجلس الدولة‏,‏ الذي قرر أن الرموز الدينية لاتتعارض مع العلمانية‏,‏ ما لم تكن مصحوبة بأي شكل من أشكال الوعظ او الاستفزازات العرقية ولكن التعبئة المضادة استمرت‏,‏ وتكررت حالات طرد المحجبات من المدارس بل وأعلن المدرسون العاملون بإحدي المدارس الثانوية خارج باريس اضرابا عن العمل لمدة أسبوع احتجاجا علي اعادة قبول تلميذة كانت قد فصلت في السابق لارتدائها الحجاب‏..‏ وفي هذه الأثناء كان اليمين الفرنسي‏(‏ حزب الجبهة الوطنية‏)‏ يصعد حملته ضد الأجانب عموما‏,‏ والمحجبات خصوصا‏.‏ وظلت حملته تلك تكسبه أصواتا وأرضا جديدة كل حين‏,‏ وفي ظل تلك الضغوط شكل الرئيس شيراك لجنة ستاسي لدراسة الموضوع في شهر سبتمبر الماضي التي خلصت إلي عدة توصيات في صدده بينها انها أيدت اصدار قانون يحظر الحجاب في المدارس والمعاهد‏,‏ وكان مدهشا ان الرئيس الفرنسي أيد مطلب تقنين الحظر‏,‏ وطلب من الحكومة اعداد مشروع قانون بهذا المعني‏..‏ كأنما صدق الزعم بأن الجمهورية الفرنسية بكل هيبتها وجلالها يمكن ان يهدد أركانها حجاب ترتديه بعض التلميذات المسلمات‏,‏ ولم يفت بعض معارضي شيراك أن يلفتوا النظر إلي انه بخطوته تلك كان متطلعا إلي انتخابات البلديات التي ستجري في شهر مارس المقبل‏,‏ وأراد ان يسحب من حزب الجبهة الوطنية ورقة مهمة كان يستخدمها في كسب الأصوات‏,‏ ومنهم وصف موقفه انه بمثابة ضربة استباقية ـ اذا استخدمنا قاموس المفردات الأمريكية ـ يفوت بها علي الجبهة الوطنية فرصة المزايدة عليه بتبني الدعوة لمنع الحجاب‏.‏

اذا صح ان عين الرئيس شيراك كانت علي انتخابات البلديات فإن تركيزه علي هذا الجانب افقده الكثير‏,‏ حتي ازعم أن فرنسا خسرت بسبب موقفه هذا ثلاث مرات‏:‏ فقد خسرت سمعتها في العالم الإسلامي كبلد يجسد الالتزام بالحرية وحقوق الإنسان ـ وخسرت ثقة مسلميها بملايينهم الستة الذين خرجت مظاهراتهم رافعة لافتات تقول إن القانون المقترح حرب ضد الإسلام وليس ضد الحجاب ـ وضيعت فرصة اندماج وتفاعل المسلمين مع المجتمع الفرنسي‏..‏ حيث من الطبيعي أن يتوجس المسلمون وينعزلوا عن ذلك المجتمع الذي يحرمهم من الالتزام بشعائر دينهم‏.‏

‏(3)‏
حين تطرق شيخ الأزهر إلي الموضوع في المؤتمر الصحفي الذي حضره وزير الداخلية الفرنسي‏,‏ فإنه وقع في خطأين كبيرين أولهما انه كان محايدا ازاء الموقف الفرنسي وغير متحفظ عليه من أي باب‏,‏ وثانيهما انه بدا غير مدرك لخلفيات وملابسات وابعاد الموضوع‏.‏
كان بعض الغيورين والمعنيين بالشأن الإسلامي قد توجسوا خيفة مما يمكن أن يصدر عن الشيخ بعد لقائه مع الوزير الفرنسي‏,‏ وبعد اتصالات تمت في هذا الصدد‏,‏ فإنه تلقي ثلاثة نماذج مكتوبة تضمنت نقاطا مقترحة للتركيز عليها في تحديد موقف متوازن وحازم ازاء القضية منها مثلا ان الزي الذي ترتديه الفتيات المسلمات ليس شعارا للتميز او الدعاية ولكنه شعيرة دينية كالامتناع عن شرب الخمر او اكل لحم الخنزير او الامتناع عن العمل يوم السبت بالنسبة لليهود‏,‏ وهو في هذه الحالة يختلف عن طاقية اليهود او الصلبان التي يعلقها بعض المسيحيين‏,‏ وهي التي لا يؤثم المتدينون اذا لم يرتدوها‏,‏ بعكس حجاب المسلمات‏,‏ ومادام انه شعيرة شخصية تمارس في حدود النظام العام‏,‏ ولاتتصادم مع مصلحة جماعية للشعب الفرنسي‏,‏ فلا محل لتقييدها من جانب نظام دستوري وقانوني يحمي حرية الاعتقاد وحرية ممارسة الشعائر الدينية من هذه الزاوية فإن القانون المقترح في فرنسا يخص المسلمين بقيد علي ممارسة شعائرهم لايوضع علي اتباع الديانات الأخري‏,‏ وهو أمر من شأنه أن يكرس عزلتهم وغربتهم في فرنسا‏.‏

اضافة إلي ذلك ـ أشارت الأوراق التي اقترحت علي شيخ الأزهر ـ فإن حظر الحجاب بقانون‏,‏ يتعارض مع العلمانية‏,‏ اذا فهمت بحسبانها فصلا للكنيسة عن الدولة وعدم اعتماد دين معين عقيدة رسمية للدولة‏,‏ وما يقتضيه ذلك من حقوق للمساواة بين مختلف الأديان‏,‏ في حين انه يخص المسلمين دون غيرهم بقيد علي شعائرهم‏..‏ الخ‏.‏
فيما بدا فإن شيخ الأزهر نحي جانبا ماقدم اليه من مقترحات وقال كلامه الذي احدث الزوبعة حيث ركز علي ثلاث نقاط‏:‏ الأولي ان الحجاب تكليف شرعي ليس لأحد أن يتحلل منه‏,‏ والثانية أن الدولة غير المسلمة ـ مثل فرنسا ـ لايلزمها هذا التكليف‏,‏ واذا ما اختارت أن تتخذ موقفا يتعارض معه فهذا حقها‏(‏ كرر ثلاثا‏!)‏ والثالثة أن المسلمة التي تعيش في ظل تلك الدولة عليها أن تمتثل لما يصدر فيها من قوانين علي اعتبار انها تصبح في حكم المضطر الخاضع لاستثناء الضرورة‏.‏

فوجيء اعضاء مجمع البحوث الإسلامية الذين شهدوا المؤتمر الصحفي بكلام الشيخ‏,‏ فسجلوا اعتراضهم عليه ونقدهم له‏,‏ علي النحو الذي سجلته وبثته علي الهواء قناة الجزيرة وكانت نقطة الاتفاق بينهم ان الشيخ بما اعلنه عبر عن رأيه الشخصي‏,‏ لا عن رأي الأزهر او مجمع البحوث‏,‏ كما جاء علي لسان الدكتور عبدالصبور مرزوق أمين المجلس الأعلي للشئون الإسلامية‏.‏ وقد حاول الدكتور علي جمعة ـ مفتي مصر ـ إنقاذ الموقف عبر اعادة تركيب كلام شيخ الأزهر علي نحو يتدارك ما اعتراه من ثغرات وماشابه من قبول ضمني بموقف الحكومة الفرنسية‏,‏ لكن ذلك لم يغير كثيرا من الموقف‏,‏ وهو ما أبرزته القناة الخامسة الفرنسية التي بثت تسجيلا للمؤتمر الصحفي ونقلت آراء بعض المواطنين المصريين‏,‏ وهو مابين أن شيخ الأزهر يقف في جانب‏,‏ بينما أغلب علماء المسلمين وعامتهم يخالفونه فيما ذهب إليه‏.‏

‏(4)‏
في الإعلام الفرنسي‏,‏ قدم الأزهر بحسبانه معادلا للفاتيكان عند الكاثوليك‏,‏ ومن ثم اعتبروا كلام شيخه صكا يطلق يد الحكومة في تقنين حظر الحجاب‏,‏ رغم اجماع الأغلبية الساحقة من علماء المسلمين علي معارضته سواء في مجمع البحوث الإسلامية او المجلس الأوروبي للإفتاء الذي يرأسه الشيخ يوسف القرضاوي‏,‏ ورغم أن معادلة الأزهر للفاتيكان لاتخلو من افتعال وتغليط‏,‏ ورغم أن دور الأزهر تراجع كثيرا في السنوات الأخيرة لأسباب يعلمها الجميع‏,‏ إلا أن موقف شيخه من موضوع الحجاب يبدو انه سيفتح الباب لتعميم الحظر في دول غربية أخري‏,‏ والتقرير الذي نشره الأهرام في‏12/30‏ لمراسلها في ألمانيا الزميل مازن حسان‏,‏ ينعي إلينا ذلك الخبر‏..‏ حيث جاء عنوانه دالا ومختزلا الموقف هناك في عبارة تقول‏:‏ سباق بين الولايات‏(‏ الألمانية‏)‏ لسن قوانين تحظر ارتداء الحجاب‏(!)‏
لا أعرف كيف تعالج المشكلة الآن وربما كانت الفكرة التي طرحت لدعوة مجمع البحوث الإسلامية للاجتماع لمناقشة الموضوع وصياغة موقف اكثر صوابا وتوازنا‏,‏ تمثل مخرجا مناسبا‏,‏ ولست متأكدا من إمكانية عقد ذلك الاجتماع‏,‏ الذي يبدو أن ثمة عقبات تحول دونه‏,‏ خصوصا ان شيخ الأزهر رفض فكرة اصدار بيان توضيحي لتصريحاته‏.‏

ولكن إلي أن يتحقق المراد ويأذن الله بفرج من عنده‏,‏ فإن الجميع مدعوون لأن يتوجهوا إلي الله بالدعاء كي يغفر للإمام الأكبر كبوته‏.‏


بـل كبــــوة الكــاتب الأكـــبر


بقلم‏ : فضيلة الإمام الأكبر



د‏.‏ محمد سيد طنطاوي
شيخ الأزهر الشريف




كتب السيد الأستاذ فهمي هويدي بجريدة الأهرام بتاريخ‏2004/1/6‏ مقالا تحت عنوان‏:‏ كبوة الإمام الأكبر‏..‏
وهذا المقال يقع في أكثر من مائتي سطر‏,‏ وفي أربعة أعمدة‏,‏ وتحت أربعة أرقام‏,‏ وفي عدد كبير من الفقرات‏..‏

ونظرا لأن كثرة الكلام ينسي بعضه بعضا‏,‏ فسيكون ردي علي كل فقرة من كل رقم‏,‏ فماذا قال تحت رقم‏1..‏
قال في الفقرة الأولي‏:‏ لقد عبرت انجلترا والولايات المتحدة الأمريكية عن انتقادهما لموقف الرئيس الفرنسي باعتباره عدوانا علي الحريات‏[‏ وليس غيرة علي الإسلام بطبيعة الحال‏],‏ ووضع سيادته هذه الجملة بين قوسين‏.‏ ثم قال‏:‏ ولكن شيخ الأزهر الذي يفترض أنه أحد رموز الغيرة علي الدين لم ينطق بكلمة نقد واحدة لذلك الموقف‏..‏ إلخ‏.‏

وردي علي هذه الفقرة بإيجاز‏:‏ انجلترا والولايات المتحدة ينقدان موقف الرئيس الفرنسي باعتباره عدوانا علي الحريات ـ كما يقول السيد فهمي هويدي ـ فما شأني أنا كشيخ أزهر أو كمسلم؟
إن جوابي علي هذا أنني متعمد ألا أنطق بكلمة واحدة‏,‏ لأنهم كلهم ليسوا مسلمين‏.‏

ثم قال في الفقرة الثانية‏:‏ أما المفارقة الأكبر فهي أن وزير الداخلية الفرنسي أعلن في أكثر من حديث صحفي أنه كان معارضا لتقنين حظر الحجاب‏,‏ ولكنه تبني موقف التقنين‏,‏ بعد أن انحاز إليه الرئيس شيراك‏,‏ وأصبح سياسة لحكومة هو عضو فيها‏,‏ ولأن الوزير الفرنسي نقولا ساركوزي له تطلعاته السياسية وطموحه إلي الترشيح لرئاسة الجمهورية مستقبلا‏,‏ فإنه يعتبر أصوات المسلمين الفرنسيين‏6‏ ملايين نسمة رصيدا يريد أن يكسبه إلي صفه‏..‏ إلخ‏..‏
وردي علي هذه الفقرة‏:‏ وزير داخلية فرنسا‏..‏ تبني موقف التقنين‏,‏ لأنه يتطلع إلي ترشيح نفسه لرياسة الجمهورية مستقبلا‏,‏ ويريد أن يكسب أصوات ستة ملايين نسمة من المسلمين‏,‏ فما شأن شيخ الأزهر بذلك؟ هذه مناورات سياسية‏,‏ وحركات انتخابية بين وزير داخلية فرنسا وبين رئيس جمهورية فرنسا فما دخل شيخ الأزهر في ذلك؟ وهل من وظيفة شيخ الأزهر أن يتدخل في شئون دولة غير مسلمة كفرنسا أو غيرها؟ وإذا كان عدد المسلمين في فرنسا ستة ملايين ـ كما يقول الأستاذ فهمي هويدي ـ فهل شيخ الأزهر هو الذي يرشدهم إلي الشخص الذي ينتخبونه؟ إنه لو سألني واحد منهم عن هذه المسألة لقلت له‏:‏ انتخب أنت من ترتاح إليه لأنك تعيش في بلد أنا لا أعيش فيه‏.‏

وقال سيادته في الفقرة الثالثة‏:‏ إزاء ذلك فإن زيارة الوزير الفرنسي للقاهرة بدت خطوة في غاية الذكاء‏,‏ لأنه كان قد سمع من شيخ الأزهر انتقادا قويا لفكرة تقنين حظر الحجاب‏,‏ فذلك سيقوي موقفه الشخصي لا ريب‏..‏ إلخ‏..‏
وجوابي علي هذه الفقرة‏:‏ هذا كله تحليل من شخص سياسي‏,‏ وأنا لا شأن لي بالسياسة‏,‏ ولا ألتفت ولا أشغل نفسي بزيارة الوزير الفرنسي‏,‏ ولا أشغل نفسي بكون كلامي يقوي مركزه الانتخابي‏,‏ أو يسقطه‏,‏ ولن يستطيع لا هو ولا غيره أن يلقي أية مسئولية علي شيخ الأزهر‏.‏

وقال سيادة الأستاذ فهمي هويدي في الفقرة الرابعة والأخيرة من رقم‏1‏ من كلامه‏:‏ إذا صح ذلك التحليل فإنه يستدعي سؤالا ليس بوسعنا أن نجيب عليه الآن‏,‏ وربما تتضح إجابته مستقبلا هو‏:‏ هل كان يمكن حقا أن يتراجع الرئيس الفرنسي عن قراره أو يعدل فيه لو أن شيخ الأزهر اتخذ موقفا صريحا معارضا لفكرة تقنين منع الحجاب‏,‏ خصوصا أنه أوفد وزيرا في حكومته إلي القاهرة للقائه بخصوص الموضوع‏..‏
وجوابي علي هذه الفقرة‏:‏ سواء صح هذا التحليل الذي قاله سيادة الأستاذ فهمي هويدي أم لم يصح‏,‏ فلا يهمني ذلك ولا أعيره أي التفات‏..‏

وكذلك لا يهمني أن يتراجع الرئيس الفرنسي عن قراره أم لم يتراجع‏,‏ وأقول للأستاذ فهمي الذي يستطيع أن يجيبك علي هذا التحليل وزير الخارجية وليس شيخ الأزهر‏.‏
ثم تأتي الفقرة الأولي من رقم‏2‏ فماذا قال الأستاذ فهمي هويدي؟

قال‏:‏ في اليوم التالي لإعلان الرئيس شيراك تأييده لتقنين حظر الحجاب في المدارس نشرت صحيفة جارديان البريطانية عدد‏12/17‏ مقالا لإحدي كاتباتها ـ مادلين بونتنج ـ انتقدت فيه القرار بشدة‏,‏ ووصفته بأنه تعبير عن جنون العلمانية وهو وصف علي شدته يخفف من تشخيص الحالة الفرنسية‏..‏ إلخ‏..‏
وردي علي هذه الفقرة‏:‏ كون جريدة جارديان نشرت ما نشرت مدحا أو ذما للرئيس شيراك‏,‏ أمر يهم الرئيس شيراك ولا يهمني‏,‏ وليتهم جميعا يزدادون في كل يوم نقدا أو مدحا‏,‏ وعلي أية حال فأنا أقول للأستاذ فهمي‏:‏ وجه كل هذه التحليلات إلي وزير الخارجية أو وزير السياحة أو وزير الإعلام أو وزير الداخلية أو غيرهم أما شيخ الأزهر فلا شأن له بهذا الكلام السياسي‏!!‏

وقال سيادة الأستاذ فهمي في الفقرة الثانية من رقم‏2‏ وهي فقرة تصل إلي خمسين سطرا تقريبا‏:‏ إذا كان موقف الثقافة الفرنسية التقليدية من التدين بوجه عام‏,‏ فإن التدين الإسلامي كان ولا يزال له وضعه الخاص‏,‏ من حيث إنه يستعصي علي عملية التذويب بأكثر من غيره‏..‏
ثم يقول‏:‏ ومن الثابت أن قضية الحجاب في فرنسا أثيرت بعد نجاح الثورة الإسلامية في إيران التي ألزمت النساء بعدم الظهور سافرات في الأماكن العامة‏,‏ الأمر الذي كان له صداه الاحتجاجي والغاضب في فرنسا‏,‏ سواء بسبب العلاقات التاريخية الخاصة بين طهران وباريس‏..‏

ثم وضع سيادته جملة طويلة قال فيها‏[‏ لا تنس أن الفرنسية كانت لغة البلاط الشاهنشائي‏,‏ وأن الإمام الخميني اختار فرنسا منفي له حين أبعد عن العراق وأن باريس ظلت أحد معاقل المعارضة الإيرانية‏]‏ منذ ذلك الحين اعتبر الحجاب رمزا للعداء للغرب في الخطاب الإعلامي المبسط مادام أنه كذلك في إيران‏,‏ وجري تسويق الفكرة حتي رفضت مدرسة حكومية في سيال قرب باريس قبول تلميذتين مسلمتين في منتصف الثمانينيات لأنهما ارتدتا حجاب الرأس‏..‏
ثم ذكر سيادته كلاما طويلا خلاصته أن هناك قضايا ومعارك كلامية دارت بين الفرنسيين أنفسهم علي اختلاف أحزابهم واتجاهاتهم‏..‏ إلي أن يقول‏:‏ كأنما صدق الزعم بأن الجمهورية الفرنسية بكل هيبتها وجلالها يمكن أن يهدد أركانها حجاب ترتديه بعض التلميذات المسلمات‏..‏

ثم ينتقل سيادته إلي الفقرة الثالثة فيقول‏:‏ إذا صح أن عين الرئيس شيراك كانت علي انتخابات البلديات‏,‏ فإن تركيزه علي هذا الجانب أفقده الكثير‏,‏ حتي أزعم أن فرنسا خسرت بسبب موقفه هذا ثلاث مرات‏..‏ إلخ‏..‏
وردي علي هاتين الفقرتين‏:‏ أن معظم هذا الكلام يتعلق بالمناورات الانتخابية التي تدور بين الأحزاب الفرنسية‏,‏ وأي هذه الأحزاب يستطيع أن يكسب أصوات أكبر عدد من المسلمين المقيمين في فرنسا‏,‏ وهذا أمر لا علاقة لشيخ الأزهر به‏,‏ لأنه أمر داخلي في فرنسا‏,‏ وعلي المسلمين وهم يبلغون ـ كما يقول الأستاذ فهمي ـ ستة ملايين‏,‏ أن يقدروا الأمور علي حسب مصالحهم‏.‏

ولذلك فأنا أري أن هذا الكلام الطويل الذي تبلغ مساحته أكثر من ثلثي المقال‏,‏ لا علاقة لشيخ الأزهر به‏,‏ أما الكلام الذي يستحق المناقشة فهو في رقم‏3‏ فماذا قال الأستاذ فهمي هويدي في هذا الرقم؟
قال سيادته في الفقرة الأولي‏:‏ حين تطرق شيخ الأزهر إلي الموضوع في المؤتمر الصحفي الذي حضره وزير الداخلية الفرنسي‏,‏ فإنه وقع في خطأين كبيرين‏:‏
أولهما‏:‏ أنه كان محايدا إزاء الموقف الفرنسي‏,‏ وغير متحفظ عليه من أي باب‏.‏
وثانيهما‏:‏ أنه بدأ غير مدرك لخلفيات وملابسات وأبعاد الموضوع‏.‏
وجوابي علي هذا الاتهام أنه اتهام أقل ما يقال فيه أنه غير صحيح لأسباب من أهمها‏:‏

‏1‏ ـ أن شيخ الأزهر لم يكن محايدا أمام الموقف الفرنسي‏,‏ بل كان مهاجما‏,‏ عملا بالحكمة القائلة‏:‏ خير وسيلة للدفاع الهجوم‏,‏ فقد أصررت علي أن أتكلم أنا أولا‏,‏ وأن أوضح بكل صراحة أن الحجاب بالنسبة للمرأة المسلمة البالغة فرض إلهي‏..‏ وأن لكل دولة غير مسلمة أن تقرر من القوانين ما يتناسب مع مصلحتها‏,‏ وأن المرأة المسلمة التي تعيش في دولة غير مسلمة‏,‏ ولا تستطيع مخالفة هذه القوانين التي تقررها تلك الدولة غير المسلمة كفرنسا ـ مثلا ـ تكون في حكم المضطرة‏,‏ وذكرت الآية الكريمة التي تدل علي ذلك‏,‏ وهذا نص كلمتي‏.‏
الأزهر الشريف يرحب بالسيد وزير الداخلية بدولة فرنسا والوفد المرافق له‏,‏ وأرجو أن تبلغ تحيات الأزهر الشريف إلي السيد الرئيس شيراك وإلي الشعب الفرنسي‏.‏
ويسعدني أن أعطيك بعض الحقائق عن شريعة الإسلام‏.‏
الحقيقة الأولي‏:‏ أن شريعة الإسلام تقوم علي إعطاء كل ذي حق حقه‏.‏

الحقيقة الثانية‏:‏ أن مسألة الحجاب بالنسبة للمرأة المسلمة البالغة فرض إلهي‏,‏ وإذا قصرت في أدائه حاسبها الله ـ تعالي ـ علي ذلك‏,‏ ولا يستطيع مسلم سواء أكان حاكما أم محكوما أن يخالف ذلك‏,‏ ولا نسمح لغيرنا أن يتدخل في شئوننا كدولة مسلمة‏.‏
هذا إذا كانت المرأة المسلمة تعيش في دولة مسلمة‏,‏ أما إذا كانت المرأة المسلمة تعيش في غير دولة مسلمة كدولة فرنسا ـ مثلا ـ‏,‏ وأراد المسئولون فيها أن يقرروا قوانين تتعارض مع مسألة الحجاب بالنسبة للمرأة المسلمة‏,‏ فهذا حقهم الذي لا أستطيع أن أعارض فيه أنا كمسلم‏,‏ لأنهم غير مسلمين‏.‏

وفي هذه الحالة عندما تستجيب المرأة المسلمة لقوانين الدولة غيرالمسلمة‏,‏ تكون من الناحية الشرعية الإسلامية في حكم المضطرة‏.‏
والقرآن الكريم الذي هو دستور الأمة الإسلامية يقول لأتباعه‏:‏ إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله‏,‏ فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم‏[‏ سورة البقرة‏:173].‏
والخلاصة‏:‏ أنني باسم شيخ الأزهر أقول‏:‏ كما أني لا أسمح لغير المسلم أن يتدخل في شئوني كمسلم‏,‏ فإنني في الوقت نفسه لا أسمح لنفسي أن أتدخل في شئون غير المسلم‏.‏

‏2‏ ـ بعد أن انتهيت من كلمتي قلت للوزير الفرنسي‏:‏ بعد هذا الترحيب أنا قلبي مفتوح للاستماع إلي سيادتك‏:‏
فقال بعد أن ظهر عليه الاضطراب ما ملخصه‏:‏ أشكر شيخ الأزهر‏..‏ وإن مسلمي فرنسا مثلهم مثل غيرهم‏..‏ وفرنسا تعتبر من الدول التي تحترم حقوق الأقليات‏..‏ وكما تعلمون أنه ليس هناك حقوق بلا واجبات‏,‏ وإذا كان للمسلمين في فرنسا حقوق فعليهم باقي الواجبات التي يتبعها باقي الأديان الأخري‏..‏ وهذا نص كلمته‏:‏

أشعر بسعادتي للقاء فضيلة شيخ الأزهر الذي يرأس الأزهر الشريف‏,‏ وأعرب عن تقديري للدور الذي يقوم به‏,‏ والحكمة التي يبادر بها دوما‏.‏
وإن الحوار بين الحضارات والثقافات أمر ضروري‏..‏ وإن عددا لا بأس به من مواطني فرنسا مسلمون‏.‏
والإسلام في فرنسا أصبح من أكبر الديانات التي يؤمن بها مسلمون‏.‏

وأستطيع أن أؤكد لكم أنه ما من دولة في أوروبا قامت بما قامت به فرنسا من أجل الحرية‏,‏ وبالتالي فإن مسلمي فرنسا مثلهم مثل الكاثوليك والبروستانت واليهود‏.‏
وإن مسلمي فرنسا يحرصون علي ممارسة شعائر دينهم‏,‏ ولهم حقوقهم مثل مواطني فرنسا‏.‏

والرئيس شيراك قال‏:‏ إن الإسلام دين من الأديان في فرنسا‏,‏ ومن حقهم ممارسة شعائر دينهم مثلهم مثل باقي الأديان في فرنسا‏.‏
وكما تعلمون أنه ليس هناك حقوق بلا واجبات‏,‏ وإذا كان للمسلمين في فرنسا حقوق فعليهم باقي الواجبات التي يتبعها باقي الأديان الأخري‏.‏

فنحن متمسكون بمبدأ العلمانية وهي نوع من الحياد في التعليم في المدارس الحكومية في فرنسا‏,‏ وهو يطبق علي كافة الأديان‏,‏ ولا نقصد المسلمين‏,‏ ولكن كل الأديان‏.‏
والواقع أن العلمانية تطبق علي الجميع وليس علي المسلمين‏,‏ فهي تطبق علي الكاثوليك واليهود بعدم وضع أية علامات تميز دينا عن غيره‏.‏
وهذا ليس من قبيل عدم احترام الدين الإسلامي‏,‏ بل ينبغي أن يفهم الجميع أن العلمانية هي أحد تقاليد فرنسا‏..‏ وشكرا‏.‏

‏3‏ ـ ما عبر عنه الأستاذ فهمي بالخطأ الثاني وهو أني بدأت وأنا غير مدرك لخلفيات وملابسات وأبعاد الموضوع‏,‏ فردي عليه‏:‏
أنني لست في حاجة إلي إدراك خلفيات وملابسات وأبعاد الموضوع‏,‏ لأنها كلها خلفيات وملابسات وأبعاد سياسية وانتخابية ومناورات بين الأحزاب الفرنسية‏,‏ والمسلمون الذين يعيشون في فرنسا يعرفون مصلحتهم‏.‏

وأنا أسير علي المبدأ الذي سار عليه الإمام الشيخ محمد عبده ـ رحمه الله ـ والذي يقول فيه‏:‏ قاتل الله السياسة وما اشتق منها كلفظ سائس ومسوس وسوس‏..‏ إلخ‏.‏
وقال سيادته في الفقرة الثانية من رقم‏3:‏ كان بعض الغيورين والمعنيين بالشأن الإسلامي قد توجسوا خيفة مما يمكن أن يصدر عن الشيخ بعد لقائه بالوزير الفرنسي‏,‏ وبعد اتصالات تمت في هذا الصدد‏,‏ فإنه تلقي ثلاثة نماذج مكتوبة تضمنت نقاطا مقترحة للتركيز عليها في تحديد موقف متوازن‏..‏ إلخ‏.‏

وجوابي علي هذه الفقرة‏:‏ أن هذا الكلام لا أساس له من الصحة‏,‏ لأنه لم تتم معي أية اتصالات في هذا الصدد‏,‏ ولم أتلق أية نماذج مكتوبة تضمنت نقاطا مقترحة أو غير مقترحة‏.‏
وقال سيادته في الفقرة الثالثة‏:‏ فيما بدا فإن شيخ الأزهر نحي جانبا ما قدم إليه من مقترحات‏..‏ وفوجئ أعضاء مجمع البحوث الإسلامية الذين شهدوا المؤتمر الصحفي بكلام الشيخ فسجلوا اعتراضهم عليه ونقدهم له‏,‏ وكانت نقطة الاتفاق بينهم أن الشيخ بما أعلنه عبر عن رأيه الشخصي لا عن رأي الأزهر أو مجمع البحوث‏..‏ إلخ‏.‏

وردي علي هذه الفقرة‏:‏ أنني كما سبق أن قلت لم أتلق أية مقترحات من أحد لا من أعضاء مجمع البحوث ولا من غيرهم‏.‏
والذي حدث بعد أن انتهي الوزير الفرنسي من كلامه‏,‏ طلب بعض الصحفيين توجيه أسئلة فرحبت أنا بذلك‏,‏ أما الوزير الفرنسي فاعتذر‏,‏ وطلب القيام فقمت معه إلي داخل المكتب لبضع دقائق‏..‏

ثم حضر السادة الذين كانوا يجلسون معي والذين هم من أعضاء مجمع البحوث ومنهم‏:‏ الدكتور صوفي أبو طالب والدكتور طه أبو كريشة والدكتور عبدالله النجار‏,‏ والدكتور رأفت عثمان‏,‏ والدكتور عبدالصبور مرزوق‏,‏ والدكتور علي جمعة‏,‏ والدكتور جمال الدين محمود‏,‏ والشيخ فوزي الزفزاف‏,‏ والدكتور نصر فريد‏,‏ ولم يحصل من أحدهم أي اعتراض أو نقد بل قال الدكتور صوفي أبو طالب‏:‏ ما قاله فضيلة شيخ الأزهر هو المتن‏,‏ وما قاله الدكتور علي جمعة هو التفصيل‏.‏
ومع كل ذلك فمجمع البحوث سيجتمع في مشيخة الأزهر في الساعة الواحدة من بعد ظهر اليوم الموافق الثامن من شهر يناير‏,‏ وأنا أدعو الأستاذ فهمي هويدي لحضور هذه الجلسة التي سنتعرض فيها لمسألة الحجاب في فرنسا‏.‏

قال سيادة الأستاذ فهمي هويدي في الرقم‏4‏ من مقاله الطويل‏:‏ في الإعلام الفرنسي قدم الأزهر بحسبانه معادلا للفاتيكان عند الكاثوليك‏,‏ ومن ثم اعتبروا كلام شيخه صكا يطلق يد الحكومة في تقنين حظر الحجاب‏,‏ رغم إجماع الأغلبية الساحقة من علماء المسلمين علي معارضته سواء في مجمع البحوث الإسلامية‏,‏ أو المجلس الأوروبي للإفتاء الذي يرأسه الشيخ يوسف القرضاوي‏..‏
وردي علي هذه الفقرة‏:‏ لا شأن لي بما يقوله الإعلام الفرنسي عن الفاتيكان أو غيره‏,‏ ولا يستطيع الفاتيكان أو غيره أن يتدخل في أمر يتعلق بالأزهر‏,‏ ولا ألتفت إلي اعتباره أو غير اعتباره‏.‏

وقول الأستاذ فهمي‏:‏ رغم إجماع الأغلبية الساحقة من علماء المسلمين‏..‏ لا أدري من أين جاء بهذه الأغلبية الساحقة؟
وقوله‏:‏ والمجلس الأوروبي للإفتاء الذي يرأسه الشيخ يوسف القرضاوي‏..‏ أنا شخصيا لا علم لي بهذا المجلس‏.‏

ومع هذا فالأستاذ الدكتور دليل أبو بكر عميد المعهد الإسلامي لمسجد باريس أرسل إلي شيخ الأزهر خطابا يثني فيه علي رأي شيخ الأزهر في مسألة الحجاب في فرنسا وهذا نصه‏:‏ إلي صاحب المقام العالي والفضيلة شيخ الأزهر الشريف‏..‏
إنه لمن عظيم الشرف أن تتاح لي هذه الفرصة الطيبة للاتصال بشخصكم الكريم‏,‏ عبر هذه الكلمات الأخوية‏,‏ التي تفيض تقديرا وامتنانا ومودة‏,‏ مستهلا بالحمد والثناء لله الواحد الجليل‏,‏ ومهنئا بمطلع عام جديد‏,‏ نرجو أن يكون فاتحة عهد جديد للمسلمين‏,‏ يرقي فيه فكرهم وسلوكهم إلي مستوي دينهم الحنيف‏.‏

صاحب الفضيلة‏:‏ إنكم بحق تقودون أعلي سلطة دينية في عالمنا الإسلامي‏.‏ قيادة مؤسسة علي الأصول والحكمة والاعتدال وبعد النظر‏,‏ ومواقفكم في مختلف المسائل الكبيرة ذات دلالة علي هذا المقام‏.‏
إن رأيكم الديني في مسألة الحجاب في فرنسا‏,‏ قد كان له أثر طيب في كل الأوساط والمستويات لأنه مبني علي الشرع أولا‏.‏ ومراع للمصلحة العامة من جهة أخري‏.‏ فالعلماء موجهون ينيرون السبيل للذين يقودون‏..‏ وما أجمل أن تكون القيادة من جنس التوجيه‏.‏

سيدي الفاضل وشيخي المبجل‏..‏ فباسمي وباسم العاملين معي في مسجد باريس‏,‏ وباسم الجالية المسلمة بفرنسا أزف لكم لطائف المودة‏,‏ ومعالي التقدير‏,‏ وخالص التحية‏,‏ متمنيا أن نحظي خلال هذه السنة الجديدة بزيارتكم لمسجد باريس الكبير‏.‏
والله أسأل أن يحيطكم دوما بلطفه وعنايته‏,‏ وتقبلوا فائق التقدير‏.‏
أخوكم الدكتور دليل أبو بكر
عميد المعهد الإسلامي لمسجد باريس
والأستاذ الدكتور عبدالحميد الأنصاري‏..‏ العميد السابق بكلية الشريعة والقانون ـ جامعة قطر ـ أرسل خطابا إلي شيخ الأزهر يؤيد فيه رأي شيخ الأزهر وهذا نصه‏:‏
سماحة الإمام الأكبر فضيلة الأستاذ الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر الشريف حفظه الله‏..‏
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد
نؤيدكم كل التأييد في موقفكم الصائب من قضية الحجاب في فرنسا‏.‏

وكما ذكرتم حقا وصدقا‏:‏ إذا كنا لا نسمح لغير المسلمين بالتدخل في شئوننا كمسلمين‏,‏ فكذلك لا نسمح لأنفسنا بالتدخل في شئون الآخرين‏.‏
وهؤلاء الذين عارضوكم يريدون تسييس القضية لأغراض معينة لا غير‏.‏

هذا الموقف الحق يضاف إلي سلسلة مواقفكم الحقة‏.‏ فجزاكم الله خيرا وسدد خطواتكم‏,‏ وحفظكم‏,‏ ومتعكم بالصحة والعافية وطول العمر‏.‏
‏.‏د‏.‏ عبدالحميد الأنصاري
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون
جامعة قطر ـ والعميد السابق للكلية
‏2004/1/1‏
بعد كل ذلك أقول للأستاذ فهمي هويدي الذي يقول في مقاله الطويل وفي ختامه‏:‏
لا أعرف كيف تعالج المشكلة ـ أي‏:‏ مشكلة الحجاب في فرنسا ـ الآن‏..‏ إلخ‏.‏

أقول لسيادته‏:‏
أولا‏:‏ هذه مشكلة صغيرة أخذت أكبر من حجمها بكثير‏,‏ لأن الذي أثار المشكلة ـ كما تقول أنت في مقالك في العمود رقم‏2‏ ـ جري تسويق الفكرة حتي رفضت مدرسة حكومية في سيال قرب باريس قبول تلميذتين مسلمتين في منتصف الثمانينيات لأنهما ارتدتا حجاب الرأس‏,‏ وثارت ضجة آنذاك‏..‏
وقد سمعت أن من وسائل حل هذه المشكلة‏:‏ أن تذهب التلميذتان المسلمتان إلي المدارس الخاصة الأخري غير الحكومية فهي لا تمنع أن تدخل التلميذتان المسلمتان وغيرهما بالحجاب المتمثل عندهم في غطاء الرأس‏.‏
فإذا لم يستطيعوا ذلك فعلي المسلمين الذين يعيشون في فرنسا وهم ستة ملايين أن ينشئ أغنياؤهم مدارس إسلامية خاصة‏,‏ يدخلها من يريد من التلميذات المسلمات ارتداء الحجاب‏,‏ وسمعت أن المسئولين في فرنسا لا يعارضون في ذلك‏.‏

ثانيا‏:‏ سمعت أن فرنسا تبيح ارتداء الحجاب للمسلمات في الشارع وفي الجامعات وفي غير ذلك من الأماكن‏,‏ ولا تعترض علي ذلك إلا بالنسبة للمدارس الحكومية في المرحلة الإعدادية أو الثانوية‏..‏
بينما بعض الدول الإسلامية ـ كتركيا مثلا ـ تمنع ما هو أكثر من ذلك‏,‏ فهي تمنع الحجاب في الجامعات‏,‏ بل أكثر من ذلك بلغني أن نائبة بالبرلمان عندما ارتدت الحجاب في المجلس البرلماني حوسبت علي ذلك‏.‏
والسؤال‏:‏ لماذا كل هذه الضجة بالنسبة لفرنسا التي تقول بأعلي صوتها أنا دولة علمانية أفصل الدين عن نظام الدولة فصلا تاما‏,‏ وأطبق ذلك علي المسلمين وعلي المسيحيين وعلي اليهود؟

ثالثا‏:‏ إن الحجاب الشرعي في شريعة الإسلام معناه‏:‏ أن تستر المرأة المسلمة البالغة جميع بدنها إلا الوجه واليدين‏..‏
والمعروف أن المسئولين في فرنسا يريدون من الحجاب بالنسبة للتلميذتين المسلمتين عدم استعمال غطاء الرأس‏,‏ كما يريدون من المسيحيين عدم استعمال الصليب‏,‏ وكما يريدون من اليهود عدم استعمال الطاقية الخاصة بهم‏.‏

والسؤال‏:‏ هل لو استعملت التلميذتان المسلمتان غطاء الرأس فقط‏,‏ مع ترك الساقين عاريتين ـ مثلا ـ تكونان قد قامتا بالحجاب الإسلامي الذي اتفق جميع الفقهاء المسلمين علي أن الحجاب الشرعي إنما يتمثل في ستر جميع البدن سوي الوجه واليدين؟
أرجح أن الجواب الذي لا يختلف عليه عاقلان هو أن التلميذتين المسلمتين عندما تغطيان الرأس وتتركان السيقان عارية لا تكونان قد استعملتا الحجاب الشرعي‏.‏

ومادام الأمر كذلك فلماذا هذه الضجة بالنسبة لمسألة لا تمثل الحجاب الشرعي الصحيح عند كافة علماء المسلمين‏.‏
هذه بعض الحلول التي أراها يا سيادة الأستاذ فهمي هويدي وأختتم كلامي بقوله ـ تعالي ـ‏:‏ وإنا أو إياكم لعلي هدي أو في ضلال مبين‏.‏
  #39  
قديم 10/01/2004, 08:05 AM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
فقدان الهوية المزعوم

فقدان الهوية المزعوم

عبد الرحمن الراشد


«لا شك ان هناك بلدانا عربية فقدت الكثير من الهوية بسبب فتنتها ببريق الحضارة الغربية الى ان اكتشفت ان البريق ما هو الا سراب».
هذا رأي احد المسؤولين في الخليج في حديث له نشر قبل ايام مفاخرا بالتحصين ضد الغزو الثقافي، ولاعنا العولمة ومدعيا ان احدا لن يغير مناهجه.
اعتدنا على ترديد المسؤولين اسطوانات مشروخة لا اظن انهم يسمعون صداها او يدققون في معانيها: غزو ثقافي، العولمة، التحصين... الخ. ولو سألنا احدهم عن معنى العولمة لاهدانا جملة مطاطة عامة.
وما اتهام المسؤول التربوي دولا عربية بانها فقدت الكثير من هويتها بسبب غرامها بالحضارة الاجنبية إلا مثال صارخ على الكلام الشعبي الاستهلاكي، ليس فارغ المعنى فحسب بل هراء يوجع الرأس كذلك.
فأين هي البلدان العربية المنزوعة الهوية، واين هي البلدان العربية الكاملة الهوية؟
ولو اردنا ان نقيس نجد ان الخليج ليس افضل المناطق العربية.
وان كان المعني هنا لبنان مثلا، أليس هو منبع الطروحات العروبية ومنه صدرت دواوين العربية ومعاجمها.. اليس هو الافضل في مستويات تعليمه وتطوره النوعي؟
وان كان المقصود الاردن، اليس هو مصدر المعلمين والمهندسين والمحاسبين الذين تراهم بكثرة في الخليج؟ وان عني التربوي تونس، هل يعرف دولة عربية اكثر انسجاما في تطورها مع تراثها وامكانياتها؟ وبالتأكيد لا اظنه يرمي مصر بالدولة المنزوعة الهوية!
ولا يحق للخليج أن يفاخر بتراثه فقط لانه يعتمر الغترة ويلبس الثوب. نعم الخليج محظوظ بثروته واستقراره لكن له من العيوب ما لا يقل عن احد في محيطه العربي. ويعرف المربي الكبير ان اكثر الدول العربية استقبالا وانصهاراً مع «العولة» هي الخليجية، ربما لا اراديا.
في الخليج يعمل بحر من الجنسيات بثقافاتها من 120 دولة، وهي عولمة واختلاط لا تجده حتى في الغرب. وعدد المدارس المتعددة الاصول والجذور تجدها في الخليج اضعاف عما هي في الاردن او لبنان او تونس. وتزدحم السوق بالبضائع والعمالة من عوالم الدنيا كذلك. واكثر دول المنطقة استقبالا وارسالا للثقافات العالمية هي دول الخليج كونها اكبر مستخدم للانترنت والبريد الالكتروني.
فالاختلاط الثقافي ليس بنقيصة، وان كان هذا تفسير كلمة «العولمة» الغامضة، ولا الانفتاح الاقتصادي بكارثة بل يعبر عن ثقة ونجاح داخلي.
واذا كان التقوقع هو في نظره انجازاً محلياً عظيماً فعليه ان يعيد قراءة حساباته الداخلية باشكالاتها الارهابية والضعف العلمي والنقص الابداعي والعجز التوظيفي.
لهذا فمحاولة تمجيد التخلف باسم التحصين تجاوز للحقائق كما هي على الارض. واذا كان للخليج ان يفخر فليفخر بانفتاحه على العالم وقدرته على التأقلم بثقافته مع الثقافات الاخرى، فهو يلبس الثوب العربي ويتحدث اللغات العالمية ويسافر اكثر من غيره الى ارجاء الدنيا.
  #40  
قديم 11/01/2004, 10:53 AM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Thumbs up النظام القيمي والانتماء للقائد والوطن

النظام القيمي والانتماء للقائد والوطن

د. حامد بن شظا المرجان
\

مستشار الاعلام التنموي


وزارة الاعلام




في حديث لمولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله وأبقاه - مع صحيفة الخليج في 11 يناير 1986 أي قبل 17 سنة "شروطنا للمشاركة هي تحقيق الوعي الكامل، لأن نصف الوعي مثل نصف التعليم" بما معناه أن الوعي الكامل لدى الناس يجب أن يكون بالمستوى الملائم بحيث يضعون نصب أعينهم حب وطنهم وليس ما يمكن أن يتأثرون به من أمور خارجية ولا بأموال ولا بتهريج ولا بشعارات ولا ولا... وبهذا تكون المصلحة القومية فوق كل الاعتبارات.
ففي هذا المجال يصبح تعريف الوعي الكامل أن يكون المواطن إينما كان موقعه حاساً بمسؤوليته أمام ربه ووطنه وأن يكون كل ما يفكر فيه هو المصلحة العامة. ويمكن أن تقوم التوعية بدور إيجابي في هذا الصدد وذلك حتى تنضج الممارسات العامة، لأن هذا سبب معاناتنا في عالمنا العربي ولا يجب أن تكون التجربة في السلطنة على ذات النمط.
ولنا هنا وقفة موضوعية أمام ما يمر به مجتمعنا اليوم من تجاوزات سلوكية تعوق جهود التنمية الشاملة. إن إصلاح النظام القيمي هو من الجوانب المهمة في أي مجتمع، فلقد حبانا الله تعالى بقيم سامية ومبادئ أخلاقية رفيعة جعلتنا (خير أمة أخرجت للناس) كما أنه وهبنا قدرة فريدة على تحدي الزمن وتخطي العقبات واجتياز المحن ولم تكن تلك القدرة قائمة على ما تملكه من أسباب القوة المادية بل تعود إلى القيم الروحية الراسخة و الخصال الطيبة التي يتميز بها العمانيون وفي مقدمتها الصدق والأمانة والإخلاص في العمل والإعتزاز به والجدية والاستقامة والرضا و القناعة والروابط الأسرية المتينة و الشعور بالتكافل والتضامن الاجتماعي والبعد عن الحقد والضغينة والاحترام المتبادل بين أفراد المجتمع وتجنب التطرف والتعصب ونحن اليوم أحوج ما نكون إلى إحياء هذه القيم.
والمتتبع لخطب صاحب الجلالة منذ توليه مقاليد الحكم وبدء بناء نهضة عمان تجلى خطاب مولانا - حفظه الله وأبقاه - في المناداة بالتمسك بهذه القيم إيمانا من جلالته بان البناء الحقيقي والوعي الصحيح يبدآن بالأخلاق والقيم والسلوك وتعميق الإنتماء للوطن في نفوس المواطنين وخاصة النشء من خلال الاعتزاز بالوطن ورموزه.
في كل جماعة هناك مجموعة من القيم يشترك فيها الناس تنظم سلوكهم الاجتماعي ويطلق على هذا النظام القيمي القائم في الجماعة أو المجتمع والذي يختلف في مجموعة عن نظم القيم في الجماعات الأخرى وأن اشترك معها في بعض نواحيه .
وتكون القيم جزءاً لا يستهان به في الإطار المرجعي للسلوك في الحياة العامة
ويعرّف أحد أساتذة علم الاجتماع أن القيم "تعبير عن دوافع الإنسان وتمثل الأشياء التي توجه رغباتنا واتجاهاتنا نحوها ومن أمثلة القيم العامة: العلم والإيمان والقوة والثروة والنظافة... وتقترب القيم من المثل. والمثل تمثل الحوافز الطويلة الأمد أو الغايات التي يسعى أي مجتمع لتحقيقها".
ويمكن أن ننظر إلى القيمة على أنها اهتمام أو اختيار وتفضيل أو حكم يصدره الإنسان على شيء ما مهتدياً بمجموعة المبادئ والمعايير التي وضعها المجتمع الذي يعيش فيه والذي يحدد المرغوب فيه و المرغوب عنه من السلوك.
والقيم نتاج اجتماعي حيث يتعلم الفرد القيم ويكتسبها ويتشربها ويستمدها تدريجياً ويضيفها إلى إطاره المرجعي للسلوك، ويتم ذلك من خلال عملية التنشئة الاجتماعية وعن طريق التفاعل الاجتماعي يتعلم الفرد أن بعض الدوافع والأهداف تفضل غيرها ويفضلها على غيرها أي أنه يقيمها أكثر من غيرها.
ويلاحظ أن القيم جميعها توجد لدى كل فرد غير أنها تختلف في ترتيبها من فرد إلى آخر ومن جماعة إلى أخرى قوة وضعفاً.
ويتضح لنا مما تقدم أن ما يعانيه مجتمعنا العماني من بعض ظواهر اللامبالاة والاستهتار من جانب بعض الشباب بالقيم والواجب وما هو ما يوحي بخلل جسيم في النظام القيمي وبافتقادهم لبعض من معاني الانتماء والإخلاص الواجب لعماننا الحبيبة.
إن الجميع يتساءل ماذا جرى لأبنائنا هذه الأيام.....
إننا نعاني صراحة من سلوك بعض أبناء هذا الجيل السلبي. وعدم الوعي الكافي بقضاياه ومشاكله والإحساس بالفردية والاغتراب.
ومن بين المظاهر التي بدت واضحة في سلوك بعض الأفراد وما يتمثل في بعض مظاهر اللامبالاة حيث ترتكب بعض الأخطاء مثل الأخطاء التي ترتكب في الطريق العام أو ضد بعض المرافق العامة وغيرها ولا يتحمس أحد لتلقين أو توجيه من يرتكب خطأ أو يفسد مرفقاً دفاعاً عن القيم والمبادئ أو المحافظة على المرافق العامة التي يستفيد منها الجميع.
إن القضاء على تلك المظاهر وغيرها كثير وإبداله بالانتماء في إطار نظام قيمي إيجابي يتطلب إجراء سريعاً لتعديل الاتجاهات نحو حب الوطن وتقوية القيم الروحية، وهذا فضلاً عن اتخاذ الأساليب العلمية السليمة التي تنمي لدى هؤلاء البعض الإحساس بالانتماء.
لا يمكن أن يكون الشباب منتمياً لبلده بعقله وقلبه ووجدانه إلا إذا كان عالماً بتراثه ، وهذا ما رعته حكومة صاحب الجلالة من خلال اهتمامها بالتراث بناء على تعليمات باني وراعي النهضة المباركة.
إن من واجبات المواطن العماني هو عطاء الانتماء لعمان ورمزها فلا يحمي عمانيتنا سوى أن نكون أشد انتماء في تصرفنا وفي سلوكنا اليومي لجلالة القائد ولهذا البلد العريق وأرضه وحضارته وأن ندرك أن حب عمان قابوس يستوعب أضعاف الطاقة التي نبذلها اليوم في ساحة العطاء.
إن دعوة تعميق الانتماء يجب أن تصل إلى كل بيت لأنها دعوة من أجل عمان.
علينا أن ندعو دون ملل إلى مضاعفة الجهد والالتزام في كل أعمالنا وأقوالنا فلا نستخف بالواجبات العامة فيجب على أجهزة التوعية بكافة تشكيلاتها سواء التربوية أو المجتمعية أن تقوم ببناء جسور الثقة والتكيف بين المجتمع ونظامه القيمي وأن تصلح ما هو قائم منه وأن تبني وترشد سلوكيات إيجابية جديدة في تجاه قيم المشاركة وغيرها من القيم البناءة للمجتمع.
وأخيراً فان علينا القول أن الإعلام ليس وحده المسؤول ، وإن كان يلعب دوراً مؤثراً ، عن مجابهة السلبيات بالمجتمع وعلاجها بما فيها قضايا الانتماء والنظام القيمي وان هناك تنميات عديدة اقتصادية واجتماعية وواجب كل المختصين في هذه النواحي أن يضعوا الخطط اللازمة لتسيير كل تنمية في مسارها السليم ويسير الإعلام معها في نفس الطريق.



--------------------------------------------------------------------------------
  #41  
قديم 12/01/2004, 10:29 AM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
النص الشعري الحداثي لا يجد الناقد الذي يتعامل معه بصبر لكي

النص الشعري الحداثي لا يجد الناقد الذي يتعامل معه بصبر لكي تتكشف له جماليته!2003/11/11

الناقد المصري محمد عبد المطلب:الرباط ـ القدس العربي :


في هذا الحوار الممتع والمفيد مع الدكتور محمد عبد المطلب أستاذ النقد الادبي بكلية الاداب بجامعة عين شمس بالقاهرة، يؤمن محاورنا بالمقولة التراثية الشعر ديوان العرب ويؤكد أن هذا الزمن هو زمن الشعر وسيظل، لأنه هو المعبر الحقيقي عن الانسان وطالما يوجد الشعر يوجد الانسان. إنه بتعبيره هو فن اللغة الاول.والدكتور محمد عبد المطلب الذي حاز علي جائزة مؤسسة البابطين في النقدي الادبي (1990) وعلي وسام فارس من فرنسا علي دوره الثقافي في النقد الادبي (1999)، له أكثر من عشرين مؤلفا في النقد الدبي والبلاغة منها عشرة كتب في نقد الشعر.هل في رأيك مازال الشعر ديوانا للعرب؟مازال وسيظل الشعر ديوانا للعرب. أنا أفهم معني الديوانية هنا بأنها الذاكرة العربية. وطالما هناك ذاكرة عربية، فهناك شعر وطالما هناك شعر، فهناك ذاكرة عربية.حقيقة، أن هناك أجناسا أدبية كثيرة ظهرت، تنافس الشعر مثل القصة والرواية والمسرحية والتراجم إلخ...، لكن، في رأيي الخاص، أن هذه الاجناس تنتمي إلي الدرس الاجتماعي بالدرجة الاولي ثم تنتمي بعد ذلك إلي الدرس الادبي. أما الشعر، فإنه ينتمي للأدبية أولا وأخيرا. ومن ثم مهما حاولت الرواية أو القصة أن تقدم تحولات الواقع العربي وتقلبات المجتمع العربي، فإن هذه التحولات ستظل في الاطار الخارجي، أما التحول الداخلي للذات العربية وللشخصية العربية، فسيظل الشعر هو الحامل لهذه المهمة بالدرجة الاولي. وأنا أقول إن الشعر مازال ديوان العرب بالرغم ما قاله الدكتور جابر عصفور علي أن الرواية ديوان العرب وما قاله الدكتور عبد القادر القط علي أن الدراما التلفزيونية أصبحت ديوان العرب، فمازلت أقول إن الشعر هو ديوان العرب. هل حقيقة أن الشعر العربي مازال محتفظا بمكانته حتي يومنا هذا. أسأل وأجبيب، المهرجانات التي تقام في العالم العربي كله، جلها يحتفل بالشعر، الجوائز التي تقدم في العالم العربي تقدم احتفاء بالشعر.. ما يطبع وينشر علي الناس أغلبه شعر. ثم ألا نتصور عظمة الشعر في أنه حافظ علي وجوده منذ أن ظهر قبل امرئ القيس حتي يومنا هذا. بالرغم من أن هناك أجناسا كثيرة ظهرت واختفت. أين هي المقامة، أين الرسائل أين التوقيعات.. إلخ، كلها ذهبت وحلت محلها أجناس مثل القصة والرواية، لكن الشعر العربي بالرغم من تحولات المجتمع العربي الدائمة التي لم تتوقف، فإنه ظل كما هو. كلمة شعر ظهرت، ومع ذلك مازالت تعيش حتي يومنا هذا، أين أن الشعرية هي شعرية تراكم الزمن الذي ينقطع. الاروع والاعظم، أن الشعرية العربية بالرغم من أنها حافظت علي وجودها لأكثر من 1500 سنة تقريبا، مع ذلك لم تجمد علي حالة واحدة، بل مرت بمراحل تطورية تتابع التغير الاجتماعي والثقافي العربي. منذ الشعر العربي، ظهرت الشعرية العربية مع امرئ القيس ومدرسته وجاء صدر الاسلام وتحولت الشعرية العربية هذا التحول، ثم العصر الاموي فتحولت تحولا آخر، ثم جاء العصر العباسي فدخلت في مرحلة تطويرية من حيث البناء الشعري والمضمون، وكانت هناك ثورة قادها أبو تمام علي الشعر العربي، ثم جاء العصر الاندلسي وظهرت الموشحات وجاء العصر المملوكي والعثماني، ثم جاء العصر الحديث بتحولاته الاحيائية ثم الرومانسية ثم التفعيلة وصولا إلي قصيدة النثر.هذه الشعرية الخصبة، لم تتجمد عند مرحلة بعينها ولم تتوقف عند صورة شكلية بعينها، بل تطورت. مما يؤكد أنها ستظل حية إلي ما شاء الله. أما كيف ستكون عليه الشعرية العربية فيما يتلو مرحلة قصيدة النثر، فهذا في علم الغيب.هذا يحيلنا علي التساؤل حول مدي تأثير الشعر في يومنا هذا، خاصة مع الظروف العصيبة التي يمر منها العالم العربي والاسلامي. أين موقع الشعر من قضايا مثل فلسطين والعراق...؟الشعر حاضر، لكن نحن نريد أيضا أن نعود بالشعر إلي مسألة الاغراض، وهذه مسألة لم تعد مهمة في الشعر العربي في رأيي. الشعر العربي هو فن اللغة بالدرجة الاولي. كيف يوظف الشعر لغته لكي ينقل إلي المتلقي جماليات هذه اللغة. يأتي الغرض في الدرجة الثانية، أما الدرجة الاولي فهي اللغة. أنت لو بحثت حتي في أعظم القصائد الشعرية، فتجد المعني، مألوفا، قدم لي أي نموذج شعري، ستجد أن المعني مألوف، إنما ألفته أنه قدم بطريقة غير مألوفة. ومع ذلك، فالشعرية العربية مازالت تحمل هموم الواقع العربي، محمود درويش، ماذا صنع في الشعرية العربيةشعر محمود درويش حاليا ليس هو شعره ماضيا!أنا أتكلم عن الهم العربي عموما، ولا أحب أن أتحدث عن قضية واحدة. نحن نعيش الزمن العربي الرديء. فالشعر جزء من هذا الزمن العربي الرديء الرواية لم تنفصل عن هذا الزمن والمسرحية كذلك بل كل الثقافة. نحن للأسف نعيش مرحلة تفرغ فيها الذاكرة العربية من ثقافتها تماما ويقود هذه العملية للأسف بعض كبار المثقفين في العالم العربي. واعتبروا جنة الحداثة، تحتاج إلي جواز الدخول، هذا الجواز هو ضرب الثقافة العربية في أعماقها. وأنا أقرأ الان بعض الكتب الثقافية لكبار المثقفين العرب، فأصاب بالذهول. الركائز الثقافية العربية تضرب في أعماقها. للأسف هناك محرمات ثلاثة في الثقافة:الدين، الجنس، السياسة. السياسة عقوبتها الدنيوية فورية والجنس عقوبته الدنيوية فورية. الدين عقوبته أخروية مؤجلة. كيف بالمثقفين العرب يتهربون من العقوبة الفورية مع السياسة والجنس ويدخلون إلي العقوبة المؤجلة الدين، وأصبح المثقفون العرب يعتبرون الدين هو ركيزة التخلف في الواقع العربي الحالي.هذا ما وقع مؤخرا في مؤتمر المثقفين العرب بالقاهرة.أنا أتحدث عن الواقع الثقافي العام، الشعر جزء من هذه الثقافة، ولأن الشعر يحمل الذاكرة العربية، حاول بعض المثقفين أن ينقلوا الشعر من الدرجة الاولي إلي الدرجة الاخيرة. أنا أقرأ نصوصا تعبر عن الهم العربي تعبيرا لا تستطيعه الرواية. ولا يستطيعه أي جنس أدبي آخر. لكن الظروف جعلت هذا الشعر معظمه رموز.الواقع العربي الكئيب أو الرديء يدفع بعض المثقفين العرب إلي تفريغ الذاكرة العربية من ركائزها الاساسية وشحنها بالوافد المدمر للبقية الباقية.أنا لا أقول إن كل الثقافة العربية صالحة، أستبعد ما فقد شرط الصلاحية وأستبقي ما انطبقت عليه شروط الصلاحية. يعني هل يمكن أن ألغي في يوم من الايام فضيلة الصدق في الثقافة العربية وفضيلة الكرم، لكن هناك بعض الركائز مثلا تحتاج إلي تطوير مثلا سلطة الخلافة. شروط الصلاحية لم تنطبق عليها، يمكن أن نطورها، لا أن نلغيها نطورها إلي الانتخاب مثلا. هناك ركائز في الثقافة العربية فقدت شرط الصلاحية أستبعدها، وركائز حافظت علي شرط الصلاحية أستبقيها وهناك ركائز تحتاج إلي تعديل، أعدلها، لكن لا أفرغ الذاكرة العربية من ثراثها الثقافي. وللأسف ما أقرأ الان، من أن بعض من مصائب سببه الثقافة العربية القديمة. وأنا أسأل هؤلاء سؤالا: ألم تكن هذه الثقافة العربية هي هي يوم أن ساد العرب العالم كله؟ إذن العيب ليس في الثقافة، بل في المثقفين أنفسهم. هؤلاء يبحثون عن جواز الدخول إلي جنة العولمة. وجواز الدخول هو ضرب الثقافة العربية في أعماقها وجذورها ومن ضمنها الشعر. الان يحملون الشعر كل أوزار الحاضر. إذن الشعر العربي، ليس فقط جزءا من الثقافة، بل هو الثقافة كلها. وبعض المؤلفات تنسب مقولة: الشعر ديوان العرب إلي الرسول صلي الله عليه وسلم، وكأن الرسول وعي منذ القديم أن هذا الجنس الادبي الابداعي هو الذي سيحمل الهوية والشخصية العربية عبر المراحل الزمنية حتي يومنا هذا ولم نتوقع أن تجمد الشعرية العربية، بل في رأيي إنها في أخصب مراحلها. لماذا؟ الان الخطاب الشعري العربي في العالم العربي كله: القصيدة العمودية حاضرة وتكتب ولها شعراء أسماؤهم لامعة، والقصيدة التفعيلية تكتب ولها أسماء لامعة وكذلك الشأن بالنسبة لقصيدة النثر، فهذا أكبر دليل علي حيوية الواقع الثقافي الحالي في استقبال الشعر العربي، بالرغم من التباين الشديد بين هذه الاجناس. هذا كله يؤكد، أن الشعرية العربية شعرية التراكم لا شعرية الانقطاع، شعرية التواصل لا القطيعة. بعض شعراء الحداثة، يقولون إننا شعراء بلا آداب، وأننا نبتنا من لا شيء، وأن القديم ليس شرطا في الجديد. أنا أسأل هؤلاء، إذا كنتم لا تنتمون للقديم كما تقولون، لماذا تضعون علي ديوانكم كلمة شعر. ضع إسما آخر يا أخي! هذا الاسم، إسم تراثي ظهر قبل امرئ القيس وإذا كنت لا تحب أن تكون علي صلة بالماضي سم هذا شيئا آخر. فلأنك تصر علي تسميته شعرا، فإنك تنتمي إلي هذا التراث القديم.الان مثلا تتصل بي بعض الجامعات العربية تقول لي نحن نريد أستاذا في البلاغة لغته الاولي الانكليزية، فإذا كان هذا حال الاهتمام باللغة، فلابد أن يقل ويضعف مستقبل الشعر العربي، ثم، يجب أن ندرك أنه منذ أن ظهر الشعر العربي إلي يومنا هذا الشعر للخاصة وليس للعامة.في الندوات المهرجانات يقال شعر، الشعر ليس قضية عامة وهذا مرافق لتاريخ الشعر العربي، في مجلس الخليفة، في مجلس الوالي. فلم يكن الشعر يقال في الاسواق. كما يتصور البعض.ننتقل إلي مسألة أخري تهم ثنائية الرديء والجيد في مجال الشعر...هذا مرافق لتاريخ الشعر العربي. أنا، كلفت من المنظمة العربية بإنجاز موسوعة للشعر العربي ولأسماء الشعراء. بدأت أحصي شعراء العصر الجاهلي، فوجدت أن شعراء هذه المرحلة يزيدون عن 500 شاعرا، أين ذهب هؤلاء، لم يبق منهم إلا عشرة أو عشرون الزمن سيصفي، يبقي الجيد وينفي الرديء. تاريخ الرداءة مرافق للشعرية العربية، منذ أن ظهرت حتي يومنا هذا. أنا أعجبني جدا مرة أبو تمام قال قصيدة جميلة جدا. فأجد النقاد قال له يا أبا تمام، هذه قصيدة جيدة، لكنها تحتوي علي بيت رديء، ألا يستحسن أن تبعده عنها، فرد عليه ردا من أجمل ما يمكن، قال له: شعري كأبنائي، فيهم الذكي وفيهم الغبي، فيهم الجميل وفيهم القبيح. هل تتصور يوما أنني أحب أن يموت لي ابن منهم.فالشعر مولود. أنا أحصيت 1900 شاعر عربي من الذين ماتوا خلال القرنين 19 و20. من منهم أصبح يذكر في الشعر العربي، شوقي، حافظ، الجواهري، أين الباقون. الرديء لا ينفي الجيد إطلاقا ولا يقضي عليه. الرديء لايخيفنا، في كل أنواع القصائد يوجد الرديء والجيد.كيف تقيم حركة النقد الادبي في العالم العربي؟بكل أسف، الجيل الاول من النقاد، كان الخطاب الشعري أمامهم محدودا، ويقرأونه كله، يعني ما قاله شوقي وحافظ والجواهري والرصافي وجبران، ومطران، قرأوه لأنه كان محدودا، وكان النقد سهلا، كان معظمه حوارا لغويا، خطأ نحوي مثلا، فتقريبا كان هناك استيعاب من النقد للخطاب الشعري. في منتصف القرن 20 ظهر جيل آخر، هذا الجيل أيضا واجه المرحلة الرومانسية وبدايات شعر التفعيلة فاستوعب هذا الشعر وناقشه وتوقف عند هذه المرحلة وزرع في المؤسسة الاكاديمية هذه الكارثة، وهي أنك ـ في المؤسسة الاكاديمية في العالم العربي كله ـ يكاد النقد يتوقف عند منتصف القرن 20. يخرج الطالب من المؤسسة الجامعية، يعرف المتنبي، وامرئ القيس وأبو تمام وشوقي والجواهري وسليمان العيسي، بعد ذلك يخرج الطالب مفرغا تماما من أي شيء عن النصف الثاني من القرن العشرين . لماذا؟ لأنه، في النصف الثاني ظهرت تحولات في الشعرية العربية، يبدو أن أدوات النقد لم تكن مهيأة لاستقبالها، فتوقف هؤلاء النقاد عن نقد الشعر. ولم يرفضوه خوفا من أن يتهموا بأنهم متخلفون. في المرحلة الثانية، جاء الجيل الثالث من النقاد، لكن للأسف، هذا الجيل انقسم إلي قسمين: قسم انغلق علي التراث تماما ورأي أن كل شيء فيه يصلح، واعتبر بعضهم أن قصيدة التفعيلة وقصيدة النثر، نوع من الخروج علي الاسلام.القسم الثاني، انفتح علي الغرب انفتاحا ورأي فيه كل الخير، فبدأ يتعامل مع هذا الشعر بهذا المنهج الذي استجلبه من الغرب دون أن تدرك بأنه يرتكب جريمة فظيعة جدا، لماذا؟ لأنه يستخلص أدوات نقدية من نص غير عربي، ويريد أن يرغم النص العربي علي تقبله. كما لو أنك تزرع عضوا غريبا في جسد، سينتهي الجسد. إذا قبله سيشوه. بين هذين، ظهرت طائفة ثالثة توازن بين الامرين، تأخذ من القديم ما يصلح وتأخذ من الجديد، بمعني لا تنغلق علي القديم وحده ولا تخضع للجديد وحده، وإنما تفيد من هذا وتفيد من ذاك.لم يعد النص الحداثي يجد الناقد الذي يصبر عليه ويتعامل معه بحب وحنان حتي يفصح لـه عن جماليته ويفهم معناه. أنا أبحث عن جماليات النص.لا أقول ماذا قال هذا النص عن قضية فلسطين ولكن أقول كيف عبر هذا النص عن قضية فلسطين أو عن كارثة العراق مثلا.بخصوص المدارس الادبية، هل تتفق مع ما يقوله الشاعر محمد شمس الدين من أن الشعر أكبر من المدارس وأكبر من الاشكال؟هذه قضية مفروغ منها، ليس الشعر وغير الشعر: النقد تابع والادب متبوع، لا يمكن أن أتابع شخصيا كل هذا الكم الهائل من الدواوين، غير الروايات والقصص والمقالات والدراسات. أنا أنتقي ديوانا أو ديوانين وأتكلم عنهم.كيف أتعامل مع النص العربي بهذا المنهج هذا النص الذي يلغي المرجعية اللغوية تماما، وهذا معناه إلغاء الثقافة. كيف أتعامل مع منهج يقول بموت المؤلف، أنا عندي نص لا يمكن أن يموت مؤلفه أبدا، النص القرآني لا يموت مؤلفه أبدا، إذا كان عندي أعظم نص أدبي في العربية لا يمكن أن يموت مؤلفه، كيف يمكن لي أن أتعامل مع هذه المقولة. إجمالا، ليس كل ما يأتينا من الغرب صالحا للتعامل به مع النص العربي.أنا أقول، نحن بحاجة إلي ثلاث قراءات:الاولي، القراءة الاستحضارية، أي أستحضر فيها المنجز الغربي في آخر ما وصل إليه وأقرأه بانفتاح.الثانية، أسميها القراءة الاسترجاعية أي أعود إلي التراث وأقرأه بحب وتسامح.الثالثة، وأسميها القراءة الاستنتاجية أي التي تجمع بين هذا وذاك جمع توفيق لا جمع تلفيق، وأستخلص الادوات التي يمكن أن أتعامل بها مع النص. هنا يكون النقد صحيا، لأنني تعاملت مع النص بأدوات تلائمه وتناسبه... ويكون في النهاية، النقد تابعا للإبداع، لا متبوعا للإبداع.دار و مازال يدور نقاش حاد حول من له أسبقية التأثير في الاخر المشرق أم المغرب، علي المستوي الثقافي بصفة عامة.لو جئنا إلي أشهر ناقد في المغرب العربي، نجد حازم القرطاجني، وحازم هذا بني ثقافته النقدية علي ما قرأه في المشرق العربي وبخاصة علي مؤلفات عبد القاهر الجرجاني، أفاد من أرسطو، نعم، من اليونان نعم، لكن أساس ثقافته النقدية هي ثقافة مشرقية، في العصر الحديث، القضية انعكست بعض الشيء، لماذا؟ لأنه في بداية القرن 20 كانت الثقافة المصرية قامت بمهمة نقل المنجز الغربي إلي التراث العربي أو إلي الثقافة العربية. في منتصف القرن، انحسر كبار المترجمين المصريين والشوام أيضا، وبدأ المغاربة هم من يقومون بمهمة نقل الثقافة الغربية الحالية إلي التراث العربي. نحن الان بعد أن قرأنا المنجز الغربي واستعدنا التراث، بدأنا منذ سنة 1990 نقرأ الثقافة العربية المنتجة حديثا، وأنا الان، بدلا من أقول قال: بارث، قال باختين، أقول قال عبد الله الغذامي، قال جابر عصفور، قال صلاح فضل، قال المسدّي، قال حمادي سمود.. إذن هؤلاء هم أركان مرحلة نقل الثقافة وهم الان أركان مرحلة إنتاج الثقافة. أيضا، أعتقد أن الجيل الجديد سيواصل عملية إنتاج الثقافة ولن يمضي وقت طويل حتي تكون عندنا ثقافة جديدة، لكنها عربية الهوية وهذا الاساس



.التقاه: مصطفي زيان
  #42  
قديم 13/01/2004, 11:05 AM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Cool فوائض مالية خليجية

فوائض مالية خليجية
أحمد الربعي

زاد دخل دول مجلس التعاون الخليجي في عام 2003 اكثر من ثلاثين مليار دولار بسبب الارتفاع الكبير في اسعار النفط، وهذه فرصة نادرة لاعادة توظيف هذه الاموال بشكل رشيد وحكيم وذلك يتطلب التوقف عن بعض سياسات البذخ والمشاريع غير الانتاجية والتقليل من سياسة التسلح لصالح التنمية وخاصة في مجال التعليم والخدمات والاستثمار.
دول مجلس التعاون حققت الكثير مع الطفرة النفطية في الثمانينات عن طريق تأسيس بنية تحتية من الطرق والموانئ والمطارات وغيرها، ولكنها اضاعت تلك الفرصة التاريخية عن طريق تبديد كثير من الاموال على مشاريع غير منتجة، وخلقت الفورة المالية انذاك شعورا بالاستمرار في سياسة الصرف غير الرشيد، ولم يستفد التعليم الذي كان يمكن ان يشهد ثورة حقيقية في المناهج والمباني المدرسية وتدريب واعادة تدريب المدرسين. وخلقت الطفرة النفطية حالة من عدم الانضباط، وتم صرف اموال كثيرة على التسلح دون تنسيق بين دول المجلس، وغابت الى حد كبير آليات مراقبة الاموال العامة والتأكد من انها تصرف بطريقة رشيدة وحكيمة.
تأتي الفرصة الجديدة التي شهد العام المنصرم نموذجا لها لتطرح قضايا جوهرية تتطلب اعادة استثمار الفوائض في مشاريع تنموية تساعد على تخفيف الاعتماد على النفط كسلعة متقلبة وغير مأمونة، وتوفر فرصا للعمالة الوطنية في ظل تحول البطالة الى ظاهرة مقلقة لها تأثيراتها السياسية والاجتماعية الخطيرة على المجتمع. وتتطلب ضبط وترشيد الدخل القومي وتفعيل آليات الرقابة المالية لخلق حالة من الاطمئنان العام، ولضمان الاستفادة القصوى من الفوائض المالية.
لقد حاول الارهاب ان يضرب استقرار المجتمعات الخليجية، وما زال يحاول زعزعة الاستقرار ووقف عجلة التنمية، ولذلك فان الرد على الارهاب وطروحاته يتطلب تحسين ظروف حياة المجتمع ومواجهة قضايا التعليم والبطالة والحريات العامة والمشاركة الشعبية من اجل تجفيف منابع الارهاب، وخلق حال من الشعور العام بأن القانون له احترامه، وان المال العام له احترام، وان الناس واجتهاداتهم لهم احترامهم. ولا شك ان الفوائض المالية اذا تم التعامل معها بالانضباط والحكمة يمكن ان تغير الكثير وتكون عامل استقرار كبير.
  #43  
قديم 13/01/2004, 12:09 PM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Cool مخطط التوريث في مصر كان حقيقة ولم يكن وهما

مخطط التوريث في مصر كان حقيقة ولم يكن وهما
2004/01/10

محمد عبدالحكم دياب
نفي الرئيس حسني مبارك للتوريث، في التصريح الذي أدلي به الاسبوع الماضي للاذاعة المصرية، ساعدنا في فتح ملف أوضاع مصر، بما فيه من معلومات عن موضوع الخلافة، المطروح في كافة الأوساط بإلحاح شديد. وهو ما أثار قلق هذة الأوساط، فما جري، في اليوم التالي لوصولي إلي القاهرة، هو أن الرئيس مبارك أصيب بوعكة صحية زادت مشاعر القلق في ظروف فراغ سياسي تعيشه البلاد، وفراغ دستوري محتمل في حالة غياب الرئيس لسبب من الأسباب. لقد كتبت عن معايشتي للحدث من القاهرة فور وقوعه، وحال مصر عشية الوعكة التي ألمت بالرئيس مبارك، والوضع الصعب بين خيبة الأمل في التوريث وحدة الأزمة الاقتصادية (القدس العربي 29 / 11 / 03)، ولم يتسع الحيز وقتها لتفسير هذا القلق الذي انتاب مصر حينها.
لم يكن مصدر القلق هو مصير النظام، إنما كان من المجهول، ليس لأفضلية الحاضر، ولا ازدهار الواقع، إنما بسبب ما يمكن أن يفرزه الفساد من خطر علي البلاد ومستقبلها، وبسبب ما يمكن أن تواجهه مصر من مخاطر داخلية وخارجية، من جراء توابع سياسة الافقار المتعمدة، وتداعيات ما يجري علي حدود مصر الشرقية، في فلسطين، وناتج العجز عن توفير إمكانيات الدفاع عنها، ومما يمكن أن يحدث إذا ما فرض التغيير بالقوة الأمريكية والآلة العسكرية الصهيونية، وسط حالة عدم الاكتراث باعداد الشعب لمواجهة هذا الاحتمال، عن طريق التغيير الديمقراطي الوطني المطلوب والملح، والاحتكام إلي الشعب في انجاز هذه المهمة، واعداده للدفاع عن نفسه، لأن ذلك يقطع الطريق علي الادارة الأمريكية ويمنعها من تكرار سيناريو العراق، ولهذا فإنه في مجال المقارنة بين استبداد الرئيس المخلوع صــــدام حســــين واستبداد الرئيس حسني مبارك، يشيع في مصر رأي يقول بأن صدام وزع المواد الغذائية التي تكفي العراقيين ما بين ستة شهور إلي سنة، ودرب المواطنين عسكريا، وأعطاهم سلاحا يكفيهم لسنوات من المقاومة. بينما نظام مبارك لم يستطع توفير الخبز اليومي للمصريين، فضلا عن غياب أي إمكانية، شعبية، للمقاومة.
وهذا ما جعل موجبات التغيير، المصحوبة مع ما أصاب الرئيس من مرض، أكثر الحاحا من أي وقت مضي، وتكون المفاجأة عند استطلاع رأي رجل الشارع، فتجده غير قانع بتغيير مسؤول بمسؤول، أو جماعة بجماعة، ولا أن تحل شلة التجديد التي يقودها جمال مبارك محل خُشُب سلطة شاخت وتيبست.. فالشارع يأمل في إزاحة الموجود واستبداله بكيان آخر، لم يلوث، ولم يفسد، ولم يرتش، ولم يسرق، ولم ينهب، ولم يتخم، ولم يستغل، ولم يظلم، ولم يكذب، ولم ينافق، ولم يخرب، ولم يتصهين، ولم يتأمرك، ولم يخن، ولم يتجسس، وعدم الرهان علي أي من هذا، مجتمعا أو منفردا.
وقد لوحظ أن السخط المتفشي في مصر أتي مصحوبا باحساس فادح بالظلم، ومن المعروف أن الظلم وحده لا يولد السخط الذي يشعل الثورات، ما دامت هناك محاولات جادة تخفف منه، إنما يولد من رحم الشعور الحقيقي به، الذي يتعمق بغياب هذه المحاولات. هذه سنة الحياة علي مر القرون، والعصور، والدهور، والحقب، والأجيال.. المصريون الساخطون ينتظرون التغيير ويتوقعونه مع كل طلعة شمس.
ولعب انكسار حاجز الخوف، والصراحة الزائدة في نقد السياسات القائمة دورا في تفشي السخط، مما سهل كثيرا التعرف علي الاتجاهات العامة للمصريين، ففضلا عن غياب التأييد الحقيقي، فإن التأييد المصطنع والمزيف اختفي وانعدم تقريبا، وترك ذلك أثره واضحا علي سلوك رجال الدولة والحكم، فهم في خوف وتخبط وارتباك وتوتر وضعف، ويعوضون كل هذا بمظاهر سلطة وهمية وهيبة مصطنعة، علي شكل حراسات، وتعذيب وحشي لا يتوقف في أقسام ومراكز الشرطة والأمن.
وفي محاولة التعرف علي ظاهرة زيادة البطش والتعذيب لنظام يعاني سكرات الموت، وجدت أن هذه الظاهرة أصبحت المظهر الوحيد الباقي لسلطة مكروهة وملفوظة. نجحت فقط في بناء دولة بوليسية شديدة التوحش والوطأة. ويستغرب المراقب لمدي السخط المنتشر، الذي يجمع الفقراء والأغنياء، علي حد سواء، وإن كان الغلاء والبطالة، ومستوي المعيشة المتردي، وعداء الدولة للفقراء، وهضمها لحقوقهم، بجانب خطر الجوع الكافر الذي يتهددهم هو أساس السخط، فإن سخط الأغنياء مرده إلي عدم الأمان، وتفشي ظاهرة الابتزاز الرسمي لهم، والانقلاب عليهم، إذا ما رفضوا الخدمة في بلاط الرئاسة.
هذه الحالة ولّدت ظاهرة أخري، هي ظاهرة الطمع في وراثة الحكم، من داخل أروقة الحكم ذاته، وهو ما أضعف موقف الابن الطامح فيه، وأدي إلي انقسام واضح أصاب دائرة رجال الرئيس، وانعكس في صراع معلن وخفي بين جمال مبارك وصفوت الشريف، وبين جمال مبارك ويوسف والي، فصفوت الشريف، كأمين للحزب الحاكم، يعمل علي قطع الطريق علي الابن بالمناداة بتحويل الحزب الحاكم ليكون حزب كل المصريين، مع اتباع سياسة الاغداق التي يمارسها في وزارة الإعلام، مقابل ذلك يقصر جمال مبارك العضوية علي المستفيدين ، من مجموعته، ويعتمد علي المال وتوزيع الوظائف المرموقة، في الحزب والحكومة والشركات الخاصة، والمؤسسات الأجنبية لنيل التأييد.
أما يوسف والي يتولي اجهاض قرارات ومشروعات جمال مبارك خاصة تلك التي سمحت بالبناء علي الأراضي الزراعية، مع حرق رجل وذراع جمال مبارك الأيمن، أحمد عز لاحتكاره صناعة وتجارة الحديد، ويأتي ذلك مصحوبا بحملة تشنها صحيفة أخبار اليوم الأسبوعية، تطالب بمحاكمة عز وتتهمه بتهريب 70 مليون دولار شهريا إلي الخارج، ومن جانبه يستغل جمال مبارك المخالفات والانحرافات في مجالات الزراعة، واستصلاح الأراضي، والثروة الحيوانية، للتخلص من يوسف والي عن طريق النيابة والقضاء. لكن يوسف والي، في مجال دفاعه عن نفسه، يلوح بمسؤولية الرئيس مبارك عن القرارات، التي صدرت في مجالات الزراعة واستصلاح الأراضي والثروة الحيوانية، ويدعي أنه لم يكن يتصرف في شيء دون موافقة رسمية من الرئيس، أي أن مخطط صهينة قطاع الزراعة، واستيراد المواد المسببة في انتشار السرطان والأوبئة الفتاكة، لم تكن بعيدة عن توجيهات الرئيس وتعليماته.
هذه الملابسات وغيرها أضعفت مخطط التوريث وترد علي نفي الرئيس مبارك، ووصفه للمخطط بأنه شائعة روجها مغرضون. وبذلك يحدث القفز علي دور الرئيس مبارك في تنفيذ المخطط وتمريره بقرارات جمهورية وسيادية.. فمن الذي أصدر قرار تعيين جمال مبارك وزيرا برئاسة الجمهورية، مسؤولا عن إدارة الاقتصاد؟، ومن الذي وضعه في الأمانة العامة للحزب الحاكم؟، ولو كان الحزب يأخذ بقاعدة الانتخاب لشغل مواقعه لكان هناك كلام آخر.. ومن الذي أصدر قرارات تشكيل لجنة السياسات أم اللجان ، التي خصخصت الحزب والدولة، ومكنت الإبن من السيطرة علي كل شيء؟.. من الذي أقر المجلس الأعلي للسياسات ، ضاربا بالدستور عرض الحائط ليحل محل كل المؤسسات السياسية والتنفيذية والتشريعية؟.. من الذي منح الإبن هذه الصلاحيات التي لا تقل عن صلاحيات رئيس الدولة؟، ومن هو الذي مكنه من تعويم الجنيه المصري، ومن تدمير الاقتصاد الوطني؟ وما هي القوة التي سمحت لجمعية أهلية.. اسمها جمعية جيل المستقبل لتلغي دور الحزب والدولة في اعداد الكوادر السياسية والإدارية للاستيلاء علي مناصب الحزب والدولة؟، هل كل هذه شائعة ؟ ما أضخمها حتي تتيح لجمعية أهلية كل هذه الصلاحيات لأن رئيسها إبن رئيس الجمهورية، ومتي كان اعداد القيادات السياسية والإدارية يوكل للجمعيات أهلية وللقطاع الخاص؟.
من الذي سمح للإبن بأن يرأس وفدا رفيعا يذهب للولايات المتحدة، مرتين في أقل من ستة شهور؟ ولماذا اهتمت به الإدارة الأمريكية حتي يلتقيه ديك تشيني، نائب الرئيس الأمريكي، في اجتماع مغلق، لم يحضره غير السفير المصري في واشنطن؟، ولماذا حرص الإبن علي الاتصال بقادة المنظمات اليهودية، ليقول لهم انه من محبي السلام ومناصر للتطبيع؟.. هل شائعة تصنع كل هذا ونحن غافلون؟!!
إذا كان الرئيس يريد أن يتراجع، فلا عيب في هذا إلا مع المستبدين.. كان عليه أن يقول هذا صراحة، فالنفي بهذه الطريقة ما هو إلا استخفاف بعقول الناس، وإذا كان ما حدث تم بطلب من قيادات الحزب الحاكم، منذ ثلاث سنوات، فهل لا يستجيب الرئيس إذا ما تكرر الطلب؟ ونحن الذين ألمحنا وصرحنا، منذ خمس سنوات إلي ما يجري في الكواليس لتوريث الحكم، ومع احترامنا لكل من ينسب لنفسه الفضل في إثارة الموضوع نقول لهم ارجعوا إلي أعداد هذه الصحيفة، وعلي نفس هذه الصفحة، طوال السنوات الخمس التي مضت لاختبار صحة ما نقول، وأذكر أن رئيس التحرير منعني من تناول الموضوع علي مدي سنتين قبل ذلك، لأنه لم يصدق، ولم يتصور حدوث ذلك في مصر لثقته في قدرتها ووعي شعبها، والغريب أن صحيفة يديعوت أحرونوت (5 / 1) عرضت لسيناريو تراه ممكنا عن طريق اقتراح زعماء الحزب، قادة الاتحادات المهنية، ومثقفون، وشخصيات بارزة البيعة لجمال مبارك، وهم يصرون علي عدم احباط آماله في الوصول إلي قمة الهرم الذي تربع عليه والده لربع قرن!!.
كان من الأجدي تقديم مبررات مقبولة للتراجع، ونحن ممن يدعون أن النفي لم يكن سوي رسالة وجهت إلي واشنطن ولندن وتل أبيب، لتجميل الوجه الاستبدادي والقبيح لحكم الرئيس مبارك، فقد جاءت هذه الرسالة مصحوبة بتغيير مفاجئ في العلاقات المصرية الصهيونية، وموافقة مبدئية علي عودة السفير المصري إلي تل أبيب، وضمن هذه الخطوات جاءت زيارة أحمد ماهر القدس المحتلة، والتزامه الصارم بشروط شارون في عدم الاتصال أو زيارة الرئيس الفلسطيني، وكل ذلك مقترنا بجهد رسمي مصري مكثف لوقف الانتفاضة، مع بحث برنامج زيارة مبارك للدولة الصهيونية، وترتيب زيارة شارون لمصر، وهذا يوصف بأنه دفاع عن القضية الفلسطينية.. بئس الدفاع وبئس المدافع!!.
دفتر أحوال مصر مملوء بالمآسي والعجائب، وفي الأسبوع القادم، باذن الله، نفتح معكم صفحات أخري منه.. سجلنا فيها حكايات عن اسطول طائرات جمال مبارك الخاصة، وعما يجري داخل امبراطورية أمناء الشرطة في قلب القاهرة، وسر منع صحيفة القدس العربي من دخول مصر، والهجوم المستمر علي رئيس تحريرها، عبد الباري عطوان، وآثار منع حديث الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل من البث الفضائي، وتداعياته المستمرة حتي الآن.
9
  #44  
قديم 14/01/2004, 03:02 PM
sads sads غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ الانضمام: 10/08/2002
الإقامة: ReAl MaDrId
المشاركات: 609
  #45  
قديم 17/01/2004, 12:01 PM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Cool نكبات توريث الحكم في تاريخ العرب والمسلمين

نكبات توريث الحكم في تاريخ العرب والمسلمين
2004/01/13

عاطف مظهر


لعل مسألة توريث الحكم في الدولة العربية الذي بدأ بتوريث معاوية بن أبي سفيان الحكم من بعده لابنه يزيد من أهم الوقائع السياسية في تاريخ العرب والمسلمين قاطبة .. فقد شكل هذا الحدث منعطفا حاسما ونقطة تحول مفصلية في المسار التاريخي والحضاري للأمة .. لما أحدثه من مردودات سياسية وتراكمات سلبية علي مر العصور .. وقد أحدث هذا الفعل المشؤوم انقلابا معاكسا في حكم الدولة الإسلامية في مراحلها المبكرة ، وكان بمثابة ردة (سياسية) وتقاطعا مع مبدأ الشوري الذي سنه الإسلام وسار عليه الحكام في عصر صدر الإسلام ومرحلة الخلافة الراشدة ، وهو العصر الذي ينظر إليه المسلمون بفخر واعتزاز ، ويعتبرونه النموذج والمثل.
"التوريث السياسي" أحدث نقلة نوعية (سلبية) وحول الحكم الإسلامي من حكم راشد يعتمد الشوري وينتهج الحرية ، إلي ملك عضوض يتأبد عصورا خلف عصور ، ويتحكم في رقاب البلاد والعباد أجيالا بعد أجيال .
منذ ذلك الوقت تغيرت نظرة الحكام إلي السلطة ، فبعد أن كان قول الخلفاء الراشدين للناس : " وليت عليكم ولست بخيركم .. وان رأيتم مني اعوجاجا فقوموني " .. وبعد أن كان مسلكهم الرجوع إلي الناس في كل كبيرة وصغيرة وتغليب المصلحة العامة .. أصبح قول الحكام والملوك بعد ذلك : " ما أريكم الا ما أري وما أهديكم الا سبيل الرشاد " .. وبات مسلكهم الانفراد بالقرار والاستئثار بحاشية صغيرة تغلب مصالحها الخاصة .. وكان من المناسب لذلك - بل من الضروري - أن تتحول ألقاب الحكام من " الفقير إلي الله وخادم المسلمين " .. إلي " أصحاب الجلالة والفخامة والعظمة والسمو " .
ان توريث الحكم في تاريخ العرب كان بمثابة بذرة خبيثة نبتت في أجواء الفتن والمؤامرات ، وحصدتها الأمة ضعفا واضمحلالا وتفككا في بنية الدولة ، وتخلفا وانحطاطا في مسار الحضارة ، وهي نتيجة مؤكدة وحقيقة دامغة يرصدها الباحث المدقق لاتجاهات صعود واضمحلال الحضارات والمتتبع لحركة التاريخ الإنساني العام .
فإذا نظرنا لأسباب اضمحلال وسقوط الدول الإسلامية المتتابعة ، بدءا من الدولة الأموية وانتهاء بالدولة العثمانية ، ومرورا بالدولة العباسية والفاطمية والأيوبية والمملوكية ، وإذا عرجنا إلي الممالك الإسلامية التي قامت في الأندلس وإيران والهند واسيا الوسطي وغيرها من المناطق التي شرق إليها الإسلام وغرب .. سنجد توريث الحكم في مقدمة الأسباب ومن أهم العوامل ، ففي بداية تأسيس الدول نري دائما حكاما أقوياء بذلوا جهودا كبيرة في تدعيم حكمهم وإقامة أركان دولتهم ، وفرض سيطرتهم الكاملة علي السلطة .. وبمرور الوقت يخلف هؤلاء الحكام أبناء ضعفاء ( أو ليسوا في كفاءة الوالد ) يرثون الحكم ويسيطر عليهم رجال الحاشية من أعوان الحاكم الراحل ، ويصبحوا ألعوبة في أيديهم يحركونهم كيف شاءوا ..
وسط هذه الأجواء الملبدة بالغيوم تصبح التربة خصبة لتنازع المصالح وتصارع القوي داخل النخب الحاكمة ، الأمر الذي كان يؤدي دوما إلي شيوع الاضطرابات والفوضي واستفحال الأزمات والنكبات ، التي تكون في بدايتها (اقتصادية) وتنتهي - في الأغلب - (سياسية وعسكرية) .. وتمهد تلك الظروف في نهاية المطاف الطريق لأحد أمرين : إما حدوث انقلابات داخلية عنيفة تقلب الطاولة وتعيد تشكيل الخرائط السياسية من جديد ، أو فتح الباب علي مصراعيه للغزو الخارجي .
والشواهد علي ذلك كثيرة ومتنوعة .. والقارئ للتاريخ العربي والإسلامي بمقدوره الوقوف علي عشرات بل ومئات التجارب المماثلة ، الحافلة بالكوارث والأخطاء والمليئة بالأسي والمرارة ، وكان السبب - في معظمها - حاكما جائرا أو ملكا طفلا جاء بالتوريث وتسبب في نكبات البلاد ، وسكتت عنه النخب خوفا أو طمعا ( متقلبين بين ذهب المعز وسيفه ) .
ومن هنا يتحتم علي كل من ينادي بالإصلاح (حاضرا) أن يعيد قراءة التاريخ جيدا ، ويعي هذه التجارب مستخلصا منها العبر .. والمؤكد أن التاريخ الإسلامي مثل أي تاريخ إنساني آخر ، فيه ما نفخر به ونود إبرازه ، وفيه ما نكرهه ونود محوه كلية من ذاكرتنا . فيه تجارب يشع منها العدل والحرية ، وفيه جوانب مليئة بالجور والاستبداد .
وقد يري البعض أن قيم العدل والحرية لم تتمثل في الواقع إلا في فترات استثنائية وقليلة جدا في التاريخ الإسلامي ، ولم تلبث أن توارت واختفت تماما من معظم صفحات التاريخ ، إلا في ومضات نادرة وخافتة .. لكن البعض الآخر يري أن قيم العدل والحرية هي قيم نسبية تتفاوت حسب الزمان والمكان وتتباين طبقا للظروف والأحداث ، ولا يجوز لنا أن نحكم علي أحداث هذه العصور بمقاييس ومفاهيم وقيم عصرنا الحالي ، فلكل عصر ثقافته ورؤيته الخاصة لمفاهيم العدل والحرية ، ولكل زمن طرقه وأساليبه في التعاطي مع هذه القيم وتنزيلها علي أرض الواقع .
وحتي مسألة توريث الحكم ، يري البعض فيها أمورا ايجابية (غائبة عنا !) فهي- من وجهة نظرهم - قد ساعدت علي تحقيق الاستقرار في ظروف حرجة وصعبة ، ويضربون لنا أمثلة عديدة لخلفاء وملوك وحكام ورثوا الحكم ونجحوا في توطيد سلطتهم ، وأظهروا كفاءة أكثر من أسلافهم ، ويقولون أيضا ان المكانة الاجتماعية المرموقة والأوضاع المادية المميزة هيئت كل السبل لأبناء الملوك والحكام لتلقي تعليما رفيعا وتربية راقية أهلتهم أكثر من غيرهم لتولي مسؤولية الحكم ..
ولكن هذه الأقوال - بغض النظر عن شفافيتها وموضوعيتها - مردودة من جوانب كثيرة .. فإن كان توريث الحكم قد ساعد في بعض الحالات علي تحقيق استقرار الحكم لأجل محدود ، فينبغي أن نعرف أيضا كيف تحقق هذا الاستقرار ؟ .. وهل تم بوسائل مشروعة أم لا ؟ ( بالقهر والقمع أم بالحرية والعدل ؟ ) .. وما هو الثمن الذي دفعته الشعوب لتحقيقه ؟ .. وهل كانت محصلة هذا الاستقرار في صالح الشعوب أم في مصلحة الحكام ؟ ..
أما الزعم بأن توريث الحكم له ظروفه (التاريخية) وخصوصيته (السياسية) التي يجب عدم إخضاعها لتقييم ثقافة معاصرة لشعوب لا تشترك معنا في نفس الظروف .. ويقصدون بذلك قيم الديمقراطية والشفافية وحقوق الإنسان في الفكر الغربي الحديث ، فهو قول غير دقيق ويجانبه الصواب ، لان توريث الحكم لا يتعارض في حقيقته مع هذه القيم الغربية الحديثة فقط ، وإنما هو يتعارض أيضا مع القيم الإسلامية الأصيلة ، ويأتي في مقدمتها مفهوم الشوري الذي يعطي للناس حقا شرعيا في تقرير مصيرهم واختيار حكامهم .. وهو يتعارض كذلك مع مبادئ العدل والحرية والمساواة وتكافؤ الفرص في المفهوم الإنساني العام .. فحصر الحكم في أسرة واحدة كان معناه أن سلم الترقي الاجتماعي والسياسي له حدود معينه لا يمكن لأحد تجاوزها ، لأن منصب الحاكم محجوز مسبقا ، الأمر الذي كان يؤدي دائما إلي إضعاف الكفاءات وقتل الأمل والطموح في نفوس أبناء الأمة ، وتعميق إحساسهم بالدونية وعدم المساواة .. وجعلهم في نهاية المطاف رعايا في كيان سياسي تحكمه أسرة ملك أو أمير أو رئيس .
منذ زمن معاوية وطوال عصور التاريخ لم تتغير مبررات النخب الحاكمة لتوريث أبنائها السلطة ، ودائما تكون : المحافظة علي الاستقرار ووحدة البلاد ، وعدم ضياع الإنجازات والمكتسبات !! وينتاب المرء في الواقع حيرة كبيرة حين يفتش عن هذه المنجزات والمكتسبات ومعرفة المقصود بها ، عندما يجد نفسه يعيش في أجواء كئيبة مليئة بالتخلف والقهر والفساد ، ولا يري حوله سوي الهزائم والكوارث والنكبات .. ويرتاح المرء أخيرا حين يدرك أن المقصود بذلك - قطعا - هو منجزات الحكام الشخصية في الوصول إلي سدة الحكم وفي تأبيد سلطتهم ، ومكتسباتهم المالية في التكويش علي الثروات ، ويعود هذا اللبس بالتأكيد إلي اختلاط المفاهيم في ذهن النخب الحاكمة ، التي زاوجت بين مصالحها الخاصة والمصلحة العامة .. وربطت بين المصالح الاستراتيجية للبلاد وبين أهدافها الشخصية في التأبيد في الحكم .. ومن ثم أصبح استقرار البلاد رهن باستقرارها في الحكم ، وبات من يعارض الحكم أو ينادي بتغيير الحاكم ، خارج علي القانون ، ومناهض للشرعية ، بل وخائن للوطن .. يستحق أن يهدر دمه ويــهدد في أمنه ورزقه وينكل به بأشد أنواع العقوبات .
ثمة نقطة أخيرة مهمة في موضوع التوريث ، وهي مسألة تتعلق بالاستعدادات النفسية والقدرات الشخصية لمن كانوا يتولون الحكم عن طريق الوراثة في التاريخ الإسلامي ، فمع التسليم برقي نشأتهم وتلقيهم قسطا وافرا من التعليم الرفيع ، بحكم مكانتهم الاجتماعية المميزة .. الا أن هناك أسباب نفسية (سيكولوجية) جعلتهم غير مؤهلين كلية لتولي الحكم .. فهؤلاء الأبناء لم يعتركوا الحياة ، ولم يعيشوا يوما واحدا في دور المواطن البسيط ، بل كانوا يرفلون في النعيم ويتقلبون في مظاهر الترف (ولدوا وفي فمهم ملاعق ذهبية) فلم يكابدوا الحياة ولم يقاسوا من تقلباتها ونوازلها ، ولم يسيروا في الشارع بين الناس مثل باقي البشر ، ومن ثم فهم - بترفعهم وانعزالهم - لم يعرفوا أبدا حقيقة مشاعر الناس ولم يقدروا معاناتهم واحتياجاتهم .. وهي أسباب كافية جعلتهم غير جديرين بتولي الحكم.

ان مبدأ توريث الحكم حرم الأمة عصورا طويلة من تحقيق مبادئ الشوري والحرية والعدل (الديمقراطية) ، لأنه جعل من تغيير الحكام سلما (تداول السلطة) أصعب من الوصول إلي الشمس ، وجعل من تطبيق مبادئ الشفافية والمساواة (حقوق الإنسان) أحلاما غير قابلة للتحقيق .


ہ كاتب من مصر
  #46  
قديم 18/01/2004, 04:44 AM
صورة عضوية جزيل
جزيل جزيل غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ الانضمام: 25/12/2002
المشاركات: 350
الي الشعوب العربية مع التحية!
2004/01/17

ان اصغركم عمرا الي اهرمكم يعلم علم اليقين ان ما فينا من ذل وقهر وكبت للحريات ما هو الا بفعل حكامنا.. ومن أنفسنا.
هل تعلمون انكم اقل حظا من الفلسطينيين والعراقيين فهم يخضعون للاحتلال ولكنهم بشرف يقاومون وانتم ايضا محتلون ولكنكم للذل خاضعون ام تنتظرون جشع الامريكان ليحرركم كما يدعون ومن ثم علي كرامتكم يدوسون. فافيقوا فان سكوتكم لضخامة ما يحدث حولكم ما هو الا نقمة غدا علي ابنائكم فغيروا ما بأنفسكم واتركوا مبدأ (لا اري، لا اسمع، لا اتكلم) افيقوا لأن الموت افضل من العيش بلا عزة ولا كرامة.
ام انكم تهابون الجيوش العربية التي والله ما وضعت الا للاستعراض ولحماية الحكام واعوانهم، فكفاكم انتظار من يأتي لانقاذكم وانتم اجدي به.
ابو آدم
ايطاليا


المصدر : القدس العربي
  #47  
قديم 18/01/2004, 10:09 AM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
الاعتدال عماد الكون.. والدين.. والعلم.. والسياسة

الاعتدال عماد الكون.. والدين.. والعلم.. والسياسة

زين العابدين الركابي


لا يسبق التحقيق والضبط اللغوي شيء في موضوع: اجتلاء المفاهيم والمصطلحات وتحريرها.. والاعتدال مفهوم مشتق من الجذر اللغوي الثلاثي (عدل)، وهو جذر يندغم في معناه: التوسط. والقصد أو الاقتصـاد. والتــوازن. والاستقامة. والاستواء: في التفكير والعمل والسلوك.. ووفق هذه المعاني تنزل القرآن.
ومن ذلك: «جعلناكم أمة وسطا»..: «واقصد في مشيك»..: «وأقيموا الوزن بالقسط»..: «فاستقم كما أمرت» ـ أي على المنهج الوسط ـ ..: «تعالوا إلى كلمة سواء».. ووصْف أمة المسلمين بأنها أمة (وسط) ينتظم هذه الدلالات كافة. وبمقتضى هذا: هي أمة مدعوة أو محفوزة الى التحرر مما يضاد هذه الدلالات مثل: الغلو. والعدوان. والشطط. والطغيان. والاسراف. والانحراف. والتنطع. والتشدد، وسائر النقائص المتعارضة مع مفهوم الاعتدال.. وبتصعيد المنهج إلى أعلى، ومدّه إلى الأفق المفتوح: يسفر التحقيق عن (حقيقة كلية): أعظم وأشمل. فالاعتدال ها هنا: مفهوم لا يُتصور انتظام الكون، ولا انتظام الحياة البشرية بدونه. فالكون كله يقوم على (التوازن) أو الاعتدال، لا على الغلو، والتطرف، والاضطراب.. نعم الكون قائم على التوازن: «والسماء رفعها ووضع الميزان»، ولو اختل هذا الميزان أو التوازن: انفرط عقد الكون. ومثل ذلك: «والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شيء موزون». ومن هنا جاء (الاعتدال الشرعي) أو الميزان الديني: «الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان» لكي تعتدل الحياة البشرية وتستقيم مع النظام الكوني المستقيم باطراد، فلا تضطرب هذه الحياة بغلو، أو عدوان، أو طغيان.. ولئن احتيج إلى ضميمة مزيدة فهي: ان الاعتدال قوام (العلم التجريبي) ومنهجه أيضا.. مثلا: لو حصل غلو في المنهج النظري والتطبيقي للعملية الكيمائية بزيادة ذرة أو نقص ذرة، لفسدت هذ العملية ـ بيقين ـ لأن العلم لا يحتمل (الهوى).. ومن الحقائق المقررة: ان الهوى هو المصدر الأعظم لكل غلو وطغيان وتطرف، بل المصدر الأعظم للدمار الكوني: «ولو اتبع الحق اهواءهم لفسدت السموات والأرض ومن فيهن».
(الاعتدال) ـ بناء على الحقائق الآنفة ـ : مفهوم كلي: كوني ديني علمي، لا يستقيم الكون، ولا تنضبط الحياة البشرية إلا به.. وليس الاعتدال مزاجا شخصيا، ولا شعارا بلا مضمون، ولا دعوى من غير دليل، ولا ترف يُستغنى عنه، ولا كلمة انتهازية مبتذلة: ينطقها غال أو متطرف: يكيد بها متطرفين مثله: يساوونه في التطرف، ويضادونه في الاتجاه العقدي أو الايديولوجي.
وللتدليل على أصالة مفهوم الاعتدال، وعلى حجيته وصحته وقوة تأثيره: أنه ما من أمة استقامت على منهجه إلا نجحت، وما من أمة تجافت عن سبيله إلا خابت، وذلك بحسب الالتزام به: كلا أو بعضا. فقد كانت لدى هتلر دوافع وطنية، ولدى كارل ماركس دوافع إنسانية، لكن تطرف الرجلين في التفكير والفعل أدى إلى هلاك المانيا النازية، وإلى تصدع المذهب الشيوعي.. والغربيون ـ بوجه عام ـ نجحوا في (الكونيات) وأصبحوا فيها أساتذة كبارا لأنهم انتهجوا منهج الاعتدال العلمي في التفكير في سنن التسخير، وفي التعامل مع قوانين الكون وذراته، في حين أنهم لم يظفروا بمثل هذا النجاح في حياتهم الفلسفية والاجتماعية والأخلاقية. لماذا؟ لأنهم (تطرفوا) في الاعراض عن هدى الدين، فكان الغلو يمينا ويسارا.. أما المسلمون فقد أعرضوا عن منهج الاعتدال في التعامل مع الكون (إعراض غلو في التقصير والإهمال) فحصدوا الخسران المبين.. ثم هم تجافوا عن منهج الاعتدال الديني فخابوا ـ إلا من رحم الله ـ فمنهم من جمد وتحجر باسم المحافظة.. ومنهم من خبط في طريق الغلو باسم الغيرة على الدين ـ تحقيقا للتوازن الاجتماعي في مواجهة المتساهلين بزعمهم ـ ومنهم من تطرف في التفلت من الدين باسم دعاوى شتى: «ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أمانيّ وإن هم إلا يظنون».
ما هي معايير الاعتدال؟.. بالقطع: ليست هي تفكير المحافظين الجدد في امريكا، فتفكير هؤلاء يحكم على كل فكر أو موقف ينتقد أهواءهم بأنه موقف شرير ومتخلف. وهذا الحكم نفسه نوع من التطرف الحاد.. وليست هي تفكير المؤسسة الصهيونية التي مردت على إشهار سلاح معاداة السامية ضد كل من يقول كلمة حق في الطغيان أو الغلو الصهيوني.. وليست المعايير هي تفكير الغلاة في الدين الذين يزايدون على صاحب الرسالة الناصح لأمته: «إياكم والغلو في الدين». والقائل: «ان الله يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف»، فيرد هؤلاء الغلاة: بل سنغلو في الدين ونعنف باسمه، لأن الناس هجروا الدين في زماننا هذا!!.. وليست المعايير هي تفكير الغلاة في الاعراض عن الاسلام الذين يبدأون بانتقاد (الاسلام السياسي!!) ثم لا يزالون يباشرون العد التنازلي حتى ينقضوا الاسلام العقدي والعبادي والأخلاقي والثقافي.
إنما معايير الاعتدال هي: الحق.. والعدل.. ومنهج التفكير العلمي.. والمصلحة المضبوطة بهذه الموازين.
نخلص من هذا إلى (منطق عملي) فنقول: إن الاعتدال في التفكير والعمل والسلوك ـ الفردي والجماعي ـ : ضرورة علمية وعملية.. وهذه منظومة من الأمثال والنماذج التي تنهض دليلا على ذلك: الاعتدال في الحرية ضرورة، فلا كبت ولا فوضى. فالكبت تطرف يلغي أغلى وأحلى حق من حقوق الانسان. والفوضى: تطرف يهدم النظام المدني العام الذي لا تمارس الحــرية إلا مــن خلاله ـ والاعتدال في العولمة: ضرورة. فلا انغلاق يتناقض مع متطلبات العصر، ولا ذوبان يتناقض مع ضرورات السيادات الوطنية، والثقافات الذاتية.. والاعتدال في نظرية المؤامـرة: ضــرورة. فنفيها ـ باطلاق ـ : جزء منها، وتستر عليها، وهو نفي يورث السذاجة السياسية، وينشئ تصورا ملائكيا عن عالم السياسة، إذ يتحدث عنها وكأنها منتدى للعشاق يبوحون فــيه بمكنونات أنفسهم: شعرا ونثرا.. ثم ان المبالغة في القول بالمؤامرة: خدمة عظيمة لها من حيث ان هذه المبالغة تشل ـ بالترعيب ـ إرادة الأمة عن العمل الواجب المناهض لخطط التآمر.. والاعتدال في قضية اصلاح الخطاب الديني: ضرورة، فهذا الاصلاح مهمة لا تطيق التأجيل ولا التهرب. بيد أنه من منطق الاصلاح المتوازن ـ والموازي ـ : اصلاح الخطابات: السياسية والثقافية والإعلامية، فهذه كلها خطابات مثقلة بالتخلف، وبما ينمي العاهات الثقافية والإعلامية والسياسية في تفكير الناس.. والاعتدال في النزوع الوطني أو القومي: ضرورة. فالغاؤه أو الحط منه: تطرف في التجريد، والاستعلاء به: غلو في التعصب العنصري.. والاعتدال في الأمر والنهي: ضرورة، بمعنى: انه من الضروري: أن يحكم هذا العمل: الاعتدال المتمثل في احترام (حرمة) الإنسان وتعظيمها، فإذا تعارض الأمر والنهي مع هذه الحرمة، فإنه يحظر، لأن حرمة الإنسان مقدمّة، وما جاء الدين كله الا لصيانتها، وليس يُهدم الكلي من أجل الجزئي، في دين الله، ومنطق العقلاء.. والاعتدال في النظرة الى (الآخرين): ضرورة وجودية وشرعية. فهؤلاء الآخرون ليسوا محض شياطين يستعاذ منهم، ويدعى عليهم، ويُتقى الاتصال بهم، والابتسام في وجوههم، والسلام عليهم. وهم ـ في الوقت نفسه ـ ليسوا ملائكة اطهارا يوثق بهم أبدا: لأنهم لا يعرفون الشر ولا يمارسونه.. يضم إلى ذلك: أن الآخرين هؤلاء ليسوا سواء حتى ينظر اليهم نظرة واحدة. فمنهم المحايد. ومنهم مــن هو أرقــى أخلاقا من كثير من المسلمين. ومنهم العدو.. ومن (وسطية) هذه الأمة أنها (شاهدة) على الناس. وشهادة أمة الوسط لا بد أن تكون شهادة عدل واعتدال، منبثقة من المعرفة، والاختلاط، والرؤية المباشرة، وإلا فهي شهادة زور: تردي صاحبها الشاهد قبل أن تصيب المشهود عليهم.
ونختم هذه الكلمات بمثلين: أحدهما سياسي، والآخر: مهني أو فني: إن مآلات الحرب على العراق ليست سارة ولا مريحة للذين خاضوها وقادوها. والسبب الذي أفضى إلى هذه النتيجة هو: التطرف في تهويل المخاطر. ولقد ترتب على هذا التهويل: قرار بالحرب، وترتب على الحرب: مآزق مملوءة بالقتلى والأحزان والخسائر والإحراجات الشديدة جدا.. وهكذا يكون التطرف مدمرا للعمل السياسي ـ ولو مع نبل الغاية!! ـ، إذ التطرف أو الغلو لا يأتي بخير أبدا، إنما الخير معقود بناصية الاعتدال..
اما المثل المهني أو الفني فهو: ان المسؤول عن هذه الصفحة رغب إليّ أن اكتب كلمات معدودة في هذا الموضوع. فلو كتبت مائة كلمة فحسب، أكون قد غلوت في الخفض والتقليل، ولو كتبت أربعة آلاف كلمة، أكون قد غلوت في الزيادة والبسط فيضطرب ـ من ثم ـ إخراج الصفحة بسبب التطرف، ولكن حصل التزام التوسط، فاستوت هذه السطور على قاعدة الاعتدال العددي.. وهكذا: إن مِن عمل ـ كبر أو صغر ـ إلا يحتاج إلى (الاعتدال).

[جريدة الشرق الاوسط
  #48  
قديم 19/01/2004, 08:55 AM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Wink العلمانية‏..‏ هل من إعادة قراءة؟

قضايا و اراء
42769 ‏السنة 127-العدد 2004 يناير 11 ‏18 من ذى القعدة 1424 هـ الأحد

قضايا و اراء
42769 ‏السنة 127-العدد 2004 يناير 11 ‏18 من ذى القعدة 1424 هـ الأحد


العلمانية‏..‏ هل من إعادة قراءة؟

بقلم‏:‏ د‏.‏ هالة مصطفي



عندما دعا الرئيس الفرنسي جاك شيراك برلمان بلاده لاعتماد قانون يقضي بحظر علامات التمييز الدينية في المدارس العامة‏,‏ والتي أشير فيها الي‏'‏ الحجاب الاسلامي‏',‏ والصلبان الكبيرة والقلنسوة اليهودية‏,‏ أعلن صراحة في خطاب مهم أن تلك الدعوة تأتي باسم‏'‏ حماية العلمانية‏'‏ التي وصفها بأنها‏'‏ مبدأ غير قابل للتفاوض‏'‏ ولا‏'‏ لإعادة الصياغة‏'.‏
ولأن العقلانية الثقافية‏-‏ قبل السياسية‏-‏ أصبحت غائبة أو تائهة في خضم الأصوات الصاخبة التي اعتادت عدم التسامح مع كل صاحب رأي مغاير لها‏,‏ فلم يتوجه الكثيرون بالسؤال عن دواعي فرنسا‏(‏بعيدا عن مسألة المؤامرة واستهداف شعوبا وثقافات بعينها‏)‏ لاتخاذ مثل هذا القرار‏.‏ ولا حتي التساؤل عن معني العلمانية ومحتواها الذي يسعي رئيس فرنسا لحمايتها والدفاع عنها‏..‏ هل هي شر أم خير ؟ هل صحيح أن العالم العربي الاسلامي لا يعرفها ولم يطبقها أو يأخذ ببعض أو كثير من جوانبها منذ قرون وإلي الآن؟ هل هي صحيح ضد الدين كما يزعم البعض؟ وأخيرا هل يمكن أن يأتي يوم تتخلص فيه الذهنية العربية السائدة علي نواحي التفكير والثقافة العربية والإسلامية من مبدأ الرفض والترهيب‏,‏ قبل المناقشة والحوار؟‏.‏

في هذا السياق لم يعد أحد يجرؤ علي الاقتراب صراحة من‏'‏ العلمانية‏'‏ أو مناقشة مضمونها ومحتواها بموضوعية تتجاوز الأحكام المسبقة والاتهامات الجاهزة‏.‏ فالعلمانية هي واحدة من أكثر المفاهيم التي تعرضت للظلم والتشويه وسوء الفهم‏.‏ ولاشك أن إحدي المشكلات المزمنة التي تعاني منها الثقافة العربية عموما تكمن في تلك النظرة الأحادية والجامدة أحيانا للأمور‏.‏ فالقبول بالقديم المعتاد يصبح‏'‏ مقدسا‏'‏ والانفتاح علي الجديد دائما يقترن بالخوف والتشكيك‏,‏ بل وربما يسبقه الرفض قبل مناقشته وتأمله والتحاور بشأنه‏.‏

فلا حديث عن الديمقراطية بمعزل عن طبيعة القيم والأفكار والمفاهيم التي تحكم الثقافة السياسية‏.‏ إذ أن الديمقراطية لا تتحقق بمجرد إقرارها دستوريا وقانونيا‏,‏ أو الإقدام علي الاحتكام إلي صناديق الانتخابات‏.‏ فهي قبل كل ذلك ترتبط بطبيعة البيئة التي تمارس فيها‏,‏ أو بعبارة أخري إن جوهر الديمقراطية يتوقف علي كون الثقافة السائدة تشكل بيئة حاضنة‏,‏ أم طاردة لقيم أساسية مثل الحرية والتسامح والمساواة والتكافؤ وعدم التمييز وغيرها مما يدخل في صميم صيانة الحقوق والحريات المدنية أي حقوق الأفراد وحرياتهم بصفتهم أفرادا وليسوا مجرد جماعات سياسية‏.‏

ولذلك لم تكن مصادفة أن الديمقراطية‏'‏ كنظام سياسي‏'‏ و‏'‏ شكل للحكم‏'‏ لم تتبلور وتترسخ إلا بعد عقود زمنية من ترسيخ تلك المباديء والأفكار‏.'‏ فالعهد الأعظم‏'‏ في بريطانيا أو إعلان‏'‏ الماجناكارتا‏'1215‏ والذي يعد أول وثيقة حقوقية تبلور صراحة فكرة المواطنة و الحقوق المدنية للأفراد‏,‏ اعتبر ثورة هائلة علي طريق توسيع قاعدة المشاركة الديمقراطية‏.‏ وكذلك كان إعلان الاستقلال الأمريكي في‏4‏ يوليو‏1776‏ ثورة أخري في نفس الاتجاه توجت بإصدار الدستور الموحد الفيدرالي للولايات المتحدة عام‏1788‏ الذي كرس ذات الحقوق المدنية للأفراد‏,‏ فكما يشير‏(‏ إن الناس جميعا يخلقون متساوين إنهم يمنحون من خالقهم حقوقا معينة غير قابلة للنزع وأن منها الحياة والحرية والبحث عن السعادة‏..').‏

ثم جاءت الثورة الفرنسية في عام‏1789‏ كبري الثورات الإنسانية في التاريخ المعاصر لتضع أول إعلان واضح ومحدد بشأن الحقوق والحريات الأساسية الفردية وهو‏'‏ الإعلان الفرنسي لحقوق الإنسان والمواطن‏'.‏ وليصبح بعد ذلك‏-‏ ولفترة طويلة استمرت حتي الآن‏-‏ هو الإعلان العالمي الأشهر والأهم لحقوق الإنسان‏,‏ والذي أقرته الأمم المتحدة في عام‏1948‏ متجاوزا حدود الزمان والمكان‏,‏ ومنطلقا من مادته الأولي التي تقول‏'‏ يولد الأفراد ويعيشون أحرارا ويتساوون في الحقوق‏...‏ وهذه الحقوق الطبيعية لكل فرد مطلقة إلي الحد الذي يضمن لأفراد المجتمع الآخرين التمتع بذات الحقوق‏'.‏



وتنبع قيمة هذه المواثيق من ارتباطها مباشرة بعملية التطور السياسي والاجتماعي والثقافي للمجتمعات ومن ضمنها التطور الديمقراطي‏,‏ فهو النتيجة وليس السبب أو البداية‏.‏ كما أن تلك الحقوق والحريات لم تتطور وتزدهر إلا في سياق تطور العلمانية ذاتها التي أرخت لانتصار القيم الإنسانية والتسامح والحرية والعقلانية السياسية والفلسفة الإنسانية بشكل عام في مواجهة الاستبداد بجميع أشكاله سياسية أو ذات صبغة دينية خاصة بعد ما مارسه رجال الدين في العصور الوسطي الأوروبية من استبداد بالسلطة باسم‏'‏ الحكم بالحق الإلهي‏'.‏ ومن هنا كان انتشار أسس الحكم بالحق الطبيعي وازدهار نظريات العقد الاجتماعي التي مهدت لظهور النظم الديمقراطية والقوانين الوضعية وحرمت مختلف أشكال التمييز والتعصب تحت أي مسمي‏.‏
والعلمانية التي تعرف عموما‏'‏ بالفصل بين الدين والدولة‏'‏ لم تكن تعني يوما معاداة الدين‏.‏ فهي ليست عقيدة وفلسفة تعتمدها الدولة‏(‏أي دولة‏)‏ وتبشر بها في وجه المعتقدات الدينية وإنما هي علي العكس كانت الصيغة الملائمة لحماية العقائد الدينية‏,‏ ومنع استخدامها لأغراض سياسية وسلطوية



وهي لا تخرج عن كونها جملة من التدابير النظامية والقانونية استهدفت التمييز بين المجالين الديني والسياسي لمنع الاستبداد حتي لا تصبغ أي قوة اجتماعية أو سياسية علي نفسها أو رؤيتها أو اجتهاداتها الخاصة صفة مقدسة باسم الدين ومن ثم فرضها علي الأفراد والمجتمع والدولة‏..‏ وارتبطت بعصر النهضة الأوروبية وازدهار الدراسات الإنسانية كالفلسفة والتاريخ والشعر والأدب والفنون التي شكلت الحضارة الحديثة‏,‏ وصاغت الثورات الكبري‏.‏ واقتضي تطبيق العلمانية وانتشارها في أوروبا وأمريكا‏(‏ ثم بعد ذلك في مختلف أنحاء العالم‏)‏ زمنا طويلا من الصراعات الدموية دفعت منها الشعوب ثمنا غاليا من أرواح أبنائها ونضال مفكريها ومثقفيها وفنانيها‏,‏ حتي جاءت الحرية كثمرة غالية لأقسي نضال عرفته الإنسانية‏,‏ وبتلك الحرية تم رد الاعتبار للفرد أي لكرامة الإنسان‏.‏ ووفقا لأي نظام علماني فإن العقيدة وحرية ممارسة الشعائر الدينية لأصحاب أي ديانة هي من صميم الحقوق والحريات المدنية للأفراد التي يجب أن تصونها وتحميها الدولة التي يفترض ألا تتحيز‏'‏ مع‏'‏ أو‏'‏ ضد‏'‏ أي عقيدة دينية‏,.‏ فقط تحول التدابير العلمانية دون تحول‏'‏ الدين‏'‏ إلي‏'‏ سلطة‏'‏ أو‏'‏ السياسة‏'‏ الي‏'‏ استبداد وقهر‏',‏ كما تمنع أية مظاهر للتعصب أو التمييز الذي يؤدي إليه‏.‏

أما الخلط التاريخي بين‏'‏ العلمانية‏'‏ و‏'‏ معاداة الدين‏'‏ فربما جاء نتيجة لانتشار بعض المذاهب والأيديولوجيات في القرن التاسع عشر خاصة ما تفرع عن الماركسية مثل‏'‏ المادية التاريخية‏'‏ والتي نشأت عنها نزعة إلحادية معروفة‏.‏ أما العلمانية السائدة الآن‏,‏ فهي ذات صيغة معتدلة مرنة لا تستبعد المكون الديني‏(‏ولكن دون تعصب‏),‏ كما تشير بذلك التجارب الإنسانية المختلفة مثلما هو الحال في أمريكا‏,‏ التي ينص دستورها علي‏'‏ كون الخالق هو مانح حقوق الأفراد‏'..‏ وكذلك الحال في بريطانيا وهولندا وألمانيا وغيرها‏.‏ كما تعرف الحياة السياسة الأوروبية‏,‏ وجود الأحزاب المسيحية الديمقراطية ولكنها أحزاب تقر وتلتزم بالدساتير العلمانية وبالحفاظ علي طبيعة الدولة المدنية‏(‏ غير الثيوقراطية‏),‏ وهكذا‏.‏
كما أنه قد يشاع خطأ أن العالم الإسلامي أو‏'‏ الإسلام‏'‏ عموما لا يعرف العلمانية أو أسس الحكم المدني الحديث وهذا غير صحيح‏.‏ فالمجتمعات الإسلامية تعيش في ظل حدود الدولة القومية بمفهومها المعاصر وتقر دساتيرها مبدأ الحقوق المدنية وتأخذ في تشريعاتها وتنظيماتها بالقوانين الوضعية بعبارة أخري لا يعرف العالم الإسلامي مبدأ وحدة السلطتين الزمنية والدينية‏,‏ حتي وإن لم يكن هناك فصل مانع بين الدين والدولة ولكن هناك بالقطع تمييزا مستقرا وراسخا بين الاثنين‏.‏ كما أن النواحي الأخري في الدساتير هي بدورها حديثة وعلمانية الطابع‏,‏ فرئيس السلطة التنفيذية علي سبيل المثال ليست له صفة دينية‏,‏ وهناك التزام بمبدأ الفصل بين السلطات‏,‏ وتوجد هيئات تشريعية منتخبة شعبيا‏,‏ كما يؤخذ بمفهوم‏'‏ المواطنة‏'‏ بالنسبة للحقوق المدنية فضلا عن التوسع الهائل في التعليم المدني الحديث‏,‏ والذي كانت مصر منذ عهد محمد علي رائدة له‏.‏


وهذه الأمور لا تثبتها فقط التجارب العملية المعاصرة ولكنها خبرات يعرفها التاريخ الإسلامي ومبادئ وتقاليد مستقرة في كثير من الأدبيات والاجتهادات النظرية في الفكر الإسلامي سواء القديم أو المعاصر‏.‏



فتغيير نظام الحكم من الخلافة الي الملك الوراثي وغير ذلك مما هو معروف تاريخيا يقدم دلالة قوية‏,‏ علي أنه لم يكن هناك نص ديني لتحديد شكل النظام السياسي‏,‏ وإنما هي مبادئ عامة يسترشد بها‏.‏ ومعروف أيضا أن الإسلام ينكر مبدأ السلطة الدينية أو الحكم‏'‏ بالتفويض الإلهي‏'.‏ فالأفغاني مثلا طالب ب‏'‏ إقامة حكومة دستورية خاضعة لرقابة مجلس نيابي منتخب وأن تختار الأمة حاكمها‏'.‏ والكواكبي يقول‏'‏ إن الحكام والساسة الذين يحاولون الخلط ما بين الدين والسياسة لا يتراءون بالدين إلا بقصد تمكين سلطتهم علي البسطاء من الأمة وان موقفهم هذا لا اصل له في الإسلام كدين‏'.‏ ليأتي الشيخ محمد عبده بعد ذلك ويترجم هذه الافكار عمليا في صياغته لبرنامج الحزب الوطني في ذلك الوقت يقول إن‏'‏ الحزب الوطني حزب سياسي لا ديني‏,‏ فانه مؤلف من رجال مختلفي العقيدة والمذهب‏,‏ وجميع النصاري واليهود وكل من يحرث أرض مصر‏,‏ ويتكلم بلغتها منضم إليه لانه لا ينظر لاختلاف العقائد‏'.‏ وبعد ما يقرب من عقد من الزمان يقتحم أحد علماء الأزهر المستنيرين هو الشيخ علي عبد الرازق في كتابه الشهير‏'‏ الإسلام وأصول الحكم‏'(1925)‏ نفس القضية ليطرحها بقوة وصراحة وموضوعية وينتهي إلي أن‏'‏ الإسلام دين لا سلطة أو خلافة‏..‏ وبلاغ لا قيادة‏'.‏



ثم يأتي المفكر الإسلامي الكبير خالد محمد خالد‏(1950)‏ ليطرح مرة أخري وبنفس القوة تلك القضية في كتابه الشهير‏'‏ من هنا نبدأ‏',‏ والذي جاء فيه‏'‏ أن الإسلام دين لا دولة وانه ليس في حاجة إلي أن يكون دولة‏..‏ وأن الدين علامات تضئ لنا الطريق إلي الله وليس قوة سياسية تتحكم في الناس وتأخذهم بالقوة إلي سواء السبيل‏.‏ فالدين حين يتحول إلي حكومة‏,‏ فان الحكومة الدينية تتحول إلي عبء لا يطاق‏'.‏ ولا يقلل من قيمة هذا الاجتهاد وقوته نوع المراجعات الفكرية التي اقدم عليها مؤلفه في أواخر حياته و بعد ما يزيد علي الثلاثين عاما من صدور ذلك العمل القيم‏,‏ وهي مراجعات لا يمكن فهمها بمعزل عن الضفوط التي تمارسها بعض القوي والتيارات ذات المصلحة في الحفاظ علي اجتهادات بعينها وغلق الباب أمام أية اجتهادات قد تهدد فكرة الاستقرار الزائف للوضع القائم‏.‏

وفي نفس الاتجاه يمكن تأمل رأي اثنين من المفكرين المعاصرين الذي ينتمي كل منهما إلي مدرستين فكريتين مختلفتين الأول للمفكر المعروف محمد أحمد خلف الله الذي يقول‏:'‏ إن النبي الرسول يستمد سلطته ممن اختاره‏,‏ وهو الله سبحانه وتعالي وأن الخليفة يستمد سلطته ممن اختاروه وهم الناس‏'‏ وهو نفس المعني الذي ينتهي إليه الكاتب الإسلامي المعروف محمد عمارة إذ يقول قبل ذلك بأربع سنوات في كتابه‏'‏ الإسلام والعروبة والعلمانية‏'‏ المجتمع العلماني كما تحدد في فكر أوربا العلمانية‏,‏ وفي تطبيقات هذا الفكر له سمات وقسمات‏..‏ وتتلخص في النفعية‏,‏ أي إعلاء مقام المصلحة‏..‏ وأن الإسلام أيضا يقدم في شئون المجتمع المصلحة علي النص ويري أن الشريعة مقاصد وغايات‏..‏ وأن القاعدة الشهيرة تقول‏(‏ ما رآه الناس حسن فهو عند الله حسن‏)‏ والسمة الثانية أن المجتمع العلماني يساند التغيير ويدعو إلي التجديد ويدعمه‏,‏ ويضيف أن الإسلام كذلك‏'‏ يؤمن بقانون التطور والتجديد مستشهدا بقول الرسول‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)'‏ الله يبعث لهذه الأمة علي رأس كل مائة عام من يجدد لها دينها‏'‏ ورغم انه لا يشير صراحة إلي‏'‏ العلمانية‏'‏ إلا أنه يقر في النهاية مثله مثل الكثيرين من المفكرين الإسلاميين المحدثين‏,‏ بمبدأ التمييز بين الدين والدولة في الإسلام وليس الوحدة بينهما وهو رأي لا يقلل منه أبدا التحفظ علي كلمة‏'‏ الفصل‏'‏ وفي كل الأحوال تعتبر هذه مواقف غير متناقضة مع العلمانية المعتدلة‏.‏

إن هذه اللمحات السريعة تدلل علي أنه اذا كان التراث الحضاري الانساني الغربي يعتز بالعلمانية ويصونها ويحميها باعتبارها مرتكزا أساسيا للنهضة والحرية والتقدم والتسامح والديمقراطية وحفظ حقوق الفرد وكرامته وحريته التي وهبها له الله‏,‏ فإن التراث والخبرة الاسلامية لم تكن بدورها معزولة أو غائبة عن ركب التقدم الانساني ولكن كانت هناك عصور وأزمنه تعرف الازدهار والحرية والابداع وأخري يتملكها الانغلاق والخوف والقهر والتخلف وبين هذه وتلك قد تأتي أزمنة رمادية تخجل من الألوان الصريحة‏.‏


في كل الأحوال سيبقي من حق أي فرد أو جماعة أو تيار أن يرفض أو يقبل هذا المفهوم أو ذاك‏,‏ ولكن ليس من حق أحد أن يصادر حق المعرفة به‏,‏ وقراءته قراءة موضوعية بعيده عن الانحيازات المسبقة‏.‏








المصدر الاهرام
  #49  
قديم 20/01/2004, 10:35 AM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Cool مسلمون.. نعم.. ولكنهم فرنسيون

مسلمون.. نعم.. ولكنهم فرنسيون


تركي الحمد



يبدو أننا، عرباً ومسلمين، قد أدمنا القضايا حتى أننا لا نستطيع العيش بدون قضية، مهما كان نوع هذه القضية. والغريب أننا نختار من القضايا ما ينفر الناس منا وينفرنا من الناس، يبعدنا عن العالم ويبعد العالم عنا في الغالب الأعم. وعندما لا يكون هناك قضية، فإننا نبحث عن أي قضية. وفي غالب الأحيان تكون تلك القضايا من قلة الأهمية، أو حتى عدم الأهمية، بحيث لا تستحق ذلك العداء الذي تجلبه في اهابها، وتلك الخسائر التي تجرها في أذيالها. جعلنا من قضية فلسطين قضية أكبر من حجمها ذات يوم، بل قضية القضايا، فأكلت الأخضر واليابس، وكانت مبرراً لتسميم الحياة السياسية العربية، ومبرراً لأنظمة القهر والاستبداد، ومبرراً للتطرف والإرهاب وكرهنا للعالم، وكره العالم لنا، مع أنه لو كان التعامل معها قد جرى بعيداً عن «الهوس» العربي بالقضايا، فربما ما وصلنا إلى ما وصلنا إليه من حال. بل انه يخالجني شعور في بعض الأحيان أن العرب ليسوا جادين في حل هذه القضية، إذ من أين لهم بعد ذلك قضية كبرى يبررون من خلالها كل ما هو غير عقلاني في السياسة والثقافة والخطاب، وعلى منوال القضية الفلسطينية يمكن القياس بالنسبة لكثير من قضايا الأمة. واليوم ها نحن نسمع عن «قضية مصيرية» أخرى يثيرها البعض منا، فتحسب علينا كلنا، وكأن كل مشاكلنا الداخلية والخارجية انتهت، ولم يبق إلا بعض قضايا هامشية يجب حلها والدفاع عنها، كي يعود مجد الدين وعزة الإسلام وتتحقق كلمة الرب على العباد.
قررت فرنسا، وبصفتها دولة علمانية تقوم على مبدأ المواطنة المتساوية، وهي علمانية يستفيد منها المسلمون أكثر من غيرهم، أن تمنع كل ما يمكن أن يخدش هذه العلمانية ومفهوم المواطنة، أو يشرخ الوحدة الوطنية، فكان من ذلك منع الإعلان المبالغ فيه عن الهوية الدينية في المدارس الرسمية العامة، كارتداء صليب مبالغ فيه، أو قلنسوة يهودية أو حجاب إسلامي، مما يهدد بفتنة قد تفتت الوحدة الوطنية والقومية للدولة الفرنسية. أما أن يرتدي أحدهم صليباً أو قلنسوة أو حجاباً خارج إطار المدارس الرسمية، فتلك حرية مكفولة له بقوة الدستور. هذا هو على الأقل تبرير الحكومة الفرنسية لقرارها منع الحجاب في المدارس الرسمية، ولن ندخل في محاسبة النوايا هنا، فليس لنا في النهاية إلا الظاهر. وهنا ثارت ثائرة المسلمين، في داخل فرنسا وخارجها، واعتبروا أن ذلك تدخل في الحرية الشخصية التي يكفلها القانون والدستور، وتعد على مبادئ العلمانية، وخرق لحقوق الإنسان التي تكفل حرية الفرد والجماعة في التعبير عن الذات، وتحول قرار الحجاب إلى قضية من القضايا التي تجند لها كافة القوى تحت شعار أن الإسلام في فرنسا في خطر، وأن هنالك مؤامرة على الإسلام في فرنسا، وهي شنشنة عهدناها من يعرب بالذات في كل قضايانا، أو ما جعلنا منه قضايا. وبدون تعصب أو تعنت أو نصر الأخ ظالماً أو مظلوماً، لنناقش هذه القضية من أبعادها المختلفة، بحيث نحاول أن نكون خارج الصورة من أجل وضوح الرؤية قدر المستطاع، لا من داخلها فتختلط علينا الأمور.
من ناحية فرنسا والحكومة الفرنسية، فإن لها مرئياتها في هذا الشأن، وهي الأقدر على فهم مصلحة الدولة والمجتمع هناك، خاصة أنها حكومة شرعية منتخبة تتحدث باسم الشعب، وبالتالي فإن تدخلنا في مثل هذا الشأن هو تدخل في عمل من أعمال السيادة الفرنسية، وتدخل في إرادة الشعب الفرنسي الذي تمثله هذه الحكومة. أن يحتج الفرنسيون المسلمون على هذا القرار حق من حقوقهم، لا بصفتهم مسلمين، ولكن بصفتهم مواطنين فرنسيين يمارسون حق التعبير عن الرأي بمختلف الوسائل، وهذا حق يكفله الدستور والقانون هناك، كما هو حق لليهود والكاثوليك وغيرهم بصفتهم مواطنين فرنسيين، لا بصفتهم الفئوية. ولكن في نفس الوقت لا يحق لهم الخروج على القانون، عندما يصبح مثل هذا القرار قانوناً، بصفتهم مواطنين أيضاً. فكما أن المواطنة تعني حقوقاً فهي تعني واجبات والتزامات أيضاً، ولا يمكن الإخلال بذاك التوازن بين الحقوق والواجبات: لهم حق الاحتجاج، ولكن عليهم واجب الطاعة في ذات الوقت، فلا حق دون التزام، ولا التزام دون حق. والفرنسيون المسلمون حين اختاروا أن يكونوا فرنسيين، فإنهم اختاروا تلقائياً الخضوع لقانون فرنسا، حتى وإن تناقض مع قناعاتهم، دينية كانت تلك القناعات أو غير ذلك، فهم يعلمون ساعة الاختيار أن فرنسا دولة علمانية وفق الدستور الذي يحدد إطار الحركة في الدولة الفرنسية، وليست باكستان أو إيران أو السعودية مثلاً.
ومن ناحية المسلمين خارج فرنسا، فإنه لا حق لهم في الاحتجاج ضد القرار الفرنسي، إلا إذا منحوا فرنسا وغيرها ذات الحق بالنسبة لشؤونهم. فرنسا تمنع الحجاب في مدارسها الرسمية، والسعودية أو إيران تمنع السفور في مدارسها وغير مدارسها مثلاً، فإذا منحت السعودية أو إيران نفسها حق الاحتجاج ضد منع الحجاب في فرنسا، فإن ذلك منطقياً يعني منح فرنسا حق الاحتجاج ضد منع السفور في السعودية أو إيران. لا السعودية ولا إيران أبدتا رأياً رسمياً في هذا الموضوع، لعلمهما بمنطق الأمور، ولكن المشكلة تكمن في الشارع المسلم الغارق في أوهام حُشي بها دماغه، جارياً وراء كل ناعق باسم الدين أو المؤامرة أو الكيد للإسلام والمسلمين، غير مدرك أين تكمن المصلحة، ولا ما يمكن أن تؤدي إليه نتائج مثل هذه الأمور من عواقب وخيمة. وهذا يقودنا إلى مناقشة شق مهم في القضية. فمسلمو اليوم، سواء في فرنسا أو خارجها، إنما يتصرفون كما كان اليهود يتصرفون في الماضي من الزمان، وهو التصرف الذي جلب لهم الويلات، وكاد أن يُنهيهم من أوروبا وأماكن أخرى من العالم إنهاءً تاماً. فالإصرار على إبراز الهوية وكأنها صراع مع الآخر، أو «حجاب» يفصله عن هذا الآخر، وليس مجرد اختلاف ضمن ذات الهوية، أو ما يمكن أن نسميه «بعقلية الغيتو»، هو نوع من الاستفزاز الذي تمارسه هذه الفئة أو تلك للمجتمع الذي تعيش فيه، وهي التي تنتمي إليه ظاهراً، وتحمل جنسيته، وتتمتع بمزايا مواطنته، كما هو حال المسلمين في أوروبا والغرب عموماً. ولعل الحركة النازية، والصهيونية بصفتها وجهاً من وجوه العنصرية، أبرز مثال عما يمكن أن تؤول إليه الأمور، فيما لو استمرت مثل هذه العقلية في تحديد سلوك المسلم الحزين في القرن الحادي والعشرين، إذا استعرنا عنوان كتاب حسين أحمد أمين.
ففي كتاب «كفاحي» لأدولف هتلر، كان «الفوهرر» ينتقد اليهود من هذه الناحية، أي بكونهم لا يحاولون الاندماج في المجتمعات التي يعيشون فيها، ويعيشون في غيتوات، فعلية أو نفسية، تمنعهم من السلوك كمواطنين فعليين في المجتمعات التي يعيشون فيها، فكانوا يتمتعون بكل حقوق وامتيازات المواطنة، ولكنهم لا يسلكون كمواطنين فعليين. هذا النقد الذي بدأ بسيطاً لدى هتلر، تحول في النهاية إلى بغض شديد للعنصر اليهودي نفسه، ومن ثم إلى حركة عنصرية أشعلت حرباً كونية خلفت من الكوارث ما خلفت. وقد انتبه اليهود إلى هذه النقطة التي أثارت غضب المجتمعات المستفَزة (بفتح الفاء) تجاههم، فحاولوا الاندماج الكامل في مجتمعاتهم، ولم يعد من الممكن التفرقة بين اليهودي وغير اليهودي ظاهرا ًفي تلك المجتمعات، إلا من أراد التقصي لهذا السبب أو ذاك. واليوم، فإن المسلمين يمارسون ذات الفعل والسلوك باسم مقولات الهوية والذاتية وفروض الدين، بينما أن المسألة، حين التحليل الأخير، لا علاقة لها بهوية أو دين أو غيره، بقدر ما أن لها علاقة بتسييس هذا الدين أو تلك الهوية، من قبل أشخاص وفئات وجماعات تعتقد أنها هي التي تمثل الدين الحق والهوية الصافية، بينما هي في حقيقة الأمر تسيء إلى الدين، وتدفع الهوية وأهلها إلى الانتحار.
والحقيقة أن الشاجبين منا لما تفعله فرنسا إنما يدينون أنفسهم قبل أن يدينوا الآخرين. فهم لا يرضون مثلاً أن يُفرض عليهم هذا السلوك أو ذاك الفعل، في الوقت الذي يعطون فيه الحق لأنفسهم انتقاد الآخرين، ووصفهم بصفات النفاق أو الكيل بمكيالين أو النظر من زاويتين. ينتقدون الولايات المتحدة مثلاً حين تنتقد حرية الأديان عندنا، في ذات الوقت الذي يمارسون فيه حريتهم الدينية هناك، ويرفعون الصوت عالياً بالصراخ حين يتدخل أحدهم في تفصيل أو جزئية من تفاصيل ممارساتهم الدينية، التي قد تكون متداخلة مع حرية الآخرين في ذات المجتمع. يرفعون الصوت عالياً في نقد العلمانية الفرنسية حين تمنع الحجاب في المدارس الرسمية، ولكنها لا تمنع إنشاء مدارس دينية خاصة لطلابها ممارسة ما يشاءون وفق معطيات معتقدهم، في ذات الوقت الذي يتناسون فيه منع الحجاب في دولة يُفترض أنها مسلمة مثل تركيا مثلاً، أو فرض الحجاب في بلادنا في العام والخاص معاً، وجوهر الأمر ومنطقه واحد في كل هذه الأحوال. مثل هذه الأفعال، ومثل هذه التناقضات هي في النهاية دعوة للكره: دعوة لأن نكرههم، ودعوة لأن يكرهونا، بما لا يخدم مصالحنا مع هذا العالم من جهة، وبما لا يخدم تفاعل المسلمين في دول العالم مع مجتمعاتهم بما يفيدهم ويفيدنا في ذات الوقت، ولعل الوجود اليهودي في العالم أكبر دليل لما يمكن أن يؤدي إليه السلوك السقيم في الماضي، والسليم في الحاضر في هذا المجال، وهم الذين عانوا الأمرين من ذات السلوك الذي يمارسه كثير من المسلمين اليوم. فأن نكون من المسلمين لا يعني التدخل في شؤون كل المسلمين، بمثل ما أن الانتماء إلى المسيحية واليهودية وغيرها، لا يعني تدخل هؤلاء في شؤون كل المسيحيين أو اليهود أو غيرهم. فالهوية اليوم تقوم على الوطنية والمواطنة، وليس على العقيدة أو الدين، فهناك مسلمون ومسيحيون ويهود وغيرهم في كل أنحاء العالم، ولكنهم فرنسيون وأميركيون وبريطانيون قبل ذلك، ومن هنا تكون نقطة البدء.
  #50  
قديم 26/01/2004, 10:44 AM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Cool غرق العواصم العربية في مؤتمرات متلاحقة

غرق العواصم العربية في مؤتمرات متلاحقة
بلال الحسن

تشهد منطقتنا العربية، انعقاد سيل من المؤتمرات، وأحيانا في وقت واحد، وفي أكثر من عاصمة عربية. ففي هذا الشهر فقط انعقدت ثلاثة مؤتمرات في صنعاء وأبوظبي وقطر، وقبل ذلك بشهر واحد انعقدت ندوة أخرى في الخرطوم. أما عناوين تلك المؤتمرات وموضوعاتها حسبما هو معلن، فكلها تكاد تكون متقاربة ومنشغلة بهم المتغيرات العالمية من حولنا وكيف نتلاءم معها، أو كيف نجيب على اسئلتها، أو كيف نرد على اتهاماتها. ولا بد أن تكون قضية الديمقراطية حاضرة في كل هذه المؤتمرات مهما اختلف الموضوع أو العنوان.
مؤتمر صنعاء انعقد في 10 ـ 1 ـ 2004 وكان عنوانه «المؤتمر الإقليمي للديمقراطية وحقوق الإنسان ودور المحكمة الجنائية الدولية». ومؤتمر أبوظبي انعقد في 11 ـ 1 ـ 2004 وحمل عنوان «الخليج وتحديات المستقبل». وانعقد في اليوم نفسه مؤتمر قطر وحمل عنوان «مؤتمر الدوحة الثاني للعلاقات بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي». وأخيرا مؤتمر الخرطوم الذي انعقد في 13 ـ 12 ـ 2003 وحمل عنوان «الإسلام والغرب في عالم متغير».
إن كثرة هذه المؤتمرات وتواليها يثير سؤالا عن مدى الحاجة إليها. وهنا تبرز احتمالات منها: ان هذه المؤتمرات تنعقد لحاجة عربية محلية في محاولة لتقديم إجابة على أمور حيوية تعترضنا. أو أن هذه المؤتمرات تنعقد تلبية لطلبات (أو (ضغوط) خارجية، ونحاول نحن أن نتجاوب مع تلك الطلبات. وربما يكون هناك احتمال ثالث يجمع بين الاحتمالين الأولين فتكون هناك حاجة محلية ويكون هناك طلب خارجي ويلتقي الأمران في مصب واحد.
وإنه لأمر جيد جدا أن تنعقد في بلادنا مؤتمرات فكرية أو بحثية أو استراتيجية. وإنه لأمر جيد جدا أن تشهد هذه المؤتمرات حركة جدل حادة أو صاخبة أو هادئة، ولا يضر هذه المؤتمرات أن تشهد من يضرب يمينا أو من يضرب شمالا، فكل ذلك يعبر عن حيوية في الفكر لا يمكن إلا أن ندافع عنها. ولكن هذا الدفاع لا يعفي من بعض الأسئلة والملاحظات.
إن أغلب هذه المؤتمرات ينعقد برعاية رسمية، وهكذا كان الحال في صنعاء وقطر وابوظبي، وتحت هذه الرعاية الرسمية تخرج توصيات وربما قرارات تطالب بأمور تنفيذية ضخمة، أو تشير إلى معضلات معقدة تحتاج إلى حل. وهنا يبرز سؤال: من يخاطب من في هذه المؤتمرات؟ فلو أن المؤتمرات من قبل باحثين ودارسين، أو من قبل هيئات غير حكومية، لقلنا إن المجتمع يخاطب المسؤولين عبر هذه المؤتمرات، فيقترح عليهم، أو يطالبهم بتحقيق كذا وكذا. أما بحضور الحاكم فإن السؤال يصبح مطروحا، فحين يصبح الحاكم شريكا للمواطنين في التأكيد على ما يجب فعله، فإننا لا نعود ندري من هو المطالب ومن هو المسؤول عن التنفيذ.
ويتم في أغلب هذه المؤتمرات طرح أوراق عمل ذات أهمية، يكتب بعضها باحثون كبار، ولكننا كمواطنين لا نطلع عليها، بل نقرأ فقط في بعض التغطيات الإعلامية بضعة اسطر تلخص ورقة العمل، وتشير إلى فكرة أو فكرتين وردتا فيها. وهنا يصبح السؤال مشروعا: من هو المستفيد من هذه الأوراق القيمة والتي لم يطلع عليها سوى نفر قليل هم أعضاء المؤتمر فقط؟ إذ غالبا ما تنتهي أبحاث المؤتمر بانتهاء جلساته، ويضيع بذلك الهدف المنشود من عقد ذلك المؤتمر، أي هدف الترويج للفكرة التي انعقد من أجلها.
ثم إن هذه المؤتمرات تنعقد تحت عناوين كثيرة كما رأينا، ولكننا حين ندقق في مضمونها، وما قيل فيها، نجد أن الأمور كلها ترتد إلى مشكلات محددة في واقعنا العربي، مشكلات المواجهة العربية ـ الأميركية، وقضايا فلسطين والعراق والحملات الفكرية ضد الإسلام والثقافة الإسلامية، ويحدث ذلك مهما كان نوع الموضوع أو العنوان الذي تم اختياره للنقاش في المؤتمر. وهذه ظاهرة تستدعي التوقف والدرس، إذ يبدو الأمر ظاهريا وكأن هناك انفصاما في الشخصية الفكرية لدى العرب، فإذا كان الموضوع هو الديمقراطية جرى الحديث عن فلسطين والعراق والإسلام، وإذا كان الموضوع هو العلاقات مع أميركا جرى الحديث عن فلسطين العراق والإسلام، وإذا كان الموضوع هو صراع الحضارات جرى الحديث عن فلسطين والعراق والإسلام. فلماذا إذاً لا نذهب إلى المواضيع التي تشغل البال مباشرة، فندرسها ونناقشها، بعيدا عن تلك العناوين المطروحة؟ ويطرح هذا التساؤل شكا في أن تكون هذه الموضوعات مطلوبة من أجل الإرضاء فقط، ثم يأتي الواقع ليفرض نفسه، وتبرز في النقاش الموضوعات الحقيقية بدلا من تلك المطلوبة. إن البحث الذي ألقاه الشيخ القرضاوي عن الإسلام والإرهاب في مؤتمر قطر يصلح لأن يقدم كبحث أساسي في مؤتمر صنعاء أو في مؤتمر الخرطوم. والبحث الذي قدمه منير شفيق في الخرطوم عن ظروف نشأة الديمقراطية في أوروبا، يصلح لأن يكون بحثا اساسيا في مؤتمر قطر أو في مؤتمر صنعاء، فما هو الفارق إذاً بين هذه المؤتمرات وما يقال فيها؟
يبدو لي أحيانا أن هذه المؤتمرات تخص الحكام والدول أكثر مما تخص الباحثين والدارسين، وأكثر مما تخص الجمهور العربي العريض المحيط بها. ولعل أبرز مثل على هذا مؤتمر انعقد في عام 2001، وفي صنعاء أيضا، كمنتدى للديمقراطيات الناشئة، وصدر عنه ما يسمى «إعلان صنعاء». ونجد هذا الإعلان منشورا في الموقع الالكتروني لـ«منتدى الحرية الاقتصادية» التابع لغرفة التجارة الأميركية في واشنطن، وقد وضعت له مقدمة تقول «في ظل التقدم السريع للعولمة، يصبح لنجاح أي دولة أو إخفاقها في التحول إلى ديمقراطية مستقرة، ونظام اقتصادي مفتوح، مغزى كبير». ثم يورد الموقع نص إعلان صنعاء، وقد حدد فيه المجتمعون، وهم مسؤولون من 16 دولة ناشئة (هاي سكول)، الأمور التي سيلتزمون بتنفيذها (لكي يتم التخرج) في الاقتصاد والتشريع وحقوق الإنسان وحقوق الأقليات وتوسيع التجربة الديمقراطية... إلخ. وقد تم تحديد المهمات وكأنها درس تعليمي للحكام سيحاسبون عليه في مؤتمرات لاحقة.
لا نريد أن يكون الأمر على هذه الصورة، ونتطلع إلى مؤتمرات تعيش قضاياها بعد أن ينفض سامرها، ونريد مناقشات تخرج من الغرف المغلقة لتلقى صدى في أوساط الجماهير، مؤتمرات يتطابق عنوانها ومضمونها. أما حين يكون العنوان في واد والنقاش في واد آخر، فإن ذلك يبرز مشكلة تستدعي البحث المعمق من قبل الذين يدعون إلى هذه المؤتمرات ويرعون نشاطها.




جريدة الشرق الاوسط
 

أدوات الموضوع البحث في الموضوع
البحث في الموضوع:

بحث متقدم
تقييم هذا الموضوع
تقييم هذا الموضوع:

قواعد المشاركة
ليس بإمكانك إضافة مواضيع جديدة
ليس بإمكانك إضافة ردود
ليس بإمكانك رفع مرفقات
ليس بإمكانك تحرير مشاركاتك

رموز لغة HTML لا تعمل

الانتقال إلى


جميع الأوقات بتوقيت مسقط. الساعة الآن 11:26 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions Inc.
سبلة العرب :: السنة 25، اليوم 126
لا تتحمل إدارة سبلة العرب أي مسئولية حول المواضيع المنشورة لأنها تعبر عن رأي كاتبها.