سبلة العرب
سبلة عُمان الصحيفة الإلكترونية الأسئلة الشائعة التقويم البحث مواضيع اليوم جعل المنتديات كمقروءة

العودة   سبلة العرب > سبلة الثقافة والفكر

ملاحظات

 
 
أدوات الموضوع البحث في الموضوع تقييم الموضوع
  #1  
قديم 25/10/2005, 12:51 PM
حنين الصمت حنين الصمت غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ الانضمام: 17/03/2000
الإقامة: عمان
المشاركات: 811
" المراهقة "

السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
مقدمة
" المراهقة " مرحلة من أخطر المراحل التي يمر بها الإنسان ضمن أطواره المختلفة التي تتسم بالتجدد المستمر، والتَّرقِّي في معا رج الصعود نحو الكمال الإنساني الرشيد، لكن ما هو (( مفهوم المراهقة )) ؟
إنها الانتقال من الطفولة إلى الرشد، وكيفياتُ هذا الانتقال تختلف من فرد لآخر ومن بيئة لأخرى، لذلك كان ثمة (( أنواع للمراهقة )). ولتعدد تلك الوسائل والأسباب التي تفضي إليها تتنوع (( مشكلات المراهقة )) ومن ثم يتنوع (( علاجها )) .
وكشأن كل عملية تغيير إصلاحية ثمة (( معوقات للتربية الفكرية )) تعوق مسارها وتقف حجر عثرة أمامها مما يستدعي " زحزحتها " والإلمام بـ (( الأسس النفسية لإرشاد المراهق )) كي تؤتي العملية التربوية ثمارها يانعة وتكون قطوفها دانية.
إن الشباب هم أمل الحاضر وكل المستقبل، والشباب هم مستقبل الأسرة وهم أملها في مستقبل أفضل.
ويمر الشباب في مراحل النمو المختلفة بالكثير من التغيرات النفسية والجسمانية بداية من مرحلة الطفولة مرورا بمرحلة المراهقة التي تنتهي ببلوغه سن الرشد ومرحلة المراهقة هي فترة انتقالية يتوق المراهق خلال هذه الفترة إلى الاستقلال عن أسرته والى أن يصبح شخصا مستقلا يكفي ذاته بذاتي وفي بلادنا يتراوح سن المراهقة بصورة عامة بين الثالثة عشرة ونهاية الثامنة عشرة
ومن أهم مشاكل المراهقة هي حاجة المراهق للتحرر من قيود الأسرة والشعور بالاستقلال الذاتي وهذه المشكلة هى السبب الرئيسى في معظم الصراعات التي تحدث بين المراهق وأسرته ومن أمثلة تلك الصراعات الصراع في حرية اختيار الأصدقاء وطريقة صرف النقود أو المصروف ومواعيد الرجوع إلى المنزل في المساء وطريقة المذاكرة ومشاكل الدروس الخصوصية وطريقة اختيار الملابس وقص الشعر واستعمال سيارة الأسرة فى سن مبكر وبدون وجود ترخيص القيادة وأمور أخرى.


مفهوم المراهقة

المراهقة لغويَّاً :
ما الذي نقصده بالضبط عندما نقول : إن نجلنا قد وصل إلى مرحلة المراهقة، أو عندما نقول : إن فلاناً قد أصبح شاباً مراهقاً ؟
ترجع لفظة المراهقة إلى الفعل العربي (راهق) الذي يعني الاقتراب من الشيئ، فراهق الغلام فهو مراهق: أي قارب الاحتلام، ورهقت الشيء رهقاً قربت منه. والمعنى هنا يشير إلى الاقتراب من النضج والرشد .
المراهقة في الاصطلاح :
اصطلاح المراهقة في علم النفس يعني : الاقتراب من النضج الجسمي والعقلي والنفسي والاجتماعي ، ولكنه ليس النضج نفسه، لأنه في مرحلة المراهقة يبدأ الفرد في النضج العقلي والجسمي والنفسي والاجتماعي ولكنه لا يصل إلى اكتمال النضج إلا بعد سنوات عديدة قد تصل إلى 9 سنوات .
أما الأصل اللاتيني للكلمة فيرجع إلى كلمة ADOLESCERE تعني التدرج نحو النضج الجسمي والعقلي والنفسي والاجتماعي والعاطفي أو الوجداني أو الانفعالي .
ويشير ذلك إلى حقيقة مهمة ، وهي أن النمو لا ينتقل من مرحلة إلى مرحلة فجأة، ولكنه تدريجي، ومستمر ومتصل، فالمراهق لا يترك عالم الطفولة ويصبح مراهقاً بين عشية وضحاها، ولكنه ينتقل انتقالاً تدريجياً، ويتخذ هذا الانتقال شكل نمو وتغير في جسمه وعقله ووجدانه، فالمراهقة تعد امتداداً لمرحلة الطفولة، وإن كان هذا لا يمنع من امتيازها بخصائص معينة تميزها من مرحلة الطفولة.
مرحلة المراهقة :
المراهقة تشير إلى تلك الفترة التي تبدأ من البلوغ الجنسي PUBERTY حتى الوصول إلى النضج MATURITY وهكذا يعرفها سانفورد :
فالمراهقة إذن تشير إلى فترة طويلة من الزمن ، وليس لمجرد حالة عارضة زائلة في حياة الإنسان فالمراهقة مرحلة انتقال من الطفولة إلى الرجولة ، وعلى كل حال يجب فهم هذه المرحلة على أنها مجموعة من التغيرات التي تحدث في نمو الفرد الجسمي والعقلي والنفسي والاجتماعي، ومجموعة مختلفة من مظاهر النمو التي لا تصل كلها إلى حالة النضج في وقت واحد وهكذا يعرفها " انجلسن " فهي مرحلة الانتقال التي يصبح فيها المراهق رجلاً ، وتصبح الفتاة المراهقة امرأة، ويحدث فيها كثير من التغيرات التي تطرأ على وظائف الغدد الجنسية والتغيرات العقلية والجسمية .
ويحدث هذا النمو في أوقات مختلفة في الوظائف المختلفة. ولذلك فإن حدودها لا يمكن إلا أن تكون حدوداً وضعية أو متعارفاً عليها تقليدياً بين علماء النفس ، وهذه الحدود هي : من 12 - 21 سنة بالنسبة للولد الذكر ، ومن 13 - 22 سنة بالنسبة للفتاة المراهقة .
وواضح من هذا أنها تمتد لتشمل أكثر من أحد عشر عاماً من عمر الفرد. ووصول الفرد إلى النضج الجنسي SEXUAL MATURITYلا يعني بالضرورة أن يصل الفرد إلى النضج في الوظائف الأخرى ، كالنضج العقلي مثلاً ، فعلى الفرد أن يتعلم الكثير حتى يصبح راشداً ناضجاً، ولذلك تعرف المراهقة بأنها: الانتقال من الطفولة إلى الرشد .
ويفضل بعض العلماء تحديد هذه المرحلة بتحديد واجبات النمو التي ينبغي أن تحدث في هذه المرحلة ومن هذه الواجبات ما يلي :
1. إقامة نوع جديد من العلاقات الناضجة مع زملاء العمر من الجنسين .
2. اكتساب الدور المؤنث أو المذكر المقبول اجتماعياً لكل جنس من الجنسين .
3. قبول الفرد لجسمه أو جسده، واستخدام الجسم استخداماً صالحاً، لأن هناك بعض البنات اللاتي يشعرن بالخجل من بزوغ صدورهن، أو نمو أردافهن، أو كبر الأنف واليدين، ومن الذكور من يخجل من خشونة صوته.
4. اكتساب الاستقلال الانفعالي عن الآباء وغيرهم من الكبار، فالمراهق لا ينبغي أن "ينتظر حتى تغطيه أمه لكي ينام".
5. الحصول على ضمانات لتحقيق الاستقلال الاقتصادي.
6. اختيار مهنة، والإعداد اللازم لها.
7. الاستعداد للزواج وحياة الأسرة.
8. تنمية المهارات العقلية والمفاهيم الضرورية للكفاءة في الحياة الاجتماعية.
9. اكتساب مجموعة من القيم الخلقية التي تهديه في سلوكه.

الفرق بين مفهوم المراهقة ومفهوم البلوغ :
ويخلط كثير من الناس بين مفهوم المراهقة ومفهوم البلوغ الجنسي، لذلك ينبغي أن نميز بين المراهقة وبين البلوغ الجنسPUBERTY ، فالبلوغ يعني بلوغ المراهق القدرة على الإنسال، أي اكتمال الوظائف الجنسية عنده، وذلك بنمو الغدد الجنسية عند الفتى والفتاة، وقدرتها على أداء وظيفتها.
أما المراهقة فتشير إلى التدرج نحو النضج الجسمي والعقلي والنفسي والاجتماعي. وعلى ذلك فالبلوغ إن هو إلا جانب واحد من جوانب المراهقة، كما أنه من الناحية الزمنية يسبقها، فهو أول دلائل دخول الطفل مرحلة المراهقة.
ويميل الكتاب إلى اعتبار مرحلة المراهقة ممتدة من سن 9 سنوات إلى 21 سنة، ويقسمون هذه الفترة إلى مرحلة المراهقة المبكرة، والمتوسطة، ثم مرحلة المراهقة المتأخرة، التي ينتقل بعدها مباشرة إلى مرحلة الرشد والكبر. فالنمو والتغيرات التي تطرأ عليه تحدث على مدى زمن طويل. ومن هنا كانت صعوبات تعريف مرحلة المراهقة، فهي التي تلي مرحلة الطفولة المتأخرة، والتي ينتقل الطفل خلالها من مرحلة الطفولة المتأخرة إلى مرحلة الرشد . ومراحل الانتقال في حياة الفرد دائماً مراحل حرجة في حياة الفرد والجماعة، كما أنها مرحلة تغير سريع ومتلاحق، ودائماً يصاب الإنسان بالتوتر والقلق في الفترات التي يتعرض فيها للتغيير.
وقد تطول أو تقصر فترة المراهقة تبعاً لتعقد النمط الحضاري الذي يعيش فيه المراهق، فالمجتمعات تتطلب من المراهق إعداداً علمياً أو مهنياً طويلاً ونضجاً كاملاً وقوياً حتى يتمكن من مسايرة الأنظمة الاجتماعية والاقتصادية السائدة.
وتزداد أزمة المراهقة كلما طال البعد الزمني الذي يفصل بين البلوغ والاستقلال الاقتصادي، فكلما استطاع المراهق أن يحقق لنفسه الاستقلال الاقتصادي وتكوين الأسرة قلّت فترة تعرضه للأزمات النفسية.
لذلك فأزمة المراهقة أخف في الريف منها في المدينة. وذلك لبساطة الحياة، ولقرب إمكان الوصول إلى الاستقلال الاقتصادي في الريف، وإمكان الدخول في مجتمع الرجال، والاشتراك في أنشطتهم، وتحمل مسؤولياتهم، والقيام بالأعمال التي يقومون بها مثل الرعي والصيد.
وتحدد بداية مرحلة المراهقة ببداية البلوغ الذي يحدث تقريباً في سن الحادية عشرة بالنسبة للفتاة، وفي سن الثالثة عشرة بالنسبة للفتى، حيث يحدث أول قذف للفتى، وتحدث أول دورات الطمث أو الحيض عند الفتاة.
ولكن ينبغي الإشارة إلى أن هناك فروقاً فردية واسعة في السن الذي يصل فيه الطفل إلى مرحلة البلوغ أو النضج الجنسي، وعلى ذلك فيجب أن تؤخذ على سبيل التقريب، فليس من الضروري أن يصل كل طفل إلى هذه المرحلة في سن الثالثة عشرة، ولكنه يصل تبعاً لمعدله الخاص في سرعة النمو الجسمي والعقلي والنفسي والاجتماعي . ( نقول : إن الشرع قد جعل سنّ الخامسة عشرة سن البلوغ لمن لم تظهر عليه العلامات الأخرى ) .
من هنا يجب ألا ينزعج الآباء عندما يتأخر نمو أطفالهم عن الوصول إلى مرحلة معينة من مراحل النمو.

أنواع المراهقة

الواقع أنه ليس هناك نوع واحد من المراهقة فلكل فرد نوع خاص حسب ظروفه الجسمية والاجتماعية والنفسية والمادية، وحسب استعداداته الطبيعية، فالمراهقة تختلف من فرد إلى فرد، ومن بيئة جغرافية إلى أخرى، ومن سلالة إلى سلالة، كذلك تختلف باختلاف الأنماط الحضارية التي يتربى في وسطها المراهق، فهي في المجتمع البدائي تختلف عنها في المجتمع المتحضر، وكذلك تختلف في مجتمع المدينة عنها في المجتمع الريفي، كما تختلف من المجتمع المتزمت الذي يفرض كثيراً من القيود والأغلال على نشاط المراهق، عنها في المجتمع الحر الذي يتيح للمراهق فرص العمل والنشاط، وفرص إشباع الحاجات والدوافع المختلفة.
كذلك فإن مرحلة المراهقة ليست مستقلة بذاتها استقلالاً تاماً، وإنما هي تتأثر بما مر به الطفل من خبرات في المرحلة السابقة ، والنمو عملية مستمرة ومتصلة.
وجدير بالذكر أن النمو الجنسي الذي يحدث في المراهقة ليس من شأنه أن يؤدي بالضرورة إلى حدوث أزمات للمراهقين، ولكن دلت التجارب على أن النظم الاجتماعية الحديثة التي يعيش فيها المراهق هي المسؤولة عن حدوث أزمة المراهقة، فقد دلت الأبحاث التي أجرتها مارجريت مد M.MEAD ( وهي من علماء الأنثروبولوجيا الاجتماعية ) في المجتمعات البدائية أن المجتمع هناك يرحب بظهور النضج الجنسي، وبمجرد ظهوره يقام حفل تقليدي ينتقل بعده الطفل من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الرجولة مباشرة، ويترك المراهق فوراً السلوك الطفولي ويتسم سلوكه بالرجولة، كما يعهد إليه المجتمع - بكل بساطة - بمسؤوليات الرجال، ويسمح له بالجلوس وسط جماعاتهم، ويشاركهم فيما يقومون به من صيد ورعي، وبذلك يحقق استقلالاً اقتصادياً واجتماعياً، وفوق كل هذا يسمح له فوراً بالزواج وتكوين الأسرة، ومن ثم يتمكن من إشباع الدافع الجنسي بطريقة طبيعية. وبذلك تختفي "مرحلة المراهقة" من هذه المجتمعات البدائية، الخالية من الصراعات التي يقاسي منها المراهق في المجتمعات المتحضرة. فالانتقال من الطفولة إلى الرجولة في المجتمعات البدائية انتقال مباشر.
أما في المجتمعات المتحضرة فقد أسفرت البحوث عن أن المراهقة قد تتخذ أشكالاً مختلفة حسب الظروف الاجتماعية والثقافية التي يعيش في وسطها المراهق، وعلى ذلك فهناك أشكال مختلفة للمراهقة منها:
1. مراهقة سوية خالية من المشكلات والصعوبات.
2. مراهقة انسحابية حيث ينسحب المراهق من مجتمع الأسرة، ومن مجتمع الأقران، ويفضل الانعزال والانفراد بنفسه حيث يتأمل ذاته ومشكلاته.
3. مراهقة عدوانية، حيث يتسم سلوك المراهق فيها بالعدوان على نفسه وعلى غيره من الناس والأشياء.
مشكلات المراهقة وعلاجها
من أبرز المشاكل التي تظهر في مرحلة المراهقة: الانحرافات الجنسية، مثل الجنسية المثلية أي الميل الجنسي لأفراد من نفس الجنس، والجنوح، وعدم التوافق مع البيئة، وانحرافات الأحداث من اعتداء، وسرقة، وهروب.
وتحدث هذه الانحرافات نتيجة لحرمان المراهق في المنزل والمدرسة من العطف والحنان والرعاية والإشراف، وعدم إشباع رغباته، ومن ضعف التوجيه الديني، وكذلك نتيجة لعدم تنظيم أوقات الفراغ.
ولذلك يجب تشجيع النشاط الترويحي الموجه والقيام بالرحلات والاشتراك في مناشط الساحات الشعبية والأندية.. إلخ.
ومن الناحية التربوية ينبغي أن يلم المراهق بالحقائق الجنسية عن طريق دراستها دراسة علمية موضوعية.
كذلك من المشكلات المهمة التي تظهر في المراهقة : ممارسة العادة السرية أو الاستمناء MASTURBATION ويمكن التغلب عليها عن طريق توجيه اهتمام المراهق نحو النشاط الرياضي والكشفي والاجتماعي والثقافي والعلمي، وتعريفه بأضرار العادة السرية.
وينتج عن النمو السريع في أعضاء جسم المراهق إحساسه بالخمول والكسل والتراخي، كذلك تؤدي سرعة النمو إلى جعل المهارات الحركية عند المراهق غير دقيقة ، فقد تسقط من يد المراهق الكوب التي يحملها دون أن يكون ذلك نتيجة إهمال أو تقصير، ومع ذلك يلقى الكثير من اللوم والتأنيب من جانب الكبار.
وكثيراً ما يعتري المراهق حالات من اليأس والحزن والألم التي لا يعرف لها سبباً. فالمراهق طريد مجتمع الكبار والصغار، إذا تصرف كطفل سخر منه الكبار، وإذا تصرف كرجل انتقده الرجال أيضاً، وعلاج هذه الحالة يكون بقبول المراهق في مجتمعات الكبار، وإتاحة الفرصة أمامه للاشتراك في نشاطهم، وبتحمل المسؤوليات التي تتناسب مع قدراته وخبراته.
ومن المشكلات التي تتعرض لها الفتاة ، في هذه المرحلة، شعورها بالقلق والرهبة عند حدوث أول دورة من دورات الطمث، فهي لا تستطيع أن تناقش ما تحس به من مشكلات مع المحيطين بها من أفراد الأسرة ، كما أنها لا تفهم طبيعة هذه العملية، ولذلك تصاب بالدهشة والقلق.
إن إحاطة الأمور الجنسية بهالة من السرية والكتمان والتحريم تحرم الفتاة من معرفة كثير من الحقائق العلمية التي يمكن أن تعرفها من أمها بدلاً من معرفتها من مصادر أخرى.
ومن الملحوظ في هذه المرحلة أن الفتاة يعتريها الخجل والحياء، وتحاول إخفاء الأجزاء التي نمت فيها عن أنظار المحيطين ، وينتج عن تعليقاتهم غير الواعية على مظاهر النمو هذه وعلى التغيرات الجديدة، شعور الفتاة بالحياء والخجل، وميلها للانطواء أو الانسحاب، ولذلك ينبغي أن ينظر الكبار لهذه التغيرات على أنها أمور طبيعية وعادية.
ومن أهم المشكلات التي يعانيها المراهق : الإصابة بأمراض النمو، مثل فقر الدم، وتقوس الظهر، وقصر النظر، وذلك مرجعه أن النمو السريع المتزايد في جسم المراهق، يتطلب تغذية كاملة وصحية حتى تساعد الجسم، وتمده بما يلزمه للنمو. وفي الغالب لا يجد المراهق الغذاء الصحي الكامل الذي تتوفر فيه جميع عناصر الغذاء الجيد، ولذلك يصاب ببعض هذه الأمراض. فلهذا يجب العمل على توفير الغذاء الصحي الكافي للمراهق.
أما حالات تقوس الظهر : فإنها تنتج من العادات السيئة من ثني الظهر والانحناء في أثناء الكتابة والقراءة ، وكذلك قصر النظر ينتج عن اتباع عادات سيئة خاصة بالقراءة عن قرب ، ولذلك يجب تنبيه المراهق إلى أضرار هذه العادات ومساعدته على تجنبها.
ونتيجة لنضج الغدد الجنسية واكتمال وظائفها، فإن المراهق قد ينحرف ويمارس بعض العادات السيئة، كالعادة السرية .
ولا ينبغي أن يكون توجيه المراهق للابتعاد عن هذه العادة قائماً على أساس التخويف والتهويل في أضرارها، ولكن ينبغي أن يكون أساسه التبصير المستنير، والإقناع، والحقيقة العلمية ذاتها، كذلك يتحقق العلاج عن طريق إعلاء غرائز المراهق والتسامي بها SUBLIMATIONوتحويلها إلى أنشطة إيجابية بناءة. والمعروف أن تخويف المراهق من هذه العادة يخلق عقداً نفسية تدور حول الجنس عامة.
وقد يميل المراهق في هذه المرحلة إلى قراءة القصص الجنسية والروايات البوليسية وقصص العنف والإجرام، ولذلك يجب توجيهه نحو القراءة والبحث الجاد في الأمور المعرفية العادية، وأهمها وأنفعها التراث الديني الإسلامي. واستغلال نزعة حب الاستطلاع لديه في تنمية القدرة على البحث والتنقيب وغير ذلك من الهوايات النافعة. ويجب الاهتمام بقدرات المراهق الخاصة والعمل على توفير فرص النمو لهذه القدرات.
ومن المشكلات الوجدانية في مرحلة المراهقة : الغرق في الخيالات، وفي أحلام اليقظة التي تستغرق وقته وجهده وتبعده عن عالم الواقع.
وكذلك يميل المراهق إلى فكرة الحب من أول نظرة، فيقع في حب الفتاة معتقداً أن هذا الحب حقيقي ودائم، ولكنه في الواقع ينقصه النضج والاتزان، وكثيراً ما تنتهي الزيجات التي تتم في سن مبكرة بالفشل، لأنها لا تقوم على أساس من النضج الوجداني، ولا تستند إلى المنطق السليم.
كذلك يمتاز المراهق بحب المغامرات، وارتكاب الأخطار، ويمكن توجيه هذه النزعة نحو العمل بمعسكرات الكشافة والرحلات، والاشتراك في مشروعات الخدمة العامة والعمل الصيفي.
وفي العصر الحالي ظهرت نزعات وفلسفات تتصف باللامبالاة عند الشباب الأوروبي - كما هو الحال في جماعات الهيبز وغيرها - وليست هذه السلبية إلا تعبيراً عن ثورة الشباب، وسخطه على المجتمع، ونتيجة للفشل التربوي.
وعلى كل حال، فإن المراهق يميل إلى التقليد الأعمى، وإلى البدع، و(المودات) الجديدة، ولذلك ينبغي توجيه المراهقين عندنا وجهة إيجابية تتفق مع فلسفة المجتمع المسلم وأهدافه في التقدم والرخاء، وعلى هدى من تعاليم إسلامنا الحنيف.
كذلك يقع على عاتق علماء المسلمين، ورجال الثقافة والإعلام والتربية والإصلاح والقادة مسؤولية تزويد المراهقين بالحقائق والمعلومات المقنعة التي تثبت إيمانهم وترسخ عقيدتهم، وتحميهم من نزعات الإلحاد والشك.
ومن الوسائل المجدية : اشتراك المراهق في المناقشات العلمية المنظمة التي تتناول علاج مشكلاته، وتعويده على طرح مشكلاته، ومناقشتها - مع الكبار في ثقة وصراحة - وكذلك ينبغي أن يحاط المراهق علماً بالأمور الجنسية عن طريق التدريس العلمي الموضوعي، حتى لا يكون فريسة للجهل والضياع أو الإغراء.
ويعبر الدكتور أحمد عزت راجح عن الصراعات التي يعاني منها المراهق على هذا النحو:
1. صراع بين مغريات الطفولة والرجولة.
2. صراع بين شعوره الشديد بذاته وشعوره الشديد بالجماعة.
3. صراع جنسي بين الميل المتيقظ وتقاليد المجتمع، أو بينه وبين ضميره.
4. صراع ديني بين ما تعلمه من شعائر، وبين ما يصوره له تفكيره الجديد.
5. صراع عائلي بين ميله إلى التحرر من قيود الأسرة، وبين سلطة الأسرة.
6. صراع بين مثالية الشباب، والواقع.
7. صراع بين جيله والجيل الماضي.
ويضاف إلى ذلك صراعات تنتج من وجود أهداف متعارضة في داخل نفسه يرغب في تحقيقها معاً، ولكنها بطبيعتها إذا استطاع أن يحقق أحدها أصبح تحقيق الآخر أمراً مستحيلاً كالرغبة في الاستذكار وفي اللعب في الوقت نفسه، أو الرغبة في الطاعة والتمرد.

المراهقة وخطورة المرحلة
حين كان الشباب أقوياء كانت الأمة قوية ، وحين ضعف الشباب وضعفت هممهم وعزائمهم ، وتشتت أهواؤهم ، وفقدوا هويتهم في كل عصر مر بتاريخ هذه الأمة فقدتهم الأمة ، وذلت وضعفت وهانت ، وإن هذه الحقبة التي نعيشها من تاريخ أمتنا أكبر شاهد على تلك الحقيقة التي قررناها .
وكلما قوي الشباب في الأمة وتبصروا وتزودوا بالفهم والوعي والإرادة والقدوة ؛ قويت الأمة بهم وعزت وانتصرت وسادت ، وإن مرحلة المراهقة بخصائصها ومعطياتها هي أخطر منعطف يمر به الشباب ، وأكبر منزلق يمكن أن تزل فيه قدمه ؛ إذا عدم التوجيه والعناية .
وهاهي أبرز المخاطر التي يعيشونها ويمرون بها في تلك المرحلة :
الخطر الأول : افتقاد الهوية :
فترى الشاب لا يعرف ابن من هو ، لا يعرف إلى من ينتمي ، لا يعرف أصله ، لا ينتسب إلى نسب ، إنما نسبه أصنام وضعت له زورًا وبهتانـًا ، إنما اعتزازه بجاهلية ؛ إما من صنع أعداء الأمة ، وإما من زيف صنعناه نحن لأنفسنا.
نعم فقدان الهوية والانتماء ، حين ضاع الشباب بين الغرب بثقافته وفكره وأخلاقه ، فوجدنا بعضا منا قد انتمى إلى ذلك الفكر وتلك الحضارة انتماء ، مطلقـًا ، خاصة ممن ذهبوا إلى هنالك ، جاءوا كافرين بمجتمعاتهم ، وقيمهم ، وأخلاقهم ، وأعرافهم ، لا يعرفون منها معروفـًا ، ولا ينكرون منها منكرًا .
جاءوا وما على وجه الأرض شيء أبغض إليهم مما راحوا وهم عليه من الأخلاق والقيم والعادات والتقاليد ، جاءوا يسارعون الخطى حتى يكسروا تلك الحواجز والقيود ، ويتحللوا من تلك القيم البالية التي خدعوا فظنوها سبب تخلفهم وتأخرهم عن ركب الحضارة ، خدعهم العدو ، وغلبهم على عقولهم وأفكارهم
وطائفة أخرى أيضـًا منا إنما هم همج رعاع مقلدون ؛ الكبار منهم ، لا يعرفون حقـًا من باطل ، ولا يميزون حضارتهم بقيمها وأخلاقها من حضارة مادية ملحدة كافرة جائرة بفسادها وهلاكها ، وبين هؤلاء وأولئك ضاع الشباب والمراهقون ، وامتلأت جيوبهم ومحافظهم ومخابيهم بصور لاعبي الكرة ، بصور المصارعين ، بصور الممثلين والممثلات ، طبعـًا من غير أبناء جلدتنا ، بين هؤلاء وأولئك ضاع الشباب في فتن الشهوات والأهواء والشبهات .
لم يلتفت أولياء الأمور إلى ذلك الخطر الداهم الذي يهدد الأمة بأسرها ، إلى الشباب وما يصابون فيه من غزو فكري وأخلاقي ، حينما يضيع شبابها بين تلك الأهواء والشهوات والشبهات ، بافتقاد هويتهم ، وافتقاد انتمائهم ، لا ينتمون إلى وطن ولا إلى دين ، ولا إلى حضارة ، إنما هم مقلدون تقليدًا أعمى يسيرون وراء من ظنوا فيهم حضارة وتقدمـًا ومدنية .
ووسائل الإعلام للأسف ، ومنافذ الفكر والثقافة ، ترسخ ذل الضياع ، وتؤصله في الشباب ، حين تعرض تلك الصورة الزائفة للغرب بحضارته ، وتعمي عينها عن الإسلام وما فيه من قيم عظيمة طالما عزت الدنيا بها ، إنه خطر عظيم .
الخطر الثاني : افتقاد الهدف :
فالشباب بين نواصي الطرقات وبين ساحات الملاعب والمباريات وبين مجالس اللهو وإزجاء الأوقات ؛ لأنهم لم يعرفوا هدفـًا يسعون إليه ، وليس من ورائهم قصد يعملون له ، لسان حالهم ولسان مقالهم معـًا يردد مقالة الشاعر الضائع :
جئت لا أعرف من أين ولكــــنــــي أتـــــيــت
ولقد أبصـــرت قدامــي طــريقــــــًا فمشــــيت
كـيــــــف ســــــــــرت كيف أبصرت طريقي
لــــســــــــــــت أدري
ولماذا لســــــت أدري لــــســــــــــــت أدري
هم يرددون تلك الأشعار ، ويطربون لها ، هم يعيشون على أشرطة الكاسيت التي تترنم بتلك المعاني الضائعة ، إن لم تشد بالشهوات الفاحشة المنكرة .
لا هدف يعيش له الشباب ؛ لأن الأمة لم تتخذ لنفسها هدفـًا ، إنما سارت سير الأعمى الكليل وراء عدوها ، يا سبحان الله !
أعمى يقود بصيرًا ، لا أبا لكم تالله ضل من العميان تهديه
أعمى في حضارته ، في أخلاقه ، في فكره ، الغرب الكافر يقودنا نحن المبصرين ! يقودنا نحن أصحاب القرآن ، أصحاب السنة ، أتباع محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ ؟ إنها والله الخسارة العظيمة أن ننقاد ، وأن ينقاد شباب الأمة كلها إلى ما لا يعلمون .
افتقاد الهدف في الحياة التي يعيشونها ، يعيشون ليأكلوا ، أم يأكلون ليعيشوا ، هم لا يعرفون ، وهي معادلة يتندرون بحلها ، نعيش لنأكل ، أم نأكل لنعيش ، لأنه لا شيء عندهم إلا الأكل والحياة ، إلا الحياة الدنيا ؛ بلهوها ، ولعبها ، وقيمها المادية التي لم يردها الله تبارك وتعالى لذاتها ، إنما أرادها وسائل لتحقيق العبودية له جل شأنه ، نعم لا يعرفون لماذا يعيشون ؛ لذلك غلبنا أعداؤنا على أمورنا وقضايانا ، فصرنا لا نفكر بعقول أنفسنا ، بل بعقولهم هم ، إرادتنا مكبلة ، عزيمتنا لا وجود لها ، إنما نتحرك بإرادة عدونا ، وبتدبير عدونا ، بتصريف عدونا ، ذلك لأننا لا هدف لنا نسعى إليه.
غاية ما يمكن أن نصرح به أننا نسعى إلى تحقيق التقدم والرفاهية ، وهل هذا هدف تسعى إليه أمة ؟!!
إن هذا لا يصلح أن يكون هدفـًا ، إنما الهدف هو ما يمكن أن يعيش له الإنسان من وراء هذه الدنيا ، أما أن تكون أرحام تدفع ، وأرض تبلع ، وما بين هذا وذاك ملعب ومرتع … !!
الخطر الثالث : تناقض القيم :
تناقض القيم التي يعيشون فيها والتي يعيشون معها ، فبين قيم الأمس والماضي ، وعادات وتقاليد الآباء والأجداد ، والتي استقيت من الإسلام وشرائعه ، وبين القيم المعاصرة ، وبين قيم الحضارة المعاصرة الواردة إلينا وما فيها من تناقض ، مع ما ألفناه وورثناه ، يعيش شبابنا التناقض بين هذا وذاك ، ولا يرشدون إلى اختيار الأوفق والأولى لهم ، فضلاً عن أن يكون هو دينهم ، لا يرشدون إلى ذلك ؛ إنما يتركون لشهواتهم التي تحركهم لتختار لهم ، وما عسى أن تختار لهم شهواتهم إلا التردي ، وما عسى أن تختار لهم شهواتهم إلاّ الانتكاس إلى البهيمية والحيوانية ، يتركون من غير ما بصيرة ولا ترشيد ، الحبل على الغارب ، والشباب ـ إلا من رحم الله وعصم ـ أحيط بكل أسباب الغواية ووسائلها ، وبكل أسباب التردي والانتكاس الخلقي والفكري ، فلا يليق ولا يستقيم أن تكون عقول أبناء الأمة آنية مفتوحة لتسقط فيها زبالات الحضارة المعاصرة اليوم ، ولتستقبل كل ما ورد إليها دون تصفية ؛ بحجة الحرية والانفتاح على العالم وثقافته وأفكاره ، فتترك عقول أبنائنا مفتوحة لثقافة الدش ، والكيبل ، والإنترنت والصحافة المضللة ، والمجلات المستوردة ، والأفكار الباطلة ، لا يليق ذلك بأمة دينها الإسلام ، وكتابها القرآن ، ونبيها محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
الخطر الرابع : مشكلة الفراغ :
ذلك لأنه لا هوية ، ولا انتماء ، ولا هدف يسعى إليه الشباب والمراهقون ، وبين قيم متناقضة ووسائل غواية مهلكة ، يعيش الشباب بلا شك فراغـًا ، ولا يبقى الفراغ فراغـًا ؛ إنما يكون مقتلة بعد ذلك عظيمة ، ولا يبقى الفراغ فراغـًا ؛ إنما لابد سيملأ ويشغل بالباطل ، سيبحث المراهقون عن النجوم في مجالات الفن والرياضة والموسيقى والغناء .
سوف تعج بهم الأسواق ، وتمتلئ بهم النواصي والطرقات .
سوف تجدهم في المقاهي ، في السينما ، أمام الكيبل … إلخ .
ونفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل
ذلك الفراغ القاتل الذي هو نتيجة تلك الأسباب التي مضت ؛ بلا شك عامل من عوامل
الانحراف والهدم لكل خير يوجد في هؤلاء الشباب ، ولكل وازع من دين أو خلق .


الأسس النفسية لإرشاد المراهق
تمهيد :
يضع علم النفس الحديث مجموعة من الأسس والقواعد النفسية أو السيكولوجية التي تحكم إرشادنا للأفراد، وتوجه هذا الإرشاد بحيث يؤتي ثماره المرجوة بأقل جهد ممكن وفي أقصر وقت.
وأول ما يتبادر إلى الذهن هو تحديد مفهوم عملية الإرشاد النفسي - PSYCHOLOGICAL COUNSELING التي يعتمد عليها في علاج مشكلات المراهقين وفي الوقاية من الإصابة بها.
الإرشاد لغة : من (رشد) ، والرشاد ضد الغي، تقول رشد، يَرْشُد، وأرشده الله تعالى ، والطريق الأرشد ، وأرشد يرشد إرشاداً . والرُّشد هو الصلاح - ضد الغي والضلال - أي تحقيق الصواب، والفاعل منه: راشد ومُرشد.
ومؤدى ذلك أن الإرشاد معناه الوصول إلى الرشاد أو الصلاح أو السداد أو السواء، وبذلك يشير اللفظ إلى تقديم العون والمساعدة والنصح والتوجيه وتغيير السلوك وتعديله ، وتعليم الفرد أنماطاً سلوكية جديدة ، وتخليصه من العادات السلبية وتوعيته بالأساليب السليمة ، بغية تخليصه مما يعانيه من المشكلات والأزمات ، أو إرشاده إلى الطريق الصواب ، وإبعاده عن طريق الضلال أو الغي أو الطغيان أو الفساد والانحراف، أو المعاناة من الأمراض والأزمات النفسية الخفيفة نسبياً . ذلك لأن المشكلات النفسية الصعبة تحتاج إلى العلاج النفسي، ولا يكفي معها الإرشاد.
وللإرشاد النفسي تعريفات كثيرة تختلف باختلاف بؤرة اهتمام المرشد ،
- ولكن بوجه عام - تستطيع أن تقول إنه : تلك العمليات التي تستهدف مساعدة الفرد على حل مشكلاته، ومن ثم حسن استغلال طاقاته وإمكاناته وقدراته واستعداداته وميوله ، واستخدامها استخداماً صحيحاً . وبذلك يؤدي الإرشاد النفسي إلى مزيد من تكيف الفرد مع نفسه ومع المجتمع الذي يعيش في وسطه. ويقوم بهذه العملية شخص مؤهل تأهيلاً علمياً ومهنياً هو المرشد . وتتطلب هذه العملية أن تقوم علاقة بين المرشد وبين العميل - أي الشخص الذي نقدم له العون والمساعدة - قوام هذه العلاقة الثقة المتبادلة والتعاون .
ويساعد الإرشاد الفرد على فهم نفسه فهماً حقيقياً وموضوعيّاً ، وعلى إقامة علاقات طيبة وإيجابية مع غيره من الناس . ومعنى ذلك أن الإرشاد في جوهره ، عملية تعليم وتعلم ، وإن كان تعلماً اجتماعياً.
والمعروف أن التعلم هو : تغير يطرأ على سلوك الكائن الحي، أو هو تعديل في السلوك يحدث نتيجة المران والتدريب والخبرة والممارسة، فهو المجهود الذاتي الذي يبذله الفرد لكي يتعلم، أما التعليم فهو النشاط الذي يبذله المعلم .
الأصول الإسلامية للإرشاد النفسي:
وعلى الرغم من ادعاء الغرب أن الإرشاد النفسي من منجزاته إلا أن لهذه العملية أصولها الإسلامية ، فللإسلام فضل السبق على حضارة الغرب في هذا المضمار . فإذا كانت عملية الإرشاد - في جوهرها - عبارة عن مساعدة الفرد عن طريق إسداء النصح وتقديم المشورة، فلقد قام إسلامنا الحنيف على أساس من العديد من المبادئ الإنسانية من بينها مبدأ النصيحة إلى الحد الذي جعلنا نصف ديننا الإسلامي بالقول بأن [ الدين النصيحة ] [رواه البخاري ومسلم ] .
وفي الأثر أن المسلم مدعو لتقديم النصح لأخيه المسلم إذا استنصحه، أي إذا طلب منه النصح ، والتراث الإسلامي الأغر حافل بكل ما يوجه الإنسان ويرشده ، وينوره ، ويوقظ ضميره ، ووعيه ، وإدراكه ،ويقدم له الأدلة والشواهد والبراهين، ويساعده على الاقتناع والإيمان .
وفي القرآن الكريم آيات الترغيب والترهيب ، وهي ليست إلا ضرباً من ضروب النصح والتوجيه والإرشاد والوعظ والإنذار، كذلك فإن اتباع الشريعة الإسلامية في حد ذاته ضرب من توجيه سلوك الفرد توجيهاً صحيحاً ، فالإسلام يرشد أصحابه ، ويوجههم ، وينصحهم ، وينظم لهم حياتهم الفردية والأسرية والجماعية والعقائدية والاقتصادية والعملية، وعلاقاتهم بغيرهم من الأمم ، وينظم شؤونهم الأسرية والسياسية .
والدروس الدينية والخطب المنبرية والبرامج الدينية وما إليها ليست في الحقيقة سوى إرشاد للناس إلى سواء السبيل، وللتخلص من مشكلاتهم وآلامهم، والاستفادة من نعم الله عليهم ، والاهتداء إلى سواء السبيل ، والإيمان بالله تعالى وبرسوله العظيم.
ولقد كان المسلمون عبر الأجيال المختلفة ، إذا ألمت بالواحد منهم مشكلة ما يذهب إلى إمامه يستوضحه الأمر ، ويطلب منه النصح والمشورة ، ويتعرف منه على حكم الشرع في مشكلته ، وما يزال هذا المنهج سائداً كما يحدث الآن ويذهب المواطن إلى المرشد النفسي يسأله النصيحة، والمساعدة لحل مشكلاته، فالإرشاد النفسي ليس غريباً عن المناخ الإسلامي بل إن أصوله نابعة من تراثنا الخالد الذي شمل -بحق- كل جوانب المعرفة الإنسانية من علوم وفنون وفلسفة وآداب وعمارة..إلخ.
أليست الدعوة لتعلم القراءة والكتابة ضرباً من الإرشاد ، والتوجيه لتنمية قدرات المسلم وخبراته ومعارفه : ( اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علق* اقرأ وربك الأكرم * الذي علم بالقلم * علم الإنسان ما لم يعلم ) . [العلق: 1-5] .
ويهتم الإسلام بتعليم أبنائه القرآن الكريم ، ومن خلال هذا الدستور العظيم يتم الإرشاد الخلقي والروحي والاجتماعي والإيماني والنفسي والقلبي للمسلم ، ولم تكن مهمة المعلم قاصرة على تعليم القراءة والكتابة ، بل تعليم الآداب والسلوك المهذب ، ولذلك كثيراً ما كانت تطلق كلمة "مؤدب الصبية" لتترادف مع كلمة "معلم الصبية"، مشيرة إلى دور المعلم في توجيه أبنائه وإرشادهم، وتهذيب خلقهم وسلوكهم . وليس ذلك بمستغرب على الإسلام الذي اهتم بالطفولة ، واعتبر الأولاد زينة الحياة الدنيا : ( المال والبنونَ زينة الحياة الدنيا ) . [الكهف: 46] .
ومن وجوه الإرشاد الإسلامي الدعوة لإقامة العلاقات الأسرية على أساس من الحب والعطف والمودة والرحمة والسكينة: ( ومن آياته أنْ خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة ) . [الروم: 21].
ومن وجوه إرشاد الأب أن يحسن لأسرته، كما جاء في هدي رسولنا الكريم [ خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي ] رواه الترمذي .
وليست الدعوة للتوسط والاعتدال سوى ضرب من ضروب الإرشاد للأمة الإسلامية لتكون وسطاً ، فلا إفراط ولا تفريط في شتى مظاهر الحياة، ولا إسراف ولا تقتير.
ولقد وردت معاني الرشد والإرشاد في مواضع كثيرة من القرآن الكريم، كما في قوله تعالى: ( فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون ) البقرة: 186 وفي استعمال الرشد في مقابل الغي يقول الله سبحانه : ( لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) البقرة: 256.
ومبدأ عدم القسر أو الإكراه من مبادئ الإرشاد السليم ، حيث يؤمن الإنسان بالفكرة أو بالعقيدة عن اقتناع ورضًى، وليس نتيجة للقسر أو القهر أو الإكراه.
وفي هذا المعنى يقول القرآن الكريم أيضاً: ( إنا سمعنا قرآناً عجباً * يهدي إلى الرشد فآمنا به ) الجن 1-2 . وقوله تعالى: ( فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم ) [ النساء: 6 ] وقوله تعالى : ( ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشداً ) الكهف: 10 كما ترد كلمة "الراشدون" في قوله تعالى: (أولئك هم الراشدون) . الحجرات:7
وكذلك لفظة " رشيد " في قوله تعالى على لسان لوط عليه السلام: ( فاتقوا الله ولا تُخزونِ في ضيفي أليس منكم رجل رشيد) . هود: 78 . وترد كلمة "مرشد" في هذه الآية الكريمة : ( ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً ) . الكهف:17 . فالرشد يعني الاهتداء إلى طريق الحق .
قدرة المراهق على الإسهام في حل مشكلاته :
ويقوم الإرشاد النفسي في مرحلة المراهقة على أساس اعتقاد المرشد النفسي COUNSELOR في قدرة المراهق على الإسهام في حل المشكلات التي يعاني منها،وذلك بسبب ما وصل إليه من النضج العقلي والنفسي والجسمي والاجتماعي ويستطيع المراهق أن يحل مشكلاته، وأن يحقق ذاته، إذا ساعدناه في فهم ذاته وفي فهم مشكلاته فهماً صحيحاً .
ومن المشكلات التي تعرض في أغلب الأحيان على المرشد النفسي: مشكلة اختيار المهنة أو الدراسة المناسبة للمراهق ، ومشكلة العجز عن التكيف مع جماعة الأقران أو الأنداد، والرغبة في تغيير المراهق للمجتمع أو الانخراط فيه، وإيجاد مكان له فيه، والتخلص من التوترات الجنسية، والسعي لإيجاد علاقات طيبة مع الأسرة ، إلى جانب مشكلات التأخر الدراسي أو الضعف الدراسي، ومشكلة كراهيةالمدرسة والهروب منها، والشعور بالضياع في عالم مترامي الأطراف ، ومشكلة الشك في القيم القديمة، التي تلقاها وهو طفل وقبلها عن طيب خاطر .
وباعتبار مرحلة المراهقة مرحلة انتقال ، فإن المراهق لا يتسم بالصبر حتى تتم معالجته، ولكن يريد حلاً آنياً في الحال، ولذلك قد لا يواظب أو يداوم على متابعة المعالجة.
كذلك فمن المشكلات الشائعة في المراهقة وجود صراعات بين قيم الطفولة وقيم الرجولة وصراع بين الرغبة في الإشباع الآني أو المباشر لدوافعه والإشباع المؤجل . والمعروف أن الصراع حالة نفسية تتجاذب فيها الإنسان أهداف متعارضة إذا حقق أحدها تعذر عليه تحقيق الهدف الآخر. ويستطيع المرشد أن يوجه المراهق للاختيار الموضوعي الصائب.
ومن الخصائص النفسية للمراهق أنه يسعى للحصول على المساعدة من زملاء في مثل سنه أكثر من سعيه للحصول عليها من الكبار عامة. ويتأثر المراهق في ذلك باتجاهه العام نحو مجتمع الكبار، ويمكن استغلال ذلك في حل مشكلاته عن طريق مساعدة الجماعة التي ينتمي إليها، وفي كثير من الأحيان، تتطلب عملية الإرشاد مقابلة آباء المراهقين أنفسهم لإرشادهم، وتعريفهم بحقيقة مرحلة النمو التي يمر بها المراهق وخصائصها بحيث يتأكدون من أن سلوك التمرد أو العصيان إنما هو جزء من النمو في هذه المرحلة. كما يساعد الآباء لتفهم حقيقة رغبة المراهق في الاستقلال عن الأسرة، بأنها رغبة طبيعية. ومن شأن هذا الإرشاد أن يساعد كلاً من المراهق ووالده على حد سواء.
ومن شروط الإرشاد الجيد : ألا نكلف المراهق ما لا طاقة له به، لأن تكليفه بأعباء فوق طاقته تزيد حالته سوءًا، ولذلك ينبغي مراعاة قدرات المراهق وإمكاناته، بحيث يقع الإرشاد في نطاق قدراته الطبيعية وخبراته.
على المرشد أن يراعي مبدأ الفروق الفردية بين المراهقين، فليس جميع المراهقين نسخة واحدة، وإنما يختلفون فيما بينهم في كمية ما يمتلكون من الذكاء العام والقدرات والاستعدادات، والميول، والسمات، الشخصية، والظروف الاجتماعية والاقتصادية، وفي كيفية استخدامهم لذلك كله.
والمرشد الجيد يقيم علاقة ودية دافئة قوامها الثقة المتبادلة والاحترام بينه وبين المراهق، حتى تساعد هذه العلاقة أو تلك الرابطة العاطفية على إفصاح المراهق عما يجول في صدره من أسرار أو خبايا.
ولا بد أن يفهم المراهق أن المرشد يستهدف مساعدته، والأخذ بيده، وأنه يختلف عن رجال السلطة أو الإدارة.
ومن مبادئ الإرشاد الجيد مبدأ التدرج في سير خطوات المعالجة أو في العملية الإرشادية، فلا يصح أن تكون طفرية أو فجائية، ولكن لا بد من التسلسل والتدرج من مطلب إلى آخر، أو من مشكلة فرعية إلى أخرى، أو من خطوة إلى أخرى.
وتتطلب العملية إجراء تشخيص دقيق للحالة قبل علاجها، وذلك بالاعتماد على الوسائل الموضوعية الدقيقة في جمع المعلومات، كالاختبارات، والمقاييس والمقابلات، ودراسة تاريخ الحالة..الخ.





قنبلة موقوتة في بيوتنا اسمها المراهقة
المراهقة بركان ينذر بالانفجار في غياب القيم والأصول الإسلامية
تقوم النظرية الإسلامية في التربية على أسس أربعة هي :
تربية الجسم ، وتربية الروح ، وتربية النفس ، وتربية العقل ، وهذه الأسس تتكامل في إخراج نشئ قويم التربية سليم المنهج لا تفترعنه قيمة من القيم ، ولا تتخلف عنه فضيلة من الفضائل ، إذ هذه الأسس الرابعة تنطلق من قيم الإسلام ، و تصدر عن القرآن والسنة ونهج الصحابة والسلف في المحافظة على الفطرة التي فطر الله الناس عليها بلا تبديل ولا تحريف ، فمع التربية الجسمية تبدأ التربية الروحية الإيمانية منذ نعومة الأظفار ـ منذ الثالثة . بتلقين الطفل المبادئ الأولى للعقيدة الإسلامية ( الشهادتين ، والحلال والحرام ، وقراءة القرآن الكريم ، وحب الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام رضي الله عنهم ، والأمر بأداء العبادات ـ منذ السابعة مثلاً ـ ) مما يبني أساساً متيناً لايتزعزع ـ بعد ذلك ـ للحياة الروحية للطفل ويضمن له مستقبلاً راشداً وحياة دينية ـ أو دنيوية ـ مستقرة ، فإذا فُزّع الطفل عن المراهقة استطاع أن يتعامل معها بقدر قد أعدّ له عدته ، ونفس حكيمة تملك زمام أمرها ، وتستطيع أن تتحرى مراكب الصلاح والتقوى ، وأن تثمر الثمرة النافعة الطيبة التي ترجى من وراء التربية الجسمية والروحية والنفسية والعقلية والصحية .
هذا الإجمال الذي قدمنا عن التربية الإسلامية لا يروق لبعض متشدقى العلوم النفسية ، وهذا كلامهم ينطق بانحراف عن السوية وتكييف منحرف للمراهقة ، يقول بعضهم : " إن الموجود إنما يبدأ وجوده الحقيقي كنقيض لهذا الذي ولده ، فصميم وجوده هو أن يتناقض مع الذي ولده وأن يدخل معه في صراع ، وفي هذا ما يحدد اللحظة التي يعي فيها وجوده بشكل مكتمل ، البدني والنفسي جميعاً ، في عالم اكتملت بالدلالة الجنسية أبعاده، ويعي وجوده هذا متناقضاً وفي صراع مع الوجود الذي ولده ، ومن هنا فإن المراهقة هي الميلاد الحقيقي للكائن البشري ، وكل ما يسبقها يعد امتداداً لوجود آخر هو وجود الأبوين ، وجود الجيل السابق ، فوجود الأبوين يواصل الحياة في هذا الكائن الجديد الذي لم يصبح كياناً بعد ، والذي لن يبلغ إلى ذلك إلا في اللحظة التي يعيش فيها وجوده في صورته المكتملة المليئة ، يعيش فيها وحدته الكلية بكل مظاهرها متناقضة مع وجود الأبوين وفي صراع معه " .
وبنظرة سريعة لا تحتاج إلى طول نظر أو تفحص ندرك مدى التكلف الذي يحويه هذا الكلام فهو خليط بين عبارات فلسفية وجمل نفسية وأشتات تربوية ، ولذلك حق للدكتور محمد السيد الزعبلاوي أن يتتبع هذا التناول بتعليق قوى يقول فيه : ( هذا التناول الفلسفي السفسطائي المنحرف لم أعهد له مثيلاً في كل ما قرأت من مؤلفات علم النفس التي تناولت المراهقة بالدراسة والتحليل لنفسية المراهق وسلوكه الشخصي والاجتماعي ).
وهذا التناول بالرغم مما فيه من أباطيل إلا أنه يتفق في بعض جوانبه مع ما سوف نطرحه في هذه الدراسة وهو جانب الصراع والانفجار الذي تنذر المراهقة به صاحبها المراهق ومن حوله ، فالاتفاق في جانب الصراع والانفجار فقط أما عدا ذلك فالكلام مرفوض شكلاً وموضوعاً ، بل هو باطل في بعض جوانبه كأن يجعل الميلاد الحقيقي للكائن البشري هو المراهقة ، ثم يجعل هذا الميلاد يبني على أنقاض الشجرة التي أثمرت هذا الكيان .

المراهقة والنمو البركاني
إن للمراهقة والمراهق نموه المتفجر في عقله وفكره وجسمه وإدراكه وانفعالاته وعجبه وغروره وكبره وسفهه وفتوته وخوفه ورجائه وعواطفه وغير ذلك مما يمكن أن نلخصه إجمالاً في أنواع من النمو البركاني ـ إذا صح التعبير ـ وهي النمو الجسمي ، وفيه نمو الجسم من الداخل فسيولوجياً وهرمونياً وكيماوياً وذهنياً وانفعالياً ، ونموه من الخارج والداخل معاً عضوياً ثم هناك نوع أخر من النمو الاجتماعي ، وفي هذه الفترة يشب الفتى والفتاة عن الطوق يافعين ، ونلحظ أن هذا النمو سريع ومفاجئ فيزداد ويتسع الكتف والصدر لدى البنين ، ويتسع الحوض لدى البنات وهذا النمو السريع يسبب السيطرة على حركاته وانفعاله ولعل ذلك بسبب تأخر النمو العضلي عن نمو العظام ، ونلحظ كذلك النمو الجنسي في فترة المراهقة ، وهي التي تلي مباشرة عملية أو مرحلة البلوغ حيث تبدأ الخصائص الجنسية في الظهور على بناء وتكوين الجسد ، ويتبع ذلك تغيرات في الأجهزة الداخلية مثل القلب ، ونلحظ أخيراً النمو العقلي وهو من أهم أنواع النمو التي يمر بها المراهق .
ويبدو أن الخصائص البركانية المتفجرة المتضاربة التي تكمن في المراهق ( أو المراهقة ) في فترة المراهقة قد عكست تضاربها على الدراسات التي تعنى بالنمو البدني والذهني والنفسي في تلك الحقبة بحيث أنها تكاد لا تتفق على شيء من الأسس للنمو المصاحب لفترة المراهقة ، ولعل الاتفاق الوحيد بين الدراسات هو أن هناك نمواً يحدث لجسد المراهق ، سواء كان هذا النمو طولياً أو عريضاً أو يبدأ بالرأس وينتهي إلى الساقين أو العكس فهذا خلاف عريض الذيول بين الدراسات المعنية بالمراهقة ، وحسبنا أن نقول إن المراهقة ألقت بموادها المتفجرة على كل شيء حتى دارسيها وأنها بحق مرحلة الخرق أو عمر الخرق Gowly age كما سماها ( ج . أ . هادفيك ) في كتابة "الطفولة والمراهقة " ترجمة أحمد شوكة وعدنان خالد ، وهذا الغالب في هذا السن إلا ما رحم الله من الشباب المربين تربية إسلامية عالية فإنهم لا ينطق عليهم مثل هذا الخرق ، ولذلك لا تستغرب أن تقرأ بين سير الصحابة رضوان الله عليهم عن شباب مراهقين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يتحملون حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقرون القرآن ويخرجون للجهاد ويقومون الليل ويصومون النهار ويعبدون الله عز وجل حق عبادته ، من هؤلاء عبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس وعبد الله ابن عمرو بن العاص وغيرهم من شباب الصحابة رضي الله عنهم .
اهتمام الإسلام بالجانب الروحي في مرحلة المراهقة
اهتم الإسلام بالصحة النفسية والروحية والذهنية ، واعتبر أن من أهم مقوماتها التعاون والتراحم والتكافل وغيرها من الأمور التي تجعل المجتمع الإسلامي مجتمعاً قوياً في مجموعه وأفراده ، وفي قصص القرآن الكريم ما يوجه إلى مراهقة منضبطة تمام الانضباط مع وحي الله عز وجل ، ومن المعالم الرشيدة التي تهدى إلى الانضباط في مرحلة المراهقة في ضوء القرآن والسنة ما يلي :
1)الطاعة: وتتمثل هذه الطاعة في طاعة الله عز وجل و طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم وطاعة الوالدين ومن في حكمهما ، وقد أكد القرآن الكريم هذه المعاني في وصية لقمان الحكيم لابنه وهو يعظه قال : " يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم" [ لقمان : 13] ، وهذا تحذير شديد من الشرك ، ثم أكد على الطاعات العملية في وصيته فقال : كما ذكرت الآيات : (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ* وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ* وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) [لقمان 17ـ 19 ] ، ثم إن الأمر بطاعة الله تعالى ورسوله صلى الله شاع في القرآن الكريم من مثل قوله عز وجل : (وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون)[ آل عمران : 132] ، وقوله عز وجل : ( وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين ) [ الأنفال : 1] ، وشاع أيضا في السنة من مثل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عنهما قال " يا غلام احفظ الله يحفظك ، واحفظ الله تجده تجاهك ، إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك بشيء إلا بشيء قد كتبه الله لك ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتب الله عليك ، ورفعت الأقلام وجفت الصحف " رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح ، وحديث الترمذي عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يا بنى إن قدرت أن تصبح وتمسي ليس في قلبك غش لأحد فافعل ، ثم قال لي : يا بني وذلك من سنتي ومن أحيا سنتي فقد أحبني ، ومن أحبني كان معي في الجنة ".
هذه الآيات والأحاديث ترغب في الطاعة وتركز على الجانب العملي في هذه الطاعة كما في وصية لقمان التي تحث على تحقيق التوحيد والحذر من الشرك وإقامة الصلاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصبر وعدم التكبر على الناس وعدم الإقبال على الدنيا والقصد واللين في معاملة الناس ، وهذا كله يدخل في طاعة الله عز وجل ورسوله ، ونلاحظ في الأحاديث التركيز الشديد على توثيق الصلة بالله عز وجل والرضا بقضائه وقدره ، والعناية بالسنة النبوية وإحيائها ، وهذا من أصول التربية الروحية والعملية في الإسلام التي رغب فيها الشباب حتى ينجوا من غائلة الفواحش والوقوع في معصية الله عز وجل .
2)الاقتداء بالصالحين : وعلى رأس من يقتدى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فالاقتداء به واتباع سنته من أصول ديننا الحنيف ، قال الله عز وجل : ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً ) [الأحزاب :21] وفي سيرته صلى الله عليه وسلم ـ خاصة مرحلة الطفولة والمراهقة والشباب ـ ما يوقف الشباب على معالم الاهتداء والطريق الصحيح للوصول إلى الحق ، فقد كانت فترة شبابه وصغره محضناً للعبادة وتوثيق الصلة بالله عز وجل والتزام الفضيلة في كل شيء والبعد عن الرذيلة من كل جانب وهذا قبل البعثة و الوحي ، أما بعد البعثة والوحي فقد اتصلت أصول التربية بأسباب إلهية جعلت من الاقتداء واجباً من واجبات الدين .
ثم الاقتداء بالأنبياء والصالحين ، كما قال الله عز وجل : ( أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده ) [ الأنعام : 90 ] ، ولعل في قصص الأنبياء ومراحل نشأتهم ما يثرى موضوع التربية الروحية للمراهق ، فهذا إسماعيل عليه الصلاة والسلام في صغره ضرب مثلاً رائعاً في الحلم والصبر والطاعة ، وقال عنه القرآن الكريم : ( فبشرنا بغلام حليم ) الصافات :[ 101] ، وقال عن يوسف عليه الصلاة والسلام : (وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) [يوسف:6] ، وقصة إسماعيل الذبيح معروفة ففيها المثال الرائع الذي يضرب في طاعة الوالدين وبرهما إذ قال له أبوه إبراهيم عليه الصلاة والسلام : ( يا بنى إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى ) ؟ فقال الابن بدون روية ولا تلكؤ : " يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين ) [الصافات : 102] ، وقصة يوسف عليه الصلاة والسلام وهي تضرب في العفة والخوف من الله عز وجل وحفظ الأمانة حينما راودته امرأة العزيز عن نفسه فامتنع رغم إصرارها وآثر السجن في النهاية على الوقوع في الفاحشة ومعصية الله عز وجل ، وهي تضرب أيضاً في الصفح والحلم والمحافظة على الرابطة الأسرية حينما قال لإخوته بعدما انكشف جريمتهم معه ، قال : ( قالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) [يوسف:92] وكذلك قصة سيدنا إبراهيم مع أبيه وقصة سيدنا سليمان مع أبيه وقصة سيدنا يحيى وسيدنا عيسى والسيدة مريم عليهم جميعاً سلام من الله عز وجل ، وهي ـ أي هذه القصص ـ تصب في مصب الاقتداء والاعتبار كما قال الله عز وجل : (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ) [يوسف:111] ، ثم في قصص الأئمة والعلماء والصالحين في هذه الأمة ، والأمة غنية بأهل الفضل والعلم والقادة والفاتحين والكبار من أولى الألباب والأبصار .
3 - التعاون والتراحم والتكافل:
وهذا يجعل الفرد في خدمة المجتمع ، ويجعل المجتمع أيضاً في خدمة الفرد ، وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه أحمد في مسنده عن النعمان بن بشير رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " مثل المؤمن كمثل الجسد إذا اشتكى الرجل رأسه تداعى له سائر جسد ه ) صورة شديدة التعبير عن العلاقة الحميمة الوثيقة التي تربط أفراد المجتمع بعضهم ببعض ، وتبين حرص بعضهم على بعض .
على أن القاعدة في هذا الترابط والتعاون والتراحم قد حددتها آيات كثير من كتاب الله عز وجل ، ومنها قوله تعالى : ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) (المائدة:2) ، وقوله تعالى : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً ) (آل عمران:103) ، فالبناء في هذا التعاون على البر والتقوى والاعتصام بدين الله عز وجل وهذا ينتج أفراداً بارَّين متقين متآلفين متدينين وهو ما ترجوه التربية الإسلامية الروحية في غاياتها.
ثمرة وخاتمة:
ونختم حتى لا نطيل بأن للمراهق حاجات بدنية وعقلية وروحية أظن أننا لو اتبعنا سنن الإسلام في التربية البدنية والروحية ـ من مثل ما تقدم معنا ـ فسوف ينشأ الفتى وحاجاته ملباة في إطار من الانضباط وعدم التفلت وبصورة ترضى ولا تخل ، على أننا ينبغي ألا نغفل أن الأسرة هي المحضن الأقرب لتفريخ هذا الزغب الناشئ ، ولذلك ينبغي النظر إلى هذا المحضن حتى نطمئن إلى أن عملية التنشئة تتم في بيئة صالحة ، وهذا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين ، قال : " كل مولود يولد على الفطرة ، فأبواه يهوّدانه أو ينصرانه أو يمجّسانه " يدل على أن للبيئة التي ينشأ فيها الفتى تأثيرًا كبيرًا جداً في تربيته ونشأته ، والشاعر يقول:
وينشأ ناشــئ الفتيــــــــان منا على ما كان عــــــــــوده أبوهويقول الآخر :
إذا كان رب البيت بالدف ضارباً فشيمة أهل البيت كلهم الرقصإن مراعاة القواعد والأصول السابقة سوف يثمر معنا مراهقة حليمة هادئة غير متفجرة ، وباللغة التي عنونّا بها وبدأنا هذه الدراسة نقول إن هذه الأصول من شأن اتباعها أن ينزع فتيل القنبلة الموقوتة التي تضعها المراهقة في بيوتنا.
إن كلا من الأسرة والأبناء يجب أن يعترفوا بوجود هذه المشاكل الطبيعية حتى يستطيع الجميع التكيف معها وان يبذلوا جهدهم ويغيروا سلوكهم حتى يتجنبوا الصدام العنيف والوصول إلى بر الأمان حتى يسود الأسرة جو من المحبة والطمأنينة
وتدل الكثير من الدراسات والبحوث التي أجريت حول مشكلات المراهقة ومعاناة الشباب أن أكثرهم يعانون من فجوة الأجيال التي تتسع تدريجيا والتي يزداد اتساعها يوما بعد يوم ، بين ما يقومون به من أعمال وبين توقعات آبائهم فيما يجب أن يمارسونه فعلا بما يتفق مع معاييرهم الأسرية
وتشير الدراسات إلى أن 95% من الشباب يعانون من مشكلات بالغة يواجهونها عند محاولتهم عبور فجوة الأجيال التي تفصل بين أفكارهم وأفكار آبائهم
وتدل الدراسات أيضا أن أبرز ثلاث مشاكل يعاني منها الشباب في نطاق الأسرة- بناء على نتائج قياس حاجات التوجيه النفسي - مرتبة حسب درجة معاناتهم منها هي :
صعوبة مناقشة مشكلاتهم مع أولياء أمورهم
صعوبة إخبار أولياء أمورهم بما يفعلونه
  مادة إعلانية
  #2  
قديم 25/10/2005, 01:27 PM
صورة عضوية الأمير&
الأمير& الأمير& غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 26/07/2005
الإقامة: قـلـ الحيرة ـب
المشاركات: 3,566
مشكوره حنين علي الموضوع القيم والمهم
والمعاناه التي يعيشها المراهقه
  #3  
قديم 26/10/2005, 09:44 AM
حنين الصمت حنين الصمت غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ الانضمام: 17/03/2000
الإقامة: عمان
المشاركات: 811
العفو أخي الكريم يسعدني مرورك ومشاركتك في الموضوع.
 

أدوات الموضوع البحث في الموضوع
البحث في الموضوع:

بحث متقدم
تقييم هذا الموضوع
تقييم هذا الموضوع:

قواعد المشاركة
ليس بإمكانك إضافة مواضيع جديدة
ليس بإمكانك إضافة ردود
ليس بإمكانك رفع مرفقات
ليس بإمكانك تحرير مشاركاتك

رموز لغة HTML لا تعمل

الانتقال إلى


جميع الأوقات بتوقيت مسقط. الساعة الآن 06:36 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions Inc.
سبلة العرب :: السنة 25، اليوم 126
لا تتحمل إدارة سبلة العرب أي مسئولية حول المواضيع المنشورة لأنها تعبر عن رأي كاتبها.