سبلة العرب
سبلة عُمان الصحيفة الإلكترونية الأسئلة الشائعة التقويم البحث مواضيع اليوم جعل المنتديات كمقروءة

العودة   سبلة العرب > السبلة الدينية > سبلة الدعوة والإعلام

ملاحظات

 
 
أدوات الموضوع البحث في الموضوع تقييم الموضوع
  #1  
قديم 24/09/2006, 04:42 PM
الدرر النهروانية الدرر النهروانية غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ الانضمام: 29/07/2006
الإقامة: في قلب النهروان
المشاركات: 85
Thumbs up الرد على الفتيكان بقلم الشيخ(خميس بن راشد العدوي)

الرد على الفتيكان ستجده هنا
http://www.almajara.com/forums/showthread.php?t=24403:


حفظ الله اسود الاسلام
  مادة إعلانية
  #2  
قديم 24/09/2006, 04:46 PM
بلقيس عمان بلقيس عمان غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ الانضمام: 21/06/2006
المشاركات: 403
جزاك الله خيرااا
  #3  
قديم 25/09/2006, 12:26 PM
*الملكة العمانية* *الملكة العمانية* غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ الانضمام: 10/07/2005
الإقامة: *((المملكةالعربية العمانية)) *
المشاركات: 515
بارك الله فيك اخيه
  #4  
قديم 25/09/2006, 04:19 PM
الدرر النهروانية الدرر النهروانية غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ الانضمام: 29/07/2006
الإقامة: في قلب النهروان
المشاركات: 85
Smile عذرا نظرا لبطىء الموقع احببت ان انقله لكم ولي اجران

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين،
والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين،
وعلى آله وصحبه،
وعلى من تبعه بإحسان إلى يوم الدين.

وبعد؛؛؛

فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

1. عالمية الإسلام:

جاء الإسلام رحمة للعالمين، ولم يقصر رحمته على المؤمنين به، ولا على البشرية وحدها،
وإنما تعدى ذلك فشمل الكائنات قاطبة.

وهذا ما يليق بدين إلهي أنزله رب السموات والأرض، وهو ما ينبغي لرسالة عالمية خالدة.

وعالمية الإسلام لم تفرضها ظروف الحراك التأريخي –كما يزعم بابا الفاتيكان وغيره– التي آل إليها الإسلام طور دعوته زمن الرسول عليه السلام أو بعده من الأزمان،
بل العالمية خصيصة جوهرية شكلت لحمة الإسلام وسداه، ووشيجته التي صُهرت بها كل إرشاداته وتوجيهاته،

وبما أنه هو دين الفطرة الكونية، أصبح لا يمكن أن يتصور إسلام بدون عالمية، ولا عالمية بدون إسلام.

ولسنا هنا بصدد تقرير عالمية الإسلام، فهذا أمر –مع كونه عندنا مسلّمة دينية– فقد أشبع بحثاً في دراسات علمية وبحوث منهجية،
ولكن لا يمنع ذلك من أن نورد بعض الآيات التي قررت عالمية الإسلام من أول نزول القرآن الكريم بمكة المكرمة بصورة مباشرة،
يومً أن كان الإسلام وليداً لم يبزغ، وكرّ عروته الوثقى لم يُفتل، وأتباعه ضعفاء تتخطفهم صقور قريش، تفري أديمهم بمخالبها، وتلطس أجسادهم بجارحات مناقيرها،

آنذاك قال جلَّ شأنه: ((وَمَا هُوَ إِلا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ)) القلم:52،
وقال: ((إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ)) يوسف:104 والتكوير:27،
وقال: ((إِِنْ هُوَ إِلا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ)) الأنعام:90.

يتبع بإذن الله تعالى.....

آخر تحرير بواسطة الرستمي : 30/09/2006 الساعة 10:39 AM
  #5  
قديم 25/09/2006, 04:21 PM
الدرر النهروانية الدرر النهروانية غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ الانضمام: 29/07/2006
الإقامة: في قلب النهروان
المشاركات: 85
2. أصل المشكلة:

إذا كان الإسلام في صميمه عالمياً، فهل صحيح أنه يحاكم الناس في الدنيا على معتقداتهم؛
فيستأصل أرومة من لم يدخل فيه،
بإبادة خضراء الناس وطمس غبرائهم،
فهم إما داخلون فيه، وإما أعداؤه الذين يشن عليهم حربه الماحقة؟.

إن العقل السليم مع الدين الصحيح يحكمان ببطلان ذلك،

ولكن لا نلوم غير المسلمين –قبل أن نلوم أنفسنا– إن نظروا إلى ديننا هذه النظرة العجفاء الهزيلة،
فقد اختلط لديهم فعل المسلمين وفكرهم مع الدين الإلهي السمح،

ففعل المسلمين –وكذلك فكرهم– حكمته الكثير من الأهواء والظروف، فهو له وعليه،

أما دين الله فقد جاء مبرأ من كل عيب، مطهراً من كل نقيصة، متسامياً عن كل غلٍ وغيلة،
إنه لا يسحق الناس بل يهديهم إلى صراط مستقيم،
ولا يحفر لهم في الأرض قبوراً مظلمة، بل ينير لهم عليها طريقاً، ويسهل لهم إلى الحق دروباً،

وهو لا يقطع الصلة بالبشر فهم مادته التي يسري من خلالها إلى الوجود؛ رحمة وهداية ورعاية،

والله فاطر البشر وخالقهم يعلم أن القلب المكره لا يورث إيماناً بل نفاقاً،

والفعل الذي يولّده هذا القلب لا يخرج حُسناً ناهضاً بالكون يزين ردهاته وينير معالمه، وإنما يفرز قبحاً ينتن منه العالَم وشياطين تعيث في الأرض فساداً.

يتبع بإذن الله تعالى.....

آخر تحرير بواسطة الرستمي : 30/09/2006 الساعة 10:40 AM
  #6  
قديم 25/09/2006, 04:22 PM
الدرر النهروانية الدرر النهروانية غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ الانضمام: 29/07/2006
الإقامة: في قلب النهروان
المشاركات: 85
. معضلة الععتقد وحلها الإلهي:
وبالفعل فإن المعتقد معضلة فكرية فشلت كل الفلسفات والنظريات في علاجها،
ولن تفلح في ذلك أبداً،
لأنها مبتوتة الصلة عن خالق الوجود، الرؤوف الرحيم، اللطيف الخبير،

ولم يحلّ هذه المشكلة إلا دين الله تعالى،
فقد حوّل قضية الإيمان برمتها إلى علاقة بين الخلق وخالقهم، فهو من يحاسبهم ويجازيهم، فلا واسطة بينهم من كاهن أو حبر أو شيخ،

وكل ما وضعه الله بين يدي المؤمنين هو علاج العلاقة المتبادلة بين الناس، سواء على المستوى الاجتماعي أو الاقتصادي أو السياسي أو العسكري ونحو ذلك،

أما العلاقة بين الله والناس فقد اختص بها بنفسه يومَ يؤمون بين يديه
((وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً)) الكهف:49.

وهنا لا نريد أن ننثر شعراً يحق للمسلم أن يُؤوِّبَ به مع أغاريد الطير لصدق منزعه وطلاوة منطقه،
وإنما نلج إلى حقائق الوجود التي أنزلها رب الوجود في محكم كتابه العزيز.

ولو أننا سلطنا الضوء على الكائن البشري ككل من خلال شرع الله المنزل؛ لاستطعنا أن نجتلي حقائقه في هذه القضية،
ولتمكنا أن نغيّر وجهة نظرنا لصالح وجودنا الإسلامي في أي بقعة كانت من أرض الله؛ هذا من جهة،
ومن جهة أخرى لصالح الإنسانية المتعطشة لدين الله الحق، الذي لا منجاة لها إلا به.

إن إصلاح التفكير جدير أن تتبعه استقامة التعامل، وأن تحديد موقع الإنسان المسلم من البيئة الإنسانية ذو أهمية بالغة ليتمكن من التفاعل الحضاري السليم والبناء الإيماني القويم.

إننا قد دخلنا في مرحلة زمنية تحوّل فيها الكون المترامي الأطراف إلى قرية صغيرة،
ولكن للأسف تقاربت أقطابها وتنافرت قلوب سكانها،

ولذلك باتت البشرية في أمس الحاجة لما يخرجها من ضيق دنياها إلى سعة دنياها وأخراها،
ولا يكون ذلك إلا بالإصلاح الإسلامي،
ولا يكون هذا الإصلاح إلا بإصلاح منطق أهله الفكري والدعوي.

يتبع بإذن الله تعالى.....

آخر تحرير بواسطة الرستمي : 30/09/2006 الساعة 10:41 AM
  #7  
قديم 25/09/2006, 04:23 PM
الدرر النهروانية الدرر النهروانية غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ الانضمام: 29/07/2006
الإقامة: في قلب النهروان
المشاركات: 85
. الله رب الوجود أجمع وخالقه:

إذا كان إنكار وجود الله تعالى يجعل الإنسان مادياً بهيمياً، لا قوة قاهرة –حسب معتقد الدهريين الأيّف– تردعه، وإنما يتحول إلى نار حمراء محرقة يأتي لهيبها على الطارف والتليد، ويأكل لظاها الأخضر واليابس،

وما أمر الشيوعية الماركسية عنا ببعيد،

إذا كان إنكار وجود الله كذلك؛
فإن البشرية عبر وجودها السحيق قد عانت من ويلات الوثنية بمختلف صورها وشتى أوضارها،

فهام الإنسان على وجهه تتمزقه الوثنية أشلاء ممزعة، لا يكاد يستبين عقله صفاء رؤية، ولا يرسو فعله عند شاطئ أمان، فيُصنف الإنسان حسب ولائه للآلهة المزعومة.

وأما الدين الحق فقد جاء ليقرّ في الإنسانية وحدانية الله جلَّ وعلا، وهذا يعني توحد الإنسان في توجهه إلى خالق واحد فرد صمد، لا ثاني له ولا ثالث ولا عدد،

فالكون ربه واحد هو الله ((رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ)) الصافات:5،
والناس ربهم الواحد الأحد نفسه ((لا إِلَهَ إِلا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأَوَّلِينَ)) الدخان:8،
ورب الناس هو رب الكون، قال تعالى: ((قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ)) الانبياء:56.

فالمؤمن ربه الله وكذلك الكافر، فالله خلق الاثنين، وهداهما النجدين، ((إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً)) الانسان:3،

وجعل جزاء الناس على معتقدهم يوم يقفون أمامه سبحانه وتعالى
((وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً، اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً)) الإسراء:13–14.

إن هذه العقيدة الصافية تجعل الإنسان يلقي بكل وجوده بين يدي معبوده، فلا يهاب أحداً سواه، ولا يطمع في غيره،

فإن أقبل أقبل إليه ليجد عنده جنة عرضها السموات والأرض،
وإن أدبر أدبر عنه ليصلى –والعياذ بالله– ناراً سعيراً جزاء ما اقترفت يداه.

إن هذه العقيدة النقية السمحة ترفض أن تحيل أمر الإيمان إلى البشر، ليفتحوا لمن خالفهم في معتقدهم محاكم تفتيش أو جمعيات إبادة أو جماعات قتل وتصفية جسدية،
كما فعل سدنة النصرانية ذلك ردحاً من الزمن مع من خالفهم، ولنا هنا أن نتذكر محاكم تفتيش الأندلس، ومعاقبة رجال العلم كجاليلو، و"طرق التعميد" في أمريكا عند بداية استعمارها الغربي.

يتبع بإذن الله تعالى.....

آخر تحرير بواسطة الرستمي : 30/09/2006 الساعة 10:42 AM
  #8  
قديم 25/09/2006, 04:24 PM
الدرر النهروانية الدرر النهروانية غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ الانضمام: 29/07/2006
الإقامة: في قلب النهروان
المشاركات: 85
. الإنسان خليفة الله في الأرض:

يتميز الإسلام بوضوح الرؤية في نسب الإنسان، فالناس كلهم من آدم، وآدم من تراب،

فلا عنصرية تتمزق بها الأعراق الإنسانية، ولا قومية تهلك الحرث والنسل،
قال الله تعالى: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)) الحجرات:13.
والإنسان مؤمنه وكافره من آدم عليه السلام، الذي جعله الله خليفة في الأرض،

ومن حق أبناء آدم جميعهم أن يمارسوا خلافتهم على الأرض،
وكل واحد منهم مسؤول عن ممارساته في الحياة،
ولا يجوز لهم أن يسفك بعضهم دم بعض لاختلاف المعتقد،

إن من تستقر في قلبه آيات بدء الخليقة الإنسانية لا يجد بداً من التسليم للمنهج الإلهي الذي جعل سائر الكائنات ومنها الملائكة تسجد لهذا الإنسان الذي سيخطئ ويغوى، وسيخرج من ضئضئه من يخطئ ويغوى،

ولكن كلمات الله كفيلة بأن ترد البشرية إلى الدين الحق، لو استطاع المؤمنون به عرضه بصفائه ونقائه، لا بأهوائهم وغرائزهم المتركبة على الإفساد في الأرض وسفك الدماء،

دعونا نقرأ هذه الحقائق من كتاب الله المسطور، وهي حقائق منبثة في ذرات الوجود،
قال تعالى:
((وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً
قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ
قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ،
وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ
فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ،
قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ،
قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ
فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ
قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ،
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ
فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ،
وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ،
فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ
وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ،
فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ،
قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعاً
فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ،
وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)) البقرة:30–39.

إن هذه الآيات الكريمة تسلمنا في تسلسل منطقي محكم إلى النتائج التالية:

 الله تعالى هو خالق جنس الإنسان؛ مؤمنه وكافره.

 وهذا الجنس جعله الله خليفة له في الأرض، مع التمايز بين أفراده في كل شيء، ومن ذلك اختلافهم في المعتقد، وهو من الابتلاء الذي تولى الله وحده الجزاء عليه،
ولذلك قال تعالى:
((وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ)) الأنعام:165.

 يصدر من الجنس الإنساني الإفساد في الأرض وسفك الدماء، كما يصدر منه الخير والإيمان.

 ليس بالإيمان المحض وحده يُعمر الكون، فالملائكة تسبح الله وتقدسه، وإنما الفعل الإنساني الحر المتركب على قانون التدافع بين الخير والشر ذو أثر في ذلك،
قال تعالى: ((وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ)) البقرة:251.

 الجنس الإنساني لديه قابلية للتعلم لا يملكها أي كائن آخر؛ حتى الملائكة.

 الله تعالى أمر الملائكة وكائنات غيرها بالسجود لآدم أب الجنس الإنساني.

 من رفض السجود للإنسان وهو إبليس عوقب بالحرمان من نعيم الآخرة.

 آدم –هو وزوجه– قبل نسله الإنساني اتبع الشيطان، وعوقب بالخروج من "الجنة".

 "الشجرة" التي أكل منها آدم وزوجه هي رمز الظلم المحرّم، وبذلك يتبين أن الإنسان إن ظلم غيره فعاقبته وخيمة ومآله الخسران، فالإنسان مع بداية خلقه نبّه تكوينياً على رفض الظلم وخطورة الوقوع فيه.

 كما أن للإنسان قابلية التعلم لإعمار الكون فلديه أيضاً قابلية لإدراك كلمات الله وشرائعه.

 الأرض هي مستقر الجنس الإنساني مؤمنه وكافره، وهو حق منحه إياه رب السموات والأرض وليس لأحد أن يصادره عليه، رغم استحكام العداوة بين أفراده.

 في قضية الإيمان العقوبة أخروية؛ فمن يتبع شرع الله فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون، ومن يصدف عنه فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون.

 لا مكان للعقوبة الدنيوية بين الناس على أساس المعتقد.

هذه هي بداية الخليقة في كتاب الله تعالى،
وليس الأكل من "شجرة المعرفة"، والتي حرّمت على الناس العلم، كما هو حاصل في اليهودية وربيبتها النصرانية، حيث جاء في التوارة؛ سفر التكوين:
{1 فأكملت السموات والارض وكل جندها.
2 وفرغ الله في اليوم السابع من عمله الذي عمل. فاستراح في اليوم السابع من جميع عمله الذي عمل.
3 وبارك الله اليوم السابع وقدسه. لأنه فيه استراح من جميع عمله الذي عمل الله خالقا
4 هذه مبادئ السموات والارض حين خلقت. يوم عمل الرب الاله الارض والسموات
5 كل شجر البرية لم يكن بعد في الارض وكل عشب البرية لم ينبت بعد.لان الرب الاله لم يكن قد امطر على الارض.ولا كان انسان ليعمل الارض.
6 ثم كان ضباب يطلع من الارض ويسقي كل وجه الارض.
7 وجبل الرب الاله آدم ترابا من الارض.ونفخ في انفه نسمة حياة.فصار آدم نفسا حيّة.
8 وغرس الرب الاله جنّة في عدن شرقا.ووضع هناك آدم الذي جبله.
9 وأنبت الرب الاله من الارض كل شجرة شهية للنظر وجيدة للأكل.وشجرة الحياة في وسط الجنة وشجرة معرفة الخير والشر.
10 وكان نهر يخرج من عدن ليسقي الجنة.ومن هناك ينقسم فيصير اربعة رؤوس.
11 اسم الواحد فيشون.وهو المحيط بجميع ارض الحويلة حيث الذهب.
12 وذهب تلك الارض جيد.هناك المقل وحجر الجزع.
13 واسم النهر الثاني جيحون.وهو المحيط بجميع ارض كوش.
14 واسم النهر الثالث حدّاقل.وهو الجاري شرقي اشور.والنهر الرابع الفرات
15 وأخذ الرب الاله آدم ووضعه في جنة عدن ليعملها ويحفظها.
16 واوصى الرب الاله آدم قائلا من جميع شجر الجنة تأكل اكلا.
17 واما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها.لانك يوم تأكل منها موتا تموت.
18 وقال الرب الاله ليس جيدا ان يكون آدم وحده. فاصنع له معينا نظيره.
19 وجبل الرب الاله من الارض كل حيوانات البرية وكل طيور السماء.فاحضرها الى آدم ليرى ماذا يدعوها.وكل ما دعا به آدم ذات نفس حية فهو اسمها.
20 فدعا آدم باسماء جميع البهائم وطيور السماء وجميع حيوانات البرية.واما لنفسه فلم يجد معينا نظيره.
21 فاوقع الرب الاله سباتا على آدم فنام. فأخذ واحدة من اضلاعه وملأ مكانها لحما.
22 وبنى الرب الاله الضلع التي اخذها من آدم امرأة واحضرها الى آدم.
23 فقال آدم هذه الآن عظم من عظامي ولحم من لحمي.هذه تدعى امرأة لانها من امرء اخذت.
24 لذلك يترك الرجل اباه وامه ويلتصق بامرأته ويكونان جسدا واحدا.
25 وكانا كلاهما عريانين آدم وامرأته وهما لا يخجلان}.
وتواصل التوراة مثيولوجيا بداية الخلق بكل "علم وإيمان"!، (كما يرى ذلك بابا الفاتيكان):
{1 وكانت الحيّة أحيل جميع حيوانات البرية التي عملها الرب الاله.فقالت للمرأة أحقا قال الله لا تأكلا من كل شجر الجنة.
2 فقالت المرأة للحيّة من ثمر شجر الجنة نأكل.
3 واما ثمر الشجرة التي في وسط الجنة فقال الله لا تأكلا منه ولا تمسّاه لئلا تموتا.
4 فقالت الحيّة للمرأة لن تموتا.
5 بل الله عالم انه يوم تأكلان منه تنفتح اعينكما وتكونان كالله عارفين الخير والشر.
6 فرأت المرأة ان الشجرة جيدة للأكل وانها بهجة للعيون وان الشجرة شهيّة للنظر.فأخذت من ثمرها واكلت واعطت رجلها ايضا معها فأكل.
7 فانفتحت اعينهما وعلما انهما عريانان.فخاطا اوراق تين وصنعا لانفسهما مآزر
8 وسمعا صوت الرب الاله ماشيا في الجنة عند هبوب ريح النهار. فاختبأ آدم وامرأته من وجه الرب الاله في وسط شجر الجنة.
9 فنادى الرب الاله آدم وقال له اين انت.
10 فقال سمعت صوتك في الجنة فخشيت لاني عريان فاختبأت.
11 فقال من اعلمك انك عريان.هل اكلت من الشجرة التي اوصيتك ان لا تأكل منها.
12 فقال آدم المرأة التي جعلتها معي هي اعطتني من الشجرة فأكلت.
13 فقال الرب الاله للمرأة ما هذا الذي فعلت.فقالت المرأة الحيّة غرّتني فاكلت.
14 فقال الرب الاله للحيّة لانك فعلت هذا ملعونة انت من جميع البهائم ومن جميع وحوش البرية.على بطنك تسعين وترابا تأكلين كل ايام حياتك.
15 واضع عداوة بينك وبين المرأة وبين نسلك ونسلها.هو يسحق راسك وانت تسحقين عقبه.
16 وقال للمرأة تكثيرا اكثر اتعاب حبلك.بالوجع تلدين اولادا.والى رجلك يكون اشتياقك وهو يسود عليك.
17 وقال لآدم لانك سمعت لقول امرأتك وأكلت من الشجرة التي اوصيتك قائلا لا تأكل منها ملعونة الارض بسببك.بالتعب تأكل منها كل ايام حياتك.
18 وشوكا وحسكا تنبت لك وتأكل عشب الحقل.
19 بعرق وجهك تأكل خبزا حتى تعود الى الارض التي أخذت منها.لانك تراب والى تراب تعود
20 ودعا آدم اسم امرأته حوّاء لانها ام كل حيّ.
21 وصنع الرب الاله لآدم وامرأته اقمصة من جلد والبسهما
22 وقال الرب الاله هوذا الانسان قد صار كواحد منا عارفا الخير والشر.والآن لعله يمد يده ويأخذ من شجرة الحياة ايضا ويأكل ويحيا الى الابد.
23 فاخرجه الرب الاله من جنة عدن ليعمل الارض التي أخذ منها.
24 فطرد الانسان واقام شرقي جنة عدن الكروبيم ولهيب سيف متقلب لحراسة طريق شجرة الحياة}.

يتبع بإذن الله تعالى.....
  #9  
قديم 25/09/2006, 04:27 PM
الدرر النهروانية الدرر النهروانية غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ الانضمام: 29/07/2006
الإقامة: في قلب النهروان
المشاركات: 85
الاختان بلقس عمان والملكة العمانية بارك الله فيكما

واشكرالمشرفين المثابرين على تثبيت الموضوع


جعل رمضان عليكم من افضل الشهور تقضونه بالطاعات ولابتعاد عن المعاصي
وبارك الله في شيخنا العدوي وكل شيوخ الاسلام الذين كرسوه جهودهم للدفاع عن حياضه
  #10  
قديم 27/09/2006, 10:29 AM
صورة عضوية غصون الورد
غصون الورد غصون الورد غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ الانضمام: 18/04/2006
الإقامة: في عيون المها
المشاركات: 302
جزاكم الله خيرا..
  #11  
قديم 27/09/2006, 07:19 PM
الدرر النهروانية الدرر النهروانية غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ الانضمام: 29/07/2006
الإقامة: في قلب النهروان
المشاركات: 85
Post ويقول الشيخ العدوي

7. العقوبة على المعتقد هي خطأ ابن آدم الأول:

إن الذي يسعى إلى مصادرة عقيدة الآخرين بدون قناعة من العقل وتسليم من الضمير واستكانة حرة لرب العالمين؛ ما هو إلا إنسان بعيد عن الهدي الإلهي والرشد الإنساني،

وهذا أمر وقعت فيه الإنسانية منذ مبتدأ أمرها،
وللأسف الشديد لا زالت تتنكب الصراط المستقيم وتستنكف عن الاستفادة من تجاربها،
وتتوالى خيباتها الفادحة في تصفية الآخرين بحسب معتقدهم،
وكأن من يفعل ذلك هو إله الكون دون إلهه الحقيقي سبحانه وتعالى،

وقد حكى الله تعالى لنا في محكم كتابه العزيز تلك المحاورة الخطيرة التي وقعت بين ابني آدم في شأن المعتقد، والتي على إثرها كتب حكمه في شرائعه أن قتل النفس الواحدة كقتل الناس جميعاً،

قال سبحانه وتعالى: ((وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ
إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ
قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ
قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ،
لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ،
إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ،
فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ،
فَبَعَثَ اللهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ
قَالَ يَا وَيْلَتَى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي
فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ)) المائدة:27–31.

فها هو ابن آدم الغاشم يريد أن يصفي أخاه جسدياً لأنه قد تُقبل من أخيه قربانه –والقربان هو قربان إلى الله، أي أنه أمر عقدي– ولم يتقبل منه هو،

فما جواب الأخ المستنير بنور الله، السالك مسالك الحق، قال له:
أما أنا فلا أرد عليك، وإنما أترك ذلك إلى الله تعالى،

مع أن الله شرّع لخلقه رد الظلم الواقع عليهم، ولكن في ذلك درساً عميقاً مهماً للإنسانية، وعليها أن تنتبه له وتأخذ العبر منه.

وبيّن الله تعالى بعد ذلك أن القتل لا يكون إلا قبالة قتل نفس أو فساد في الأرض،
فقال تعالى: ((مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً
وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً
وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ)) المائدة:32.

وإذا كان هذا حكم الله تعالى في التوراة فإن حكمه في الكتاب الخاتم لم يختلف أبداً،
بل تُركت للمفسد المحارب فرصة المراجعة والأوبة وإصلاح أمره في الحياة، فيما لو رجع إلى الله قبل القدرة عليه،
حيث قال تعالى: ((إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً
أَنْ يُقَتَّلُوا
أَوْ يُصَلَّبُوا
أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ
أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ
ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ،
إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)) المائدة:33–34.

فهل بعد كل هذا يمكن أن يوصف الإسلام بأنه يكره الناس على الإيمان به؟!.

نترك الجواب لبابا الفاتيكان ولغيره ممن يقول قوله.
  #12  
قديم 27/09/2006, 07:19 PM
الدرر النهروانية الدرر النهروانية غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ الانضمام: 29/07/2006
الإقامة: في قلب النهروان
المشاركات: 85
Post ويقول الشيخ العدوي

7. العقوبة على المعتقد هي خطأ ابن آدم الأول:

إن الذي يسعى إلى مصادرة عقيدة الآخرين بدون قناعة من العقل وتسليم من الضمير واستكانة حرة لرب العالمين؛ ما هو إلا إنسان بعيد عن الهدي الإلهي والرشد الإنساني،

وهذا أمر وقعت فيه الإنسانية منذ مبتدأ أمرها،
وللأسف الشديد لا زالت تتنكب الصراط المستقيم وتستنكف عن الاستفادة من تجاربها،
وتتوالى خيباتها الفادحة في تصفية الآخرين بحسب معتقدهم،
وكأن من يفعل ذلك هو إله الكون دون إلهه الحقيقي سبحانه وتعالى،

وقد حكى الله تعالى لنا في محكم كتابه العزيز تلك المحاورة الخطيرة التي وقعت بين ابني آدم في شأن المعتقد، والتي على إثرها كتب حكمه في شرائعه أن قتل النفس الواحدة كقتل الناس جميعاً،

قال سبحانه وتعالى: ((وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ
إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ
قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ
قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ،
لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ،
إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ،
فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ،
فَبَعَثَ اللهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ
قَالَ يَا وَيْلَتَى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي
فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ)) المائدة:27–31.

فها هو ابن آدم الغاشم يريد أن يصفي أخاه جسدياً لأنه قد تُقبل من أخيه قربانه –والقربان هو قربان إلى الله، أي أنه أمر عقدي– ولم يتقبل منه هو،

فما جواب الأخ المستنير بنور الله، السالك مسالك الحق، قال له:
أما أنا فلا أرد عليك، وإنما أترك ذلك إلى الله تعالى،

مع أن الله شرّع لخلقه رد الظلم الواقع عليهم، ولكن في ذلك درساً عميقاً مهماً للإنسانية، وعليها أن تنتبه له وتأخذ العبر منه.

وبيّن الله تعالى بعد ذلك أن القتل لا يكون إلا قبالة قتل نفس أو فساد في الأرض،
فقال تعالى: ((مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً
وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً
وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ)) المائدة:32.

وإذا كان هذا حكم الله تعالى في التوراة فإن حكمه في الكتاب الخاتم لم يختلف أبداً،
بل تُركت للمفسد المحارب فرصة المراجعة والأوبة وإصلاح أمره في الحياة، فيما لو رجع إلى الله قبل القدرة عليه،
حيث قال تعالى: ((إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً
أَنْ يُقَتَّلُوا
أَوْ يُصَلَّبُوا
أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ
أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ
ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ،
إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)) المائدة:33–34.

فهل بعد كل هذا يمكن أن يوصف الإسلام بأنه يكره الناس على الإيمان به؟!.

نترك الجواب لبابا الفاتيكان ولغيره ممن يقول قوله.
  #13  
قديم 27/09/2006, 07:20 PM
الدرر النهروانية الدرر النهروانية غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ الانضمام: 29/07/2006
الإقامة: في قلب النهروان
المشاركات: 85
الاخ عضون الورد جزيت خيرا
  #14  
قديم 28/09/2006, 11:11 AM
*الملكة العمانية* *الملكة العمانية* غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ الانضمام: 10/07/2005
الإقامة: *((المملكةالعربية العمانية)) *
المشاركات: 515
متابعون اخية
  #15  
قديم 28/09/2006, 05:12 PM
سكتون الحداد سكتون الحداد غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ الانضمام: 19/02/2006
المشاركات: 54
الدرر النهروانية
------------------
مشكورة على الجهد وبوما يعرف الصقر يشويه
  #16  
قديم 29/09/2006, 01:51 PM
الدرر النهروانية الدرر النهروانية غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ الانضمام: 29/07/2006
الإقامة: في قلب النهروان
المشاركات: 85
Post ويتابع

8. الإنسان مسؤول عن عمل نفسه:

والله تبارك وتعالى عندما أورد قصة ابني آدم لا يعني بذلك أن البشرية تتحمل خطأ آبائها الأولين،
وإنما ليبيّن سبحانه أن عظم قتل النفس بدون حق شرعه الله تعالى وأوجبته العقول،
وليحذر الإنسان من الوقوع فيما وقع فيه أسلافه،
وإلا فإن الله لا يؤاخذ الإنسان إلا بما اقترف،

فهو سبحانه لا يحمّل أجيال البشرية خطيئة أبيهم آدم الأولى؛
كما هو الحال عند النصارى، حيث جعلوها أغلالاً ترسف فيها نفوس الناس، وآصاراً تكبل مسير حياتهم، ولا تفك إلا بالاعتراف أمام القس أو البابا، وبأخذ صك الغفران منهما،

ولا كما فعلت اليهود حيث جعلت معرفة آدم سبب خطيئته، فأوجبوا على البشرية من بعده أن تعمي بصرها وتصم سمعها وتغلف قلبها عن حقائق العلم؛ خشية أن تطير بمعتقدها الهش،

ولضلال هذه التصورات؛ فإن الإسلام يرفضها، ويرفض الزعم القائل بانتقال الخطيئة والجهل من جيل إلى آخر بالتوارث، فكل أمة مسئولة عما كسبت،

يقول الله تعالى في موضعين من كتابه الكريم: ((تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ)) البقرة:134، و141.

ولذلك لا يعمل الإنسان على تصفية الأجيال المتتابعة من البشر بجريرة آبائهم، كما هو الحال الذي اتبعته كثير من النظريات التي سامت الناس سوء العذاب ردحاً من الزمن،

قال عزَّ من قائل:
((وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ)) البقرة:49،

وقال:
((وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ)) إبراهيم:6.

فالإنسان لا يتحمل تبعات غيره، فهو لا تضره سيئاتهم؛ كما لا تنفعه حسناتهم،

يقول تعالى:
((فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ)) الزلزلة:7–8،

ويقول:
((كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ)) المدثر:38،

ويقول:
((قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ)) الأنعام:164،

ويقول:
((مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً)) الاسراء:15،

ويقول:
((وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ)) فاطر:18.

وبذلك يتبيّن أن الإنسان لا يدخل الإسلام وراثة،
وإنما يدخله اقتناعاً شخصياً، تدبراً بالعقل وتسليماً بالقلب واستسلاماً بالجوارح،

والإنسان يتحمل تبعة اختياره بنفسه،

فلا يوجد في الإسلام شعب مختار لله،
ولا قداسة لطائفة من الطوائف،

فالإنسان بحسبما عمل، له ما كسب، وعليه ما اكتسب.

يتبع بإذن الله تعالى......
  #17  
قديم 29/09/2006, 01:52 PM
الدرر النهروانية الدرر النهروانية غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ الانضمام: 29/07/2006
الإقامة: في قلب النهروان
المشاركات: 85
. الإسلام لا يكره أحداً على الدخول فيه:

بعد كل هذا؛ فعلينا أن نعرف أن إكراه الإنسان على شيء لا يحوّله إلى الإيمان به،
بل لا يجعله إلا منافقاً مرتكساً في أحط منزلة من الحضيض الفكري،
وبعبارة القرآن الكريم ((فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ))،

وظاهرة النفاق ظاهرة إنسانية عالمية، لم تستطع البشرية بنفسها أن تعالجها،

والقرآن الكريم وحده أصاب مفصلها في علاجه فشفاه، ووضع مرهمه على جرحها الغائر فلأمَه،
فعامل المنافقين في الدنيا معاملة المؤمنين،
لم يفتش عن كوامن معتقدهم ودواخل نفوسهم، ولم يعرضهم لاختبارات قلبية،
وإنما هم كغيرهم من المسلمين الذين تطبق عليهم الأحكام بحسب فعلهم الصادر منهم،

قال تعالى:
((رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُوراً)) الاسراء:25.
كما أنه لم يجبرهم مبتدأ على الدخول فيه، لأن الكافر المظهر لكفره أسهل خطباً، وأكثر احتراماً لعقله من المنافق المبطن لكفره الساعي بالغوائل والدسائس بين الناس،
ولذلك استحق أن يكون في الدرك الأسفل من النار،
قال جلَّ ثناؤه:
((إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرا)) النساء:145.

ولأن الإسلام يحارب الجبر ويمقت المجبّرة، فإن أسوأ أنواع المجبّرة أولئك الذين يكرهون الناس على شيء لا يريدونه،

والله جلتَّ حكمته بيّن لرسوله عليه صلوات الله وسلامه أن إيمان الناس بدعوة الإسلام غير خاضع لحرصه ورغبته عليه السلام
فقال سبحانه:
((وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ)) يوسف:103،

وشرح الله عزَّ وجلّ لنبيه قضية عدم الجبر على الأيمان بما آتاه الله وهو القرآن الكريم؛ فقال:
((وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ،
أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ،
بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ،
وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ،
وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ،
وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لا يَعْقِلُونَ،
وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لا يُبْصِرُونَ،
إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)) يونس:37–44،

وقال:
((إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ،
وَإِنَّهُ لَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ،
إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ،
فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ،
إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ)) النمل:76–80.

والجبر هو جزء من الظلم، إن لم يكن أخص خصائصه،
والله تعالى حرم على نفسه الظلم وجعله بين عباده محرماً،

قال تعالى عن نفسه:
((وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً)) الكهف:49،

وقال: ((وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعَالَمِينَ)) آل عمران:108.

وعلى ذلك فمن المنطقي أن لا يجعل الإكراه هو الطريق إلى الإيمان،
قال تعالى:
((لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)) البقرة:256.

نعم طريق الإيمان ليس الإكراه بل هو الاقتناع بعد النظر في الحجج والدلائل،
ولذلك أتبع الله تعالى تلك الآية العظيمة آيات أخرى تقيم الدلائل البرهانية الإقناعية على رفض الجبر،

قال تعالى:
((اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ،
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللهُ الْمُلْكَ
إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ
قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ
قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ
فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ،
أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا
قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِهَا
فَأَمَاتَهُ اللهُ مِائَةَ عَامٍ
ثُمَّ بَعَثَهُ
قَالَ كَمْ لَبِثْتَ
قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ
قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ
فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ
وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ
وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ
وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً
فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ
قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ،
وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى
قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ
قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي
قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ
ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً
ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً
وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ(( البقرة:257–260.
والله تعالى حدّد لنبيه الكريم عليه الصلاة والسلام وظيفته في الحياة وهي الدعوة إلى دين الله تعالى والتذكير بعاقبة الإعراض،
لا السيطرة على الناس بإنزال العقوبة عليهم حال عدم إيمانهم،
فمن آمن منهم فله إيمانه، ومن أعرض ونأى فالله يتولى حسابه،

قال تعالى:
((فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ، لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ، إِلا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ، فَيُعَذِّبُهُ اللهُ الْعَذَابَ الأَكْبَرَ)) الغاشية:21–24.

يتبع بإذن الله تعالى.....
  #18  
قديم 29/09/2006, 01:54 PM
الدرر النهروانية الدرر النهروانية غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ الانضمام: 29/07/2006
الإقامة: في قلب النهروان
المشاركات: 85
الاخت الملكة العمانية بارك الله فيك
الاخ سكتون حداد صدقت والله بارك الله فيك على مرورك العطر
  #19  
قديم 29/09/2006, 03:13 PM
محمد العنزي محمد العنزي غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ الانضمام: 28/09/2006
الإقامة: بدوي في الصحراء
المشاركات: 135
الاخت الدرر النهروانيه شكرا على غيرتك على دينك وكثر الله من امثالك
  #20  
قديم 30/09/2006, 07:49 PM
الدرر النهروانية الدرر النهروانية غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ الانضمام: 29/07/2006
الإقامة: في قلب النهروان
المشاركات: 85
الاخ محمد العنزي
تشرفت اخي بمرورك العطر بارك الله فيك
  #21  
قديم 30/09/2006, 07:50 PM
الدرر النهروانية الدرر النهروانية غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ الانضمام: 29/07/2006
الإقامة: في قلب النهروان
المشاركات: 85
اشكر مشرفنا الرستمي على التعديل بارك الله فيه
  #22  
قديم 30/09/2006, 07:51 PM
الدرر النهروانية الدرر النهروانية غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ الانضمام: 29/07/2006
الإقامة: في قلب النهروان
المشاركات: 85
. وظيفة الأنبياء عليهم السلام:

وعندما كان النبي صلى الله عليه وسلم يحزن على عدم إيمان المشركين كان الله تعالى ينهاه عن ذلك،
فالأمر ليس بيده،
وإنما هي علاقة إيمانية محضة بين الخلق والخالق لا واسطة بينهما،

قال تعالى:
((أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً
فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ
وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ
فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ
إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ)) فاطر:8،

وبيّن سبحانه وتعالى لنبيه الكريم أن مسألة الإيمان ليست خاضعة للمحبة النفسية،
بل تحكمها المشيئة الإلهية فقال تعالى:
((إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ
وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ
وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)) القصص:56،

هذه المشيئة الإلهية اقتضت أن يكون الإنسان حراً في اختياره غير مجبر،

قال تعالى:
((وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ
فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ
وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ)) الكهف:29،

وقال:
((فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ،
وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ)) الزلزلة:7–8،

ولم تقتض مشيئته تعالى الجبر أبداً،

ولذلك مضت سنة الله في خلقه كافة على تتابع الرسل الكرام أن وظيفة هؤلاء العظماء عليهم السلام هي التبشير والإنذار،
وذلك حتى يلقى الإنسانُ ربَه جلَّ وعلا والحجة قائمة عليه،

قال تعالى:
((إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَرُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُوراً، وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيماً،
رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ
لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ
وَكَانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً)) النساء:163–165.

يتبع بإذن الله تعالى......
  #23  
قديم 01/10/2006, 07:22 PM
الدرر النهروانية الدرر النهروانية غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ الانضمام: 29/07/2006
الإقامة: في قلب النهروان
المشاركات: 85
Post

. الدعوة هي الطريق المشروع وحده في نشر الإسلام:

وإذا كانت البراهين الحقة قد قامت على أن خالق هذا الكون هو الله تعالى،
وقد خلق سبحانه الإنسان خليفة له ليعمر الأرض وما حولها،
وجعل مناط نجاحه في هذه الرسالة الاستخلافية هو العقل الحر المبرأ من أي جبر،

فإن عدالة الله تعالى شاءت أن لا يدع الإنسانَ تتخبطه الأهواء وترين على عقله الزيوف،
فتطمس منه نور الإيمان، وتحجب عنه أنوار الحقيقة،

بل أنزل عليه كلماته ميسرة تتلى،
وأرسل إليه رسله تترى، مبشرين ومنذرين،
سرجاً تستضيء بها البشرية في دياجي الكون المظلمة، وحالكات الوجود المدلهمة،

قال تعالى:
((وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ
مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ
وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ
وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللهِ
فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ)) غافر:78.

إن النبي المرسل من ربه ليس طاغية يمحق من لا يتبعه،
بل هو سراج ينير للبشرية دروبها، حتى لا تقع في مهاوي الغواية، ولا تزيغ بها الأهواء إلى حنادس الضلالة،

بل أنه جلَّ وعلا أمر نبيه محمداً عليه السلام أن يترك إذاية المشركين جانباً،
ويدعو إليه ولا يلتفت إلى أذاهم،
قال الله تبارك وتعالى:
((يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ
إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً،
وَدَاعِياً إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً،
وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللهِ فَضْلاً كَبِيراً،
وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ
وَدَعْ أَذَاهُمْ
وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ
وَكَفَى بِاللهِ وَكِيلاً)) الأحزاب:45–48.

هذه الدعوة يجب أن تخرج من مشكاة الأخلاق النبوية، وتضيء بزيتها الرباني المبارك،
قال الله تعالى واصفاً نبيه ومربياً أمته:
((وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)) القلم:4،

هذا الخلق وحده الداعي لقلوب الناس أن تسلم زمامها للحق،
وأن تنقاد ناصيتها إلى الإيمان،
قال تعالى:
((فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ
وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ
فَاعْفُ عَنْهُمْ
وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ
وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ
فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ
إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)) آل عمران:159،

بل الخُلق الحسن هو ما يحوّل الخصم اللدود إلى الولي الحميم،
قال تعالى:
((وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ
ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)) فصلت:34.

وقد كتب الله تعالى على عباده –فيما أخذ من ميثاق على بني إسرائيل– أن يخاطبوا الناس بالحسنى،
وجعل ذلك متوسطاً بين توحيده في العبادة وبين إقام الصلاة إيتاء الزكاة،
وفي ذلك إشارة إلى أهميته لا تخفى على أحد،
فقال تعالى:
((وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ
لا تَعْبُدُونَ إِلا اللهَ
وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً
وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ
ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلا قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ)) البقرة:83.

وهذا الأمر ذاته كرره الله تعالى على نبيه محذراً في المقام نفسه الأمة من مخالفة ذلك لأنه من نزغات الشيطان الرجيم،
فقال عزَّ من قائل:
((وَقُلْ لِعِبَادِي
يَقُولُوا
الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ
إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً)) الإسراء:53.

وأمر الله تعالى نبيه الكريم أمراً لا يستقيم سواه بأن يدعو الناس إلى الله تعالى وهو محمّل بزاد أخلاقي غير مجذوذ عطاؤه،
فقال تعالى:
((ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ
بِالْحِكْمَةِ
وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)) النحل:125،

وقد نهى الله تعالى المؤمنين عن مجادلة أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن؛
فقال:
((وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ
وَقُولُوا
آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ
وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ
وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ)) العنكبوت:46.

يتبع بإذن الله تعالى....
  #24  
قديم 02/10/2006, 10:04 AM
البراءة* البراءة* غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ الانضمام: 10/08/2006
المشاركات: 146
بارك الله فيك اختي
ويعطيك الله العافية على المجهود الطيب..
  #25  
قديم 06/10/2006, 10:28 PM
الدرر النهروانية الدرر النهروانية غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ الانضمام: 29/07/2006
الإقامة: في قلب النهروان
المشاركات: 85
12. دعوة المشركين إلى الإسلام بالحسنى وليس بالسيف:

ولا يظنن الظان أن هذا المنهج يسلكه الإسلام مع أهل الكتاب لكونهم عندهم أثارة من كتاب،
بل هو منهج كليّ، يأتي على كل البشر؛ مشركهم وكتابيهم ومهدتيهم وضالهم،

وعلى العاقل أن يتدبر هذه الآيات من سورة المؤمنون التي حاورت المشركين حواراً عقلياً هادئاً وهادفاً، وختمت بالأمر بسلوك سبيل الحسنى معهم،

قال تعالى:
((أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءهُم مَّا لَمْ يَأْتِ آبَاءهُمُ الأَوَّلِينَ،
أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ،
أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءهُم بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ،
وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعْرِضُونَ،
أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ،
وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ،
وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ،
وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِم مِّن ضُرٍّ لَّلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ،
وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ،
حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَاباً ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ،
وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ،
وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ،
وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلا تَعْقِلُونَ،
بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الأَوَّلُونَ،
قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ،
لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِن قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ،
قُل لِّمَنِ الأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ،
سَيَقُولُونَ للهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ،
قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ،
سَيَقُولُونَ للهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ،
قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ،
سَيَقُولُونَ للهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ،
بَلْ أَتَيْنَاهُم بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ،
مَا اتَّخَذَ اللهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ،
عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ،
قُل رَّبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ،
رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ،
وَإِنَّا عَلَى أَن نُّرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ،
ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ)) المؤمنون:68–96.

هذا هو الصراط المستقيم لا ترى فيه عوجاً ولا أمتاً.

وتصور غير هذا التصور –كتصور أن الإسلام لا يرضى من المشركين إلا أن ينطقوا بشهادة "أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله"، وإلا أعمل فيهم السيف– هو:
إما جهل من أتباع الإسلام أو تجاهل منهم،
وإما سوء فهم من غيرهم أو حقد دفين فيهم.

يتبع بإذن الله تعالى.......
  #26  
قديم 06/10/2006, 10:31 PM
الدرر النهروانية الدرر النهروانية غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ الانضمام: 29/07/2006
الإقامة: في قلب النهروان
المشاركات: 85
14. الإسلام ينصف البشر:
لقد جاء الإسلام بميزان قسط، فوضع كل شيء موضعه،
ومن ذلك قانون العدل الذي وزن به الأشياء كلها، فلم يظلم الله تعالى أحداً،
بل هذا الميزان به رفعت السموات ووضعت الأرض،
وصدق الله العظيم إذ يقول:
((وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ،
أَلا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ،
وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ،
وَالأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ)) الرحمن:7–10،

ولذلك لم يغمط الله الناس أشياءهم،
وإنما انتقد جاهليتهم، وما أورثتهم من أدران الشرك وبؤر الضلال وصنوف الانحراف،
ولم يكن انتقاده لذلك إلا ابتغاء مصلحتهم في الدنيا وسعادتهم في العقبى،

فالإسلام لم يقوِّم الناس على أصل عرقي أو أساس جاهلي،
ولذلك لم يميّز بين عربي وأعجمي،
ولم يفرّق أبيض وأسود،
فكلهم من آدم وآدم من تراب،
قال تعالى:
((وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ)) الروم:20،

ولا آصرة تربطهم بالله تعالى إلا وشيجة العبودية وحدها،
ولذلك حرم الإسلام ظلم الناس بأي سبب كان،
ولو كان هذا السبب هو الاختلاف في الدين،
قال تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
كُونُوا قَوَّامِينَ للهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ
وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا
اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى
وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)) المائدة:8،

بل حتى لو كان ضارس الحرب قائماً بين المسلمين وأعدائهم يجب أن يكون العدل هو الميزان الفصل بين الخلق،
وأن لا تحمل المسلمين هذه العداوة على مفارقة العدل إلى الاعتداء،
قال تعالى:
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَاناً وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا
وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا
وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى
وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ
وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)) المائدة:2.

ولذلك نجد القرآن المجيد ينصف القوم الذين جعلوا من أنفسهم آلة شيطانية لحرب المسلمين، ألا وهم اليهود الذين ناصبوا الله ورسوله العداء، فألبوا المنافقين على المؤمنين، وكانوا مأرز المشركين وعيونهم في حربهم على رسول الله صلى الله عليه، ومشوا في الأرض خيانة وفساداً،
ومع ذلك لم يغمطهم القرآن الكريم حقهم، فذكر لما لأصولهم من فضل،
قال تعالى:
((يَا بَنِي إِسْرائيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ)) (البقرة:47)،

وقال:
((يَا بَنِي إِسْرائيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ)) البقرة:122.

وهكذا تعامل القرآن الكريم مع البشر، على أساس فعلهم الصادر منهم، فهو يذكر ما لهم وما عليهم،
من ذلك قوله تعالى:
((وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ
وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِماً
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ
وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)) آل عمران:75،

وقوله:
((لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ
أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ،
يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ
وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ
وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ
وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ،
وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ
وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ،
وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ
وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ
وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ
خَاشِعِينَ للهِ
لا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً
أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ
إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ)) آل عمران:199،

وقوله:
((لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا
وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى
ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً
وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ،
وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ
يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ،
وَمَا لَنَا لا نُؤْمِنُ بِاللهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ،
فَأَثَابَهُمُ اللهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ)) المائدة:82–85.

وعندما ذكر الله عزَّ وجلَّ الأخطاء التي يرتكبها بعض رؤوس النصرانية لم يعمم،
وإنما قال سبحانه:
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ
لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ
وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ
وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ)) التوبة:34.

يتبع بإذن الله تعالى......
  #27  
قديم 06/10/2006, 10:38 PM
الدرر النهروانية الدرر النهروانية غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ الانضمام: 29/07/2006
الإقامة: في قلب النهروان
المشاركات: 85
Post

14. الإسلام لا ينتقد إلا الجاهلية:

والإسلام لا يتعامل بروح القطيعة مع الإنسانية وحضارتها،
وإنما يبني حاجزاً صلباً بين الإيمان الإلهي والضلال الكفري فحسب،

ولذا لا نجد في الكتاب المجيد العيب على التقدم العمراني الإنساني والتمدن الحضاري مهما كان مصدره،
فها هي الحضارة الفرعونية لا يسفه القرآن بناءها المادي والحضاري، وإنما يشن حملته الشعواء على ظلمها وفسادها وضلالها،
بل يجعل من الحضارة التي قامت بما سخر الله تعالى لأصحابها من نِعَمٍ حججاً لوجوب اتباع الحق،
قال الله تعالى حاكياً الحوار الذي جرى بين كليمه موسى وعدوه فرعون:
((قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَى،
قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى،
قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الأُولَى،
قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى،
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ مَهْداً
وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً
وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً
فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّن نَّبَاتٍ شَتَّى،
كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ
إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لأُوْلِي النُّهَى،
مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى)) طه:49–55.

نعم قد يحدث أن يدعو النبي بزوال النعم التي أنعمها الله على قومه،
كما حدث لموسى عليه السلام في مقام آخر، وكذلك لنوح عليه السلام،
ولكن ذلك قد حدث لأن هذه النعم تحولت إلى مصدر للطغيان والفساد، وليس ذلك لذاتها،

والله تعالى قد امتنّ على أهل سبأ بأن جعل لهم الجنات الخلابة والأرزاق الحسنة والقرى المباركة
فقال:
((لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ
جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ
كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ
وَاشْكُرُوا لَهُ
بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ)) سبأ:15،

وقال:
((وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرىً ظَاهِرَةً
وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ
سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ)) سـبأ:18،

ولم تزل عنهم هذه النعم إلا لما ارتكبوا المعاصي التي أورثتهم الأمراض الاجتماعية، فحق عليهم قانون الدمار الحضاري الذي يصيب الأمم دون محاباة،
قال تعالى في ذلك:
((فَأَعْرَضُوا
فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ
وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ،
ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا
وَهَلْ نُجَازِي إِلا الْكَفُورَ)) سـبأ:16–17،

وقال عنهم:
((فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا
وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ
فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ
إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ)) سـبأ:19.

وهذا نبي الله صالح عليه السلام يذكّر قومه ثمود بالنعيم الحيوي والتمدن الحضاري الذي أمدهم الله تعالى به،
يقول الله تعالى في ذلك:
((وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ
وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ
تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُوراً
وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتاً
فَاذْكُرُوا آلاءَ اللهِ
وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ)) الأعراف:74،

وفوق ذلك نجد أن الله تعالى يحذرهم في معرض الامتنان عليهم بهذه المعطيات الحضارية من الوقوع فيما يدمرها حضارياً، وهو الوقوع في مغبة الإسراف وطاعة أهله،
فيقول سبحانه:
((إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ،
إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ،
فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ،
وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ،
أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ،
فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ،
وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ،
وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً فَارِهِينَ،
فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ،
وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ،
الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ)) الشعراء:142–152.
هذه هي نظرة الإسلام إلى الأمم والحضارات الأخرى،
فهو لا يسعى إلى تصفيتها، وإنما إلى تقويم اعوجاجها،

وبعبارة أخرى يمنحها ما يمدها بالبقاء،
وذلك بدعوتها إلى تجنب الأمراض الاجتماعية والحضارية المدمرة التي تخلفها آلة الكفر والشرك والضلال.

يتبع بإذن الله تعالى......
  #28  
قديم 06/10/2006, 10:39 PM
الدرر النهروانية الدرر النهروانية غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ الانضمام: 29/07/2006
الإقامة: في قلب النهروان
المشاركات: 85
اقتباس:
أرسل أصلا بواسطة البراءة*
بارك الله فيك اختي
ويعطيك الله العافية على المجهود الطيب..
بارك الله فيك عزيزتي
  #29  
قديم 09/10/2006, 12:41 AM
سليمان بن موسى سليمان بن موسى غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ الانضمام: 14/10/2002
الإقامة: غرداية-الجزائر
المشاركات: 651
للشيخ أحمد بن حمد الخليلي مساهمة في بيان الحق تجاه هذه القضية، تجدها هــــــــــنا
  #30  
قديم 13/10/2006, 09:43 PM
الدرر النهروانية الدرر النهروانية غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ الانضمام: 29/07/2006
الإقامة: في قلب النهروان
المشاركات: 85
اقتباس:
أرسل أصلا بواسطة سليمان بن موسى
للشيخ أحمد بن حمد الخليلي مساهمة في بيان الحق تجاه هذه القضية، تجدها هــــــــــنا
بارك الله فيك اخي على هذة المداخلة الكريمة
  #31  
قديم 13/10/2006, 09:49 PM
الدرر النهروانية الدرر النهروانية غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ الانضمام: 29/07/2006
الإقامة: في قلب النهروان
المشاركات: 85
Smile ويتابع شيخنا قائلا

15. وجود المسلم في المجتمع غير المسلم:

في الحقيقة؛ لو تتبعنا البنية الاجتماعية للمجتمع الإنساني، فإننا نجدها عبارة عن مجتمع يشمل الصالح والطالح، المؤمن والكافر، المستقيم والمنحرف، كلهم يعيشون في مجتمع متداخل،

ولما جاءت شرائع الله لم تعمل على الفصل بين هذه الفئات الاجتماعية وتقطيع أوصالها،
بل كان المجتمع بأسره مادة الدعوة للأنبياء عليهم السلام،

ولم يعرف المجتمع المسلم الذي أنشأه الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام تقسيم الناس حسب فئاتهم الاجتماعية، سواء في مكة المكرمة أو المدينة المنورة،
بل الذي حدث عكس ذلك،
فالمشركون هم الذي فرضوا حصاراً على المسلمين في شعب من شعاب مكة،
وهم الذين طردوا المسلمين من مسقط رأسهم ومهد عيشهم وأرض آبائهم،

ومع ذلك عندما انتقل المسلمون إلى المدينة المنورة لم يمارسوا هذا الفصل الطائفي على الناس،
بل ظل المشرك على شركه حتى أسلم،
واليهود على يهوديتهم؛ فأسلم منهم من أسلم، ومن خان لقي جزاء خيانته،
وبقي المنافق على نفاقه يحسب ظاهراً من أهل الإسلام،
وكان الكل يعيشون في وطنهم وأرضهم.

والمجتمع الإنساني بشتى أطيافه يمر بثلاث حالات:

حالة السلم، وفيها يكون التداخل الاجتماعي اعتيادياً، وهذا الأصل.

حالة الحرب، وفيها يتمايز الخصوم.

حالة العهد، وفيها تدخل الأطراف المتنازعة في مرحلة تعاقد سلمي طويل الأمد أو قصيره.

والإسلام أقام تشريعاته لكل الحالات الثلاث،
ومن أراد تفصيلاتها فعليه بكتاب الله العزيز وهدي النبي الكريم،
إلا أنه اعتبر الوضع الطبيعي للبشرية هو حالة السلم،
وعمل على تربية الفرد المؤمن وبناء المجتمع المسلم داخل الحقل الإنساني، بما يحفظ له دينه ويدفعه إلى تبليغ كلمات الله من جهة، ودون أن ينفصل عن الكيان البشري من جهة أخرى.

ولا يمكننا هنا أن نتعقب في هذه العجالة كل مفردات حالة السلم، لأنها هي الحالة الأصل التي تركب عليها الخطاب القرآني المنزل، وكذلك سيضيق بنا المقام أن نستقرئ ملابسات العلاقة في هذه الحالة بين المؤمنين والكافرين، وبالأخص نظرة المؤمن إلى المجتمع الكافر،
وإنما يكفينا أن نلقي نظرة سريعة على حالة نبي كريم من أنبياء الله،
والأنبياء جعلهم الله تعالى قدوة للبشرية،
قال تعالى:
((وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ،
وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاً هَدَيْنَا
وَنُوحاً هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ
وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَرُونَ
وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ،
وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ،
وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً
وَكُلاً فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ،
وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ،
ذَلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ
وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ،
أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ
فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ،
أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ
قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ)) الأنعام:83–90.

يتبع بإذن الله تعالى......
  #32  
قديم 13/10/2006, 09:50 PM
الدرر النهروانية الدرر النهروانية غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ الانضمام: 29/07/2006
الإقامة: في قلب النهروان
المشاركات: 85
16. يوسف عليه السلام قدوة التعايش الإنساني:

النبي الذي سنبحر سريعاً في قراءة وضعه هو يوسف بن يعقوب عليهما السلام،
هذا النبي المؤمن عاش أطوار حياته المختلفة في مجتمع مشرك،
فلم ينظر إليه نظرة سخط وعدوان،
ولم يعش فيه وهو يكيد له، ويوقد نار الفتنة عليه،
وإنما عاش حياته كما هي، متوائماً مع ظروفها التي كتبها الله له،
ولكنه لم ينس دوره الأخلاقي ولا رسالته الدعوية،
وقد تقلب من طور إلى طور، واستفاد من كل طور معطياته التي تسمح له ببث دعوته التوحيدية التي بعثه الله بها رحمة للعالمين،

ويمكننا أن نقرأ سيرته العطرة من السورة التي حملت اسمه –أرجو الرجوع إلى السورة الشريفة لعدم نقلي لآياتها هنا– لنخرج بالآتي:

المشهد الأول "المقدمة"؛ الآيات (1–3):

تفتتح السورة الكريمة بتوجيه رباني إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم والأمة تبع له؛ بأن يعملوا عقولهم في تدبر هذا القرآن،
وأن لا يكونوا غافلين عما فيه من عبر ودلالات،
وأن في قصة يوسف عليه السلام من المواعظ ما هو جدير بالعمل به والاستفادة منه.

وفي كل ذلك توجيه للأمة المسلمة في كيفية التعامل مع البيئات غير المسلمة، كما هو واقع كثير من المسلمين في هذه الآونة.

المشهد الثاني "الرؤيا"؛ الآيات (4–6):

يوسف يقص رؤياه على أبيه يعقوب، ويفسرها له بما يفيد عظيم أمره الذي سيؤل إليه، ويطلب منه كتمان رؤياه عن إخوته، ويذكره بمعدن آبائه النبوي،

إن هذه الحالة من العظمة السابقة واللاحقة كانت كفيلة بأن تجعل يوسف يتيه فخراً على العالمين، ويعامل من حوله باستعلاء،
ولكنه كان ابن الرسالة التي رضع ألبانها السائغة النقية، فلم يتعامل مع إخوته إلا بمنطق الأخوة السوي،
لم يتعالَ عليهم رغم الأثرة التي حظي بها من والده لمخايل الحكمة التي طفح بها وجهه، وبوادر الاستقامة التي ينفعل بها سلوكه.

وهذا يستتبع عدم تعالينا على بقية البشر، وإنما ننظر إليهم نظرة من حقه أن تصله كلمة الله التي نؤمن بها، وهي الإسلام الحنيف.

يتبع بإذن الله تعالى.....
  #33  
قديم 13/10/2006, 09:50 PM
الدرر النهروانية الدرر النهروانية غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ الانضمام: 29/07/2006
الإقامة: في قلب النهروان
المشاركات: 85
17. الابتلاءات والمحن:

المشهد الثالث "في الملعب"؛ الآيات (7–18):

يوسف يخرج مع إخوته يلعب، فيكيدون له ويرمونه في غيابة الجب،

وكان ليوسف وهو يتعرض لهذا الابتلاء منذ نعومة أظافره ما يبرر نفسيته لو أنه تحول إلى ناقم على المجتمع،
إلا أنه عاش فترة أيقن أنها لن تدوم، وأن الأيام حبلى بالمواقف التي قد تسنح له بالفرصة لكي يؤدي رسالته الدعوية.

المشهد الرابع "في العبودية"؛ الآيات (18–21):

يوسف ابن النبوة وعظماء الإنسانية يباع عبداً بثمن بخس في السوق،
فيشتريه رجل من مصر،

فيتصاعد بذلك خط الابتلاء والمحنة،

وكان من المقدر له –بحساب الظاهر– أن يفلت زمام هدوئه، ويتحول إلى ناقم على وضعه، لكن نفس المؤمن لا زالت ترابط في مكمنها قائلة له:
إن هذا هو الوضع الإنساني القائم، لا تغيّره النقمة عليه أو الكيد له، وإنما يحتاج التأريخ أن يدور دورته حتى يأتيه بالإصلاح.

المشهد الخامس "في قلب الإغراء"؛ الآيات (22– 34):

يوسف يتعرض لنوع آخر من الضغوط الاجتماعية، فهو يجد نفسه عبداً في بيت أحد رؤوس مصر وأكابر مَلَئِهَا، فيعيش فتنة القلب في ديباج النعيم وحريره الوثير،
فلا يكون إلا عبداً مؤمناً بالله، لم تطش صفحته إلى زهرة الدنيا ورونقها القشيب،

ويبلغ الأمر مداه عندما تدعوه امرأة العزيز إلى نفسها،
إنه يعيش في قلب محنة الإغراء،
فما كان له إلا أن يتداركه برهان ربه، فينظر إلى الأمر بأنه وضع زائل مزر لا يليق بالعقلاء فضلاً عمن ألهمه الله حكمته ويعدّه لرسالته،

ثم تدخله امرأة العزيز في محك آخر،
وهو عرضه على نساء الملأ في المدينة، وكأنه تحفة من تحف قصرها الرائقة،
لا لشئ إلا لتبرر نزوتها الهابطة، ولتنتصر على مكرهن اللئيم،

وما كان من يوسف وهو تتراقص أمامه أحابيل الغواية والمكر إلا أن يستعصم بعروة الإيمان الوثقى التي لا انفصام،
فلا يخرج عن طور الإيمان الذي ينشد صلاح البشرية واستقامة المجتمع وتربية الفرد،
وإنما صبر و((قَالَ
رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ
وَإِلا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ)) يوسف:33.

يتبع بإذن الله تعالى......
  #34  
قديم 13/10/2006, 09:51 PM
الدرر النهروانية الدرر النهروانية غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ الانضمام: 29/07/2006
الإقامة: في قلب النهروان
المشاركات: 85
18. من السجن إلى "مجلس الوزراء" عبر طريق العدالة.

المشهد السادس "في السجن"؛ الآيات (35–42):

يوسف يدخل السجن،

وهنا يبلغ الأمر بالنسبة لأي إنسان ذروته، أن يكون مستقيماً في حياته، متحملاً لأواء زمانه، صابراً على صروف دهره، باذلاً الخير للناس، هاضماً حق نفسه من الدنيا،
فإذا به تغيبه بطون السجون، تحزه قيودها، وتضمه ظلماتها، ويمضه حراسها،
فتصادر حريته وحقه في الحياة،

في هذه الغياهب الحالكة –التي لا يعرف تمام حقيقتها إلا من جربها– لم يسخط يوسف على سالف حياته، ولم يتبرم على خط سيره الذي ساره، ولم يصدم فتبهت نفسه وتخرس لسانه،

وإنما تقبل هذا الابتلاء بنفس راضية،
وحوّل السجن إلى مدرسة للصبر والإيمان، فدعا إلى الله تعالى،
لم يلعن سجاني السجن، وإنما دعا إلى الله مسجونيه،
عمل على إخراج أصحاب غرفته ورفاق غربته في السجن من ظلمات الشرك إلى نور الإيمان.

المشهد السابع "المطالبة بالعدالة؛ الآيات (43–53):

تحين الفرصة الذهبية ليوسف، فيبلغ خبره إلى الملك الذي رأى رؤيا؛ فيحتاج إلى من يؤوِّلها له،
فتصل إلى يوسف ويقوم بتأويلها،
فيطلب الملكُ يوسفَ،

وفي هذا الموقف بدلاً من أن يطلب يوسف من الملك منصباً زائلاً، أو عطية زائفة، إذا به يطلب تحقيق العدالة في الأرض، وذلك بالتحقيق في قضيته،

وهنا مرة أخرى لم يلعن يوسفُ الملكَ ونظامَه الوضعي الوثني القائم، وإنما دعاه إلى أن يحقق في ملكه العدالة،
وخطاب الملوك بهذه اللغة كفيل بأن يدخل قيم الإيمان إلى نظم البشر،

إنها الحكمة التي آتاها الله يوسف عليه السلام،
فهو يتعامل مع الواقع على حقيقته،
لا ينظر إليه نظرة استخفاف،
وإنما نظرة بناء حضاري يريد له أن يشيد أركانَه الإيمانُ بالله.

المشهد الثامن "في سدة الحكم"؛ الآيات (54–57):

يعين الملكُ يوسفَ وزيراً له، فيطلب يوسف "وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي"،
فيمكنه الملك منها،

لم يقل يوسف: هذا نظام وثني يقوم على قوانين وضعيه، والعمل في إطاره رجس من عمل الشيطان.
وإنما عمل داخل النظام، وكان جزءاً منه، لا ليمنحه الشرعية كما قد يُتَوهم،
فالمسألة ليست منح الشرعية أو نزعها، وإنما المسألة أكبر من ذلك،
إنها العمل على تسليم البشرية وجهها لله تبارك وتعالى، بعد قناعة بأن الإيمان الإلهي لا يعادي البشرية، وإنما يصحح خط سيرها،

ولذلك قبل يوسف هذا المنصب –بل طلب نوعه بنفسه– ليستثمر نظامه القائم في إصلاح الجوانب الاقتصادية للمجتمع،
فالحكمة تقول: إن ما لا يدرك جلّه لا يترك كله.

يتبع بإذن الله تعالى......
  #35  
قديم 13/10/2006, 09:52 PM
الدرر النهروانية الدرر النهروانية غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ الانضمام: 29/07/2006
الإقامة: في قلب النهروان
المشاركات: 85
19. مؤمن يدير دولة غير مسلمة:

المشهد التاسع "القانون الوضعي"؛ الآيات (58–92):

في هذا المشهد الطويل؛ يعرض لنا الله تعالى كيف أن يوسف عليه السلام استفاد من القانون الوضعي في دولة مصر لنصرة قضيته العادلة،

لم يلجأ يوسف إلى التحريض ضد الوضع القائم، وهو وضع وثني، وإنما استفاد منه لنصرة القضايا العادلة، وفي هذا درس جلي لنا للتعامل مع الأنظمة الدولية القائمة الآن.

وهو –مع ذلك– بكل تأكيد لم يتوانَ عن دعوة الناس إلى دين الله الخالص،
فإن كان قد كشف الله لنا عن أمر دعوته وهو في السجن مستضعف، فمن باب أولى أنه سيقوم بواجب دعوته وهو قوي عزيز،
فذلك مأخوذ من "فحوى الخطاب" على حدّ عبارة أهل أصول الفقه.

المشهد العاشر "على العرش"؛ الآيات (93–101):

يصل يوسف إلى قمة التمكن في الدولة المصرية، ويحضر أبويه إليه، ويلمّ شمل أسرته، ويصفح عن إخوته،
ويعيش بعد ذلك في كنف هذه الدولة، مستفيداً من معطياتها الحضارية والقانونية،
منتقلاً هو وأسرته الكريمة من شظف البادية إلى مدنية الدولة المعاصرة آنذاك،
ولنتأمل نظرة يوسف الختامية إلى أوضاعه في دولة مصر،
قال الله تعالى:
((فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ
وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللهُ آمِنِينَ،
وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً
وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً
وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ
وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ
مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي
إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ،
رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ
وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ
فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ
أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ
تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ،
ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ
وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ،
وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ)) يوسف:99–103،

فيوسف لم ينتقل هنا بأسرته من دار إيمان إلى دار كفر،
بل من أرض الله إلى أرض الله،
وإن كانت الأرض التي انتقل إليها بها كفر وشرك، فلا يعني ذلك أنها أرض شرك، بل هي أرض الله،
وعلى عباد الله أن لا يستنكفوا عن الإقامة فيها،
وعليهم أن لا يشعروا أنها دار المشركين، بل هي الدار التي للإنسان أن يستطونها ويعمرها،

اللهم إلا إن منعته من عبادة الله، وصادرت حريته في المعتقد، والعمل بمقتضى شريعة رب السموات والأرض، وألجأته إلى الكفر،
فحينها لا يحق له أن يقيم فيها، فعليه أن يهاجر منها،

وتستوي في هذه الحالة أن يكون حكامها كافرين، أو من يدَّعون الإسلام،
وسواء وقعت هذه الأرض في نطاق ما يسمى بدول الكفر أو دول الإسلام،
فما هو إلا اختلاف في الصورة والشكل، لا في المضمون والمعنى،

نعم في هذه الحالة لا يحق له أن يبقى في هذه الأرض، ومن بقي فيها وحُمل على الكفر بدعوى ضعفه فذلك ليس بنافعه أمام الله تعالى، إلا من لا يستطيع حيلة الهجرة منها،
قال سبحانه:
((إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ
قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ
قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ
قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا
فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً،
إِلا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً،
وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً
وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً)) النساء:97–100،

وها هو نبي الله الخاتم عليه الصلاة والسلام يهاجر هو ومن معه من مكة المكرمة أرض النبوات وبقعة أول بيت وضع للناس إلى المدينة المنورة، ولم تصنف مكة على أنها دار كفر أو دار إيمان،
فالعبرة بالمعنى لا بالمبنى.

وفي كل ذلك دروس واضحة لمن يبتلى الآن بالمقام في دول غير المسلمين.

يتبع بإذن الله تعالى.....
  #36  
قديم 13/10/2006, 09:52 PM
الدرر النهروانية الدرر النهروانية غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ الانضمام: 29/07/2006
الإقامة: في قلب النهروان
المشاركات: 85
20. خط الدعوة الربانية لا يتناقض ولا ينعكس:

المشهد الحادي عشر "النهاية"؛ الآيات (102–111):

فيه لفت انتباه هذه الأمة للسير على خطوات أولئك الأنبياء الكرام،
وأن الدعوة إلى الله تعالى تكون على بصيرة نيرة، وليس باستعداء الآخرين،
وأن المجتمعات البشرية ميدان الدعوة إلى الله، والجنس الإنساني مادتها،
وأن الله هو وحده من يتولى نصر أنبيائه ومن تبعهم من المؤمنين، وقد يكون ذلك بمقاربة اليأس،
ولم يكل الأمر في ذلك إليهم لمعاقبة الآخرين دنيوياً،
وأن هذه العبرة قائمة إلى يوم الدين،

قال الله تعالى في ختامه لسورة يوسف:
((لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُولِي الأَلْبَابِ
مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى
وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ
وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ
وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)) يوسف:111.

وإذا كانت هذه هي وصية الله لنبيه الأكرم محمد عليه الصلاة والسلام،
فمعنى ذلك أن خط الدعوة الربانية لا يتناقض ولا ينعكس ولا يعوج،
وإنما يسير إلى الأمام مسترسلاً إلى أن يصيب هدفه في نهاية الرحلة النبوية،
فحاشا لشرع الله أن ينقض بعضه بعضاً،
قال تعالى:
((أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً)) النساء:82،
وإنما يكمل بعضه بعضاً،

ولذلك جاء إرشاد الله تعالى لعباده المؤمنين بعدم منعهم من أن يحسنوا إلى المشركين ويبروا بهم،
قال عزَّ من قائل:
((لا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ
وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ
أَنْ تَبَرُّوهُمْ
وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ
إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)) الممتحنة:8.

هذا إذا لم يدخل هؤلاء المشركون في حرب مع المسلمين تبغي اجتثاث جرثومة الإيمان وسفك دماء المسلمين،
قال تعالى:
((إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ
وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ
وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ
أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)) الممتحنة:9،

فحينها تقتضي موازين العدل ومنطق العقل أن يواجه المسلمون هذا الاعتداء برده بالمثل،
ومع ذلك منع المسلمون بعد رد الاعتداء من الزيادة عليه،
قال سبحانه:
((فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ
وَاتَّقُوا اللهَ
وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ)) البقرة:194،

بل حتى في معمعة القتال، وساحات الوغى التي فيها مظنة كبرى للاعتداء؛ نتيجة غضبة المحارب وفوران دمه واشتعال حميته، يأتي التذكير بعدم الاعتداء،
قال جلَّ شأنه:
((وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ
وَلا تَعْتَدُوا
إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ)) البقرة:190.
وباب المصاولة بين أسود الإسلام وصناديد الكفر وضوابط هذه المساجلة القتالية باب واسع ليس من مقصدنا أن نلجه هنا في هذه الورقة العابرة، فمن أراده فعليه بكتاب الله وهدي رسوله.

يتبع بإذن الله تعالى....
  #37  
قديم 13/10/2006, 09:53 PM
الدرر النهروانية الدرر النهروانية غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ الانضمام: 29/07/2006
الإقامة: في قلب النهروان
المشاركات: 85
12. مسميات الكفر والشرك ومعانيها:

كم سمعنا من أناس وقرأنا لغيرهم: أن الإسلام يحيف على الآخرين عندما يطلق عليهم مسمى الشرك والكفر.

وفي رأينا أن كلامهم هذا ينطوي على مغالطة أو سوء فهم في اللفظ والمعنى:

أما في اللفظ؛

فإن الإسلام سمى كل شيء باسمه،
ولكون القرآن الكريم جاء بلسان عربي مبين، فإنه لابد أن يركن إلى اللغة في تسمية الأشياء،

فالذي يؤمن بإله واحد فرد صمد،
ماذا يمكن أن يسمى غير موحد؟

وكذلك الذي يؤمن بتعدد الآله، أو بإلهين اثنين أو ثلاثة، أو يرفع الخلق إلى مصاف الخالق، أو ينزل بمنزلة الخالق إلى الخلق، تعالى الله عن ذلك وتقدس، أو يجحد وجوده ويجعل مكانه الطبيعة والدهر والمادة، أو يتبع البشر دون ربهم،
فماذا عسى أن يطلق على من يعتقد ذلك غير مسمى الشرك؟.

وكذلك مسمى الكفر، فهو مأخوذ من التغطية والستر،
فالكافر –اصطلاحاً– هو من يستر نعم الله التي أفاضها عليه فلا يعترف بها ولا يدين بدين الحق،
فالكفار إن لم يكونوا كذلك فماذا هم؟
هم قد كفروا بالله وما أنزل على محمد.

والمسلمون هم كذلك كافرون بما عند الآخرين من اعتقادات،
قال تعالى:
((قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ
إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ
كَفَرْنَا بِكُمْ
وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ
إِلا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ
وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ
رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ)) الممتحنة:4،

وقال:
((لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ
قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ
فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ
فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا
وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)) البقرة:256.
هذا ما يتعلق باللفظ.

أما في المعنى؛

فإن الإسلام –كما رأينا سابقاً– لا يقيم قطيعة مع الناس لذواتهم، فهو دائماً يريد لهم الخير،
ولكنه أيضاً سعى جاهداً إلى أن يخلّص الناس من أدران الشرك وأوزار الكفر،

فالإسلام لم يصنف الناس حسب أنسابهم أو ألوانهم أو وظائفهم في الحياة أو طبقات معيشتهم،
بل جاء ليلغي التعالي بكل ذلك،
وجاء ليجتث جذور الكفر وأصول الشرك من قرارة قلوبهم،
فإن لم يُعَرِّ ما في الكفر والشرك من ضلالات وأوهام وأخاليط؛ فماذا إذاً وظيفته في الحياة؟.

والكفر والشرك هما مصدر الظلم في الأرض،
قال تعالى: ((وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ)) البقرة:254.
وقال: ((إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)) لقمان:13،

والعقل شاهد على آثار الظلم التي تخلفها ميكنة الشرك وورشة الكفر في الكون،
فإن احتاج الليل إلى دليل على ظلمته، فلا شيء بعد ذلك يثبت في الوجود برهانه.
ويحق لنا بعد ذلك أن نستعير من الشاعر قوله في النهار فنقول:
وليس يصح في الأذهان شيء ### إذا احتاج "الظلام" إلى دليل

لقد استطاع الإنسان المعاصر –والمقصود هنا الكافر طبعاً– أن يضبط باختراعه إصابة أدق الأهداف عن بعد،
لكنه في ماذا سخر تلك الحذاقة؟
لقد سخرها في الفتك بالبشرية، ووأد أطفالها قبل قتل شيوخها، وترويع نسائها قبل سحل رجالها، فسعى هذا الإنسان في الأرض إفساداً للحرث وإهلاكاً للنفس،

هذا هو الظلم وأمثاله الكامن في قعر نفس الكافر، ولا يردعه عن ذلك إلا الإيمان الحق،
وكيف للبشرية أن تثق بمن لا يهاب خالق الكون، ولا يخشى عاقبة المآل؟!.

إن المسألة في نظر الإسلام أعظم من تسطيحها في معركة ألفاظ ساذجة يراها هؤلاء الذين ((يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ)) الروم:7.

يتبع بإذن الله تعالى......
  #38  
قديم 13/10/2006, 09:54 PM
الدرر النهروانية الدرر النهروانية غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ الانضمام: 29/07/2006
الإقامة: في قلب النهروان
المشاركات: 85
22. النهي عن استفزاز الآخرين:

طبعاً لا نحتاج هنا إلى سوق الأدلة على تحريم الإسلام كل ما يؤذي أحاسيس الآخرين ويؤدي إلى استفزاز مشاعرهم لكثرتها، من قبيل قوله تعالى:
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ
وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ
وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ
وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الأِيمَانِ
وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ،
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ
وَلا تَجَسَّسُوا
وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً
أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ
وَاتَّقُوا اللهَ
إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ،
يَا أَيُّهَا النَّاسُ
إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى
وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا
إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ
إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)) الحجرات:11–13.

وحتى لا يحتج علينا بأن هذه التوجيهات واردة في طائفة المؤمنين؛ بعضهم تجاه بعض،
وإن كانت المشكلة التي تعالجها هذه الآيات الكريمة هي مشكلة إنسانية فوق كونها عقدية إيمانية، وتمس الإنسان بكونه إنساناً قبل أن تمسه بكونه مؤمناً،
رغم أننا لا نفرق بين كينونة الإنسان وحقيقة الإيمان، فهما بعدان لمهيع واحد، ووجهان لعملة واحدة،
فالذي ينبتر عقد إيمانه الصحيح يتفلت عن سلك إنسانيته الحقة،
وذلك عندما لا يستخدم أدوات التعقل الإنساني في الوصول إلى الإيمان الرباني،
قال تعالى:
((وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالأِنْسِ
لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا
وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا
وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا
أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ
أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ)) الأعراف:179،

وقال:
((أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ
إِنْ هُمْ إِلا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً)) الفرقان:44.

حتى لا يحتج علينا بأن هذه الآيات وأمثالها جاءت لتحافظ على مشاعر المؤمنين دون غيرهم؛ فإننا نسوق الدليل بما هو نص في المسألة، على حدّ قول الفقهاء،
قال الله تبارك وتعالى:
((وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ
فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ
كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ
ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)) الأنعام:108.
المعادلة واضحة الإنصاف، والنص بيّن بنفسه، كاشف عن مراده،
لا يحتاج من الخلق إلى مزيد بيان، أو شيء من التفلسف.

يتبع بإذن الله تعالى......
  #39  
قديم 28/10/2006, 04:48 PM
الدرر النهروانية الدرر النهروانية غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ الانضمام: 29/07/2006
الإقامة: في قلب النهروان
المشاركات: 85
عدنا والعود احمد

23. الإسلام يحترم دور العبادة جميعها:

والإسلام أكثر مما مر،

فهو يرفض أن يُقتل عابد في صومعته،
أو يهدم بيت عبادته،

بل أعظم من ذلك أنه جعل من قانون التدافع بين البشر، الذي قد تدور على قطب من أقطابه رحى الحرب؛ جعل منه وسيلة إلى الحفاظ على دور عبادة الله تعالى بشتى أطيافها،
قال تعالى:
((وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ
لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ
وَبِيَعٌ
وَصَلَوَاتٌ
وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيراً
وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ
إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)) الحج:40.

هل بعد كل هذا يمكن أن يوصف الإسلام بأنه يصادر حريات الآخرين،
أو يعتدي على مقدساتهم،
أو يقصد دور عبادتهم بالهدم والتحريق،
أو يصفي أجساد من يخالفه،

إن الإسلام في غنى كامل عن مثل هذه الأنواع المهينة بشرياً، والرخيصة في ميزان الله تعالى،
فعقيدة الإسلام منبثة في الوجود قاطبة، فهي ناموسه الذي ينتظم أجرامه، وروحه التي تسري في أوصاله،
فما من ذرة من ذرات الكون، ولا خلية من خلايا الأحياء، إلا وهي ناطقة بتوحيد الله، مسبحة بحمده، مسلمة الخلق إلى الإيمان به،
قال تعالى:
((تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ
وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ
وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ
إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً)) الاسراء:44،

إن الإسلام لا يدخل بِرِهانِ العقيدة في مقامرة الموت والجبر والسحق والإكراه،
وإنما يشيد بنيانه المتين على فطرة الله في الوجود،
وصدق العلي العظيم إذ يقول:
((سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا
فِي الآفَاقِ
وَفِي أَنْفُسِهِمْ
حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ
أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)) فصلت:53.

وبعد؛

فهل يحق لبابا الفاتيكان أو لغيره أن يصف النبي الأعظم عليه السلام بأنه شرير! أو أنه نشر الإسلام بالسيف؟!.

((أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ))!! النحل:59.

((مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ،
أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ،
إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ))؟؟!! القلم:36-38.

يتبع بإذن الله تعالى.....
  #40  
قديم 28/10/2006, 04:49 PM
الدرر النهروانية الدرر النهروانية غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ الانضمام: 29/07/2006
الإقامة: في قلب النهروان
المشاركات: 85
24. الإسلام يحمي بيت الإيمان من إشعاعات الشرك:

للشرك إشعاعات نافذة وخطيرة، كثيراً ما قوضت الإيمان من قلوب الناس عندما يتقادم بهم العهد،
كما حدث لليهودية والنصرانية، حيث تم اختراقهما وثنياً،

هذا إن كان بابا الفاتيكان يفقه معنى الوثنية، ويرى آثارها ماثلة بين عينيه،
وإن كان لم يشعر بهذه الوثنية بعد، ولم ير أثرها على دينه –ونحن نشك في ذلك وهو أستاذ الفلسفة– فلينظر فقط في جدر كنيسته، وإن خرج عنها فلا يذهب بعيداً، فيكفيه أن يطل على متحف اللوفر بباريس، فهو قريب من روما.

ولذلك كان من الطبيعي أن يحمي الإسلام الخاتم بيت الإيمان من نفاذ هذه الإشعاعات،

فمن مقاصد الشرع الحفاظ على الدين،

هذا الحفاظ لم يكن بتصفية المخالفين كما بينا ذلك سلفاً،
وإنما هو بتحصين الجماعة المؤمنة، وسن تشريعات وقوانين تكفل لهم ذلك،

نذكر بعضها في الحلقات التالية إن شاء الله.....
  #41  
قديم 28/10/2006, 04:51 PM
الدرر النهروانية الدرر النهروانية غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ الانضمام: 29/07/2006
الإقامة: في قلب النهروان
المشاركات: 85
25. القانون الأول:

(((موالاة جماعة المؤمنين والبراءة من جماعة الكافرين)))

قد تكلمنا سابقاً بإسهاب عن نظرة الإسلام التي يشكّلها في نفس المؤمن تجاه المجتمع غير المسلم،
وقلنا بما ملخصه:
إن الأرض قاطبة هي أرض الله، والإنسان مستخلف عليها،
وأن البشرية هي مادة المؤمن للدعوة إلى الله تعالى، وأن بإمكان المؤمن أن يعيش في أي مجتمع كان، ويعطيه دينه القدرة الفائقة على التعامل الخُلُقي الفاضل مع كافة أصناف البشر،

ولكن ليس على حساب ذوبانه الديني،
وإنما جعل له الإسلامُ أحكاماً تحفظ له دينه أينما حلّ وارتحل،

ومن ذلك عليه أن يوالي جماعة المؤمنين، ويشعر بارتباطه العضوي معهم، وأنه يأرز إليهم في حال ملماته، ويفرح لفرحهم، ويحزن لترحهم، وأن يتآمر معهم بالمعروف، ويتناهى عن المنكر،
قال تعالى:
((وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ
بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ
يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ
وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ
وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ
وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ
وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ
أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ
إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)) التوبة:71،

وعليه كذلك أن يبرأ من الكافرين، وما يعتقدون من معتقد مُرْدٍ، وما يأتون من فعل مُزْرٍ،
قال تعالى:
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ
بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ
وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ
إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)) المائدة:51.

وقال: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ
تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ
يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ
وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ
وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ
وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ)) الممتحنة:1.

إن قانون الولاية والبراءة كفيل بأن يحجب المسلم من الانزلاق إلى مساقط الكفر ومهاوي الردى، وأن يعصمه من الانجراف إلى مواطن الضلال والانحراف عندما يحكم استخدامه،

وهذا قانون عام يجب أن يهيمن على حياة المؤمن قاطبة.

يتبع بإذن الله تعالى.....
  #42  
قديم 28/10/2006, 04:53 PM
الدرر النهروانية الدرر النهروانية غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ الانضمام: 29/07/2006
الإقامة: في قلب النهروان
المشاركات: 85
26. القانون الثاني:

(((حرمة مناكحة المشركين))) (1-2):

إن كان الإسلام قد وضع قانوناً كلياً للحياة يحفظ به روح الإيمان في قلب المؤمن، فإنه عني عناية خاصة بالأسرة المسلمة،
لأنها هي المحضن الأول والموئل الأخير للإنسان،
فلابد من سدَ المنافذ حتى لا تلج إليها إشعاعات الشرك،

ولذلك حرم الإسلام نكاح أهل الشرك تزوجاً منهم وتزويجاً لهم،
قال الله تبارك وتعالى:
((وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ
وَلأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ
وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا
وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ
أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ
وَاللهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ
وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ)) البقرة:221،

وقال:
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ
اللهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ
فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ
لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ
وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا
وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ
وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ
وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ
وَلْيَسْأَلوا مَا أَنْفَقُوا
ذَلِكُمْ حُكْمُ اللهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ
وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)) الممتحنة:10.
ومن الواضح بحكم قانون القوامة للرجال الذي أقره الإسلام وتبناه،
أنه يمنع الرجل المشرك أن يتزوج المرأة المؤمنة؛ حتى لا يفرض عليها وعلى أولادها دينه،

كما أن المشركة لعدم إحساسها بقداسة هذا القانون؛ فإنه يصبح عرضة لديها أن تتملص منه متى ما شاءت، هذا إن رضخت له من أول الأمر، ولذلك منع المسلم من الزواج بها.

وهذا التحريم ينسحب على أهل الكتاب، فلا يجوز للمسلمات أن يتزوجن الكتابي، لأنه بحكم قانون القوامة للرجال سيفرض عليها دينه.

ورب قائل يقول:
وإن كان الكتابي وغيره لا يعتد بهذا القانون الإسلامي، فهو لا يعنيه أمر دين امرأته في كثير أو قليل.
قلنا له:
إن قانون القوامة مقدس في الإسلام لكونه يحمي الأسرة من أن تضعضعها أمواج التغيير، أو تطيح بها أعاصير التبديل،
فالإسلام لا يعرف أسرة بدون قوامة، كما لا يعرف مجتمعاً بدون قيادة،
فهو لا يريد أن يعرض الأسرة التي تشكل المرأة المسلمة ركناً ركيناً منه إلى عواصف التغيير الهوجاء،
فهذا القانون غير خاضع للتغيّر، ولذلك فهو يحفظ المسلمة في دينها كما يحفظها أيضاً في أسرتها،

وعلى ذلك فلا يمكن أن نفهم مسألة زواج المسلمة من غير المسلم بعيداً عن استقرار الأسرة وثباتها، وهو ما يحققه قانون القوامة.

وأما الكتابية فللمسلم أن يتزوج بها، لأن دينه الذي منحه حق القوامة في الأسرة يمنعه من فرض هيمنته الدينية على معتقدها،
فليس للمسلم أن يمنع زوجته من ممارسة شعائرها الدينية،
كما أنه ليس له أن يكرهها على الإسلام،

وأما فهي؛ فبما لديها من أثارة علم بالشرائع الإلهية، وأن هيبة الأحكام الربانية لا زالت مترسبة في نفسها، فهي تدرك معنى التزام الإنسان بالشرع الذي نزل عليه، فقد أجاز للمسلم أن يتزوجها،

ولذلك عليها أن تعرف أن القوامة لرجلها المسلم، وهي غير مجبرة لقبول الزواج به إن كانت لا تريد الرجل المسلم أن يشملها بالقوامة الأسرية،

وفي حال موافقتها بمحض إرادتها فهي مجبرة على قبول قوامته عليها، كما أنه هو مجبر على احترام معتقدها،
قال تعالى:
((الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ
وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ
وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ
وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ
وَمَنْ يَكْفُرْ بِالأِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)) المائدة:5.

يتبع بإذن الله تعالى.......
  #43  
قديم 28/10/2006, 04:55 PM
الدرر النهروانية الدرر النهروانية غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ الانضمام: 29/07/2006
الإقامة: في قلب النهروان
المشاركات: 85
37. القانون الثاني:

(((حرمة مناكحة المشركين))) (2-2):

ولذلك؛ بناءً على ماسبق –في نظرنا– يمنع زواج المسلم بالكتابية إذا اختل العمل بقانون القوامة في الأسرة المسلمة،
لأنه في هذا الحال لا تؤمن هذه المرأة من أن تسرب أفكارها الكفرية إلى البيت المسلم، وتضخ بآرائها الشركية في ردهاته،
وكذلك إن كانت لهذه المرأة دولة تقف خلفها بقوة تتشجع بها بما يجعلها تتمرد على نظام الأسرة الإسلامي،
لأنها بذلك قد تسحب أطفالها معها إلى بلادها، فيترعرعون على عقيدة الكفرة، ولات حين مناص.

وبناء على مصالح الإسلام العليا في الحفاظ على نظامه الإيماني؛ فإننا نعارض تلك الصيحات التي تنادي بإباحة زواج المسلم من المشركة أو الكافر من المسلمة،

ولا نرى من التجديد في شيء أن يباح للمرأة التي تسلم أن تبقى مع الكافر الذي كان زوجها،
فإن تُذرِع بتعرض الأسرة إلى التفكك والتفسخ، فإن هذا من أغرب الذرائع، فهل أصلاً قد بقيت أسرة يحافظ عليها مع هؤلاء الذين يتعللون لهم بذلك؟!.

وإن سُلِّم بهذه الذريعة، فالمشكلة ليست في قانون الزواج الإسلامي الذي من مقاصده السامية الحفاظ على الإيمان بدين الله،
وإنما هي مشكلة الجماعة المؤمنة،
أو قل هو خلل في تطبيق القانون الأول؛ أي قانون الولاية والبراءة المعطل من قبل المسلمين،

فهذه الجماعة المؤمنة كان يجب عليها أن تحتضن هذه المرأة،
وأن تعمل على جذب زوجها إلى الإسلام،
وأن تأخذ بيدها إلى ما يحقق لها التوزان في مجتمعها،
وأن تلم شمل أسرتها بضم أولادها إليها في حال انفصال عرى الزوجية بإسلامها،
وأن تسلك مسلكاً قانونياً يشعر المرأة بعزة دخولها في دين الله تعالى.

يتبع بإذن الله تعالى.......
  #44  
قديم 28/10/2006, 04:56 PM
الدرر النهروانية الدرر النهروانية غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ الانضمام: 29/07/2006
الإقامة: في قلب النهروان
المشاركات: 85
28. القانون الثالث:

(((حرمة أكل ذبائح المشركين)))

كان من أمر أهل الجاهلية أنهم يذبحون على أوثانهم ومعبوداتهم، ويهلّون بالذبح لغير الله تعالى،
وكانت لا تُذبح الذبيحة إلا قرباناً لهذه الأوثان التي تعبد من دون الله،

وبذلك أصبحت عملية الذبح شعاراً وثنياً، وكأنما أرادوا أن لا تنبت لحومهم إلا بسحت الوثنية، ولا تجري في عروقهم إلا دماء الشرك،

فحوّل الإسلام هذه القرابين الجاهلية إلى مناسك إيمانية،
بحيث تربط عمليةُ الذبح الإنسانَ بالله تعالى،

وليعلم هذا الإنسان مقدار النعمة التي أنعمها الله عليه،
فهذا المذبوح مخلوق مثله، يتألم بما يصيبه، ولكن الله تعالى خالقه أجاز له الاستفادة منه، سواء بركوبه أو أكله، أو بما شرع له، وحتى لا يسخره الإنسان فيما لم يشرع له.

إن هذه النظرة المتراوحة بين الاستفادة والرحمة محكومة بميزان الصلة بالله تعالى والعبودية له، ولذلك أوجب الله تعالى على المؤمنين أن لا يأكلوا ذبائح المشركين،
فقال:
((حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ
وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ
وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ
وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ
وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلامِ
ذَلِكُمْ فِسْقٌ
الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ
فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ
الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ
وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي
وَرَضِيتُ لَكُمُ الأِسْلامَ دِيناً
فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)) المائدة:3،

وأن لا يأكلوا ما ذبح لغير الله كائناً من كان هذا المذبوح له، سواء كان وثناً أو شجراً أو حجراً أو إنساناً أو حيواناً؛ حياً كان أو ميتاً،
قال تبارك اسمه:
((إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ
وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ
فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)) النحل:115.

وكذلك حرم سبحانه وتعالى ما لا يتوجه به إليه فلا يذكر اسمه على ذبحه،
قال جلَّ شأنه:
((وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ
وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ)) الأنعام:121.

وهذا القانون لا يتوجه فيه بالعمل إلى فئة من الناس دون أخرى، ولا تخص به قومية من البشر، أو يحمل على عنصر نسبي،
بل كل من تلبس بموبقة الشرك وعار الكفر، ولو كان من أبناء المسلمين، أو سلالة المرسلين.

بل جميع القوانين الثلاثة التي ذكرناها هي فاعلة في جميع البشر، لا يميزهم إلا تقواهم لله تعالى،
وصدق الله العظيم إذ يقول:
((يَا أَيُّهَا النَّاسُ
إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى
وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا
إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ
إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)) الحجرات:13.

يتبع بإذن الله تعالى....
  #45  
قديم 28/10/2006, 04:57 PM
الدرر النهروانية الدرر النهروانية غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ الانضمام: 29/07/2006
الإقامة: في قلب النهروان
المشاركات: 85
29. الخاتمة:

هذه هي سيرة الإسلام التي يرسمها للمسلمين لكي يتعاملوا مع من خالفهم في المعتقد،

فهو يقرر:

- أن خالق هذا الكون بما فيه الإنسان هو الله الواحد.

- وأن الله كرم الإنسان بأن أسجد له من شاء من مخلوقاته، بما فيهم الملائكة.

- وأن الله استخلف الجنس الإنساني في الأرض لعمارة الكون واتباع تعاليمه.

- وأن الله وحده يجازي الناس حسب معتقداتهم، فمن اتبع هديه تغمده برحمته في جنته، ومن أعرض عن هذا الهدي أصلاه سعيراً خالداً فيه مخلداً.

- وأن مشكلة المعتقد عالجها الإسلام علاجاً ناجحاً في حين فشل البشر في حلها.

- وأن المؤمن لا يحمل ظغناً على البشرية بل يسعى إلى هدايتها على وفق منهج الله.

- وأن الله تعالى جعل للمؤمنين منهجاً قويماً يتعاملون به مع غيرهم، على مختلف الأوضاع الإنسانية؛ سقيمها وصحيحها.

- وأن الله جعل للمسلمين قوانين شرعية تحفظ لهم دينهم من الذوبان في خضم الشرك.

وفي الختام:

أسأل الله تعالى أن يوفق المسلمين إلى توحيد كلمتهم،
وأن يضع عقلاؤها المقومات التي تكفل عزة الإسلام، وتضمن انتشاره في الخافقين،
وأن يتبنى المسلمون خط التسامح الواعي الذي يهدف إلى كلمة سواء بين البشرية.

وعسى أن يكون بابا الفاتيكان صريحاً مع نفسه، وجريئاً على مواجهة حيفه الذي تصور أنه ينال به دين الله الخاتم،
فيعترف بالحقائق التي جاءت في القرآن الكريم؛ إن كان قد درسها وهو أستاذ للفلسة،
وإلا فعليه أن يتجه إلى أقرب مصحف تناله يده فيقرأه ليجد أن كلمة الله لا تريد من الناس إيمان النفاق بل إيمان الاقتناع، وأن رسول الله صلى عليه وسلم حاشاه أن يخرق هذا القانون الإلهي.

هذا؛

ودعائي للجميع أن يتقبل الله الرؤوف الرحيم صومهم وعبادتهم.

ولكم مني أحسن التحيات وأجمل التهانئ بمناسبة حلول أيام عيد الفطر المبارك.

وأياماً سعيدة عليكم وعلى جميع المسلمين.

وأسأل الله تعالى أن يهدي الإنسانية إلى دينه القويم.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
  #46  
قديم 28/10/2006, 04:58 PM
الدرر النهروانية الدرر النهروانية غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ الانضمام: 29/07/2006
الإقامة: في قلب النهروان
المشاركات: 85
شاكرة لكم حسن متابعتكم
  #47  
قديم 29/10/2006, 04:04 PM
صورة عضوية الشرق الاسلامي
الشرق الاسلامي الشرق الاسلامي غير متواجد حالياً
عضو متميز
 
تاريخ الانضمام: 02/02/2005
الإقامة: صحم
المشاركات: 1,179
بارك الله فيك
  #48  
قديم 07/11/2006, 08:40 PM
الدرر النهروانية الدرر النهروانية غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ الانضمام: 29/07/2006
الإقامة: في قلب النهروان
المشاركات: 85
اقتباس:
أرسل أصلا بواسطة الشرق الاسلامي
بارك الله فيك
وفيك اخي العزيز
 

أدوات الموضوع البحث في الموضوع
البحث في الموضوع:

بحث متقدم
تقييم هذا الموضوع
تقييم هذا الموضوع:

قواعد المشاركة
ليس بإمكانك إضافة مواضيع جديدة
ليس بإمكانك إضافة ردود
ليس بإمكانك رفع مرفقات
ليس بإمكانك تحرير مشاركاتك

رموز الصور لا تعمل
رموز لغة HTML لا تعمل

الانتقال إلى


جميع الأوقات بتوقيت مسقط. الساعة الآن 09:19 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions Inc.
سبلة العرب :: السنة 25، اليوم 126
لا تتحمل إدارة سبلة العرب أي مسئولية حول المواضيع المنشورة لأنها تعبر عن رأي كاتبها.