سبلة العرب
سبلة عُمان الصحيفة الإلكترونية الأسئلة الشائعة التقويم البحث مواضيع اليوم جعل المنتديات كمقروءة

العودة   سبلة العرب > سبلة الثقافة والفكر

ملاحظات

 
 
أدوات الموضوع البحث في الموضوع التقييم: تقديرات الموضوع: 3 تصويتات، المعدل 3.67.
  #151  
قديم 01/09/2004, 02:14 AM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Smile

أسباب النزول... بين السماء العليا والسماء الدنيا!

محمد عابد الجابري:


الاثنين 28 يونيو 2004 22:25

عبارة "أسباب النزول" مصطلح إسلامي حظي باهتمام كبير في جميع العصور الإسلامية، سواء عند المفسرين والمحدِّثين والفقهاء أو عند المؤلفين في ما صار يدعى منذ القرن الثاني للهجرة بـ"علوم القرآن"، أي جملة المعارف و"العلوم المساعدة" التي لابد منها لفهم القرآن، ومن بينها "العلم بأسباب النزول". وإذا كان بعض العلماء قد قلل من شأنه هذه لكثرة ما اعتراها من اختلاف وتعدد في الروايات، فإن الإجماع يكاد ينعقد على ضرورة المعرفة بها، خاصة في مجال التشريع، خصوصا والقرآن نزل منجما، مفرقا، على مدى 22 سنة (منها 5 في مكة و17 في المدينة، على الأشهَر). وخلال هذه المدة كانت تنزل الآية أو بضع آيات (ونادرا ما نزلت سورة بكاملها)، لتقرير حكم بالتحليل أو بالتحريم أو بالترغيب أو بالنهي الخ، حسب الظروف والأحوال. ويذهب بعض المفسرين إلى أنه ما من آية في القرآن إلا ولها سبب لنزولها. يزكي هذا ما روى عن الصحابي ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال:"والَّذي لا إله غيره ما نزلتْ آية من كتاب الله تعالى إلاَّ وأَنا أَعلم فيمنْ نزلت، وأَين نزلت" (البخاري).
وأهمية المعرفة بأسباب النزول في مجال التشريع ترجع إلى أنها تفيد في معرفة القصد من تشريع الحكم، وفي التمييز بين العام والخاص، والناسخ والمنسوخ... الخ. ولتأكيد هذه الأهمية يذكر المؤلفون في "علوم القرآن" أمثلة ذات دلالة خاصة: منها ما يحكى عن الصحابيين عثمان بن مظعون وعمرو بن معدي كرب من أنهما كانا يقولان:"الخمر مباحة"، ويحتجان بقوله تعالى:"لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا..." (المائدة 93). وقد رد عليهما الصحابة العارفون بأسباب النزول بأن الأمر يتعلق بأناس قالوا، لما حرمت الخمر‏:‏ "كيف بمن قُتِلوا في سبيل الله وماتوا وكانوا يشربون الخمر وهي رجس"؟! فجاءت هذه الآية لتجيب عن هذا السؤال. ومثال آخر، قوله تعالى:"وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَـئْخِرِينَ، وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ..." (الحجر 24-25)، وواضح أنه يصعب فهم هاتين الآيتين بدون المعرفة بسبب نزولهما، وهو كما يلي، قالوا: "كانت تصلي خلف النبي عليه السلام امرأة حسناء في آخر النساء، فكان بعض المصلين "يستقدم" أي يتقدم في الصف الأول ليراها، وكان بعضهم "يستأخر" في الصف المؤخر، فإذا ركع نظر من تحت إبطه"، فنزلت الآية. ومن هذا الجنس أيضا: قوله تعالى:"ِنسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ..." (البقرة 223). ومن جملة ما قالوا في سبب نزول هذه الآية أن أهل المدينة كانوا يقلدون اليهود في طريقة الجماع، فكانوا لا يأتون النساء، مثلهم، إلا على جنوبهن. أما أهل مكة فكانوا على عادة قريش:"يشرحون النساء شرحا منكرا، ويتلذذون منهن مقْبِلات ومدبرات ومستلقيات". فلما قدم المهاجرون من مكة إلى المدينة تزوج رجل منهم امرأة من الأنصار فذهب يصنع بها ذلك فأنكرته عليه، وقالت:"إنما كنا نؤتى على حرف! فاصنع ذلك وإلا فاجتنبني". فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم؛ فأنزل الله عز وجل:"فأتوا حرثكم أنى شئتم"؛ وقد فسر جلُّ المفسرين لفظ "أنى" بمعنى كيف، أي:"من أيّ وجهٍ شئتم، مقبلات ومدبرات ومستلقيات، على أن يكون الإيتاء في موضع الولد" (الفرج). غير أن بعضهم فسر "أنى" بـ"أين"، واستنتجوا أن وطء الزوجة في الدبر مباح. وممن نُسِب إليه ذلك بعض كبار أهل السنة مثل سعيد بن المسيب ونافع وابن عمر وآخرين. فكان الرد عليهم أن "الحرث" لا يكون إلا في المكان المُنْبِت (مكان الحمل)، وأن الشرع قد حرم الوطء أثناء الحيض بسبب القذارة فكيف يجوز في مكان هو مخرج القذارة في كل وقت (تفسير الطبري، وتفسير القرطبي، وآخرين).
من هذه الأمثلة يظهر مدى ارتباط القرآن بالواقع الإنساني، مما يؤكد ما سبق أن أبرزناه من ضرورة المعرفة بأسباب النزول لفهم آياته وأحكامه. ومن هنا كان لا يجوز البتة توظيف آية منه في أي شأن من الشؤون، كالإفتاء والتفسير والوعظ والاستشهاد، بدون المعرفة بأسباب النزول.
نعم هناك آيات محكمات وأخر متشابهات كما قال تعالى:"هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ..." (آل عمران7). فالمحكمات تقرر مبادئ الإسلام الكلية مثل قوله تعالى:"الله أحد"، "وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ"، الخ. مثل هذه الآيات لا يُحتاج في فهمها إلى المعرفة بأسباب النزول، فمعانيها واضحة لا تحتمل إلا وجها واحدا من التأويل. أما "المتشابهات"، وهي كثيرة، فهي تحتمل أوجها متعددة من التأويل لوقوع نوع ما من اللبس والاشتباه في معاني ألفاظها أو في تراكيب عباراتها، أو للتعارض الظاهري بين بعضها وبعض، ولذلك كان لابد لفهمها من المعرفة بأسباب نزولها، إضافة إلى أشياء أخرى كالمعرفة بالعربية وأساليبها... الخ.
ولكثرة المتشابه في القرآن وصف بأنه "حمَّال أوجه"، أي أن جل آياته تحتمل أوجها متعددة من التأويل، الشيء الذي يعني أنه ذو نظام معرفي مفتوح على جميع الأصعدة: على صعيد الدلالة اللغوية لألفاظه وتراكيبه، وعلى صعيد ترتيب آياته وسوره كما على صعيد مقاصده وأسباب نزوله، وأيضا على صعيد الإثبات فيه والمحو والتبديل والنسخ والنسيان. وهذه أمور نبه عليها القرآن نفسه فقال تعالى: "يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ" (الرعد 39)، (و"أم الكتاب" هي اللوح المحفوظ. انظر لاحقا). وقال تعالى:"مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا..." (البقرة 106). وقال سبحانه:"وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ" (النحل101). وفي الحديث "إن القرآن أنزل على سبعة أحرف" (لغات، وكيفيات).
جميع ما تقدم، سواء حول أسباب النزول والمتشابهات أو حول المحو والتبديل والنسخ والنسيان... الخ، أو "الأحرف السبعة" يطرح مسألة علاقة القرآن بالواقع : القرآن كلام الله. والله، ذاته وصفاته وأفعاله، منزه عن كل تغيير أو تأثر بأي شيء كان. أما الواقع، الطبيعي منه والحيواني والإنساني، فهو مجال التغيير وتبادل التأثير! فكيف نفهم إذاً كون الحادثة الفلانية هي "السبب في نزول" هذه الآية أو تلك؟ كيف نفهم كون الله يمحو ويثبت ويبدل وينسخ في نص هو القرآن كلامه، الذي ينقله جبريل إلى النبي عليه الصلاة والسلام؟
هذه مسألة قديمة طرحها علماء التفسير منذ عصر الخلفاء الراشدين، وقد أدلوا فيها بتأويلات مختلفة. وفي نظرنا فإن أقربها إلى "معهود العرب" على صعيد التصور "العالم" للكون في ذلك العصر هو ذلك الذي عبر عنه ابن عباس، وكان المرجع الأكبر في تفسير القرآن. وهذا ملخصه، كما ترويه كتب التفسير، قال:"إن أول ما خلق الله القلم، فأمره أن يكتب ما يريد أن يخلق"، وكان المكتوب هو "اللوح المحفوظ"، ويعبر عنه القرآن أحيانا بـ"الكتاب" كما في قوله:"إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ، فِي كِتَابٍ مَكْنُون، لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (الواقعة 77- 79) (يعني: الملائكة، المطهرين من الذنوب)، وأحيانا أخرى يسميه بـ"أم الكتاب". من ذلك قوله تعالى:"حم، وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ، إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ، وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ" (الزخرف1-4). فاللوح المحفوظ أو الكتاب بمعنى واحد، وهو "النسخة الأصل"-إذا جاز التعبير- التي كتبها "القلم"، بأمر الله، وهي شاملة لعلم الله المحيط، ثابتة لا يعتريها محو ولا نسخ ولا تبديل، ومكانها السماء العليا. ومنها نزلت "نسخ" الكتب السماوية الأخرى على الأنبياء السابقين لتخاطب كل قوم بما هو الأصلح لزمانهم وأحوالهم. فالقرآن "نسخة" خاصة من أم الكتاب أي اللوح المحفوظ: أنزلها الله دفعة واحدة، من السماء العليا إلى السماء الدنيا السابعة:"فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ" (البقرة 29)، ومن السماء الدنيا كان جبريل ينزل بالقرآن على النبي محمد عليه الصلاة السلام، مفرقا: حسب الظروف والمناسبات ومقتضى الأحوال. وهذه الكتب التي أنزلت على الأنبياء من السماء الدنيا كان اللاحق منها يأتي "مصدقا لما بين يديه" أي لما جاء به السابق. أما القرآن فقد جاء مصدقا لها كلها ولكن، أيضا "مهيمناً" عليها: يقول تعالى مخاطبا رسوله الكريم:"وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ" (المائدة 48)، والمعنى: أنزلنا إليك الكتاب، الذي في اللوح المحفوظ، في صيغة قرآن عربي مبين، وجعلناه مصدقا لما سبق أن أنزلنا منه من كتب/نسخ، كالتوراة والإنجيل، وجعلنا القرآن َمُهَيْمِنًا عَلَيْهاِ، أي مسيطرا، من حيث صدقه وشاهدا على أنها من عند الله وحافظا لها.
وبناء على هذا الفهم فلا معنى للتحرج من استعمال عبارة "أسباب النزول". فالمقصود هو أن الحادثة التي كانت سببا في نزول هذه الآية أو تلك، تندرج هي والآية التي نزلت فيها في محتوى اللوح المحفوظ، أي في سابق علم الله. في هذا الإطار يمكن تجاوز اللبس والاشتباه ما بين مضمون قوله تعالى:"مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ" (الأنعام 38)، وقوله:"وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا" (الطلاق 12) من جهة - وهذا ما عبر عنه بعض فلاسفة الإسلام بـ"علم الله الكلي"-، وما بين قوله تعالى:"وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلًا (الإسراء 106) وهذا ما عبر عنه أولئك الفلاسفة بـ"العلم بالجزئيات". فعلى هذا النوع الأخير ينطبق مفهوم "تاريخية النص"، بمعنى أن للنص القرآني علاقة مباشرة بالواقع، وأن له حضورا في مجال النسبي. ولكن هناك وراء هذه "التاريخية" مجال آخر، مجال "اللاتاريخ"، مجال المطلق، هو اللوح المحفوظ، أم الكتاب. فالآيات المحكمات هن من مجال المطلق واللاتاريخ، أما الآيات المتشابهات فهن من مجال النسبي، مجال التاريخ. والصنفان معا يعبر عنهما القرآن بقوله:".. كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ" (هود1)، وأيضا:"كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنا عَرَبِيًّا" (فصلت 3). فالمقصود بـ"الكتاب" هنا هو اللوح المحفوظ أو علم الله الأزلي. هذا "الكتاب" قد نزل على النبي محمد عليه الصلاة السلام مفصلا مفرقا: بعضه يقرر العقيدة وبعضه يبين الشريعة وبعضه فيه قصص وتذكرة للعبرة والموعظة... بعضه ناسخ وبعضه منسوخ، بعضه ثابت وبعضه ممحو.. الخ.
هذا التصور الذي يروى عن ابن عباس، والذي عبرنا عنه بـ"معهود العرب" العلمي، ينسجم تماما مع التصور الفلسفي الذي كرسه فيما بعد كل من الفارابي وابن سينا والمتصوفة المتفلسفة. وهذا موضوع يتطلب قولا خاصاً.
عدد 2004/06/29

الاتحاد الإماراتية
  مادة إعلانية
  #152  
قديم 01/09/2004, 05:19 PM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
هيكل والجزيرة.. والهجوم علي مصر في الخارج!
2004/08/30


سليم عزوزہ

القرعة تتباهي بشعر بنت أختها. والقرعة لمن هم خارج الحدود الجغرافية لجمهورية مصر العربية، هي من ليس لها شعر، يعني: زلبطة . وليست القرعة فقط هي التي تتباهي بشعر بنت أختها، وانما أيضا من في حكمها، مثل ذوات الشعر المجعد الخشن، الذي يعد وجوده مثل عدمه، بل ان عدمه افضل. ولتقريب المسألة للقارئ، فان السيدة كونداليزا رايس تندرج في قائمة من في حكم القرعة ، ويكفي نظرة الي شعر رأسها، حتي تقف علي هذه الحقيقة المرة!
ونحن نفعل ما تفعله القرعة، فنتباهي بقناة الجزيرة . لست انا فحسب، ولكن عامة العرب وخاصتهم، سواء العرب العاربة او العرب المستعربة، ما عدا الحكومات العربية، فهي تكره الجزيرة كراهية التحريم، او كراهية المعارضة، لان هذه القناة القطرية كشفت هذه الحكومات علي حقيقتها، ليس في انها تذيع من الأخبار او تستضيف من الضيوف ما ينكد عليها، ويكشف عوراتها، وهي مكشوفة للمارة، ولكن لانها كشفت عجزها وهوانها علي شعوبها، فلا يوجد في هذه الدول من المحيط الهادر الي الخليج الثائر تليفزيون واحد عليه القيمة يتبع نظاما من هذه الأنظمة، مع ان كل نظام لديه وزير إعلام، كان قبل الجزيرة ينظر لنفسه في المرآة فيظن نفسه عملاقا، في حين انه في حجم عقلة الإصبع ، ولا يُري بالعين المجردة، وان دققت فيه النظر، ضعف الطالب والمطلوب!
وعلي المستوي الشخصي، فالجزيرة يرجع لها الفضل في ان تحول وزير الإعلام المصري المشلوح الان صفوت الشريف الي نكتة، ليس فيما يقوله، عن إعلام الفتاكة، والريادة، والحداقة، الذي شيده باقتدار كما يوحي، فيكفي ان تراه حتي تفطس من الضحك، فظهوره لـه نفس مفعول النكتة البايخة، علي الرغم من محاولة أنصاره إضفاء الأهمية عليه، والتعامل معه كما لو كان شجيع السيما ابو شنب بريمة!
مؤخرا تشرفت قناة الجزيرة بالأستاذ محمد حسنين هيكل، وكنت أتمني ان تتشرف باستضافة حمدي قنديل علي شاشتها، لكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه. والغريب ان الأستاذ حاول في الحلقة الأولي من برنامجه: مع هيكل ان يبرر ظهوره علي هذه القناة، التي يناصبها التوجه الرسمي في المحروسة العداء. ولم يكتف بمحاولة التبرير مع انه عاد فيها وزاد، وانما أكده في حوار مع صحيفة العربي في مصر!
هيكل قال للزميلة نور الهدي زكي انه اشترط علي الجزيرة ان يأخذ التليفزيون المصري حق إذاعة الحلقات في أي وقت وبلا مقابل!
ولا اخفي انني تبسمت ضاحكا عندما قرأت ما قاله للزميلة نور، ونشرته العربي ، فقد تصورت انه يمزح بهذا الشرط، لانه أول من يعلم ان تليفزيون الريادة الإعلامية لن يبث له كلمة، لا بمقابل، ولا بدون مقابل، ولا حتي بدفع مساحة البث، للأسباب التي سيرد ذكرها!
لقد كنت أتصور ان الأستاذ يمزح عندما ذكر هذا الشرط، ولكن من الواضح انه كان جادا، والدليل ان من وقع العقد معه ممثلا للقناة القطرية، تعامل مع شرطه بكل جدية، واشترط في المقابل ان الا يذيع التليفزيون المصري قبلهم، وان يذيع علي محطاته الأرضية فقط. وواضح ان سيادة الموقع لا يعرف ان التليفزيون المصري لصاحبه صفوت المشلوح لا يحتفي الا بالعاهات ولا يروج الا للجهلة، ومن يعد المهيب الوزير صفوت بجانبهم فيلسوفا لا يشق له غبار!
شرط هيكل، الذي لم يتفهمه الجانب الآخر فاحتاط له بشروط، يمكن فهمه في اطار ما ذكره في أول كلام له في برنامجه عبر قناة الجزيرة ، فقد سعي الي تبرير اختياره لهذه القناة القطرية، ومن الواضح ان الرجل شعر بحرج من ان يتحدث عن الشأن المصري خارج الحدود، ولهذا فقد تعامل كمن علي رأسه بطحة تحسسها في اول لقاء، وعليه ذهب يؤكد انه كان يفضل ان تكون إطلالته عبر تليفزيون بلاده، ولكنه استدرك، وقدم عذره للمشاهدين والبصاصين، فالتليفزيون المصري له ظروفه، التي حالت دون تحقيق أمنية الأستاذ!
هيكل ممنوع من الظهور علي شاشة التليفزيون المصري، وهو شخص يمكن ان يكون وجوده علي قيد الحياة في حد ذاته غير مرغوب فيه، لانه قد يذكر البعض بضآلتهم، لذا فانهم يسكون عليه. لاحظ انه تولي رئاسة تحرير الأهرام فقفز بتوزيع عددها الأسبوعي الي 750 ألف نسخة، في وقت كان عدد سكان المحروسة لا يتجاوزن الـ 16 مليون نسمة، وكانت نسبة الأمية مرتفعة، وقد نجح في ان يصبح نجم شباك حسب التعبير السينمائي، يترقب الناس كتاباته من الأسبوع الي الأسبوع، في فترة كان فيه شارع الصحافة يزدحم بالقمم!
وقد سعي خصوم الرجل الي تحطيمه، ومحاولة إرجاع نجوميته الي علاقته بجمال عبد الناصر، مع ان نجوميته بدأت قبل الثورة وهو في بداية مشواره الصحافي، فضلا عن ان الساحة الصحافية كانت زاخرة بالكتاب الكبار، الذين يعد هيكل بالنسبة لهم مجرد محرر في الاوله في الغرام، بل ان عبد الناصر كانت تربطه ببعضهم علاقة جيدة حتي قبل ان تقوم ثورته، وكانت نظرته لبعضهم ـ مثل إحسان عبد القدوس ـ نظرة التلميذ للأستاذ، وكون هيكل نجح في ان يفرض وجوده علي ناصر بعد ذلك، فان هذا دليل علي قيمته، فلم يكن الرئيس عبد الناصر بالشخص الهفية الذي يصطفي شخصا ضعيف الإمكانيات، هذا ناهيك عن ان السلطة لا تستطيع ان تصنع نجوما من الهواء، وان اجتمعت له، وظني ان بعض الأنظمة في العديد من بلدان عالمنا العربي، وعلي مر التاريخ، وقفت بالباع والذراع وراء كتاب بعينهم، ولم تنجح في فرضهم علي الناس، علي الرغم من محاولاتها المستميتة، فالفسيخ قد يتحول الي شربات في كثير من الاحيان، الا في مجال كمجال الكتابة والفكر!
ولن نعيد ونزيد، ونلت ونفت، في محاولة التأكيد علي ان قيمة صاحبنا يستمدها من ذاته، فقد مات عبد الناصر، وتم طرده من عرينه ، وهو الأهرام ، و ترك للجميع الجمل بما حمل، وظل ردحا من الزمن يكتب خارج مصر، ومع هذا فقد ظل نجم النجوم في عالم الكتابة، ولا يزال الناس يهرعون الي حيث يجدونه، علي الرغم من الحملة التي شنت ضده في عهد الرئيس السادات، والتي شارك فيها الحابل، والنابل، والنائم علي صرصوره .
فهيكل صنع الأهرام ولم تصنعه، وارتفع بتوزيعها علي الرغم من قلة عدد السكان، وانتشار الامية، ولن نقارن زمانه بزمان غيره، حتي لا يتم اتهامنا بخدش الحياء العام للقراء، لكن بيت القصيد في ان هذا يجعل البعض يعتبرون وجوده علي قيد الحياة حتي الان امر غير مرغوب فيه!
هذه واحدة، والثانية ان هيكل شغل في فترة من الفترات منصب وزير الإعلام الإرشاد القومي وقتها ، واذا عقد احد مقارنة بينه وبين صفوت الشريف الذي شغل المنصب لمدة 22 عاما، فان هذا يمكن ان يفسر السر في نظر البعض الي وجوده علي النحو سالف الذكر، ولعله يفسر ما قاله الأستاذ عن ظروف التليفزيون المصري التي حالت دون استضافته فيه!
منذ اكثر من عشر سنوات تورط السيد سمير سرحان رئيس هيئة الكتاب في دعوة الأستاذ هيكل للمشاركة في إحدي ندوات معرض القاهرة الدولي للكتاب، عندما كان البعض يتصور ان الديمقراطية التي نرفل فيها تتسع لأي احد، وتستوعب أي كلام، وقد قدر لي حضور هذه الندوة وفوجئت بالآلاف الذين جاءوا من كل فج عميق ليشاهدوا الأستاذ، ولعل الذين سمحوا له بالحضور قد فوجئوا بهذا العدد الضخم، الذي ضاهي حضور المنتمين للتيار الإسلامي الذين احتشدوا في المعرض لمشاهدة المناظرة الشهيرة بين الدكتور فرج فوده من جهة، والشيخ محمد الغزالي ومأمون الهضيبي والدكتور محمد عمارة، من جهة أخري، وهي المناظرة التي عقدت في نفس العام أيضا! لقد تم اعتبار دعوة الأستاذ في هذا العام خطأ، مع ان ما حدث كان ينبغي ان يعمق، فالتيار الإسلامي ليس وحده القادر علي الحشد، وليس وحده المتحكم في الشارع المصري، وهو ما تتم الشكوي منه الان، حيث يتم الترويج بان الشارع مملوك ملكية كاملة للإخوان، وان الديمقراطية يمكن ان تدفع بهم الي سدة الحكم!
لكن تبقي المشكلة فان كراهية القوم لهيكل ـ الذي لا ينزل لهم من زور ـ جعلتهم لا ينظرون الي نصف الكوب الملآن، فقد استغرقهم النظر الي نصفه الفارغ، وعليه فقد استبعدوه في العام التالي، وقد تحول استبعاده الي سؤال في كل مؤتمر او ندوة او لقاء للمسؤول عن المعرض، وهو السؤال الذي كان يحمل في طياته اتهاما للسلطة بأنها ليست ديمقراطية بالشكل الذي تشيع، وقد استطاع من تحاصرهم الاتهامات التغلب عليها في الأعوام التالية بالاستعانة بأحد المعارضين ليكون ضمن اللجنة المشرفة علي معرض الكتاب، وقد تصدي بدون خجل او وجل وبصفته مستأجراً لهذه المهمة لاصحاب السؤال عن عدم دعوة هيكل، واعلن في بجاحة يحسد عليها بأن هيكل ليس هو المقياس الوحيد علي ديمقراطية المعرض، ومادام هناك من يعتبرونه كذلك، فعنادا فيهم لن يستضيفوه، بعد ان حول المنع كما لو كان وليد العند الذي يولد الكفر!
وهذا المعارض هو تعبير عن روح العصر الذي نعيش فيه، فدور المعارضة في البلدان التي توجد بها تعددية سياسية ان تنتقد السلطة وتعارضها وتقف لها علي الواحدة ، أما في البلدان العربية فان المعارضة الحقيقية خارج التنظيمات السياسية، ولا يراد لها ان تكون موجودة علي الساحة بشكل رسمي وفي إطار قانوني، لان هذا الإطار يضم المعارضين شكلا، فالهدف منهم الديكور ليس الا، وحتي إذا قالت الحكومة: أما نعيمة ؟ ردوا عليها: نعمين !
المهم، فان إحساس الأستاذ كما لو كانت علي رأسه بطحة تحسسها قبل ان يتحدث عن الشأن المصري في وسيلة إعلامية خارجية، امر يحتاج الي دراسة، فهذه العقدة بدأت بالاتهام الذي كان سائدا في عهد الرئيس السادات لمن ينتقدونه في صحافة الخليج، بالهجوم علي مصر، بعد ان تم اختزال مصر في شخصه الكريم، وهو الاختراع الذي توصل اليه الكاتب المغفور لـه بإذن الله ثروت اباظه، وعليه سار جميع سدنة المعبد.
وكانت صحافة الخليج في هذا الوقت الذي تعارض السادات بسبب توقيعه معاهدة كامب ديفيد مع العدو الإسرائيلي، وكان البعض مخلصا في معارضته فلم يلبس وطنيته بظلم، لكن هناك من كانوا يفعلون هذا نتيجة ارتباطهم بأنظمة الصمود والتصدي، التي كانت تدفع لهم بالتي هي احسن مقابل الهجوم علي الرئيس الذي هو مصر، وهم الذين ينتمي اليهم المعارض العنيد سالف الوصف، فقد ارتمي هؤلاء بعد توقف الدعم الخارجي، وبعد وفاة السادات، في أحضان السلطة الدافئة، واصبحوا يرفعون نفس الشعارات عن عدم جواز معارضة مصر في الخارج، ولم تعد مصر هي الرئيس فحسب، وانما اصبح حتي عادل إمام، وعمرو دياب، وحنان ترك هي مصر، والأخيرة سبق لها ان أحدثت مشكلة في إحدي البلدان العربية لانها سافرت للمشاركة في مهرجان فني ولم يوفروا لها سيارة مرسيدس سوداء، وعادت تقول انها دافعت عن كرامة مصر! ولا أنكر أنني أتحرج كثيرا من الحديث عن الشأن المصري في الإعلام الخارجي، وكنت أتصور انني بحكم النشأة في أقاصي الصعيد تغلب علي التربية القبلية، ولم اكن أتصور ان الأستاذ هيكل مثلنا.. يا حلاوة!
عموما شكرا للجزيرة، التي نفاخر بها الامم، فالقرعة تتباهي بشعر بنت اختها، وها انا افعل!

ہكاتب وصحافي من مصر


القدس العربى
  #153  
قديم 27/09/2004, 01:38 PM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
الهدم أو الإصلاح في دول الخليج

د. طارق سيف


لم يفلح المشروع الأميركي غير الواضح المعالم للإصلاح السياسي في الشرق الأوسط، والذي بدأت الإدارة الأميركية تتراجع عنه، في أن يكون نموذجاً مرضياً لأحد. ولم يقل عنه فشلاً النموذج العراقي، الذي كانت الولايات المتحدة تقول إنه سيصبح مثالاً يحتذى في المنطقة، فهل تعتقد الولايات المتحدة أنه من بين الحطام والخراب والفوضى العراقية سيبرز نموذج للديمقراطية تتعلم منه دول الشرق الأوسط؟ بالطبع لن يكون هذا الوضع الفوضوي، الذي أوصلته العبقرية الأميركية إلى حافة الحرب الأهلية، نموذجاً للديمقراطية في المنطقة.
كذلك يجب أن نشير إلى أن مسألة المشاركة السياسية والمحاسبة وحكم القانون عملية شبه مستحيلة في دول الخليج، وأن النقلة الديمقراطية موضوع غير متداول ما دامت معدلات إنتاج النفط عالية، والأغلبية تكتفي بالمنزل والوظيفة وبعض الامتيازات الأخرى، الأمر الذي يجعل المشاركة السياسية والإصلاح مفاهيم غير معروفة لدى العامة.
ولكن الإصلاح السياسي في الخليج يجب ألا يكون من منطلق أميركي أو من نموذج عراقي، ويجب ألا يكون كالنموذج الغربي للديمقراطية. المطلوب هو نظام يتناسب مع خصوصية الوضع الخليجي، حتى يحرر الإدارة الحكومية على الأقل من الفساد والفوضى والرشوة والمحسوبية وغيرها من الأمراض السياسية والإدارية. لذا رأيت هنا أن أخبركم عن المفهوم الخليجي للإصلاح.

إذا كان المعنى العام للإصلاح يعني التغيير والمحاسبة السياسية والتنمية السياسية والأداء الأفضل، وغيرها من الإصلاحات الإدارية المضادة للرشوة والفساد، وتعيين المرأة المناسبة أو الرجل المناسب في المكان المناسب، فإن معظم الساسة الخليجيين قد أعادوا تفسير الإصلاح، واستخدموا مفاهيم وأنماطاً تنتمي إلى القرون الوسطى، وتسيطر عليها الروابط العائلية والعلاقات الشخصية في استقطاب الموظفين للإدارات المختلفة. لذا أقترح على أهل الخليج نسيان كلمات إصلاح ومشاركة سياسية، والتعامل مع أمور أبسط مثل "شخصنة الوظيفة" وجر العائلة من المنزل إلى مقر العمل. فالعمل الحكومي الخليجي أصبح على طريقة الأغنية الأميركية الشهيرة (we are family)، وصارت الإدارة الحكومية هي العائلة. وأصبح طبيعياً تماماً أن يقوم وزير بتعيين أخيه مسؤولاً عن الأوقاف، ووزير آخر يعين أخاه وزيراً، وأحياناً تجد أباً يعين ابنه وكيل وزارة خوفاً من ضياع مستقبله، أو خالاً يعين ابن أخته العزيزة وكيلاً مساعداً، أو وزيراً يعين زوجة صديقه الحميم وكيل وزارة، أو مدير إدارة يعين شقيق زوجته الجديدة مديراً للشؤون المالية والإدارية.

هذا إضافة إلى دور زوجات الوزراء والمديرين والمسؤولين في تعيين إخوانهن وأخواتهن وصديقاتهن في مناصب مرموقة في وزارات أزواجهن طبعاً، هذا إضافة إلى استخدام موارد الدائرة أو الوزارة من سيارات، وفراشين وموظفين، ··· إلخ، وهذا شيء طبيعي، لأن الوزارة هي البيت والبيت هو الوزارة. هذا الخراب الإداري مستمر ومقبول في بعض مجتمعاتنا الخليجية، فالحديث إذاً عن الإصلاح السياسي مسألة بعيدة ومعقدة، لأننا لا زلنا في مرحلة "الوزارة هي البيت" و"النظام هو العائلة:".

هذا هو الجزء الأول من ظاهرة الخراب الإداري والسياسي في الخليج، والذي أطلقت عليه "الوزارة العائلة". أما الجزء الثاني فهو المرض المزمن النابع من الجانب المظلم من الحياة السياسية العربية عموماً والخليجية على وجه الخصوص. وفي اعتقادي أن هذا الجانب هو السبب الرئيسي في التخلف السياسي والإداري في معظم دول الخليج، والقضاء على أي شكل من أشكال التنمية السياسية. هذا الشكل يقوم على مقولة محلية: "أمسك مجنونك لا يجيلك أجن منه"، بمعنى آخر اترك هؤلاء المسؤولين أكبر فترة ممكنة ولا تقم بتغييرهم، فإن كانوا سيئين فأنت على الأقل تعرف مساوئهم، وإذا كانوا لصوصاً فإنهم بالتأكيد شبعوا واكتفوا، فلماذا تأتي بمسؤول جديد ليسرق ويرتشي من جديد؟ ومن هنا تجد أن المسؤولين والموظفين الحكوميين لا يتغيرون.

هل يعقل أن يستمر وزير في المنصب نفسه لمدة 30 عاماً، أو وكيل وزارة لمدة 25 عاماً، لماذا؟!! هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى تتكرر أسماء أشخاص من العائلة نفسها، وكأنهم "مركز الثقة العام في المجتمع". بالطبع يصبح المؤهل، والخبرة، والقدرات، والإبداع، والفهم، والأخلاق، أمورا ثانوية في نظام (الوزارة العائلة)، المهم أن تكون من العائلة. أما مؤهلاتك أو قدراتك فهي قضايا بسيطة يمكن التغلب عليها وسط الجو العائلي الوزاري البهيج.

حتى في المجالات غير السياسية تنتشر الثقافة نفسها والقواعد ذاتها. ففي المجال الرياضي مثلاً، تجد أن الأسماء تتكرر منذ السبعينيات من القرن الماضي، والخبراء هم أنفسهم، على الرغم من أنه ليس لدينا عباقرة كرويون في تاريخنا مثل فرانس بكنباور أو الجوهرة السوداء بيليه، أو حتى منتخبات كان لها تاريخ في بطولات عالمية. ومع هذا نجد أن رؤساء الأندية والشخصيات الرياضية والعاملين في مجال الرياضة ما زالوا موجودين منذ أيام الشورتات القصيرة، وحتى اليوم مع ظهور التصميمات الجديدة للشورتات. هل يعقل أنه لا يوجد سوى هؤلاء الأشخاص في الرياضة؟!! لقد زاملهم الفشل في السابق، ونحن نعيدهم اليوم ليكرروا الفشل ولكن بتصميم جديد.

في الحقيقة، عيب أن نتحدث عن الإصلاح في ظل كل هذه الظروف والمعطيات، والأفضل أن نتحدث عن وسائل تطبيق القيم والأصول العائلية على كل إدارة حكومية. وقد يكون من الأفضل تخصيص بدل مالي مناسب لوالدة ووالد كل مسؤول لكونهما ساهما في ولادته، وإصدار قانون يسمح بتعددية ذوي القربى في المناصب الرئيسية، حتى يكون العمل عائلياً وسلساً وتكتنفه الألفة والثقة. ويجب السماح لأخوال وأعمام المسؤول وشركاته الخاصة أن تقوم بتوريد ما تحتاجه الوزارة من معدات ومتطلبات إدارية، وإذا كان هناك حرج فيفضل أن يشارك المسؤول أو أقرباؤه أحد الأصدقاء المقربين ثم "ينصص معاه" أي "ففتي ففتي". وهنا تعم الفائدة، ويكون هناك مردود حقيقي لعمل العائلة في الوزارة.

ومن الممكن أيضاً أن يسمح القانون لبعض دول الخليج بتنويع مفهوم العائلة، بحيث يضم أيضاً مفهوم القربى بالسكن، بحيث يمكن لبعض المسؤولين تفضيل بعض أبناء إمارته أو منطقته الجغرافية فلا مانع، وهكذا يتسع مفهوم الوزارة العائلي ليغطي جميع الظروف الجغرافية.

والآن عن أي كوسة إصلاحية نتحدث أو أي تطوير سياسي نريد؟!! إننا نتحدث عن أشخاص مسؤولين يفسدون في الإدارة بسرقتها وتعيين أقربائهم، وبالطبع لا أحد يحاسبهم ولا هم يحاسبون العائلة، وأغلبهم أصابهم الاهتراء بسبب طول فترة عملهم في المنصب نفسه.

والغريب أن من يقوم بهذه الأعمال شخصيات بارزة في المجتمع، ويعتمد هذا بالطبع على مفهوم البروز في المجتمعات المتخلفة. وأغلب هذه الشخصيات العائلية بذلت جهداً كبيراً للحصول على شهادات عليا هدفها البهرجة على الأغلب، وأغلبهم لا يستطيع قراءة كتاب أو كتابة مقالة أو حتى استخدام الكومبيوتر. وأعتقد أن 90% من كبار المسؤولين الخليجيين أميون بالمفهوم الحديث للمصطلح، وأغلبهم يستخدمون الشهادات التي حصلوا عليها لإكمال الوجاهة الاجتماعية للمنصب، فالعديد منهم تخرجوا من جامعات بريطانية بشهادات دكتوراه، ولكنهم لا يجيدون اللغة الإنجليزية ولا يستطيعون الكتابة أو حتى إلقاء محاضرة بلغة انجليزية مفهومة، وأغلبهم خريجو "جامعة الدكتور شعبان" يرحمه الله.

بالطبع فإن لقب "دكتور" كان له هدف اقتصادي واجتماعي لدى هؤلاء المسؤولين أكثر منه علمياً تربوياً أو ثقافياً، ومن هنا نجد أن هؤلاء المسؤولين استخدموا صدمة شهادة الدكتوراه وتأثيرها على المجتمع والعلاقات مع الأشخاص النافذين للحصول على مناصب وأموال طائلة. وهذا يقودنا إلى حقيقة مؤلمة في دول الخليج، وهي أن الوطنية بعيداً عن الدخل مسألة نسبية، وأتحدى أيا من المسؤولين أن يستطيع أن يفرق بين الدخل والانتماء. ومما يعزز هذه الفكرة الخطيرة أن المسؤولين يساهمون في ذلك بتصرفاتهم والتمسك بتعيين أقاربهم متجاهلين الكفاءات الوطنية الأخرى. لذا فالتحدث عن الانتماء الوطني في ظل هذه الصورة القاتمة للحياة الإدارية الحكومية يعتبر مسألة معقدة.

لذا نناشد دول الخليج إعادة النظر في موظفيها الحكوميين الكبار قبل أن تنخفض عوائد النفط، لأنهم سيواجهون جيلاً شاباً لا يفهم تصرفات "الوزارة العائلية"، ولا يعترف بأسلوب توزيع الدخل، وهذا يعني وجود خطر يهدد الأمن القومي لهذه الدول. علينا جميعاً أن نفكر بالمستقبل في ظل هذه الظروف ونتحدث عن الإصلاح السياسي الحقيقي إذا كنا نريد فعلاً تنمية وتطوراً وتحديثاً ونأخذ مكاننا الطبيعي في العالم.




المصدر وجهات
  #154  
قديم 04/10/2004, 04:59 PM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Unhappy في السعودية.. من يجرؤ علي الكلام؟!

في السعودية.. من يجرؤ علي الكلام؟!
2004/10/04


سليم عزوز


القرار السعودي التحفة بتجريم التحدث للفضائيات، ليس الا إقرار واقع، وتقنين تهمة، هي مجرمة بدون نص، فجاء القرار ليجعلها مجرمة قانونا، ومحرمة شرعا، ومن يقدم علي هذه الفعلة الشنعاء، يعامل معاملة العبد الآبق علي مولاه، وتبدأ المعاملة ـ كما هو معلوم ـ بضربه علي عنقه بالدرة، ولا تنتهي بسجنه، ليكون عبرة لمن كان له قلب او ألقي السمع وهو شهيد، والحالة الوحيدة التي سيكون مسموحا له فيها بعد ذلك بالتعامل مع الفضائيات، هي ان يخرج علي الناس، ليقول: غيرت أفكاري بلا صفقة مع السلطة !
الحديث للفضائيات، بشكل لا يعجب أصحاب القداسة، والفخامة، والسمو، مجرم سلفا، العقوبات يحددها المزاج العام، وأهواء أولي الأمر، والهوي ـ كما هو معروف ـ غلاب، فكان من الطبيعي في زمن الإصلاحات، ان يتم تحديد العقوبة، حتي لا يتم ترك الأمور سداحا مداحا، وهذا بما لا يليق بقوم يعد الرئيس بوش اقرب إليهم من حبل الوريد، بدليل انه قبل ان يقدم علي احتلاله للعراق عرض الأمر علي سفيرهم في واشنطن، وذلك قبل ان يحيط به وزير خارجيته كولن باول علما، والذي كان كالأطرش في الزفة.
بوش وباقي أفراد بطانته ـ او عصابته لا فرق ـ من دعاة الإصلاح، وأول أمر في مجال الإصلاح ان يعرف المتهم رأسه من رجليه، وان يعرف العقوبة التي ستنزل به اذا تجاوز حده، ولم يعرف قدره، وإذا لم يعرف ان الخروج علي الحاكم بالسنان هو مثل الخروج عليه باللسان، والخروج باللسان لا يعني مهاجمته، او التعريض به، او اهاجة العامة والدهماء فقط، ولكن في رفع الصوت، وهو ما يستدعيه التعامل مع الفضائيات العربية. ولو كان الكلام هو ريان يا فجل، فيكفي ان ولي الأمر رأي فيه خروجا علي الآداب العامة!
منذ أربع سنوات كنت ضيفا علي برنامج الاتجاه المعاكس لصاحبه الدكتور فيصل القاسم، وكان مناظري هو الدكتور سليمان الشمرلي أستاذ الإعلام في جامعة الملك سعود بالرياض، ولان صاحب البرنامج اعتاد الانحياز لاحد الضيوف، وتحويل الضيف الآخر الي مسخرة أمام الجماهير، ولأنني كنت علي يقين من انني لن أكون الضيف الذي سينحاز له، فقد دخلت الأستوديو محتشدا، وعلي طريقة أهلنا في صعيد مصر: قاتل او مقتول، واضعا في الاعتبار الا اسمح لـ فيصل او لضيفه بالاستفراد بي، او الاستقواء علي.
لن اعيد سرد ما حدث، فالمساحة تحول دون ذلك، فضلا عن ان ذكره قد يكون فيه ما يظهر فيصل القاسم علي غير ما يحب، والمشكلة ليست فيه بصراحة، فالمشاركة في برنامجه ليست هدفا، علي الأقل بالنسبة لي، وعندما دعاني في الحلقة الموعودة عبثا حاولت الاعتذار، والفرار بجلدي، ولكن المشكلة في ان شقيقه أنور القاسم من أسرة تحرير القدس العربي ويزاملني في كتابة هذه الزاوية.
يكفي ان أقول ان محسوبكم صعيدي، وهو وان كان قد ترك الصعيد ويعيش في القاهرة، الا ان الصعيد يعيش فيه، وقبل هذا كان محتشدا، وبعده فان شعاره: لا تتمنوا لقاء العدو واذا لقيتموه فاثبتوا ، وهذا من شأنه ان يمكن القارئ من الوقوف علي ما جري في هذه الحلقة!
قُصر الكلام، فحتي بحكم طبيعة البرنامج، لم اكن علي وفاق مع الدكتور الشمرلي يدفعني الي مجاملته، لكني انزعجت عندما علمت منذ أسابيع قليلة ان الرجل بعد ان عاد الي بلاده فرضوا عليه الصمت، عقابا علي مشاركته في هذه الحلقة من البرنامج، في وقت كان أهل الحكم في السعودية، ولا يزالون، ينظرون الي الجزيرة علي أنها رجس من عمل الشيطان، والي فيصل القاسم بحسبانه الشيطان الأكبر، وهذا لوحده يكفي لتجريم صاحبنا، والتعامل معه علي أساس انه مجرم حرب!
ومعلوم ان فرض الصمت علي الدكتور الشمرلي كان قبل إصدار القرار التحفة، سالف الذكر، بتقنين العقوبة علي جريمة الحديث الي وسائل الإعلام، والمقصود بها الفضائيات، وبدون لف او دوران فان المشاركة في قناة الجزيرة هي المستهدفة بالتجريم، مع انه من الظلم البين ان تتم العقوبة بدون نص، فأهل الحكم في المملكة بحكم كونهم يطبقون الشريعة الإسلامية، كما يشيعون عن أنفسهم، يعلمون ان ذلك مما لا يجوز فما كنا معذبين حتي نبعث رسولا ، وظني ان غريمي في برنامج الاتجاه المعاكس لو كان يعلم ان ما اقدم عليه يمثل تهمة، فانه لم يكن قد فعله، والدليل انه التزم بما فرضوه عليه من عقاب، ولم يتبرم منه، ولم يثره حتي عبر منظمات حقوق الإنسان، وكانت النتيجة انني علمت به، وبالصدفة البحتة، بعد اكثر من أربع سنوات من إنزال العقاب به!
وبالقطع فان سليمان الشمرلي محظوظ، لان العقوبة كانت مجرد فرض الصمت والدفع به لان يعيش في حاله ولا يكرر خطيئته، لان ما حدث مع الدكتور سعيد بن زعير بعد هذا يؤكد ان القوم كانوا رحماء به، وان عليه ان يقبل يده وجها وظهرا، وفضيلة الاعتراف بالجميل تفرض عليه ان يعلق لافتة طولها خمسة أمتار أمام منزله تأييدا وبيعة لخادم الحرمين الشريفين، وولي العهد، ووزير الخارجية صاحب المبادرات الفشنك، وعلي البيعة خادم البرجين الشريفين الامير بندر صديق بوش الوفي!
فالدكتور سعيد شارك بالهاتف في برنامج بقناة الجزيرة تناول أحد أشرطة تنظيم القاعدة قبل حوالي عام، ولكن لان المنحوس منحوس ولو علقوا في رقبته فانوسا، فقد كانت محاكمته بعد الفتوي العظيمة لاحد علماء المملكة بتحريم مشاهدة الجزيرة، او النظر اليها، ولو من وراء حجاب، فكان عقابه شمطه خمس سنوات سجنا، والتهمة هي: إثارة الفتنة، والحض علي مخالفة ولي الأمر . والغريب ـ والامر كله غريب ـ ان المحاكمة تمت بدون محام، مما يفقدها الحد الأدني من المشروعية.. معذرة لانني اقف في الغابة واتحدث عن القانون!
ان مما يثير السخرية ان ممثل الجمعية السعودية لحقوق الإنسان قال لا فض فوه ومات بالسكتة الدماغية كارهوه: ان المحاكمة تمت وفق القواعد المرعية رغم عدم وجود محام .. انظر الي إحدي علامات يوم القيامة، وقد ورد في الأثر: اذا انتزع الحياء من الأرض فانتظر الساعة .. فالحكومات العربية أقامت مجالس ديكورية لحقوق الإنسان، ولم تحافظ علي استقلالها الصوري، وانما زجت بها في مواجهة، لتبدو علي النحو الذي ظهرت به الجمعية السعودية، لتفقدها الثقة والاعتبار في اول المشوار!
ان بوش هز طوله وادان انتهاكات حقوق الإنسان في دارفور، وبوش ومعه شيراك هزا طولهما وادانا التمديد لاميل لحود، لكن لا بوش ولا شيراك ادانا تكميم الافواه والمنع من الكلام في السعودية وغيرها من البلدان الصديقة والحليفة، فهما هنا صم بكم عمي فهم لا يبصرون، وأما هناك فهم نشطاء في مجال حقوق الانسان، مع ان العقاب هنا ينزل علي ابداء الرأي لا اكثر، الأمر الذي يعد قرينة علي ان الذي يحرك بوش او شيراك ليس الدفاع عن حقوق الناس، ولكنه الغرض، والغرض مرض!
وتتضح الصورة اكثر عندما نري انه في الحالة السعودية لم يتم التوقف عن سياسة العصف بالمثقفين لانهم تحدثوا عبر قناة الجزيرة، وانما تم تقنين العقوبة بقرار، الأمر الذي يجعلنا إزاء حالة من سوء استخدام السلطة منقطعة النظير، واذا كان الرائد متقاعد صفوت الشريف قبل ان يشلح الي مجلس الشوري المصري طالب المثقفين المصريين بعدم المشاركة في برامج الجزيرة ، واصدر أوامره بضرورة مقاطعتها، بحسبان ان من يشارك فيها خائن وعميل، فان الامر توقف عن هذا الحد ولم يتجاوزه الي إنزال العقاب وتقنينه كما حدث في المملكة العربية السعودية!
يا قوة الله، مثقف يشارك في برنامج، ولم يقترب من آل سعود بشطر كلمة، ومع هذا يعاقب بالصمت، واخر يشارك في برنامج بالهاتف فيعاقب بالسجن خمس سنوات وكأنه يتاجر في الممنوع، يحدث هذا من قبل حلفاء أمريكا في المنطقة، و في وقت يقدم فيه بوش نفسه علي انه راعي حقوق الإنسان، وان الانتهاكات الواقعة علي الشعب العراقي هي التي جعلته يجيش الجيوش ويعلن الحرب الأبدية علي صدام حسين.
انها أنظمة تعيش خارج التاريخ، بل وخارج الدنيا كلها!

كاتب من مصر



القدس العربى
  #155  
قديم 09/10/2004, 02:30 PM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Thumbs up

من أجل الوطن وحده نكتب
ابراهيم بن حمود الصبحي


الكتابة من أجل الوطن أو للوطن أو في حب الوطن لاتحتاج لمبارزة ولا لمباراة. الكتابة للوطن ليست لعبة يتبارى فيها اللاعبون ليظهر كل منهم كفاءته الفردية ويبهر جمهور المتفرجين بلياقته واستعداداته الفنية.
ولأن الكتابة عن الوطن فن يؤدى جماعيا، فلا تظهر الحركات الفردية كثيراً. انه فن الاداء والابداع والامتاع الجماعي. واذا كنا نتبارى من أجل الوطن فلا احسب ان احداً سيخرج خاسراً. الكتابة للوطن مكسب عظيم لمن اجاد الكتابة وتحلى ببعض الصفات الفنية كالمهنية والاحتراف وهي ايثار وتضحية. ان فن الكتابة لايجيده الا القليل فكيف اذا كان الهدف سامياً هو الوطن. ليس كل من تغنى باسم الوطن ألغى دور الآخرين - وليس كل من امتشق قلمه وخط كتابته ظن انه وحده في الساحة. انه كالغراب لا ينعق الا وحده يوقظ بصوته، لكنه لا يطرب صوتاً ولا يعجب شكلاً. وكذلك بعض الكتابات كالغراب تأتي نشازاً انها كالسراب يحسبه الظمآن ماء فلا يزيده الاعطشاً.
الكتابة لمن احبها واجادها واجب وطني ووعي بالمسؤوليه. انها جرأة على القول الحق والرأي السليم لا تملقاً ولا تسلقاً لأحد. الكتابة حصافة وحكمة وتخطيط سليم لاتخبط فيه. لغة الكتابة اليوم هي لغة العلم وهو المنطق. لغة الحقائق لا المعارف المطلقة لغة الارقام والاحصائيات لا لغة المشاعر المبرمجة والعواطف التي تدغدغ الاحاسيس دون سند علمي. لذلك فان الكثيرين يملكون كماً هائلاً من المعلومات لكن لا يحسنون استخدامها. انهم يسيئون لكتاباتهم ولقرائهم.
عندما نكتب عن الوطن فلا نحتاج لوصاية احد ولا ولاية أحد ولا ننصت الا لوازع الضمير وحده. لا نندفع في الكتابة ولا نتأثر الا بما نملكه من معلومات. لا نلتزم الا بما يخدم مصالح امتنا ولاندع احداً أو طرفاً يؤثر في كتاباتنا. ليست لنا مصالح شخصية ولا توجد لدينا اغراض ذاتية. نكتب على عين الشمس وفي وضح النهار لا نجيد السباحة على الظهر ولا التجديف للقفاء ولا نسير في الخفاء. دافعنا في الكتابة اظهار الحقائق لكل الناس على حد سواء. لا نماري لكن نجامل تأدباً ولا نتوارى خلف الكلمات لان كتابتنا شفافة يراها الجميع من أي اتجاه. لانستخدم مصطلحات لانها ليست كتابات فلسفية. لانهاب ولا نخاف من أحد ولكن نراعي ولاة أمورنا ومسؤولينا وضمير أمتنا فنحن ضميرها الحي. لانتاجر في مصالحها لاننا شركاء معها بل نحن الجزء وهي الكل ونحن الفرع وهي الاصل. نحن الذراع وهي الزند الذي يقدح. اذا كانت هي القلب فنحن الشرايين التي يتدفق منها الدم ليغذي الجسم وينقل له الحياة. علّمنا الصراحة فهي تربية لا اكتساب. منذ اول يوم عدنا فيه لنساهم كغيرنا في بناء هذا الوطن تعلمنا الصراحة من معلم النهضة الاول صاحب الجلالة السلطان المعظم يحفظه الله. لان جلالته وكما أكد على ذلك مراراً يرفض مصادرة رأي الغير مهما اختلف. وللخلاف ومن اجل الخلاف خلق الله البشر. ولاخلاف على مصلحة الوطن.
لذلك نحترم رأي الآخرين بقدر التزامهم بمهنية الحوار وحرفية المناقشة وعلمية الاستعراض بعيداً عن كل التشنجات والعصبيات فان الصراحة والشفافية هما شهادة الكاتب التي يقدمها على صدق كتاباته وليس وضع الغرز بين السطور. امتهان الكتابة ليس بالأمر الهين. والفرق بين امتهان الصحافة وحرية الصحافة كبير ونحن نكتب في اطار واسع يسمح لنا بحرية التحرك لا المناورة وعندما تتعرض حريتنا ومهنيتنا لصدمة من غير محترف يُكون حجم هذه الصدمة كبيراً. لان الطيش في الكتابة والغرور في المحاورة لا يتفقان مع المهنية ولامع الاختصاص. هنا تبدأ المزايدة والمراهنة والتحدي والتعدي. وحتى لا تختلط الأوراق على أحد فان احترام القلم لمداده هو أس التوقف خشية المناوشات والضجيج والفرقعة الاعلامية. الكاتب يرى نفسه في كتابته انها مرآته ، انها الاناء الذي ينضح به محتواه والكتابة التي تبتعد عن الاستعراضات اللفظية والحشو الكلامي تكون اقرب للفهم والتقرير والتقدير. لقد دأب كتاب في السابق للجوء إلى اسلوب الغمز والهمز واللمز من جوانب خفية ودارت رحى مساجلات كلامية ونشبت حروب بين بعض الكتاب حول رأي أو موضوع معين وادارت هذه الحوارات فئات كان همها لا اجلاء الحقيقة بل اثارة ضجة اعلامية وزوبعة استعراضية لتغذية صراعات معينه الا ان جمهور القراء انتبه لذلك فصار يبحث عن الحقيقة المجردة البعيدة عن الغلواء والمغالاة المبطنة باهداف شخصية أو مكاسب ذاتية يريد الكاتب ان يحققها من وراء كتاباته. جمهور القراء اليوم العموميون منهم أو المحترفون المهنيون صاروا يركزون على كتابات تتسم بالمهنية لا الموسوعية الفضفاضة - ولان القارىء لم يعد يعطي للوقت ثمنه فصار يقرأ مقالات مركزة تتجه نحو الهدف المباشر. لذلك تنوعت وسائل عرض المادة العلمية والاعلامية عبر الصحافة والتلفزة والشبكات الفضائية(الانترنيت) وهذه لا تفضل الاسترسال الكبير في الكتابه فتدعو المتخصصين في مواضيع معينه لسرعة الوصول للفائدة ، انها جرعات سريعة صغيرة لكنها مركزة. ومن هنا بات على الكاتب ان يتحرى الدقة والموضوعية والابتعاد عن العرض الشخصي ومن هنا يستفيد الوطن افادة كبيرة من هؤلاء الكتاب لخصوصيتهم. ولان حرية الرأي في بلدنا مكفولة وحرية الكلمة وحرية القراءة هي من سمات هذا العهد الزاهر فيجب الا يتعدى احد على هذه الحريات ليدخل من مداخل اخرى يعتقد انها توصله لاغراضه الذاتية. فالجمهور من القراء اصبح يملك من الذكاء ورقه الشعور وشفافيه الحساسية ما يساعده على اكتشاف الكتابة الجيدة النافعة دون غيرها. لذلك آثر كثير من الكتاب المحترفين ان يتركوا الساحة لبعض الكتاب غير المحترفين فخلت الساحه وللأسف الشديد من هؤلاء الكتاب الا ما ندر وخسر الوطن مادة علميه ثرية اذا اختلط الغث بالسمين ودخل البحر من يجيد ولا يجيد السباحه ودخلنا في عالم ماراثوني استعراضي. ولقد تنبهت كثير من دور الصحافة والنشر لهذه الظاهرة وراحت تبحث عن كتاب يحترمون كتاباتهم ولا يضيقون ذرعاً بما يكتب الاخرون فاصبحت قلة كما قلنا ممن يحترمون اقلامهم التي وضعت في اغمادها ودخلنا مرحلة النوافذ الالكترونيه (ويب سايت ولاي ميل) كل يفتح له نافذة عبر الانترنت ويكتب ما يشاء لمن يشاء وكيفما يشاء واصبحت الكتابة تعريضاً وتحريضاً وهجوماً شخصياً لاتحترم القيم بل تعتدى على ادبيات الكتابه وتقاليد الصحافه واخلاق الاعلام المتزن الهادف.
سنبقى ملتزمين بادبيات الكتابة وباخلاقياتها - لان استمرار الكاتب ونجاحه من دوام القراءة المستنيرة لكتاباته والكاتب الناجح هو القادر على صنع قارىء فاهم متيقظ متعطش لقراءة المزيد مما يثرى فكره ويوسع علمه ومداركه. ان عدم الرد لا يعني الترفع وقبول الرأي الآخر لايعني التسليم به. لذلك فهناك إلى جانب شروط الكتابه ادبياتها وتقاليدها التي لا يجب ان نتعداها ولا ان نحيد عنها ولن نسمح لأحد ان يعتدي عليها تلك هي سماتنا واخلاقياتنا لانتأثر برياح المعارضة فالناس خلقوا آراء متعددة ومتفرقين لكنهم يجتمعون على رأي لقناعة ذاتية وليس بتسليم عشوائي أو جبري.
هكذا تعلمنا ان نحترم اقلامنا قبل ان نحترم اقلام الآخرين. ومن لايحترم مهنيته فلن يجد آذاناً صاغيه لا ولاقلوباً واعية. عندما نقتنع بالكتابة لن نتردد لانها خدمة للوطن الذي ندين له بالطاعة والولاء وكما يقولون القافلة تسير بتصميم أهلها.
الوطن بحاجة لاخلاص في الرأي وصدق في الكتابه وسماحة في تقبل الرأي، ولان الوطن للجميع فلا تحتشي او تضيق صدورنا في قبول بعضنا البعض لأن من ضاق صدره فسد رأيه. والعقل السليم هو التربة الخصبة التي تحيا وتثمر فيها بذرة الافكار المعافاة (من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فانما يضل عليها).

جريدة عمان
5/10/2004
  #156  
قديم 13/10/2004, 02:42 AM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Cool

ويسألونك عن الإصلاح في مصر
2004/10/07

سليم عزوز

الجائع يحلم بسوق الخبز ، ولهذا فقد عُقدت أمال عراض علي مؤتمر الحزب الوطني الحاكم، حيث تصورنا ان القوم سيسوون فيه الهوايل ، وسيأتون بالذئب من ذيله، وسيدشنون خلاله للإصلاح، الذي كانوا في كلامهم عنه كمن يطحنون، وظننا ان الطحين سنراه في هذا المؤتمر. لكن الذي حدث أننا كنا كمن صام وافطر علي بصلة، حيث تمخض الحزب الوطني الحاكم، بجلال قدره وعظيم حجمه، فولد فأرا ميتا!
لقد تصورنا ان المؤتمر العام للحزب هو اللحظة الفارقة بين الكلام عن الإصلاح والفعل، وغرتنا الأماني، وكرس لدينا ذلك، الزفة التي مهدوا بها لهذا المؤتمر، حتي كنا ننام ونحلم بموعد انعقاده، وقد فاتنا ان الحداية لا يمكن ان تلقي كتاكيت، وان الذين تربوا علي موائد الفكر الشمولي، وعاشوا في كنف أنظمة القمع، لا يمكن ان يتكرموا ويتعطفوا علي الشعب ويعطوه حريته، ويكونوا مع الديمقراطية قولا وفعلا، لان هذا ضد طبيعة الأشياء من ناحية، ومن ناحية اخري فان الإصلاح خطر علي مستقبلهم السياسي، وعلي أوضاعهم و علي الأملة التي هم فيها، والتي ما كانوا بالغيها الا بشق الأنفس، في ظل حياة ديمقراطية سليمة!
لقد ظننا ـ والظن لا يغني عن الحق شيئا ـ ان مسيرة الإصلاح ستشهد تكريسا لفكرة التعددية، بعد ان كان من نتاج الوضع القائم، والمشوه الان، ان يعطي لزعيط ومعيط ونطاط الحيط الشرعية ورخصا بأحزاب، هي في الواقع لفرد أو ما تيسر من أفراد أسرته، وأقرباء الدرجة الأولي في شجرة العائلة، في الوقت الذي تضن فيه علي مشروعات جادة، وعلي تيارات حقيقية، حتي اصبح من المعلوم بالضرورة ان حصول من يتقلص طموحه في لهف الـ 50 ألف جنيه في العام، وهو الدعم المقرر للأحزاب، ثم يشكر الحكومة والقيادة السياسية، ويقبل يده وجها وظهرا، اسهل من حصول أي مشروع جاد علي المشروعية القانونية، بل بات من المستقر عليه ان هذه المشروعات لن تر النور حتي يلج الجمل في سم الخياط، او حتي يري صاحب المشروع حلمة أذنه، او النجوم في عز الظهر، أيهما اصعب! فلجنة شؤون الأحزاب، حكومية شحما ولحما، وتصورنا ان أصحاب الحزب الحاكم في مؤتمرهم العام سيضعون هذا في اعتبارهم، ولكنهم كانوا بما أشاعوه من تيسيرات، احتفي بها الإعلام الحكومي، المقروء، والمسموع، والمرئي، كمن باع لنا التروماي او العتبة الخضراء!
فقد قالوا ان اللجنة ستشكل ـ في ظل الإصلاح النابع من الداخل ـ من تسعة أعضاء، منهم ستة من الشخصيات العامة والقضائية التي لا تنتمي الي الأحزاب. ومن يسمع هذا وللوهلة الأولي سيظن اننا دخلنا في مجال الإصلاح أفواجا، فغالبية أعضاء اللجنة يقفون علي الحياد، لكن التجربة عودتنا ان من يقع عليهم الاختيار من هذا الصنف، يكونون ملكيين اكثر من الملك، وحكوميين اكثر من الحكومة، ولا يهتمون الا بالألف جنيه التي يحصلون عليها كبدل للجلسة التي جلسوا فيها وقرروا الموافقة علي رفض إنشاء الحزب المقدم إليهم، لانهم يعتبرون ان اختيارهم هو بمثابة مكافأة نهاية الخدمة في البلاط الحكومي، لاحظ انهم في التشكيل الحالي كانوا لا يتخيرون في مواقفهم عن وزيري: الداخلية، والعدل، ورئيس مجلس الشوري، ووزير شؤون البرلمان، والذين ينتمون للحزب الحاكم بحكم طبيعة عملهم، وبعضهم قيادات في هذا الحزب، ولم نسمع ان أحدا من أعضاء اللجنة الذين ينضوون تحت لافتة الشخصيات العامة قد اختلف في الرأي مع موقف أعضاء اللجنة من الحكوميين، ولو مرة ذرا للرماد في العيون، علي الرغم من كونهم من أعضاء ورؤساء الهيئات القضائية السابقين!
ومن الأعضاء المستقلين في اللجنة ـ او من يتصور انهم مستقلون ـ يقوم باختيارهم ـ وحسب الوضع الحالي ـ رئيس الدولة، اما ما تمخض عنه مؤتمر الحزب الحاكم في زمن الإصلاحات الكبري، فان اختيارهم يتم بمعرفة رئيس الجمهورية، الي جانب رئيس مجلس الشوري، ووزير شؤون المجلس، فضلا عن وزير الداخلية الذي هو بحكم عمله يعد وجوده في لجنة منوط بها منح الشرعية للأحزاب أمرا غريبا، وهو يد الحزب الحاكم التي يبطش بها، وعينه التي يري بها، ناهيك عن ان رئيس مجلس الشوري هو الأمين العام للحزب الوطني، كما ان وزير مجلس الشوري هو عضو في حكومة الحزب، وقبل هذا وبعده هو أحد قياداته الكبار، ولنا ان نعرف طبيعة الشخصيات التي سيختارها هؤلاء.. انهم ـ والحال كذلك ـ سيكونون مجرد أدوات في يد من اختاروهم، وسيكونون مع الحزب الحاكم في المنشط والمكره، حتي وان لم يوقعوا استمارة عضوية فيه!
وبحسبة بسيطة، فان اقتراحهم الذي طلعوا به السماء السابعة، وركزت عليه وسائل الإعلام، وأفردته الصحف بالبنـــــط العــــريض، لا يختلف عن الوضع الحالي كثيرا، فالأعضاء المحايدون ـ او من يفترض فيهم الحياد ـ في اللجنة زادوا اثنين، والأعضاء الحكومــــيون نقصوا واحدا هو وزير العدل، فضلا عن ان الطريقة المقررة في اختيار الشخصيات المستقلة ستقضي حتي علي الاستقلال الشكلي لهم!
ان ما يجعل المرء علي يقين من ان القوم كانوا في اقتراحاتهم الإصلاحية يهدفون الي زغللت عيون الناس ليس اكثر، وبحدوتة الأغلبية المحايدة في تشكيل لجنة الأحزاب، انهم لم يلتفتوا الي الجهة التي سيتم الطعن أمامها في قرار اللجنة، الأمر الذي يعني ان المتظلم من قرارها سيلجأ ـ كما هو متبع الآن ـ لمحكمة الأحزاب، بتشكيلها الحالي، والتي يطلق عليها محكمة تجاوزا، فهي محكمة ملاكي، يملك الحزب الحاكم نصف تشكيلها وهم من غير القضاة، و يصدر قرار تعيينهم من قبل وزير العدل، وهو بحكم منصبه كعضو في الحزب الحاكم، أليس هو عضوا في حكومة الحزب، وكان مشاركا في مؤتمره العام، لينفذ التعليمات التي تصدر اليه، من قيادات هذا الحزب علي النحو الذي ذكره كمال الشاذلي في كلمته، والتي بثت علي الهواء مباشرة!
في أحد تشكيلات هذه المحكمة كان رئيس هيئة الصرف الصحي ضمن تشكيلها.. انعم واكرم، وبعيدا عن هذا فان وجودها يمنع الحزب المرفوض من اللجوء الي القاضي الطبيعي، واذا كان من المستقر عليه ان التدرج القضائي حق من حقوق الإنسان، فان المحكمة لكون قراراها نهائيا لا يجوز الطعن فيه، او التظلم منه، ينتقل بها من محكمة الي قضاء وقدر، لا راد له ولا معقب لحكمه!
لو كان القوم يبغون الإصلاح حقا، لأنيط بأحد دوائر محكمة النقض مثلا النظر في طلبات تأسيس الأحزاب، واذا كنا نعتقد ان هذا يعد خطوة متقدمة، وخروجا للامر من أيديهم، فإنني لا أمانع في ان يكون تشكيل اللجنة علي أي نحو سواء النحو الحالي او المقترح، ولا مانع لدي ان تكون اللجنة تتبع جهاز مباحث امن الدولة، شريطة ان يكون حق الطعن في قرارها منوطا بالقاضي الطبيعي، وكما هو الحال في إجراءات الطعن في أي قرار إداري تصدره السلطة او وكلاؤها!
اننا لو نحينا هذا الأمر جانبا، فسوف نفاجأ بأننا إزاء كارثة محققة في القانون المقترح، وهو يعد تحولا للأسوأ بكل المقاييس، حيث سيقيد حق الأحزاب في إصدار الصحف، فالمعلوم ان القانون الحالي جعل هذا حقا أصيلا للأحزاب، لكن مقترح الحزب الحاكم الذي استقبلته الصحف السيارة بالطبل البلدي، يجعل ان حق الحزب في إصدار صحيفة ـ وليس صحفا ـ يلزمه ان يكون لهذا الحزب عضوا في البرلمان، او حصل علي عدد معين من أصوات الناخبين في الانتخابات، والمعلن في هذا هو ان القانون الحالي يشترط ان يكون للحزب عشرة نواب لتمتعه بهذا الحق، وهو كلام يهدف الي الغلوشة ، فالنص القانوني الذي تم ذكره في المؤتمر، هو الخاص بحق الحزب في التمتع بالإعفاء من الضرائب، او إصدار صحف دون اللجوء الي الجهة الإدارية، أي دون الحصول علي الرخصة، فهذا هو المقيد بوجود عشرة نواب له في البرلمان! اما دون توافر هذا العدد فان من حقه ان يصدر ما يشاء من صحف شريطة ان يحصل علي ترخيص بذلك من المجلس الأعلي للصحافة!
ومعني هذا ان الاقتراح المقدم، سيعميها، وان كان يبدو أمام الجاهل كأنه يسعي الي ان يكحلها، ومعناه بالعربي المفتشر، ان القانون الجديد سيلغي مزايا و حقوقا منصوصا عليها في القانون الحالي سيئ الصيت!
لقد أقاموا هليلة عندما أوحوا للناس انهم ييسيرون الإجراءات الخاصة بتأسيس الأحزاب، وذلك بإعلانهم ان قرار اللجنة ينبغي ان يصدر في بحر ثلاثة شهور، لاحظ ان القانون الحالي لا يمنحها الحق في ان تصدره في بحر عشر سنوات مثلا، فهو ينص علي ان القرار يصدر خلال أربعة شهور .. شكرا. ومن ناحية أخري فقد اعتقدوا ـ او لعلهم ظنوا اننا اعتقدنا ـ انهم أتوا بالذئب من ذيله عندما قالوا انهم سيعتبرون ان عدم رد اللجنة بالموافقة او الاعتراض يعد موافقة، ومن المعلوم ان هذا كان منصوصا عليه قبل عشرين عاما، ولم يستفد من هذا الامتياز إلا حزب الأمة برئاسة الشيخ احمد الصباحي، ذلك لانه اذا كان من المستقر عليه ان الإثم هو ما حاك في صدرك وخشيت ان يطلع عليه الناس، فان الحكومة لم تشأ ان تعطي موافقة لحزب هي تريده، عندما قررت ان تحول تجربة التعددية الي شيء مثار للسخرية والتندر، وعليه فهي سكتت، حتي مـــرت المدة المقــررة قانونا ليصبح وجوده قدرا، وحتي تنطلي ألاعيبهم علي الجميع، ولا يعتقد المراقب ان هذا السكوت هو لامر يراد، فقد تحركت علي الفور، لتعدل النص وتجعل ان عدم الرد يعني الرفض!
وفي تقديري ان العودة بهذا النص الي سيرته الأولي، لا يمثل أي تيسير من أي نوع، فعلي الرغم من ان اللجنة بعد الموقف من حزب الحاج الصباحي عرض عليها اكثر من مئة حزب، رفضتها جميعا الا حزب الوفاق القومي، و في زحمة الأحزاب المقدمة وزحمة مشغوليات أعضائها بهموم الأمة، فإنها لم تنس اتخاذ قرارها في مواجهة أي حزب، علي الرغم من ان القانون يعتبر عدم الرد اعتراضا!
الذي زاد وغطا، هو شرط الألف توكيل لتأسيس أي حزب، التي تقرر النص عليها في القانون الجديد، مع ان القانون الحالي يشترط خمسين توكيلا فقط، وكان يمكن للشرط الجديد ان يكون منطقيا في حالة ان يكون إشهار الحزب بالإخطار، وليس في ظل كل هذه القيود المفروضة، والتي تجعل مجرد التفكير في تأسيس حزب جديد يعتبر ضربا من الجنون، ونوعا من السفه، لان عملية إقناع شخص بعمل توكيل لتأسيس حزب، احتمال رفضه اكثر من احتمال الموافقة عليه، يعتبر عملا عسرا، لاسيما وان بعض مكاتب الشهر العقاري تتعسف وتضع العراقيل أمام من يسعون الي ذلك، ومن ينبئك مثل خبير!
ان ما قرره القوم في مؤتمر الحزب الحاكم، لا يمت للإصلاح بصلة، بل انه يتعارض معه جملة وتفصيلا، وفي الواقع هم لا يلامون، لان عهدنا بهم انهم لم يكونوا البتة مع الإصلاح، ولكن العيب فينا لأننا صدقنا ان الحداية يمكن ان تلقي كتاكيت، و عذرنا اننا جوعي، وعلي لحم بطوننا، والجائع يحلم بسوق الخبز!
كاتب وصحافي من مصر

القدس العربى
  #157  
قديم 26/10/2004, 02:50 PM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Smile

العربي لم يعتد الاعتراف إلاّ في السجون.. والسكاكين تسن اليوم لمطاردة حياة المرأة وابداعها بذريعة الأخلاق!
2004/10/25

الكاتبة الكويتية ليلي العثمان:

ابوظبي ـ القدس العربي ـ من جمال المجايدة: تحدثت الاديبة و الكاتبة الكويتية ليلي العثمان في امسية باتحاد كتاب وأدباء الا مارات الليلة قبل الماضية عن تجربتها الذاتية في عالم الكتابة، في محاولة لا سقاط ملامح هذه التجربة علي واقع المرأة المبدعة في العالم العربي وبدأت حديثها بالقول قد تكون اصعب اللحظات علي الكاتب هي تلك التي يتحدث فيها عن تجربته.. فيكتور هيجو قد قال: ليس لأحدنا حياة تخصه ، ومعني هذا ان يتحدث الكاتب عن جوانب عديدة من فصول حياته، وكأنه بين لحظة وأخري يعترف ببعض الأشياء الخاصة، ولأن الا نسان العربي لم يتعود علي الاعتراف الا وهو سجين داخل زنازين التعذيب، فا نني احمد الله انني اليوم ضيفه علي منبر ثقافي حر. ومع جمع طيب أتحدث دون ان تصدر في حنجرتي الكلمات.
وقالت العثمان: لا أتصورني بهذه الورقة المختصرة سأعطيكم صورة شاملة عن تجربة ((39 سنة في عالم الكتابة، ولا أظنها تجربة تختلف عن تجارب معظم الكاتبات العربيات. وان كانت لكل خصوصيتها حسب ظروف مجتمعها، ا لا أنها تجارب تؤكد نضال المرأة في هذا البحر الصاخب والخطير، فهي تناضل وتتحدي لتثبت وجودها وتحقق أحلامها.. ا ن نضالنا يبدأ منذ اللحظة التي نتحسس فيها هبة الله علينا ـ الموهبة ـ فترتعش قلوب الأهل ليس خوفا علينا بقدر ما هو خوف من المجتمع الذي يرضخ لتقاليد تجعله يرفض أن يكون للأنثي حضورها خاصة في مجال الابداع من فن، نحت، موسيقي، تمثيل، وكتابة .
واعادت في سردها لقصتها الطفولية البريئة صورة الوأد الجاهلي للأنثي العربية منذ ولادتها، وكيف أن هذه الأنثي تكون خطيئة حين تظهر في الوجود الاجتماعي العربي، وقالت: ا ن كان فان كوخ قد قال لو غنيت فهديلي سيكون حزمة من الألوان فأنا أقول: لو استطردت فا ن حديثي حزم وأكوام من الأحزان، وما جئت لاحزنكم .
وقالت فتحت الصحافة أبوابها، فأغلقت كل نوافذ الخوف، هل كان ذلك الألم والكبت ما جعلني أتفجر كالبركان؟ بجرأة شديدة اللهجة؟ كتبت.. بحماس شديد عبّرت عن مكنونات كل النساء المرتعشات ، وأشارت كذلك ا لي انطلاقتها في عالم الكتابة بعد حبس معاناتها لسنين طويلة في دار الأب.
ثم تطرقت ليلي العثمان الي مسائل فكرية وايديولوجية تؤثر في حياة المبدع والانسان بكل طبائعه، فقالت بشيء من المرارة: في دول الا سلام الذي يدعو للسماحة انتشر الارهاب والصراع بين المذاهب، وفي الدول الشرقية ـ رغم الأمان الذي أحسسته وجدت الا نسان مقهورا، لقد كانت لي تجارب مرة في الاتحاد السوفييتي، وكوريا الشمالية، ورومانيا، فنفرت من الأنظمة الشيوعية، زرت أمريكا وبعض دول أوروبا فلازمني الخوف لما يتفشي في تلك البلدان من عصابات ومخدرات وانحلالات رغم التطور المذهل، فكرهت النظام الرأسمالي الذي أدي ا لي البطالة والتفاوت الطبقي الشنيع .
وأضافت: لقد كنت أعيـــش الحياة، وتجاربي، وتجـارب الآخرين فيها، وأكون لنفسي منها موقفا، آمنت بالعدالة الاجتماعية، بحرية الانسان، حرية فكره، وعقله، دينه، وجسده، واختياراته، آمنت بقوميتي العربية التي تأسست عليها وسأظل أؤمن بها حتي أموت .
وقالت: لقد وظفت ما آمنت به في سلوكي مع الناس وفي الحياة، ووظفته في كتاباتي، هكذا تشكل فكري، فهل ترونني أحمل فكرا له مسمي جديد؟ أما عن المذاهب الأدبية التي يحاول بعض النقاد أن يصنفوني من خلالها، فا ني أجد نفسي قد مررت بمراحل متعددة، لا تنطبق عليها تسمية محددة وا ن كنت أميل في كتاباتي ا لي الواقعية النقدية بشكل خاص .
واضافت: سأعترف انني كنت محظوظة يوم بدأت النشر بالصحافة، فقد كان مجتمعي منفتحاً، تتحقق فيه الديمقراطية مع أول برلمان، مجتمع آمن بحرية المرأة وحقها في التعليم والعمل، والتعبير عن مشاعرها بصوت صريح، جريء كما يفعل الرجل، وحين أعود بذاكرتي لتلك السنوات الذهبية، يقرص الحزن والأسف قلبي ونحن اليوم عصافير يشحذ القناصة من أعداء المرأة بنادقهم ليطاردوا أصواتنا ويحاربوا أفكارنا، فتصبح الكتابات الفاضحة للممارسات العفنة في مجتمعاتنا الشرقية وقاحة وخيانة عظمي للوطن، والكتابات المحرضة للمرأة علي المطالبة بحريتها فسقاً وفجوراً وأمراً بالمنكر يجب النهي عنه ولكن بغير المعروف، والجرأة بطرح شؤون الحب فضيحة ولكي يدرأوها يمنعون الكتب أو يحرقونها. أما حين تتطرق الكتابات لأمور ـ الجنس ـ فقد أصبحت بنظرهم ـ الزنا ـ بعينه وهدر الدم هنا حلال .
ومضت ليلي العثمان تقول لقد اندحرت لي أحلام كثيرة، وما عاد بالا مكان أن أسمح لحلمي الذي غذيته بالصبر، والتعب، والتحدي أن يندحر أو يصمت عن الكلام، ا ن الانحناء لهذه الموجة يعني أن نغلف عقولنا ونجتث أصابعنا ونبتلع الأمواس ملطخة بدم حناجرنا فهل نرضي بذلك؟
لقد هاجموا كتبي ومنعوا بعضها فواصلت الكتابة والاصدار، قادوني الي النيابة العامة وساءلوني أربع ساعات جف معها الكلام فلم تجف أقلامي وفي المحكمـــة أدانوني لكن الادانة لم ترهبنــــــي فواصلت، ثم وبلا رحمة ألبوا عليّ بعض أبنائي فزلزلوا أمن الأسرة وعكروا صفاء العلاقات ـ ا ن أولادنا مرايانا التي نود أن نري فيها خصوبة واندفاع آلامنا ـ لكنهم وان شوهوا أفكارهم لم يقدروا ان يدمروا قلوبهم وعقولهم ولا احترامهم لنا، لقد اخترت الكتابة، ارتضيتها فخاً، سماء، ناراً وعشقاً جعلني ألف مرة أهجر جلسات الانس وفراش الزوج لأرتاد طاولة المكتب، ألتقي بأبطالي المتراصين في الأدراج المصلوبين علي رؤوس الأقلام، ا نه عشق أرجح الكفة لصالحه ضد أي سلطة .
0

القدس العربى
  #158  
قديم 30/10/2004, 04:55 PM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
اعلاميونا اليوم: لا صوت يعلو فوق صوت المصلحة؟
2004/10/26

د. فيصل القاسم ہ


قال رئيس الوزراء البريطاني الشهير وينستون تشيرتشل ذات مرة ليس هناك عداوات دائمة ولا صداقات دائمة بين الدول بل هناك مصالح . ولا شك أن العاملين في الحقلين السياسي والحكومي في العالم يستخدمون تلك المقولة كمرجعية ثابتة لعملهم وتصرفاتهم كما لوكانت كلاماً منزلاً مع العلم أن العلاقات بين الدول، كما العلاقات بين الأفراد، يجب أن ترتكز إلي منظومات أخلاقية وإنسانية بالدرجة الأولي وأن لا تكون محكومة بالمصالح الأنانية الوحشية فقط، إلا إذا كان المنظـّرون السياسيون يعتقدون أن الدول ليست تجمعات إنسانية متحضرة تربطها أخوّة الخـَلق بل عبارة عن قطعان من المارقين واللصوص وقطاع الطرق والساقطين والمنحلين والوحوش وبالتالي لا بد من التعامل فيما بينها علي طريقة الغابة أو العصابات المنفلتة من أي قيم وضوابط. ولا شك أن تلك النظرية المنتشرة في عالم السياسة كانتشار النار في الهشيم تصبح أكثر انحطاطاً عندما تنتقل من عالم الدول إلي عالم الأفراد المفترض أنه أكثر انضباطاً وأخلاقاً.
كم يشعر المرء بالخزي والعار والقرف وهو يري هذه الأيام دولاً كبري ومثقفين وإعلاميين ومفكرين وكتاب مزعومين يسيرون علي هدي الوصفة التشيرتشيلية القميئة ضاربين عُرض الحائط بكل القيم والمثل والمبادئ الإنسانية الأساسية جهاراً نهاراً دون أن يرمش لهم جفن. كم يشعر الإنسان بإشمئزاز شديد عندما يشاهد أناساً تشدقوا في الماضي بشعارات نبيلة لكنهم انقلبوا علي مبادئهم مائة وثمانين درجة من أجل الحفاظ علي مصالحهم الخاصة ومسايرة الركب حتي لو كانت القضايا التي انقلبوا عليها تخص مصير الأوطان وملايين الناس الذين يقطنونها. وكم هو محزن أن نري أشخاصاً تسوقهم المصلحة الشخصية الضيقة إلي تعهير القضايا العادلة وتسفيهها وتصوير الأبيض أسود والأسود أبيض وتبني مواقف غاية في الرخص والسقوط.
وكي لا يكون الكلام مجرداً من سياقه وزمانه ومكانه أود فقط الاستشهاد بمثالين عرفتهما عن قرب، الأول يتعلق بأناس يعيشون في الغرب كانوا قد حملوا في الماضي مشعل الدفاع عن القضية الفلسطينية ومناضليها ورفعوا أصواتهم عالياً في أجهزة الإعلام الغربية دفاعاً عن حركات المقاومة وحقها المشروع في الدفاع عن الأراضي المحتلة. لكن يبدو أن المصالح الذاتية لهؤلاء المنقلبين أثبتت أنها أقوي من مشاعر التعاطف والتضامن مع القضايا العادلة، فراحوا يستبسلون في الهجوم علي كل من تسول له يده رمي حجر صغير في وجه قوات الاحتلال في فلسطين والعراق وغيرهما ويجرّمون كل من يحاول الذود عن كرامته وكرامة بلاده.
كم شعرت بقشعريرة مخيفة عندما قرأت مقالاً لواحد من ذلك الطراز الانقلابي قبل فترة يشن فيه حملة شعواء علي بعض رجال الدين لمجرد أنهم أقروا حقائق بسيطة للغاية ليست بحاجة للإقرار أصلاً، وأقصد بذلك طبعاً فتاويهم الداعية إلي الدفاع عن الأوطان في وجه الغزاة والمحتلين. لا أستطيع أن أتصور شخصاً عربياً لاجئاً مشرداً بلده محتل كان من دعاة الاستشهاد قبل سنوات وقد تحول فجأة إلي منظـّر للسلام و المقاومة الحضارية فقط لمجرد أنه حصل علي وظيفة متواضعة في مؤسسة غربية فراح يفرغ سمومه المفضوحة علي صفحات بعض الجرائد متطاولاً حتي علي القيم والمُثل العربية والإسلامية الأساسية. ليست القضية هنا طبعاً أن نساند الرأي المدافع عن المقاومة أو ذاك المعارض لها بقدر ما هي محاولة بسيطة لكشف بعض أشكال النفاق والتقلب الزئبقي لدي رهط كبير من المثقفين العرب من أجل مصالحهم الضيقة الخاصة فقط.
وكم شعرت بقرف عارم وأنا استمع لأحد الإعلاميين العرب في لقاء عام قبل فترة وهو يشن هجوماً كاسحاً علي بعض وسائل الإعلام العربية بحجة أنها غير محايدة أبداً في تغطيتها للحرب في فلسطين والعراق. فقد أزبد صاحبنا وأرغي لفترة طويلة وهو يتهم بعض الفضائيات العربية بالانحياز للعراقيين والفلسطينيين مع العلم أن بلده محتل أيضاً ويعيش لاجئاً في بلد أوروبي. لكن يا للشهامة والغيرة ، فقد تغلبت لديه مهنيته الإعلامية العالية علي شعوره الوطني فصب جام غضبه علي وسائل الإعلام العربية اللعينة التي برأيه لم تنصف الإسرائيليين والأمريكان المساكين في فلسطين والعراق. وأرجو أن لا تظنوا أنني أسرد قصة وهمية. إنها حقيقية وحصلت أمام ناظري. أي والله، فقد أبدا صاحبنا المحتلة بلده امتعاضاً شديداً من الإعلام العربي غير النزيه الذي برأيه فقد مصداقيته في تغطيته للوضعين العراقي والفلسطيني وكان حرياً به أن لا يجرح شعور الإسرائيليين والأمريكيين المغبونين . وقد هاجم صاحبنا بعض الإعلاميين العرب الذين ذهبوا إلي العراق واعتبرهم وصمة عار في جبين الإعلام العربي لأنهم برأيه لم يكونوا محايدين في تقاريرهم!! وقد شعر أخونا بنشوة عارمة عندما أثني علي كلامه أحد الصحافيين الغربيين الحاضرين. كيف لا وهو يجهز نفسه لوظيفة في مؤسسة غربية أيضاً كما بدا لي. لقد باع الأخ كل القضايا العربية بما فيها قضية بلده المحتل بقشرة بصل مقابل الحصول علي وظيفة موعودة في أوروبا وإطراء عابر من زملائه الأوروبيين ولم يعد يهمه في الإعلام العالمي سوي قضية الانحياز في بعض القنوات العربية. لكن كيف نلوم هؤلاء الباحثين عن مصالحهم الخاصة في الغرب إذا كان سادتهم الغربيون المتشدقون بالديموقراطية وحقوق الإنسان والحضارة مستعدين لتغيير اتجاههم مائة وثمانين درجة في سبيل المصلحة، فتراهم ينقلبون فجأة علي القيم والمثل التي يتظاهرون بها عندما تلوح أمامهم فرصة للحصول علي بعض المكاسب المادية.
إلي وقت قريب كان أحد الأنظمة العربية الحاكمة في نظر حكام أمريكا وبريطانيا وإيطاليا وإسبانيا وألمانيا وفرنسا الشيطان بعينه. ولكم تبارت وسائل الإعلام الغربية في شيطنة ذلك النظام وكيل كل أنواع الشتائم والاتهامات له، فقد كان في نظرها عرّاباً للإرهاب الدولي وأبشع منتهك لحقوق الإنسان ومثالاً بائساً للتخلف السياسي والحضاري. وقد ظن الكثيرون أن الدول الغربية ستـُجهز علي ذلك النظام العربي المذكور في نهاية الأمر وتنهيه عن وجه الأرض إلي غير رجعة. لكن العكس تماماً قد حدث. وقد تبين أن النظام العربي الذي نحن بصدده كان أذكي وأدهي من حكام واشنطن ولندن وباريس وروما وبرلين ومدريد، وقد عرف تماماً كيف يكشف للعالم زيفهم ويزيح اقنعتهم البراقة التي طالما اختبئوا وراءها لإخفاء حقيقتهم البشعة. فما أن أشهر أمامهم طـُعم المصالح كما يُشهر الماتادور قطعة القماش الأحمر في وجه الثور الهائج في حلبات مصارعة الثيران الإسبانية الشهيرة حتي راح زعماء الغرب الكبار يتسابقون لا بل يتهافتون لزيارة تلك الدولة العربية الغراء التي كانت حتي الأمس القريب منبوذة كما لوكانت في حالة حجر صحي لا يجوز للغربيين العاديين أن يزوروها بحجة تلوثها بالإرهاب وانتهاك حقوق الإنسان وتهديد المصالح الغربية. أما الآن قلما يمر أسبوع إلا ونري زعيماً غربياً يدخل الخيمة العربية الشهيرة ويقف أمامها لأخذ صور تذكارية مع ساكن الخيمة المزركشة إياها في غياهب الصحراء. وهو منظر لم يخطر علي بال أحد قبل أشهر، لكنه أصبح حقيقة تتحدي أعين الجميع.
لقد نسي الغرب أو بالأحري لحس كل اتهاماته للنظام العربي المذكور وكأنها لم تكن لمجرد أنه أحس بوجود مصلحة ما قد يجنيها منه بعد أن راح ذلك النظام يوزع ملياراته علي كل من عاداه في الماضي بغية استعادة رضاه. لقد أثبتت هذه التجربة أن العداء الغربي لبعض الأنظمة العربية كان فعلاً بسبب تمسكها بثوابتها وثرواتها الوطنية، وما أن أرخت قبضتها عن تلك الثوابت والثروات قليلاً حتي استعادت رضي الأنظمة الغربية عنها. لم يعد سراً أبداً أن الاستهداف الغربي لبعض النظم العربية لم يكن بسبب المزاعم التي كان يروجها الإعلام الغربي بل بالتحديد بسبب محاولتها أن تكون سيدة علي ثرواتها ومستقلة في قراراتها وإرادتها.
كيف للشعب العربي أن يصدق بعد كل ذلك الإدعاءات والمزاعم الغربية القائلة إنهم قادمون إلينا من أجل تعليمنا الديموقراطية والحكم الصالح واحترام حقوق الإنسان إذا كان أي نظام عربي قادراً علي دفع فاتورة لعبة المصالح وترويض النمور الغربية الكاسرة وكسر مخالبها بحفنة من الدولارات والمشاريع والاستثمارات؟ هل ما زالت اسطوانة الديموقراطية الغربية الموعودة تنطلي علي مسامع أحد؟ أم أنها غدت فضيحة كبري، فالغرب لا يهمه سوي مصالحه حتي لو داس كل الأمم تحت النعال. لقد ذكرتني المصلحية الغربية الانتفاعية بنكتة تقول: إن زوجاًً عاد إلي منزله فوجد زوجته تخونه مع رجل آخر فاستل مسدسه وقال للرجل: لقد اشتريت هذا المسدس بألف دولار لأستخدمه وقت الضرورة، وها هي الضرورة قد حانت، سأقتلك فيه، فأجابه الرجل: خذ ألفي دولار وبعني إياه فقال له الزوج المخدوع خذه، مبروك عليك . وهكذا أمر الدول الغربية، فهي تزاود علينا بالتحضر السياسي والديموقراطي، لكنها مستعدة أن تدوس كل قيمها وشعاراتها أمام من يدفع لها أكثر لأن المحرك الأساسي لسياساتها الاقتصادية والسياسية والإعلامية هي المصلحة أولاً وأخيراً.
لكن كي لا نظلم الأنظمة الغربية يجب أن نعترف أنها تفعل ذلك من أجل مصلحة أوطانها. أما معظم أنظمتنا العربية فهي تفعل ما تفعل وترهن حاضر الأوطان ومستقبلها من أجل مصالحها الخاصة بالدرجة الأولي. وكذلك الأمر للأسف الشديد بالنسبة لبعض مثقفينا وإعلاميينا العرب الذين يطرحون مواقفهم في المزاد مثل صاحب المسدس ولا مانع لديهم أن يتصرفوا كلاعبي السرك بحيث يتحركون من أقصي يسار الحلبة إلي أقصي يمينها وبالعكس طالما يخدم ذلك مصالحهم الخاصة ولتذهب المبادئ والأخلاق والقيم والقضايا العادلة إلي الجحيم وليأت من بعدهم الطوفان! وليعذرنا أخواننا الناصريون إذا حورنا ديباجتهم المعروفة لتصبح: لا صوت يعلو فوق صوت المصالح.

ہ اعلامي سوري يقيم في الدوحة


القدس العربى
  #159  
قديم 31/10/2004, 04:22 PM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Smile

الطريق إلى كابل".. القصة والألغام التي أوقفته *

2004/10/25
ماجــد حبته**


المسلسل يقدم قصة الجهاد الأفغاني ضد الروس

لم يعد بوسع أحد أن يعرف مصير جلال الدين حكمتي، وهو الأمر الذي أثار مشكلة بين تليفزيون قطر ومحطة mbc قد تشهد المحاكم فصولا مطولة منها.

جلال الدين حكمتي، شاب أفغاني درس في المدارس الدينية والتحق بالجامعة الحقانية، يدافع عن أرضه المحتلة، تملؤه الحيرة، ويجد نفسه متذبذباً في كثير من المواقف بين حسه الإنساني وواجبه نحو بلده، بين توجيه نيرانه للمحتل وامتداد تلك النيران لتصيب ضحايا من الأفغان الأبرياء، أخته تسافر إلى بريطانيا لدراسة الطب بجامعة كامبردج، بمباركة والده فيقنعه رفيق له في الجهاد بأن ذهابها إلى بلاد الكفر ومخالطتها للرجال يخالف الشريعة، وفي الوقت نفسه، يحاول الإفلات من رغبة هذا الرفيق في الزواج منها.

هذا ما عرفناه - إلى الآن - عن جلال، ولن نعرف أكثر من ذلك، لسبب غير بسيط وهو قناة mbc لم تتسلم بقية حلقات مسلسل "الطريق إلى كابل" الذي كتبه الأردني جمال أبو حمدان وأخرجه محمد عزيزية وأنتجه المركز العربي للخدمات العربية والسمعية (وهي شركة أردنية), لحساب تليفزيون قطر، بتكلفة تزيد على المليوني دولار.

قصة المأسآة الأفغانية

جلال الدين حكمتي نموذج للأفغاني الذي يعيش في عزلة عن العالم ويشعر بالتيه نتيجة الحرب التي عاشتها بلاده، وهو الشخصية التي يجسدها بروعة وإتقان الممثل السوري عابد فهد، بطل المسلسل الذي يلامس واقعنا المعاصر ليقدم قراءة في الكارثة أو الكوارث التي ألمت بالشعب الأفغاني، وسعيه من أجل حياة كريمة ما زال محروما منها، كما يتناول أيضا معاناة العرب الأفغان وما آلت إليه حياتهم بعد أن تغيرت موازين القوى السياسية والعسكرية في المنطقة، وهو بداية خروج عابد فهد من دائرة المسلسلات التاريخية بعد نجاحه الفائق في أداء شخصيتي الزير سالم، والحجاج بن يوسف الثقفي.

تبدأ الأحداث من الحرب السوفيتية - الأفغانية، وخلال الحلقات الثمانية التي شاهدناها تم طرح عدد من الموضوعات الحساسة مثل وضع المرأة الأفغانية والدور الأمريكي في دعم المجاهدين الأفغان في حربهم ضد الاحتلال السوفيتي مع الإشارة إلى بعض القيادات التى لعبت دورا بارزا مثل عبد الله عزام وأسامة بن لادن وأيمن الظواهري وغيرهم. وكان واضحا أن المؤلف وضع مسافة بينه وبين تلك الأحداث مكنته من طرح الكثير من الأحداث الملتبسة التي أحاطت بالقضية وشكلت أبعادها الرئيسية، فكان أمينا في عرض الآراء المتناقضة من خلال شخصيات تمثل كل واحدة منها توجهاً فكرياً مختلفا.

لم يقع جمال أبو حمدان في الفخ الذي يحرص كتابنا على الوقوع فيه، وكان صعبا على المشاهد أن يستشعر انحيازه لأي طرف من الأطراف وهو ما حرص عليه المخرج فلم نر فريقا مرفوع الحاجب أو يطرح وجهة نظره بتشنج!

رؤية مركبة للقضية


الممثل عابد فهد في دور جلال الدين حكمتي

ولعل حياد المسلسل وموضوعيته في تناوله لموضوع معقد ومتشابك تتداخل فيه الكثير من الأطراف الدولية مثل الحرب الروسية الأفغانية هو ما جعل أطرافا كثيرة تضيء اللمبات الحمراء، فهناك إشارات للدور الأمريكي الداعم للمجاهدين الأفغان سواء بالأسحلة أو بوصفهم بمقاتلي الحرية، وهناك اتهام للمقاتلين الأفغان والعرب بأن نيرانهم طالت الأبرياء من الشعب الأفغاني.

نرى جلال (عابد فهد) مترددا عندما تم تكليفه بتفجير مدرعة روسية ويسأل عن ذنب، ونسمعه يتحدث عن الخطأ الذي إرتكبه والده بجعل أخته تسافر وحيدة إلى بلاد الكفر (بريطانيا) وتختلط بالرجال وهذا (من وجهة نظره) مناقض للشريعة الإسلامية، ونرى تلك العائلة الأفعانية التي تتطلع إلى السلم وترفض أن يخوض أحد الحرب باسمها وباسم الدفاع عن الإسلام حتى لو كان ابنها.

فيما زينب (فرح بسيسو) ترى أن أفغانستان ضحية قوى دولية متصارعة على السيادة والنفوذ، ونسمعها تعلن أكثر من مرة أن ما يحدث مؤامرة دولية يذهب ضحيتها الشعب الأفغاني.

يحسب للمسلسل أيضا أننا لم نتشكك لحظة في أن الأحداث تجري في بيشاور وبيت الأنصار، والجامعة الحقانية، والحلقات التي رأيناها جعلتنا نعيش لحظات القصف الروسي ونسمع أزيز الرصاص ونرى قنابل ومدافع الروس تفتك بالأفغان، ونقتنع بأن من نراهم هم المقاتلون الأفغان فعلا، نعيش شعورهم ومشاعرهم، لدرجة جعلتنا نعتقد أحيانا أننا نعيش أحداث القتال الفعلي.

إنها الأحداث التي تم تصويرها في الطفيلة (جنوب الأردن) وفي قريتي السلع وضانا وعلى سفوح جبال البترا.

قصة البيان رقم 7

العمل مهم جداً ولا نبالغ لو قلنا أنه أكثر الأعمال جرأة، وأكثرها حساسية، حتي فوجئنا بقصة البيان الذي قيل إن موقع الأنصار على الإنترنت نشره ويهدد باستهداف جميع العاملين فيه إذا تضمن إساءة إلى حركة طالبان.

البيان الذي حمل اسم "البيان رقم 7 من كتائب المجاهدين في العراق وسوريا"، جاء فيه: "تحذيرنا الشديد لكل من ساهم بإنتاج هذا المسلسل من ممثل أو مخرج أو مصور" في حال تضمن المسلسل "غير حقيقة طالبان المشرفة، وما طبقوه من الشرع الحنيف ومن دولة الخلافة".

وأضاف البيان: "سوف نضرب إن قدر الله لنا ذلك مراكز القنوات الفضائية ومراسليها ومراكزها في العراق وسوريا العارضة لذلك المسلسل"، متوعدا بأنه "لن يفلت من أيدينا أي واحد منهم إن لم يكن اليوم فبالغد، وإن لم يكن بالغد فبعد شهر أو بعد سنة".

هل اتفقوا جميعا علي المنع؟

قلنا إن صدور مثل هذا البيان قد يكون أمرا طبيعيا، لكن من غير الطبيعي ألا تعرضه كل القنوات التي تعاقدت عليه بما في ذلك القناة التي مولت إنتاجه!!

فتليفزيون قطر (الذي مول الإنتاج) أعلن أنه لن يعرض المسلسل، والتلفزيون الأردني أعلن بشكل مفاجئ أنه لن يعرضه بعد أسبوع من الدعاية له، كما تراجعت القناة المغربية الثانية "دوزيم" عن بث المسلسل بعدما أعلنت عنه بضعة أيام قبل بداية شهر رمضان، وحددت موعد عرضه في الحادية عشرة والنصف مساء.

فقط قناة إم بي سي mbcهي التي عرضت المسلسل وعلى شاشتها شاهدنا ثمان حلقات، قبل ان يتوقف العرض.

الامتناع عن العرض - بكل تأكيد - لا علاقة له بتلك التهديدات فقد تم اتخاذه قبل ظهور تلك التهديدات بيومين على الأقل، لكننا في الوقت نفسه لا نستطيع أن نصدق المبررات التي ساقها من اتخذوا القرار، فمرة يرجعه مسئولون في التليفزيون القطري إلى عدم توافر كل حلقات المسلسل كاملة.

ويؤكدون أنهم لم يتسلموا سوى ثماني حلقات فقط من ثلاثين حلقة تم الاتفاق عليها، مشيرين إلى أن عقدهم مع الشركة المنتجة ينص على تسليم العمل كاملا قبل فترة كافية من بداية شهر رمضان.

ومرة أخرى يأتي تصريح على لسان محمد عبد الرحمن الكواري مدير إدارة التلفزيون القطري يعلن فيه أنه لن يعرض المسلسل لأسباب فنية، لأن المسلسل من وجهة نظره لم يكتمل فنيا ويحتاج لمراجعة فنية ومعلوماتية قبل عرضه!!.

وخرج بعد ذلك عبد الحليم عربيات مدير التلفزيون الأردني ليعلن أنه قرر عدم عرض الحلقات الثمانية التي وصلته من المسلسل بطلب من تلفزيون قطر.

رؤية العمل


مسلسل الطريق إلي كابل

حدث ذلك رغم تأكيد المؤلف على أن جوهر العمل هو الدفاع عن الإسلام، وأنه يهدف إلى رسم صورة موضوعية متوازنة ومستندة إلى وثائق وشهادات مجاهدين عرب في أفغانستان ومراجع عديدة.

وبشكل قاطع قال حمدان أن المسلسل ينطلق من فكرة أساسية, هي أن أفغانستان ضحيّة مؤامرة دوليّة أطرافها معروفة، مع توجيه أصابع الاتهام إلى مشاريع الهيمنة على المنطقة.

وكانت المفاجأة التي كشفت زيف كل التبريرات أن عدنان العواملة مدير "المركز العربي للخدمات العربية والسمعية، أكد أنه أنتج لتليفزيون قطر عدة أعمال منها زمان الوصل وامرؤ القيس والحجاج وأنه في كل مرة كان يقوم بتسليم الحلقات تباعا، ولم يحدث مطلقا أن سلم الحلقات كاملة قبل بداية شهر رمضان، وأوضح العواملة أن الطريق إلى كابل عمل متوازن درامياً وسياسياً، يدافع عن صورة الإسلام، وعن الوسطيّة والاعتدال.

قد يكون هذا الكلام صحيحا وقد لا يكون.

فالحكم في النهاية للمشاهدين غير أنهم لن يستطيعوا إصدار الحكم لأنهم لم يشاهدوا غير ثمان حلقات.

لكن، كيف حدث ذلك؟!!

وقائع ما جرى

مصادر من mbc أكدت أن المسئولين في التلفزيون القطري طلبوا بإلحاح من المحطة عدم عرض المسلسل قبل يوم واحد من العرض وهددوا بأنهم لن يرسلوا بقية الحلقات لو قاموا بعرضه، مع وعد برد ما دفعته إم بي سي.

هذا الطلب وضع mbc في مأزق، إذ كانت قد قامت بحملة إعلانية مكثفة للمسلسل، ووقعت عشرات العقود الإعلانية بملايين الدولارات، وبهذا الشكل لم يكن أمامها غير عرض ما لديها من حلقات.

وهكذا لم يكن أمام mbc غير عرض الحلقات التي وصلتها والتهديد باللجوء للقضاء، على أمل أن يتراجع تليفزيون قطر ويرسل بقية الحلقات، أما إذا لم يحدث ذلك فستكون قد أبرأت ذمتها أمام مشاهديها وأمام من التزمت معهم بعقود إعلانية وفي الوقت نفسه فإن عرض ثماني حلقات من المسلسل قد تكون كافية ليصدر المشاهدون حكمهم على المسلسل ويخرجون باستنتاجات تكشف بعض الجوانب التي أجبرت التليفزيون القطري على اتخاذ هذا القرار شديد الغرابة.

وانتهى الأمر بأن توقف عرض المسلسل بعد الحلقة الثامنة، وأعلن تلفزيون الشرق الأوسط "إم بي سي" السبت(24 أكتوبر) أنه "مضطر لوقف العرض وأصدرت بيانا جاء فيه: "على رغم الجهود الحثيثة التي بذلها مركز تلفزيون "الشرق الأوسط"(mbc) لمواصلة عرض مسلسل "الطريق إلى كابل" وفاء والتزاماً لمشاهديه، فإنه يؤسف إدارة "mbc" أن تعلن أن المحطة مضطرة لعدم بث باقي حلقاته بسبب رفض الشركة المنتجة له والشركة التي تتولى تنفيذه وتوزيعه تزويدنا بها من دون أن تعطيا سبباً مقنعاً لهذا التصرف الغريب.

وأضاف البيان: "لقد أخلت الجهة المنتجة للمسلسل وهي تلفزيون دولة قطر والجهة المنفذة التي تملك حق التوزيع وهي المركز العربي للانتاج المرئي والسمعي بالالتزامات المبدئية والبديهية التي قدمتاها وهي تسليم حلقات المسلسل قبل الموعد المحدد لعرضها في شهر رمضان المبارك. فقبيل بدء شهر رمضان لم تسلمنا الحلقات الثماني الأولى من المسلسل على أن يتم تسليم الحلقات الباقية في الأيام الأولى من الشهر الكريم، حينها قامت "mbc" بحملة إعلانية كبيرة للمسلسل الذي سيعرض على شاشتها، لكن بعد ذلك فوجئنا بطلب غريب من تلفزيون دولة قطر بوقف بث المسلسل وذلك دون تقديم مبرر منطقي، وعندما أصر مركز تلفزيون الشرق الأوسط على تسليمه بقية الحلقات تطبيقاً للعقد، أو على الأقل معرفة سبب هذا الإجراء غير القانوني، كان الجواب أن العمل في بقية الحلقات توقف لأسباب أمنية، وهي حجة غير حقيقية على الإطلاق، وقد نفاها مخرج المسلسل على الملأ في مقابلة أذيعت على شاشات التلفزيون كما نفاها منفذ المسلسل.

وأكد البيان على أن مركز تلفزيون الشرق الأوسط الذي عمل ما في وسعه لعرض كل حلقات المسلسل كما وعد مشاهديه يؤسفه أنه مضطر لعدم بث بقية الحلقات بسبب التصرف الغريب الذي قامت به الجهتان، وهو تصرف يفتقر الى أبسط القواعد المهنية والقانونية.

وانتهى البيان باعتذار من mbc للمشاهدين، ومعلنا أنه يحمل تلفزيون دولة قطر والمركز العربي المسؤولية الكاملة عن هذا الموقف.

وهكذا، أصبح مصير جلال الدين حكمتي مجهولا، ومعه مصير "الطريق إلى كابل"، ولا يبقى أمامنا غير انتظار قرار الإفراج عن المسلسل بعد أن يتعامل معه مقص الرقيب!!


اسلام اون لاين
  #160  
قديم 07/11/2004, 01:58 AM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
متي نغادر ثقافة رفض الآخر و نتعلم فن الإختلاف؟
2004/10/13

د. أكرم المشهداني



قيل أنَّ التطرّف والإرهابَ يَنشئان أو يوُلَدان (فكراً) ثم يتحَوّل إلي مُغالاة وتعصّب ومن ثَمَّ إلي تطرّف ثم يُتَرْجَمَ إلي .. (سلوك إرهابي!)، ولكني أري أن التطـــرف هو نِتاج ثقافةِ وتنَْشئةٍ إجتماعيةٍ وسلوكيةٍ عامةٍ وخاصة، نشأنا معها وحفظناها وتربينا عليها علي أيدي آبائنا ومعلمينا وسياسيينا وإعلاميينا وحكوماتنا، فقد وَعَيْنا وفتَحنا عيُوننا علي أن نرفضَ الأنحناءَ للآخر، ونحن دائما علي حق، وأن الصح واحد لا بديل ولا نظير له، وأن الحقيقة ملكنا وحدنا وكل ماعند غيرنا زيفٌ، ومن هنا بدأت فينا بذور التطرف !!
قد يكون سبب التطرف عند بعض من يطلقون عليهم اليوم صفة (المتطرفين) تصنيفا يولّد الإنفجار، أو جهلا يولد العداء لكل ما جهل، أو ضعفا من الناحية الأخلاقية تجعله يتعامل مع الآخرين بغلظة واستعلاء وتكبر، إلا أن السبب الرئيس في التطرف يبدأ وينشأ من ضيق الصدر وعدم تحمل أو قبولِ الرأي الآخر، وبالرغم من وجود كَمٍ هائلٍ في أدبيّات كلِّ فريقٍ تدللّ علي إحترام الرأي الآخر ووجوب تحمله وقبوله، إلا أنَّ الواقعَ المُعاش يكونُ غيرَ ذلك، فنري بعض الناس فينا ومن بيننا يصل بهم الضجر بالرأي المخالف إلي حد رفع السلاح في وجه من يرون أنه قد خالفهم.. حتي وإن كان من أبناء جلدتهم ووطنهم ممن يخالفونهم رؤاهــــم، والجيد في هذا الأمر السييء!!، أن لا فرق في هذا الموقف، بين من هو في أقصي اليمين ومن هو في أقصي اليسار.. فكلنا في هذا الهمِّ سواءٌ.. ما أن نري معارضا لرأينا أو تفكيرنا، إلا وننقضَّ عليه وننعته بأقذع مافي قواميس الأرض من نعوتٍ وصفاتٍ (خائن، عميل، متآمر، جاسوس، كافر، رجعي، أصولي، شوفيني، إنفصالي، إرهابي، و..و.. إلخ..) ، وقليل جدا حدَّ النُدرة من بين هؤلاء وهؤلاء من يتحمَّلَ الرأيَ الآخرَ ويحترمه، و كما يقول أخواننا المصريون (مافيشْ حَدْ أحْسَنْ مِنْ حَدْ!).
يبدو إنـــــها قضية أخلاقية لها أسسها النفسية والإجتماعية والتربوية التنشيئية، و لاعلاقة لها باليسار أو اليمين، ولا بالإسلاميين أو العلمانيين، فالكل في إثم التكفير والتخوين سواء.
ثم إن قبول الرأي الآخر هو سمة لرقي المجتمعات وتقدمها، والضيق بالرأي الآخر هو سمة للتخلف والتأخر من أي جهة جاء أو صدر! .. ولو حلّلنا مشاكلنا ومصائبنا ونكباتنا العراقية والعربية من منظور نفسي إجتماعي سياسي لوجدنا أنها نتاج طبيعي لثقافة مصادرة الفكر والإحادية في التفكير، وفرض الرأي والقناعات بالقوة والقهر، فأنتمَت الملايين بعد أن سيقت عنوة وبَصَمَتْ لأنها لايحق لها سوي أن تنتمي الي مايريده ويختاره لها ولي أمرها!.. وسيقت زمرا عن وعي وبدونه لتهتف بالروح والدم!
ومن يظن أن مصادرة الرأي أمر يعود للدين، فهو جاهل بالدين لا محالة، فأنا أرجعه إلي أسس وقواعد ماسماه فقهاؤنا الأجلاء بـ(فن الإختلاف) تلك القواعد الفقهية التي وضعها فقهاء المسلمين ومنها قاعدة لا إنكار علي مختلف فيه حيث يقول ابن قدامة في ـ الحلية ـ ويشترط في إنكار المنكر أن يكون معلوما كونه منكرا بغير إجتهاد، فكل ماهو في محل الاجتهاد، فلا حسبة فيه ، ويقول الإمام سفيان الثوري : إذا رأيت الرجل يعمل العمل الذي اختلف فيه وأنت تري غيره فلا تنهه ويقول الإمام النووي في الروضة : إن العلماء إنما ينكرون ما أجمع علي إنكاره، أما المختلف فيه فلا إنكار فيه، لأن كل مجتهد مصيب.. أو أن المصيب واحد لانعلمه، ولم يزل الخلاف بين الصحابة والتابعين في الفروع ولا ينكر أحد علي غيره وإنما ينكرون ماخالف نصا أو إجماعا أو قياسا جليا .. وهكذا فهم أسلافنا الإسلام الصحيح، وفهموا علل الإختلاف، وبنوا قواعد الإجتهاد، فهل نتعلم منهم فن الإختلاف؟
ثم لماذا لا ندرب أبناءنا وطلبتنا وتلاميذنا في مقاعد الدراسة علي (فن الإختلاف) و(إحترام الرأي الآخر) وليكن كل معلم قدوة في زرع بذور ثقافة القبول بالآخر.. وليقترح علي تلاميذه رأيا ويطلب منهم إقتراح عكسه أو خلافه.. أو يطلب من أحدهم رأيا في موضوع ما، ويشجع الآخرين علي إبداء آراء أخري معاكسة، وكذا في العائلة حـــــين يكون الأب متفتحا يطرح رأيه ويطلب من باقي الأسرة بـــيان رأيهم المخالف وحججهم فيه.. وهكذا نكون فعلا قد بادرنا إلي وضع وصياغة أسس وســــياقات فن الأختلاف، والقبول بالآخر، ومغادرة أبـــدية لثقافة المصادرة، والتطــــرف في الرأي، عندها نســـتطيع أن نحلم بمستقبل زاهـــر لعراق، تعددي، منفتح، يحترم كل فرد فيه رأي الآخر، ولا نجد مكانا بيننا لميليشيات لا تكتفي اليوم بمصادرة الفكر والرأي بل تلجأ إلي مصادرة الروح والحياة، في سباق محموم لتثبيت شرعية زائفة لمصادرة الفكر ومصادرة الآخر!.. وكلُّ يدّعي أنه هو مَنْ حَررّ العراق، ونتفضل علي العراقيين بنقلهم من نار الدكتاتورية إلي جنة الديمقراطية، ديمقراطية مصادرة الفكر ورفض قبول الآخر!
كاتب من العراق


القدس العربى
  #161  
قديم 10/11/2004, 01:20 AM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Wink

ديمقراطية الروضة والترويض في الشرق الاوسط
2004/02/17

د. عبد الفتاح طوقان

الشرق الاوسط ينقسم الي مجموعات متفاوتة في الفكر السلطوي التي تري في الديمقراطية علي الطريقة الامريكية تهديدا لانظمة الحكم القائم بها. وهنالك دويلات تحت النظام الريعي تخشي امريكا. ولكن اغلب الانظمة في الشرق الاوسط تحيد رأي المواطن وتضع السلطة في يد شخص واحد بعيد عن المؤسسة السياسية المنبثقة من ديمقراطية حقيقية وذات شفافية.
بعض الدول الشرق الاوسطية تمتلك الادوات المسرحية للديمقراطية ولكن يبقي الدور الرئيسي في يد الحاكم الفرد الذي يحل المجالس المنتخبة ويؤجلها ويعين رئيس الوزراء ويقيله، وفي كل الاحوال هو محصن ودون المساءلة، اذ ان اغلب الدول العربية لا يتم انتخاب رئيس الوزراء فيها من قبل الشعب او من خلال حزب يصوت له الشعب، ولا يسمح لأحد بانتقاد الحاكم او مجرد التعليق علي ما يقوم به. القوانين والدساتير تعفي الرجل الاول في الحكم من مثل تلك مسائلة وقد تم توارث الدساتير دون أي تغيير.
كما وان قوانين الطوارئ والاحكام العرفية تكاد تكون السمة الغالبة في المنطقة والامن هو صاحب القرار الاول والاخير.
ومع سقوط العراق، هذا النظام الذي اهدر دماء الابرياء في حروب تارة وفي معتقلات تارة اخري، ولم يجرؤ احد ان يعارضه لأنه اما اشتري نفوس الضعفاء بالمال او هدد آخرين بالقوة، وكان مخادعا ومراوغا يجري في دمه القتل والتشريد والاذلال من وجهة النظر الامريكية، ولكن سقوطه فتح اعين العديد علي غياب الديمقراطية في بعض من اقطار العالم العربي تحديدا.
وان كانت العقول متفهمة وواعية لما يحدث ولكن الوضع كان لا يسمح الا بالتطبيل للزعيم الاوحد والملهم القائد وباتت صورة الزعيم تتكرر في الشرق الاوسط ولكن بدرجات ومقاييس مختلفة ودون أي رأي معاكس او مخالف.
الدرس الامريكي في احتلاله للعراق وتحريره من النظام القائم جعل الشعوب العربية تتحرك ضمن منظومة يقودها النظام العربي قبل الشعب خوفا من تدخل امريكي لتغيير الانظمة التي تتفاوت بين الديمقراطية المسيسة والمقيدة والقمعية، وان كان لا يمكن التعميم في مثل تلك الاحوال او الاطلاق وصف واحد علي الجميع.
وهنا لا يمكن ان ننكر ان هنالك بعض الانظمة الديكتاتورية، لكن المثل يقول ان الديكتاتورية العادلة افضل من الديمقراطية الفاسدة. وقد شهدت المنطقة ديكتاتوريات افضل من الديمقراطيات الفاسدة والمتورطة في فضائح وسرقات ونهب لاموال الشعب، دون رقيب او حسيب.
لقد بدا واضحا ان امريكا تريد الديمقراطية وتريد حريات ولكن هل هذه الديمقراطية المصدرة في قوارير العسكر الامريكية هي ما يتطلع اليه ابناء الشرق الاوسط في ظل تواجد كراهية لدي البعض لأمريكا وسياساتها؟ ورفض مسبق لكل ما يأتي من طرفها.
لا شك ان الديمقراطية الحقيقية التي تعطي السلطة للشعب تحتاج الي مراحل من الوقت والفهم، هكذا يطرح بعض المثقفين رؤيتهم للوضع الجديد، لأن هنالك امية متفشية وقلة تعليم وحقوقا مهضومة للمرأة وفسادا ماليا يتحكم في احزاب الفرد الواحد الذي يشتري الصوت الانتخابي علي سبيل المثال لا الحصر.
وآخرون يرون ان الديمقراطية ليست فقط احزابا وانتخابات ونقابات ولكن ماذا يمكن ان تفعل تلك المؤسسات وما هو المتاح لها، وما هي حدود عملها والي أي مدي سقف حريتها؟ الديمقراطية ليست فقط حكم الشعب للشعب وانما اسلوب حياة ومحاسبة، لا انفلات وتزوير.
شهدت المنطقة بعضا من برلمانات وانتخابات الحزب الواحد، وشهدت المنطقة التزوير في بعض الاقطار منها، وتدخل السلطة لانجاح مرشحيها او حرمان آخرين من خوض الانتخابات، وشهدت المنطقة بدعة حزب المعارضة الذي تصنعه سلطة الحاكم بعلم الاجهزة الامنية وغيرها من اساليب التدليس السياسي.
ولعل من اهم اسس الديمقراطية ان تكون الصحافة حرة لا تابعة لرئيس التحرير وفكره المحدد مسبقا نحو قضايا لا يحق لأحد ان يختلف معه. وفي الغالب فان بعض رؤساء تحرير الصحف في منطقة الشرق الاوسط تأتيهم التعليمات من الامن، اذا لم يكونوا اصلا معينين من الاجهزة الامنية. ولا مانع من ذلك او اعتراض اذا كان الاختيار علي اسس مهنية ودرجات عالية من الفهم والرؤية المستقبلية للاحداث، فكل إعلام له صاحب في النهاية وقد تعودت المنطقة ان يرتبط الإعلام بالامن والحاكم. ولكن أي حاكم؟ وأي أمن؟
لذا يجب ان يكون الامن بمستوي الحدث الديمقراطي وعلي درجة عالية من العلم والمعرفة، لا فقط حراس لأبواب الحاكم. هذا في حال لم يكن هنالك قدرة علي التخلص من سطوة الامن علي الإعلام، وهذا في حد ذاته يحتاج وقتا وفهما لطبيعة دور الإعلام من القائمين عليه ومقدرة علي التحرر من الفكر الأمني في بعض من مؤسسات الإعلام في الشرق الاوسط. فهل يترك الامن الإعلام؟ وهل الإعلام بمن يعمل فيه حاليا بنموذجهم النمطي قادر علي ان يقود الإعلام دون الامن؟ سؤال يحتاج الي فك رموز التداخل الامني الإعلامي في الديمقراطية المنشودة في الشرق الاوسط.
وهنا يجب ان نذكر ان هنالك دولا في الشرق الاوسط قطعت شوطا في الممارسة الديمقراطية، ولها نقاطا ايجابية وتخطو نحو التقدم في الحريات الممنوحة ولكنها تبقي بدايات لا ترقي الي الطموحات الكاملة للشعوب، وخصوصا ممن درسوا في الخارج ودرجوا علي الديمقراطية واعتادوا عليها في الغرب وامريكا.
ما يحدث في الشرق الاوسط من ديمقراطية ما تكون بسنوات الروضة حيث يلعب الاطفال فترات من الوقت لحين حضور الاهل وعودتهم للمنزل. وفي حالات اخري ترويض من قبل انظمة الحاكم للشعب ليعتاد علي نمط خاص يطلق عليه ديمقراطية الحاكم في فعل ما يشاء في الوقت الذي يطالب نواب الأمة بما يريدون. وهـــي معادلة طبقت في بعض الدول العربية.
وفي كل الاحوال فلا احد يمكنه التنبؤ بأن الديمقراطية ستأتي بالسلام في الشرق الاوسط او تمهد له، وربما العكس، فهنالك مجموعات مستائة مما يحدث في عملية السلام الاسرائيلي الفلسطيني والمسارات الاخري، وهنالك من يرفض الحوار اصلا، ولكن هذا ليس مبررا لقمع الديمقراطية او ايقاف المسيرة.
ايضا للديمقراطية انياب، وعلي الجميع ان يحتملوها، وان يكون هنالك قضاء عادلا يحاسب من يعكر صفوها او يعكس مفاهيمها ويتعدي علي الآخرين ظلما وعدوانا بحجة الحرية، حيث يجب احترام حرية الآخرين والموضوعية في التعامل مع الاحداث والقضايا.
وهنالك ايضا المعتقدات الخاطئة التي تعشش في عقول رجعية تريد ان تربط الحاضر بمفاهيم بالية، وتريد ان تحصر الفكر بها وبمرجعياتها، متناسية او قافزة عن العصر وما حدث فيه من تحولات وتقدم وتكنولوجيا وعولمة.
كيف يمكن اذن ان تكون هنالك ديمقراطية؟ وما هي السبل لانعاشها او ادخالها الي مجتمعات قبلية او عشائرية او دينية تري الشوري هي الاساس لا الديمقراطية؟
ما هي المفاهيم التي يمكن ان يقبل بها الاغلبية في الشرق الاوسط وهل هو مجهز حقا لها؟ وما هي المفردات الاولية لادخالها؟
هل يمكن اعذاء جرعة كاملة ومرة واحدة ام تحتاج المنطقة الي جرعات مخففة علي مراحل للديمقراطية المنشودة؟
اسئلة كثيرة بحاجة الي علماء في السياسة الاجتماعية والتحولات الفكرية للمنهج المطروح.
ثم هل سيقبل الحكام بهذا الذي يطرح وسيتقبلون النتائج، ام انهم سيستغلون الديمقراطية لتثبيت تواجدهم القسري في امكانهم باستخدام ادوات السلطة وعصا الامن؟ مشروعية الفكر الديمقراطي علي المحك، ولعل هذا المقال يطرق بابا للحوار حول التنمية السياسية في المنطقة، في الوقت الذي تدعو امريكا الي الديمقراطية في الشرق الاوسط ويتسابق بعض من دول المنطقة في تغيير صورتهم لدي امريكا بطريقة الوجبات السريعة
.


إعلامي عربي مقيم في دبي


القدس العربى
  #162  
قديم 04/12/2004, 02:22 PM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
متي نتخلص من عُقدة القائد التاريخي ؟
2004/11/23

د. فيصل القاسم
تقول إحدي النكات العربية إن أحد أبناء الزعماء العرب ذهب بعد وفاة والده إلي رجل دين كي يسأله عما إذا كان بإمكانه من الناحية الشرعية أن يحل محل أبيه في حكم البلد، فأجابه رجل الدين بالطبع لا يا بني. ألم تسمع بالقاعدة الشرعية التي تحّرم أن يتزوج الابن أرملة أبيه؟ وربما قد أصاب الرجل كبد الحقيقة عندما شبه العلاقة بين بعض الحكام العرب وبلدانهم بالعلاقة بين الزوج والزوجة. والدليل علي ذلك أن الشعوب، التي تأخذ في هذه الحالة دور الأبناء، تبدأ باللطم والعويل والصراخ والنحيب عندما يموت الأب القائد.
وقد شاهدنا علي مدي الأعوام الماضية كيف أن بعض الشعوب العربية شعرت بنوع من اليتم لرحيل هذا الزعيم أو ذاك. وهذا طبعاً لا يعبر بأي حال من الأحوال عن عمق العلاقة بين الحاكم (الأب) والأبناء (الشعب) بقدر ما يعبر عن نظام حكم لا مؤسساتي، متخلف، جاهلي، أبوي، بائد، لا يمت إلي العصر بصلة ولم يعد موجوداً حتي في مجاهل أفريقيا، فالزواج الحاصل بين الحاكم والوطن ليس طبيعياً ولا طوعياً ولا شرعياً بل، كما هو معلوم للجميع، قسري بامتياز، أو بالأحري أشبه بالاغتصاب.
كلنا يعرف أن الانسان العربي محكوم عليه بمعاصرة زعيم واحد أو اثنين علي الأكثر خلال حياته حتي وإن تجاوزعمر المواطن التسعين عاماً، فهو يولد علي وقع خطابات الزعيم ويتزوج وينجب أطفالاً وربما يزوج أبناءه وما يزال الزعيم حاكماً حتي لو كان علي فراش الموت غير قادر علي التحكم بوظائفه الفيزيولوجية أو فاقد الوعي منذ سنين. لا عجب أن تهكم أحدهم ساخراً ذات مرة إن الأناس الوحيدين الذين لا يطلــّقون زوجاتهم (الأوطان) هم الحكام العرب، فهم، من شدة ورعهم، يؤمنون بقوة أن الطلاق هو أبغض الحلال إلي الله . وبما أن الحاكم العربي يتشبث بأهداب زوجته (الوطن) إلي الرمق الأخير فمن الطبيعي أن يشعر أبناءه (الشعب) بالفراغ والحيرة والضياع والخوف عند رحيله بعد طول حكم وطغيان.
هل كان الشعب الأمريكي أو البريطاني أو الفرنسي أو الياباني سيندب حظه ويبكي بطريقة هستيرية علي رؤسائه فيما لو رحلوا إلي الرفيق الأعلي؟ بالطبع لا، لأن الشعوب التي تحترم نفسها تغير زعماءها وحكوماتها كما تغير ساعاتها إن لم نقل ملابسها. وكم مات رؤساء غربيون بلا ضجة تـُذكر دون أن يسمع بموتهم أحد. ولو أن زعيماً غربياً طال أمده في الحكم فلا يزيد عن عقد ونصف من الزمن وهو رقم قياسي بالمقاييس الديموقراطية كما حصل للمستشار الألماني هيلموت كول أو رئيسة الوزراء البريطانية مارغريت ثاتشر. فالزعيم في الديموقراطيات المحترمة ليس خالداً لأن الخلود يقرره التاريخ وليس أبواق النظام وأزلامه كما أنه ليس أباً للجميع ولا زوجاً للوطن ولا الكل بالكل ولا محقان الذي يكبّسل الأوطان في شخصه كما وصفه أحد الشعراء أو يشخصن نظام الحكم علي مبـــدأ أنا الوطن والوطن أنا ولا يمسك بزمـــام الأمور من شراء (البسطار) إلي تعيين الطيار ولا يحكم من قبره إذا مات، وإنما هو عزقـــة فـــــي آلة كبري اسمها الدولة ويمكن استبداله بسهولة فائقة بلمح البصر إذا حدث له مكروه أو أصبح عاجزاً عن العمل لأي سبب من الأسباب أو خطف عزرائيل روحه. وما أكثر العزقات في البلـــدان الديموقراطية!
عندما يموت زعيم غربي يجد شعبه آلاف الأشخاص الأكفـّاء كي يحلوا محله دون عناء ولا جلبة. ولا تحدث أزمات ولا خلافات ولا يستنفر الجيش وأجهزة الأمن ولا يصبح مصير البلاد علي كف عفريت لمجرد أن حاكمها قد رحل عن وجه هذه الدنيا بسبب تقدمه في العمر. أما عندنا نحن العرب فتدخل البلاد والعباد في نفق مظلم ويضع كل إنسان يده علي قلبه ويتوسل إلي الله أن يخرج البلد من محنة فقد الزعيم الذي ظن يوماً أنه سيكون أبدياً. كيف لا وقد قام سيادته أو فخامته أو جلالته علي مدي سنوات حكمه الطويلة بعملية إخصاء عنيفة ومنظمة لكل من فكر يوماً بأن ينافسه علي الحكم كي يكون هو الفحل الوحيد في الدولة، ناهيك عن أن الزعيم العربي يعمد عادة إلي شن حروب استباقية شعواء ضد أي طامح بالزعامة حتي بعد خمسين عاماً وذلك علي طريقة الملك هيرود. فكلنا يعرف قصة ملك اليهود الذي ما أن روي له أحدهم بأن إحدي النساء ستضع مولوداً (السيد المسيح) قد يصبح في المستقبل حاكم البلاد حتي راح هيرود يبقر بطون كل النساء الحوامل في بلده علي مبدأ أتغدي بهم قبل أن يتعشوا بي . ومخطيء من يظن أن سياسة الملك هيرود قد أصبحت شيئاً من الماضي، فهي حية ترزق في بلادنا العربية وإن كانت تـُمارس بشكل مختلف، لابل إنه تقليد سياسي عربي راسخ ضد المعارضين. واستميح مجمعات اللغة العربية عذراً لأسمي ذلك التقليد بالهيرودية العربية.
وقد صور أحد رسامي الكاريكاتير العرب تلك السياسة الاستئصالية الاحتكارية عندما رسم صورة لحاكم عربي وهو يحمل في يده مصباحاً كهربائياً يضيئه فوق من يشاء من مساعديه لسويعات إذا كان راضياً عنه ويطفئه حينما يغضب عليه. بعبارة أخري فإن الحاكم العربي لا يسمح لأحد أن ينافسه علي بقعة الضوء، فهو الوحيد الذي يجب أن تـُسلط عليه الأضواء. وكل من يفكر بمنافسته فهو ملعون مطعون إلي يوم الدين. وقد لاحظنا أن بعض الزعماء العرب يرفض حتي فكرة أن يكون له نائب ينوب عنه في تسيير أمور الدولة إذا مرض أو كان مشغولاً بقضايا عاجلة. وقد تحجج بعض الزعماء بأنه لم يجد الشخص المناسب في طول البلاد وعرضها كي يكون نائباً له!! وحتي إن تكرم بعضهم وعين لنفسه نائباً فيكون نكرة أو ضعيف الشخصية أو لا محل له من الإعراب السياسي إلا ربما في محل مجرور بحيث يُجَر ولا يَجُر. لهذا السبب تحديداً ليس لدينا قادة أقوياء يمكن أن يحلوا محل الزعيم الأوحد عندما يموت لأن القائد العربي يعمل منذ البداية علي إحاطة نفسه بمجموعة من المواليين من وزن الريشة الذين لا يتمتعون بأي شعبية أو هيبة، وهو يحاول أن يضمن دائماً أن لا يكون هناك من يخلفه حتي بعد مماته، شأنه في ذلك شأن كل الطغاة.
ومن سخرية القدر أن أبواق الإعلام الرسمي العربي كانت تصور لنا ذلك النوع من الزعماء زوراً وبهتاناً علي أنهم قادة تاريخيون . وبدلاً من تجريمهم وفضحهم علي تجميع كل السلطات في أيديهم وشل الحياة السياسية في البلاد وشخصنة الدولة كان الكثير من الكتاب العرب يتغني بأمجادهم وبطولاتهم الفارغة كما لو أن الزمان لن يجود علينا بأمثالهم. وقد كنت ذات يوم شاهداً علي لقاء بين كاتب عربي وصحفي غربي دار حول تلك النوعية من الزعماء العرب. فقد تفاخر الكاتب العربي بأن لدينا قادة كارزميين عظاماً عز مثيلهم، فرد عليه الصحافي الغربي ساخراً نحن ومن حسن الحظ ليس لدينا هذا النوع من الحكام التاريخيين الذين أصبح بعضهم تاريخيين لمجرد أنهم جثموا علي صدوركم ردحاً أو تاريخاً طويلاً من الزمن، لكن لدينا القدرة أن نفرز ألف قائد ليحل محل زعمائنا عندما يتوفون لأن بلادنا ليست مختصرة في شخص سيادته أو فخامته أو جلالته. أما أنتم يا عرب فمشكلتكم أن زعماءكم التاريخيين يعملون بمبدأ أنا ومن بعدي الطوفان أو إذا مت ظمآناً فلا نزل القطرُ . وقد يعتبر بعضكم أيها العرب المهوسون بالقائد الرمز أو الضروروة أو الملهم أن الجيل الجديد من الزعماء ليس بكارزمية وفخامة الجيل القديم. وهذا صحيح، لكن فقط لأن وسائل إعلامكم لم تأخذ بعد الوقت الكافي من الكذب والتزييف والتلفيق كي تصنع منهم قادة تاريخيين . ولو كنتم تفقهون أيها العرب لحمدتم ربكم لأنكم تخلصتم من القادة الأفذاذ الذين أوصلوكم إلي ما أنتم عليه من عز وكرامة وسؤدود وحريــــة. أليست العبرة دائماً بالنتائج يا صديقي؟ يتساءل الصحافي الغربي. لكن الكاتب العربي حاول أن يدحض نظرية الصحافي بأن الطوفان لم يأت دائماً بعد رحيل قادتنا العظام ، فأجابه الصحافي الغربي:
الطوفان يا صديقي فعلا ً لم يأت في أحيان كثيرة لحسن الحظ بعد رحيل هذا الزعيم التاريخي المزعوم أو ذاك، لكن ليس لأنه خلف وراءه مؤسسات تستطيع أن تدير الدولة في حال غيابه، بل لأنه يكون قد ورّث القيادة التاريخية لنظام مشابه أو لذريته أو حاشيته الميمونة التي (تتزوج البلاد) من بعده وربما تصبح تاريخية أتوماتيكياً. لا أحد يستطيع أن يضاهيكم أيها العرب، فأنتم لا تورثون القيادة لأبنائكم وأحفادكم فقط، بل تورثون لهم التاريخ معها، فحتي التاريخ يصبح ملكاً للقائد البطل وعشيرته عندكم. ومن يدري فقد يلجأ قادتكم التاريخيون إلي استنساخ أنفسهم بحيث يسودون مدي الدهر ويصبحون قادة خالدين . انتهي كلام الصحافي الغربي.
وكي لا يعتقد البعض أنني أحاول التقليل من أهمية الإنسان الفرد في صنع التاريخ أريد أن أؤكد أنني من المؤيدين لنظرية المفكر االبريطاني الشهير توماس كارلايل الذي يؤمن بأن التاريخ من صنع الأبطال والمتميزين والأفذاذ، لا بل هناك قادة تاريخيون فعلاً. ولا أتفق مع النظرية الماركسية التي تعزو التحولات التاريخية إلي قوة الجماهير وحركتها. فالجماهير ليست أكثر من قطعان تـُساق في كثير من الأحيان كما صورها غوستاف لوبون، وكم كان ماركس مخطئاً عندما قال إن الشعب الفرنسي هو الذي أنتج نابليون لإنجاز مهمة محددة في فترة زمنية محددة، ولو لم يكن نابليون موجوداً لأنجب الفرنسيون ألف نابليون غيره . هذا غير صحيح أبداً، فنابليون كغيره من العظام قائد فذ، وبالتالي لا أحد يستطيع أن ينتقص من قيمة وعظمة بعض الزعماء العرب الذين رحلوا عنا بعد أن تركوا بصماتهم علي التاريخ العربي الحديث والذين كان لهم فضل هائل لا يستطيع أحد أن ينكره علي بلدانهم وشعوبهم، لكن المشكلة أن بعض هذا النوع من القادة التاريخيين العرب، وليس كلهم كي نكون منصفين، لم يكتفوا بما حققوه لأوطانهم من انجازات كبري وعظيمة في مرحلة معينة، بل إن معظمهم أراد أن يحتكر التاريخ والحاضر والمستقبل، كما لو أن التاريخ لم ولن ينجب مثلهم، مما جعل الشعوب العربية تلعن الساعة التي سمعت فيها بمصطلح القائد التاريخي الذي، للأسف الشديد، تحول إلي بزنس سياسي مفضوح وغدا، في بعض الأحيان، الاسم الكودي للفساد والطغيان والاستبداد والديكتاتورية والاحتكار والاستئثار والتخريب والنهب والسلب. أليس من حق الإنسان العربي بعد كل ذلك أن يكفر ببعض قياداتنا التاريخية العتيدة ؟


القدس العربى
23/11/2004
  #163  
قديم 19/12/2004, 08:49 AM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Cool

القفز بالزانة... والمدير المارد

د. علي الشعيبي


بقلمه الرصاص وبطريقة الأستاذ الجامعي أخذ يشرح لي فكرته، مستنكراً ما يجري. مؤكداً أن الكثير من عمليات التطوير والإحلال والتبديل ربما تكون محاولات قد تؤدي إلى تخريب هذه المؤسسة أو تلك، وأن جل القائمين على أمور التطوير لا يدركون خطورة الخطوات والإجراءات التي تم اتخاذها، وأكد محدثي أستاذ علم الإدارة أن هناك نظريات كثيرة تم ابتكارها واستنباطها، وسهر على شرحها وتفنيدها علماء أجلاء تتناول شخصية المدير أو رئيس القسم أو الشعبة، وتتناول مجموعة الإجراءات المتخذة لتعيين الرجل المناسب في الموقع المناسب. هنا، ضحك أستاذي بخبث واضح، وفهمت مغزى ما كان يرمي إليه!. وأردف أن أكثر الأمور إيلاماً في حياتنا الإدارية العربية ما يمكن أن يفسر وفق نظرية إدارية تعرف بنظرية "القفز بالزانة" وهي نظرية متجذرة في الحياة الإدارية العربية والعالم الثالث، ومفادها أن هناك أشخاصاً بمواصفات معينة لا علاقة لها بالذكاء، والتحصيل العلمي، والمهارات، والإبداع والإنجاز تتهيأ لهم الفرص للترقي والقفز خطوات واسعة إلى الأعلى، بطريقة حرق المراحل التي أتحفنا بها المنظرون الأيديولوجيون وخاصة الماركسيون منهم. إذ تجد أن شاباً محدود المهارات متواضع الذكاء، قليل الإبداع، يتعين في وظيفة رئيس شعبة، يمسك بالزانة على طريقة الرياضيين ويحرق المراحل، وتجده مديراً بعد أشهر من تعيينه، وتطرح مئة سؤال ولا تجد رماد إجابة، وتضرب كفاً بكف، وتصرخ من الداخل... أرزاق.

القفز بالزانة سمة من سمات التنظيمات الإدارية التي لا تضع معايير الكفاءة وجودة المخرجات كمحددات راسخة للترقي في المناصب المختلفة. وكثيراً ما تكون النتائج مخيبة للآمال. قال محدثي إن حديثنا عن القفز بالزانة هو حديث عن نظرية تدرس في الجامعات المرموقة، وهذا يعني أنها تشكل ظاهرة مرت بها المجتمعات الغربية والتي انطلقت منها هذه النظرية، ويؤكد الأستاذ الجامعي أن هذه النظرية تم حذفها من أدبيات العلوم الإدارية الغربية ومناهج الدراسات في اليابان وماليزيا وكوريا والهند، ولكنها لا تزال مطبقة في بعض الدول العربية بشكل يثير القلق رغم صيحات إصلاح الجهاز الإداري، وصرخات الرجل المناسب في المكان المناسب. يقول الأستاذ المتحدث عبر خبراتي الحياتية وتجاربي العلمية في مدرجات الجامعات وكليات القانون والإدارة، إلا أن فكرة القفز بالزانة لا تزال مسيطرة على النهج الإداري، ومما يؤسف له أن مؤسسات حكومية مهمة في دولة الإمارات والحديث لا زال للأستاذ الجامعي، متمسكة بهذا النهج رغم النتائج الكارثية التي حلت ببعض المؤسسات جراء هذا الإجراء، في الطرف الآخر من المعادلة، ولتحقيق قفزات عالية بالزانة يقدم الكثير من الموظفين من ذوي البنية الرياضية الضعيفة والأخلاق التي لم تتلوث بعد بأدران الفكر النفعي إلى ابتكار أساليب جديدة، تحقق لهم إمكانيات الوصول إلى باب المدير أو الحصول على ترقية بعد شقاء. ومن أهم الطرق أو قل الحِيل التي تم ابتكارها الرقص على الحبال المشدودة بين الإخلاص والمداهنة والمسح على الجوخ. ويمكننا إلقاء الكثير من الأضواء الكاشفة على نماذج تثير الحفيظة والقرف معاً، ولكننا نكتفي بنموذج واحد يشخص الحالة ويؤكد ما رمينا إليه، هو موظف مجتهد حاصل على مؤهل علمي لم يصادف نجاحاً في عدة مؤسسات إلى أن جاء إلى مؤسسة، أدرك أن سبيل الوصول إلى منصب مرموق لا يحتاج إلى قوة بدنية للقفز بالزانة، بل كل ما يحتاجه هو مهارات الرقص فوق الحبل المشدود في خيمة سيرك كبيرة تسمى وزاره أو دائرة محلية، وأنجع خلطة سحرية ثلاثية الإبادة تتكون من صوت جهوري، ولعب على الذقون، والوصول إلى مرحلة تحويل المدير إلى صنم قابل للعبادة، فتراه في كل محفل ومؤتمر يخطب الود، ويقلب الصفحات الصفراء من قاموس ألفاظ التعظيم والتفخيم، ويحول الفكرة الساذجة إلى فكرة عظيمة، والنكتة الباردة إلى قصيدة عصماء، ويقول في المدير معلقات مدائح لتعلق على أبواب المؤسسة التي يعمل فيها. يكذب وينافق ويعبر الأسلاك الشائكة والأبواب المغلقة ليحظى بالرضى، ويسترزق من فتات المائدة، ويتناول كسرة خبز مغموسة في دبس الذل.

نموذج يجسد حالة مرضية من الوصولية والانهيار الداخلي، ولكنه يتمتع بمهارات أقلها كما يقول صديق إعلامي أن "وجهه لوح" لا يدخله مسمار تنهال عليه مطارق. يقتات من يرقات الماء الراكد في بحيرة الجمود الإداري عندما يتصادف وجود مدير أو مسؤول كبير يقع ضحية لكلام معسول من قبيل (فكرتك أيها الكبير فكرة لم تخطر على بال بشر ربما قالها أفلاطون أو ربما جاهر بها كنفوشيوس ولكنك المبجل والوحيد القادر على منحها الحياة وتطبيقها للتوافق مع معايير التميز والنجاح). لنلاحظ مقدار الكذب وسفاهة مسح الجوخ في هذا الطرح .

في الجانب الآخر من الصورة يقول أستاذ الإدارة تنتشر في زوايا المؤسسات العربية والشركات الحكومية مفاهيم إدارية في غاية الغرابة مثل المدير السوبرمان حيث يحقق أحد المديرين نجاحاً في مرفق معين، ومن ثم يجد نفسه مديراً وبأمر فوقي لعشرات إن لم نقل لمئات من المؤسسات وعضواً منتدباً لمئات أخرى ولا يوجد في العرف أو المفهوم الإداري وعلى مر التاريخ البشري إنسان واحد قادر على لعب كل هذه الأدوار دفعة واحدة وكيف يمكنه أن يعقد 30 اجتماعاً يومياً في زمن لا يزيد على 15 ساعة، ويحضر جلسات مجاملة وحفل غداء وعشاء، ثم ما هي العبقرية التي تمكن شخصاً واحداً من إدارة مجموعة مصالح قد تكون متضاربة، وهل عقمت الأرض من أن تلد شبيهاً للمدير السوبر؟ .

العلة كما يراها أستاذ الإدارة ليست في المدير السوبر ولكنها في المدير المارد وهو تعبير يطلق على نوعية من المديرين الجدد من إفرازات تطور فكر الرأسمالية المتوحشة، وهم مديرون ليس شرطاً أن يكونوا بعيون زرق أو خضر، ولكن يجب أن يكونوا محصنين داخل قمقم أو مصباح ويأتي من يفرك هذا المصباح ليخرج المدير المارد القادر على تحويل التراب إلى تبر، والفحم إلى ماس، والمرجان البحري إلى زمرد. المدير المارد يبيعك الهواء ويبيعك أرضاً في الفضاء الخارجي، ويبيعك الملح وأنت من سكان "هرمز" ويبيعك الماء وأنت تسكن في حارة السقايين. المدير المارد قادر على ممارسة أساليب الحواة على بعض الإعلاميين ومن ثم توجيههم للكتابة وبإطناب عن منجزاته العبقرية وتفتقات ذهنه الخرافية . المدير المارد مثل بعض الزعامات في العالم الثالث التي تعتقد أنها تمتلك الحقيقة المطلقة والمعرفة الكاملة ولا ينازعها في الذكاء منازع .المدير المارد قمقمه من قشرة هشة ولكنه ينفخ ريشه كطاووس أعرج، وينفث حبره كحبار يسبح في ماء آسن. المدير المارد يحرك عواصف هوجاء، ولكنه لن يقتلع الأشجار من الطين، ولن يقطع الجذور التي ترتوي بماء القلب، إنه كبرج شاهق يبنيه طفل تحت موجة بحر ما إن تتلاطم مياهها حتى ينهار البرج، ولكنه من دخان وقمقمه كقشرة بيض، وجناحاه ريشة منزوعة من ذيل عصفور تزمجر فيها ريح عاصفة في يوم الحقيقة فلا تخف من مارد الورق كما لم تخف من نمور الورق.



المصدر وجهات
  #164  
قديم 30/12/2004, 06:05 PM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Wink

ظاهرة التباهي في الخليج
2004/12/30

د. علي فخرو

التباهي بالمنجزات بين مجتمعات الخليج العربية، وعلي الأخص الصغيرة منها، هو ظاهرة تستحق النظرة المتفحصة.
وبالرغم من قدم هذه الظاهرة إلا أن الملفت للنظر هو تطور مكوناتها وركائزها في الفترات الأخيرة.
في الماضي كان التباهي بين من كان له السبق في افتتاح أول مدرسة في المنطقة أو الريادة في بدء تعليم البنات وإرسال البعثات أو الانفتاح علي الحداثة بتواجد خدمات صحية وثقافية وتكنولوجية. كان التباهي يتركز في الحقول التي تمس حياة الإنسان مباشرة وترتقي به في سلالم المعرفة والإبداع الذاتي والتنمية الإنسانية والتحرر من التخلف والاستبداد. ومن هنا كان الفخار لمن يؤسس أول نادٍ أدبي، أول صحيفة، أول إذاعة، أول برلمان وأول حركة سياسية إصلاحية.
في أيامنا التي نعيشها تغيرت طبيعة ذلك التباهي، الذي كان يصب في مجري خدمة عموم المواطنين وفيما يرقي بالإنسان ويربطه بأفضل ما في العصر، إلي تباهٍ يصب في مجري خدمة الأقلية أو فيما يدخل الإنسان في دوامة الاستهلاك المادي النهم. فالتفاخر اليوم أصبح بين من يبني أكبر مجمع سياحي أو أوسع شبكات إعلامية تجارية أو أعلي بناية في المنطقة، أو بين من يقيم أكبر مناسبات للتسوق الترفيهي وللغناء، أو بين من يجتذب أكبر عدد من الأسماء السياسية والإعلامية والمالية اللامعة المتداولة المعروفة في العالم لحضور مؤتمرات مهرجانية فولكلورية ببغاوية تمارس الإستنساخ. وتنتشر العدوي إلي وسائل الإعلام العربي لتلمع علي شاشاتها وصفحاتها أسماء ساسة وإعلاميين أجانب من ذوي الخطاب السطحي المتواضع ولتختفي من علي شاشاتها وصفحاتها أسماء مفكرين عرب من ذوي الانتاج العميق المطلوب للنهوض والتقدم.
بعيداً عن الآثار الاقتصادية لهذه الظاهرة، والتي قد تكون أحياناً إيجابية، فان الذي يهمنا هو المؤشرات والدلالات التي قد تنتج من جراء الاستمرار في ممارستها. فالمسألة الكامنة تشير إلي نمط جديد في التفكير يجدر أن نكشفه.
أولاً ـ إن الانتقال من التباهي بالمنجزات التي تؤدي عادة إلي إغناء الحياة العقلية والوجدانية والجمالية والجسدية للإنسان إلي التباهي بالمنجزات المادية التي لا تأثير لها يذكر علي مكونات النفس البشرية يشير إلي تحولٍ في مركزية تفكير مجتمعاتنا.
فلا يعود هدف المجتمع الأساسي مساعدة المواطن، من خلال مؤسسات العلم والمعرفة والثقافة، إلي الإرتقاء في سلم الإنسانية، بل يصبح الهدف الأساسي هو الإنماء المادي الاقتصادي. ولعل في مظاهر المبالغة في خصخصة خدمات التربية والتعليم والصحة والثقافة، وتخلي الحكومات التدريجي عن مسؤولياتها الاجتماعية والتزاماتها الأخلاقية نحو الضعفاء والفقراء والمهمشين ما يشير إلي هذا التحول في نمط تفكير المسؤولين في مجتمعاتنا. ذلك أن التباهي بالشيء يعني الإلتزام به والذي بدوره يعني المسؤولية. ولا شك أن حكومات دولنا كانت قبل بضعة عقود أشد حساسية تجاه مسؤولياتها عن إثراء وترقية حياة مواطنيها عما هي عليه اليوم. وهو الذي يفسر هذا التحول في مواضيع التباهي.
وثانيا ـ هناك اندماج دولنا أكثر فأكثر في قوانين ومتطلبات الرأسمالية المتوحشة المعولمة. تلك الرأسمالية التي تطحن الإنسان في طريقها نحو بناء المؤسسات الاقتصادية والمالية العملاقة، نحو المضاربات والمغامرات غير المأمونة، نحو خلق الحاجة المسعورة للإستهلاك النهم لكل بضاعة أو نشاط أو متعة. ومع الأسف فإن القيادات السياسية عندنا ما عادت قادرة علي أن تبتعد عن الإنغماس في دوامة هذا التيار الجارف فتنسي الإنسان لحساب الأشياء.
التباهي بالمنجزات المادية في دول الخليج يعكس انحساراً عن تطلع مجتمعاتنا نحو القمم الإنسانية الرفيعة السامية وسقوطاً مقلقاً في مصائد الإقتصاد السلبي للعولمة. المطلوب في مجتمعاتنا أن نجعل الإقتصاد خادماً للإنسان في صعوده وسموه لا سيداً متحكماً فيه. تحقق ذلك سيوقف ظاهرة التباهي المرضية التي نعيشها



القدس العربى
  #165  
قديم 12/01/2005, 09:51 AM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
بين الإيمان بالقدر وتفعيل البحث العملي
د. عبيد الشقصي
استاذ بجامعة السلطان قابوس

القدرية هي الاستسلام للقدر، وإرجاع كل شيء في الحياة إلى تصرفات المقادير المغيبة عن الإنسان، وأنه ليس لعمل الإنسان في الحياة أي أثر، وإنما هو مسير وليس بمخير.

قد شاعت هذه الفكرة، واتخذت مذهبا منذ آواخر عهد العباسيين واستمرت حتى الآن. وكان من جراء التسليم والاعتقاد بالقدرية أن استند إليها بعض القعدة والمتقاعسين لتبرير إخفاقهم وكسلهم على اعتبار أن الأمور تسير كلها في فلك 'ليس لهم فيه ناقة ولا جمل. كما استغلها بعض المغرضين والحاقدين على الإسلام للتدليل على أسباب تخلف دول العالم الإسلامي باعتبار أن الإسلام يدعو إلى التواكل والتسليم بالإرادة الإلهية. وقد فسر البعض - خاصة أولئك المنتمين للفكر الماركسي الذين يعتبرون الدين أفيون الشعوب - تخلف دول العالم الإسلامي بسبب الدين أو العقيدة. وترجع نظرية التخلف بسبب العقيدة تخلف دول العالم الإسلامي إلى تسليم المسلمين المطلق بالواقع والمستقبل دونما محاولة من الإنسان لإعمال الفكر والأخذ بالأسباب. وقد لاقت هذه النظرية رواجا كبيرا في فترة السبعينيات خاصة بعد صدور كتاب "بين عصرين" لمؤلفه بريجنسكي مستشار الرئيس الأمريكي للأمن القومي آنذاك.
ويبدو أن الفهم الخاطئ لمبدأ القضاء والقدر هو الذي قاد بعض المنتسبين للإسلام وغيرهم من المفكرين إلى هذه النتيجة المغلوطة. إذ أن إيمان الرعيل الأول من الصحابة رضوان الله عليهم بفكرة القضاء والقدر قادهم إلى السعي والأخذ بالأسباب وإعمال العقل مع الإيمان بأن جهد الإنسان غير ضائع لأن الله هو الذي قدر الأقدار ووضع السنن. وعليه فقد سعى الصحابة إلى تحمل المشقات والقيام بالفتوحات الإسلامية والتدبر في الكون. وأدركوا أن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة، وأنه ليس للإنسان إلا ما سعى، وأن لكل داء دواء، وأن لكل مجتهد نصيب، وإن تنصروا الله ينصركم. ولو كان الكون يسير كله وفقا لمبدأ القدرية والتسليم لما لزم الأمر هذا التدافع والتنافس ليس فقط من أجل البقاء وإنما أيضا من أجل تحسين مستوى العيش والارتقاء بطبيعة الحياة. فالمطر قد يتأخر عن النزول ولكن على الإنسان أن يبحث عن وسيلة أخرى للحصول على الماء منها حفر الآبار والأفلاج وعمل السدود وإنشاء محطات لتحلية مياه البحر. وفي كل هذه الخطوات عبارة عن تجسيد لمبدأ الأخذ بالأسباب من أجل العيش وتطوير سبل العيش.
ولو تمعنا قليلا في مفهوم القضاء والقدر نجدهما ليسا من القدرية الغيبية في شيء لأن القضاء هو الأفعال التي تقع من الإنسان وعليه جبراً عنه. مثل كونه يرى بعينيه لا بأنفه، و يسمع بأذنه لا بفمه، ولا يملك السيطرة على دقات قلبه. وكصاعقة نزلت من السماء أو زلزال هز الأرض فأصاب الإنسان منه ضرر، أو سقوط شخص من أعلى السطح على إنسان فقتله. فهذه كلها أعمال داخلة في القضاء و لا يحاسب الإنسان عليها، و لا علاقة لها بأفعال الإنسان الاختيارية. و القدر هو خواص الأشياء التي بها يحصل إنتاج الشيء ، كالاحتراق المقدر في النار، والقطع المقدر في السكين. وهذه كلها لا تستطيع القيام بالعمل إلا بفعل فاعل. فإذا باشر بها الإنسان عملا باختياره، كان هو فاعل الفعل لا القدر الموجود في الشيء. فإحراق الإنسان لبيت بالنار، يجعل منه فاعلا للحرق لا النار التي تحرق بالخاصية المقدرة بها، فيحاسب الإنسان على قيامه بفعل الحرق، لأنه هو الذي باشر بالقدر عملا معينا باختياره. فالقدر لا يفعل شيئاً بدون فعل فاعل. و القضاء لا دخل له في أفعال الإنسان التي يقوم بها باختيار منه.
ولهذا فإن كلا من القضاء والقدر لا دخل لهما بأفعال العباد الاختيارية، ولا دخل لهما أيضاً في نظام الوجود من حيث السيطرة عليه، وإنما هما من نظام الوجود الذي يسير وفق السنن التي خلقها الله تعالى للكون و الإنسان و الحياة والتي يسميها البعض خطأ بقوانين الطبيعة على الرغم من أن الطبيعة مخلوق وليس خالقا. وعلى ذلك فالإنسان قادر على التأثير في كل ما هو داخل في أفعاله الاختيارية. فالإنسان لا يستطيع أن يرد الزلازل من أن تحدث ولا "تسونامي" من أن يقع، ولا البركان من أن يثور ولكن بمقدوره البحث في الأمر والأخذ بالأسباب التي تعينه على التنبؤ بها والحد من مضارها ومخاطرها. ولهذا فإن القدرية لا تتنافى فقط مع دعوة البحث والتأمل في السنن الإلهية التي تتجلى في مخلوقات الله بكل أنواعها وإنما أيضا مع الحاجة الطبيعية للإنسان لإعمار هذه الأرض والعيش فيها. فالكثيرون يكتفون فقط برد الظواهر الطبيعية إلى أمور غيبية ميتافيزيقية ويعطلون العقل والعلم من البحث في الأسباب ومحاولة التعايش مع هذه الظواهر بطريقة تكفل الوصول إلى حقيقة الوجود الإلهي في تسيير الطبيعة. والبحث والتأمل يساعدان على توسيع المدارك وفهم الظواهر بشكل لا يتخيله أنصار القدرية المطلقة.


جريدة عمان
11/2005
  #166  
قديم 25/01/2005, 01:19 PM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
العمالة الوافدة في الخليج ملف ساخن تواريه المصالح
2004/12/29

د. سعيد الشهابي



كثيرا ما وصفت العمالة الاجنبية في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بـ القنبلة الموقوتة نظرا لآثارها المباشرة علي النسيج الثقافي والاجتماعي، وابعادها السياسية والاقتصادية. وقد تصاعدت أعدادها كثيرا في الثلاثين عاما الاخيرة، خصوصا في منتصف السبعينات بعد الطفرة النفطية. وبرغم التصريحات التي تطلق بين الحين والآخر من قبل المسؤولين حول الرغبة في تقليص هذه الظاهرة، لم تتخذ حتي الآن خطوات جدية حقيقية لاحتوائها. انها مشكلة آخذة في التصاعد بدلا من الانخفاض او الانكماش. وبمرور الوقت تصبح أكثر تعقيدا وصعوبة، لاسباب عديدة منها: أولا: انها المنافس الرئيسي للمؤسسات الوطنية الصغيرة نظرا لما تقدمه من أسعار متدنية جدا لخدماتها كما أنها تخلق حالة اعتماد مفرطة لدي المواطنين علي الآخرين للقيام بالاعمال اليدوية التي توفرها العمالة الأجنبية بأسعار زهيدة، ثانيا: ان وجودها مع غياب خطة وطنية جادة لتأهيل وإعداد العمالة الوطنية يؤدي الي تقلص المهارات الوطنية التي يتزايد اعتمادها علي المهارات الوافدة، ثالثا: أن أعدادا كبيرة من هذه العمالة خصوصا الآسيوية منها شكلت شبكات اقتصادية محكمة من الأقرباء والمعارف التي تدير قطاعات اقتصادية بكاملها وتشكل منافسا رئيسيا لأصحاب المشروعات الإقتصادية الصغيرة خصوصا في مجالات المقاولات الإنشائية والمواد الغذائية.
وفي مجال الأعمال وبعد بقائها لمدة طويلة أصبح لها نفوذ كبير يعيق تعيين العمالة الوطنية وترقيها في وظائف الكثير من مؤسسات القطاع الخاص. رابعا: ان بعض هذه العمالة يجد طريقه الي المواطنة القانونية بعد قضاء سنوات طويلة في البلد. خامسا: ان هناك جهات رسمية وجهات متنفذه تتضامن مع المتنفذين في الدوائر الرسمية تستفيد ماديا من وجودها ببيع رخص العمل وتأجير المساكن لها وغير ذلك من المنافع، وبالتالي يصبح وجود تلك العمالة مصدر اثراء لهذه الجهات، فتعارض خفضها او تقييد وجودها. سادسا: أن الكثير من العمالة الوافدة يسكن في المساكن القديمة في العاصمة أو المناطق القديمة من القري في عزلة عن المحيط الذي تعيش فيه فتلجأ إلي تحويل تلك المساكن إلي أوكار للدعارة فتؤثر سلبا علي البيئة المحيطة بها.
وما يزيد المشكلة صعوبة ويجعلها اكثر اثارة للجدل ظاهرتان مصاحبتان لها: اولاهما تنامي مشاعر العنصرية لدي البعض، حيث يتحول بعض العمال الاجانب الي ما يشبه العبيد خصوصا في قطاع خدم المنازل والمربيات، وثانيتهما تلاشي العدالة في معاملة هؤلاء من حيث الحقوق وساعات العمل والرواتب. وبالتالي، ففي الوقت الذي تعالج فيه هذه القضية من زاوية اقتصادية بحتة بسبب ارتباطها المباشر بالاوضاع الاقتصادية لبلدان الخليج، هنالك بعد انساني لا يجوز التقليل من اهميته. وفي السنوات الاخيرة اصبح هناك وعي دولي لاوضاع العمالة الوافدة في دول مجلس التعاون، وصدرت تقارير ترصد هذه الظاهرة وانتجت برامج تلفزيونية تشرحها بشيء من التفصيل والاهتمام. ففي البحرين مثلا، ادت سنوات النضال من اجل الحرية والحقوق الي تنامي الوعي بضرورة احترام العمالة الوافدة، والحفاظ علي حقوقها ومنع انتهاكها بأية صورة، وتنظيم حملات توعية بين المواطنين بذلك.
وتختلط ابعاد القضية بشكل مثير. فمن جهة هناك استيعاب لخطورة انتهاك حقوق العمال الوافدين، ومن جهة اخري هناك استيعاب لضرورة تقليصها خصوصا مع تنامي البطالة وصعوبة الاوضاع المادية للمواطنين. ويبدو الخطر الاكبر منطلقا من وجود جهات عليا في انظمة الحكم تستفيد بشكل مباشر من وجود العمالة الاجنبية خصوصا السائبة منها في اطار ما يعرف بـ فري فيزا . فهناك اشخاص متنفذون في اجهزة الحكم، يستخرجون مئات التأشيرات لاستيراد عمال اجانب، بدون الارتباط بوظائف محددة. يأتي هؤلاء بالتأشيرات المستخرجة لهم، وينتشرون في سوق العمل، علي ان يقدموا للشخص الذي استقدمهم نسبا من مدخولاتهم. ولا يمكن فصل هذا التعامل عن ظاهرة الاستعباد التي يفترض انها انتهت من الوجود. وهنا تتضارب المصالح الفردية بالمصلحة العامة، وهي ليست مشكلة عندما يكون الحكم القائم داعما للقانون، وملزما بمحاسبة اجتماعية او قانونية من برلمانات او جهات حقوقية او قضائية، لكنها تكون خطيرة في ظل الاوضاع السياسية بدول الخليج، حيث تتداخل مسائل الحكم مع المصالح العامة والشخصية. وفي السنوات الاخيرة بدأ الوعي الشعبي بالمشكلة يتنامي، وادي ذلك الي ضغوط علي الاجهزة الرسمية للحد من هذه الظاهرة وتوجيهها بشكل أقل تسيبا وانحرافا واستهتارا بالقيم والحقوق. فقامت بعض وزارات العمل في دول الخليج ببعض المحاولات لتنظيم العمالة الوافدة فأصدرت بعض القوانين بهدف تقليصها (ظاهريا علي الاقل) وحمايتها من الاستغلال.
والحديث المتواصل حول العمالة الوافدة يكاد يكون واحدا في دول الخليج الست، ابتداء بانعكاساتها علي سوق العمل المحلية، ودورها في تنامي ظاهرة البطالة، مرورا بانعكاساتها الاجتماعية بما في ذلك الاوضاع العائلية (بسبب تزايد المربيات والخادمات) وصولا الي البعد الانساني المتجسد بظاهرة الرق الجديد حيث المعاملة السيئة للمستخدمات في المنازل.
وقد أصدر مركز البحرين لحقوق الانسان العام الماضي تقريرا موسعا حول حقوق العمال الاجانب في البحرين، داعيا الي ضرورة احترامها ومعاملتها بشكل انساني والتوقف عن التعامل معها وفق منطق الرق والاستعباد. يضاف الي ذلك وجود حالة من الاضطراب الاجتماعي لدي العائلات الاكثر اعتمادا علي المربيات الاجنبيات، نتيجة الاعتماد المتزايد عليهن، وما لذلك من انعكاسات سلبية في التربية وفي العلاقات بين الزوجين احيانا. وقد اصبح مشهد النساء الخليجيات خلال اجازات الصيف في شوارع اوروبا ملفتا للنظر حيث تبدو العائلة العادية وكأنها موكب ملكي حيث يزيد عدد الخادمات احيانا علي عدد الاطفال. وكثيرا ما يتحدث الآباء عن اعراض الكسل والاعتماد المفرط لابنائهم علي المربيات والخادمات، وهو أمر لا يساهم في بناء شخصيات منتجة تعتمد علي الذات، وتتعامل بانسانية مع الآخرين.
وتجدر الاشارة الي ان من بين اهم اسباب الاعتماد علي هذه العمالة غياب التشريعات التي تساوي بين المواطنين والوافدين في الاجور، الامر الذي فتح الباب علي مصراعيه امام تدفق هذه العمالة الرخيصة. وهناك الآن دعوات لرفع مستويات الحد الادني من الاجور للعمالة الوافدة لردم الفروق العالية في الاجور. وهذا يحقق هدفين أساسيين: الاول انه يعيد قدرا من الاحترام لهذه العمالة ويوفر لها قدرا من المساواة مع العمال المحليين، والثاني، يقلص من الرغبة في استقدام المزيد من الاجانب بعد ان تتلاشي الميزة الاقتصادية من ذلك. وهناك معارضة شديدة خصوصا من قطاع رجال الاعمال الذين استفادوا كثيرا من العمالة الرخيصة، وكذلك من ربات البيوت اللاتي اصبحن أكثر اعتمادا علي الخادمات القادمات من دول شرق آسيا بأسعار زهيدة، وبظروف عمل لا تتوفر علي الحدود الدنيا من معايير العمل الدولية، سواء من حيث الاجور ام ساعات العمل، ام الاجازات السنوية. ويشعر دعاة الاصلاح السياسي والاقتصادي بخوف شديد من طرح القضية علي نطاق وطني واسع نظرا لما لذلك الطرح من أصداء سلبية في اوساط المجتمع التي تعتقد ان من حقها الاستمرار في هذه الاستفادة المفرطة من بشر آخرين محتاجين للوظيفة والمال مهما كان ضئيلا. ويدافع معارضو تلك الدعوات قائلين ان الاجور التي يحصل عليها المستخدمون الاجانب توفر لهم دخلا يحتاجونه لمساعدة عائلاتهم في بلدانهم الاصلية، وان اي سعي لتغيير العائدات والاعراف السائدة بدول الخليج حول الاجور وظروف العمل من شأنها ان تضر بالطرفين: العمال الاجانب واصحاب العمل. انها معادلة شائكة لا تتوفر لها حلول جاهزة، ولكن المنطق الانساني يقتضي الالتزام بمعايير متشابهة في التعامل بين الناس، وازالة ما يمكن اعتباره تمييزا في سوق العمل.
وفي القمة الخليجية الخامسة والعشرين التي عقدت مؤخرا في العاصمة البحرينية، تم التطرق لمسألة العمالة، وقدمت حكومة البحرين اقتراحا لمواجهة هذه المشكلة وفق خطة بعيدة المدي، من أهم بنودها عدم السماح للعمالة الاجنبية بالاستقرار في دول المنطقة (أي عدم تجديد اقامة أي عامل اجنبي) لمدة تزيد علي أربع أو خمس سنوات. غير ان حكومة البحرين نفسها كانت قد عرضت قبل بضعة شهور قانونا يمنح العمال الاجانب المتقاعدين الذين خدموا في دول الخليج الاخري حق الاقامة في البحرين اذا توفرت لهم مبالغ محددة من المال، واعتبر ذلك القانون وجها آخر لسياسة التجنيس السياسي التي تمارسها حكومة البحرين لتغيير التوازن السكاني في البلاد. ويشكل العمال الاجانب وذووهم حوالي نصف سكان دول مجلس التعاون الذي يبلغ حوالي 30 مليونا. وتقدر تحويلات هؤلاء من رواتبهم الي بلدانهم الاصلية بأكثر من عشرين مليار دولار سنويا، الامر الذي يمثل هجرة واسعة للمال الخليجي لا يفيد الاقتصاد في شيء. يضاف الي ذلك ان هناك تحسسا يزداد توسعا لدي الحكومات الغربية ازاء الصناعات الخليجية، وميلا لاخضاع منتجاتها لفحوصات كثيرة لاستيضاح ما اذا كانت هناك اساءة معاملة للمستخدمين لديها. فالعالم أصبح اليوم أكثر تحسسا تجاه ظاهرة الاستعباد والاستغلال والتشريعات الجائرة، باشكالها الظاهرية، برغم وجود تلك الظواهر في الاطر الكلية للسياسات الغربية، بمعني ان الاستغلال الغربي للموارد الطبيعية في العالم الثالث ظاهرة معروفة، وما الاصرار علي ابقاء اسعار النفط هابطة الا واحد من الادلة. مع ذلك هناك ضغوط امريكية علي دول كثيرة خصوصا في مجال صناعة الاقمشة، للتوقف عن استغلال العمالة الرخيصة بشكل يؤثر علي المنافسة الحرة. وهذا يقتضي الاشارة الي التوجه الدولي نحو عولمة سوق العمل، علي صعيد التشريعات في اطار شروط منظمة العمل الدولية من جهة، ومنظمة التجارة الدولية من جهة اخري، والتشريعات الدولية حول حقوق الانسان من جهة ثالثة. وسوف يفتح الباب مجددا لمناقشة ابعاد هذه العولمة، خصوصا في ظل خضوع تلك المنظمات والتشريعات للضغوط الامريكية علي وجه خاص.
لو نجحت قمة المنامة في التعاطي الموضوعي مع قضية العمالة الوافدة بالشكل الذي يؤدي الي احترام حقوقها، ويوفر للمواطنين فرص عمل أكبر، ويقضي تدريجيا علي روح الاستعباد والتواكل والكسل، ويصنع مجتمعات منتجة علي انقاض مجتمعات الاستهلاك التي تزداد توسعا، لكان ذلك انجازا عظيما يمكن ان يكون بداية لنهضة انتاجية علي اسس انسانية نبيلة. ان قضية العمالة الوافدة في الخليج واحدة من الملفات الساخنة التي تستحق الاهتمام خصوصا من نشطاء حقوق الانسان والمصلحين الدينيين والاجتماعيين، وهي مسؤولية اكبر علي السياسيين.

القدس العربى
  #167  
قديم 28/01/2005, 07:47 PM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Cool

لماذا تخلف العرب وتقدمت الهند والصين؟
2005/01/28

عوني فرسخ

صدر قبل ايام تقرير مجلس الاستخبارات القومي الامريكي بعنوان: استشراف وتوقعات حتي العام 2020. وكان قد عقد قبله بما يزيد قليلا عن الشهر في دبي المنتدي الاستراتيجي العربي وفيه قدمت دراسات للواقع العربي الراهن، واخري مستقبليه تستشرف الواقع العربي في العام 2020. ومــــع أن التــــقرير الصادر في واشنطن والدراسات موضوع الحوارات في دبي تناولت حقبة زمنية واحدة إلا أن التباين كان تاما الي حد التناقض في الاحتمالات المستقبلية في العام 2020 التي يتوقعها تقرير واشنطن عن تلك التي تتوقعها دراسات وحوارات دبي.
فقد كان ابرز ما احتواه تقرير مجلس الاستخبارات القومي الامريكي الاقرار بما كان متداولا في الاوساط الاكادمية والسياسية العالمية من أن كلا من الهند والصين تشهد تقدما مطردا علي صعيد نموها الاقتصادي وتقدمها العلمي والمعرفي، وانهما في سبيلهما لأن تصبحا قوتين عظميين في العام 2020، بل ومنافستين لكل من الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد الاوروبي واليابان.
في حين كان التخلف العربي المريع علي مختلف الصعد مضمون الدارسات والمباحثات التي شهدها المنتدي الاستراتيجي العربي . والتي لم تختلف كثيرا عما كان قد تضمنه تقرير التنمية الانسانية العربية للعام 2002 ، الصادر عن برنامج الامم المتحدة الانمائي، الذي مثل اول ادانة صريحة وصارخة للاداء الرسمي والمجتمعي العربي، وتضمن نقدا موضوعيا لبعض جوانب الواقع العربي المعاصر، واشتمل علي توصيات في غاية الاهمية لمعالجة ما رصده من قصور وتخلف. حيث أنتهت دراسات ومناقشات المنتدي الاستراتيجي العربي الي أنه في العام 2020 من المتوقع ان يبلغ سكان الوطن العربي 400 مليون، وان نسبة الفقر والبطالة بينهم هي الاعلي في العالم، نتيجة ما نبهت اليه دراسات المنتدي ومناقشاته من غلبة الجمود السياسي والركود الاقتصادي في معظم اقطار جامعة الدول العربية.
وحسب ما جاء في تلك الدراسات والحوارات من المتوقع في العام 2020 أن يكون في الوطن العربي 130 مليون امي، و 110 ملايين يعيشون تحت خط الفقر، و 100 مليون عاطلين عن العمل معظمهم من الشباب، وأن مديونية الاقطار العربية مقدر لها أن تصل 270 مليار دولار، الأمر الذي سوف يؤدي الي مزيد من التبعية والهيمنة للخارج واستنزاف الثروات والموارد العربية. وكثيرة هي الدراسات التي حذرت من أنه إذا لم يشهد الواقع العربي متغيرات جذرية علي صعيد الادارة السياسية والتنمية الشاملة فانه من المقدر ان تكون غالبية الاقطار العربية هي الاكثر عرضة للتفجرات الاجتماعية والصراعات السياسية في العالم خلال الخمسة عشر عاما القادمة.
والسؤال المحوري والحال كذلك بماذا يفسر التخلف العربي والتقدم الهندي والصيني؟ وهل إن تجاوز الواقع العربي المأزوم وتجنب الاحتمالات المستقبلية الكارثية يكمن فيما كان قد انتهي اليه تقرير التنمية الانسانية العربية للعام 2002 من ضرورة ان تعمل الاقطار العربية علي إعادة تأسيس مجتمعاتها علي ثلاثة شروط:
الاول: الاحترام القاطع للحريات الانسانية باعتباره حجر الزاوية في بناء الحكم الصالح المحقق للتنمية الانسانية.
الثاني: تمكين المرأة عبر اتاحة جميع الفرص، خاصة تلك الممكنة من بناء القدرات البشرية للبنات والنساء علي قدم المساواة مع اشقائهن من الذكور.
الثالث: اكتساب المعرفة وتوظيفها بفعالية في بناء القدرات البشرية، وتوظيفها بكفاءة في جميع صنوف النشاط المجتمعي وصولا الي تعظيم الرفاه الانساني في المنطقة
ولست أنكر أن هناك قصورا في معظم الاقطار العربية، إن لم يكن فيها جميعها، في مجالات الحقوق والحريات الانسانية، وتمكين المرأة وبناء قدراتها علي قدم المساواة مع الرجل، وتكريس اكتساب المعرفة وتوظيفها بفعالية في بناء القدرات البشرية. كما لا شك مطلقا في أن عملا جادا في المجالات الثلاثة ستكون له نتائجه في الحد من تفاقم مشكلات المجتمعات العربية علي مختلف الصعد. وبالتالي التخفيف من الاثار المستقبلية لتواصل التخلف العربي عن مواكبة التسارع المذهل في تقنيات الانتاج والاتصالات والمعلومات.
غير أن تزامن الاشادة بنهوض وتقدم الهند والصين ووقوفهما علي عتبارت منافسة امريكا واوروبا واليابان مع تسليط الاضواء بكثافة حول القصور والتخلف العربي ما يضع علي المحك توصيات تقرير التنمية الانسانية العربية وتلك المقولات التي تنسج علي منوالها. فالصين تحقق نموا اقتصاديا يقارب 8 % سنويا برغم افتقارها لتداول السلطة والحريات الليبرالية، وليس سجلها في مجال حقوق الانسان بافضل مما عليه الحال في معظم اقطار جامعة الدول العربية. ولقد حقق اكثر من نظام دكتاتوري في القرن الماضي نموا اقتصاديا وتقدما علميا وتفوق فيهما علي أعرق الديمقراطيات، كما حصل مع النظامين النازي والياباني قبل الحرب العالمية الثانية.
وهل المراة في الهند والصين أكثر تمتعا بحقوقها وحرياتها وتمكنا في المساواة بالرجل في بلادها مما هي عليه المرأة في معظم الاقطار العربية؟ وهل حققت ديمقراطية الهند المساواة التامة بين مواطنيها الهندوس والغت التمايزات بينهم التي تنص عليها الهندوكية؟ أم أنها توفر للمواطنين المسلمين والسيخ ذات الفرص المتاحة لمواطنيهم الهندوس؟!! وبرغم التمايز الطبقي والديني، وواقع المرأة والمنبوذين، حققت الهند النمو الاقتصادي والتقدم العلمي والمعرفي دون أن يواكبه عدل اجتماعي.
وفي تقديري أن واقع الهند والصين مطلع القرن الحادي والعشرين لا يكاد يختلف عما كان عليه واقع كل من الولايات المتحدة الامريكية والامبراطورية الالمانية مطلع القرن العشرين. حين برزتا منافستين صاعدتين لكل من الامبراطوريتين البريطانية والفرنسية. وعليه يبدو منطقيا القول بأن العامل الذي تسبب في النهوض والتقدم الامريكي والالماني مطلع القرن الماضي هو ذات العامل المتسبب بما يشهده مطلع القرن الحالي من نهوض وتقدم هندي وصيني. بل وهو ذات العامل الذي بافتقاد العرب له باتوا متخلفين عما كانت عليه حالهم قياسا بالهند والصين قبل ثلاثة عقود، وما غدوا يواجهونه من انسداد آفاق المستقبل.
فالولايات المتحدة الامريكية بعد أن حققت وحدتها القومية بانتهاء الحرب الاهلية سنة 1865، والمانيا بعد أن استكملت وحدتها القومية سنة 1870 حققتا تسارعا مذهلا في نموهما الاقتصادي، بحيث غدت الولايات المتحدة مطلع القرن العشرين الاولي من حيث الدخل القومي والفردي، والمانيا الثالثة، بعد بريطانيا في المجالين. وكذلك هو الامر بالنسبة لكل من الهند والصين، إذ مكنتهما وحدتهما القومية من توفير متطلبات التقدم العلمي والمعرفي ومواكبة التطورات المتسارعة في تقنيات الانتاج والمعلومات، التي لم تعد تستطيع تأمينها دولة في مستوي فرنسا أو المانيا أو انجلترا فكيف الحال بالاقطار العربية وليس بينها من يصل الي مستوي هولندا او البرتغال؟
ثم إن الوحدة القومية التي تتمتع بها الهند والصين وفرت لكل منهما المنعة امام التدخلات الخارجية. وبالتالي حماية القرارات الوطنية علي مختلف الصعد من اي تأثير غير وطني. في حين يعتبر النظام الاقليمي العربي، الذي تجسده جامعة الدول العربية، أكثر مناطق العالم مجالا للتدخلات والضغوط الخارجية، كما يجمع علي ذلك الباحثون في الأمن العربي القطري والقومي.
ولأن الوحدة القومية حجر الزاوية في كل تقدم اقتصادي وعلمي، والدرع الواقية ضد المداخلات والضغوط الخارجية. ولأن الوطن العربي يحتل موقعا استراتيجيا علي الخارطة، وتاريخه مثقل بالصراعات مع القارة الاوروبية، علي خلاف حال كل من الهند والصين، كانت وحدته القومية مرفوضة من كل الانظمة الاوروبية علي اختلاف توجهاتها السياسية وما بينها من تناقضات. وذلك ما لم يكن له مثيل بالنسبة للموقف من الوحدة القومية لكل من الصين والهند، التي واجهت رفض وعداء بعض الدول الاوروبية، ولكنها لم تواجه اجماعا اوروبيا كما في الحال العربية.
ولأن الوحدة العربية مرفوضة، والتكامل العربي ينظر اليه من زاوية اضراره بمصالح القوي العاملة علي تكريس استغلال الوطن العربي موقعا وموارد واسواقا وقدرات بشرية. ولأن اسرائيل انما اقيمت لتعطيل قوة الجذب بين العرب ومنع وحدتهم او اتحادهم، فضلا عن كبح فعالية مصر القومية وتفاعلها التاريخي مع بلاد الشام والعراق. ولأن ذلك من حقائق تاريخ الصراع الممتد فيما بين الامة العربية وقوي الاستغلال والهيمنة، لم يكن مستغربا غياب الاشارة لاهمية التكامل القومي العربي في كل الدراسات والتقارير التي تناولت الواقع العربي بالدراسة والبحث. أو تلك التي عنيت بتسليط الاضواء بكثافة علي نواحي القصور والتخلف العربي دون ان تأتي علي ذكر واقع التجزئة والتشرذم والذي هو أهم أسباب هذا التخلف وذاك القصور.
وعليه يبدو جليا ان الخروج من مأزق التخلف، وتوفير ضمانات عدم تحقق الاستشرافات المقلقة للمستقبل العربي، انما يكمن حله الجذري بالتقدم الحثيث باتجاه التكامل العربي، وصولا الي الاتحاد الديمقراطي العربي، الذي يضم كل الدول العربية دون اي مساس بانظمة الحكم فيها، وواقعها الاجتماعي. علي غرار الاتحاد الاوروبي الذي احتفظت فيه كل دولة بقدر كبير من الاستقلال بادارة شؤونها الخاصة. ذلك لأنه في عصر العولمة لم يعد مستطاعا مواكبة التطورات العلمية والمعرفية والحيلولة دون المداخلات والضغوط الخارجية إلا من خلال تكامل الامكانيات والقدرات ضمن التكتلات الاقليمية الكبري.
واخيرا ماذا يمكن أن يتبقي من امكانيات وقدرات الهند والصين لو مورست ضد كل منهما ذات السياسات التي تعرضت لها تجربتي محمد علي وجمــال عبدالناصر؟ أو هل تستطيع الولايات المتحدة الامريكية ان تحتفظ بدورها القيادي لو انفرط عقد ولاياتها الخمسين ورفعت كل منها علما فوق مبني الامم المتحدة في نيويورك كما هي حال الاعلام العربية الاثنين والعشرين؟
سؤال جوابه عند الذين لا يرون في الحديث عن تقدم الهند والصين حافزا لتحرك عربي سياسي ومجتمعي جاد باتجاه الاتحاد الديمقراطي العربي
.
كاتب من فلسطين يقيم في الامارات



القدس العربى
  #168  
قديم 30/01/2005, 09:35 AM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Cool

انهم يستعينون بالانكليز لتطوير التلفزيون المصري!
2005/01/03


سليم عزوز

لا داعي للبكاء علي اللبن المسكوب، ونقول أننا أخذنا مقلبا معتبرا في وزير الإعلام المصري الجديد ممدوح البلتاجي، والذي استقبلنا تعيينه بزفة، وتعاملنا معه علي انه سيفتح عكا، ويعيد الريادة السليبة الي تليفزيوننا الجبار، فإذا بنا ـ يا ولداه ـ نكتشف أننا بما فعلنا كنا نتعلق في خيوط العنكبوت!
أسلوب لطم الخدود، وشق الجيوب، وندب الحظ، هو مثل البكاء علي رأس الميت، ولم يحدث في طول التاريخ وعرضه ان ميتا رجع في كلامه، وقرر العدول عن الموت والعودة للحياة، لمجرد ان هناك من وقف علي رأسه وبكاه، وقال له: يا حبيبي يا غالي!
معذرة لهذه البداية الشؤم، والوصلة النكد، والتي لا تتسق والكتابة في بداية عام جديد، عذري أنني عجينة عكننة ، ونكدي بالفطرة، ومتشائم بالسليقة، ووجهي يقطع الخميرة من البيت، تماما مثل وجه السيدة كونداليزا رايس، وانسان علي هذا النحو، ماذا يمكن ان يفعل في بداية عام جديد استهله وزير الإعلام المفدي بقرار فتاك ينص علي الاستعانة بالأشقاء الإنجليز في تطوير قطاع الأخبار، حيث أعلن لا فض فوه ومات بالسكتة القلبية كارهوه (فردا فردا خوفا من الخطأ والنسيان) ان شركة إنجليزية عالمية ستتولي تطوير القطاع المذكور في أبريل القادم! هناك سؤال يطرح نفسه: من صاحب هذا الاقتراح العبقري والفتاك؟ الوزير المذكور كان قد شكل لجنة ممن يطلق عليهم كبار الكتاب وهم كبار بحكم السن ، فمنهم من عاصر هزيمة زعيم المماليك قانصوه الغوري، ومنهم من شاهد هوجة عرابي ومذبحة القلعة. وكان الهدف من هذه اللجنة ان تقرر اختيار المسلسلات والبرامج التي تعرض خلال شهر رمضان، وهي حيلة يلجأ اليها بعض المسؤولين في مصر المحروسة، حتي يكسبوا تأييد هؤلاء في الصحف السيارة وهم نافذون، ومن ناحية أخري حتي لا يتحملوا اخطاء قرارات لانها صدرت بالإجماع من لجان متخصصة، أما المسؤول المختص فانه يعرف كيف يمرر ما يريد تمريره من خلال هذه اللجان بسيف الحياء، وطمعا في ان يكون اعضاء اللجان عند حسن الظن، وحتي تضمهم لجان أخري. وهم يدافعون عن ما تم تمريره حتي وان كانوا غير مقتنعين به!
والذين تتشكل منهم هذه اللجان، لا يكذبون خبرا وبمجرد دعوتهم واعلان ان اسماءهم في قائمة المحظوظين، فانهم يدبجون مقالات المديح في العهد التليد، والفكر الجديد، وهذا ما حدث من قبل لجنة وزير الإعلام التي خرج عناصرها يهللون ويكبرون، ويشيدون بعظمة البلتاجي وديمقراطيته، ثم اكتشفنا ـ يا قراء ـ ان من شكل اللجنة قرطسهم، أي حولهم الي قراطيس ـ جمع قرطاس ـ حيث زج بأعمال لم تقررها وفرضها علي المشاهدين، ولم يقل أحد من أعضاء اللجنة البواسل: بم!
المؤكد ـ وحتي كتابة هذه السطورـ ان الوزير لم يشكل لجنة لتطوير قطاع الأخبار انتهت الي ضرورة الاستعانة بالخبراء الأجانب، وبالأشقاء في بريطانيا العظمي ـ علي وجه التحديد ـ حتي يقيلوا القطاع من عثرته، وحتي ينجح في جلب الريادة الإعلامية التي استولت عليها دولة قطر، والتي لا تريد ـ أي الريادة ـ ان تعود إلينا، ولو بالطبل البلدي!
القرار التحفة، بالاستعانة بالشركة الإنجليزية، هو إذن من بنات أفكار الوزير، والذي لم يطلع عليه انس ولا جان، حتي أعلنه بنفسه، ويلاحظ انه لم يتسرب الي أي صحيفة قبل هذا الإعلان، وكان واضحا انه وهو يعلنه معجبا بذاته، وبأفكاره، وبعقليته المعملية الفذة، باعتباره جاء بالذئب من ذيله، او أتي بما لم يأت به الأوائل، لدرجة انه كاد ان يقول في المؤتمر الصحفي الذي اتخذ فيه هذا القرار: اشكروني!
وهذا القرار، والأجواء التي اعلن فيه، يؤكد ان الوزير تسيطر عليه عقدة الخواجة، وتعني في نظر المسيطرة عليهم ان الخواجة علي شئ قدير، ولا نريد، فضلا عن أننا لا نملك، ان نخلص سيادته من هذه العقدة، بعد كل هذا العمر، وبعد ان أصبحت لها جذور في أعماق أعماقه، ولا نظن ان هذا الإيمان العميق المتجذر لدي فريق منا ـ وما الوزير الا واحد من تيار عريض وكاسح ـ يمثل جريمة وطنية كما يظن البعض، لكن المشكلة في ان هذا الاقتراح، وبعيدا عن أي دعاوي وطنية او مهلبية، يعني ان الوزير لم يغوص في أسباب الفشل الذي مني به تليفزيونه حتي اصبح مسخرة، وانما نظر الي الحاصل وهو علي البر، ولو غاص في الأعماق، وخاض في اللجج، لوقف علي ان الخواجات في كل أنحاء المعمورة لو اجتمعوا علي انتشالنا من الفشل فلن يقدروا، ضعف الطالب والمطلوب!
فالخواجات لن يحيوا العظام وهي رميم، مع احترامنا مقدما لمقاماتهم الرفيعة، ومقامات المؤمنين بهم وبعقلياتهم الجبارة، والمشكلة ليست في الإعلامي المصري ولكن في السيستم، والنظام داخل مبني التليفزيون ماسبيرو قائم علي المحسوبية والوساطة والاستلطاف، ولهذا فان الفشلة هم من يحصلون علي المكانة والامتيازات، ويتم التضييق علي المدرك والواعي، هذا ان تم اختياره من الأساس، حتي يطفش او يموت، والمناخ داخل المبني العريق قاتل ومميت وطارد للكفاءات. انظر إلي كثير من وسائل الإعلام الأخري وسوف تجد مصريين، بعضهم من أبناء قطاع الأخبار، ولو ظلوا فيه لماتوا دون ان يسمع بأسمائهم او يقف علي كفاءاتهم أحد! ان مصريا كان ممن تأسست بهم قناة الجزيرة، و كان فيما نعلم من خريج قطاع الأخبار في التليفزيون المصري، وهو نفسه من شارك في تأسيس قناة العربية ، وغيره كثيرون، وفي المحطات المختلفة!
مرة أخري لست متحيزا للإعلامي المصري، بقدر ما انظر الي نصف الكوب الملآن، ولنفرض مثلا، مثلا، يعني، ان كل الشركات الإعلامية الرصينة علي مستوي العالم التي يقوم عليها خواجات، اجتمعت من اجل ان تدرب مذيعة تليفزيون الريادة مفيدة شيحة، او حتي رئيسة التليفزيون زينب سويدان، وباقي شلة الأنس التي تسيطر علي الشاشة، وتفتح لها الخزائن لينفقوا علي التفاهة بدون حساب، لنفرض ان هذه الشركة دربت هؤلاء، هل سيكون هذا سببا في اننا سنكيد العوازل، وتصبح مفيدة في حرفية خديجة بن قنة، و زينب سويدان في مهنية منتهي الرمحي، و سناء منصور في قدرة ندي المهتدي علي شد انتباه المشاهدين؟!.. بل هل ينجح الخواجات في ان يجعلوا عقلية ممدوح البلتاجي مثل عقيلة حمد بن ثامر مؤسس الجزيرة، فلا يعين العاملين في قطاع الإعلام بكروت التوصية، ولا يمنح الفرص لقبيلة ابي جهل، ولا يجعل الموهوبين يتمنون الموت فلا يجدوه! الخواجات لن يحييوا الموتي، ولن يسمعوا من في القبور، فوفر أموالنا يا وزير الإعلام، فلا حل إلا في تغيير التربة، وهذا لن يحدث الا اذا تغيرت العقليات، والتي لن تتغير الا بعد خمسين عاما تكون فيه أنت ومن في سنك من عناصر الحكومة المصرية قد رقدتم علي رجاء القيامة، هذا ان كان يجري عليكم ما يجري علي البشر من نصب وموت
!


ضيف علي الهاتف

الجمعة الماضية كنت ضيفا علي قناة شبكة الأخبار العربية، وكان السؤال عن مستقبل الديمقراطية في عالمنا العربي في العام الجديد، وقد راعني ان الضيف الرئيسي كان متفائلا اكثر من اللازم، فالدنيا ربيع، والجو بديع، والحياة اصبح لونها بمبي، وعليه فقد تحدث عن ما وصفه بـ الحالة الجديدة في البلدان العربية، حيث أصبحت حرية الكلام بسم الله ما شاء الله متوفرة، واصبح من الصعب ان تمارس الأنظمة القمع او ان تسن قوانين تقنن الاستبداد، او تزج بالناس في السجون والمعتقلات!
وقد اختلفت معه في الدقائق التي منحت لي وانا علي الهاتف، بينما هو مرحرح في الاستديو ، والرحرحة مشتقة من الراحة. وقلت ان الحاصل الان هو نوع من النصب، فالحكومات تمارس الاحتيال في قضية الاصلاح، وتلف وتدور دون ان تتقدم خطوة في المجال الديمقراطي، فلا تزال تهمش، ولا تزال تقمع، ولا تزال تستأصل!
وما كدت انتهي من كلامي حتي خبطني ضيف الأستوديو كتفا قانونيا بتعبير لاعبي كرة القدم، وسلمني حسب التعبير المصري، عندما ذكر انني اعني النظام في مصر، وطالبني بان احمده واشكر فضله لان ما قلته دليل علي صدق كلامه، فلولا الحرية التي ننعم بها، ما كنت تجرأت وقلت ما قلت، ولم يعطني المذيع د. مصطفي عبد العال الكلمة ثانية لأنفي هذه الوشاية، واقول انني اقصد النظام في جزر الكاريبي، واضيف بان موقف البعض في المعارضة المصرية لا يرجع الي سعة صدر النظام، او الديمقراطية التي نرفل فيها، فالنظام نكل بنا، ثم رمانا في عرض الطريق، ومنعنا من الكتابة والقراءة والسير علي رصيف أي مؤسسة صحفية، وطردنا من أحزابنا بقرارات منه!
الذي نكد علي في هذه الوشاية، انه حدث منذ سنوات ان اتصل بي احد الدبلوماسيين الأجانب في القاهرة وابدي رغبة ملحة في ان يزورني في مكتبي فرحبت به، وفي ظرف ساعة كان أمامي، بشحمه ولحمه، وقد نظر الي وتأملني كثيرا بشكل احرجني، وقال انه يتابع ما اكتبه كل يوم وانه منبهر بشجاعتي، فما كان مني الا ان أخبرته بأنها ليست شجاعة ولا يحزنون، لكنه لم يصدقني واعتبر ما قلته هو تواضع المناضلين، وعاد يقول ان السلطة في مصر ليست ديمقراطية الي حد ان تتقبل ما أكتبه، فلفت انتباهه الي ان حرية الكلام عندنا متاحة، وان تراخي المعارضة لا يرجع الي الخوف من سيف المعز، وإنما الطمع في ذهبه، وانا لست طماعا الي هذا الحد، لانني لا احب الذهب، فهو يسبب لي حساسية في الجلد، ولم يمنع هذا الذي قلته من ان ينظر لي الدبلوماسي بانبهار اخجل تواضعي! ولم تكد تمر بضعة شهور علي هذا اللقاء حتي كشرت السلطة عن أنيابها، وسألتني: فين يوجعك ، حتي تضرب فيه، والنتيجة انه لم يعد لي مكتب أقابل فيه هذا الدبلوماسي، او غيره. وقد تذكرت هذه الواقعة وضيف شبكة الأخبار العربية يقوم مقام الدبلوماسي مع خلاف في التفاصيل، فالضيف نظر الي الحكومة باعتبارها موزعة الخيرات ولولا هذا لما كنت قد قلت ما قلت دون خجل او وجل، اما الدبلوماسي فقد فسر الامر علي انه شجاعة مني، والجامع بينهما ان الاثنين ليسا علي صواب.
أنني أضع يدي علي قلب بعد هذا البرنامج واقول حوالينا لا علينا.. ويا معشر القراء أدعوا لأخيكم فمؤكد انه سيدفع الثمن.. من لحمي الحي هذه المرة، حيث لم يعد لدي قلم يكسرونه، او صحيفة يطردوني منها، او مكتب أقابل هذا الدبلوماسي فيه
!


كاتب وصحافي من مصر

القدس العربى
  #169  
قديم 05/02/2005, 10:55 PM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Cool

عن الفضائيات والمساخر سألوني!
2005/01/17


سليم عزوز



كتبت من قبل، وربما اكثر من مرة، عن ظاهرة احتواء مراسلي الفضائيات العربية. فبعد ان فشلت الحكومات العربية في تأميم قناة الجزيرة ، التي سببت لها صداعا مزمنا، كان الحل من خلال تأميم المراسلين، فلا يمرر الي هناك إلا ما توافق هذه الحكومات علي تمريره، وبالأخص وزراء الإعلام العرب، والعاملون في بلاطهم!
هذا الاتجاه العبقري، لم يستهدف قناة الجزيرة فقط، ولكنه استهدف كل الفضائيات الأخري، الأمر الذي جعل هذه الفضائيات تفشل في ان تقوم مقام الإعلام الغربي الناطق بلغة الضاد، والذي كان العرب يهرعون إليه حتي يعرفوا أخبار بلادهم من خلاله!
فالفضائيات لم تحل محل هذه الإذاعات في كسب ثقة المواطن العربي، ولا أظن أن هناك مواطنا يستمع الي نشرات الأخبار في الجزيرة او العربية او حتي قناة الحرة الأمريكية، من اجل الوقوف علي أحداث، او أخبار، لا يعرفها، ليس لان الفضل يرجع الي حرية الصحافة في الأقطار العربية، ولكن لان هذه القنوات تم تأميمها من المنبع، واصبح أهم ما يميز نشرات الأخبار في هذه القنوات عن الإعلام المحلي، هو تغطية أحداث الحرب في العراق، وطريقة التناول هي ما تميز بين فضائية واخري!
وبعيدا عن هذا، فانه صار من الطبيعي ان يحدثك انسان عن برنامج في هذه الفضائية او تلك، وعن تناول قضية في هذا البرنامج او ذاك، وقلما تجد عربيا يستوقفه خبر عن بلاده، مثّل بنشره جرأة منقطعة النظير، او غير منقطعة النظير!
لا ينفي هذا ان هناك خبرا ربما يتسرب الي فضائية من الفضائيات، يعد في واقع الأمر سبقا او سرا من أسرار نظام من الأنظمة، لكن التجربة علمتنا ان عملية التمرير تكون باتفاق بين المسؤول عن الإعلام ومراسل الفضائية، كما حدث في خبر نشرته إحدي الفضائيات العربية عن التفكير في تعيين نائب لرئيس الجمهورية في إحدي البلدان، وتبين ان وزير الإعلام كان هو من سرب هذا الخبر، حتي يدفع صاحب القرار الي العدول عنه، لانه كان يحلم بهذا المنصب، وقيل انه دفع منصبه ثمنا لهذا التسريب، فقد تم شلحه، وضربه شلوتا لأعلي!
ما هي مناسبة ما سبق من كلام قد يبدو تنظيرا من واحد لا تستهويه الكتابة التنظيرية، لسبب بسيط وهو انه لا يجيدها؟
سببه هو (تدبيسة) زميلنا عبد السلام بنعيسي، الذي كتب في هذه الزاوية تحت عنوان تجنبا للمساخر عن المظاهرة التي قال ان أحزاب المعارضة في مصر نظمتها، ضد التمديد للرئيس مبارك، والتوريث لابنه جمال (حوالينا لا علينا). وقد اشتط الزميل المذكور غضبا، لان التقارير الصحافية التي عرضت علي شاشات الفضائيات ركزت كلها علي القول: ان تنظيم هذه الوقفة الاحتجاجية، دليل قاطع علي ان مصر تنعم بالديمقراطية!
عبد السلام حر في ان ينتقد الأوضاع في مصر، كما أنني حر في ان انتقد الأوضاع في مصر والمغرب، ومعه حق في ان يغضب علي هذا الأداء المنافق للفضائيات، او للمراسلين لهذه الفضائيات، ومن يتابع أداءهم في هذه الأيام يخرج بانطباع بانهم انضموا للجنة السياسات برئاسة جمال مبارك، (أيضا حوالينا لا علينا)، او انهم يعيشون علي امل ضمهم لها حتي يصبحوا من ورثة النظام في مصر، بعد عمر طويل (يا خفي الألطاف نجنا مما نخاف)!
المهم، فان غضب عبد السلام طبيعي للغاية، لكن الذي أزعجني حقا هو انني شعرت انه (يدبسني) او يورطني في قضية شائكة، وظني انه فعل هذا بحسن نية وسلامة طوية، وان كان هذا لا يغير من طبيعة الأمر، فالطريق الي جهنم، او الي سجن ابي زعبل ـ لا فرق ـ مفروش بالنوايا الطيبة. وللعلم فان السجن المذكور هو ابن خالة سجن ابي غريب!
فبعد ان هاج زميلنا عبد السلام وماج، قال: وأمام هذه المهازل فان السؤال الذي أود طرحه علي السيد سليم عزوز.. ما علاقة السيد سليم عزوز الذي هو حضرتنا بالموضوع؟ .. لا اعرف! لكن عبد السلام أوجد هذه العلاقة، او قل اختلقها بأن قال بعد ان ذكر اسمنا الكريم مسبوقا بلقب السيد: (.. الذي يكتب بانتظام في هذه الزاوية)!.. يا صلاة النبي، وهل الكتابة بانتظام في هذه الزاوية تعطيه الحق في التعامل معي علي أساس انني وزير الإعلام المصري، حتي يتم طرح سؤال علينا من عينة: هل سيأتي يوم نحث فيه الأحزاب السياسية المعارضة في العالم العربي علي عدم التظاهر تجنبا لمثل هذه المساخر التليفزيونية ؟
وياليت الأمر توقف عند هذا الحد، ولكن السيد عبد السلام انتقل يخاطبني بأسلوب خطابي بليغ: ما الفائدة يا سيد سليم اذا كانت السلطة توظف التظاهر وتستغله دعائيا بهذه الطريقة الفجة والهجينة والمضحكة !
المضحك حقا، ليس توظيف السلطة لعمليات التظاهر، ولكنه في توريط شخص لا ناقة له ولا جمل، ولا حتي حمارا اعرج، فلا انا السيد وزير الداخلية الذي يسمح بالمظاهرات والذي يقمعها، ولا سيادتي السيد وزير الإعلام الذي يرأس الجهة التي تمنح التصاريح للمراسلين الأجانب، ولا أنا واحد من الذين تظاهروا، لسبب بسيط وهو انني وقتها كنت مرشحا في مسقط رأسي بصعيد مصر لعضوية مجلس الشوري، حتي يصبح رئيس المجلس صفوت أفندي الشريف في متناول لساني، وقد سقطت ولله الحمد.
ولو كنت موجودا في القاهرة وقت المظاهرة لما كنت قد شاركت، لان معارضتي للسلطة في مصر تأتي عند القصر الجمهوري وتقف، لأنني لست متهورا او مستبيعا الي هذا الحد، ولست مجنونا حتي انتحر بمحض إرادتي، وهناك سبب آخر ابسط منه، وهو ان البوليس عندنا يستغل هذه المظاهرات في اصطياد بعض العناصر وسحلها في الشوارع، لتقيد التهمة في النهاية ضد مجهول، كما حدث مع مجدي حسين في مظاهرة الأزهر، ومع كمال ابو عيطة في مظاهرة التحرير!
ولا تسألني يا سيد عبد السلام عن السبب مع ان ارض الله واسعة، وان البوليس لو قرر اصطيادنا في أي مكان فلا نملك له الا السمع والطاعة. ربما لان الأمن موجودا في المظاهرات، ولن يستدعي هذا قوات إضافية تقوم بعميلة التأديب والتهذيب والإصلاح، علي العكس من عمليات الاصطياد الفردي، وربما لان السحل أمام الزملاء المتظاهرين فيه اكثر من رسالة،أهمها حتي يتعلم الجميع ان العين لا تعلو علي الحاجب، وان الحكومة قوية ومفترية، مع ان هذا في رأيي لا يحتاج الي رسائل، فهو معلوم ومفهوم!
ما علينا، فلو كان السيد عبد السلام بنعيسي مصريا، لقلت ان زميلنا صلاح بديوي الصحفي (المشرد) بجريدة الشعب (المغلقة)، هو من حرضه علي إدخالي في (الخية)، بتوريطي في الكتابة عن مظاهرة تهتف ضد الرئيس مبارك وضد نجله. وصلاح بح صوته، وغلب حماره، وهو يشجعني علي الانضمام الي الفيلق المعارض للتمديد والتوريث، فأنا لن اخسر اكثر مما خسرت، فضلا عن انني في ظل وجود صفوت الشريف ووزير الداخلية سأظل أعامل معاملة العبد الآبق علي مولاه، هاجمت الرئيس ام لم أهاجمه، انتقدت نجله ام لم انتقده، وهو يري ان المذكورين سيظلان في مناصبهما مادام الرئيس باقيا، وهو سيبقي الي ابد الآبدين ودهر الدهرين!
لكن كل محاولات صلاح بديوي باءت بالفشل، فأنا انتقدت كل مراكز القوي في مصر، ودفعت الثمن اكثر من مرة، ولكن كله ولا الرئيس، لسبب غير معلوم، واشعر ان لساني وقلمي (معمول لهما عمل) عند ساحر بالمغرب، وهو مشهور بالسحرة المحترفين، ولا حل إلا في قيام السيد عبد السلام بنعيسي بالسعي لفك هذه العمل عند ساحر آخر، وسيكون بذلك قد قدم خدمة للإنسانية، ولتحالف قوي الشعب العامل!
ربما يري السيد عبد السلام ان حضرتنا حجة في أعمال النضال، ولهذا فهو يتوجه إلينا بهذه التساؤلات، المحرجة، ولن أخيب أمله، بيد اني أؤكد له ان الأحزاب لم تنظم هذه التظاهرة كما كتب، فقد نظمتها لجنة شعبية تحمل شعار: كفايه وقد أنشئت خصيصا ضد التمديد والتوريث، فالأحزاب لا تتظاهر عندنا إلا بإذن مسبق من وزارة الداخلية، وعندما لا تحصل علي هذا الإذن تغني ظلموه، ولا تفعل شيئا اكثر من ذلك، فلا يغيب عن فطنتك يا سيد بنعيسي ان الحكومة هي التي تمنح الشرعية للأحزاب وهي التي تحجبها، وهي التي تعين رؤساء أحزاب المعارضة وهي التي تعزلهم، وكل حزب يعمل في اطار هامش محدد، يختلف من حزب لاخر، فليسوا في هذه الحالة سواء، ومن يتجاوز الهامش يكون مصيره مصير حزب العمل الذي تم تجميده، ولم يتم الالتفات الي أحكام القضاء المتواترة بإلغاء قرار التجميد!
هذا أولا، وثانيا، فان العيب لا يقع علي السلطة في مصر، عندما تحول مظاهرة الي مكسب سياسي، فالعيب يقع علي مراسلي الفضائيات في القاهرة، وظني انهم تطوعوا من تلقاء أنفسهم بهذه الدعاية الفجة والوقحة للنظام المصري، فأنا اعرف ما لا تعرفه يا سيد عبد السلام بحكم كونك السائل وكوني المسؤول، وبحكم انني اكتب بانتظام في هذه الزاوية، وأنت تكتب حين ميسرة، والذي اعرفه، ولا تعرفه يا سيد عبد السلام، ان النظام في مصر ليس مبدعا الي حد ان يتفتق ذهنه عن هذه التخريجة، واعرف ان المراسل لأي مؤسسة إعلامية بالخارج لا يمارس نشاطه الا بتصريح، لا يحصل عليه الا بموافقة أجهزة الأمن، وبتزكية من وزير الإعلام، واظن انك تعرف هذا مثلي بحكم كونك عربيا ـ ولست من بلاد الفرنجة ـ ولا فرق كما تعلم بين المغرب ومصر، فكلنا في الهم شرق!
ولا اخفي علي القارئ أنني كنت اعلق أمالا عريضة علي قناة الحرة ، لان احدا لا يستطيع ان يقول لمراسلها: بم، بحكم كونها أمريكية، والأمريكان هم سادة الكرة الأرضية، لكن مراسلها خيب آمالنا العريضة، فإذا كان هناك من يلتزم خوفا، فان مكتب الحرة يلتزم طمعا، الأمر الذي يدفعني الي مطالبة أصحابها بأن يرسلوا من عندهم مراسلين خواجات، علي دراية بالشأن المصري!
منذ أسابيع ارتكبت لجنة شؤون الأحزاب الحكومية جريمة بتدخلها الفج في شؤون حزب معارض، مع ان الأحكام المستقرة لقضاء مجلس الدولة تقول ان هذا خارج صلاحياتها القانونية، وقد لجأ البعض الي مكاتب الفضائيات من اجل التطرق لهذه الجريمة، لكنهم كانوا كمن يستغيثوا فيغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا، فالمراسلون لا يعملون لدي محطاتهم، ولكنهم يعملون عند مولانا ولي النعم، وهم يتبعون المركز الصحفي التابع لوزارة الإعلام، ويعلمون ان أي خروج من أحدهم عن الطوع فسوف يلغي تصريحه ولا يجد عملا!
ثم يا سيد عبد السلام من الواضح ان هذه المظاهرة لن تتكرر، فهناك حملة تحريضية من كتاب السلطة ضد هذه النوعية من المظاهرات، ومثل هذه الحملات لا تكون من فراغ، وبالتالي لن يأتي هذا اليوم الذي نحث فيه الأحزاب علي منع التظاهر تجنبا لهذه المساخر حسب قولك!
كن مطمئنا يا سيد عبد السلام، وان غدا لناظره قريب
!

كاتب وصحافي من مصر

القدس العربى
  #170  
قديم 16/02/2005, 04:51 PM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Cool

أزمة الطبقة الوسطي في دول الخليج
2005/02/07


عبدالعزيز محمد الخاطر


لأن شروط إنتاجها وقيامها خارج نطاق سيطرتها فهي خائفة، لأن بقاءها مرتبط بمدي وقدرة الأنفاق الحكومي علي حضانتها فهي في تقرب دائم، لأن ذلك كله مرهون بصمتها ومسايرتها للوضع القائم فهي لا تؤدي دورها بالشكل المطلوب، لأنها لم تأت نتيجة لتحولات اجتماعية واقتصادية حقيقية مر بها المجتمع فهي هلامية الشكل وتتشكل حسب الطلب، لأنها تجني فقط فائض الريع المتبقي فهي تعاني رعب الانكماش المحتوم (تلك هي الطبقة الوسطي في مجتمعات الخليج ولتعريفها يجب الرجوع إلي أدبيات الاقتصاد والاجتماع). لم تعد هي صمام الأمان للمجتمع، لم تعد تمثل امتداد التاريخ داخل أوعية المجتمع، ولم تعد الحامل الأمين لقيم المجتمع بين نهم الطبقة العليا وأخلاقيات البقاء لدي الطبقة الدنيا بما تحمله من ابتذال وانسحاق. لقد أتت عليها رياح جديدة تتمثل في القطاع الخاص الذي تسكن داخل أوردته وشرايينه أطراف الدولة.
قد نعمت هذه الطبقة برعاية الدولة فترة التوازنات الدولية فكانت الابن الوفي والبار فاستطاعت أن تبث في أرجاء الوطن من أبنائها العديد من المهنيين والمتخصصين والمثقفين الذين نهضوا بالوطن وحققوا لـه الإنجازات. حيث كان التعليم الجيد والمتميز مجانياً ومتوفراً والرعاية الصحية المتميزة كذلك وكافة المرافق الاجتماعية والاقتصادية علي قدر من التميز في الخدمة مقدمة مجانياً ومتوفرة للجميع فاستفاد منها بالذات أفراد تلك الطبقة المتوسطة أكثر من غيرهم.
وكما أشرت آنفاً فأن الطبقة الوسطي في مجتمعات الخليج وليدة الدولة مع اختلاف في النسبة بين دولة وأخري فبعد تدفق النفط أصبح أولئك القريبون من الطبقة الحاكمة هم من يمكن أن يطلق عليهم هذا الوصف نظراً لدخولهم ضمن دائرة الريع بمعني آخر أي أنها بالأساس اجتماعية البنية وربما في بعض المجتمعات الخليجية الأخري هي اقتصاديـة البنية إلي حد ما كذلك.
لكنها اليوم خائفة من غدر الدولة وتنكر الدول لها. خاصة بعد ما تعرض مفهوم الدولة نفسه للارتجاج وأصبحت الدول في معظمها عبارة عن امتدادات لتجمعات اقتصادية رأسمالية خاصة هادفة إلي الربح وفوضت ما غير ذلك من أمور سيادية وأمنية إلي الخارج فبالتالي ثمة إنفكاك لابد لـه من أن يحصل وثمة هوة لابد من أن تتحقق بين الطبقات الاجتماعية، سوف تعاني مثل هذه الطبقة من صعوبة استمرارها للمحافظة علي طابع المجتمع وقيمه وعقلانيته في مثل هذا الوضع وسيكون المجتمع ككل هو الخاسر الكبير عند احتكاك الأعلي بالأسفل بسبب تآكل هذه الطبقة، فالطبقات الأخري غير قادرة علي لعب أي دور تاريخي كما أثبت التاريخ نفسه ذلك فالنظرة الموضوعية التي يجب التركيز عليها هي ضرورة المحافظة علي هذه الطبقة حتي في ظل الظروف الراهنة التي تتميز بانسياب التأثيرات الاقتصادية الرأسمالية المحمومة التي حولت المجتمعات إلي أسواق استهلاك والبشر إلي مستهلكين. ستظل الدولة مسؤولة مسؤولية تاريخية عن تكويناتها بشكل مباشر وعن الطبقة الوسطي بالذات لأنها الوحيدة القابلة للتلاشي دون غيرها وفي ذلك بلاءً لو تعلمون عظيم.
كاتب من قطر


القدس العربى
  #171  
قديم 26/02/2005, 12:43 PM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
الأساس "العلمي" لعالمية حقوق الإنسان!

د. محمد عابد الجابري

كان من نتائج تقدم العلم الحديث (الرياضيات والفيزياء خاصة) في القرنين السادس عشر والسابع عشر أن تبلورت في القرن الثامن عشر، مع العالم الإنجليزي الشهير إسحاق نيوتن خاصة، النظرة الآلية للطبيعة التي زعزعت كامل النظام المعرفي السائد وخلخلت سائر التصورات العلمية والفلسفية السابقة، مما كانت نتيجته قيام ما عرف بـ"عصر التنوير والعقل". لقد صاغ نيوتن كما هو معروف نظرية الجاذبية العامة في صورة قانون رياضي (عقلي) جعل من نظام الطبيعة ونظام العقل مظهرين لحقيقة واحدة، فأصبح مفهوم "الطبيعة" يعني، ليس الأشياء الجامدة المعروضة أمام الإنسان، بل أصبح يعني "النظام العقلي للأشياء بوصفه نظاما كليا يشمل كل ما في الطبيعة بما في ذلك الإنسان نفسه". ونتيجة لذلك صار الناس يطابقون بين ما هو طبيعي وما هو عقلي: بمعنى أن ما في الطبيعة يخضع لنظام دقيق خضوع أجزاء الآلة للآلة ككل، مما يجعل تلك الأجزاء قابلة لإدراك العقل وفهمه. وبالمثل: كل ما يبدو معقولا، أي مبررا في نظر العقل، فهو طبيعي، أي أنه متسق أو لابد أن يكون متسقا مع الطبيعة.
من هنا بدأت فكرة القانون الطبيعي تغتني وتكتسي دلالات جديدة واضحة. وفي هذا الإطار ألف الفيلسوف الإنجليزي كرستيان وولف كتاباً يحمل عنواناً ذا دلالة خاصة: "القانون الطبيعي مدروساً حسب المنهج العلمي". والمقصود بالمنهج العلمي هنا هو المنهج الاستدلالي الرياضي. يقوم هذا المنهج على النظر إلى القانون الطبيعي على أنه جزء من الطبيعة الإنسانية المغروزة في كل فرد بشري. وعلى أساسه يتم التمييز بين الحق والواجب. ذلك لأن فكرة "ما هو شرعي - قانوني- وما هو لازم يجب القيام به"، أي فكرة الحق والواجب، هي فكرة من صميم الجوهر الإنساني نفسه، ومن هنا كانت هذه الفكرة عالمية، كلية كونية. يقول: "إن الحق الطبيعي، أعني الفطري في الإنسان، هو حق مشتق من إلزام طبيعي بحيث إنه متى فرضنا هذا الإلزام وجب وجود هذا الحق. وبما أن الطبيعة، أو جوهر الإنسان، تفرض بعض الواجبات والإلزامات فهي بالنتيجة تقرر بعض الحقوق. وبما أن الطبيعة، أو جوهر الإنسان، شيء مشترك بين جميع الناس فإن كل قانون طبيعي هو قانون كلي كوني، لم يكتسبه الإنسان بل يحمله معه مع مجيئه إلى هذا العالم".

في إطار هذا المنهج "العلمي" كتب المفكر الفرنسي المعروف البارون دو مونتسكيو كتابه الشهير "روح القوانين". يقول في مستهل هذا الكتاب:"إن الكائنات الخاصة المزودة بالعقل والذكاء يمكن أن تتوفر لها قوانين سنتها لنفسها، ولكن يمكن أيضا أن تكون لديها قوانين لم تسنها هي. وقبل أن توجد كائنات عاقلة، كان من الممكن أن توجد هذه الكائنات، وكان يمكن أن تقوم بينها علاقات وبالتالي قوانين ممكنة. وإذن فقبل أن تكون هناك قوانين موضوعة (وضعية) كانت هناك علاقات عادلة ممكنة. أما القول بأنه لم يكن هناك شيء عادل أو غير عادل إلا ما يأمر به أو تحدده القوانين الوضعية فهو كالقول بأنه قبل رسم الدائرة لم تكن شعاعاتها متساوية. يجب إذن الاعتراف بوجود قوانين عادلة سابقة للقانون الوضعي الذي يقررها".

هكذا أصبحت مهمة العقل هي الكشف عن الجانب الطبيعي، أي المعقول، في كل ميدان، والإلقاء بالتالي عرض الحائط بكل ما هو غير طبيعي، أي بجميع الزيادات والإضافات التي تراكمت عبر العصور نتيجة تصورات ترجع إلى التقليد والاعتقاد في أمور من دون استعمال العقل.

وإذا كان القانون العلمي الذي يجمع شتات الظواهر في علاقة كلية ثابتة مطردة، هو القانون المعبر عن حقيقة الطبيعة، فإن هناك في الحياة الإنسانية ما هو بمثابة طبيعتها وقانونها الكلي: إنه الطبيعة الإنسانية وأيضا المثل العليا التي تتصف بـ"الكونية" والتي يجدها الإنسان في كل مكان، في الشرق وفي الغرب، لدى الشعوب المتحضرة كما لدى الشعوب البدائية. ومن هنا تلك الظاهرة التي عرفتها الثقافة الأوروبية يومئذ، ظاهرة نقد المجتمع الأوروبي بواسطة رسائل "فارسية" و"صينية" وما يكتب عن "الرجل البدائي". كل ذلك لإبراز قيم "كونية" تحدد المثل الأعلى الذي يجب السعي إلى تحقيقه.

ذلك أنه كما أدى تقدم البحث في العلوم الرياضية والطبيعية إلى المطابقة بين ما هو عقلي وما هو طبيعي، فلقد أدى اتساع اطلاع مفكري أوروبا على حياة المجتمعات المختلفة (الشرقية والبدائية) إلى المطابقة بين ما هو طبيعي وما هو بدائي أولي - فطري- في الحياة البشرية، مما كانت نتيجته قيام تصورات لـ"عصر ذهبي للبشرية كان الناس فيه على دين طبيعي قبلوه لأنه معقول في جوهره" - دين الفطرة بالتعبير الإسلامي- لكن القائمين على السلطتين الدينية والسياسية من "الكهنة المتآمرين والملوك في العصور التالية أفسدوه وانتهوا به إلى الخرافات من أجل منفعتهم". إنها "حالة الطبيعة" التي سبق أن تعرفنا عليها قبل كفرضية غير مؤسسة التأسيس الكافي والتي سنرى الآن كيف أعيد تأسيسها من أجل اعتمادها في تفسير كونية حقوق الإنسان وبكيفية خاصة الحق في الحرية والمساواة.

فعلا، افترض فلاسفة الفكر السياسي الحديث في أوروبا القرن السابع عشر والثامن عشر وجود "حالة طبيعية" للإنسان، بعضهم جعلها واقعاً بشرياً سابقاً للتنظيم الاجتماعي والسلطة السياسية، بينما أراد منها آخرون التعبير فقط عما يمكن أن يكون عليه الإنسان إذا هو لم يخضع لفعل التربية ولا لسلطة قانون أو حكومة. وإذا كان جميع فلاسفة الفكر السياسي الحديث في أوروبا قد وظفوا بصورة أو بأخرى فرضية "حالة الطبيعة" هذه، فإن الفيلسوف الإنجليزي جون لوك (1632 - 1704) هو الذي عمل أكثر من غيره على بناء هذه الفرضية بالصورة التي تجعلها قابلة لأن تكون مرجعية تؤسس فكرة "الحرية والمساواة"، وهي الفكرة التي ستتأسس عليها كافة حقوق الإنسان. يقول:"لكي نفهم السلطة السياسية فهماً صحيحاً ونستنتجها من أصلها يجب علينا أن نتحرى الحالة الطبيعية التي وجد عليها جميع الأفراد، وهي حالة الحرية الكاملة في تنظيم أفعالهم والتصرف بأشخاصهم وممتلكاتهم بما يظنون أنه ملائم لهم، ضمن قيود قانون الطبيعة، دون أن يستأذنوا إنساناً أو يعتمدوا على إرادته، وهي أيضاً حالة المساواة حيث السلطة والتشريع متقابلان لا يأخذ الواحد أكثر من الآخر، إذ ليس هناك حقيقة أكثر بداهة من أن المخلوقات المنتمية إلى النوع والرتبة نفسها، المتمتعة كلها بالمنافع نفسها التي تمنحها الطبيعة وباستخدام الملكات نفسها، يجب أيضاً أن يتساوى بعضها مع بعضها الآخر".

"حالة الطبيعة" إذن هي حالة الحرية والمساواة التي يكون عليها الناس قبل أن تقوم فيهم سلطة تحد من حقهم في ممارستهما - أعني الحرية والمساواة - غير "قانون الطبيعة" نفسه، القانون الذي يرمي إلى "حفظ الجنس البشري وضمان سلامته والذي يؤول أمر تنفيذه إلى كل إنسان".

ولم تكن فرضية "حالة الطبيعة" مجرد فكرة تعتمد على الوهم والخيال بل كانت تستند على التصور الجديد الذي شيده العلم الحديث عن "الطبيعة"، كما رأينا. وهكذا فالمقصود بـ"الطبيعة" في عبارة "حالة الطبيعة" ليس الأشياء الجامدة المنفصلة عن الإنسان، بل المقصود، كما قلنا هو:"كامل النظام الفعلي للأشياء بما في ذلك الإنسان الذي هو جزء منه"، الإنسان الذي هو من عمل الطبيعة: "موجود فيها وخاضع لقوانينها".

والناس في هذا سواسية وأحرار، بعضهم إزاء بعض، لأن حق الإنسان في الحرية والمساواة هو حق طبيعي له، من عمل الطبيعة. ومن هنا تلك المطابقة بين مفهوم "حقوق الإنسان" وعبارة "الحقوق الطبيعية": حقوق الإنسان هي حقوق طبيعية له. وواضح أن الإحالة إلى "الطبيعة" هنا معناها تأسيس تلك الحقوق على مرجعية سابقة على كل مرجعية: فالطبيعة سابقة على كل ثقافة وحضارة، على كل مجتمع ودولة، وبالتالي، فهي مرجعية "كونية" عالمية، كلية مطلقة، والحقوق التي تتأسس عليها هي حقوق "كونية" عالمية، كلية مطلقة كذلك.

"حالة الطبيعة" لا تعني الفوضى، بل هي حالة يسري فيها، كما قلنا، قانون الطبيعة. ولما كان من المحتمل جداً أن تقوم نزاعات بين الناس عند ممارسة كل منهم حقه الطبيعي، فلقد صار من الطبيعي كذلك أن يعملوا على تأويل وتطبيق "قانون الطبيعة" بالصورة التي تضمن حقوق كل فرد، وهذا لا يتأتى إلا بـ"إقامة ضرب من الاتحاد بينهم يحمي شخص كل واحد منهم ويمكنه من ممارسة حقوقه ويسمح لكل منهم، وهو متحد مع الكل، بأن لا يخضع إلا لنفسه، وبالتالي يبقى متمتعاً بالحرية الني كانت له من قبل".

المصدر وجهات
  #172  
قديم 14/03/2005, 12:19 PM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
الأسباب والعلاج للتضخم النقدي الذي يجتاح دول المنطقة

د. محمد إبراهيم الرميثي




تعاني دول مجلس التعاون الخليجي من معدلات تضخم نقدي منذ مطلع السبعينيات من القرن العشرين، فتكون مرتفعةً أحياناً، حيث قد تصل إلى 20% سنوياً وتكون منخفضةً في أحايين أخرى، حيث قد لا تتجاوز 2% سنوياً بمعيار الرقم القياسي لأسعار المستهلك. بيد أن معدلات التضخم النقدي قد ازدادت حدتها مع مطلع القرن الحادي والعشرين، وخاصة خلال الثلاث سنوات الأخيرة، حيث تراوحت ما بين 4%-12% سنوياً بالرقم القياسي لأسعار المستهلك. وهي تتفاوت تفاوتاً نسبياً من دولة خليجية إلى أخرى، ومن قطاع اقتصادي إلى آخر. وبما أن الرواتب والأجور ثابتة فإن ذلك يعني بالمنطق الاقتصادي انخفاض القيمة الحقيقية للرواتب والأجور سنوياً بالمعدل الفعلي للتضخم النقدي، وبالتالي انخفاض القوة الشرائية لوحدة النقود. والتضخم النقدي لا يقتصر ضرره على المستهلك فقط وإنما يمتد ليشمل كافة القطاعات الاقتصادية. فهو يعمل على تدني مستوى رفاهية المجتمع، وفي كثير من الأحايين يؤدي إلى انخفاض هامش الربح لدى المنتجين، خصوصاً عندما تكون مرونة الطلب السعرية على السلعة أو الخدمة عالية، وعندما يكون مستوى المنافسة قوياً في السوق. فما هي الأسباب التي تقف وراء ظاهرة التضخم النقدي الذي يجتاح اقتصاديات المنطقة؟ وهل هو ظاهرة عالمية أم أنه مقتصر على دول المنطقة؟ وهل هناك حلول علمية لمعالجته أو التخفيف من حدته في كل من المدى القصير والبعيد؟

يعرف الاقتصاديون التضخم النقدي بأنه "ظاهرة نقدية تنشأ في الاقتصاديات التي تستخدم النقود بسبب نمو كمية النقود بمعدلات عاليةٍ جداً تفوق متوسط معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي الفعلي ومعدل نمو الاحتياطات من الذهب والفضة والعملة الصعبة لدى المصرف المركزي ومعدل نمو استثمارات المصرف المركزي في السندات وأذون الخزانة مجتمعة. ويؤدي زيادة كمية النقود بتلك المعدلات العالية إلى ارتفاع الأسعار المصحوب بانخفاض القيمة الحقيقية لوحدة النقود وانخفاض القوة الشرائية لها". ويعتبر التضخم النقدي ظاهرة اقتصادية عالمية، ومشكلة مزمنة عجز عن علاجها كافة الاقتصاديين. بيد أن الاقتصاديين يضعون لها حلولاً قد تخفف من حدتها وتعمل على تخفيض معدلات نموها. وبما أن التضخم النقدي ظاهرة اقتصادية عالمية، فإن هناك أسباباً دولية وأخرى محلية لنشوئه يمكن توضيحها بالآتي:

1- تفاقمت ظاهرة التضخم النقدي عالمياً بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، وذلك بسبب اتباع الولايات المتحدة للسياسات الاقتصادية التوسعية (أي التضخمية) الرامية إلى إعادة إنعاش الاقتصاد الأميركي للخروج به من حالة الكساد التي وقع فيها. ومن أبرز تلك السياسات تخفيض أسعار الفوائد المصرفية محلياً وإلزام كافة اقتصاديات العالم باتباع تلك السياسات بسبب هيمنة الدولار الأميركي على النظامين النقدي والاقتصادي العالمي. ورغم أن تخفيض معدلات الفوائد المصرفية قد يؤدي إلى تخفيض تكاليف الإنتاج ومن ثم تخفيض أسعار السلع والخدمات، إلا أنه في ظل تلك الظروف الاقتصادية قد تكون تلك الآثار غير واضحة حيث تغلب الآثار السلبية وتزداد الأسعار ربما لزيادة الطلب الكلي أو ارتفاع تكاليف الإنتاج الأخرى مثل الشحن والنقل والتأمين. ومن تلك السياسات أيضاً سياسة تخفيض الضرائب، والتي صاحبتها زيادة الإنفاق الحكومي، وخاصةً الإنفاق العسكري، الذي اقترن بسياسة التمويل بالعجز (أي سياسة زيادة إصدار الدولارات غير المغطاة) والتي أثرت بشكل كبير على تدهور سعر صرف الدولار الأميركي والعملات المرتبطة به في أسواق الصرف العالمية. ورغم أن الاقتصاديين ينظرون إلى تدهور سعر صرف الدولار في هذه الظروف الاقتصادية كظاهرة إيجابية من حيث كونه يوفر للولايات المتحدة الأميركية ميزة تنافسية نسبية في التجارة الخارجية، إلا أن ذلك التدهور ليس مقصوداً لذاته، بل فرضته الظروف والسياسات الاقتصادية التي أوضحناها. أما العلاج من هذه الزاوية فلابد بالطبع من أن يكون تدريجياً، وقد بدأ بالفعل عندما أخذت الولايات المتحدة الأميركية في اتباع سياسات انكماشية يأتي على رأسها رفع أسعار الفوائد المصرفية، والذي بدأ بالفعل منذ حوالي عامين، وانتشر تباعاً في كافة دول العالم. بيد أن آثاره الإيجابية في معالجة التضخم النقدي لم تكن كبيرةً بسبب وجود الأسباب الأخرى المدعمة للتضخم النقدي. ورغم أن ارتفاع أسعار الفوائد المصرفية من شأنه أن يؤدي إلى تقلص النمو الاقتصادي وقد يؤدي بالتالي إلى انخفاض معدلات التضخم النقدي، إلا أنه قد يؤدي أيضاً إلى ارتفاع تكلفة رأس المال ومن ثم ارتفاع تكاليف الإنتاج ثم إلى زيادة معدلات التضخم النقدي. ومن هذا المنطلق فإن رفع أسعار الفوائد المصرفية بهدف تقليص النمو الاقتصادي لا يمكن الحكم على تأثيره على التضخم النقدي إلا بتجربته على أرض الواقع.

2- لقد تسبب سعر صرف الدولار الأميركي بارتفاع سعر صرف اليورو والجنيه الإسترليني والين الياباني والعملات الرئيسة الأخرى المقبولة عالمياً في تسوية المديونيات الخارجية. وبناءً عليه ازدادت القدرة التنافسية للتجارة الخارجية الأميركية والدول المرتبطة عملاتها بالدولار، مقابل ضعف القدرة التنافسية للدول الأخرى غير المرتبطة بالدولار. بيد أن الدول الأوروبية كانت قد احتاطت منذ زمن لمثل تلك المواقف الاقتصادية المتوقعة فعملت على توسعة نطاق استثماراتها الصناعية في كثير من الاقتصاديات الناشئة التي ترتبط أنظمتها النقدية بالدولار الأميركي مثل دول جنوب شرق آسيا ودول الخليج العربية والهند وغيرها، حيث نرى العديد من الماركات الأوروبية الشهيرة يتم تصنيعها في هذه الدول الحديثة العهد بالتصنيع. ورغم أن هذه السياسات الاقتصادية الأوروبية كانت مفيدةً إلى حدٍ كبير في التخفيض من حدة التضخم النقدي، إلا أنها بلا شك كانت عقبةً كؤوداً أمام سعي الولايات المتحدة الأميركية لإنعاش اقتصادها وإخراجه من ظاهرة الكساد التي ما زال يعيشها إلى اليوم. وقد تكون اتفاقيات التجارة الحرة التي تعقدها الولايات المتحدة الأميركية مع بعض الدول إحدى الاستراتيجيات الاقتصادية لمعالجة المشكلات الاقتصادية والتي من ضمنها التضخم النقدي.

3- قد يكون ارتفاع أسعار النفط الخام في الأسواق العالمية سبباً رئيساً لزيادة معدلات التضخم النقدي عالمياً، حيث إن النفط كطاقة يدخل في كافة القطاعات الاقتصادية المنتجة والمستهلكة والمضاربة. وكذلك كمادة خام أو سلعة وسيطة فإن النفط يدخل كمدخلات في العديد من الصناعات. وبالتالي فإن ارتفاع أسعاره يؤدي قطعاً إلى ارتفاع معدلات التضخم النقدي. إضافةً إلى أن ارتفاع أسعار النفط الخام قد تؤدي إلى زيادة ميزانيات الدول المصدرة للنفط الخام ومن ثم زيادة الإنفاق العام (أي زيادة الطلب الكلي). وإذا أردنا أن نحد من معدلات التضخم النقدي من هذه الزاوية فلننظر في الأسباب التي أدت إلى ارتفاع أسعار النفط الخام، والتي يعزوها كثير من المحللين إلى أسباب سياسية واستراتيجية. حيث يرى كثير من المحللين أن الولايات المتحدة الأميركية تريد لأسعار النفط الخام أن تبقى مرتفعةً في ظل هذه الظروف حتى تتمكن من تمويل النفقات العسكرية والإنفاق الحكومي المتزايد بشكل عام عن طريق الفوائض المحصلة من عائدات النفط الخام. أما بالنسبة لتكلفة النفط المرتفعة فهي تستطيع الحصول على حاجتها من النفط بأسعار خاصة وفقاً لاتفاقيات معينة مرتبطة بالظروف الاقتصادية والأمنية والاستراتيجية التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط اليوم.

4- ومن العوامل المحلية المسببة للتضخم النقدي، ارتفاع أسعار النفط و"الديزل" والذي أدى بدوره إلى ارتفاع تكاليف إنتاج السلع والخدمات وتكاليف الشحن والنقل والتأمين. وكذلك ازدهار ونمو العديد من المشاريع التنموية في كافة القطاعات الاقتصادية، وبشكل خاص قطاع العقارات والبناء والتشييد والسياحة والخدمات. وأيضاً زيادة المدخرات، التي تؤدي إلى زيادة الطلب الكلي دون أن تقابله زيادة مماثلة في العرض الكلي من السلع والخدمات. فلابد إذاً من زيادة الرواتب والأجور لأجل المحافظة على بعض مما تحقق من مستوى الرفاهية الاقتصادية، ووضع ضوابط لما يمكن ضبطه من الأسعار المبالغ فيها دونما مبررات وجيهة.


المصدر وجهات
  #173  
قديم 16/03/2005, 12:20 PM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
الدين أمام غزو المادة: سلع استهلاكية إسلامية للبيع
2005/03/15

عبدالعزيز محمد الخاطر



الانصهار العالمي المكثف داخل بوتقة تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات التي تجتاح العالم اليوم مكونة ما يسمي بالاقتصاد المعلوماتي السلعي الذي يرتكز أساساً علي الشركات عابرة القارات المتخصصة بالذات في هذه التكنولوجيا والتي قد تبلغ الموجودات الرأسمالية للبعض منها أضعاف النواتج القومية لعدد كبير من الدول النامية والتي أيضاً تكتسح في طريقها الفكر الأيديولوجي كراسم لنمط الحياة والعيش لسنوات طويلة في العقود السابقة . وبالتالي وكما يبدو واضحاً اختفاء أو تبدد ظاهرة المناضل الثائر شيئاً فشيئاً من الساحة العالمية واندثار كذلك المفاهيم الدالة عليها كالنضال والكفاح والتحرير . وما أوجلان وبن لادن وغيرهما إلا آخر المناضلون الأيدلوجيون الذين أتي عليهم عصر الموجة الثالثة المعلوماتي الذي لا يعرف الحدود ولا الحواجز الفكرية برياحه ومن ذلك فإن محتوي الأديان الأخلاقي هو الآخر عرضة لهزات كبيرة بحيث تبرز أخلاقيات جديدة ذات صفات أكثر شمولية لا تعرف الخصوصية ولا الجغرافيا إلي حد كبير وبالتالي تصبح القناعات الفكرية أكثر صعوبة من ذي قبل حيث أصبحت مساحة التجربة في حياة الإنسان مختلفة عن ذي قبل وهي المحتكم الوحيـــــــد لصحة الأشياء خاصة بعد توفر أدواتها من " انترنت " وغيرها . لذلك فإنني أعتقد أن هذا العصر الحالي الذي نعايشه عصراً عاصفاً إذا لم نواكبه بفهم عصري متجدد يتفق مع ما نحمله من خصوصية دينية وتراثية .
أما في حالة اختزال محتوي الدين بشكل يعوق تطور الحياة ويتعاكس نسبياً مع التطور العلمي الذي لا يحمل أساساً في مضامينه أوامر ونواهي بل كل شئ قابل للتجربة البشرية وبالتالي أصبح مصدر جذب لشباب هذا العصر لما يحققه لهم من إشباع مادي سريع . لذلك فإن فهمنا للــدين يجب أن لا يعيش في عزلة عن الفهم الحقيقي لمحتواه الذي يستوعب جميع متطلبات العصر مهما أمتد هذا العصر أفقياً .
فبالرغم من أن ما نشهده من تطور ليس صناعة إسلامية أساساً ولكنه في النهاية فكر إنساني انطلق وتبصر في موجودات ومخلوقات وسنن الكون ونظمه وأسراره ، وبالتالي أبتكـــر وأطلق لعقله وذكاءه العنان . وهدف الأديان في الأساس إيجاد الحياة السعيدة للإنسان وحفظ النسل والعقل وهي نفس أهداف العلم إذا لم يجنح الي الشاطئ الآخر المدمر . ولكن ميزة الأديان تتمثل في الأساس فيما تقدمه من كشف لخبايا الدار الآخره التي سيؤول إليها الإنسان مهما أمتد به العمر وهو ما لا يستطيع أن يقدمه العلم الحديث المادي رغم انطلاقه الواسع والسريع في هذه الحياة والذي يوشك معه الإنسان أن يسلم بخلوده . والأمر الآن يتمثل فيما أعتقد ليس في أتساع رقعة دين علي آخر وإنما في زيادة مساحة اللادين أو الدين الدنيوي المتمثل في التكنولوجيا المنتجة أرضياً بفعل تطور إدارة العقل الإنساني لأمور هذه الحياة علي حساب الأديان السماوية إذا لم يواكبها فهماً يتزامن مع العصر ويحتضن إمكانيات العقل المستمدة أصلاً من نفس المصدر الذي يستمد منه الدين الإسلامي بالذات مصدره .
لقد نزعت العولمة عن الإنسان ملكته الفكرية وأحالته بالتالي الي سلعه أو مساحة للإعلان عن سلعه لم يعد مهماً ماذا تحمل من فكر بقدر ما تمثله مساحتك الجسدية التي تملكها كمعلن عن منتج جديد . أعظم أنواع البضائع اليوم يروج لها البشر من خلال أجسادهم وما يلبسون عليها من شيرتات وقمصان . لم تعد تلك الأفكار الطوبائية ومدارس الفكر المختلفة هي الدافع الذاتي للتغيير من حال الي حال ولم يعد الإنسان سوي مادة خام أو أحد مدخلات النظام الاقتصادي العالمي الذي بعد أن يهضمه جيداً يتقيؤه سلعه وأن جري الدم في شرايينها . قدره الايديولوجيا فيما أعتقد لا تزال قائمة إذا ما استخدمت ضمن معطيات العصر المعاش , المطلوب اليوم من الايديولوجيا أياً كان نوعها " ونحن أمة أيديولوجيا دينية " بالدرجة الأولي أن تقف دون تجاوز أو اجتياح المادة لإنسانية الإفراد والمجتمعات وفيما يتعلق بحالنا نحن أمة العرب والإسلام لا أقل من فهم جديد لهذا العصر المتجدد سريعاً ينبع أساساً من إبعاد وتعاليم دينية تفصل تماماً بين الفرد بخصوصيته الدينية والأخلاقية وبين ما قد يـأتي علي الإنسان بشكل عام من وبال وأذي جراء عملية التسليع المستمرة التي يشهدها الإفراد والمجتمعات بمعني آخر لابد من فهم متحرك مع العصر لثوابت الدين والعقيدة وإلا أصبحنا سلعاً مادية يصنعها الغرب تتحرك دونما علم لديها عن ذلك وندخل بعد ذلك في سفسطة لغوية تدعي مرة أسلمه العلوم ومرة أخري ما يملكه الدين وكتابه من إعجاز علمي نقرأ ونسمع عنه ولكن من يثبته هو الآخر المختلف ويقتصر دورنا علي استهلاك نتائجه سلعاً ومن ثم الهروب الإيديولوجي الي الماضي والركون الي أحدي زواياه والتفتيش عن ما يستر عوراتنا وافتراءنا علي سنن الله الكونية التي لم نقيم لها وزناً ولا حساباً .
كاتب من قطر
  #174  
قديم 20/03/2005, 08:05 AM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Cool

بلوشستان إلى بؤرة توتر جديدة

د.عبدالله المدني




يشهد إقليم بلوشستان الباكستاني منذ مطلع العام الجاري احتقانا لم يشهده منذ نجاح نظام الرئيس الأسبق ضياء الحق في سحق حركة تمرد مسلحة في بداية الثمانينيات. ولو أن الأمر اقتصر على التوتر السياسي لربما كان المشهد غير ملفت للنظر، خاصة وان البلاد كلها تعيش في أجواء سياسية غير سوية بسبب الصراع الدائر منذ عام 1999 حول الديمقراطية ما بين نظام الرئيس برويز مشرف وخصومه من الأحزاب والقيادات المدنية الكبرى. ما أثار الانتباه هو أن الأوضاع في الإقليم بدأت منذ الشهر الماضي تأخذ منعطفا خطيرا بحدوث سلسلة من الاعتداءات المسلحة وأعمال التفجير ضد مواقع وأهداف حيوية مثل وسائل النقل العام وخطوط الاتصالات ومحطات الطاقة ومعسكرات الجيش والأمن، وإعلان جماعة غير معروفة تطلق على نفسها اسم "جيش تحرير بلوشستان" مسؤوليتها عن تلك الحوادث مع توعدها بالمزيد. ولعل ما يؤكد هول هذه الضربات أنها تسببت في انقطاع التيار الكهربائي عن ثلث الإقليم بما في ذلك عاصمته كويتا، وتوقف خطوط إمدادات الغاز وتعثر حركة السكك الحديدية ما بين كويتا وزاهدان عاصمة بلوشستان الإيرانية.

وجاء رد الحكومة المركزية في إسلام آباد بإرسال المزيد من التعزيزات العسكرية إلى بلوشستان مع تهديدات من الرئيس مشرف بأنه سوف يتصدى بطريقة تجعل البلوش ينسون جذورهم، وتلميحات أخرى بإمكانية فرض الحكم العسكري المباشر على الإقليم أو إجراء تغييرات ديموغرافية ينقل بمقتضاها سكان الإقليم الأصليون بعيدا عن نطاق المواقع والبنى والمشروعات الاستراتيجية، ليصب الزيت على النار وينقل بلوشستان إلى واجهة الأحداث كبؤرة توتر جديدة في جنوب آسيا.

ومن يقرأ صحف باكستان اليومية هذه الأيام يجدها مليئة بمانشيتات ومقالات تتحدث عن تدهور الأوضاع هناك وبلوغها حدا يهدد وحدة البلاد، أو تنتقد أسلوب الحكومة في معالجة الأزمة وتتهمها بالتصعيد المفضي إلى عواقب وخيمة. ومما كتب في هذا السياق أن الباكستانيين ملوا من لجوء الحكم إلى الإشارة إلى الأصابع الأجنبية كلما حدثت أزمة، وأنهم ينتظرون إقراراً منه بارتكاب الأخطاء ووعدا بتصحيحها، إن لم يكن من أجل بلوشستان فمن أجل ديمومة ووحدة الكيان الباكستاني.

والحقيقة أنه لا يمكن انتقاد حكومة الرئيس مشرف على موقفها. فهي ملزمة بالتصدي لأعمال العنف والتخريب والمحافظة على هيبة الدولة مثلما تفعل أية حكومة في مثل هذه الظروف. إلا أن ما يؤخذ عليها هو لجوؤها إلى القوة والتشدد المفرط وحدهما دون محاولة نزع فتيل الأزمة بإزالة الأسباب التي أدت إلى ظهورها وتفاقمها. وهذا مأخذ لا يجمع عليه البلوش وحدهم وإنما أيضا قطاعات واسعة من الشعب الباكستاني وأحزابه وتنظيماته المدنية. فلئن كانت أحزاب المعارضة لها أسبابها الخاصة للغضب والتنديد بسياسات الرئيس مشرف في بلوشستان واستغلال ما يجري هناك لتسجيل نقطة ضد النظام والمؤسسة العسكرية التي يتهمونها بالغطرسة والفساد، فإن الرأي العام الباكستاني بحسب ما تبينه الصحافة اليومية غاضب لأنه يخاف من تكرار السيناريوهات التي أفضت إلى انسلاخ الجناح الشرقي للكيان الباكستاني. وهو محق في مخاوفه هذه، لا سيما وأن هناك تشابها بين ما يجري اليوم وما جرى قبل 35 عاما في باكستان الشرقية (بنغلاديش حاليا)، سواء لجهة وجود العسكر في الحكم، أو استخدام القوة والبطش في علاج الأزمة، أو وجود مناخ إقليمي ودولي ملتهب، أو لجهة أسباب التمرد.

ومن الواضح أن صبر البلوش قد نفد مما يعتبرونه تهميشا لهم وتمييزا ضدهم من قبل الأنظمة الباكستانية المتعاقبة واستغلالا لثروات إقليمهم لصالح الآخرين. وقد عبر السيناتور المعارض صنعة الله بلوشي عن هذا كله في بيان تفصيلي قدمه مؤخرا إلى مجلس الشيوخ الباكستاني تحت عنوان "عملية اغتصاب بلوشستان سياسيا واقتصاديا ونفسيا". وفي السياق نفسه كتب آخرون تحليلات تضمت معلومات مثل أن بلوشستان هي مصدر نحو 40 بالمئة من إجمالي ثروة باكستان من الغاز لكنها لا تستفيد إلا من 2 بالمائة منها، بل حتى هذه النسبة المتواضعة لم يبدأ الاستفادة منها إلا منذ عام 1986 على الرغم من اكتشاف الغاز في الإقليم في عام 1952. ومن الحقائق الأخرى التي يعزى إليها أسباب غضب البلوش وامتعاضهم أن منسوبي الجيش والأمن وحرس الحدود في الإقليم هم بالكامل من غير العنصر البلوشي.

وهكذا يمكن اختزال أسباب الأزمة الراهنة في بلوشستان في جملة واحدة هي شعور مواطنيها بالحرمان الطويل والتهميش الذي وصل – طبقا للقوميين البلوش – إلى ما يشبه علاقة البيض بسكان استراليا الأصليين.

لكن لماذا انفجرت الأزمة الآن طالما أن شعور البلوش بالحرمان موضوع قديم وليس وليد اليوم؟ الإجابة ربما تكون في شروع إسلام آباد منذ عام 2001 في التدخل بصورة أقوى من كل الحقب السابقة في تقرير مستقبل الإقليم الإنمائي دون استشارة أبنائه أو اخذ مرئياتهم واشتراطاتهم في الاعتبار. من ذلك خطط باكستانية طموحة جارية على قدم وساق بمساعدة الصينيين لتحويل "جوادر" إلى ميناء عميق ومركز اقتصادي إقليمي. والمفترض أن تؤدي هذه الخطط إلى ازدهار الإقليم وجذب الاستثمارات إليه وبالتالي تحسن أوضاع البلوش المعيشية وارتفاع أسعار أراضيهم. لكن القوميين البلوش تساورهم الشكوك ويعتقدون أن الفوائد ستذهب كما كان الحال دائما إلى جيوب غيرهم ، ولن ينالهم إلا الفتات.

تقع "جوادر"، التي كانت حتى عام 1964 مجرد مرفأ متواضع لصيادي الأسماك، على بحر العرب في مواجهة مضيق هرمز وعلى بعد 400 كيلومتر من هذا الممر الاستراتيجي المهم الذي يعبر منه نحو 40 بالمائة من إمدادات النفط العالمية، الأمر الذي يؤهلها للتحول إلى نقطة جذابة للشحن والإمداد والتجارة مع الخليج وأفغانستان ودول آسيا الوسطى حينما تستكمل تجهيزاتها وترتبط بشبكة طرق برية مع المدن الباكستانية والأفغانية ونظيراتهما في آسيا الوسطى. وهي من ناحية أخرى تبعد عن ميناء باكستان الرئيسي وقاعدتها الصناعية كراتشي بنحو 725 كيلومترا مما يجعلها في مأمن من أي تهديد هندي بالحصار على خلاف كراتشي التي هدد الهنود بفرض حصار بحري عليها أثناء أزمة كارغيل 1999.

وبالنسبة للصينيين الذين انفقوا حتى الآن نحو 400 مليون دولار على تطوير الميناء وربطه بكراتشي بطريق سريع، تبدو غوادر أيضا ذات أهمية استراتيجية. فعبرها يمكنهم الإشراف على 60 بالمائة من وارداتهم النفطية والتي تأتي من الخليج، ومراقبة تحركات الأسطولين الأميركي والهندي في بحر العرب والمحيط الهندي، بل والتدخل للدفاع عن مصالحهم في حالة قيام الأساطيل الأميركية في الخليج بأي تحرك من شأنه معاقبتهم بسبب تطورات القضية التايوانية مثلا.




المصدر وجهات
  #175  
قديم 24/03/2005, 08:40 AM
السيدة ملعقة السيدة ملعقة غير متواجد حالياً
Banned
 
تاريخ الانضمام: 28/01/2001
الإقامة: مسقط
المشاركات: 8,784
  #176  
قديم 27/03/2005, 08:27 AM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
في البدء كانت بنغلور




د. عبدالله المدني



لو قدر لأجدادنا في الخليج أن يبعثوا من قبورهم ويعودوا إلى مدن في الهند من تلك التي ترددوا عليها في حقبة ما قبل النفط وهاموا عشقا بها وحسبوها درة الدنيا ونهاية حدود الكون، لما عرفوها. صحيح أن المدن، كبقية الأشياء، تنطبق عليها قوانين التطور والنمو فتتبدل خرائط وجهها بتقادم الزمن، إلا أن ما حدث في بومباي ودلهي ومدراس وكلكتا وبنغلور وحيدر آباد وتريفاندرم تجاوز تغيير الصورة إلى تغيير الوظيفة. إذ لم تعد وظيفة هذه المدن إنتاج وتسويق البهارات والحرائر والكماليات والسلع التقليدية بقدر ما هي إنتاج وتسويق العلوم والتكنولوجيا والعقول المبدعة.
وتمثل بنغلور عاصمة ولاية كارناتاكا الجنوبية نموذجا لما جرى ويجري في بقية المدن الهندية. فالمدينة التي كانت في زمن البريطانيين المكان المفضل لدى المتقاعدين والباحثين عن الهدوء، بفضل مناخها اللطيف وبحيراتها الجميلة وما شيده فيها حاكم ميسور "حيدر علي" في القرن الثامن عشر من حدائق غناء مترامية الأطراف، صارت في فترة هي بالتأكيد قياسية في حياة الأمم والشعوب، معقلا للعلوم والصناعات ومراكز الأبحاث ومعاهد التدريب العالية.

وهي بتخصصها قبل غيرها من المدن الهندية في صناعة البرمجيات التي تعتبر الهند اليوم أكبر مصدر لها في العالم، فازت بلقب "وادي السيليكون الجديد" المتفوق على وادي السيليكون القديم في كاليفورنيا لجهة عدد العقول العاملة فيه. وهذا، إضافة إلى عوامل أخرى مثل تدني الأجور وانتشار اللغة الإنجليزية ووجود بنية تحتية مناسبة، شجع كبريات الشركات العالمية (مثل ميكروسوفت وآي بي ام وموتورولا وفيليبس واميركان اكسبرس وبريتش تيليكوم) على طرق أبواب المدينة بحثا عن فرص الاستثمار المجزية أو لاتخاذها مقرا رئيسياً أو إقليميا لأنشطتها.

لكن كيف تحقق كل هذا؟ وما هي العوامل التي أفضت إلى تبوء بنغلور وبالتالي الهند هذه المكانة؟

لا شك أن الانفتاح الاقتصادي الذي دشنته الهند في مطلع التسعينيات، من بعد عقود من النهج الاشتراكي والتخطيط المركزي وقيادة الدولة للاقتصاد، لعب دورا كبيرا فيما تشهده هذه البلاد اليوم من انطلاقة علمية وصناعية مشهودة وحراك اقتصادي غير مسبوق وبالتالي قدرة على غزو الأسواق الخارجية بالصادرات التكنولوجية وزيادة احتياطيات الخزينة من العملات الصعبة (بلغت العام الماضي رقما غير مسبوق في كل تاريخ الهند هو 130 مليار دولار). غير أن هذا العامل رغم أهميته لم يكن سوى عامل مساعد. إذ لولا وجود طاقات جاهزة من نتاج خطط تنموية هادئة وحصيفة في الحقب السابقة، لما كان الانطلاق والريادة بهذه السهولة.

لقد كان من رأي الزعيم الهندي الكبير الجواهر لال نهرو – بحسب ما ورد في خطبه قبل وبعيد استقلال الهند – أن أمة كالأمة الهندية بتاريخها العريق وثقافاتها الغنية وموقعها الاستراتيجي وامتدادها الجغرافي لا يمكنها أن تبقى على هامش العالم بل يجب أن تكون في قلبه وتؤثر في مساره وأحداثه. وكان من رأيه أيضا أن السبيل الوحيد أمام الهند للعب دور يتوافق مع خصائصها هو التفوق والبروز علميا وتقنيا وصناعيا. ومن هنا وقع اختياره على بنغلور لتكون قاعدة الهند العلمية والصناعية ومركز مؤسساتها البحثية، واصفا إياها بمدينة المستقبل. أما لماذا بنغلور تحديدا، فلأنها إضافة إلى ميزاتها سالفة الذكر، كانت على الدوام الأولى تاريخيا بين مدن الهند لجهة استيعاب الجديد في عالم الاكتشافات والوسائل الحضارية. فهي أول مدينة هندية مدت إليها خطوط الهاتف (في عام 1898) وتزودت بشبكات الكهرباء (في عام 1900) وعرفت صناعة الصلب ومشاريع الري ومدارس المهن الفنية (ابتداء من 1912).

لم تكن الدولة الوليدة وقتذاك تملك الكثير للإنفاق على طموحاتها، فلجأ نهرو إلى أرباب الصناعة من العائلات الهندية الثرية يشحذ أريحيتها للمساهمة في جهد سوف يعود عليها بالنفع المؤكد مستقبلا. وكان من حظه أن وجد أثرياء بعيدي النظر ومشبعين بالولاء لوطنهم ومقتنعين بصدق توجهات زعيمهم، من أمثال قطب الصناعة والتجارة المعروف "تاتا" الذي تبرع فوراً بنصف ثروته من أجل الإنفاق على متطلبات البحث العلمي وإنشاء المعاهد العلمية والفنية ورعاية الموهوبين والنابغين.

وهكذا بحماس الدولة واهتمامها وبتحالف المال الخاص مع العلم، بدأت بنغلور خطواتها نحو الانطلاق وفق ما رسم لها. ولم يمض وقت طويل حتى صارت المدينة الشاعرية الهادئة تحتضن العشرات من مراكز الأبحاث والكليات الهندسية والمعاهد التقنية التي دأبت على مد مختلف القطاعات الصناعية والإنتاجية بالعقول والأيدي الفنية المدربة والدراسات الثرية. وكان لهذا انعكاسات ايجابية على مستويين. فمن ناحية أغرى ما حققته بنغلور مدناً هندية أخرى على اقتفاء خطواتها. ومن ناحية أخرى زالت الشكوك التي ساورت بعض رجال الأعمال والصناعة الهنود، فراحوا يرفدون جهود الدولة العلمية والبحثية بحماس أكبر.

وبتحرير الاقتصاد وفتح الأبواب أمام الاستثمارات الأجنبية وسن قوانين وحوافز لتشجيع هنود المهجر الأثرياء على العودة، وظفت بنغلور كل ما تراكم لديها من خبرات وعقول وطاقات للتركيز على صناعة العصر أو صناعة البرمجيات على نحو ما أسلفنا. وفي غضون عقد واحد من الزمن استطاعت أن تصبح مسؤولة عن نحو 40 بالمائة من إجمالي صادرات الهند من هذه الصناعة التي تدر على البلاد سنويا ما معدله 20 مليار دولار، وأن تصبح حاضنة لنحو 25 ألف عالم في مجال هندسة الحاسب الآلي من أصل 220 ألفا تفتخر بهم الهند، وأن تقيم جامعة متطورة للعلوم وتقنيات المعلومات هي اليوم من بين أفضل عشرين جامعة على مستوى العالم وتتنافس دول في أوروبا وجنوب شرق آسيا على استقطاب خريجيها لشغل وظائفها التقنية.

وعلى هامش هذه التطورات حدث ما يشبه الثورة في ملامح المجتمع البنغلوري ذي الملايين الستة، الأمر الذي يجسده انخفاض الأمية إلى 14 بالمائة وارتفاع عدد دور النشر إلى 67 دارا وعدد الصحف اليومية والأسبوعية إلى 110 صحف وعدد مالكي خطوط الإنترنت إلى 100 ألف نسمة، ناهيك عن استعمال ما لا يقل عن 80 بالمائة من عدد السكان لأجهزة الاتصالات والمعلومات الإلكترونية واستمتاع أكثر من 60 بالمائة من السكان بالبث الفضائي الذي هو الآخر ميدان برعت فيه الهند في السنوات الخمس عشرة الأخيرة من خلال برامجها الذاتية لإطلاق الأقمار الاصطناعية.



المصدر وجهات
  #177  
قديم 29/03/2005, 12:03 PM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
العرض الشيّق للقذافي في القمة وحكاية مكان الانعقاد
2005/03/25


عدلي صادق



ينتمي العرض المطول، الذي قدمه الزعيم الليبي معمر القذافي، الي جنس الظواهر التلفزيونية. ليس فقط، لأن البث، علي الهواء، كان عبر نحو ثلاثين محطة للتلفزة العربية، وإنما كذلك لأن التراجيديا التي كمنت في المشهد، أفصحت عن عيب في أنظمة الأداء، علي مستوي مؤسسة القمة، وذلك حين يبادر أحد المتحدثين، الي طرح مئة موضوع، في زمن غير محدد، وبدون نص مكتوب، يحصر مدة الكلام، ومدة الجلسة، ومدة الاستماع الي شخص واحد، فيستعيض عن النص المكتوب، بفواصل من الصمت، ومن التأمل، ومن النفخ، فيما المستمعون مضطرون للانتظار، يدلفون منه الي ابتسام أو الي شيء يضارع التسلية!
كان حظ الشعب الفلسطيني، من محاضرة القذافي، في الجلسة الختامية للقمة العربية، أفضل من حظ الشعوب الأوروبية، التي وصفها بـ كلاب تنبح في معرض تفنيده للديمقراطية الأوروبية، التي لا تسمع فيها الحكومات نداءات شعوبها. أما حظ المجتمعين، في قاعة قصر الأمم، في نادي الصنوبر، فكان عبارة عن مزيج من الحظيْن معاً، الفلسطيني والأوروبي، إذ كانت الإفاضة في الحديث عن البديهيات، تحمل اتهاماً ضمنياً بالجهل، فيما هم يمثلون النُخب الحاكمة. وكانت الإفاضة في الحديث عن الضياع العربي، توصيفاً ضمنياً لمخلوقات شاردة عن مصلحتها، وليس لها بوصلة. أما صوتها، فلا يمكن تنسيبه الي أي صوت، نباحاً أو نهيقاً. وكان زمن المحاضرة، عُنصراً إضافياً، لجعل آخرين، من زعماء العرب، يتلافون الحضور، في القمم المقبلة!

ہہہ
الفلسطينيون أغبياء. هكذا قرر القذافي. لعل السبب، هو أنهم لم يشربوا من النهر الصناعي العظيم . فمن الغباء أن يعرف الفلسطيني، شيئاً من التاريخ، ليدرك بأنه، عندما كان ينتشر في الفيافي العربية، ومن بينها الصحاري الليبية، لكي يمحو أمية الناس من أبناء وطنه الكبير، وللطبابة، وللبناء، لم يكن يمتلك صلاحية البت في مصيره، لكي يقيم الدولة التي كان عدم قيامها، قبل العام 1967 سبباً في وصف القذافي لهم، بأنهم أغبياء!
وبسبب أن الفلسطينيين، لم يشربوا من النهر الصناعي العظيم فإن غباءهم أوصلهم الي مفاتيح معرفة السياسة، لكي يظنوا بأن جوهر نضالات الحركة القومية، في الأراضي المحتلة في العام 1948 هو إيصال إسرائيل، الي مستوي توصيف نفسها، بأنها دولة لكل ساكنيها، وليست دولة يهودية، لكي تكتب ذلك في القانون الأساسي الذي هو بمثابة دستورها المؤقت. وأوصلهم غباؤهم، الي معرفة الطابع العنصري للدولة العبرية، التي يقلقها وجود عرب، في مساحتها قبل العام 1967. كما أوصلهم غباؤهم، الي معرفة السيناريوهات المُعدة للحل النهائي، لدي أوساط شارون وجماعته، والتي تقوم علي فصل معظم فلسطينيي 1948 عن الدولة، وضمهم الي الدولة الفلسطينية. فالذكي، هو ـ وحده ـ الذي يعرف، بأن إسرائيل تربي أجيالاً قابلة للتوحد الجغرافي والسكاني، مع الفلسطينيين، علي أرض وطنهم التاريخي. والغبي، هو الذي يعرف بأن مناحيم بيغن، هو مخترع هذه المحاججة حول استنكاف العرب، لا الفلسطينيين، قبل العام 1967 عن إنشاء دولة للفلسطينيين، في الضفة وغزة. وجاء الذكي، لكي يُعدّل الصيغة، وأن يجعل الفلسطينيين حصراًَ، هم الذين رفضوا بغباء!

ہہہ
لو كنت في مكان أبي مازن، لقاطعت القذافي، مستهلاً الحديث بالاعتراف له بالفطنة العالية، وبالألمعية، ثم الإعلان عن موافقتنا علي اقتراحه، بشرط أن يقول لنا، منذ الآن، ماذا يتعين عليه أن يفعل، هو وأسلافه من بعده، إن أصرت الدولة العبرية، علي رفض الفكرة، وعلي رفض التوحد!
غباؤنا هو الذي جعلنا نبتلع الطعم، فنقرأ التحليلات الصهيوينة، بكل اللغات، لنعرف أن مجرد وجودنا، ونمونا السكاني، علي أرض وطننا، يعتبرونه مشروعات حرب بغير نار، وأن أحدهم قال مستغرباً: كيف يقاتلنا الفلسطينيون بالسلاح، بينما هم قادرون علي البقاء في حُجرات نومهم، لكي يتكاثروا فيهزموننا!
غير أن المُحزن، في كلام القذافي، هو استضعاف الحلقة الفلسطينية، من منظومة العشائر الحاضرة. أما عملية تنبيح الأوروبيين، فإنها لا تستثيرهم مثلما تُستثار العشائر، لو أن الذكي قد أنبحها، لا سمح الله. لم يكن القذافي، قادراً علي توصيف الحالة الذهنية، لرأس أية عشيرة، غير عشيرتنا. ففي محاضرة القذافي، كان لله، في خلقه شؤون!

الفضائيات ومكان الإنعقاد

التلفزة الفضائية العربية، تفاوتت في مستوي نقل البث المباشر. فعندما ـ مثلاً ـ بدأ رئيس الوزراء الأسباني، خوسيه ثاباتيرو، بقراءة كلمته، لم تكن سوي التلفزة الجزائرية، و الجزيرة الرائدة، هي التي تدفقت فوراً، بالترجمة لمشاهديها، عن اللغة الأسبانية. وكانت الأولي، قد هيأت نفسها ـ بالطبع ـ لأنها صاحبة العرس وداعية الضيوف. أما الجزيرة فقد تهيأت بسبب مهنيتها العالية، وتأخرت عن ذلك العربية و الحرة وغيرهما. لكن جميع الفضائيات التي لم تهييء نفسها، استدركت بعد دقائق، لتنقل صوت المترجم الجزائري.
وكانت اللقطات الخارجية، لمكان انعقاد المؤتمر، حميمة بالنسبة لكاتب هذه السطور، إذ بدا قصر الأمم، في نادي الصنوبر، علي الشاطيء الساحر، للجزائر العاصمة!
المشهد علي الشاشة، أغراني للحديث عن قصر الأمم، نفسه، الذي تحيط به، اثنتان وثمانون فيللا، متطابقة الحجم والتصميم، تفصل بينها أحواض الزهور، فيما البحر، ينحني أمام سفح التلة التي تضمها. وقد استقبلت الفيللات، ضيوفها للمرة الأولي، في المؤتمر الأفرو آسيوي، الذي التأم في قاعة القصر، في شهر آب من العام 1965.
الثورة الجزائرية المنتصرة، كانت في مستهل حكمها، أمام أحد طريقين، لبدء عملية البناء بعد الاستقلال: أن تنيط المسؤولية الإدارية والاقتصادية، بالمجاهدين الذين كانوا في الجبال، ولعسكر جيش التحرير الوطني، أم تنيطها بكادرات الإدارة الذين لم يرحلوا مع الفرنسيين، وكانوا جزءاً من إدارتهم؟ وكان الطريق الثاني، هو الذي اختارته الدولة المستقلة حديثاً، علي أن تبدأ عملية التعريب، مع البدء في مراكمة عناصر مناضلة ومؤهلة، في الأطر الإدارية، شيئاً فشيئاً!
أحد المجاهدين العرب، الذين كانوا مع الثورة الجزائرية، هو المهندس المصري المبدع، مصطفي موسي، الذي كان صديقاً للرئيس بن بللة. هذا الرجل، هو الذي صمم وأشرف علي بناء قصر الأمم والإثنتين وثمانين فيللا. وهو الذي صمم وأشرف علي بناء جامعة الأمير عبد القادر الإسلامية في مدينة قسنطينة، ومسجدها الذي يتسع لخمسة عشر ألف مُصلٍ. وهو مصمم فندق الأوراسي، القائم علي هضبة عُليا، تقابل البحر، وكان تصميمه للفندق، يقتضي بناء أربع وعشرين طابقاً، يعلوها بُرج، في مشروع يرمز الي وقوف الثورة شامخة، علي الطرف الجنوبي من المتوسط، أمام ساحل فرنسا. وقد تعرض المشروع، لحكايات وعراقيل، شككت في قدرة التربة علي احتمال المبني، علي الرغم من دراسات أجنبية أجازته. لكن التنفيذ أفلت من يد مصطفي موسي، ليقتصر البناء العريض، علي عشرة طوابق، بدون بُرج!

ہہہ
مصطفي موسي هذا، أحس بشرف مهمة البناء، في وطن الجزائريين، وانتزع بكل النُبل، تنفيذ مشروع قصر الأمم والفيللات، ممن كانوا يتطلعون للعمولات، عندما لاحظ أن فاتورة استيراد الرخام، من إيطاليا، ستجعل المشروع باهظ التكلفة. وكان استفهامه الإنكاري: كيف لا يكون هناك رخام في الجزائر الشاسعة؟ وجاءه الجواب، من مواطن بسيط، وهو أن الفرنسيين كانوا يديرون معملاً للرخام، في مدينة سكيكدة. فذهب مصطفي الي هناك، ووجد المعمل مغلقاً ومهملاً، والعمال عاطلين، بسبب نقص بعض قطع الغيار. سافر الي فرنسا، وأحضر قطع الغيار، وأعاد الحياة للمصنع، وأعاد العمال، وأخذ الرخام. وما زال الجزائريون يعتمدون علي معمل سكيكدة، للتزود بالرخام!
ما أن انتهي بناء قصر الأمم، في العام 1965 حتي حدث التغيير في الجزائر، فأزيح بن بللة، وجاء هواري بومدين، وكان الحضور الحزين لجمال عبد الناصر، بسبب إقصاء صديقه بن بللة قبل شهرين. لكن قصر الأمم، والفيللات، ظلت شواهد علي حكايات كثيرة: الصراع بين العروبة والتغريب، في إدارة البلاد. اليد العربية النظيفة، التي أسهمت مع الجزائريين في البناء وفي التعريب. ثم في قصر الأمم، أُعلنت دولة فلسطين في تشرين الثاني 1988 والجزائريون عندما يؤرخون لما تعرضوا له من عواصف ومن مؤامرات، يبدأون من النقطة الزمنية، التي احتضنت فيها بلادهم، المجلس الوطني الفلسطيني، في أسوأ الظروف!
في تلك النقطة، التي يقوم عليها قصر الأمم، تكمن قيمة رمزية، وهي أن الفرنسيين، عندما احتلوا الجزائر، هبطوا بجيوشهم، من السفن، في سيدي فرج ضمن مساحة من الشاطيء، تضم نادي الصنوبر. كان ذلك بعد ثلاث سنوات من الحصار ومن المقاومة (من 1827م الي 1830) وما احتضان الجزائر، لمؤتمرات تجسّد دورها كبلد مستقل، في قصر الأمم، إلا جواباً مضاداً لحيثية تاريخية لا تفارق وعيهم. إن هذا هو ما أوحت به، مشاهد التلفزة، لأحد محبي الجزائر!



كاتب من فلسطين
  #178  
قديم 02/04/2005, 10:11 AM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Cool

لا قوامة للرجل على المرأة: في الرأي والمشورة والعلم
زين العابدين الركابي




قد يعمد امرؤ أو مجتمع ما إلى طلاء «هواه» أو «عادته» بطلاء إسلامي ثم يقول هذا من عند الله. فهل هذه الدعوى هي «الإسلام الحق»؟.. لا.. لا.. لا.. لا. إلى ما لا نهاية. فالإسلام الحق هو: قال الله. قال رسوله. وليس أهواء أو عادات اجتماعية رميم تنتحل صفة الإسلام، أو تطلى بألفاظه ومصطلحاته.. لو أن أحداً من المسلمين فسدت فطرته، وأسن ذوقه، واختلت معاييره ـ الكونية والشرعية ـ فأخذ يعشق الأوساخ ويمارسها ويمجدها، وينفر من الطهر والنظافة ثم يزعم أن ذلك من دين الاسلام: أكنا مصدقيه؟ لا والذي خلق الإنسان وفطره على محبة النظافة والجمال.. كلا: لن نصدق دعوى هذا المدعي الفاسد المعيار والذوق ولو أصيب بالذبحة الحلقية من شدة الصياح بدعواه.. وكيف نصدق ممسوخ الفطرة والمعيار وبين أيدينا تعاليم الإسلام الوضيئة وبراهينه الساطعة التي تمجد النظافة والجمال وتغري بممارستهما أبدا.. نقرأ في سنة النبي ـ مثلا ـ.. قيل له ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ: إن الرجل يحب ان يكون ثوبه حسنا، ونعله حسنا، فقال: «إن الله تعالى جميل يحب الجمال». وقال: «ما جاءني جبريل إلا أوصاني بالسواك». وقال: «من أكل الثوم والبصل والكراث فلا يقربن مسجدنا فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم». ولئن نسخ الإسلام وأبطل دعاوى الصاق عدم النظافة بالاسلام، فإنه ناسخ ومبطل لكل دعوى تنتقص من قيمة المرأة ومكانتها باسمه.. فكما أن هناك تعاليم إسلامية واضحة قاطعة تؤصل مفهوم النظافة والجمال، وتستنهض الناس وتحرضهم تحريضا على مباشرتهما. هناك تعاليم إسلامية واضحة قاطعة تؤصل المفهوم العالي الجليل لمكانة المرأة وقدرها وقيمتها.
لقد ختم مقال الأسبوع الماضي بسداد رأي خديجة بنت خويلد ورجاحة عقلها في أعظم حدث في تاريخ المسلمين. بل في التاريخ البشري كله وهو حدث نزول الوحي الخاتم على النبي صلى الله عليه وسلم. فقد بوغتت خديجة بالأمر، ومن هنا، لم تفكر فيه قبلا، ومع ذلك قالت لزوجها النبي ـ على بديهتها وبثبات ويقين ـ: كلا والله لا يخزيك الله أبدا. انك لتصل الرحم، وتحمل الكَلَّ. وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق.. لقد استخدمت خديجة القياس العقلي في طمأنة زوجها النبي، بمعنى أن رجلا هذه خصائصه ومواهبه ومروءاته الصالحة الفاضلة لن يخزيه الله أبدا، لأن الكريم من البشر لا يخزيه كرام الناس وأشرافهم فكيف بأكرم الأكرمين جل ثناؤه؟.. ثم بعد الطمأنة والتثبيت، أشارت خديجة على النبي بأن يذهبا ـ هو وهي ـ الى ابن عمها ورقة بن نوفل لأخذ رأيه في الموضوع. وهذه الاشارة ذاتها دليل على رجحان رأي خديجة، فقد عُرف ورقة بن نوفل بالعقل والرأي، ومحبة الحق وتحريه والبعد عن دنايا الوثنية والوثنيين. ومن هنا كان فطنة معرفة ورشد. وكانت خديجة هي المثل الأول في التدليل على سداد رأي المرأة وشوراها في السنة أو السيرة. وبديه انه لم يكن مثلا مفردا، ولا واقعة معزولة، اذ ان ثمة فيضاً من هذه الوقائع يؤلف منهجاً متكاملا في العلم والتطبيق. ومن هذه الوقائع الموثقة:
1 ـ في واقعة الحديبية: أشارت أم سلمة على زوجها النبي شورى انقذت الموقف كله. فقد غضب معظم المسلمين من ظاهر الاتفاق الذي أبرم بين النبي وقريش. وحين طلب منهم النبي: أن ينحروا ويحلقوا: امتنعوا عن ذلك على الرغم من أن النبي كرر الطلب ثلاثا. عندئذ دخل النبي على أم سلمة فذكر لها ما لقي من الناس. فقالت: يا نبي الله. أتحب ذلك؟ (أي اتحب أن يفعل المسلمون ما أمرتهم به ويزول المشكل): اخرج ثم لا تكلم أحدا منهم كلمة «!!!» حتى تنحر بدنك وتدعو حالقك فيحلقك. فخرج فلم يكلم أحدا منهم حتى فعل ذلك. فلما رأوا ذلك قاموا ونحروا وجعل بعضهم يحلق بعضا. وهذه شورى بالغة الذكاء والفطنة والسداد: مضمونها وقوامها: ان (الفعل) في هذا الموقف: أبلغ وأنجع من الكلام، وأشد تأثيرا منه.. وقد أخذ النبي بهذه الشورى: فانفرج الموقف، وانقشعت الأزمة: بناء على شورى امرأة.
2 ـ اعتد النبي برأي ام هانئ وأقره في مسألة إجارة وحماية أحد المحاربين.. قالت أم هانئ: يا رسول الله، زعم ابن أمي عليّ (أي ابن أبي طالب): انه قاتل رجلا أجَرْتُه (أمنتُه)، فلان ابن هبيرة، فقال النبي: «أجرنا من أجرت يا أم هانئ».
3 ـ ان المرأة عرفت حقها في الرأي والشورى ومارسته بشجاعة وثقة.. مثلا. قال عمر بن الخطاب ـ وهو من هو في المهابة ـ: بينما أنا في أمر أتأمره (أشاور فيه نفسي)، اذ قالت امرأتي: لو صنعت كذا وكذا، فقلت لها: ما لك ولما ها هنا، فيم تدخّلك فيما لا يعنيك، وتدخلك في أمر أريده؟!. فقالت: عجبا لك يا ابن الخطاب!!. ما تريد أن تُراجَع أنتَ، وابنتك تراجع رسول الله حتى يظل يومه غضبان؟.!!
4 ـ وهذه واقعة شورية نسائية: متألقة الدلالة، ساطعة المفهوم، حية التطبيق. قال عبد الله بن عمر بن الخطاب: دخلت على حفصة (وهي أخته)، قلت: قد كان من أمر الناس ما ترين (يعني حادثة التحكيم بين علي ومعاوية)، فلم يُجعل لي من الأمر شيء، فقالت: الحَقْ، فإنهم ينتظرونك، وأخشى أن يكون في احتباسك عنهم فرقة، فلم تدعه حتى ذهب.. ويعلق بن حجر على هذه الواقعة الشورية النسائية فيقول: «فشاور ابن عمر أخته في التوجه إليهم أو عدمه، فأشارت عليه باللحاق بهم خشية أن ينشأ في غيبته اختلاف يفضي إلى استمرار الفتنة، وقالت حفصة لأخيها: انه لا يجمل بك أن تتخلف عن صلح يصلح الله به بين أمة محمد، وأنت صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وابن عمر بن الخطاب».
نخلص من ذلك إلى حقيقة مجلوة راسخة وهي: انه لا قوامة للرجل على المرأة في الرأي والمشورة.
ومن زعم قوامة الرجل على المرأة في ذلك، فإنما حقائق الإسلام عاند وعارض وناقض.
وإذا كانت الوقائع الآنفة قد اختصت بالتدليل على استقلال المرأة بالرأي والمشورة، فإن السطور الباقية مفردة للتدليل على انه لا قوامة للرجل على المرأة في مجال (العلم) فالمرأة ذات أهلية تامة (100%) لتلقي العلم، ولأن تتبوأ مراكز الأستاذية ـ على الرجال ـ فيه.
وهذا هو البرهان:
1 ـ في رواية الحديث النبوي، لم يشترط علماء هذا الفن (الذكورة) في تلقيه وروايته.. فالشروط الموضوعية لرواية الحديث هي: الاسلام.. والتكليف.. والضبط.. والعدالة. وهذه كلها شروط يمكن ان تتوافر في المرأة المسلمة، كما يمكن ان تتوافر في الرجل المسلم.. وفي مقدمة موسوعته الحديثية (جامع الأصول): بسط ابن الاثير القول في هذا الموضوع بسطا مشبعا، لم يتخلله ـ قط ـ اشتراط الذكورة، أو استثناء الاناث من رواية سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
2 ـ من الناحية التطبيقية: مارست المرأة، هذا العلم: باستقلال وجدارة وأمانة، وبأستاذية كاملة على الرجال. لشيخ الإسلام ابن تيمية سلسلة أحاديث تسمى بـ(الأربعين حديثاً لشيخ الإسلام).
وفي هذه السلسلة (شيخات) أو أستاذات روى عنهن ابن تيمية.. وفيما يلي نصوص من السلسلة، كما جاءت في مجلد (الحديث) من فتاوى ابن تيمية:
أ ـ «أخبرتنا الشيخة الجليلة الأصيلة أم العرب فاطمة بنت أبي القاسم علي ابن أبي محمد القاسم بن ابي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله بن الحسين بن عساكر قراءة عليها وانا اسمع في رمضان سنة 681 وابو العباس ابن شيبان، وست العرب بنت يحيى بن قايماز».
ب ـ «أخبرتنا الصالحة العابدة المجتهدة أم أحمد زينب بنت مكي بن علي بن كامل الحراني، وأحمد بن شيبان، واسماعيل ابن العسقلاني، وفاطمة بنت علي بن عساكر، قراءة عليهم».
جـ ـ «أخبرتنا الشيخة الصالحة أم محمد زينب بنت أحمد بن عمر ابن كامل المقدسية قراءة عليها وأنا أسمع سنة 684، وابو عبد الله ابن بدر، وأبو العباس ابن شيبان، وابن العسقلاني ولو كان للرجل ولاية على المرأة في العلم، لما جلس ابن تيمية يتتلمذ على شيخاته في علم الحديث. ثم انه لا قوامة للجاهل، أو الأقل علما على من هو أعلم منه. وقد ثبت ان المرأة قد تكون أعلم من الرجل ـ زوجها أو أبيها أو أخيها ـ فإذا حاول احدهم ان يكون قوّاما على علمها، فإنه يقع تحت طائلة «ولا تقف ما ليس لك به علم».

الشرق الاوسط
  #179  
قديم 06/04/2005, 05:36 PM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Cool

دعوة لحسم مشروعية المغامرة بالبناء في البحر


فهمي هويدي

هذه «ورطة» وقعت فيها، وليس بمقدوري أن أفعل شيئاً إزاءها سوى أن أكتب عنها، داعياً غيري إلى التعامل مع الإشكال فيها، وذلك أنني كنت قد كتبت في هذا المكان (يوم 12/1 الماضي) مقالة في أعقاب زلزال «تسونامي» الذي ضرب ودمر سواحل جنوب شرق آسيا، أشرت فيها إلى بعض دروس الزلزال ورسالته، وكان من بين النقاط التي تحدثت عنها تحذير من مخاطر البناء في البحر، تحسباًَ لاحتمال مواجهة زلزال من ذلك القبيل الذي وقع، وكنت قد تلقيت رسالة بهذا المعنى من أحد كبار الاستشاريين المعماريين في المملكة العربية السعودية الدكتور أحمد فريد مصطفى.
ما دعاني إلى الاهتمام بذلك التحذير أن البناء في البحر أصبح ظاهرة في منطقة الخليج، بدأت في دبي، ثم انتقلت إلى قطر والبحرين، حتى الآن على الأقل ـ ولأن العملية تحولت إلى «صرعة» جذبت كثيرين من المستثمرين والمستهلكين، وأهم من ذلك أن الإنفاق فيها يستنزف موارد هائلة تقدر بمليارات الدولارات، فقد وجدت أن الأمر يستحق الوقوف عنده، وإعادة التفكير به، بحيث يتفق أهل الاختصاص على حجم المغامرة فيه، إن وجد، ولأن الموضوع حافل بالتفاصيل الفنية التي لا علاقة لي بها وليست لدي القدرة على تقييمها، فقد اكتفيت بتسجيل التحذير، تاركاً حسم الموضوع لغيري ممن هم أقدر على التعامل مع التفاصيل.
ما حدث بعد النشر أن تحقيقات واستطلاعات عدة وإعلانات كبيرة ظهرت في بعض الصحف العربية، ركزت على استبعاد الاحتمال الذي أشرت إليه، من ذلك مثلاً ما نشرته «الشرق الأوسط» في 22/1 وبعد عشرة أيام من صدور مقالتي ـ تحت العناوين التالية: خبراء عرب: حدوث هزات أرضية وتسونامي في الخليج والبحر الأحمر مستبعد ـ الجزر الاصطناعية (التي أقيمت في البحر) غير قابلة للغرق وتتحمل زلازل مدمرة بقوة 6 درجات و«تسونامي» بارتفاع أربعة أمتار ـ زلزال قوي في أعماق الخليج لن تكون له آثار مدمرة بسبب ضحالة المياه ـ رفعنا كاسر الأمواج بعد دراسة للبنك الدولي توقعت ارتفاع منسوب البحار متراً واحداً بعد 100 سنة.
في الاستطلاع الذي نشر على صفحة كاملة معلومات أخرى كثيرة، كلها تبدد القلق وترد على المخاوف، وتطمئن المستثمرين والمشترين إلى أن المليارات والملايين التي دفعوها لن تضيع هباء. وفي الوقت ذاته ترد على حجج «الرأي الآخر» في الموضوع.
كان واضحاً أن الشركات الضخمة التي تبنت تلك المشروعات، وحققت منها أرباحاً هائلة، تريد الدفاع عن مصالحها، من خلال تكثيف حملاتها الدعائية والإعلانية، وهو أمر مشروع ومفهوم، ولذلك واصلت تلك الشركات الإعلان عن مشروعاتها الكبيرة، كما واصلت بث رسائل طمأنة المشترين عبر وسائل الإعلام المختلفة.
ولأن أصحاب الرأي الآخر من أهل الاختصاص والخبرة لا يملكون نفس الإمكانيات، فإنهم بعثوا بآرائهم وردودهم على عنواني البريدي، وطرحوا في رسائلهم عديداً من الملاحظات الفنية التي تخرج عن نطاق اختصاص ومعلومات العامة، وكانت تلك هي «الورطة» التي أشرت إليها، إذ تصور البعض أنني يمكن أن أخذ موقفاً من القضية، أتبناه وأدافع عنه، وهو ما كان متعذراً ولا يزال. ولهذا كنت بين خيارين: إما أن أكتفي بالإشارة التي سجلتها في مقالتي التي تناولت الموضوع في 12/1، أو أن أعرض الرأيين، وأدع أهل الاختصاص يحسمون أمرهم فيما بينهم، وأخرج بعد ذلك من الموضوع، الذي لا ناقة لي فيه ولا جمل. وهذا ما استقر عليه رأيي.
لقد أشرت قبل قليل إلى تأكيدات بعض الخبراء الذين قرروا أن الأمر خضع لدراسة تكلفت ملايين الدولارات لضمان احتياطات الأمان والسلامة، وخلصوا إلى نسبة المغامرة منعدمة، وأن القلق لا محل له. صحيح أن الذين قالوا هذا الكلام يمثلون واحداً من تلك المشروعات، لكن من المتصور أن تكون تلك الدراسات قد جرت بشكل مواز في بقية المشروعات التي خاضت تجربة الردم والبناء في البحر.
في الجانب المتحفظ على تلك المشروعات قرأت للأستاذ نجيب صعب رئيس تحرير مجلة «البيئة والتنمية» اللبنانية قوله إن الظاهرة بدأت بسرقة الشاطئ اللبناني، ثم انتقلت من لبنان إلى منطقة الخليج، وأنه من المفيد أن تتحول الطبيعة إلى موارد للتنمية، غير أن للتنمية أصولاً وأصولاً. فإذا كانت الطبيعة بالنسبة إلى صناعة السياحة مثل الدجاجة التي تبيض ذهباً، فإن الإفراط في استهلاك مواردها، مثل الذي يقتل الدجاجة ظناً منه أنه يحصل مرة واحدة على كل ما في أحشائها من بيض ذهبي. وإذا كانت التنمية السريعة مطلوبة للانخراط في العصر الحديث، إلا أنه من المهم للغاية أن يراعى في ذلك التوازن بين التنمية وموارد الطبيعة، ثم إن التطور يكون بالتناغم مع الطبيعة لا بقهرها.
في رسالة أخرى بعث بها الدكتور أحمد فريد مصطفى حذر من خطر استنزاف الموارد في مغامرات معمارية غير مدروسة جيداً، وأشار إلى مشروع بناء «برازيليا» عاصمة البرازيل الحديثة في قلب الأدغال، بناء على نصيحة بعض أصحاب المصالح، وكيف أن ذلك أدى في نهاية المطاف إلى استنزاف موارد البلاد وإلى سقوط العملة المحلية أمام الدولار، وهي المشكلة التي قصمت ظهر اقتصاد البلد ولا يزال يعاني من آثارها إلى الآن.
تحدث بعد ذلك عن المبادئ المقررة في علم تخطيط المدن التي تشترط لاختيار موقع أي مدينة أو أي تمدد عمراني استيفاء عدة عناصر منها مثلاً: الأساس الاقتصادي مثل الصناعة أو الزراعة أو السياحة أو الترفيه أو التعليم أو الصحة ـ صلاحية التربة للإنشاء عليها بل وزراعة الحدائق فيها مستقبلاً ـ تكاليف إنشاء البنية التحتية: المياه والصرف الصحي ثم خطوط الكهرباء والهاتف ـ المناخ ـ شبكة المواصلات وسهولة الحركة ـ إنشاء مجتمع إنساني متكامل ومتعاون أو مجتمعات Neighborhoods إلخ.
تساءل الدكتور فريد مصطفى بعد ذلك: هل روعيت تلك المبادئ في المدن والجزر التي تم إنشاؤها؟ فيما يخص أساسها الاقتصادي قال إنه لا توجد أصلا تربة للبناء عليها، وإنما نحن بصدد منشآت تكلف مليارات لعمل تربة صناعية فوق كتل من الأسمنت والحجارة، ثم ربما عمل مصدات للأمواج تكلف بدورها مليارات، لنصبها وصيانتها على مر السنين، في حين أن الصحراء واسعة بتربتها الصالحة للبناء والزراعة.
وإذا قال قائل إن القرب من المياه له إغراؤه ومزاياه، فيمكن عمل بحيرات صناعية داخل الصحراء يمدها البحر بالماء، ويمكن تحريك الماء بالمضخمات، وفي كل الأحوال فنحن لن نستطيع أن نعطي لكل مواطن بيتاًَ يطل على البحر، حتى أنني أتساءل: هل سيأتي الوقت الذي سيبنون مدناً في الجو وبكم سيبيعونها لنا؟
ثم إن إنشاء شبكات البنية الأساسية يقتضي حفر التربة وهذه عملية ستحتاج إلى أموال كبيرة لضمان عدم انهيار جوانبها خلال الحفر (على خلاف التربة الصحراوية، التي يمكن النزول فيها رأسياً تقريباً).
أما من ناحية المناخ فإن مناخ منطقة الخليج شديد الحرارة والرطوبة طوال العام، وبالذات في المناطق الساحلية، والحرارة والرطوبة المرتفعة في فصل الصيف تجعل الإنسان يهرب للتكييف داخل المباني ليل نهار فكأننا نذهب بأصحاب هذه البيوت بحمامات البخار في قلب البحر ليعيشوا فيها وكأننا نقول لهم هنيئاً حمامات البخار!
وفيما يخص عنصر المجتمع الإنساني الحي الذي تتحداه مشروعات تخطيط المدن الحديثة جميعاً، فإنه أمر بعيد المنال حسب المخططات الشريطية التي ظهرت في الدعايات الإعلامية الجبارة.
ليس لدي أي تعليق على هذا الكلام، الذي أنهي به مناقشة الموضوع من جانبي على الأقل، ولأنني ما زلت عند رأيي في أن الموضوع من الأهمية بمكان، إلا أنني لا أعتبر الصحف هي المنبر الحقيقي لحسمه، وإنما أتمنى أن ترعى جهة ما في أي دولة خليجية مهتمة بالموضوع، لقاء علمياً بين الخبراء للاتفاق على رأي في صدده، وطالما أنها أصبحت ظاهرة خليجية، فلماذا لا يتبنى مجلس التعاون الخليجي هذه الفكرة.. هل من مجيب؟



الشرق الاوسط
  #180  
قديم 07/04/2005, 09:58 AM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Unhappy

انحراف السلوك بين الخادم والمخدوم


د. أحمد عبد الملك


تعاني دول مجلس التعاون من بعض ظواهر الانحراف في العلاقة بين رب الأسرة والخادمة والسائق، وبالتالي يتطور ذلك إلى الاعتداء الفيزيائي من الطرفين على الطرفين!.
آخر ملامح تلك الاعتداءات ما نشرته الصحف الأسبوع الماضي عن قضية الخادمة الإندونيسية التي تعرضت لضرب مُبرح أصيبت على إثره أطرافها الأربعة بـ"الغرغرينا" مما يستوجب بتر تلك الأعضاء.
وآخر ملامح تلك الاعتداءات أيضاً قصة سائق أخذ الأولاد إلى مجمع كبير، حيث أنزل الصغار وأبقى البنت ذات الأعوام الثمانية، وباشر اغتصابها، لولا أن سيدة كانت تمر بسيارتها ولاحظت يدي البنت من خلال زجاج السيارة وهي تستنجد، مما أدى إلى إنقاذ البنت من براثن السائق المجرم.
الأمثلة كثيرة جداً ولا أود الاسترسال فيها، ولعلي أختم الأمثلة بأن سائقاً آسيوياً قد اعتدى على عائلة بأكملها، في غياب الزوج، حيث شاهدته البنت ذات السادسة والعشرين مع أمها، وألحّت على الأم بأن تمارس الجنس معه! وبعد أن اكتشف الأب الحكاية اتضح أن الابن الشاب كان ضمن القطيع الذي استحوذ عليه السائق العاشق المعشوق!.
ماذا نفعل نحن الذين نعيش الرفاهية -لنقُل بعضنا- وتلهينا الحياة عن الاهتمام بأولادنا وأطفالنا وبناتنا؟ ونعتقد أن السائق الذي يعيش معنا شهراً أو عاماً يمكن أن يكون من "أهل" المنزل، وبالتالي نسمح له باصطحاب الأطفال والزوجات هنا وهنالك دون رقيب. ناهيك عن المرفهين "درجة أولى" من الذين يسمحون للسائق أن ينزل حمام السباحة أو البحر مع الأطفال والشابات - بقصد حمايتهن من الغرق- ثم يغرقن بطريقة أخرى!.

لا أعتقد أن الحكومات تستطيع فعل شيء! ولا يمكننا أن نلقي باللوم إلا على رب الأسرة، ولا يمكننا - كي نحفظ البيوت- إلا بالمراقبة وعدم ترك المجال للسائق بأن يتسلل إلى غرف المراهقات، والوالدان يرتعان في "دبي" أو "القاهرة"!.

لنا أن نستشعر حالات وجود شابة مُحاصرة وسط أربعة جدران، يخوفها أهلها من صورة الرجل، وفجأة يظهر لها الرجل من بين الجدران، يتبادلان الكلمات عندما يوصل الفتاة إلى مدرستها أو جامعتها... تعيش الفتاة ليالي طويلة في غرفة موحشة، وفجأة تسنح الفرصة لها بسفر والديها، فتعرض عليه الحضور إلى غرفتها عندما تنام الشغالة! ومن يدري فقد يكون السائق قد رتب الموضوع أصلاً مع الشغالة التي يُرضيها بشيء "ما"! وهكذا يتم فضُّ خيمة الشرف الرفيع، ويتسلل السائق إلى مخدع البنت ويحصل ما يحصل. ويجوز بعد أن تكتشف الأم علاقة السائق بالفتاة أن تطلب من زوجها تسفيره، مُبررة ذلك بعدة أعذار، فيرحل السائق وتبقى البنت مع عارها وخيبتها مدى الحياة، حتى وإن تزوجت زوجاً "لقطة" أسكنها قصراً مُنيفاً!.

وبنفس الأسلوب، تساهم الزوجة التي تحرم زوجها من المتعة الشرعية، وكونها تترك زوجها في المنزل لساعات طويلة، تساهم في أن يفكر الزوج في الاعتداء أو "التوافق" مع الشغالة - أعرف أن الموضوع مُقزز، لكنه يحدث وحدث، فقد روته لي إحداهن! هذا هو نموذج آخر من نماذج الاعتداء الفيزيائي على الخدم.
طبعاً لا نستطيع تجريم السائق أو الخادمة فقط، بل إن رب الأسرة والأم والبنت - في ظروف عديدة- مسؤولون عن الانحراف هذا.

إن التراكمات الاجتماعية، وعنجهية الوالدين في تأجيل زواج البنت، طمعاً في زوج ذي مواصفات "خمسة نجوم"، هو السبب الرئيسي في هذا الانحراف. كما أن رفض الوالدين لمن قد تحبه البنت وإن كان ضمن "الدرجة السياحية"، هو السبب الثاني في هذه المشكلة. وثالث الأسباب هو حياة الدعة وعدم الاهتمام وإزالة الحواجز بين السائقين والخادمات وبين الأسرة.

نحن نعتقد بأن الأسرة الصالحة لا يمكن أن يؤثر فيها ذلك الانحراف أو يقترب منها، ولكن كيف تكون حياة هذه الأسرة؟ هنالك مجموعة من الأسئلة بودّي لو جاوب عليها أفراد الأسرة.. وهي:

- كم من المرات يقضيها الزوج مع زوجته يتبادلان هموم العائلة وشجونها، ويمارسان دورهما الطبيعي بكل أبعاده؟
- كم من المرات يسافر الزوج ويترك زوجته وعائلته دون رقيب؟

- كم من المرات تجلس الشابة مع الأهل، وتروي لهم ما يحدث لها، وكم من المرات يستمع الوالدان إلى هموم الشابة، ودواخلها.. تلك التي قد تُسمعها للسائق؟

- كم من المرات تترك الزوجة التي تجاوزت الخامسة والأربعين منزلها، حيث تقوم خادمة عمرها لا يتجاوز الثانية والعشرين بخدمة زوجها.. خصوصاً إن كان من أصحاب السهر ولوازمه؟

- كم من المرات سافر فيها الوالدان خارج البلاد وتركا الأولاد مع الخادمة والسائق؟

- كم من المرات ناقشت الزوجة زوجها عن ضرورة أن يعامل الخادمة والسائق معاملة إنسانية ولا يعتدي عليهما بالضرب أو الشتم! إن ذلك السلوك يحدث هزات انتقامية لدى الخادمة أو السائق وبالتالي يفرغ شحناته الإيلامية في الزوج أو الأبناء!.




أعترف، ليس كل الكفلاء ملائكة، وليس كل المكفولين شياطين، ولكن لابد للوالدين من اليقظة والحذر، ولابد لهما من الوقاية قبل حصول المحذور. وإذا جاز لنا أن نختم هذا المقال، الذي نراه مختلفاً بعض الشيء عن اتجاهات الصفحة، رغم أهميته وضرورته، أن ندعو إلى حوار عائلي مباشر بعيداً عن الإعلام والدعوات والتحذيرات المنابرية. حوار يعيد الألفة والاتزان والتوازن بين جميع أفراد العائلة، حوار ليس فيه انتقاص من أحد، أو هجوم على أحد، بل حوار حميمي صافٍ ينقذ الجميع من مساوئ استجلاب الأيدي العاملة، ويجعل الأسرة يداً واحدة في وجه "غوائل" الأفكار الشاردة على القوانين والأخلاق. من هذا الحوار يبدأ طريق المحافظة على الحقوق، وعلى جدران الشرف الرفيع.



المصدر وجهات
  #181  
قديم 11/04/2005, 10:07 PM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Cool

تناقضات رجال الدين

د. كامل النجار

[COLOR=DarkRed]لا شك أن البابا يوحنا بولس الثاني كان رجلاً فريداً في نوعية رجالات الأديان السماوية الذين عرفناهم حتى الآن. كان هذا الرجل داعيةً للسلام والمؤاخاة بين الناس على مختلف مشاربهم وآرائهم، لا يفرّق بين مسلم ومسيحي. وكان من نتائج هذا السلوك احترام الناس في كل القارات لهذا الرجل الداعي للسلام، وظهر هذا جلياً في تشييع جنازته التي حضرها الأمين العام للأمم المتحدة والملوك والرؤساء والساسة ورجالات الدين من جميع أنحاء العالم. ولم يحدث في التاريخ أن اجتمع مثل هذا العدد من الناس على احترام رجلِ دينٍ أو حتى رجلِ دولة. ومن بين الملايين الذين حضروا الجنازة في الفاتيكان والبلايين الذين شاهدوها على شاشات التلفاز، لفت انتباهي حضور بعض العمائم والعقالات العربية الإسلامية بين المشيعين. والغرابة ليست في العمائم ذاتها وإنما في ما تمثله تلك العمائم.
ويظهر التناقض جلياً بين البابا وما تمثله تلك العمائم في أن البابا كان يدعو للتقارب بين الأديان والمذاهب المختلفة، ورغم أن المسيحية، مثلها مثل الإسلام، قد تفرقت إلى عدة كنائس ومذاهب ساد بينها الشقاق والخلاف، إلا أن جنازة البابا جمعت أشتاتهم، كما حاول هو جمعهم في حياته، فحضر جنازته عدد كبير من مسؤولي الكنيسة الأورثوذكسية وترأس البطريرك المسكوني بارتلميوس الأول، بطريرك الإسكندرية، وفدا من الطائفة الاورثوذكسية، فيما أوفد بطريرك موسكو للروم الاورثوذكس ممثلا عنه رئيس قسم العلاقات الدولية في البطريركية المتروبوليت كيريلس. وأوفدت الكنيسة الارثوذكسية اليونانية وفدا برئاسة بطريرك أثينا وكل اليونان، كريستودولوس. كما كان هناك ممثلون من الكنائس الاورثوذكسية الأوكرانية والجورجية والصربية والرومانية والفنلندية والبلغارية والتشيكية والسلوفاكية والقبرصية والبولندية والألبانية والأميركية.
وشارك عدد كبير من ممثلي الكنائس الشرقية غير المرتبطة بسلطة الفاتيكان وبينها بطريرك الكنيسة الأرمنية الاورثوذكسية كراكين الثاني وممثل عن الكنيسة القبطية المصرية، ومثل الأنغليكان أسقف كانتربري روان وليامس، ومثل المجلس المسكوني للكنائس (الذي يتخذ من جنيف مقرا له ويضم الاورثوذكس والانغليكان والبروتستانت) أمينه العام القس سامويل كوبيا. ( الشرق الأوسط 9 أبريل 2005). ورغم الخلاف الأزلي بين الكنيسة الشرقة الأورثوذكسية والكنيسة الكاثوليكية الذي يرجع إلى أيام مؤتمر نيقا في عام 324 ميلادية، إلا أن البابا قد حاول تقريب الكنائس من بعضها البعض، فردوا الجميل بأن حضروا جنازته. وحتى اليهود الذين خذلتهم الكنيسة في أيام محنتهم في ألمانيا ورفضت الاعتذار لهم، واعتذر لهم البابا يوحنا بولس الثاني، أرسلوا وفودهم للتعزية، وكان بين أعضاء الوفد اليهودي الكبير، رئيس المؤتمر اليهودي العالمي إسرائيل سينغر وحاخام روما ريكاردو دي سينيي وسلفه اليو تواف الذي استقبل البابا في كنيس في 1986. ومثل الطائفة اليهودية الفرنسية رئيس المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا روجيه كوكرمان. وحضر كذلك رئيس دولة إسرائيل موشي كاستاف.
وعلى العكس تماماً من البابا يوحنا بولس الثاني نجد رجالات الدين الإسلامي يسعون للتفرقة، فيكفرون كلَ من خالفهم الرأي، فيكفر ابن تيمية وبن باز الشيعة ويبيحوا قتلهم، ويرد الشيعة المعروف بأحسن منه. ويكفّر الاثنان المتصوفين والشيوعيين والعلمانيين ويخرجانهم من حظيرة الإسلام، كأنما الإسلام ملكٌ لهما فقط. ولا يجتمع الاثنان إلا على تكفير هؤلاء وعلى وجوب عدم موالاة الكفار الذين يمثلون 85% من سكان العالم اليوم.
وعلى عكس تسامح البابا كان تزمت رجالات الإسلام ضد موالاة الكفار لدرجة أن ابن تيمية قال إذا أضُطر المسلم إلى الإقامة في دار الحرب لتجارة أو لعلاج وجب عليه إضمار الكراهية لهم في قلبه. وألف ابن القيم كتابا كاملاً تفوق صفحاته ثلاثمائة عن " أحكام أهل الذمة " يذكر فيه: " سئل ابن عباس عن أمصار العرب أو دار العرب هل للعجم أن يحدثوا فيها شيئا فقال أيما مصر مصرته العرب لا يحق لهم فيه إظهار دينهم، قال وسمعت أبي يقول ليس لليهود والنصارى أن يحدثوا في مصر مصره المسلمون بيعة ولا كنيسة ولا يضربوا فيه بناقوس إلا فيما كان لهم صلحا وليس لهم أن يظهروا الخمر في أمصار المسلمين على حديث ابن عباس أيما مصر مصره المسلمون. أخبرنا حمزة بن القاسم وعبدالله بن حنبل وعصمة قالوا حدثنا حنبل قال أبو عبدالله وإذا كانت الكنائس صلحا تُركوا على ما صُولحوا عليه فأما العنوة فلا وليس لهم أن يحدثوا بيعة ولا كنيسة لم تكن ولا يضربوا ناقوسا ولا يرفعوا صليبا ولا يظهروا خنزيرا ولا يرفعوا نارا ولا شيئا مما يجوز لهم فعله في دينهم، يمنعون من ذلك ولا يتركون . قلت: للمسلمين أن يمنعوهم من ذلك؟ قال نعم على الإمام منعهم من ذلك، السلطان يمنعهم من الإحداث إذا كانت بلادهم فتحت عنوة . " ويشدد رجالات الدين على الآيات القرآنية التي تمنع موالاة غير المسلمين، مثل " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم ( المائدة 51). وكانت النتيجة الحتمية لهذا التزمت انتشار الإرهاب في العالم الحديث على أيدي شباب المسلمين مما اضطر الحكومة الإيطالية إلى استنفار كل الجهات التي يمكن أن تساعد بما في ذلك الشرطة والدرك وسلاح البر وسلاح الجو وأجهزة الاستخبارات ورجال الإطفاء وحلف الأطلسي والدفاع المدني وعمال البلدية. وقالت بلدية روما إن أكثر من 20 ألف عامل سيساعدون في هذه التدابير بالإضافة إلى 10 آلاف متطوع في الدفاع المدني. هذا وسيتم نشر حوالي ألف قناص على الأسطح الاستراتيجية في العاصمة في ما أعد المسؤولون الإيطاليون تدابير عسكرية دفاعية. فقد نشرت بطاريات مضادة للصواريخ في محيط العاصمة. كما ترابط قبالة سواحل روما سفينة مجهزة ببطاريات مماثلة. وقدم حلف الأطلسي طائرة رادار من طراز إيواكس بينما ستقوم ثماني طائرات بدوريات مستمرة في سماء العاصمة على أن تزودها طائرة بوينغ 707 بالوقود. ( إيلاف عدد 8 أبريل 2005). كل هذه الاحتياطات لحماية جنازة رجل كان يدعو للسلام من الإرهاب الذي يقوم به الشباب المسلم في الغرب، رغم أن الجنازة قد حضرها الرئيس الإيراني محمد خاتمي والرئيس السوري حافظ الأسد والملك عبد الله الثاني كما شارك أيضا في الجنازة عدد من علماء الدين المسلمين الإيطاليين والبريطانيين والروس والأميركيين. وأوفد كل من جامع الأزهر في القاهرة والمنتدى الإسلامي الدولي للحوار في السعودية ممثلا عنهما ( الشرق الأوسط عدد 9 أبريل 2005).
وهذا الحضور من الأزهر والمنتدى الإسلامي يُظهر التناقض الذي يعيشه رجال الدين المسلمون، ففي الأزهر يُدرّسون الطلبة كُتب ابن تيمية وابن القيم الذي يقول في فصل حكم حضور أعياد أهل الكتاب: " وكما أنهم لا يجوز لهم إظهاره ( يقصد عيدهم) فلا يجوز للمسلمين ممالاتهم عليه ولا مساعدتهم ولا الحضور معهم باتفاق أهل العلم الذين هم أهله .وقد صرح به الفقهاء من أتباع الأئمة الأربعة في كتبهم فقال أبو القاسم هبة الله بن الحسن بن منصور الطبري الفقيه الشافعي ولا يجوز للمسلمين أن يحضروا أعيادهم لأنهم على منكر وزور وإذا خالط أهل المعروف أهل المنكر بغير الإنكار عليهم كانوا كالراضين به المؤثرين له فنخشى من نزول سخط الله على جماعتهم فيعم الجميع نعوذ بالله من سخطه. " ( أحكام أهل الذمة ).
ولا يكتفي فقهاء الأزهر بكراهية حضور أعياد الكفار، فيدرّسون طلبتهم آداب الجنائز التي تقول: " ولا يخفى أن الكلام في موتى المسلمين أما أهل الذمة فإنهم لا يُمّكنون من إخراج جنائزهم نهارا وعلى الإمام منعهم من ذلك كما سيأتي إن شاء الله تعالى في كتاب الجزية . "( مغني المحتاج للخطيب الشربيني، كتاب الجنائز، الباب الأول: مسائل منثورة ). ولا يكفي هذا، فيستمرون: " ولا بأس باتباع المسلم ( بتشديد المثناة ) جنازة قريبه الكافر لأنه عليه الصلاة والسلام أمر عليا رضي الله تعالى عنه أن يواري أبا طالب كما رواه أبو داود. قال الإسنوي كذا استدل به المصنف وغيره وليس فيه دليل على مطلق القرابة لأن عليا كان يجب عليه ذلك كما يجب عليه القيام بمؤنته في حال الحياة . وقد يفهم من كلام المصنف تحريم اتباع المسلم جنازة الكافر غير القريب وبه صرح الشاشي." ( نفس المصدر).
وعليه يكون حضور الأزهر والمنتدى الإسلامي أما رياءً للناس لأنهم يخشونهم، وفي هذه الحالة نقول لهم: " أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين " ( التوبة 9). وأما أن يكون حضورهم بدافع التوبة الصادقة عن معاداة غير المسلم تيمناً بالبابا يوحنا بولس الثاني الذي زار المساجد والكنائس والمعابد اليهودية وحتى الدول الشيوعية مثل كوبا التي زارها في العام 1998، وقال عنه زعيمها فيدل كاسترو : " إنه صديق لا ينسى و مجاهد لا يتعب من اجل الفقراء " . و أعلنت كوبا الحداد الرسمي لثلاثة أيام وتعليق جميع الأنشطة الاحتفالية والرياضية خلال هذه الفترة. ( إيلاف عدد 8 أبريل 2005). فإذا كان الخيار الثاني هو دافعهم لحضور الجنازة رغم كراهية ذلك في الإسلام، فعليهم أن يتحلوا بالشجاعة الكافية ويتبرأوا من المفاهيم المعادية للغير على ساس أن تاريخ صلاحيتها قد مضى ولا يتوجب على المسلمين الآن معاداة غير المسلمين ولا جهادهم، بل يدعونهم بالتي هي أحسن إلى اعتناق الإسلام.
[/COLOR]




المصدر ايلاف
  #182  
قديم 19/04/2005, 09:56 PM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Cool

تجربة التصالح مع الماضي

فهمي هويدي:


من أهم أخبار المراصد السياسية أن منطقة المغرب العربي تتعرض هذه الأيام لرياح منعشة، تدعو إلى “التصالح مع الماضي”، عبر تصفية آثار ما يسمونه “سنوات الرصاص” التي خلت، ومارست السلطة خلالها إرهاباً بحق الناس، ظل مسكوتاً عليه طوال الوقت. وهي تجربة مثيرة ورائدة، تثير العديد من الشجون لدى أمثالنا من المشارقة، للأسباب التي لا تخفى عليك!

(1)

لم أصدق عيني لأول وهلة. ذلك أنه يظل مستغرباً للغاية في العالم العربي بوجه أخص أن يظهر بعض المواطنين على شاشات التلفزيون لكي يتحدثوا أمام جمع من المثقفين السياسيين والنقابيين، والرأي العام بطبيعة الحال، عن العذابات التي تعرضوا لها على أيدي أجهزة الأمن، وفي أقبية السجون والمعتقلات. ساورتني بعض الشكوك في بداية الأمر، وظننت أن المسألة “تمثيلية” جهنمية أريد بها امتصاص غضب الناس. ولكني أدركت بعد ثوان أن المتحدثين من الضحايا وليسوا ممثلين، وأن البرنامج يذيعه التلفزيون المغربي على الهواء مباشرة، كما يبث أيضاً على موجات الاذاعة.

كانوا ستة من المغاربة، تراوحت أعمارهم بين خمسين وسبعين عاماً. وقد روى كل منهم قصته، منذ قذف به في بحر الظلمات، المسكون بالأهوال والمعادل للجحيم، ثم كان من الذين أفلتوا من الموت وخرج إلى النور. وظهورهم هم وأمثالهم على شاشات التلفزيون يتم في إطار الجهد الذي يبذل لإشهار الحقيقة، ضمن حملة “الإنصاف والمصالحة”، التي تستهدف طي صفحة الماضي وإزالة آثار المرارات التي خلفتها عذاباته.

وحتى لا يلتبس الأمر على أحد ويذهب بعيداً في التفاؤل وحسن الظن، ألفت النظر إلى أن عملية المصالحة تجري في بلدين اثنين فقط من بين أقطار المغرب العربي، هما المغرب والجزائر، وأن هناك أقطاراً أخرى لم تبلغها تلك الرياح بعد، لأنها ما زالت محصنة ضد المصالحة. صحيح أن المشهد المغربي يتجاوز الحاصل في الجزائر بصورة نسبية، إلا أن ثمة قواسم مشتركة بين البلدين، منها أن في كل منهما قيادة جديدة تريد أن تغسل يديها مما اقترف من جرائم في ظل القيادة السابقة، وتتطلع لأن تبدأ صفحة جديدة متطهرة من آثار تلك الجرائم. فالرئيس بوتفليقة الذي سعى في ولايته الأولى إلى تحقيق قدر من “الوئام المدني”، يريد في ولايته الثانية والأخيرة أن يطوي صفحة “سنوات الدم” التي عاشتها الجزائر خلال التسعينات. أما الملك محمد السادس فمسؤوليته أكبر، لأنه في محاولته تجاوز ما يسمى في المغرب ب “سنوات الرصاص”، يريد أن يمحو آثار الإرهاب الذي مارسته السلطة منذ الستينات، وحتى وفاة والده الملك الحسن في أواخر التسعينات.

(2)

من كان يتصور مثلاً أن يعلن الرئيس بوتفليقة اعتراف الدولة الجزائرية بمسؤوليتها عن اختفاء أكثر من ستة آلاف مواطن، كانوا ضحايا ممارسات جهاز الأمن الوطني في التسعينات؟ - حسب تصريح المحامي فاروق قسنطيني الذي عينه الرئيس الجزائري رئيساً لمجلس “ترقية حقوق الإنسان”. فإن ذلك الإعلان سيتم خلال الأيام القادمة، بعدما تلقى في الأسبوع الماضي ملفاً من 52 صفحة حول الاختفاءات القسرية التي شهدتها البلاد. وكان الرئيس بوتفليقة قد قرر تشكيل ذلك المجلس في شهر سبتمبر عام ،2003 وأمهل أعضاءه 18 شهراً لتحرير قضية المفقودين والتثبت من مفرداتها، وإيجاد مخرج لإشكالها.

كنت أعلم أن الرئيس الجزائري مهموم بالموضوع، ليس فقط بسبب المظاهرات التي دأبت أمهات المفقودين على تنظيمها كل أربعاء منذ عام ،98 امام مقر “المرصد الوطني لحقوق الإنسان” في العاصمة، وليس فقط بسبب تزايد ضغوط المنظمات الحقوقية في الداخل والخارج لتحديد مصير المختفين، ولكن أيضاً لأن له ابن شقيق اختفى بدوره ولم يظهر له أثر!

سمعت قصة ذلك الشاب من الرئيس بوتفليقة حين التقيته بعد انتخابه الأول في عام ،99 وعلم بها الجميع لاحقاً في إحدى الجولات التي قام بها في مطلع عام ،2000 حين صادف امرأة رفعت صورة ابنها المفقود، وراحت تبكي راجية منه أن يساعدها في العثور على ابنها، فكان تعليقه أنه بدوره يحتاج إلى مساعدة للعثور على ابن شقيقه المفقود!

(3)

المشكلة أكبر في المغرب، لأن “المأساة الوطنية” في الجزائر تكاد تكون محصورة في سنوات منتصف التسعينات. أما مأساة المغرب فتستغرق زمناً أطول بكثير، حيث بدأت عملية تصفية المعارضين السياسيين مع السنوات الأولى للاستقلال. لذلك فإن هيئة الإنصاف والمصالحة التي شكلها الملك محمد السادس في بداية عام ،2004 كان عليها أن تتابع ملف انتهاكات حقوق الإنسان منذ عام ،56 وحتى عام 98. وهو العام الذي يعتبره كثيرون علامة فارقة في الحياة السياسية المغربية، حيث تم فيه تشكيل ما سمي بحكومة “التناوب” التي رأسها لأول مرة سياسي معارض هو عبدالرحمن اليوسفي، القيادي في حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وأريد بها أن تجسد نوعاً من الانفراج السياسي في البلاد.

لا ينسى في هذا الصدد أن أضواء قوية سلطت دولياً على انتهاكات النظام المغربي لحقوق الإنسان منذ عام ،65 الذي اختطف فيه الزعيم المعارض المهدي بن بركة من باريس، وقتل تحت التعذيب هناك، ثم نقلت جثته سراً إلى الرباط، حيث طمست آثاره بتذويب جسده في الحامض. وهي الجريمة التي ثبت ضلوع جهاز الأمن المغربي في ترتيبها، وأدان القضاء الفرنسي عدداً من كبار المسؤولين المغاربة بسببها، وعلى رأسهم وزير الداخلية آنذاك محمد أوفقير.

بسبب الضغوط ذاتها أجري في عام 92 استفتاء على تعديل الدستور نص على ضرورة احترام حقوق الإنسان، أعقبه في عام 94 عفواً عاماً عن المسجونين السياسيين والمنفيين. وفي عام 98 أقدم الملك الحسن على خطوة أخرى جريئة بإتجاه التصالح مع المجتمع، عبر استرضاء أو إغواء المعارضة السياسية، حين عين عبدالرحمن اليوسفي وزيراً أول، أو رئيساً للوزراء. وفي العام ذاته توفي الملك، وتولى السلطة ولي عهده محمد السادس، الذي وجد الطريق مفتوحاً، وتطلع إلى طي صفحة “سنوات الرصاص”، وبدء عهد جديد.

(4)

في الاسبوع الماضي فاز بالجائزة الكبرى لمهرجان تطوان الدولي فيلم “ذاكرة معتقلة” الذي أخرجه وقام بدور البطولة فيه الفنان المغربي الجيلاني فرحاتي. وتدور قصته حول شاب مغربي منحرف، انتهت محكوميته وأطلق سراحه ولكنه كرس نفسه منذ يومه الأول للبحث عن أسرة معتقل سياسي، فقد ذاكرته من جراء التعذيب الذي تعرض له في السجن. والفيلم يعد صدى لحملة المكاشفة وإعلان الحقيقة، وهي الحملة التي أنعشت سوق المنافسة على تسجيل ما جرى خلال تلك الحقبة، وتجاوز الأمر فيه جلسات الاستماع التي تبثها وسائل الإعلام المختلفة.

وقبل أن تدخل السينما إلى الساحة، كانت دور النشر قد أصدرت سيلاً من الكتب التي ألفها الضحايا ورووا فيها معاناتهم داخل السجون الرهيبة. وأثار انتباهي في هذا الصدد كتاب عن “الأجهزة السرية في المغرب”، أحسبه من أخطر ما صدر في الموضوع، ألفه ضابط سابق كان يحتل موقعاً حساساً في المخابرات المغربية هو أحمد بخاري، والكتاب صدر بالفرنسية في عام ،2002 وترجمه حسن اللحية إلى العربية وطبع في الدار البيضاء عام 2003
.

الخليج الاماراتية الثلائاء 12 أبريل
  #183  
قديم 04/05/2005, 09:51 PM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Cool

نانسي عجرم وعمرو خالد في الفضائيات العربية وجهان لوجبة إعلامية واحدة
2005/04/24


عبد السلام بنعيسي


بلغ عدد الفضائيات العربية التي تبث الأغاني المصورة بالفيديو كليب مستوي قياسيا. ينبغي تكوين لجنة من الخبراء في علم النفس والاجتماع والموسيقي، والمختصين في الإعلام والإحصاء، لتحدد لنا بالتدقيق عدد هذه القنوات، ومحتوي ما يروج فيها، من صور، ومن كلمات للأغاني، وللألحان الموسيقية. لاشك أن عدد هذه الفضائيات مرشح للارتفاع. ليس لأن الجمهور يحب الأغاني المقدمة في شاشاتها ويعشقها، ومن باب الاستجابة لرغباته يتم إنشاؤها، وتخصص لها الاعتمادات المالية الكبيرة من خزائن الحكومات العربية.
إنشاء تلك القنوات بهذه الكمية الغزيرة، وبكل هذا الإسهال المتنامي، يتم لأغراض لا تشكل أولوية حقيقية للمشاهد العربي، وإنما ُتعتبر أولوية مركزية بالنسبة لمن ينشئها ويمولها ويرعاها، إذ ما أكثر الحاجيات التي يعبر الجمهور العربي عن رغبته في الحصول عليها، ولكن لا أحد يلتفت إليه، ويهتم به، وبحاجياته ويستجيب لها، بدعوي قلة الإمكانيات المالية وانعدامها، في حين، يقع التركيز علي مثل هذه القنوات، وتنبت كل يوم في الساحة الإعلامية العربية، وكأنها الفطر..
مفردات أغاني الفيديو كليب المقدمة في هذه الفضائيات سطحية وتافهة، ولا تحمل أحيانا أي معان ، والألحان الموسيقية التي تندرج فيها تعتمد علي الصخب والضجيج، وليست من النوع الذي يهذب النفس، ويؤثر بشكل إيجابي في المشاهد. إنها أغان تعتمد علي حركات الجسد التي تقوم بها المطربات أثناء الغناء. فالجمهور لا ينصت إلي أغان مصورة بطريقة احترافية تبرز معاني سامية، وتحث علي قيم نبيلة تهدف إلي إثراء شخصية المشاهد، لجعله مندمجا في النسيج الثقافي للمجتمع، ويعمل من أجل الارتقاء نحو الأفضل بالمجتمع حيث يعيش.
إن المتتبع لهذه الأغاني لا يشاهد إلا أجسادا لفتيات جميلات تتلوي في دلال وغنج أمامه. أجساد شبه عارية لا ترتدي صاحباتها من الملابس، إلا ما يثير الغرائز، ويغري بالإيحاءات الجنسية، وتركز الكاميرا أثناء تصوير هذه الأغاني علي الأماكن الحساسة من أجساد المطربات، مثل الأرداف، والصدور، والشفاه، والرموش.. وواضح أن الفئة المستهدفة بهذه الأغاني تتكون في أغلبيتها المطلقة من الشباب ومن المراهقين والمراهقات تحديدا.
فلماذا هذا الإصرار من جانب صاحب القرار في الميدان الإعلامي العربي علي جعل الساحة العربية مكتسحة بهذا الفيض من الفضائيات المختصة بتقديم أغاني الفيديو كليب علي الطريقة التي نشاهدها؟ ألا يتجاوز الأمر حدود الاستجابة لرغبات جمهور الشباب العربي، إلي العمل علي تنميط ذوقه وتكييفه، لوضعه في هذا القالب المفروض عليه بقوة الإلحاح والتكرار؟ بأي خلفية إيديولوجية يحدث ذلك؟ وهل من المؤكد أن النتيجة ستأتي متطابقة مع الهدف الذي يرمي ويخطط له واضعو هذه الفضائيات والمشرفون علي تدبيج الفلسفة التي تشتغل في سياقها؟
إذا كان المراد من الفضائيات المختصة في بث أغاني الفيديو كليب التصدي للفكر الأصولي المتطرف ومواجهته بين الشباب والمراهقين، فإن من السهولة القول، إن هذه الصيغة في التصدي للأصولية والتطرف، ليست الصيغة الملائمة والفعالة. فآفة التطرف أخطر، وأقوي، وأعقد من أن تواجه باجتهادات بسيطة وسطحية من هذا القبيل، فبإمكان أغاني هذه الفضائيات أن تسحب الشاب العربي لبعض الوقت من واقعه التعيس، وأن تدفعه لكي يحلق في السحاب بعيدا عنه، متخيلا نفسه أميرا في قصر.. ولكنه حتما سيفيق في لحظة ما، من أحلام يقظته، وسيجد نفسه في أتون الواقع الذي حاول الفرار منه عبر الأحلام والتهيؤات، فماذا نحن فاعلون به وقتها؟
وبإمكان هذه الفضائيات أن تخلق شريحة واسعة من المراهقين المفصولين كليا عن واقعهم، ويقضون جل وقتهم هائمين في عالم من صنع خيالهم، ولكنها، بالمقابل، عبر الصور الفضائحية التي تتضمنها الأغاني المقدمة فيها، والفضاءات المترفة التي يتم تصويرها فيها، قد تخلق فئة من الساخطين علي أوضاعهم الاجتماعية البئيسة التي يتلظون بنيرانها، قياسا مع ما يشاهدونه علي شاشات فضائياتهم أثناء متابعتهم لأغنيات الفيديو كليب. قد تؤدي هذه الأغاني، باعتبارها فعلا إعلاميا، إلي حدوث رد فعل معاكس ومخالف لما يبتغيه ويحلم به الساهرون عليها. فالغلو في أي مجال من المجالات ينتج غلوا مضادا له.
لا تقدم الفضائيات المختصة في بث أغاني الفيديو كليب فنا رفيعا يساهم في تهذيب وجدان المراهق العربي، وتهدئته، لتخصيب عقل هذا المراهق، وإعداده ليكون متفاعلا بشكل متعقل مع محيطه. إنها تخاطب غرائزه، وتسطح عقله، وتهيجه، وتجعله مستعدا ليتحول إلي كائن منفصل عن واقعه، ومنفعل، وربما متوتر، وأهوج، ومنساق وراء غرائزه. لسنا أمام أغان لها رسالة فنية راقية، أو تريد إنجاز مجرد ترفيه بريء ومحايد. إننا إزاء حصص تلفزيونية تقوم بشحن مخيال الشباب العربي بصور ورموز ليست في متناوله. وبذلك تتم تغذية الإحباط، والشعور بالعجز لديه. إنها أغاني تهيئ الأرضية المناسبة لانتشار التوتر والتعصب، ثم الأصولية والتطرف في وقت لاحق.
أغاني الفيديو كليب العربية لا تختلف، من حيث الهدف الذي تحققه الرسالة التي تتضمنها، عن بعض الخطب الدينية التي تقدم في البرامج التلفزيونية لبعض القنوات الخليجية علي لسان المشايخ، والفقهاء، ووعاظ الجماعات المتطرفة. وربما، ما تخلفه خطب وإرشادات الداعية عمرو خالد من تأثير انكفائي وانزوائي داخل الذات، وهروب من الواقع المعاش صوب الماضي، وعالم الغيب، عالم الجنة والنار، لا يساوي أي شيء يذكر، أمام ما يفعله دلال وغنج نانسي عجرم علي شاشات الفضائيات حين تقدم أغانيها المصورة عبر الفيديو كليب، فهي أيضا تسحب المشاهد إلي عالم ليس عالمه. إن لهما معا نفس المفعول والتأثير. فنحن أمام وجهين لوجبة إعلامية واحدة، حتي وإن اختلف المذاق، وطريقة الإعداد والتقديم..
لا يعني هذا أننا مع رفع الدعاوي القضائية لإجبار الفضائيات علي عدم تقديم أغاني الفيديو كليب، فأسلوب القمع أسلوب مستهجن، ولا يجدي نفعا، خصوصا في مثل هذه الحالات، فالممكن هو تكثيف حملات التوعية، والتحرك جماهيريا وعبر جمعيات المجتمع المدني لإقناع صاحب القرار الإعلامي بخطورة مثل هذه الأغاني، وتنبيه الأسر والشباب في المدرسة، وفي الجامعة، وفي الأندية.. بالمضار المترتبة علي الإدمان علي استهلاكها بغزارة، وهي علي هذا الشكل المسموم.
بطرس غالي وفنون الطغيان والاستبداد

أعرب بطرس غالي الأمين السابق للأمم المتحدة في الحلقة التي خصصت لتقييم الجمهور لمشاركته في برنامج شاهد علي العصر عن خيبة أمله في المشاهدين العرب، وعبر عن حزنه لكونهم ما زالوا يفكرون بطريقة بدت له أنها متجاوزة، ولم تساير ركب التطورات التي عرفها العالم. والسبب في حزن بطرس غالي يعود إلي كون بعض المشاهدين مارسوا حقهم الإنساني وعبروا عن اختلافهم معه في الرأي، ولم يشاطروه التقييم الذي أجراه للأحداث التاريخية التي تطرق إليها.
لنفترض جدلا أن الأمين العام السابق للأمم المتحدة علي صواب في كون عموم المشاهدين العرب ما زالوا يفكرون بطريقة غير عصرية، وغير سليمة، وليست هي الطريقة التي يتعين عليهم التفكير بواسطتها، فعلي من تقع المسؤولية؟ السيد بطرس غالي كان من الطبقة الحاكمة لعقود طويلة من الزمن، ولقد كانت هذه الطبقة، وما زالت إلي اليوم، تحتكر لنفسها الثروة، والمدرسة، والجامعة، والمسجد، والإعلام.. وكان رأيها هو السائد لوحده دون منازع.
فوزر عدم قدرة عموم المشاهدين العرب علي التفكير بشكل سلمي(إذا وافقنا علي هذا القول) تتحمله الطبقة التي ظلت تحكم العرب لعقود طويلة وفشلت في النهاية في الارتقاء بطريقة تفكير الجمهور العربي إلي المستوي الذي تفكر به باقي شعوب الأرض. فلو كان بطرس غالي طوال حياته في المعارضة وأعرب اليوم عن قلقه من الطريقة التي يفكر بها عموم المواطنين العرب، لقلنا إنه واحد من يا أيها الناس ينتقد عقلية عامة سائدة بقوة، ليس له أي مسؤولية في كونها علي هذا النحو، ولكن الرجل ظل واحدا من الفئة الحاكمة في كل العصور، في عهد عبدالناصر، ثم السادات، وفي عهد مبارك، فلماذا يتبرأ من المسؤولية؟
أخلاقيا لا يجوز ذلك، كما لا يجوز، ديبلوماسيا، ومن منطلقات ديمقراطية، أن يمارس الأمين العام السابق للأمم المتحدة التأنيب والتقريع للمشاهدين، وهو ضيف عليهم في بيوتهم من خلال شاشة التلفزيون، لا لشيء سوي لكونهم عبروا عن اختلافهم معه في الرأي. عندما يأتي رجل السياسة إلي التلفزيون، فإنه يقوم بذلك، لكي يحاور، ويسعي، بالتي هي أحسن، إلي إقناع المخالفين له في الرأي بوجهة نظره ، وإذا تعذر عليه إقناعهم، فإنه يحترم رأيهم وحقهم في الاختلاف معه، ولا يستعمل التلفزيون كأداة ليخاطبهم منه بتعال وفوقية وعجرفة، وكأنه المالك الوحيد لحقائق هذا الكون. فمخاطبة الملايين من المشاهدين بهذه الطريقة من الشاشة الصغيرة، عنوان علي عقلية متشبعة بكل فنون الطغيان، والتسلط، والاستبداد..

سعيد بن زعير وعلي لمرابط والعبث واللامعقول

من الصعب تصور أن المعارض السعودي سعيد بن زعير كان سيتعرض للاعتقال وسيحاكم بخمس سنوات سجنا نافذا لو أن القناة الأجنبية التي ظهر فيها كانت مثلا هي السي. ان. ان أو فوكس نيوز أو سي بي إس . الرجل سجن لأنه خاطب الجمهور العربي عموما والسعودي خصوصا من قناة الجزيرة . فهذه القناة رغم المكانة البارزة التي تحتلها في الساحة الإعلامية الدولية، فإنها تظل مع ذلك في نظر الأسرة الحاكمة في السعودية قناة في ملك قطر الدولة الصغيرة التي ليس لها القدرة علي الضغط الكبير علي آل سعود.
فنفس التصريح الذي أدلي به سعيد بن زعير لقناة الجزيرة وُسجن بسببه، كان قد أدلي به لقناة أمريكية، لما تجرأ أي من أعضاء الأسرة الحاكمة في السعودية وأعطي أمره باعتقاله وإيداعه في السجن، لأن القناة التي سيسجن بسبب التصريح الذي أدلي به لها، ما كانت لتسكت عن ذلك. فمن المؤكد أنها كانت ستجعل من اعتقاله قضية مركزية تجند لها كل طاقاتها، وتعبئ الفاعلين السياسيين في كل أجهزة الدولة بواشنطن للضغط من أجل الإفراج عن الشخص الذي اعتقل لأنه تعامل معها. في كل الأحوال الحكم في السعودية بالسجن علي سعيد بن زعير بخمس سنوات سجنا نافذا لأنه أدلي بتصريح للتلفزيون، لا يوازيه ويضاهيه في العبث واللامعقول، إلا حكم صدر في المغرب، ضد الصحافي علي المرابط يقضي بمنعه من الكتابة لمدة عشر سنوات، والسبب كذلك، تصريح أدلي به لأسبوعية مغربية.



صحافي من المغرب
  #184  
قديم 15/05/2005, 10:29 PM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Cool

عن الاتفاق والاختلاف بين الأديان الإبراهيمية
قرأت بعناية مقالة الإمام الصادق المهدي في الشرق الأوسط بتاريخ 9 أبريل(نيسان) 2005، وهي مقالة تحتاج إلى تعليق عليها نظرا لأن صاحبها شخصية دينية وسياسية معتبرة ومثقف مرموق.

جوهر مقالة الصادق المهدي «أن هناك تنافسا حادا بين الإسلام والمسيحية»، وفي إطار هذا التنافس «فالعيب الأكبر في المسيحية، هو أنها لا تعترف بالإسلام ديناً».

هذا الطرح الذي طرحه الإمام الصادق المهدي هو المشكلة الحقيقية، التي تؤدى الى تراجع الحوار والتفاهم وتعمل على بناء حواجز بين البشر، وكما يقول الراحل البابا يوحنا بولس الثاني: «العالم يحتاج إلى جسور وليس إلى جدران»، وهذا ما حدث في مؤتمر الدوحة، حين طالب الشيخ القرضاوي البابا شنودة بالاعتراف بالإسلام، قبل الحديث عن أي حوار.

هناك بديهات يعرفها الإمام المهدي من أن الأديان عبارة عن قيم Values ومعتقدات Believes، ويمكن أن نضيف بالنسبة للأديان الثلاثة اليهودية والمسيحية والإسلام، أن بينها قيما مشتركة وملامح مشتركة.

من الملامح المشتركة، أنها أديان توحيدية، وأنها أديان إبراهيمية، وأنها أديان كبرى، وأنها أديان عالمية، وأنها أديان كتابية، وأنها أديان نشأت في الشرق الأوسط.

أما القيم المشتركة أو القيم الكبرى في الأديانMacro Values مثل الصدق، والأمانة، والعدل، واحترام الحياة الأدمية والتراحم الانساني.. وغيرها من هذه القيم. فأولاً هي الأساس فيما يتعلق بالحياة المشتركة بين البشر، وهي الأساس لأنها تنعكس على السلوك الإنساني اليومي وتشكله. وهي الأساس الذي يجب أن يجري حولها الحوار الحضاري، لأن ذلك من شأنه بناء جسور جديدة وتعميق القائم منها بدلا من توسيع الفجوات. وهي الأساس لأن المقاصد الأساسية للرسالات هو كل ما يتعلق بالخير والصلاح والعدل ومصلحة البشر.

أما فيما يتعلق بالعقائد، فهي أولا تمثل علاقة شخصية بين الإنسان وخالقه. وهي ثانيا تمثل مرحلة مركبة من التفكير الإنساني، فالمعروف أن شخصية الفرد تبدأ بالميل وتنتهي بالاعتقاد، ومن ثم فإن تغييرالعقيدة عملية شديدة الصعوبة، وإقناع فرد بخطأ أو صدق عقيدته، هو في الأغلب مسألة جدلية عقيمة. وهي ثالثا يجب ألا تخرج من الإطار الفردي إلى المستوى الجماعي، وإلا فستكون محل تصادم مجتمعي وربما كوني. وهي رابعا قد يساء استخدامها في الاستعلاء الديني، ونفي الآخر وتهميشه وعزله واحيانا قتله، وعند الحد الادنى خلق مشاعر سلبية تجاه الآخر المختلف دينيا.

أما إذا تكلمنا عن الاختلافات بين هذه الأديان وردا على ما تناوله الصادق المهدى:

أولا: مسألة عدم الاعتراف هي مسألة متبادلة بين أتباع الأديان الثلاثة، فكل دين ينفي ما بعده ويعترف بما قبله. وحتى مسألة الاعتراف هذه تخضع لمواصفات خاصة جدا، تجعلها في النهاية والواقع تنفيه. فاليهودية لا تعترف بالمسيحية ولا بالإسلام، وما زالوا ينتظرون المسيح القوي القادر على أن يخلصهم من أعدائهم بالمفهوم العسكري. والمسيحية تعترف باليهودية، ولكن اعتراف فى الوقت ذاته أن رسالة المسيح قد تجاوزت اليهودية، وإذا لم يدخلوا المسيحية فمصيرهم الهلاك. الإسلام أيضاً يعترف بما قبله، ولكن بمواصفات خاصة، فإن رسالة النبي محمد هي الرسالة الخاتمة الجامعة، ومن ثم من لا يقبلها لن يرى الجنة، «ومن يبتغي غير الإسلام دينا فلن يقبل منه». وإذا تكلمنا عن المسيحية على سبيل المثال نجد أن الأركان الثلاثة المتفق عليها بين الكاثوليك والبروتوستنت والأرثوذكس هي ألوهية المسيح، وصلبه وقيامته، ووحدة وعصمة الكتاب المقدس، هذه الركائز الثلاثة الأساسية التى تقوم عليها العقيدة المسيحية ينفيها الإسلام. من هنا فإن مسألة النفي في العقائد مسألة متبادلة بين الأديان الثلاثة، ولا ينفرد بها دين دون غيره. واذا كنت تريد من الآخر ان يؤمن بعقيدتك كما هى بكل تفاصيلها، فما معنى الاختلاف أذن؟

ثانياً: حتى صفات الله نفسه، كل دين ركز على صفات معينة لله بما يتماشى مع رسالته، فاليهودية ركزت على الإله المقاتل رب الجنود حامي إسرائيل، وركزت المسيحية على الإله الأب المحب الراعي الفادي للبشرية، في حين ركز الإسلام على الإله القوي الجبار العادل وباقي الأسماء الحسنة المعروفة والتي لا تتضمن صفات الإله، التي جاءت في اليهودية والمسيحية.

ثالثا: وفي العلاقة مع الإله كل دين يؤكد على فكرة نفي الآخر بخلق خصوصية، خاصة بينه وبين الله، فاليهود شعب الله المختار، والمسيحيون هم أبناء الله المفديون المخلصون، والمسلمون هم المصطفون، فالدين عند الله هو الإسلام ومن يبتغي غيره فلن يقبل منه.

رابعا: في تاريخ الأديان الثلاثة ليس لدين أن يستعلي على الآخر فيما يتعلق باستغلال هذا الدين في ممارسة العنف، وقد عانت البشرية معاناة شديدة نتيجة ممارسة العنف والقتل باسم الله فى الأديان الثلاثة.

خامساً: إن الكلام عن الانسجام والتوافق والسلام فى ظل الاحادية الدينية والدين الواحد هو نوع من السرابMirage الذى لم يحدث ابدا منذ فجر التاريخ والى اليوم، شاهدا على ذلك الاقتتال الدامي داخل كل دين على حدة، والذى لم ينته بعد، حتى وقتنا الحاضر.

سادسا: أعتقد أن المسلمين مقصرون بشكل أكبر من غيرهم في إبراز الجانب المتسامح في دينهم فقد أحصى صديقي المفكر الإسلامي أكثر من ألف آية في القرآن تدعو لحرية الرأي والفكر والعقيدة والضمير، وتؤكد على المسؤولية الفردية للإنسان أمام الله، ومع هذا فإن هذا الجانب لا يعرفه إلا القلة.

وخلاصة القول إن المجتمع المعاصر أصبح يحكمه ما يمكن تسميته بـ«الميثاق الإنساني» وهو يعكس عالمية القيم، وخصوصية الثقافة والعقائد الإيمانية، ووحدة الضمير الإنساني. ومن يوافق على هذا الميثاق المفترض يدخل إلى نادي الإنسانية Human Club الرحب والواسع لكل خلق الله أبناء آدم وحواء.

أما الكلام عن من يعترف بعقائد من؟ ولماذا؟ وكيف؟ ومتى؟ وعشرات الأسئلة من هذا القبيل فلا معنى لها ولا قيمة لها داخل هذا النادي الإنساني، وإنما هي فقط أسئلة طرحت آلاف المرات عبر التاريخ الطويل وتسببت في مآسي إنسانية مروعة، وياللأسف يكررها البشر في كل زمان ومكان كأحد أهم أدوات الحشد والقتال والبغض والكراهية.

في الحياة المشتركة بين البشر لا قيمة لإيمان الغير بخصوصيتى العقيدية، ولكن القيمة الأساسية في تقبل الغير لي بمعتقداتى كما هي، وكما أؤمن بها، وألا يؤثرهذا الاختلاف على الاستمتاع بكل ما هو مشترك بين الناس، طالما أن هذه الخصوصية الإيمانية لا تشكل أيديوولوجية عداء تجاه الآخر تسعى لهدم وإفساد كل ما هو مشترك وجميل بين مخلوقات الله



المصدر جريدة الشرق الاوسط
  #185  
قديم 23/05/2005, 07:36 PM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Cool

مستنقع الفساد الإداري

سالم اليامى

أي أمة أو شعب ينتشر فيها الفساد الإداري بنسبة عالية، هي أمة تعاني من انهيار أخلاقي وحضاري مهما ادعت عكس ذلك.



وعندما تنهل الشعوب من فكر ظلامي أحادي متخلف، فإنها بالطبع سوف تغرق في مستنقع الفساد الإداري، لتنتشر الرشوة والواسطة والمحسوبية، كما ينتشر البعوض في سماء الحي منطلقا من بركة ملوثة الماء.

ولكي يتم شرعنة ذلك الفساد الإداري، يقوم الواقع الفاسد، كل حسب بيئته الفئوية الطائفية، بإفساد الوضع الاجتماعي، الصحي، والتعليمي، والمالي، والتربوي، وغيره، متخذا من العلاقة الفئوية تبريرا، يشرع ما يقوم به المرء من فساد إداري، مادام انه يخدم مصلحة الطائفة التي تعتبر ذلك مشرعا من الرب في سبيل خدمة الطائفة ضد الفئات الملعونة الأخرى.

وغالبا ما تكون الفئات الوضيعة في المجتمع الواحد، أكثر فئات المجتمع إفسادا للواقع، حيث تلعب تلك الفئة على وتر الطائفية عبر تمثيلها كل الأدوار التي تحقق لها المصلحة. حيث تمثل دور الطرف المتحالف مع كل الأطراف المتصارعة في المجتمع ودور الطرف المعادي في نفس الوقت. مما يجعلها تستغل ذلك الخلل الكبير لتوسيع رقعة الفساد والاستفادة منه، وتوسيع رقعة العداء أيضا بين الفئات المتصارعة على السلطة والحقوق والواجبات.

وبسبب انتشار الفساد الإداري... يتم تعيين الكثير من المسئولين غير الأكفاء، الذين عبرهم يتم تعيين المزيد من الكفآت غير المؤهلة، ومحاربة الأكفاء من أبناء الوطن. ويتم تبرير ذلك بكتابة التقارير التي تجعل من الطائفية سببا يحارب المبدعين ويبخسهم حقهم في الانتماء لوطن يجب أن يشارك الجميع في بناءه.

الفساد الإداري : مستنقع خطير... يظهر على سطحه كل أنواع الحشرات الضارة بمصلحة الوطن، وأمن الوطن، ومستقبل الوطن. ويختفي تحت ماءه الآسن كل المصادر الرئيسية لتلوث ذلك المستنقع. لكن الفساد الإداري ليس إلا فرعا من فروع المستنقع الرئيسي (الفكر الظلامي الأحادي ) : الذي تتفرع منه روافد المستنقعات الأخرى.

وإذا كان الفكر الظلامي الأحادي يعتبر المصدر الرئيسي لكل المستنقعات المتفرعة، فإن مستنقع الفساد الإداري يعتبر المستنقع الذي يغرق فيه كل الوطن، إذا لم يتم ردمه قبل أن يستفحل المرض الذي تنقله حشرات المستنقع.


وليس الإرهاب إلا أحد الأمراض التي أصيبت بها المجتمعات العربية، وهو أخطر تلك الأمراض، ولكي يتم معالجة مشكلة الإرهاب، على العرب أن يعترفوا بأن الإرهاب مشكلة عربية نمت وترعرعت وسط بيئة عربية ملوثة، يسيطر عليها الصوت الواحد والفكر الواحد والكتاب الواحد والمنهج الواحد والخبر الواحد، ويختفي كل ما يمكن أن يكون مضادا لذلك الواحد.

ليصبح الليل العربي بدون نهار، والمرض بدون علاج، والباطل بدون الحق، والزيف بدون الحقيقة.

ولكي يتم معالجة الإرهاب في المجتمعات العربية، لابد من معالجة المسبب الرئيسي للمرض وهو مستنقع الفكر الظلامي الأحادي الذي يرفض ماعداه، وفتح النوافذ لدخول أشعة الشمس كي تصل إلى الأماكن الموبوءة.

لأنه إذا ماتم ردم مستنقع الفكر الظلامي الأحادي، فانه بلا شك سوف يتم قطع التلوث عن الوصول إلى المستنقعات الأخرى.

أما من يريد أن يحارب النتائج ويترك الأسباب، فانه مثل الذي يريد أن يمنع البعوض عن قرصه وهو لايمانع أن يبقى المستنقع مصدرا لانتشار البعوض كي يقرص غيره.

لكن البعوض، اذا لم يجد طريقا لقرص الغير فلا بد أن يلتهم كل من حوله. وإذا ما عم المرض الوبائي قبل القضاء عليه، فان المجتمع بأسرة مهدد بالموت.



سألني صديق قائلا : لماذا المجتمعات العربية أكثر مجتمعات الدنيا فسادا في كل شيء، بالرغم من أنهم الأكثر من حيث التوجه لأماكن العبادة، ومن حيث الوعظ والإرشاد، والادعاء بأنهم الأقرب إلى الله والحق ؟!



قلت له : بسبب إسرائيل !

ثم ضحكنا معا... حتى كدنا نفجر تل أبيب من الضحك
.



الإرهاب : مرض ناتج عن نقص مناعة المجتمع ضد فيروس التخلف الفكري.

ولكي يتم معالجة المرض : لابد من زيادة مناعة المجتمع بالمزيد من الفكر الحر الذي لايخضع لفئة واحدة تريد أن تتحكم في مصير المجتمع.

دعوا الناس يشربون من ينابيع متعددة، كيلا تكون البركة الآسنة مصدرهم الوحيد للشرب !!



المصدر ايلاف

آخر تحرير بواسطة صقر الخالدية : 23/05/2005 الساعة 07:41 PM
  #186  
قديم 31/05/2005, 05:21 PM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Cool

الواقع العربى الراهن

محمد عابد الجابرى



قال صاحبي: "لما كان مصطلح "المجتمع المدني" يثير من المشاكل ما ذكرت، خصوصا كونه مقابلا أو مناقضا للمجتمع الذي يعتمد الدين كنظام وسلوك، فلماذا لا نستعمل بدله مصطلح "المجتمع الأهلي"، وبدل "مؤسسات المجتمع المدني" مصطلح "المؤسسات الأهلية" أو "الجمعيات الأهلية"، كما تفعل وسائل الإعلام وكثير من الكتاب والمثقفين في مصر، خصوصا وأنت تؤكد مرارا في كتاباتك القولة المأثورة "لا مُشاحَّة في الألفاظ".
فعلا، لا مشاحّة في الألفاظ إذا كانت تدل على نفس المعنى الذي حصل الاتفاق عليه بين المتحاورين. أما إذا كان كل لفظ يحمل وراءه تاريخا مستقلا أو مختلفا، فالمشاحة هنا ضرورية. فعبارة "المجتمع الأهلي" تحيل إلى "الأهل"، وأهل الرجل في اللغة العربية هم "عشيرته وأقاربه"، وفي أوسع معانيها: قومه، بمعنى أهل بلده. وإذا نحن استحضرنا مبدأ "بضدها تتميز الأشياء" فإننا لن نجد مصطلحا مضادا لمصطلح "المجتمع الأهلي" غير ضده على صعيد اللغة وهو "المجتمع الأجنبي"، وهذا ليس هو المقصود عندنا اليوم. ولعلنا نتذكر أنه عندما كانت أقطارنا مستعمرة بالأجنبي لم نكن نعترف بوجوده كـ"مجتمع"، ولم نكن نستعمل للدلالة عليه سوى كلمة واحدة هي "الأجانب"، وبالمقابل كان المستعمر يستعمل للإشارة إلى سكان البلاد الأصليين مصطلحا لا يخفي ما يحمله من معاني القدح، أقصد لفظ "الأهالي". وفي هذا الإطار كانت هذه الكلمة تعني ليس فقط "السكان الأصليين" بل أيضا: "السكان غير المتمدنين"، وقد سموهم في كثير من كتاباتهم "العلمية" بـ"الشعوب المتوحشة" والآن ما زال تعبير "الشعوب المتخلفة" ساريا...

"المجتمع الأهلي" تعبير عربي أصيل، ما في ذلك شك، ولكنه يضم الحاكم والمحكوم، المستبد والعادل، الظالم والمظلوم، المتزمت والمتفتح، المعتدل والمتطرف... فهؤلاء جميعا جزء من الأهل، من القوم. أما عبارة "الجمعيات الأهلية" فهي وعبارة "الجمعيات الخيرية" تحيلان إلى نشاط اجتماعي خيري تطوعي يقوم به أناس خارج أجهزة الدولة وإدارتها، في المدينة كما في البادية، في إطار القبيلة والطائفة، أو خارجهما ولكن دون "البراءة" منهما. هذا في حين أن عبارة "المجتمع المدني" تحمل معنى آخر يجعلها الطرف المقابل لـ"الدولة" من جهة. والطرف المقابل لكل من القبيلة والطائفة والكنيسة من جهة أخرى. ذلك أن لفظ "مدني" هنا لا يحيل إلى "المدينة" بوصفها نظام حياة يختلف عن نظام الحياة في البادية فحسب، بل إنه يحيل أيضا إلى معنى "المواطنة". فـ"المجتمع المدني" هو أولا وقبل كل شيء "مجتمع المواطنين" ولا يحتمل أبدا أن يكون "مجتمع الرعية"، لأن "مجتمع المواطنين" هو النفي لـ"مجتمع الرعية". وعبارة "المجتمع الأهلي" لا تتناقض مع عبارة "مجتمع الرعية" بل هي لها مرادف وتوأم.

وإذا نحن تجاوزنا الآن هذه "المشاحة" في الألفاظ، بعد أن تبينت فائدتها هنا، ونظرنا إلى الواقع العربي، من المنظور التاريخي الحضاري العام، فإننا سنجد أن الأمر يتعلق بعملية تحول حضارية كبرى، عملية انتقال المجتمعات العربية من حضارة البادية والقرية وعقليتها وسلوكها، فضلا عن اقتصادها، إلى حضارة المدينة التي تهيمن فيها الصناعة والتجارة والخدمات العامة. من مجتمع المؤسسة الطبيعية (القبيلة وما في معناها) إلى مجتمع المؤسسة العقلانية، من "المجتمع الأهلي" إلى "المجتمع المدني". ونقطة "الحرج" في عملية التحول هذه هي كونها تتم بوتائر سريعة وعلى مدى واسع جدا، مما يجعلها تتعرض لتقلبات وانتكاسات. ذلك لأن عوامل التحول وبواعثه ليست نابعة فقط من جوف المجتمع بفعل تطور داخلي، كما حدث في أوروبا، بل إنه انتقال أو تحول يتم تحت ضغط حضارة عالمية أغرقت الكرة الأرضية بمنجزاتها وإغراءاتها وآلياتها، ففرضت نفسها كحضارة للعصر كله، كتتويج للمراحل السابقة من التاريخ البشري
من هنا تعاقب النخب الجديدة في العالم العربي - والعالم الثالث عموما - تعاقبا سريعا جدا لا يترك فيه اللاحق للسابق فرصة بسط هيمنته عبر مؤسسات تنشأ بفعل تراكم منجزاته وخبراته وإشباع طموحاته. إن ما يحدث هو أن تعميم معطيات الحضارة الحديثة عبر نشر التعليم ووسائل الإعلام وانتشار السلع وما يرافق ذلك من تعميم الوعي الاجتماعي والسياسي، كل ذلك يستحث الناس، وخاصة الأجيال الجديدة، على التطلع إلى وضعيات ومواقع أفضل وأرقى. فلم يعد ابن الفلاح محكوما عليه أن يكون فلاحا ولا ابن الحداد أن يكون حدادا، كما كان الشأن في الماضي حينما كانت التطلعات الفردية والجماعية مؤطرة داخل مجالات محدودة ومواقع موروثة أبا عن جد. لقد أصبحت المجالات والمواقع مفتوحة كلها بفضل نشر التعليم وانتشار وسائل الإعلام وما يتبع ذلك من تعمق الوعي السياسي والاجتماعي. ولقد قوى هذه التطلعات وأضفى عليها صبغة الممكن القابل للتحقق حاجة دولة الاستقلال إلى الكوادر والموظفين، وبروز حاجات جديدة تتزايد باستمرار. فكان طبيعيا إذن أن تتزاحم النخب وتتعاقب بتزاحم الأجيال الصاعدة وتعاقبها، خصوصا ونسبة المواليد مرتفعة جدا. والنخب ليست في نهاية الأمر سوى مجموعة من أبناء الجيل الواحد، أو الأجيال المتداخلة، تجمع بينهم تطلعات وتحركهم طموحات يضفون عليها صفة الإطلاق فيجعلونها مشروعا مستقبليا للمجتمع كله ويعملون على تجنيد "الشعب" من أجل تحقيقها.

إن عملية كهذه - عملية التحول التاريخي الحضاري الواسع وما يطبعها من تزاحم النخب وتعاقبها السريع - تجعل الانتقال من موقع اجتماعي أو سياسي أو إيديولوجي أمرا ميسورا، تلقائيا : فالحواجز الطبقية والمؤسساتية في مثل هذه الحال تصبح متحركة لينة يمكن القفز عليها بسهولة وبدون أدنى حرج. فالانتقال من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، ومن الفقر إلى الغنى، ومن "خشونة البداوة إلى رقة الحضارة" حسب تعبير ابن خلدون، وتغيير الولاء للشخص أو للحزب واستبدال غطاء إيديولوجي بآخر، كل ذلك يجري مجرى الأمور التي لا ضابط لحركتها مما يفتح الباب أمام جميع الاحتمالات.

وإذن، فدراسة تشكل المجتمع المدني وسير عملية التحول الديمقراطي في الأقطار العربية، دراسة ميدانية وثائقية، لا يمكن أن تلمس مفاصل المجتمع ومفاصله ولا ذبذبات الحراك الاجتماعي فيه، بدون خلفية نظرية تربط الباحث بمعطيات المجتمعات العربية وطبيعة تكوينها وأنواع الصراع فيها واتجاه الحركة داخلها، بدل أن يبقى الباحث الميداني مشدودا إلى مفاهيم وقياسات وتصورات ونماذج تجد خلفيتها النظرية وأساسها الاجتماعي التاريخي في واقع آخر غير الواقع العربي، الواقع الأوروبي/الأميركي بالدرجة الأولى.

أما فيما يخص الآفاق فإنه من الضروري إعطاء الأولوية للجانب الثقافي. وهذا لا يعني جعل الشواغل الفكرية المحض تنوب عن الممارسة السياسية والفعالية الاقتصادية. كلا، إن أولوية الثقافي تعني، في السياق الذي نتحرك فيه، قيام نوع من الإجماع الفكري بين جميع التيارات السياسية والطبقات والفئات والنخب حول قضايا وأهداف وطنية، اقتصادية واجتماعية وثقافية سياسية وقومية، تفرضها الظروف الراهنة على الأمة ككل. إن الأمر لا يتعلق هنا ببرنامج مرحلي لجبهة من القوى، بل بأهداف تاريخية يتطلب إنجازها –كما قلنا مرارا- قيام كتلة تاريخية تضم أكثر ما يمكن من الشرائح والفصائل والنخب، لأنها أهداف لا تستطيع أية طبقة أو فئة أو حزب أو جماعة بمفردها القيام بها وحدها. إن هذا لا يعني أن على جميع المدعوين للانخراط في هذه الكتلة التاريخية أن يتخلوا عن مشاريعهم الأيديولوجية ومدنهم الفاضلة، بل إن كل ما هو مطلوب هو وضع ذلك في موضعه الذي يسمح به الظرف التاريخي. والظرف التاريخي القائم اليوم يفرض نوعا من التأجيل - لمدة قد تطول أو تقصر - لكل طموح إلى التعميم الأيديولوجي الذي يقوم به عادة كل ذي إيديولوجيا، والاتجاه نحو تأسيس وتأصيل عمل جماعي ضمن مشروع للوطن ككل يجعل من المصلحة الوطنية والقومية العليا المرجعية التي تنحني لها جميع المرجعيات الأخرى. ولعل ما يجري الآن في فلسطين، وما قد ينتهي إليه الأمر في كل من العراق ولبنان والسودان ومصر... مؤشر على أن الأمور في العالم العربي قد أخذت تتجه لتدشين مسيرة جديدة، أكثر تلاؤما مع العصر، نحو قيام مجتمع مدني وتحقيق تحول ديمقراطي.


المصدر الاتحاد الاماراتية GMT 1:15:00 2005 الثلائاء 12 أبريل
  #187  
قديم 08/06/2005, 04:00 PM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
إعادة قراءة الموروث الثقافي الإسلامي هو الطريق إلي الإصلاح

إعادة قراءة الموروث الثقافي الإسلامي هو الطريق إلي الإصلاح
2005/03/01

محمد خليفة



أوردت وكالـة الأنبـاء الفرنسيـة حديثـاً للمفكـر القطـري الإسلامي الدكتور عبد الحميد الأنصاري، دعا فيه إلي العمل علي إزالة القدسية عن تاريخ صحابة الرسول محمد بن عبد الله (ص) وإلي نبذ التعصّب الطائفي بين المسلمين، وأيضاً نزع القداسة عن التاريخ الإسلامي لأنه تاريخ بشر يصيبون ويخطئون.
والواقع أن هذه الدعوة التي أطلقها الدكتور عبد الحميد الأنصاري هي الأولي من نوعها في العالمين العربي والإسلامي، وهي تستحق التأمل والتفكير، لأن الغيورين علي هذه الأمة لا بد أن يتعاملوا مع الأحداث العظام التي تعصف بهذه الأمة التي فقدت بوصلتها وأصبحت تمشي خبط العشواء في ظل غياب قراءة واعية ومنطقية للتاريخ العربي والإسلامي.
هذا التاريخ الذي كان أكثره تاريخ دماء وحروب، وكان أقلّه تاريخ سلم وأمن، ولم يختلف الأمر علي العرب في الجاهلية عنه ما بعد الجاهلية. ففي الجاهلية ابتليت العرب بحروب كثيرة ومدمرة لعل أهمها حرب البسوس وداحس والغبراء.
وأما بعد الجاهلية، فإن العرب ابتليت بما هو أعظم من الحروب ألا وهي الفتنة (والفتنة أشد من القتل) فلم يكد الرسول محمد (ص) ينتقل إلي الرفيق الأعلي حتي نشب الخلاف بين المسلمين حول موضوع الخلافة.
وكان هذا الخلاف الشرارة التي أدخلت المسلمين في فتنة ما زالوا إلي الآن يعانون من آثارها وترسباتها. والخلافة لغةً هي ما يجيء من بعد، كأن يقال، هو خلف صدق من أبيه، وتأتي بمعني النيابة كما في الآية (اخلفني في قومي) (الأعراف 142) وأما الخلافة اصطلاحاً، فقد ذُكرت في القرآن لتعبِّر عن اصطفاء الله سبحانه وتعالي من ينوب عنه، ويقوم مقامه في تحمّل مسؤولية إعمار الأرض وتسخير مقدراتها وخيراتها من أجل السير بالبشرية نحو سعادتها الحقيقية كما في قوله تعالي : وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة (البقرة 30) وقوله تعالي: فنجيناه ومن معه في الفلك وجعلناهم خلائف وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا (يونس 73). والخلافة بالمعني المتعارف عليه إسلامياً هي خلافة النبي محمد (ص) في شؤون المسلمين.
والخلافة هنا تقف عند حدّ تدبير شؤون المسلمين الدينية والدنيوية فقط، وهي لا تصل إلي خلافة النبي بالنبوة لأن النبوة انقطعت بغياب النبي. وقد انقسمت الأمة بسبب الخلافة إلي فرقتين رئيسيتين هما : أهل السنّة والشيعة، وإلي فرق ثانوية أخري أهمها : الخوارج والمعتزلة. ولما كان التاريخ الإسلامي تاريخ سجال بين الطائفتين الرئيسيتين، لذلك وجب التركيز علي الحديث عنهما فقط. فالسنّة لغة، هي الطريقة أو نمط الحياة، أما السنّة اصطلاحاً، فهي كل ما روي عن النبي محمد من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خلقية أو خُلُقية، فيكون المعني الظاهري أو المفهوم المجرّد لكلمتي (أهل السنّة) الأتباع الذين يقتدون بالسنّة النبوية المطهرة. وأما أهل السنّة المصطلح المتداول بين الناس، فهو تسمية لفرقة إسلامية كبيرة يعتقد أتباعها بأركان الإسلام الخمسة وهي : الشهادتان، والصلاة، والصيام، والحج، والزكاة. وبأركان الإيمان الستة وهي : الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشرّه. ويري أهل السنّة أن الله سبحانه وتعالي اختار واصطفي الصحابة ليكونوا حملة الرسالة وحفظتها ومعلميها بعد رحيل المصطفي (ص) إلي الأجيال اللاحقة، لأنهم ـ كما يرونهم ـ كانوا جميعاً في أعلي درجات الصلاح والتقوي ولا يجوز نقدهم أو مجرّد الشك بصحة أو صدق ما يروونه من حديث رسول الله (ص). وأما التشيّع لغة، فهو من المشايعة أي المناصرة والموالاة، والشيعة هم الأتباع والأنصار المجتمعون علي فكر واحد وموقف واحد، وقد استخدم اللفظ في القرآن بمعني المناصرة والموالاة كما في قوله تعالي (وإنَّ من شيعته لإبراهيم) (الصافات 83) وقوله تعالي (ودخل القرية علي حين غفلة من أهل فوجد فيها رجلان يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه) (القصص 15). وأما الشيعة اصطلاحاً، فهي الفرقة التي يعتقد أتباعها بنفس أركان إسلام وإيمان أهل السنّة، ولكن باختلافات طفيفة في تفاصيل بعضها. ولكن ما ميّز الشيعة عن أهل السنّة بصورة رئيسية، هو نظرتهم للخلافة والإمامة كركن هام من أركان الاعتقاد. ويعتقد الشيعة أن الله اختار واصطفي أهل البيت ليكونوا حملة وحفظة الرسالة الإسلامية إلي الأجيال اللاحقة بعد رحيل النبي. وهكذا، فإن الخلاف الرئيسي بين أهل السنّة والشيعة هو حول الصحابة وأهل البيت. فكما أن أهل السنّة ألبسوا الصحابة لباس القداسة ومنعوا نقدهم أو الطعن فيهم. فكذلك فعل الشيعة عندما ألبسوا آل البيت لباس القداسة، وقالوا بعصمتهم. ولا شك أن الرأيين (السنّي والشيعي) في النظر إلي الصحابة وآل البيت، فيه مغالاة كثيرة وبُعد عن الواقع، لأن الطائفتين قامتا بتقديس بشر يصيبون ويخطئون، وبتقديس بشر تقاتلوا مع بعضهم وقتلوا بعضهم كما في حادثة مقتل عثمان، وفي حرب الجمل. والواقع أن الأحاديث المنسوبة زوراً إلي الرسول، لعبت دوراً في تثبيت قداسة الصحابة وأهل البيت في أجيال الأمة الإسلامية. فمن هذه الأحاديث مثلاً ما رواه أنس بن مالك عن الرسول أنه قال : من سبَّ أحداً من أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، ومن عابهم أو انتقصهم فلا تواكلوه ولا تشاربوه ولا تصلّوا عليه . وكذلك حديث العشرة المبشّرين بالجنة، والذين منهم علي وطلحة والزبير، وهؤلاء الثلاثة تقاتلوا في حرب الجمل، حيث قُتل كلٌّ من طلحة والزبير في هذه الحرب، فهل يُعقل أن يكون القاتل والمقتول في الجنّة؟ إن هذه الأحاديث وأمثالها الكثير ساهمت في تلبيس الأمر علي المسلمين، ودفعتهم إلي التنابذ والتقاتل مخالفين قوله تعالي (وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) (الأنفال46)، لكن المسلمين لم يمتثلوا لذلك فأصبحوا آخر الأمم في الأرض. ولعل المطلوب الآن هو إعادة قراءة الموروث الثقافي الإسلامي، وإعادة قراءة التاريخ الإسلامي ولاسيما تاريخ صدر الإسلام بشكل عقلاني وبعيداً عن التعصّب المقيت لأنه بغير ذلك سوف يبقي الجهل والتخلّف يسيطران علي هذه الأمة، وسوف تبقي هذه الأمة عاجزة عن اللحاق بالأمم الأخري، وبالتالي ستكون عُرضة لمزيد من التهميش والإذلال.


كاتب من الإمارات



القدس العربى
  #188  
قديم 14/06/2005, 12:50 PM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Cool

إعادة قراءة الموروث الثقافي الإسلامي هو الطريق إلي الإصلاح
2005/03/01



محمد خليفة


أوردت وكالـة الأنبـاء الفرنسيـة حديثـاً للمفكـر القطـري الإسلامي الدكتور عبد الحميد الأنصاري، دعا فيه إلي العمل علي إزالة القدسية عن تاريخ صحابة الرسول محمد بن عبد الله (ص) وإلي نبذ التعصّب الطائفي بين المسلمين، وأيضاً نزع القداسة عن التاريخ الإسلامي لأنه تاريخ بشر يصيبون ويخطئون.
والواقع أن هذه الدعوة التي أطلقها الدكتور عبد الحميد الأنصاري هي الأولي من نوعها في العالمين العربي والإسلامي، وهي تستحق التأمل والتفكير، لأن الغيورين علي هذه الأمة لا بد أن يتعاملوا مع الأحداث العظام التي تعصف بهذه الأمة التي فقدت بوصلتها وأصبحت تمشي خبط العشواء في ظل غياب قراءة واعية ومنطقية للتاريخ العربي والإسلامي.
هذا التاريخ الذي كان أكثره تاريخ دماء وحروب، وكان أقلّه تاريخ سلم وأمن، ولم يختلف الأمر علي العرب في الجاهلية عنه ما بعد الجاهلية. ففي الجاهلية ابتليت العرب بحروب كثيرة ومدمرة لعل أهمها حرب البسوس وداحس والغبراء.
وأما بعد الجاهلية، فإن العرب ابتليت بما هو أعظم من الحروب ألا وهي الفتنة (والفتنة أشد من القتل) فلم يكد الرسول محمد (ص) ينتقل إلي الرفيق الأعلي حتي نشب الخلاف بين المسلمين حول موضوع الخلافة.
وكان هذا الخلاف الشرارة التي أدخلت المسلمين في فتنة ما زالوا إلي الآن يعانون من آثارها وترسباتها. والخلافة لغةً هي ما يجيء من بعد، كأن يقال، هو خلف صدق من أبيه، وتأتي بمعني النيابة كما في الآية (اخلفني في قومي) (الأعراف 142) وأما الخلافة اصطلاحاً، فقد ذُكرت في القرآن لتعبِّر عن اصطفاء الله سبحانه وتعالي من ينوب عنه، ويقوم مقامه في تحمّل مسؤولية إعمار الأرض وتسخير مقدراتها وخيراتها من أجل السير بالبشرية نحو سعادتها الحقيقية كما في قوله تعالي : وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة (البقرة 30) وقوله تعالي: فنجيناه ومن معه في الفلك وجعلناهم خلائف وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا (يونس 73). والخلافة بالمعني المتعارف عليه إسلامياً هي خلافة النبي محمد (ص) في شؤون المسلمين.
والخلافة هنا تقف عند حدّ تدبير شؤون المسلمين الدينية والدنيوية فقط، وهي لا تصل إلي خلافة النبي بالنبوة لأن النبوة انقطعت بغياب النبي. وقد انقسمت الأمة بسبب الخلافة إلي فرقتين رئيسيتين هما : أهل السنّة والشيعة، وإلي فرق ثانوية أخري أهمها : الخوارج والمعتزلة. ولما كان التاريخ الإسلامي تاريخ سجال بين الطائفتين الرئيسيتين، لذلك وجب التركيز علي الحديث عنهما فقط. فالسنّة لغة، هي الطريقة أو نمط الحياة، أما السنّة اصطلاحاً، فهي كل ما روي عن النبي محمد من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خلقية أو خُلُقية، فيكون المعني الظاهري أو المفهوم المجرّد لكلمتي (أهل السنّة) الأتباع الذين يقتدون بالسنّة النبوية المطهرة. وأما أهل السنّة المصطلح المتداول بين الناس، فهو تسمية لفرقة إسلامية كبيرة يعتقد أتباعها بأركان الإسلام الخمسة وهي : الشهادتان، والصلاة، والصيام، والحج، والزكاة. وبأركان الإيمان الستة وهي : الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشرّه. ويري أهل السنّة أن الله سبحانه وتعالي اختار واصطفي الصحابة ليكونوا حملة الرسالة وحفظتها ومعلميها بعد رحيل المصطفي (ص) إلي الأجيال اللاحقة، لأنهم ـ كما يرونهم ـ كانوا جميعاً في أعلي درجات الصلاح والتقوي ولا يجوز نقدهم أو مجرّد الشك بصحة أو صدق ما يروونه من حديث رسول الله (ص). وأما التشيّع لغة، فهو من المشايعة أي المناصرة والموالاة، والشيعة هم الأتباع والأنصار المجتمعون علي فكر واحد وموقف واحد، وقد استخدم اللفظ في القرآن بمعني المناصرة والموالاة كما في قوله تعالي (وإنَّ من شيعته لإبراهيم) (الصافات 83) وقوله تعالي (ودخل القرية علي حين غفلة من أهل فوجد فيها رجلان يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه) (القصص 15). وأما الشيعة اصطلاحاً، فهي الفرقة التي يعتقد أتباعها بنفس أركان إسلام وإيمان أهل السنّة، ولكن باختلافات طفيفة في تفاصيل بعضها. ولكن ما ميّز الشيعة عن أهل السنّة بصورة رئيسية، هو نظرتهم للخلافة والإمامة كركن هام من أركان الاعتقاد. ويعتقد الشيعة أن الله اختار واصطفي أهل البيت ليكونوا حملة وحفظة الرسالة الإسلامية إلي الأجيال اللاحقة بعد رحيل النبي. وهكذا، فإن الخلاف الرئيسي بين أهل السنّة والشيعة هو حول الصحابة وأهل البيت. فكما أن أهل السنّة ألبسوا الصحابة لباس القداسة ومنعوا نقدهم أو الطعن فيهم. فكذلك فعل الشيعة عندما ألبسوا آل البيت لباس القداسة، وقالوا بعصمتهم. ولا شك أن الرأيين (السنّي والشيعي) في النظر إلي الصحابة وآل البيت، فيه مغالاة كثيرة وبُعد عن الواقع، لأن الطائفتين قامتا بتقديس بشر يصيبون ويخطئون، وبتقديس بشر تقاتلوا مع بعضهم وقتلوا بعضهم كما في حادثة مقتل عثمان، وفي حرب الجمل. والواقع أن الأحاديث المنسوبة زوراً إلي الرسول، لعبت دوراً في تثبيت قداسة الصحابة وأهل البيت في أجيال الأمة الإسلامية. فمن هذه الأحاديث مثلاً ما رواه أنس بن مالك عن الرسول أنه قال : من سبَّ أحداً من أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، ومن عابهم أو انتقصهم فلا تواكلوه ولا تشاربوه ولا تصلّوا عليه . وكذلك حديث العشرة المبشّرين بالجنة، والذين منهم علي وطلحة والزبير، وهؤلاء الثلاثة تقاتلوا في حرب الجمل، حيث قُتل كلٌّ من طلحة والزبير في هذه الحرب، فهل يُعقل أن يكون القاتل والمقتول في الجنّة؟ إن هذه الأحاديث وأمثالها الكثير ساهمت في تلبيس الأمر علي المسلمين، ودفعتهم إلي التنابذ والتقاتل مخالفين قوله تعالي (وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) (الأنفال46)، لكن المسلمين لم يمتثلوا لذلك فأصبحوا آخر الأمم في الأرض. ولعل المطلوب الآن هو إعادة قراءة الموروث الثقافي الإسلامي، وإعادة قراءة التاريخ الإسلامي ولاسيما تاريخ صدر الإسلام بشكل عقلاني وبعيداً عن التعصّب المقيت لأنه بغير ذلك سوف يبقي الجهل والتخلّف يسيطران علي هذه الأمة، وسوف تبقي هذه الأمة عاجزة عن اللحاق بالأمم الأخري، وبالتالي ستكون عُرضة لمزيد من التهميش والإذلال.


كاتب من الإمارات

القدس العربى
  #189  
قديم 14/06/2005, 05:21 PM
صورة عضوية السيناتورالكبير
السيناتورالكبير السيناتورالكبير غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/04/2005
الإقامة: ◊◄جُـنح الإبـاء►◊
المشاركات: 7,943
بارك الله فيك ايها الصقر..
  #190  
قديم 21/06/2005, 12:03 AM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Cool

حرية الفنان وتقليدية المتلقي


د. حسن حنفي


انتشر خبر مقتل السينمائي الهولندي "فان جوخ" المعاصر على يد أحد المسلمين الغاضبين لأنه أخرج فيلماً غاضباً عن المرأة في الإسلام، يكرر فيه ما قيل عشرات المرات في الموضوع من مستشرقين غربيين بل ومن بعض المفكرين والكتاب العرب والمسلمين. فهذه ليست أول مرة يتعرض الإعلام والفن في الغرب لهذا الموضوع. بل إن الغرب وضعه بنداً في مشروع "الشرق الأوسط الكبير" وسماه "الجندر". وموّل معظم بحوث المرأة في الوطن العربي. وأفسح في إعلامه للنساء الكاتبات اللاتي ينقدن وضع المرأة العربية والإسلامية في الثقافة والمجتمع والتاريخ. وأيد الحركات النسوية. وهي قضية داخلية أيضا عرضها الإصلاحيون فيما يسمى الآن بقانون الأحوال الشخصية فيما يتعلق بشروط الطلاق، وتعدد الزوجات، والحضانة، والجنسية. بل تساءل البعض عن قضايا الشهادة والميراث والحجاب بعد أن نالت المرأة حقها في التعليم والعمل والمشاركة الاجتماعية والسياسية. وهي قضايا اجتهد فيها بعض القدماء. وتابعهم بعض المحدثين. فقد تغير الواقع، وتوقف الاجتهاد. فنشأت الأزمة. والغرب ينتظر التجريح والتشويه طعنا في الثقافة ليبرر عدوانه علينا، والتدخل في شؤوننا باسم الدفاع عن حقوق الإنسان، وحقوق المرأة، وحقوق الطفل، وحقوق الأقليات، وحرية الأديان.لقد تعود الغرب على الفن الملتزم، وتأكيد دور الفن في قضايا التغير الاجتماعي. فالفن للحياة. وهي المدرسة التي اعتززنا بها في فننا وأدبنا الحديث. كما تعود الغرب على حرية التعبير كحق من حقوق الإنسان الطبيعي، حرية التفكير أولا ثم حرية التعبير ثانياً. وقام بأكبر نقد اجتماعي وفني وسياسي لماضيه وحاضره. بل نقد تراثه ودينه، وسخر من عقائده ورموزه الدينية. وأخرج الأفلام عن السيد المسيح مثل "يسوع المسيح سوبر ستار" يجعله من المغنين الجدد "الهيبيز"، عاشقا للحياة، وأحب مريم المجدلية. كما نقد ديدرو في "الراهبة" حياة الرهبنة التي لا تتفق مع الإحساس بالحياة. بل لقد وضع الغرب أسطورة أنه وحده حضارة النقد والرفض في حين أن حضارات الغير هي حضارة التسليم والتبرير.والمتلقي عندنا تقليدي. مازال يحرم التصوير، وعرض الأنبياء بل والصحابة كموضوعات للفن في التصوير أو السينما. فلا يجوز التشخيص. بل إن البعض مازال متأثرا ببعض فتاوى القدماء في تحريم الفن عموما، الموسيقى والغناء، والتصوير خصوصا. ومازالت الاتجاهات المحافظة ترفض أي اجتهاد جديد يُضاف إلى اجتهاد القدماء. فباب الاجتهاد قد أغلق، ولم يترك السلف للخلف شيئا، وليس في الإمكان أبدع مما كان. ولم نتحمل رواية مثل "الآيات الشيطانية" لأديب مغمور جعلناه مشهورا بفتوى قتله لأنه طعن في الأنبياء والصحابة وآل البيت. وكانت انتفاضة الحجارة في ذروتها. فخسرنا باليمين ما كسبناه باليسار، خطوة إلى الإمام وخطوتان إلى الخلف. وما كان يعمل له المصلحون باستمرار دفاعا عن الإسلام، حضارة، وثقافة، وحرية، واحتراما للغير، خسرناه في غمضة عين. وأكدنا الصورة المشبوهة للإسلام في أجهزة الإعلام الغربية عن تخلفنا، وأننا ضد الرأي الآخر وحرية الاعتبار. وأصبح الغرب هو الحامي لقيمنا التي عليها أقمنا الحضارة الإسلامية في دمشق وبغداد والقاهرة والقيروان والزيتونة والقرويين والأندلس وسمرقند وطشقند وبخاري. وهاجر المفكرون والمبدعون من الوطن العربي والعالم الإسلامي خارج الأوطان. وتركوا مصر وسوريا وبنجلادش وباكستان وإيران بحثا عن حرية التفكير والتعبير في الغرب. فالغرب يفكر ونحن نكفّر. فكيف نفكر في زمن التكفير؟ ووضعنا الحراس على أبواب مفكرينا وأدبائنا خشية من اغتيال المتعصبين المتشددين.ولم تكن هذه سنة القدماء بل كان طريقهم هو الحوار والنقاش والرد كما فعل أئمة أهل السنة مثل ابن تيمية في "الرد على المنطقيين"، "نقض المنطق"، "الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح"، والرد على الشيعة والقدرية. وكما فعل الغزالي في "الرد الجميل على من بدل التوراة والإنجيل"، والباقلاني في "التمهيد في الرد على المعطلة والجهمية"، والعلاف في "الرد على ابن الراوندي الملحد" وغيرها من الردود. بل امتد التقليد إلى الشعراء في مناقضات جرير والفرزدق. وأصبح الخلاف عند الأصوليين موضوع علم مستقل هو علم الخلافيات، وعلم التعارض والترجيح. وانتهوا إلى أن الحق متعدد، وكل الآراء صائبة، "للمخطئ أجر وللمصيب أجران". صحيح أن تاريخنا أيضا مملوء بالغضب: ذبح الجعد بن درهم، ومأساة ابن المقفع، وصلب الحلاج، وقتل السهروردي، وشنق سيد قطب وغيرهم من الشهداء إلا أن الغاية كانت سياسية خالصة. فقد كان الجعد بن درهم من أوائل المعتزلة الذين عارضوا الحكم الأموي، وابن المقفع من الذين طالبوا بمساواة العجم بالعرب، والحلاج لأنه شارك في وقاد ثورة القرامطة، والسهروردي لأن صلاح الدين كان يخشى على النضال ضد الصليبيين من محبة الصوفية التي قد تدفعهم إلى موالاة الأعداء.وصحيح أيضا أن الغرب سقط منه "شهداء" الفكر. فقد أجبر سقراط على شرب السم لاتهامه بالسخرية من آلهة اليونان وإفساد أخلاق الشباب. وحكم على كثير من المعارضين للسيطرة الكنسية الرومانية في عصر الآباء على حرية الاعتقاد بالهرطقة والكفر. وحرق أموري البيني لأنه كان يقول بوحدة الوجود. وقتل العديد من المفكرين الأحرار في عصر النهضة، توماس مور لأنه تصور مدينة فاضلة خالية من الظلم والقهر، وجيوردانو برونو لأنه دافع عن مركزية الشمس ودوران الأرض حولها. وكانت المقصلة مصير كل المعارضين في الثورة الفرنسية في عصر الإرهاب مثل ميرابو ودانتون وغيرهما. وطُعن اسبينوزا بالسكين لأنه أنكر العهد الخاص بين الله وبني إسرائيل مدافعا عن ميثاق أخلاقي عام للبشر جميعا، ميثاق الطاعة والتقوى والعمل الصالح. ثم تغير الغرب في عصوره الحديثة بعد إعلان حقوق الإنسان وإن كان مازال يخترق حقوق الشعوب.إن خطورة الوضع في هولندا هي في العنف والعنف المضاد. قتل المخرج السينمائي كفعل وحرق المدرسة الإسلامية كرد فعل، وتضييق الدولة الخناق حول حريات المسلمين وإقامتهم والهجرة إليها بعد أن بلغوا المليون ووصلوا إلى أعلى المناصب. ويأتي الفيلم في هولندا بعد الحجاب في فرنسا، والبقية تأتي. واليمين الأوروبي في تصاعد. والمحافظة الجديدة في أميركا كسبت الرهان. والعداء للإسلام والمسلمين مازال مستمرا منذ حوادث واشنطن ونيويورك منذ ثلاثة أعوام. و"صراع الحضارات" مازال يعطي الضوء الأخضر للخلاص من حضارات التخلف والعنف وكراهية الآخر، ورفض الحداثة. وقد تكون الغاية القصوى الخلاص من الإسلام والمسلمين في الغرب بعد أن أصبح الإسلام الدين الثاني في أوروبا بعد المسيحية، والدين الثالث في أميركا بعد اليهودية. والكل يخشى أن تصبح أوروبا الغربية بعد أوروبا الشرقية وروسيا بل وإسرائيل دولا إسلامية في غضون قرن من الزمان، أقل أو أكثر. فمن الآن يأتي الاضطهاد، وتخرج الدعوات لطرد المهاجرين بعد الحد من الهجرات. بين المسلمين والغرب مسافة زمنية تبلغ خمسة قرون. فالغرب في آخر عصوره الحديثة ونحن في بداية عصورنا الحديثة. ومازلنا نحاول إنهاء عصورنا الوسيطة، القهر والتسلط كما أغلق الغرب عصوره الوسطى ومحاكم التفتيش. ومن ثم لزم الإسراع في العبور التاريخي، وفك حصار الزمن حتى ننعم بالحرية في الداخل والخارج. ولا يوجد حل للعنف المتبادل إلا الفهم المتبادل، ووضع كل طرف في إطاره الزمني ومرحلته التاريخية، ثم فك حصار الزمن واللحاق بمسار التاريخ.هذه محاولة لفهم ما حدث وليس تبريراً له. ومجموع الخطأين لا يكوّن صواباً.


المصدر وجهات
  #191  
قديم 24/06/2005, 11:30 PM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Thumbs up

العلمانية العربية بين المقدّس والمسدس

فرانسوا باسيلي








هل الاسلام هو الحل ؟


" الاسلام هو الحل " كان هو الشعار الذي رفعته حركة الاسلام السياسي في مصر في السبعينات والثمانيات من القرن الماضي. وكنت تري اللافتات الضخمة تحمل هذا الشعار في مختلف الاحياء الشعبية في القاهرة والمدن المصرية الاخري، واصبح الشعار هو – في جملة واحدة – البرنامج السياسي – الديني – الذي تطرحه حركة الاسلام السياسي للشارع العربي – ابتداءً من مصر، مهدها ومنبعها الاساسي، وحركة الاسلام السياسي هذه تضم كبري الحركات الاسلامية واقدمها – وهي جماعة الاخوان المسلمين، بالاضافة الي من خرج من تحت جلبابها من جماعات اخري اكثر تشددا وتطرفا مثل جماعة الجهاد وجماعة التكفير والهجرة وغيرها.
وتحت ثقل الشعار الديني المطروح، والجماعة التي تقف وراءه، وبتأييد ضمني من اكبر رأس في البلد في ذلك الوقت – الرئيس السادات – الذي اعلن انه رئيس مسلم لدولة مسلمة – ولقب نفسه بالرئيس المؤمن "- وكأن من كان قبله من رؤساء لم يكونوا مؤمنين ولا مسلمين !!- تحت ثقل هذا كله لم يجرؤ احد في مصر علي مناقشة – مجرد مناقشة – هذا الشعار المطروح ووضعه تحت مجهر التفكير النقدي العقلاني لفهم معناه او جدواه او مداه.
وكعادة حالات الهوس الديني التي تصيب الافراد والمجتمعات فقد راحت الحالة الدينية في مصر في تلك الحقبة تتفاقم بالتدريج، اذ ان المهووس دينيا لا يشبعه سوي مزيد من الهوس، وعليه فقد راح التمسك الديني يتحول تدريجيا الي تشدد ديني... ثم يتحول التشدد الديني تدريجيا الي تطرف ديني.. وعندها يبدا المقدس في الامساك بالمسدس، وهو ما حدث فعلا بدءاً باغتيال الرئيس المؤمن نفسه، الذي لم يعد ايمانه يكفي هذه الجماعات التي انقطعت عن العالم والعصر تماما – كعادة المتهوس دينيا – وراحت تعيش في كهوف الأسلاف متوهمة ان هذه هي اعلي مراتب التقوي، وراحت تكفر كل من لا يعود معها الي تلك الكهوف.. فقامت بتكفير الدولة والمجتمع والنظام والثقافة والفنون والعلوم ورجال الدين المسلمين انفسهم وبالطبع الاقباط مع او قبل هؤلاء جميعا.
وكان الخطأ الاعظم لنظام السادات ثم مبارك من بعده هو مجابهة هذه الجماعات مجابهة امنية فقط دون اي مجابهه فكرية قوية تدحض فكرهم المتطرف البعيد عن الواقع والحياه والانسان..دون ان تطرح في الساحة فكرا بديلا ومشروعاً مقابلا.. فليس بالمسدس وحده يمكنك ان تتصدي لتطرف المقدس ولمسدسه، فهو لا يحاربك بالمسدس فقط وانما يحاربك بالمسدس الملفوف في ورق المقدس.. فهو يحارب بالشعار بقدر ما يحارب بالنار، ويحارب بالفتاوي والايات بقدر ما يحارب بالرصاص والسيوف والمفرقعات.. ولذلك لا تستطيع ان تتصدي له بالحل الامني وحده.. فاذا كان يطرح شعار " الاسلام هو الحل " فما هو شعارك البديل لهذا ؟
لم يطرح النظام المصري اي شعار بديل.. فشعار " السلام " الذي طرحه السادات شعار جميل لكنه خارجي فقط. فـ " الداخل " يريد حلولا اخري.. وشعار " الإنفتاح " هو شعار تجاري بحت تحول بسرعة الي ( السداح مداح ) او الإنفلات والسرقة والنهب، اما نظام مبارك فلم يستطع طرح اي شعار. وكان الخواء الفكري والثقافي للنظامين عاملا اساسيا في فشلهما في التصدي لاصحاب " الاسلام هو الحل " ومن وراسه من حركات اسلامية متشدده ومتطرفة. بينما كان النجاح الهائل الذي حققه قبلهما عبدالناصر في التصدي لحركات الاسلام السياسي يرتكز اساسا علي انه بالاضافة الي التصدي امنيا استطاع ان يطرح مشروعا بديلا وان يقدم منظومة كاملة من التطور الاجتماعي والثقافي استطاع بها ان يستقطب احلام وامال الشباب، وهو ماسأعود له بعد قليل.
ولكن كيف يمكن لاحد ان يتصدي لمناقشة شعار مثل " الاسلام هو الحل " ؟
وكيف يمكن لمثلي علي الاخص – كمثقف مسيحي قبطي – ان يناقش شعاراً عن الاسلام ؟ وماذا يمكن ان نقدم من فكر لمن يطرحون علينا هذا الشعار ؟
المشكلة فيما اقرأه من الكثير من الحوارات المتعلقة بالاديان، ان الحوار سرعان ما يتحول الي صراخ وتشنج ينحدر بسرعة الي تبادل الاتهامات واحيانا ينحدر اكثر الي درك تبادل الشتائم والتعدي علي حقوق الاخرين او علي اديانهم، وبهذا لا يحقق مثل هذا النوع من الحوار سوي زيادة السخط والاحباط والفرقة دون التوصل الي اي حلول عملية تفيد المواطن والمجتمع.
ولكن هذا لا يجب ان يمنعنا من مناقشة اي شعار – او فكرة – او برنامج – يتم طرحه علينا بشكل علمي لان دور الكاتب هو القاء الضوء علي هذه الشعارات والافكار المطروحة ومساعدة القراء علي تمحيصها وفهمها وتحليلها توصلا الي الحكم بمدي جدواها، ولذلك فليس من المفروض ان يتهرب الكاتب المثقف، ولا النظام كله، من التصدي لمناقشة اطروحات حركات الاسلام السياسي وفحص ما بها من صالح وطالح.
حينما يطرح انسان – او حركة – او جماعة – علينا شعارا مثل " الاسلام هو الحل " يكون ردنا اولا هو طلب ايضاح.. علي شكل سؤال يقول " الاسلام هو الحل لماذا بالضبط ؟ فاذا كان المقصود ان الاسلام هو الحل لاحتياجات ومتطلبات ومشاكل المسلمين الروحية الدينية.. فإن ردي كمسيحي هو ان هذا امر يخص المسلمين المؤمنين وحدهم، ليس لي دخل به وليس لي ان ادلي فيه برأيي لانه لا يتعلق بي.. وان كنت استطيع ان اقول انه في هذه الحالة - وبالمقارنة مع حالة الاديان الاخري والمؤمنين بها – فان الشعار يبدو طبيعيا ومن الطبيعي والمعقول ان يؤمن المسلمون ان الاسلام – الدين الذي يؤمنون به – هو الحل لكافة احتياجاتهم الدينية الروحية.. هنا الأمر يبدو بديهيا – وعكسه لا يكون معقولا.. اي انه ليس من المعقول ألا يعتقد المسلمون ان الاسلام هو الحل لمشكلاتهم واحتياجاتهم الروحية والدينية.
اما اذا كان المقصود من الشعار ان الاسلام هو الحل لكافة مشكلات واحتياجات المجتمع كله، والدولة ومن فيها.. ليس في الجوانب الدينية فقط ولكن ايضا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.. فعندئذ يصبح الأمر من الامور التي تهمني وتهم كافة المواطنين مسلميناً واقباطا، لاننا هنا اصبحنا نتكلم عن الوطن والدولة والمواطنين واحتياجاتهم والمجتمع واحواله الاقتصادية و الثقافية والتعليمية والفنية والأسرية الي اخره.. وهذه كلها تشكل حياه المواطن في وطنه.. فاذا قلنا ان الاسلام هو الحل لكافة احتياجات المواطن في وطنه فنحن هنا نخلط الدين بالسياسة وانت هنا وبهذا تطرح شعارا سياسيا وليس دينيا فقط ومادام الشعار سياسيا فمن حق كافة المواطنين، مسلمين وغير مسلمين، التصدي له بالنقاش والتمحيص والقبول او الرفض.
وهكذا نري ان طرح الشعار بالشكل العام غير المحدد الذي طرحته به الحركات الاسلامية يجعل الأمر ملتبسا وصعبا وغير قابل للاجابة السهلة، وربما كان ذلك مقصودا، فالحركات الاسلامية بحكم فكرها الديني المتشدد تريد ان يتصور المواطنون ان حل جميع مشاكلهم الدنيوية والسياسية والاقتصادية والثقافية يجب ان يكون حلا دينيا، وبالتالي يذهبون اليهم هم طلبا لهذا الحل لانهم هم اهل الدين الذين لديهم الحل والربط. فالمقصود اذن بالشعار الهلامي الفضفاض ان تقدم الحركات الاسلامية نفسها للجماهير علي انها وحدها المالكة لمفاتيح الدنيا والاخرة معاً. وان الحل الذي لديها هو الحل الاشمل لكافة احتياجات البشر.. وهو نفس الفكر الذي يصر دائما علي ان النصوص المقدسة هي ايضا رموز ونصوص العلوم لكافة مناهجها من طب الي صيدلة الي فلك الي كيمياء الي هندسة الي حساب.. ويجهدون في تحميل النصوص مالا تحتمل من التفاسير الملتوية لتطويع العلوم الدنيوية الي النصوص الدينية رغم ان هذه النصوص الدينية نفسها تقول لهم في اكثر من مكان ان البشر هم العارفون بامور دنياهم وتحثهم علي طلب العلم ولو في الصين اي خارج النصوص التي يحصرون عقولهم فيها لعدم فهمهم لها.
كان المفروض اذن ان تقوم الدولة في السبعينات والثمانينات والي اليوم بالتصدي لمثل هذه الشعارات الفضفاضة بفكر مقابل يحترم الدين ولا يستخدمه اداه للاغراض السياسية.. في نفس الوقت الذي تطرح فيه فكرا بديلا يقدم للشباب وعدا بحياة اكثر جمالا وعدلا ونقاءً وتوثباً وانتاجا وابداعاً. ولكن ضعف الموهبة والكفاءات القيادية بشكل عام في العهدين الساداتي والمباركي لم يمكن الدولة من تقديم هذا البديل الفكري الثقافي بشكل فعال يمكنه من طرد خرافات المتهوسين التي لم يكن لها وجود يذكر في العهد الناصري.
فاذا عدنا للحديث عن العلمانية.. نقول ان العهد الناصري استطاع ان ينجح في تقديم علمانية عربية كاملة شاملة. وان يحقق بها نهضة مدهشة في المجالات الاجتماعية والثقافية بالذات وفي مجالات التنمية في خلال فترة خمسة عشر عاما من عام 52 والي عام هزيمة 67 ويدهشني كثيرا ان كل من يكتب عن العلمانية في مصر والعالم العربي يمر مرور الكرام علي هذه النقطة، او يتجاهلها تماما لإسبابٍ ايديولوجيةٍ اذا ما كان معاديا للناصرية وبذلك يسيء الي التاريخ والمستقبل معا، لانني اقول ان العهد الناصري في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي - وهي فترة عشتها حتي الثمالة في مدارس وجامعات مصر واعرفها جيدا - هي فترة كانت فيها العلمانية مطبقة ومزدهرة ومثمرة في طول انحاء مصر وفي كافة قطاعاتها – وباستثناء جماعة الاخوان المسملين بالطبع – اقبلت عليها مصر وتقبلتها تقبلا طبيعيا تلقائيا بلا جدال او ضجيج كبير.. ولا يمكن لانسان يعي ما حوله عاش تلك الفترة إلا ويعرف ان مصر كانت في ذلك العهد مجتمعا علمانيا تماما يفصل بين الدين والسياسة بشكل كامل فلم يكن عبدالناصر يستهل كل خطاب له الا بكلمة : ايها الاخوة المواطنون.. لم يكن يستدعي اسم الجلالة في كل مناسبة وبدون مناسبة، لم يرغم احد نساء مصر في عهده علي التقمط بالحجاب، بل حدثت في عهده حركة تحرر للمرأه علي مقاييس عالمية.. اذ اصبحت المرأه في عهد عبدالناصر وزيرة..وكانت المرأه تدلي بصوتها كل مجال.. وكانت السينما والفنون والمسارح والمعارض عامرة بالفن المتحرر الذي يبدعه الفنانون والفنانات ولم يستطع صوت جاهل ان يرتفع قائلا ان الفن حرام... ولم تكن الجرائد الرسمية او التليفزيون – قد تحولت الي منبر منافس لمنابر الجماعات الاسلامية في التشدد الديني، فقد كانت هناك مجلات دينية متخصصة ولكن لم يكن للفكر الديني ذلك الطغيان الذي حدث بعد ذلك وحتي اليوم – والذي رايناه ينجح تدريجيا في تحجيب المرأه وتحريم الفن وخلط العلم بالخرافة وحشر الفتاوي في كل مناحي الحياه مما ادي الي انحدار المجتمع الي اسفل درجاته في كل شيء.
ولمن لا يعرف ما هي العلمانية التي نتكلم عنها نقول ان لا علاقة لها بالإلحاد علي الاطلاق وانما هي فكرة وممارسة فصل الدين عن السياسة، فليس العلماني ملحدا ولا كافراً. ولم يكن عبدالناصر ملحدا ولكنه فقط ترفع عن استخدام الدين كأداة سياسية.- إلا ان سجنه وتعذيب نظامه للكثيرين من الاخوان ومن الشيوعيين ومن غيرهم هو جريمة لا يجب ان يبررها احد - وما هدفي من العوده الي العهد الناصري هنا إلا لأوضح لمن لا يعرف اولا ان العلمانية نجحت وازدهرت في مصر علي مدي عقدين من الزمان ولاول مرة علي مستوي الطبقة الوسطي والشعبية ايضا حيث اختفت الخرافات التي تتوشح بالدين واختفي العرافون والمنجمون وشيوخ الطب المزيف وشربة الحاج محمود وبقية الخرافات.. واستطاعت العلمانية في فترة وجيزة ان تقضي علي عادات اجتماعية خطيرة كانت متأصلة مثل عادة الاخذ بالثار في الصعيد، وعادة تزويج البنات رغم ارادتهن.. وحققت ذلك عن طريق اعظم واشمل واجمل حركة نهضة فنية في جميع المجالات من سينما ومسرح وتليفزيون الي مجلات ثقافية وفنون تشكيلية ورقص شعبي وابداع ادبي وشعري علي يد المئات والمئات من المبدعين المصريين الذين راحوا يتفتحون كالزهور علي ارض مصر في كافة ارجاء الوادي.
وما اريد قوله هنا هو ان نجاح العلمانية في مصر الي تلك الدرجة الهائلة وعلي اوسع نطاق شعبي في تلك الفترة يعني انه يمكنها ان تنجح مرة اخري في مصر وفي البلاد العربية – فالمصريون اذن ليسوا معادين للعلمانية ولا هم في خصومة تراثية معها بل حققوا بها نهضة اضاعتها بعد ذلك تماما حركات الهوس الديني المعادية للحياه وللفنون وللابداع وللعلم وللفكر.. لا يصح ان نرفع رايات الاستسلام امام حركات اصابت مصر باعظم الضرر وارجعتها قرونا الي الوراء الي ما قبل قاسم امين والطهطاوي وعبده، بل الي ما قبل ابن رشد.. بينما كانت لنا في مصر تجربة نهضوية علمانية باهرة في العهد الناصري التي يجب ان نفتخر بها دون ان نقبل ما بها من اخطاء غياب الديمقراطية والسجون والتعذيب والمغامرات العسكرية الخارجية. وما دامت العلمانية قد نجحت في النهوض بنا بهذا الشكل الجميل مرة فهي تستطيع تكرارها اذا ما قدم المفكرون والكتاب فكرا بديلا نبيلا جميلا يطرد فكر الخرافة والتشدد والعنف من الشارع المصري والعربي.. ولا يكون كل ما يقدمونه هو فقط التهجم والشجب والشتيمة او المطالبة بالاقصاء وبالحلول الامنية القاصرة.

المصدر ايلاف الثلائاء 31 مايو

آخر تحرير بواسطة صقر الخالدية : 24/06/2005 الساعة 11:33 PM
  #192  
قديم 11/07/2005, 10:23 AM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Cool

المجتمع المدني: المعنى والمفهوم

د. محمد عابد الجابري


قد يكون من المفيد التذكير هنا بما سبق أن أكدناه في بداية هذه المقالات، التي نخصصها لتحليل مفهوم "الإصلاح" الذي يهيمن اليوم على الساحة العربية، الفكرية والسياسية، من أن هذا المفهوم الذي طرحه الرئيس الأميركي جورج بوش الابن، وسانده في ذلك الغرب كله تقريباً، كشعار استراتيجي في التعامل مع العرب "سلميا". (أما التعامل معهم بـ"وسائل أخرى" فذلك ما ينتمي إلى مجال "المسكوت عنه"، مجال "التحرك والعمل" حسب مقتضى الحال). واستحضارنا لهذه الحقيقة – حقيقة كون هذا "الإصلاح" الذي يطالبنا به الغرب اليوم يستقي مضمونه من استراتيجية الإدارة الأميركية ويجد أصوله في الفكر الغربي عموماً، شيء ضروري.
ولابد من التذكير أيضاً باختيارنا التعامل مع هذا المفهوم، لا من موقف الرفض أو التشكيك، لكونه يفرض علينا من خارج ومن جهات يدفع كل شيء في تصرفها إلى الشك في صدق أقوالها وحسن نواياها إزاءنا، ولا من موقف القبول والتبني بدون تحفظ لمجرد كونه يحمل مضامين إنسانية نحن في حاجة إليها، وفي حاجة أكثر على من يقوم بغرسها في مجتمعاتنا حتى ولو كان لا "يتفهم دائما" مطالبنا وتطلعاتنا! لقد قررنا تجنب هذين الموقفين السياسيين المباشرين، الذين يعكسان صراعاً إيديولوجياً يجد جذوره ومحركاته في بلداننا، وفضلنا التعامل مع فكرة "الإصلاح" تلك، على مستوى فكري يهدف أولا وقبل كل شيء إلى تبيان مضمونها في الفكر الغربي وتاريخه حيث تتحدد رؤية هؤلاء الذين يطالبون العرب بـ "الإصلاح".

من أجل هذا عمدنا إلى التعامل مع هذا المفهوم كما هو داخل المرجعية الأوروبية. وفي هذا الإطار حددنا مضامينه من خلال المسار التاريخي الحديث لهذه المرجعية، فميزنا فيها بين أربعة مفاهيم مؤسسة تشكل في مجموعها المضمون العام لـ"الإصلاح" كما تحقق في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية. هذه المفاهيم هي: العلمانية، العقد الاجتماعي، حقوق الإنسان، ثم مفهوم "المجتمع المدني" الذي سنتكلم فيه ابتداء من هذا المقال.

لكن، قبل الخوض في ما تحمله عبارة "المجتمع المدني" من أبعاد جعلت منها "مفهوما" من المفاهيم الأساسية في الفكر الأوروبي الحديث، لننظر أولا فيما يمكن أن نحدد به هذا المفهوم على صعيد اللغة.

والحق أننا سنصاب بدهشة كبرى إذا نحن أردنا التدقيق في المدلول اللغوي لعبارة "المجتمع المدني" كما يمكن تحديد معناها في اللغة العربية، بالمقارنة مع ما تتحدد به في اللغات الأوروبية! ذلك أن لفظ "مجتمع" صيغة ترد في اللغة العربية إما اسم مكان أو اسم زمان أو مصدراً ميمياً، بمعنى أنها إما حدث بدون زمان، (اجتماع) وإما مكان أو زمان حصول هذا الحدث (مجتمع القوم: اجتماعهم، أو مكانه أو زمانه)، وبالتالي فهو لا يؤدي معنى اللفظ الأجنبي الذي نترجمه به "société" أو " society" والذي يعني، أول ما يعني، عدداً من الأفراد، يشكلون "مجموعة" أو "جماعة" بفعل رابطة ما تجمع بعضهم إلى بعض. أما لفظ "مدني" فهو يحيل، في اللغة العربية، إلى المدينة، إلى "الحاضرة" (قارن: بدو حضر، بادية مدينة). وبناء على ذلك يمكن القول، مع شيء من التجاوز، إن عبارة "المجتمع المدني" بالنسبة إلى اللغة العربية إنما تكتسب معناها من مقابلها الذي هو "المجتمع البدوي"، تماماً كما فعل ابن خلدون حينما استعمل "الاجتماع الحضري" ومقابله "الاجتماع البدوي" كمفهومين إجرائيين في تحليل المجتمع العربي في عهده والعهود السابقة له (وأيضا اللاحقة). وبما أن القبيلة هي المكون الأساسي في البادية العربية فـ"المجتمع المدني" سيصبح المقابل المختلف، إلى حد التضاد، لـ"المجتمع القبلي".

هذا في حين أن اللفظ الأجنبي "civil" الذي نترجمه بـ "مدني"، في قولنا "مجتمع مدني"، يستبعد في الفكر الأوروبي ثلاثة معان رئيسية هي بمثابة أضداد له: معنى "التوحش" (قارن عبارة ("الشعوب البدائية/ المتوحشة" في مقابل عبارة "الشعوب المتحضرة")، معنى "الإجرام" (قارن: "مدني" في مقابل "جنائي" في المحاكم)، معنى الانتماء إلى الجيش (قارن "مدني": في مقابل "عسكري")، ومعنى الانتماء إلى الدين (قارن: "التعاليم الدينية" في مقابل "القوانين المدنية"). وهكذا فعبارة "المجتمع المدني" في الفكر الأوروبي هو، بناء على ذلك، مجتمع متحضر، لا سلطة فيه لا للعسكر ولا للكنيسة. وإذن فالفارق كبير بين مدلول عبارة "المجتمع المدني" داخل اللغة العربية، وبين مفهومها في الفكر الأوروبي!

والسؤال الآن: كيف يمكن أن ننقل إلى فكرنا نحن العرب -الذين نهتف بشعار "المجتمع المدني" كشعار للحداثة والتقدم- مضمون هذا الشعار إلى وعينا؟

البداية يجب أن تكون - في نظري على الأقل- هي التعرف على مضمون ذلك الشعار كما هو مترسخ في وعي أهله.

إذا نحن رجعنا إلى تاريخ مفهوم "المجتمع المدني" في الثقافة الأوروبية سنجد أن ظهوره، محملا بهذه المعاني، قد ارتبط بالتطور الذي شهده المجتمع الأوروبي في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. وهو التطور الذي شمل ميادين التجارة والصناعة والعلم وبالتالي الاجتماع والسياسة. لقد انتصرت مدينة الأرض على مدينة السماء (مدينة الكنيسة)، وتفككت الأسرة بفعل الانتقال من المجتمع الزراعي إلى المجتمع الصناعي وحلت محلها الشركات والنقابات والجمعيات، وهيمنت التجارة ومنطقها فتعززت الفردية من جهة، وساد التبادل والاعتماد المتبادل الذي تؤسسه المصلحة الخاصة من جهة ثانية. وجمّاع هذه التطورات هو مضمون مصطلح "المجتمع المدني"! والسؤال الذي يطرح نفسه هنا – وقد صادفنا مثله في المقالات السابقة- هو التالي: بأي معنى، حتى لا نقول "بأي حق"، يمكن نقل هذا المفهوم إلى مجتمعات لم تعش هذه التطورات مثل "المجتمع العربي"، المجتمع الذي ما زال يحتفظ بـ-"القبيلة"- كمكون أساسي فيه!

يجب أن أؤكد بادئ ذي بدء أن الهدف من هذه الملاحظة ليس التشكيك، لا من قريب ولا من بعيد، في جدوى الاهتمام بقضية المجتمع المدني والتحول الديمقراطي في وطننا العربي. كلا. إن هدفي من هذه الملاحظات هو الدعوة إلى معالجة هذه القضية بأكبر قدر من الاستقلالية. إن المرجعيات الأوروبية في الموضوع، سواء كانت واقعاً تاريخياً أو اجتهادات فكرية، يجب أن تبقى مرجعيات استشارية لا غير. يجب ألا تنقلب إلى "نموذج سلف" يهيمن على الفكر ويوجه الرؤية.

وإذا كانت هذه الدعوة تطال أيضاً المفاهيم التي عرضنا لها في هذه المقالات السابقة (مفهوم العلمانية، مفهوم حقوق الإنسان، مفهوم العقد الاجتماعي) فإن الحاجة إلى التشديد عليها بخصوص مفهوم "المجتمع المدني" أقوى وأشد. ذلك لأن "حقوق الإنسان" و"العقد الاجتماعي" هما من تلك المفاهيم العامة التي يغلب فيها "العام" على "الخاص": حقوق الإنسان هي حقوق للإنسان كإنسان، الإنسان المجرد إذا صح التعبير. وليس من شرط التمتع بها أن يبلغ هذا المجتمع أو ذاك هذه الدرجة أو تلك من التطور، وإن كانت إمكانية التمتع بها قد تتوقف على ذلك. بعبارة أخرى مفهوم "حقوق الإنسان" ينتمي إلى ميدان الواجب، ميدان الأخلاق، ميدان المطالب. وكذلك الشأن في مفهوم "العقد الاجتماعي"، لقد سبق أن أكدنا مراراً على أن الأمر يتعلق أساساً بفرضية الهدف منها تأسيس حق الشعب في انتخاب الحاكمين ومراقبتهم... إلخ، وهذا حق لجميع الشعوب. أما التطبيق العملي لهذا الحق فذلك أمر آخر. بعبارة قصيرة: حقوق الإنسان والعقد الاجتماعي مطلَبان. وليس كذلك المجتمع المدني.

فعلا، "المجتمع المدني" ليس مطلباً بل هو واقع يكون موجوداً أو غير موجود. هذا أولا. ثم إذا وجد نوعاً ما من الوجود صار الحديث عن طبيعة وجوده وعن حقوقه واختصاصاته... إلخ، أمراً ممكناً.

وإذن فسنرتكب خطأ فاحشاً إذا نحن اعتقدنا أن "المجتمع المدني" مطلب يتوقف وجوده على مجرد المطالبة به، لا. إن المجتمع المدني واقع اقتصادي اجتماعي سياسي ثقافي تتضافر في تكوينه عدة عوامل. إنه بعبارة قصيرة المجتمع الحديث الذي يتخذ شكله تدريجياً مع التحول الديمقراطي. والتحول الديمقراطي يتم عبر جملة مطالب منها "حقوق الإنسان" ومبدأ السيادة للشعب الذي هو مضمون "العقد الاجتماعي"... إلخ. وإذن فالمجتمع المدني هو النتيجة العملية للتحول الديمقراطي، التحول الذي يتم بفعل تطور داخلي للمجتمع، ولكن أيضاً بفعل النضال من أجل تحقيقه عبر مطالب معينة كمطالب حقوق الإنسان والمواطن.

المصدر وجهات
  #193  
قديم 11/07/2005, 10:33 AM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Cool

المجتمع المدني: المعنى والمفهوم

د. محمد عابد الجابري


قد يكون من المفيد التذكير هنا بما سبق أن أكدناه في بداية هذه المقالات، التي نخصصها لتحليل مفهوم "الإصلاح" الذي يهيمن اليوم على الساحة العربية، الفكرية والسياسية، من أن هذا المفهوم الذي طرحه الرئيس الأميركي جورج بوش الابن، وسانده في ذلك الغرب كله تقريباً، كشعار استراتيجي في التعامل مع العرب "سلميا". (أما التعامل معهم بـ"وسائل أخرى" فذلك ما ينتمي إلى مجال "المسكوت عنه"، مجال "التحرك والعمل" حسب مقتضى الحال). واستحضارنا لهذه الحقيقة – حقيقة كون هذا "الإصلاح" الذي يطالبنا به الغرب اليوم يستقي مضمونه من استراتيجية الإدارة الأميركية ويجد أصوله في الفكر الغربي عموماً، شيء ضروري.
ولابد من التذكير أيضاً باختيارنا التعامل مع هذا المفهوم، لا من موقف الرفض أو التشكيك، لكونه يفرض علينا من خارج ومن جهات يدفع كل شيء في تصرفها إلى الشك في صدق أقوالها وحسن نواياها إزاءنا، ولا من موقف القبول والتبني بدون تحفظ لمجرد كونه يحمل مضامين إنسانية نحن في حاجة إليها، وفي حاجة أكثر على من يقوم بغرسها في مجتمعاتنا حتى ولو كان لا "يتفهم دائما" مطالبنا وتطلعاتنا! لقد قررنا تجنب هذين الموقفين السياسيين المباشرين، الذين يعكسان صراعاً إيديولوجياً يجد جذوره ومحركاته في بلداننا، وفضلنا التعامل مع فكرة "الإصلاح" تلك، على مستوى فكري يهدف أولا وقبل كل شيء إلى تبيان مضمونها في الفكر الغربي وتاريخه حيث تتحدد رؤية هؤلاء الذين يطالبون العرب بـ "الإصلاح".

من أجل هذا عمدنا إلى التعامل مع هذا المفهوم كما هو داخل المرجعية الأوروبية. وفي هذا الإطار حددنا مضامينه من خلال المسار التاريخي الحديث لهذه المرجعية، فميزنا فيها بين أربعة مفاهيم مؤسسة تشكل في مجموعها المضمون العام لـ"الإصلاح" كما تحقق في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية. هذه المفاهيم هي: العلمانية، العقد الاجتماعي، حقوق الإنسان، ثم مفهوم "المجتمع المدني" الذي سنتكلم فيه ابتداء من هذا المقال.

لكن، قبل الخوض في ما تحمله عبارة "المجتمع المدني" من أبعاد جعلت منها "مفهوما" من المفاهيم الأساسية في الفكر الأوروبي الحديث، لننظر أولا فيما يمكن أن نحدد به هذا المفهوم على صعيد اللغة.

والحق أننا سنصاب بدهشة كبرى إذا نحن أردنا التدقيق في المدلول اللغوي لعبارة "المجتمع المدني" كما يمكن تحديد معناها في اللغة العربية، بالمقارنة مع ما تتحدد به في اللغات الأوروبية! ذلك أن لفظ "مجتمع" صيغة ترد في اللغة العربية إما اسم مكان أو اسم زمان أو مصدراً ميمياً، بمعنى أنها إما حدث بدون زمان، (اجتماع) وإما مكان أو زمان حصول هذا الحدث (مجتمع القوم: اجتماعهم، أو مكانه أو زمانه)، وبالتالي فهو لا يؤدي معنى اللفظ الأجنبي الذي نترجمه به "société" أو " society" والذي يعني، أول ما يعني، عدداً من الأفراد، يشكلون "مجموعة" أو "جماعة" بفعل رابطة ما تجمع بعضهم إلى بعض. أما لفظ "مدني" فهو يحيل، في اللغة العربية، إلى المدينة، إلى "الحاضرة" (قارن: بدو حضر، بادية مدينة). وبناء على ذلك يمكن القول، مع شيء من التجاوز، إن عبارة "المجتمع المدني" بالنسبة إلى اللغة العربية إنما تكتسب معناها من مقابلها الذي هو "المجتمع البدوي"، تماماً كما فعل ابن خلدون حينما استعمل "الاجتماع الحضري" ومقابله "الاجتماع البدوي" كمفهومين إجرائيين في تحليل المجتمع العربي في عهده والعهود السابقة له (وأيضا اللاحقة). وبما أن القبيلة هي المكون الأساسي في البادية العربية فـ"المجتمع المدني" سيصبح المقابل المختلف، إلى حد التضاد، لـ"المجتمع القبلي".

هذا في حين أن اللفظ الأجنبي "civil" الذي نترجمه بـ "مدني"، في قولنا "مجتمع مدني"، يستبعد في الفكر الأوروبي ثلاثة معان رئيسية هي بمثابة أضداد له: معنى "التوحش" (قارن عبارة ("الشعوب البدائية/ المتوحشة" في مقابل عبارة "الشعوب المتحضرة")، معنى "الإجرام" (قارن: "مدني" في مقابل "جنائي" في المحاكم)، معنى الانتماء إلى الجيش (قارن "مدني": في مقابل "عسكري")، ومعنى الانتماء إلى الدين (قارن: "التعاليم الدينية" في مقابل "القوانين المدنية"). وهكذا فعبارة "المجتمع المدني" في الفكر الأوروبي هو، بناء على ذلك، مجتمع متحضر، لا سلطة فيه لا للعسكر ولا للكنيسة. وإذن فالفارق كبير بين مدلول عبارة "المجتمع المدني" داخل اللغة العربية، وبين مفهومها في الفكر الأوروبي!

والسؤال الآن: كيف يمكن أن ننقل إلى فكرنا نحن العرب -الذين نهتف بشعار "المجتمع المدني" كشعار للحداثة والتقدم- مضمون هذا الشعار إلى وعينا؟

البداية يجب أن تكون - في نظري على الأقل- هي التعرف على مضمون ذلك الشعار كما هو مترسخ في وعي أهله.

إذا نحن رجعنا إلى تاريخ مفهوم "المجتمع المدني" في الثقافة الأوروبية سنجد أن ظهوره، محملا بهذه المعاني، قد ارتبط بالتطور الذي شهده المجتمع الأوروبي في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. وهو التطور الذي شمل ميادين التجارة والصناعة والعلم وبالتالي الاجتماع والسياسة. لقد انتصرت مدينة الأرض على مدينة السماء (مدينة الكنيسة)، وتفككت الأسرة بفعل الانتقال من المجتمع الزراعي إلى المجتمع الصناعي وحلت محلها الشركات والنقابات والجمعيات، وهيمنت التجارة ومنطقها فتعززت الفردية من جهة، وساد التبادل والاعتماد المتبادل الذي تؤسسه المصلحة الخاصة من جهة ثانية. وجمّاع هذه التطورات هو مضمون مصطلح "المجتمع المدني"! والسؤال الذي يطرح نفسه هنا – وقد صادفنا مثله في المقالات السابقة- هو التالي: بأي معنى، حتى لا نقول "بأي حق"، يمكن نقل هذا المفهوم إلى مجتمعات لم تعش هذه التطورات مثل "المجتمع العربي"، المجتمع الذي ما زال يحتفظ بـ-"القبيلة"- كمكون أساسي فيه!

يجب أن أؤكد بادئ ذي بدء أن الهدف من هذه الملاحظة ليس التشكيك، لا من قريب ولا من بعيد، في جدوى الاهتمام بقضية المجتمع المدني والتحول الديمقراطي في وطننا العربي. كلا. إن هدفي من هذه الملاحظات هو الدعوة إلى معالجة هذه القضية بأكبر قدر من الاستقلالية. إن المرجعيات الأوروبية في الموضوع، سواء كانت واقعاً تاريخياً أو اجتهادات فكرية، يجب أن تبقى مرجعيات استشارية لا غير. يجب ألا تنقلب إلى "نموذج سلف" يهيمن على الفكر ويوجه الرؤية.

وإذا كانت هذه الدعوة تطال أيضاً المفاهيم التي عرضنا لها في هذه المقالات السابقة (مفهوم العلمانية، مفهوم حقوق الإنسان، مفهوم العقد الاجتماعي) فإن الحاجة إلى التشديد عليها بخصوص مفهوم "المجتمع المدني" أقوى وأشد. ذلك لأن "حقوق الإنسان" و"العقد الاجتماعي" هما من تلك المفاهيم العامة التي يغلب فيها "العام" على "الخاص": حقوق الإنسان هي حقوق للإنسان كإنسان، الإنسان المجرد إذا صح التعبير. وليس من شرط التمتع بها أن يبلغ هذا المجتمع أو ذاك هذه الدرجة أو تلك من التطور، وإن كانت إمكانية التمتع بها قد تتوقف على ذلك. بعبارة أخرى مفهوم "حقوق الإنسان" ينتمي إلى ميدان الواجب، ميدان الأخلاق، ميدان المطالب. وكذلك الشأن في مفهوم "العقد الاجتماعي"، لقد سبق أن أكدنا مراراً على أن الأمر يتعلق أساساً بفرضية الهدف منها تأسيس حق الشعب في انتخاب الحاكمين ومراقبتهم... إلخ، وهذا حق لجميع الشعوب. أما التطبيق العملي لهذا الحق فذلك أمر آخر. بعبارة قصيرة: حقوق الإنسان والعقد الاجتماعي مطلَبان. وليس كذلك المجتمع المدني.

فعلا، "المجتمع المدني" ليس مطلباً بل هو واقع يكون موجوداً أو غير موجود. هذا أولا. ثم إذا وجد نوعاً ما من الوجود صار الحديث عن طبيعة وجوده وعن حقوقه واختصاصاته... إلخ، أمراً ممكناً.

وإذن فسنرتكب خطأ فاحشاً إذا نحن اعتقدنا أن "المجتمع المدني" مطلب يتوقف وجوده على مجرد المطالبة به، لا. إن المجتمع المدني واقع اقتصادي اجتماعي سياسي ثقافي تتضافر في تكوينه عدة عوامل. إنه بعبارة قصيرة المجتمع الحديث الذي يتخذ شكله تدريجياً مع التحول الديمقراطي. والتحول الديمقراطي يتم عبر جملة مطالب منها "حقوق الإنسان" ومبدأ السيادة للشعب الذي هو مضمون "العقد الاجتماعي"... إلخ. وإذن فالمجتمع المدني هو النتيجة العملية للتحول الديمقراطي، التحول الذي يتم بفعل تطور داخلي للمجتمع، ولكن أيضاً بفعل النضال من أجل تحقيقه عبر مطالب معينة كمطالب حقوق الإنسان والمواطن.
المصدر وجهات
  #194  
قديم 21/08/2005, 11:10 AM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Cool

الداعية الإسلامي.. والمثقف الليبرالي

خليل علي حيدر


لماذا، في مجتمعات العالمين العربي والإسلامي، يتفوق رجل الدين على المثقف، والداعية أو خطيب الجماعات الإسلامية على المحاضر والباحث.. في التأثير على الجمهور؟
إن مثل هذه الظاهرة لا تُشاهد في البلدان الأوروبية والدول الآسيوية المتقدمة، وحتى في الولايات المتحدة، حيث توجد جماعات إنجيلية مؤثرة، لا تشكل ثقافة الوعظ والزجر والتشدد الديني، فكر الإنسان الأميركي رجالاً ونساءً، وطلاب الجامعات ذكوراً وإناثاً، بحجم ما نرى من تأثير للخطابة الدينية على الناس في البلدان العربية والإسلامية. فلماذا نحن على هذا الحال؟
الأسباب كثيرة كما لا يخفى.. لعل أبرزها خمسة:
أولاً: الثقافة الدينية، بالفهم السائد اليوم في مجتمعاتنا، تساعد في رواج هذه الاجتهادات والأطروحات التي نراها في كل مجتمعاتنا، بعد أن تم إجهاض كل حركات ومحاولات تجديد هذا الخطاب. وهكذا ظهرت على السطح الديني أقدم الأفكار والأقوال، متناغمة مع مظاهر التخلف الأخرى في حياتنا السياسية والاقتصادية والثقافية.

المؤسسات كلها في صف الخطيب الديني والإسلام السياسي المؤدلج: المنزل، المدرسة، المسجد -الذي تقاسمته الأحزاب الدينية- سيل الكتيبات والمقالات، الإعلام المسموع والمرئي، المخيمات والجمعيات... إلخ.

ثانياً: جمهور العالم العربي والإسلامي، لأسباب كثيرة وفي دول عديدة، يتبنى الرأي السائد والاجتهاد الرائج وبخاصة إن صَدَر عن شيخ دين بارز أو أحد خطباء التيار الديني.

المستمع إلى هذه المواعظ والتوجيهات، حتى إن نالت من حقوق المرأة السياسية أو بدّعت الديمقراطية وكفّرت الليبرالية والعلمانية أو حرّمت الفنون، لا يمتلك الثقافة الدينية القادرة على التحليل والرد، ولا علم لديه بتنوع النصوص الدينية. ومهما قيل لهؤلاء عن إعمال العقل وذم التقليد، فالجميع في نهاية الأمر يخضع لرأي التيار والجماعة والحزب، ويقول الكثير من الشباب "ضع بينك وبين النار شيخاً"، أو كما يقول مثل شعبي "علقها برقبة عالم.. واطلع سالِم"!

إن الكاتب أو الخطيب الديني، يُفصّل في شيء معروف، ويدافع عن وضع موروث قائم، أما المثقف فوضعه صعب، إذ أنه يطرح فكراً جديداً ورؤى غير مألوفة وثقافة غير موروثة. والتجديد مؤلم، والناس تنفر من الألم.. ومما هو مجهول.

ومن المؤسف - فوق هذا - أن الكثير من كتابات المثقفين الناقدة للتيار الديني أو التي تُظهر مخاطر الأصولية الإسلامية، في الكتب والصحف، لا تكون موجهة للقارئ البسيط والإنسان العادي.. بل للنخبة.

إننا بحاجة ماسة إلى المثقف القادر على شرح الفكر العصري والعولمة والديمقراطية وحقوق المرأة والليبرالية وتطور الفلسفة والفكر والفنون وضرورة دخولنا القرن الحادي والعشرين، والكثير من البديهيات. أقول: يخاطب الناس بكل ذلك، بلغة بسيطة مفهومة مشوقة، ولجمهور غير متعمق، هو في الواقع -أي هذا الجمهور- العمود الفقري للكثير من الجماعات الإسلامية. فالكثير ممن تتسع مداركه من هذا الجمهور وتنمو ثقافته يهجر صفوفها، أو ربما ينضم إلى تيار مضاد لها!

فأين هذا الواعظ الليبرالي المنشود!

ثالثاً: الخطاب الديني في معظم الأحيان، وبخاصة إن تحدث للعامة في السياسة والاقتصاد والإصلاح، "خطاب شعبوي"، خطاب يحاول إرضاء الفقراء وتبسيط الحقائق السياسية والاقتصادية وتشويهها أحياناً، كسباً للشعبية وإرضاء للعامة. ومن الوعود المألوفة، وبخاصة في البلدان الفقيرة الكثيفة السكان، الوعد بتوفير العمل لكل عاطل، والزوجة لكل أعزب، والمسكن لكل مشرد، والعلاج لكل مريض. وفي إيران وعدت الثورة الإسلامية الجماهير في زمن الشاه بمجانية الماء والكهرباء. فور استلام السلطة.

وينافس بعض قادة الأحزاب السياسية الخطيب الديني في مجال دغدغة مطالب الشرائح الفقيرة والشعبية، ولكن هل يستطيع المفكر الاقتصادي أن يقدم تحليلات شعبوية للدولة أو لمؤسسته أو للجامعة دون أن يخسر سمعته العلمية؟

إن الخطيب الشعبوي مثلاً يدعو إلى فرض الضرائب العالية على الأثرياء، ويعرف الاقتصادي أن هذه الضرائب تخيف المستثمرين. ويطالب الخطيب نفسه بزيادة الرواتب ولا يحسب حساباً للتضخم، ويطالب بتوظيف الجميع ولا يكترث بتزايد السكان، أو حاجة العمل لكل هذا العدد من الموظفين أو العمال.

والخطيب الشعبوي ينظر إلى الاقتصاد والعملية الإنتاجية والتوظيف نظرة سياسية مصلحية، ويحاول أحياناً إحراج الحكومة والقطاع الخاص بمطالبه. وبالطبع لا ينطلق المثقف الجاد أو المفكر الاقتصادي من هذا المنطلق!

رابعاً: لا توجد منافذ ومؤسسات في مجتمعاتنا تسمح للمثقف بأن يخاطب الناس كالمسجد مثلاً، ولهذا سارعت الجماعات الإسلامية إلى احتكار المساجد أينما سنحت الفرصة. ودخلت في تنافس وصراع واسع من أجل ذلك بين الجماعات الإسلامية نفسها ومع الدولة ووزارات الأوقاف.

وفي مصر اكتشفت السلطات أن أعداداً كبيرة من المساجد خارج نفوذ وزارة الأوقاف، نحو ثلاثين ألف مسجد، وإن كانت تخضع لإشرافها بموجب قانون 57 لسنة 1960. ومنعت السلطات بناء أي مسجد إلا بعد موافقة الوزارة، كما وضعت خطة لضم جميع المساجد بنهاية سنة 2000.

أما المنفذ الذي يستطيع المثقف أن يخاطب فيه الجمهور فهو عادة قاعة المحاضرات في الجامعة وجمعيات النفع العام، وحتى في هذه يجد منافسة قوية جداً من المتحدثين والمحاضرين "الإسلاميين". فالجمعيات الإسلامية نشطة جداً في دول عربية وإسلامية عديدة، والكثير من شيوخ الدين وقادة ودعاة الجماعات الإسلامية يشاركون في ندواتها المتوالية.

ويطالب كل الإصلاحيين، في مجال تحديث العالم العربي والإسلامي، بتطوير التعليم والمناهج. ولكن نفوذ الإسلاميين وأفكارهم لا يزال قوياً جداً في معظم الكتب الدراسية وهيئات التدريس. ولا يكتفي الداعية بالمسجد والمدرسة والمحاضرة والندوة والكتاب والجمعية وغيرها، فهناك كذلك مكتبة واسعة شاملة من أشرطة الكاسيت والفيديو. والكثير من هؤلاء الخطباء أشد تأثيراً على مجتمعات العالمين العربي والإسلامي.. من أكبر مثقفيها!

واليوم وقد سادت الفضائيات وانتشر الإنترنت، فقد عمت البلوى بكل ألوان التطرف!

وصار بعض قادة وخطباء هذه الجماعات أبرز وأثرى من نجوم الفن والرياضة.

خامساً: يحظى الطرح الديني بمستويين من الدعم:

فهناك الخطيب الرسمي الذي يخدم الجماعات الإسلامية بشكل غير مباشر ويمهد لها الأجواء في كثير من الأحيان. وهناك بالطبع الخطيب المرتبط مباشرة بهذه الأحزاب. وبينما يتلقى رجل الدين الرسمي دعماً ثابتاً من وزارة الأوقاف، حتى إن كانت بعض خطبه تخدم التشدد، يتمتع الداعية الإسلامي في أحيان كثيرة بدعم مالي داخلي وخارجي ملحوظ، لا يتاح لمنافسيه من الكتاب والمثقفين. والكثير من هؤلاء الدعاة تحولوا اليوم، وبالأمس، إلى نجوم بارزين دخلهم ربما بالملايين.. وفي دول كثيرة، تدعم الجمعيات الدينية والمؤسسات الخيرية والشركات والمصارف الإسلامية بعض نشاطات الإسلام السياسي، وقد تمول ندواتها وحملاتها الانتخابية وطباعة كتبها، بينما لا تسمح أي دولة عربية لبعض ندوات المثقفين. وعندما حاول بعض هؤلاء مثلاً عقد ندوة عربية موسعة عن "الديمقراطية في العالم العربي"، ضاقت بهم بلدان العالم العربي، فعقدوها في قبرص في نوفمبر 1983.

ومعروف أن الكثير من الندوات الجادة، والمؤتمرات الحساسة، إما تُمنع أو تُحصر بعيداً عن الجمهور والإعلام، أو ربما تلاحق السلطات القائمين عليها والمشاركين فيها.. وتنكّل بهم!

مشكلة توعية الإنسان العربي لا تنتهي هنا، فالواقع أن بعض "المثقفين" بدورهم كوارث كبرى على الثقافة والوعي!


المصدر وجهات
21/8/2005
  #195  
قديم 27/08/2005, 01:00 PM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
منابع الفكر ومنافذه

منابع الفكر ومنافذه


إبراهيم الصبحي



المنابع هي المصادر التي يستقي منها الفكر وهي منابع العيون التي ينبجس منها او يخرج منها الماء بعد نزول المطر وهي مصادر للمياه الصافية ، والماء اساس كل شيء حي. سيدنا موسى عليه السلام عندما ضرب بعصاه الصخر انفجرت منه اثنتا عشرة عيناً. فكانت هذه المنابع هي مصادر المياه التي يستقي منها الناس. والفكر يحتاج الى منابع اي الى أصول ويحتاج الى منافذ. وكما قال احد العلماء ان الفكر كالماء كلما اغلقت له منفذاً فتح له منفذاً آخر. انه يجري في عروق الارض فيرويها.

وتحتاج منابع الفكر لخصائص تتميز بها. منها العمق وهو ضد الضحالة وسعة المنبع اي اتساع الافق ومنها صفاء الفكر ونقاؤه كي يكون صالحاً يسهل تقبله. فالفاسد او الآسن والراكد منه يسبب هياجاً ومرضاً وتوتراً. والى جانب عمق الفكر ونقائه يحتاج الى تجدد. هذا التجدد الذي يعطيه الاستمرارية في التدفق والعطاء وقد قال الإمام الشافعي رضي الله عنه:
اني وجدت وقوف الماء يفسده
إن سال طاب وان لم يجر لم يطب
وكلما تعددت منابع الفكر ومصادره كلما عمت الفائدة وزادت تأثيراتها. وكلما ضاقت عيون هذه المنابع اصيب الفكر بالقحط والجفاف وشح في الانتاج والثمر. بل ان هذا الثمر نفسه لا يطيب مع الفكر السقيم. والفكر كما قلنا كالماء يحتاج الى حرية الحركة فإذا سدت المنافذ التي يجري فيها الماء كانت وبالاً وخطراً قد يؤدي الى فيضانات ودمار وخراب لا يمكن السيطرة عليها وهذه بدورها تؤدي الى خسائر فادحة. والمنافذ الطبيعية التي يسلكها الماء قد شقت لها منافذ في الارض والجبال منذ آلاف السنين واي عبث بهذه المجاري كعرقلتها او محاولة سدها وتحويلها عن مجاريها الطبيعية قد تؤدي بالانسان إلى كارثة. وهذا هو الحال بالنسبة لمنافذ الفكر. نعم تحتاج المنابع والمنافذ الى عناية ورعاية واهتمام لانقاذها من الشوائب والطحالب والطفيليات التي تتراكم بفعل العوامل الطبيعية أحياناً وبعمل الانسان او الحيوان. هكذا يكون الفكر سليماً معافىً اذا كانت منابعه نقيه ومنافذه سالكة بحرية تامة. والفكر يولد حراً وتأتى الضغوط عليه من البيئة التي يعيش فيها. يولد الفكر عند الانسان كمولده هو بذاته. نقاء في عقله وصفاء في ذهنه حتى يتم تكوينه. وافساده من مجتمعه ومحيطه الذي يعيش فيه هو فساد البيئة او المجتمع. ان الذين يحاولون تخريب خريطة الفكر وتركيبته انما قصرت عقولهم عن ادراك حقيقة واحدة وهي ان الفكر ليس كالجسد ينتعش بالرياضة وانه لا يمكن استخدام الجسد للتأثير على الفكر. الفكر منفصل تماماً عن الجسد لذلك فان فلاسفة الاغريق حاولوا معالجة الفكر بالفكر لا بالجسد. والذين يقولون ان مصدر الفكر هو العقل (الدماغ) وان هذا هو جزء من الجسد فقد اساءوا الربط الروحي والنفسي بين العقل والجسد ما العقل الا وسيلة للفكر ومخزناً له. لان الروح والنفس هي بيد الله عز وجل بل هي من امره وهي ارقى مراتب الفكر الانساني:
(يسألونك عن الروح ، قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) (ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها) .
(يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية).
لذلك نجد ان الذين كسبوا محبة الله ورضاه يصعب تغيير فكرهم - لان هناك اتصالا وثيقا بينهم وبين خالقهم يرجعون اليه في كل امورهم قبل البت فيها. هذا اذا كانت درجة الشفافية في هذا التعامل عاليه جداً ونسبة النقاوة مرتفعة جداً يصعب بل احياناً يستحيل الوصول اليها الا بشق الأنفس. والذين تزيغ عقولهم وتنحرف افكارهم اي انهم يخرجون من مركز دائرة الفكر الى الاطراف يكونون ابعد عن المركز واقرب الى الانزلاق من المحيط وهو الاضعف في الدائرة الفكرية وهذا هو التطرف. نحن نقول هذا ذهب خالص وفضة خالصة والماس خالص اي ان نسبة النقاء في الذهب والفضة قد تقترب من الكمال وكلما زادت نسبة القيراط (نسبة النقاوة) كلما كان ثمن المعدن عالياً اما في الالماس فان نسبة الشفافية وانكسار الالوان معيارً لتحديد درجة هذا الالماس. وكلما علت نسبة النقاوة كلما ضاقت فرص الغش والتقليد والانسان كالمعادن والاحجار النفيسة. هذا نجده في الفكر ، كلما كان صافياً قادماً من المنابع مباشرة لا مصقولاً كان تأثيره على متلقيه اكبر واسرع. وهذا نجده في المعدن كذلك. فلكي تقنع زبونك بهذا المعدن النادر عليك بصفاته وامتيازاته فلا يهم بعده السعر - لانه ثمة من يقدر ذلك. انا لا اريد ان اقول ان الفكر يقدر بثمن لكن ثمة مواصفات وامتيازات لهذا الفكر وصاحبه. وقوة الحجة في الاقناع انما تأتي لاحقاً لكن الحجة هي المنفذ والفكر الاصيل هو المنبع ثمة ترابط بين ثلاثة عناصر:
- منبع الفكر .
- حجة المفكر .
- شخصية الفكر والمفكر .
فإذا منحت الصانع الحاذق حرية الابتكار والابداع دون تدخل كانت الصنعة ادق واكثر قبولاً. المهم الا نتدخل في ثلاثة عناصر :
المادة - الطريقة - الوقت .
الصانع الماهر لن يغشك - لانه يحترم حرفته وسمعته وبيئته. والمفكر المبدع لن يغرر بك لانه يحترم فكره و انتاجه وشخصيته وسمعته وبيئته ويحافظ على مصادر هذا الفكر. اما اذا ضغطت عليه واستخدمت معه اساليب ملتوية فسيكون الانتاج مسخاً لا فائدة من ورائه. قد يستخدم المفكر كصاحب الحرفة نفس المواد لكن ليس هناك ابداع واذا لم يكن هناك ابداع فلا فائدة من الفكر - لانه ترديد دون تجديد. واليوم نشاهد العديد من المفكرين لكنهم مقلدون اتوا بأفكارهم من هنا وهناك ولم يقدموا ابداعاً للفكر الانساني. وسنجد في نهاية الكتاب عدد المراجع يفوق عدد الصفحات التي تم تأليفها اي ان الذي اخذه من غيره اكثر من الذي كتبه او قدمه مادة جديدة. بل اننا نجد ان بعض الكتب ينتهي تأثيرها لمجرد الانتهاء من قراءتها اذ ليس بها زاد صالح ومتجدد. وكم من المفكرين المبدعين والمجددين تحولوا الى قادة فكر نتيجة الثروة الفكرية والمدخرات العلمية والاشعاعات الثقافية التي اضاءت سماء الفكر والثقافة والعلم والادب فتفوقوا لابداعاتهم بل ان كثيراً من المخترعين ترددت اسماؤهم بين جنبات الكون الرحب - لانهم جميعاً بإبداعاتهم وابتكاراتهم خدموا الانسانية فاستحقوا ان تسجل اسماؤهم في سجل الخالدين. ان منابع العلم مثل روافده ومنافذه يجب ان تكون صافية سالكة ولانها ليست الا ملكاً للإنسانية فهي ثروة لا تخص شعباً او امة انها ثروة عالمية تنبع من اصول وطنية. والذين يتشدقون بالقول ان الفكر قومي او وطني او اقليمي انما هم محدودو الفهم لماهية الفكر ومعانيه السامية. لذلك فان الفكر لا يحتاج لحماية كالبيئة مثلاً لان الفكر السليم مرحب به اما السقيم فلا سوق له ابداً لان الاول يفرض نفسه والثاني يفرض بالسياط وقد ولى عهد السياط واساليب القهر الفكري. والذين يحاولون مصادرة الفكر انما يعتدون على الانسانية فحق للإنسانية ردعهم ومحاربتهم اي محاربة الاشخاص وليس الفكر، لان هؤلاء هم وباء يقتضي السيطرة عليه. الفكر لا يحارب الا بالفكر. وفي هذا يكون القرآن الكريم اكثر وضوحاً (قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين). والمصابون بعقد التعالي والمكابرة لا يقبلون الا البراهين المادية اما الفكرية فيحاولون دحضها لانها لا تتفق مع مصالحهم التي تسير فكرهم. واذا ارتبط الفكر بمصلحة كأنما اصطدم الماء اثناء جريانه بجندل قد يحول مساره. واصعب ما على الفكر ان يحول مساره فيخطئ هدفه. والفكر الذي يفقد توازنه يفقد قيمته - لان من صفات الفكر الاتزان والالتزام والمصداقية. فأي من هذه الصفات تمثل عنصراً هاماً في تكوين الفكر. الاتزان يحمي من التطرف والالتزام يمنع التذبذب والمصداقية تحفظ من الالتواء والالتفاف. الاتزان ثبات على المبدأ والالتزام محافظة على المسار الفكري والمصداقية اختصار الطريق للهدف. والفكر ليس كالشعر تتعدد انواعه وبحوره وقوافيه. وان كان الفكر هو القاطرة التي تحمل الشعر الى محطته النهائية. الشعر فيه مفاخرة ومباهاة فيه شيء من الغرور الذي يحمل الشخصية على اجنحة واهية لا تحلق كثيراً. اما الفكر فيذهب بصاحبه الى الواقع ولا يحاول التمرد او الخروج عليه وهذا ما نعنيه بالالتزام. عندما يكتب المفكر فلا يريد المباهاة او المفاخرة ، بعكس المبدعين في الفنون مثلاً ، المفكر المبدع لا يطلب مادة ولا ارثاً شخصياً ، انه يقدم فكره خالِ من كل المطالب المادية. وهؤلاء هم قلة على مسار التاريخ الانساني. بقي ان نقول ان السباحة في المياه الضحلة والغطس او العوم في المياه العميقة والابحار لا يكون في المياه الضحلة وكلاهما «العوم والابحار« يحتاج الى مهارة العائم وبراعة البحار. وكم من متهور ساقه تهوره الى الكارثة. لذلك فان المفكر كالبحار الماهر يوصل سفينته بما فيها ومن فيها الى شاطئ الامان وبر السلامة. ان الذين يحاولون عرقلة الفكر والحد من انطلاقه وابتكاراته وابداعاته كمن يضع اصابعه امام عينيه ليخفي عنهما ضوء الشمس. فلا رقابة على الفكر - لان الضمير الحي هو الرقيب وكم من رأي تراه انت خارجاً عن مساره انما هو مسارك انت فلا شأن للفكر بتحديد مساراته. والذين يحاولون وضع الفكر في قوالب معينه صماء فان الفكر يحطمها كما يكسر القيود التي يرسف فيها او القضبان التي تحجب عنه نسيم الحرية فلا فكر الا مع الحرية ، لان الحرية من ابداعات الخالق انه عز وجل وحده بديع السماوات والارض. والفكر لا يعمل الا بأذرع وسواعد والمنافذ هي سواعد الفكر ولسانه وبيانه. لقد سافر الفكر العماني (اسميته كذلك لانه نبع وخرج من عمان) وعندما انتشر اصبح فكراً انسانياً عالمياً. نعم سافر هذا الفكر وارتحل واستقر في شمال افريقيا وفي شرق افريقيا، ذهب الى الصين والى جزيرة (سرنديب) والى شبه جزيرة ملقا استقر التجار العمانيون ومعهم فكرهم في سنغافوره وماليزيا والصين لكنهم اسسوا دولاً في شمال وشرق افريقيا وهناك تذوقت الشعوب طعم الفكر العماني الانساني الراقي. ابدعوا في ثقافتهم ونقلوا الحضارة الانسانية الى تلك شعوب التي كان الجهل والفقر والمرض يمزق اوصالها.

جريدة عمان
السبت 27/5/2005
  #196  
قديم 18/10/2005, 10:23 AM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Arrow حول مسلسل نزار قباني : أخطاء فاحشة وتدنيس لدمشق /بقلم رنا قبانى

حول مسلسل نزار قباني : أخطاء فاحشة وتدنيس لدمشق



رنا قباني
تزامنت زيارتي الأخيرة الي مسقط رأسي دمشق، في أوائل شهر رمضان الكريم، مع عرض التلفزة السورية للمسلسل السوري الذي أطلق عليه ـ افتراء ـ اسم نزار قباني . وكان والدي الدكتور صباح قباني، الأخ الأصغر للراحل نزار، والفنان الثاني في هذا الجيل من العائلة، قد رفض رفضاً قاطعاً التعامل مع المسلسل أو حتي مشاهدته، لاقتناعه التام بأن أي حديث عن تجربة أخيه الانسانية والشعرية والسياسية سابق لأوانه، اذ لم تمر الا سنوات قليلة علي وفاته. بالرغم من هذا، قررت أنا أن أشاهد المسلسل. وبعد حلقة واحدة فقط، اعتراني شعور بالاشمئزاز لسطحية ما أري، ولابتعاده عن الحقيقة.
فالشخصيات التي يصورها المسلسل لا تمت بصلة الي أفراد عائلتي كما عرفتهم، لا في الشكل ولا في المضمون.
جدي توفيق القباني مثلاً، وهو التاجر العصامي والدمشقي الأصيل، الوسيم الرشيق، الذي اشتهر بذوقه وفنه وجودة ما أسس وصنع، يطل علينا عديم الذوق والأناقة، ضعيف الشخصية، ركيك التعبير، فقير البلاغة. هذا الرجل الذي كان من وجهاء الشاغور، الجار والصديق الداعم للحملة الانتخابية الديمقراطية للرئيس شكري القوتلي، بعدما حاربا فرنسا معاً وسجنا في سجون الانتداب الفرنسي، يبدو وكأنه منقطع الصلة تماماً بدمشق، لا يتقن لهجتها، ولا طرائق تصرف أبناء أحيائها القديمة، ولا مشيتهم، ولا جلستهم، ولا أساليب مخاطبتهم لنسائهم وأطفالهم.
اما كان من الممكن أن يكلف ممثل دمشقي الأصل بلعب هذا الدور الأساسي في حياة نزار قباني؟ ليس ما أقول تعصباً مناطقياً، بل هو تساؤل فني وثقافي جدي كما أرجو. فهل كان سيرضي أهل الساحل السوري لو عهد الي ممثل دمشقي من أهل الميدان التحتاني ، بأداء دور الشاعر الراحل بدوي الجبل؟ أو كان سيرضي أهل البصرة لو أن ممثلاً من تونس، أدي دور والد الشاعر العراقي الراحل بدر شاكر السياب؟ وبمعزل عن هذا التوزيع الرديء للدور، يبدو الأداء ذاته بائساً متدنياً بارداً.
جدتي من جانبها كانت امرأة أمية، مثل معظم النساء في عصرها، وقد كتب ابنها عن ذلك مراراً. فلماذا تصويرها في المسلسل وهي تقرأ بشغف وحماس؟ هل كان كثيراً علي صانعي المسلسل لو أنهم عادوا الي كتابات نزار قباني عن أمه؟ أما كان من الضروري، وليس فقط من الأفضل، لو أنهم تعمقوا في الحوادث التاريخية والصفات المدنية واللمحات العائلية التي كانت هي المؤثرة علي نزار قباني الحقيقي؟
دار جدي، بباحتها الواسعة، كانت الملتقي لاجتماعات الكتلة الوطنية. وصاحب الدار كان قد جند وقته وماله وجسده لوطنه ـ لتحريره أولاً، وللاسهام في الانفاق علي تأسيس كيان سياسي يضمن انتخابات حرة ونزيهة بعد الاستقلال. أعز ما أملك من صور العائلة هي صورته واقفاً أمام صندوق الاقتراع، في حي الشاغور العريق، ببدلته البيضاء وطربوشه، يدلي بصوته امام اخوانه في الحي (ولا يظهر، في غرفة مكتظة بالناس، أي شخص باللباس العسكري المكروه في مناسبات مثل هذه).
المسلسل يطمس هذا الجانب من نضال عائلتي، ويمر علي هذا الفصل مرور الكرام. والأشنع من ذلك أن نزار المسلسل يظهر وهو يهاجم أول حكومة سورية بعد الجلاء، بوصفها بعيدة عن الناس ومتقوقعة! فهل يعقل، في هذا الزمن من انحطاط بلادنا السياسي بعد وبسبب أكثر من أربعين سنة من حكم العسكر والاستخبارات والمستبدين، الذين وصلوا الي مناصبهم بالبطش فقط وحافظوا عليها بالبطش أكثر فأكثر، هل يعقل أن يكون أحد أهداف المسلسل تدنيس هذه الفترة المضيئة من التاريخ السوري، حين كان المواطن يشعر أن بلاده ملكه، لا يخاف مخبراً ولا جلاداً ولا فاسداً؟
والتفاصيل في المسلسل حافلة بالأخطاء والأكاذيب. عمي نزار الذي كان، مثل إخوته وأكثر أهل الشاغور، معروفاً بحس السخرية وروح النكتة والدعابة، يظهر أشبه بدب روسي ثقيل الدم، لا يعرف الا الاطراق الطويل، ولا يتقن الا التدخين، ولا يجيد النطق حتي يجيد كتابة الشعر!
والحوار في المسلسل ركيك الي درجة مبكية، وتزيد الطين بلة تلك الانماط من المبالغة والتحريف والتشنيع والتشويه. هناك اختراع لقصص درامية ليست لها أية صحة، ومغامرات مليئة بالتقبيح لشخص لم يخفِ أبداً تاريخه العاطفي، وأقام علاقات فكرية وعاطفية هامة مع أديبات تأثرن به وأثرن فيه. فلماذا ربط اسمه بالحشاشين والحشاشات وبيوت الدعارة، كما فعل المسلسل؟ ألا يقود هذا الي تشويه سمعة دمشق، والدمشقيين؟ كم حزنت، واستبد بي الغضب، حين تجولت في شارع البزورية العريق، الذي ما زالت تفوح منه روائح الملبس تماماً كما وصفها عمي نزار، وسمعت تذمر أهل حارتنا من هذا الافتراء المغرض، الذي ينال من سمعتهم الجماعية.
وفي زمن يتصور فيه النظام الحاكم أن تسريح بعض القضاة سيجعل القضاء حراً، في بلد ليس فيه أي شيء حر، أما كان من الممكن لصانعي المسلسل أن يتوقفوا عند نزاهة القضاء ونظافة القضاة آنذاك؟ محمد آقبيق، أحد أشرف رجالات سورية وأكثرهم استقامة، كان يستحق تقديماً معمقاً أكثر من كونه والد زوجة نزار قباني الأولي، زهراء آقبيق. بدورها، بدت هذه السيدة في المسلسل داكنة اللون من فرط الماكياج، منفوخة الشفتين، موديرن للغاية في كلامها ولباسها وتصرفاتها، وتلفظ كلمة نزار بلكنة موارنة جبل لبنان... كل هذا، وزهراء في الحقيقة كانت سيدة شامية، خجولة، أصيلة، ناعمة! وأم الشاعر لم تكن أبداً هي التي اختارت زهراء زوجة له، كما يزعم المسلسل، بل كانت اختياره هو، وتزوجها دون موافقة والدته، وبالرغم عنها.
كانت شخصية نزار قباني مركبة، ولا تشبه في شيء شخصية هذا الشاعر الأبله والممل في المسلسل. كانت التناقضات تسكنه، بين التحرر والبطريركية، بين البوهيمية والرجعية، وبين انتقاد الأنظمة العربية ومديحها. هذا ما جعله انساناً مثيراً، وعربياً يمثل أحاسيس العرب الحقيقية وتناقضاتهم. وهذا ما يتعامي عنه المسلسل تماماً، وكأن الشاعر ـ أي شاعر ـ مجرد كليشيه يحملق في الأزهار وفي عيون النساء، ساعة الغروب، والموسيقي تصدح من حوله!
وذات رمضان غير بعيد، بثت التلفزة المصرية مسلسلاً عن حياة أم كلثوم، كان بديعاً في كتابته وتمثيله وتصويره واخراجه. والأبرع من ذلك كانت الدقة التاريخية والأدبية والفنية التي تحلي بها المسلسل، فكل حدث في حياة أم كلثوم كان موثقاً خير توثيق، وكان المرء يشاهد الحلقات وهو يدرك أنه يتعلم عن تاريخ مصر السياسي والأدبي والفني، وعن نضالات شعبها للتحرر من الاستعمار البريطاني، والصراعات الطبقية، وتحولات المجتمع، الي جانب تطور الفن الغنائي والمسرحي فيها.
ومن هذا المسلسل البائس الذي سمي نزار قباني زوراً وبهتاناً، والذي ألحق الأذي الشديد بتاريخ مدينتي وعائلتي، لم أتعلم سوي أن الابتذال هو السيد في شاشاتنا، يسانده بالطبع أصحاب النفوذ الذين لا يهمهم الا الربح السريع. البيوت الدمشقية العريقة الآمنة، مثل التي ولد فيها الشاعر وترعرع، مسخت الي مقاهٍ ومطاعم فاخرة يملكها كبار أفراد النظام الحاكم وأولادهم. وحتي الياسمين الدمشقي أصبح عندهم جزءاً من تجارة العلاقات العامة التي يسمونها الحملة الوطنية ، في حين أنهم هم أنفسهم مَن يجتث روح الياسمين من جسد الشام.
فكيف يمكن لهؤلاء الا أن يرتكبوا الجريمة ذاتها بحق نزار قباني؟




كاتبة من سورية تقيم في لندن

المصدر القدس العربى
0

آخر تحرير بواسطة صقر الخالدية : 18/10/2005 الساعة 12:04 PM
  #197  
قديم 29/10/2005, 01:57 PM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Cool الحور العين".. السطحية وصدمة المشاهد

الحور العين".. السطحية وصدمة المشاهد

أحمد المصري**




لم يشهد مسلسل جدلا من قبل مثل الجدل الذي شهده مسلسل الحور العين؛ فالمسلسل تعرض لهجوم شديد قبل عرض أولى حلقاته بسبب عنوانه، كما شهد موجة ثانية من الهجوم بسبب الصدمة التي سببها للمشاهد، مقارنة بالهالة التي رسمتها وسائل الإعلام المختلفة حوله، وكذلك نتيجة استغراقه في تفاصيل لا تمت لجوهر قضية الإرهاب بصلة.

المسلسل يرصد الحياة الاجتماعية لضحايا التفجيرات التي طالت مجمعا سكنيا بالرياض عام 2003، وغالبية سكان هذا المجمع من الجاليات العربية والمسلمة الذين كانوا يحلمون من خلال وجودهم للعمل في المملكة بتطوير أحلامهم لكن الإرهاب استهدف هؤلاء الأبرياء وقضى على كل أحلامهم وطموحاتهم.

ثلاثة خطوط للمسلسل

تناول نجدت أنزور مخرج المسلسل هذه القصة عبر ثلاثة خطوط رئيسية، هي:

الخط الاجتماعي: الذي يرصد حال العائلات الاجتماعية وحياتهم اليومية، وتولت كتابة السيناريو له الدكتورة هالة أنيس دياب.

خط التحقيق: الذي يتوغل داخل الجماعات الإرهابية، وأشرف على كتابته الفنان جميل عواد.

الخط الديني: الذي يقرأ الواقع والمقولة الدينية والتطرف، وأشرف عليه عبد الله بجاد العتيبي، وهو أحد أبرز الكتاب السعوديين الذين تميزوا بنقد ساخن للتوجهات الأصولية، وكان أحد الأسباب الرئيسية لشن هجوم على المسلسل.

يبدأ المسلسل في حلقته الأولى مع "فرح" إحدى الشخصيات الناجية من الاعتداء، بعدما أصيبت بشلل وتشوهات في وجهها، وهي فتاة سورية تزف لعريس سوري يعمل في السعودية لتتعرض لتفجير في أحد المجمعات السكنية في الرياض، وهي التي تروي تلك الأحداث الجميلة والحزينة والمخيفة والممتعة في آن معا، فتعود عبر تقنية "الفلاش باك" إلى سرد حكايتها للمذيعة التلفزيونية شادن.

وخلال عرضها لحكايتها نتعرف على العلاقات الناشئة بين عدد من العائلات السورية واللبنانية، والأردنية والمصرية، والمغربية، التي كانت تقيم معها في نفس المجمع.

تمطيط الخط الاجتماعي

استأثر الخط الاجتماعي بنصيب الأسد داخل المسلسل، ووفقا لتصريحات أنزور فإن 90٪ من أحداث المسلسل يسلط الضوء اجتماعيا على أجزاء من حياة تلك الأسر اليومية قبل حدوث العمليات الإرهابية.

وفي تعليقه على احتلال الخط الاجتماعي هذا الحجم من المسلسل يقول الناقد الفني "رجا المطيري" في تصريحات لشبكة "إسلام أون لاين.نت": إنه محاولة من أنزور كي يجعل لضحايا التفجيرات بعدا إنسانيا ووجودا حقيقيا في ذهن المشاهد قد يقوده بالتالي إلى التعاطف المطلوب والمنتظر منه تجاه التفجيرات الآثمة وضحاياها الأبرياء.. فنحن نتعامل مع هؤلاء الضحايا بلغة الأرقام فقط، ثم نعود إلى حياتنا الطبيعية بلا أي تعاطف حقيقي وأصيل.. وهذا التعاطف لن يكون إلا حين نلمّ بكثير من تفاصيل حياة هؤلاء، أي أن نعيش معهم، وأن نعرفهم وندرك همومهم، حتى لو كانت هموما حياتية تافهة.. إذن ومن هذا المنطلق رأينا "أنزور" يبحر في فلك العلاقات الإنسانية البسيطة التي تربط سكان المجمع.

والهدف من هذا كله أن يتم الارتباط الوجداني بيننا كمشاهدين وبين الضحايا.. وطريقة التناول هذه التي انتهجها أنزور هي ممتازة من حيث المبدأ، لكنها سيئة من جهة التنفيذ، وذلك لأنه وقع في فخ المط والتطويل حتى بلغ حد الإملال، وبشكل أرغم كثيرا من المشاهدين على التوقف عن متابعة المسلسل.

جوهر القضية.. مفقود

ويرى المطيري أن مسلسل الحور العين يدّعي معالجة الإرهاب أو محاولة تقديم معالجة له على الأقل من الناحية الفلسفية، لكن ما يظهر هو الاستغراق في المشاكل الاجتماعية التي قد لا تشفي غليل المشاهد الذي تم توجيهه أصلا لقضية الإرهاب بشكلها الحركي المعروف حيث التفجير والمطاردة والإثارة الناجمة عن ذلك؛ فمن خلال إعلان قناة mbc الذي بثته قبل شهر رمضان تم التركيز على لقطات التفجير والعويل، ومثل هذا التوجيه المركز كان سببا لحالة الملل التي أصابت المشاهدين الذين توقعوا شيئا من الإثارة؛ فعلى الأقل كانوا يتمنون مساحة أكبر للجدل الفكري الناشئ؛ وببساطة هم يريدون رؤية الإرهاب الذي يعرفونه جيدا، ولا شأن لهم بهموم اجتماعية سبق أن رأوها في مسلسلات سابقة.

ولا يمكن تبرير هذا التطويل وهذه المساحة الكبيرة الممنوحة لهذه الخطوط الاجتماعية التي كانت أكبر من اللازم، خاصة إذا أدركنا أنها خطوط فرعية ساندة، أو على الأقل ليست بأهمية الخط الذي يمثله الإرهابيون وهو الخط المستفز فعلا والذي لم يلق مساحته الكبيرة المتوقعة.

أي إن المسلسل يعزف على ذات الأوتار بلا رغبة في الارتقاء، وهذه الحالة يمكن تقريبها بمثال "السُلّم" ذي الدرجات الكثيرة، والمسلسل -أي مسلسل- كي يكون جيدا لا بد أن يصعد هذا السلم إلى الأعلى إلى الذروة، درجة درجة، بطريقة موزونة وبإيقاع متسارع يضمن الإثارة وجذب المشاهد.

لكن الذي يحدث في "الحور العين" أنه استمر في الرقص على الدرجة الثانية، يلوك ذات الموضوعات، دون رغبة في الصعود إلى الأعلى.

غياب العمق

ويرى المطيري أنه بالنسبة للخط المهم في العمل وهو خط الإرهاب الذي يأتي بلمحات سريعة خاطفة، فإنه ومما عرض فيه يمكننا استشفاف حسنة وحيدة وهي تحييده لدور المسجد وتبرئته من تهمة الإرهاب، حيث نلحظ أن "مشعل المطيري" الحريص دوما على حضور الدروس العلمية في المسجد، لا يجد التحريض على القتال والإرهاب إلا بواسطة شخص متدين يأتي خلسة من خلف صفوف المصلين، وليس من على المنبر الواضح الصريح الذي اعتلاه الشيخ "عبد الكريم القواسمي" والذي اتسم طرحه بالعقلانية والهدوء والاتزان.

إلا أن المطيري يرى أنه رغم هذه النفحة من الموضوعية، فإن أنزور لا يتناول القضية بالشكل العميق المتوقع؛ إذ نراه يحصر مشكلة الإرهابي الصغير (مشعل) في عدم حصوله على الوظيفة، والبطالة ليست سببا موضوعيا مقنعا لتفسير الإرهاب.

إذن فحصر هموم "مشعل" في عدم حصوله على وظيفة يبدو لوكا في قضية تم حسمها سلفا.. لكن هناك تفسيرات أخرى يوردها الدكتور المصري (يؤدي دوره الممثل حسن عبد الحميد) الذي يردد دائما فكرة "الحرية" والشعور بالاضطهاد والاختناق من تكالب الأمم وحالة التيه التي يمر بها الشباب وكيف أنها تؤثر وتضغط عليهم بشكل قد يحيلهم إلى قنابل توشك على الانفجار وإرهاب العالم.. وهي تفسيرات قد تكون الأقرب للصواب، ويبدو أن كلا من هذين الخطين يسبح في فلك مستقل، ولا تقاطع بينه وبين الآخر.

ويستطرد المطيري: إن مسلسل "طاش ما طاش" قد تناول هذا الموضوع بالذات، السنة الماضية، وفي حلقة لم تجتز حاجز النصف ساعة بعنوان "وستبقى الحياة" وقد احتوت على ذات الخطوط التي في "الحور العين"، وظهرت كاملة مستوفية شروط العمل الفني، دونما حاجة إلى ثلاثين حلقة طويلة.

نأتي الآن لشخصية الشيخ الموجّه والقائد الذي يسعى إلى جر "مشعل" إلى ساحة الإرهاب. هذا الشيخ ذو الملابس البيضاء النقية، يبدو غريبا محاطا بهالة من القداسة المؤثرة، وكأنما هو مقاربة ذهنية لأفكار الشباب حول قداسة القضية التي يحاربون من أجلها، وصفاء المبدأ ونقاء الغاية، وهو صورة -ربما- تقريبية لزعيم تنظيم القاعدة الإرهابي أسامة بن لادن.

إن الحديث بين "مشعل" وشيخه الغامض يتسم بنكهة تقريرية مباشرة، وبلغة أشبه ما تكون بالخطابية، وهو وإن كان حديثا منطقيا في ظاهره فإن المشكلة الوحيدة هي في أن الدافع الحقيقي لـ"مشعل" والذي أوصله إلى هذا المستوى من النقاش والجدل هو أنه فقط لم يحصل على "وظيفة".. وهذا ليس بالدافع الصحيح ولا بالكافي.. وهو تبرير سهل يستخدمه فقط من لا يريد معالجة قضية الإرهاب أو النظر فيها نظرة جادة عميقة متفحصة.. و"أنزور" لا يبدو جادا في تناوله لهذه القضية ولا عميقا كما يدّعي؛ فهو سار خلف الأفكار السهلة والواضحة.

دراما متخبطة

ويضيف المطيري: هناك نقطة أخرى توضح إلى أي مدى كانت المعالجة متخبطة، سطحية، غير مدروسة بشكل كاف ودقيق، تلك التي تتعلق بالإرهابي المرتقب (مشعل) وبسرعة تحوله من إنسان عادي إلى إرهابي يشارك في التنظيم المسلح، وربما يقود سيارة مفخخة.

فهذا التحول، أو الانقلاب الفكري الذي يتعرض له، يتم بصورة سريعة، خاطفة، لا تكاد تكون مقنعة، خاصة ونحن نعلم أن التحولات الفكرية يلزمها سنوات طويلة، تبدأ من الصدمة، ثم مرحلة الارتباك، ثم نزع الفكرة القديمة وإحلال أخرى جديدة مكانها، ثم مرحلة تخمير الفكرة الجديدة، إلى أن يصل إلى نقطة اعتناقها.

فنحن نشاهد "مشعل" وهو لا يزال بعد إنسانا عاديا، كيف أنه يتصفح مجلة "صوت الجهاد" الإلكترونية ويبدأ بتشرب أفكارها، وهي التي لم تتم سنتها الأولى عندما حصل تفجير المحيا، أي إن هذا الشاب، حتى وإن قرأ العدد الأول من المجلة، فلا يزال بينه وبين تفجير المحيا أقل من سنة.. وهذه فترة غير كافية أبدا لحدوث مثل هذه الانقلابات الفكرية العنيفة.. و"أنزور" يقفز على ذلك كله ويقدم طريقة سريعة للتحول والانقلاب.

أخطاء إخراجية


نجدت أنزور

ولا يقف التخبط عند هذا الحد، بل يتجاوزه إلى تفاصيل دقيقة، وقفت عثرة أمام كل مشاهد جاد يبغي شيئا عميقا ومدروسا من العمل؛ فالمسلسل يمتلئ بالأخطاء من مثل تلك اللقطة التي تظهر فيها على شاشة التلفزيون قناة "روتانا زمان" وهي قناة لم تظهر فعليا إلا قبل شهرين أو ثلاثة، أيضا موديلات الموبايل الجديدة التي تستخدمها بعض شخصيات العمل، ثم الفصول الدراسية التي تعج بغير السعوديين، ومشكلة مواقيت العمل والدراسة.

وهذه دلائل، قد تكون بسيطة، لكنها تشرح عدم الإتقان في الصنعة، وتنزع عن العمل جديته المفروضة، وتقودنا بالتالي إلى عدم توقع الكثير من المسلسل، لا على صعيد معالجة قضية الإرهاب، ولا حتى على مستوى الحركة والإثارة.

كما تأخر المخرج كثيرا في التلاقي بين الخطوط الرئيسية للمسلسل؛ فلم يرد أي شيء يشير إلى إمكانية حدوث عملية إرهابية ضد هذا المجمع إلا بعد الحلقة الثانية عشرة، وذلك بعد إذاعة بيان وزارة الداخلية الذي يحذر من سيارة مشبوهة محملة بالمتفجرات بالرياض، من هنا بدأ المسلسل منحى آخر بالتركيز على التداعيات النفسية والاجتماعية الذي يخلفها الإرهاب لأناس آمنين.

دعوة للحوار

كانت أولى المشكلات التي أثارها المسلسل تكمن في عنوانه "الحور العين"، وقد جاء اختيار اسم هذا المسلسل استلهاما من والد أحد الإرهابيين الذي تم التغرير به؛ إذ نقل عن ابنه قوله: "جعلوني أرى نفسي في الجنة مع الاثنتين والسبعين حورية اللواتي سأتزوج بهن"، كما نقلت وكالة أسوشييتد برس للأنباء عن عبد الله بجاد الذي أشرف على الجزء الديني من المسلسل قوله: "إن أحد المشاركين في التفجيرات في إحدى الضواحي السكنية في السعودية سمع وهو يعد الثواني عدا تنازليا في مكالمة أجراها مع مسئوله قائلا: بقي كذا ثانية على اللقاء بالحور العين".

وفيما يتعلق بالجدل الدائر حول مسلسل "الحور العين" اقترح فضيلة الشيخ "سلمان بن فهد العودة" على إدارة قناة إم بي سي التي تعرض المسلسل حصريا على قناتها تنظيم حوارات يديرها العلماء والمختصون حول حلقات هذا المسلسل، بحيث يتم التطرق لمختلف جوانبه، حتى يتمكن المشاهد من سماع الرأي الآخر حول هذا البرنامج.
اقرأ أيضا:

أول عرض سينمائي بالسعودية في عيد الفطر

هل انتهت فوبيا السينما في السعودية؟


** صحفي مصري مقيم في السعودية.

المصدر اسلام اون لاين
  #198  
قديم 13/11/2005, 04:05 PM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
الأحزاب الإسلامية بين الشكل والمضمون

د. حسن حنفي
ظهرت في المدة الأخيرة عدة أحزاب وحركات سياسية إسلامية لا تطلق على نفسها الأحزاب الإسلامية بل أحزاب العدالة والتنمية والمساواة. تتجاوز الشكل إلى المضمون، والشعار إلى التطبيق. ولا تهدف فقط إلى الوصول إلى الحكم بل إلى قضاء مصالح الناس. وهو تقدم كبير بالنسبة للأحزاب الإسلامية التقليدية.
فقد سمت بعض الأحزاب نفسها إسلامية أولا حتى تكسب شرعية من التاريخ، وتجد جذوراً راسخة في الموروث الثقافي الذي أصبح ثقافة شعبية للناس. فالناس لا تعرف الليبرالية أو الماركسية. بل إن لفظ "الديمقراطية" بالرغم من شيوعه وتعبيره عن حاجة الناس إلى الحرية إلا أنه لفظ أعجمي لا يجند الناس، ولا يحزّب الجماهير. إنما الذي يحركهم قولة عمر بن الخطاب:"متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً" أو قولة عرابي للخديوي توفيق: "إن الله خلقنا أحراراً ولم يخلقنا عقاراً. والله لا نوّرث بعد اليوم". كما أن تسمية بعض الأحزاب نفسها "إسلامية" تختزل الكل إلى الجزء. فالإسلام تراث الجميع، لا يستأثر به حزب واحد. الكل مسلمون سواء كان ذلك في حزب إسلامي أو وطني أو ليبرالي أو ديمقراطي أو اشتراكي. التسمية إذاً طلب للقوة، وإعطاء للنفس ميزة على الغير، وكأن الحزب الإسلامي وحده هو الذي ينتسب إلى الإسلام دون غيره من الأحزاب "العلمانية".

وقد يعني الحزب الإسلامي تطبيق الشريعة الإسلامية. وهو أمر محبب للأتقياء الذين يودون الإسلام الكامل، عقيدة وشريعة، وللمحافظين الذين يرون الإسلام شعائر وقوانين مع أن الشريعة ليست هدفاً في حد ذاته بل وسيلة لتحقيق مقاصدها وهي المحافظة على الحياة (النفس) والعقل، والحقيقة أو المعيار أو القيمة (الدين)، والكرامة والشرف (العرض)، والثروة الوطنية والمال العام (المال).

والشريعة كل لا يتجزأ، حقوق وواجبات. العقوبات فيها نتيجة لعدم الالتزام بالواجبات. وإذا كان كل واجب يقابله حق فأين الحقوق؟ أين حقوق الناس في الطعام والكساء والسكن والتعليم والصحة، أي حاجاتهم الأساسية التي يكفلها لهم بيت المال؟. ليس المقصود من تطبيق الشريعة التخويف والردع. فالشريعة أتت هادية وليست جابية. ولا تطبق فقط على الفقراء بل على الأغنياء أيضاً حتى لا ينطبق علينا حديث "إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف طبقوا عليه الحد".

ولهذا السبب تتجنب بعض الأحزاب الإسلامية تسمية نفسها كذلك حتى لا تستأثر بلفظ "إسلامي" دون غيرها فتعزل نفسها عن باقي الأحزاب أو تسبب عداء العلمانيين وربما الدولة لها. تسمي نفسها حزب "الوسط" فالإسلام دين الوسط، والأمة الإسلامية أمة الوسط، والسلوك الإسلامي سلوك الوسط "وكذلك جعلناكم أمة وسطاً"، وخير الأمور أوسطها.

وقد ترضى الدولة التي ستسمح بقيام الحزب بالتسمية لأنها تدل على مناهضة التطرف والمتطرفين، والجماعات الإسلامية الجذرية التي تمارس العنف في الداخل والخارج. ويعيب ذلك أن الأحزاب الحاكمة تختار نفس التسمية لتدل بها على مناهضتها للتطرف الإسلامي والتطرف الشيوعي. ومن ثم يستعمل لفظ "الوسط" من الحكم والمعارضة على حد سواء فيفقد دلالته. يُحسّن صورة الحزب الحاكم، ويضعف صورة حزب المعارضة.

وقد يكون الاسم "جبهة الإنقاذ" سواء بذكر "الإسلامي" أو دونه. وإن لم يظهر لفظ "إسلامي" فإنه مع ذلك يدل على غرور واضح. فهو المنقذ من الضلال. هو الفرقة الناجية وغيرها من الأحزاب الفرق الهالكة. تخلت عن الشكل دون المضمون، وعن الاسم دون القصد. وقد يكون الاسم حزب "النهضة". والنهضة والإصلاح لفظان تعودنا عليهما منذ قرنين من الزمان. ومازالا مؤثرين في وجدان الناس. فمن يرفض النهضة أو لا يعمل لها، ومن يرفض النهوض والبعث بدلا من الانهيار والسقوط؟.

وقد يفضل تنظيم آخر إسقاط لفظ "حزب" دون لفظ "إسلام" كما هو الحال في جماعة "الإخوان المسلمين". فهي جماعة أو تنظيم أو حركة. لذلك لم ينطبق عليها قانون حل الأحزاب الذي صدر في أول الثورة المصرية عام 1953. ويظل الوضع مريباً: حزباً أو غير حزب. وقد يعطي ذلك الدولة حجة عدم الاعتراف بالتنظيم كحزب سياسي إلا إذا أعلن ذلك في برنامج على غير أساس ديني. واستعمال لفظ "المسلمون" يوقع في نفس المحظور وهو الاستئثار بلفظ عام لصالح جماعة خاصة. لذلك ثار نقاش: هل هم جماعة المسلمين أم جماعة من المسلمين؟ هل يمثلون كل المسلمين ومن لم يكن منهم فإنه ليس مسلماً أم أنهم جماعة إسلامية مثل غيرهم؟ وطغى النقاش النظري الفقهي على الحوار الوطني وقضاء مصالح الناس.

لذلك تقدمت بعض الأحزاب الإسلامية تقدماً جوهرياً بتجاوز الشكل إلى المضمون، وعدم استعمال لفظ "إسلامي" لمحدداته، وعدم إثارة الدولة العلمانية أو الأحزاب العلمانية، والدخول في المعترك السياسي والحوار الوطني من أوسع الأبواب بل والوصول إلى السلطة والحكم.

ففي المغرب هناك حزب "العدالة والتنمية". وهو الحزب الحاكم بعد الحزب الاشتراكي الذي كان في المعارضة وحزب الاستقلال الذي كان الحزب الحاكم التقليدي الذي قاد الحركة الوطنية من ثنايا الحركة الإسلامية في شخص علال الفاسي. فأهم هدفين لأي حزب إسلامي هما العدالة والتنمية، توزيع الدخل بما يحقق أكبر قدر ممكن من المساواة، وزيادة الدخل القومي من أجل ارتفاع مستوى الدخل الفردي. والدفاع عن المال أحد مقاصد الشريعة التي من أجلها وضعت الشريعة ابتداء. وحدث نفس الشيء في تركيا. فالحزب الحاكم هو أيضاً حزب "العدالة والتنمية" ذو التوجه الإسلامي. ويعني الإسلام الاتجاه الوطني المستقل تجاه القوى الكبرى خاصة الولايات المتحدة الأميركية وكما ظهر أخيراً أثناء رفض تركيا مرور القوات الأميركية عبر أراضيها لغزو العراق مع أنها عضو في حلف شمال الأطلسي، وفي نفس الوقت التصنيع. واستطاع تحييد الجيش الذي كان يترصد للحركات الإسلامية. وأنهى تجربة أربكان الذي أعلن بصراحة انتسابه للأيديولوجيا الإسلامية، وأثار في الناس حلم الخلافة. وجعل قضيته الرئيسية الحجاب كرمز. بل إن أحد أحزاب المعارضة في السودان في منطقة دارفور هو حزب "العدالة والمساواة". العدالة في توزيع السلطة والثروة بين شرق السودان وغربه مثل توزيعهما بين شمال السودان وجنوبه. مسلمون في مواجهة مسلمين.

وعلى هذا النحو يمكن للأحزاب الإسلامية أن تحقق أهدافها متجاوزة اللفظ إلى المضمون. وتكون قادرة على الحوار مع باقي الأحزاب "العلمانية" التي قد تكون أقرب إلى مقاصد الشريعة من الأحزاب "الإسلامية" مثل حزب "الكرامة" أو حزب "الغد" أو حزب "المستقبل". كما يمكنها الدخول في حوار مع باقي الأحزاب الليبرالية والاشتراكية والديمقراطية والجمهورية وأحزاب العمال والمحافظين. فالبرنامج الحزبي مضمون وليس شكلا.

مهمة الأحزاب الإسلامية إذن الدخول في معترك الحياة السياسية والدعوة إلى حوار وطني حول مضمون جبهة وطنية تحقق أهداف المجتمع ومصالح الناس. وإذا كان الناس في حاجة إلى الخبز والحرية تستطيع الأحزاب الإسلامية تسمية نفسها أحزاب العدالة والحرية. ومن ثم يلتف حولها الجميع لما لها من قدرة على تجنيد الجماهير. والمهم في الإسلام هو المضمون لا الشكل، المعنى وليس اللفظ، الواقع وليس النص طبقاً للأثر:"إن الله لا ينظر إلى صوركم وأشكالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم".



المصدر وجهات
  #199  
قديم 27/11/2005, 02:31 PM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Lightbulb

لماذا وحدتهم الوطنية مُقدّسة ووحدتنا مُدنـّسة؟




د. فيصل القاسم

قبل حوالي ثلاث سنوات فقدت الوزيرة البريطانية آن وينترتون منصبها كمتحدثة باسم رئيس حزب المحافظين لشؤون الزراعة بسبب نكتة سخيفة. فقد تهكمت الوزيرة أثناء تناولها الغداء مع مجموعة من الأصدقاء والصحفيين في أحد الأندية الرياضية على الجالية الباكستانية في بريطانيا. وكانت النكتة على الشكل التالي: "هل تعلمون لماذا رمى شخص انجليزي مهاجراً باكستانياً من نافذة القطار وهو مسرع، لأن كل عشرة باكستانيين في بريطانيا يساوون بنساً (فلساً) واحداً ههههههه". لم تكن تدرك سعادة الوزيرة أن تلك النكتة السمجة ستطردها من الحكومة. فبعد ساعات فقط من وصول النكتة إلى وسائل الإعلام كان رئيس حزب المحافظين إيان دنكين سميث وقتها على الهاتف ليخبر الوزيرة بأنها مطرودة من حكومة الظل التي يرأسها. وقد برر سميث قراره السريع والحاسم بأنه يُمنع منعاً باتاً التلاعب بالنسيج العرقي والاجتماعي في بريطانيا. أو بعبارة أخرى فإن الوحدة الوطنية في البلاد خط أحمر لا يجوز لأحد تجاوزه مهما علا شأنه وأن أي مس به سيعرّض صاحبه لأقسى العقوبات.

وقد سنت الحكومة البريطانية وغيرها من الدول الأوروبية قوانين صارمة جداً لمكافحة العنصرية والطائفية والتحزب العرقي والديني، بحيث غدا النيل من الأعراق والطوائف والإثنيات والديانات في البلاد جريمة يُعاقب مرتكبها عقاباً أليماً. وقد يقول قائل هنا إن التفرقة العنصرية ما زالت متفشية في الغرب بطريقة بشعة والدليل على ذلك أعمال الشغب الهائلة التي شهدتها فرنسا في الأسابيع الأخيرة احتجاجاً على الظروف المزرية التي يعيشها الوافدون العرب والأفارقة في ضواحي باريس. وهذا صحيح. ولا شك أيضاً أن هناك ألف طريقة وطريقة للتمييز ضد بعض مكونات المجتمعات الغربية في العمل والمسكن والمعاملة وغيرها. لكن الأكيد في الموضوع أن الشحن الطائفي والعرقي والإثني والمناطقي والديني ممنوع منعاً باتاً في الغرب وأن أي محاولة لشق الصف الوطني أو إضعاف التلاحم الاجتماعي جريمة لا تغتفر في الأقاليم الغربية. إن الوحدة الوطنية في أوروبا وأمريكا شيء مقدس والويل كل الويل لمن يحاول التلاعب بها.

لقد حاولت الحركات الانفصالية في أوروبا كثيراً الاستقلال، لكنها فشلت فشلاً ذريعاً في بريطانيا وفرنسا وإسبانيا وغيرها. فبالرغم من لجوء منظمة الجيش الجمهوري الإيرلندي إلى العنف لعدة عقود من أجل فصل إيرلندا الشمالية عن بريطانيا إلا أنها لم تنجح، وقد وجدت نفسها مضطرة أخيراً للتفاوض مع التاج البريطاني والتخلي حتى عن سلاحها. صحيح أن منظمة الباسك الإسبانية ما زالت تحاول الانفصال لكن الحكومة الإسبانية لن تحقق لها مرادها على ما يبدو. وكذلك الأمر بالنسبة للكورسيكيين في فرنسا. ولا ننسى أن هناك ولايات أمريكية تسعى منذ زمن بعيد للاستقلال عن واشنطن كولاية كالفورنيا، لكن الاستقلال ما زال حلماً بعيد المنال بالنسبة لها. وفي الوقت الذي تضعف فيه قبضة الاتحاد الفيدرالي في أمريكا سنجد كاليفورنيا أول من سيخرج على السرب وينشد الحكم الذاتي على أقل تقدير.

لكن في الوقت الذي تحافظ فيه الدول الغربية على نسيجها الوطني واللحمة الداخلية وتحميهما من التفكك بضراوة عز نظيرها نجد أن التلاعب بالوحدة الوطنية في العالم العربي أسهل من شرب الماء. فقد قام الغزو الأمريكي والبريطاني للعراق في المقام الأول على سياسة "فرق تسد" التي كما هو واضح حولت العراق إلى ملل ونحل وطوائف ومافيات متصارعة ومتناحرة بعد أن كان العراق يفخر بأنه لم يعرف التمييز بين عرق وآخر أو طائفة وأخرى على مدى أكثر من ثمانين عاماً. وبينما ترفض أمريكا رفضاً قاطعاً السماح لأي إقليم بالانفصال عن المركز نرى أن واشنطن ولندن لا هم لهما سوى تشجيع مكونات الشعب العراقي على الانفصال والتشرذم بحجة الفدرلة حتى بتنا نسمع عن كردستان العراق والإقليم الشيعي والمثلث السني وغيرها من التسميات الانفصالية البغيضة.

ولا يقل الأمر خطورة في السودان، فهناك كلام عن تقسيم البلاد إلى أربع دويلات على أسس عرقية ودينية ومناطقية، ولا ندري إلى متى يظل الجنوب منضوياً تحت العلم السوداني وأيضاً دارفور، والحبل على الجرار.

وقد وقعت بعض أطراف المعارضة السورية في فخ المخطط الغربي القائم على التفتيت وزرع الأسافين عندما أقدمت على إطلاق ما يسمى بـ "إعلان دمشق" الذي وصفه البعض بـ"إعلان قندهار" نظراً لأنه إعلان عصبوي لا يسمح إلا لمعارضين من طائفة معينة بالانضمام إلى صفوفه واستبعد معارضين آخرين على أسس طائفية فجة. ولا أدري لماذا لم تتعلم المعارضة السورية من مخاطر اللعبة الطائفية في العراق وإلى أين وصلت بالبلاد! هل أخطأ البعض عندما شبه "إعلان دمشق" بمؤتمر المعارضة العراقية في لندن قبيل الغزو؟ ألم يعترف بعض أقطاب المعارضة بأن الهدف من ذلك المؤتمر كان تمهيداً لتقسيم العراق على أسس طائفية؟ فكيف يكون الموقعون على "إعلان دمشق" وطنيين إذا كان مكتوبهم يُقرأ من عنوانه وإذا كانوا يسيرون على هدي المعارضين العراقيين السابقين الذين يتعاملون مع العراق الآن على أنه عبارة عن محميات طائفية وعرقية ومناطقية؟ ألا يخجل بعض المعارضين السوريين في الخارج من تسخير مواقعهم الالكترونية للشحن الطائفي واللجوء إلى خطاب عنصري وفئوي لم يجلب لأوطاننا إلا الخراب والدمار؟ هل صام الشعب السوري دهراً كي يفطر على ديموقراطية طائفية بغيضة؟ هل نصلح الخطأ بالخطأ؟ أليست هذه عملية فرز طائفي، وعنصري تكشر فيه المعارضة عن أنيابها قبل الوصول إلى السلطة، فكيف سيأمن السوريون لهم بعد الوصول للحكم؟ ألا يزرعون بذور فتنة لا تبقي ولاتذر ويحددون موقفهم مسبقا من أبناء جلدتهم؟ ألا يقود مثل هذا الكلام إلى تفتيت التراب الوطني؟ ألا يلاحظ المعارضون السوريون الذين يعيشون في الغرب كيف تحمي الدول الغربية نسيجها الوطني بأسنانها وتحرّم على الجميع المساس به؟ فلماذا لا يتعلمون منها؟ هل لاحظتم الفرق بين السياسيين البريطانيين الوطنيين الذين يغارون على وحدة بلادهم ويذودون عنها بشتى الوسائل وبين بعض سياسيينا ومعارضينا المزعومين الذين يتلاعبون بوحداتنا الوطنية كما يتلاعب الأطفال بدمية "اليو يو"؟

لعل الوضع الأخطر في لبنان، حيث عادت حليمة إلى عادتها القديمة تتباهى بطوائفها المتناحرة. ومن الواضح أن القوى التي لا تريد لبلادنا سوى التمزق والتشرذم عادت لتعزف على الوتر الطائفي في لبنان. ولا أدل على ذلك المحاولات الدولية لتجريد حزب الله من سلاحه. فعلى الرغم من أن ظاهر تلك المحاولة قد يبدو سياسياً إلا أن الهدف المخفي منها طائفي أيضاً، إذ هناك عملية شحن وتحريض للطوائف الأخرى كي تتصدى لحزب الله. وكاد وليد جنبلاط أن يقع في الفخ عندما راح يطالب بنزع سلاح المقاومة بأية طريقة، لكنه عاد إلى رشده بعد اجتماع مع السيد حسن نصر الله الذي لجمه بسؤالين عندما قال له:" متى سنبدأ بإطلاق النار على بعضنا البعض يا وليد بيك، ألا تعلم أن تصريحاتك الأخيرة قد تؤدي إلى أنهار من الدم؟" وعلى ما يبدو أن جنبلاط فهم الرسالة وتوقف عن اللعب بالنار مرحلياً.

وكم أحزنني وأخافني موقف بعض المعارضين المصريين الذين يدّعون الليبرالية عندما دخلوا على خط الصراع بين المسلمين والأقباط في الاسكندرية! فمن جهة تجد كاتباً مصرياً وقد صدّع رؤوسنا بالحديث عن فضائل الديموقراطية والانفتاح والتسامح والليبرالية وقبول الآخر ومن جهة أخرى تراه يسفر عن وجهه الطائفي القبيح عندما يسخّر قلمه السخيف للشحن الطائفي والغرق في التباكي على حقوق الأقليات ضارباً عرض الحائط بحقوق الأغلبية. لماذا لا يتعلم هذا "الليبرالجي" العتيد وأمثاله من أسياده في الغرب الذين يعيّرنا دائماً بتسامحهم وحضارتهم؟ ألا يقدسون وحدتهم الوطنية ويربأون بأنفسهم المتاجرة بها كما يفعل هو بطريقته الطائفية المفضوحة والدنيئة؟

إن أوطاناً تسكن على هذا الصفيح الساخن الطائفي البغيض وهذا التنوع العرقي الكثير,لا بد لها من انتهاج سبيل قويم غير ذلك الطرح العليل من تأجيج النيران وإثارة النعرات، وإيجاد كافة السبل للم شمل الأوطان وتوحيدها وتعزيز لحمتها لا توتيرها وتجييشها الذي سيذهب بالجميع إلى الجحيم. ومن هنا كانت القوانين المتشددة في الغرب حيال هذا الموضوع الحيوي والهام الذي يجب أن يبقى حصيناً وبعيداً عن متناول العباد، بينما يقاربه جهابذتنا الأفذاذ في المعارضات بكل اللامبالاة غير آبهين,أو ربما غير مدركين لما ستؤول إليه الأمور جرّاء اللعب, وولوج هذا القطاع الحساس.

وكي لا نبرئ الأنظمة العربية الحاكمة من التلاعب بالوحدات الوطنية لا بد من التذكير بأن هناك أنظمة كثيرة تلاعبت بالنسيج الوطني لأغراض أقلوية وفئوية بغيضة. لكن هذا يجب ألا يجعلنا نغض الطرف عن الحملة الاستعمارية الجديدة التي تستهدف وحدة الأوطان بهدف تفتيتها وبعثرتها. فالبرغم من كل مساوئها وحكمها الأقلوي تبقى الأنظمة العربية أقل خطراً على الوحدة الوطنية في البلاد العربية خاصة إذا ما علمنا أن الاستراتيجية الاستعمارية الجديدة تقوم بالدرجة الأولى على إنهاك المجتمعات العربية اقتصادياً واجتماعياً كي تكون جاهزة في اللحظة المناسبة للتفكيك والتشتيت والتفتيت إلى شظايا.

لقد حاصر الأمريكيون العراق أربعة عشر عاماً ومنعوا عنه حتى أقلام الرصاص وجوعوا شعبه وأنهكوه بشتى الوسائل مما جعله في النهاية عرضة للانهيار ومن ثم التشرذم الطائفي والعرقي والمناطقي. وبالتالي يجب أن نفهم جيداً أنه مهما كانت الوحدة الوطنية قوية ومتماسكة في أي بلد فإنها لا تستطيع الصمود إلى ما لا نهاية إذا ما اشتدت عليها الضغوط الداخلية والخارجية. ولو تعرضت أي دولة غربية للضغوط السياسية والاقتصادية والإعلامية والدعائية كما تعرضت بعض الدول العربية لما استطاعت الحفاظ على نسيجها الوطني. وقد لاحظنا كيف أن المسؤولين البريطانيين يخشون على وحدتهم الوطنية من نكتة بسيطة تتناول التركيبة العرقية في البلاد، فما بالك لو أنهم تعرضوا لحملات إعلامية شريرة ومسعورة لا هم لها سوى الشحن الطائفي والعرقي ليل نهار والعزف على الأوتار الاجتماعية الحساسة.

وفي الوقت الذي نحيي فيه الغربيين على غيرتهم العظيمة على وحدتهم الوطنية نناشدهم ألا يعبثوا بوحدتنا وأن يتوقفوا عن ألاعيبهم التقسيمية الشيطانية التي دفعت الشعوب ثمنها من استقرارها ودمائها وخبزها وحريتها. كما نناشد مثقفينا وإعلاميينا ومعارضينا وسياسيينا أن يتعلموا من الدول الاستعمارية التي تدافع عن وحدة بلادها بالحديد والنار، وهي على حق، فلا قيمة لأوطان تسكنها طوائف وملل ونحل وقبائل وبطون وأفخاذ متناحرة وتنام وتصحو على الصراعات الطائفية والدينية والعرقية القاتلة وتمضي وقتها بالتهديد والوعيد، وتلهي نفسها بثقافة التخوين والتكفير.

المصدر
الأحد 27 نوفمبر
الشرق القطرية
  #200  
قديم 11/12/2005, 03:39 PM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Thumbs up

تايلاند: مَلَكية فريدة وملك فريد









د. عبدالله المدني


احتفلت تايلاند في الخامس من الشهر الجاري بالعيد الثامن والسبعين لميلاد عاهلها الملك بهوميبول ادولياديج (راما التاسع)، وأيضا بالذكرى التاسعة والخمسين لتتويجه رسمياً· وكما جرت العادة في سنوات العقد الأخير التي شهدت تقدم الملك في السن وتراجع نشاطه، فإن الحدث كان مناسبة لتكرار السؤال حول مصير البلاد في حال غيابه عن المشهد، هو الذي يعتبر أطول ملوك تايلاند عهداً، بل عميد ملوك العالم أجمع· وأسباب الخشية تكمن في أن ولي العهد الأمير ''فاجيرالونغكورن'' (52 عاما) قد لا يستطيع ملء الفراغ ومواصلة دور والده بنفس القدر من الحكمة وبعد النظر· فهو رغم مؤهلاته العسكرية (خريج الكلية الحربية فيبيرث بأستراليا) ومؤهلاته السياسية (خريج إمبريال كوليدج في لندن) لا يملك من سحر الشخصية والاستقامة العائلية والمواهب الفريدة والتجارب الغنية ما يمكنه من أن يكون صنوا لأبيه·
ورغم أن التايلانديين عموماً يتجنبون الحديث علانية عن ذلك (احتراما للعائلة وأيضاً خشية من العقوبة التي قد تصل إلى السجن لمدة 15 عاما لكل من يسيء بالكتابة أو القول إلى الملك أو الملكة أو ولي العهد)، فإن ما لم يعد سراً هو أنهم ينظرون إلى ولي العهد بحذر شديد بسبب كثرة مغامراته ونزواته وفشل زيجاته وغير ذلك من الأمور التي لا تليق في عرفهم بمن يفترض أنه سيمثل الأمة ويجسد هويتها الثقافية، ناهيك عما عرف عنه من حدة الطبع والتي قد توقعه وتوقع الملكية معه في مشكلات مع الساسة·
والملكية في تايلاند فريدة من نوعها سواء لجهة تاريخها وتطورها، أو لجهة التقاليد التي تحكمها والأدوار التي يضطلع بها الملك في الحياة العامة؛ إذ لها من التاريخ ما يقارب سبعة قرون شهدت خلالها عمليات تطوير وتحديث تدريجية على يد من توالوا على العرش، ولا سيما الملوك التسعة من سلالة شاكري التي ينتمي إليها العاهل الحالي، بحيث تحولت في النهاية إلى مؤسسة محترمة في الداخل والخارج وإلى عمود فقري لاستقرار البلاد ووحدتها الوطنية وسلامها الاجتماعي· أحد أبرز هذه التطورات ما حدث في عام 1932 الذي يؤرخ لبدء مرحلة الملكية الدستورية وانتهاء عهد طويل من الملكية المطلقة والحكم المركزي الشديد· ففي ذلك العام استجاب الملك براجاديبوك لضغوط النخب التايلانديــــة
وغير نظـام الحكم مدشناً أول دستور في تاريخ تايلاند·
وهي- أي الملكية التايلاندية- لئن اتفقت مع بقية الملكيات الدستورية في كون صاحبها يملك ولا يحكم، فإنها تختلف معها في أن للملك ثلاثة حقوق أساسية يمكنه من خلالها إضفاء مرئياته على شؤون البلاد· هذه الحقوق هي: الحق في إسداء المشورة إلى رأس الحكومة، والحق في تحذيره والحق في تشجيعه· وقد استخدم الملك الحالي هذه الحقوق بمهارة فائقة أثناء المنعطفات والمآزق الصعبة التي واجهت بلاده خلال العقود الستة الماضية· ففي الستينيات مثلاً عندما رفضت الحكومة العسكرية قبول قرار لمحكمة العدل الدولية لصالح كمبوديا ضد تايلاند في خلاف حدودي، تدخل الملك وأقنعها بالموافقة، الأمر الذي جنب البلاد الانتقادات وحمى سمعتها الدولية· وفي عام 1973 الذي شهد ثورة طلابية ضخمة ضد الحكم العسكري، سقط خلالها أكثر من مائة متظاهر برصاص الجيش، لم يستطع الملك السكوت وتدخل طالباً من رئيس الحكومة ونائبه مغادرة البلاد وعاهداً بالمسؤولية إلى أحد كبار القضاة السابقين· أما حينما قام نفر من عقداء الجيش بانقلاب في عام 1981 على رئيس الحكومة الجنرال بريم احتجاجا على اعتداله ومرونته، فقد كان خروج العائلة المالكة من بانكوك والتحاقها بالجنرال المخلوع في شمال شرق البلاد مؤشراً على امتعاض الملك وكافياً لإحباط الانقلاب·
وتدين الملكية في تايلاند بالكثير للعاهل الحالي، فهو بذكائه وبعد نظره واحترامه للدستور وتواصله المستمر مع العامة من خلال زياراته الميدانية في طول البلاد وعرضها للإطلاع على أحوال العامة والاستماع إلى ملاحظاتهم، اكسبها وهجاً واحتراماً شعبياً قلما تنافسه فيه الملكيات الأخرى، وأضفى عليها بعداً إنسانياً بحيث صار ينظر إليها كمصباح مرشد للأمة وكمؤسسة تعمل من أجل رفاهية ونهضة الشعب، لا من أجل إخضاعه وحكمه· حدث كل هذا رغم أن الرجل لم يعد ليكون ملكاً· فاختياره جاء مصادفة وذلك في أعقاب مقتل شقيقه الأكبر الملك ''أناندا'' في عام 1946 في حادث مأساوي غامض وهو لم يزل في ريعان شبابه· والأخير كان قد سمي ملكاً في عام 1935 خلفاً لعمه الملك ''براجاديبوك'' الذي تنازل عن العرش لأسباب خاصة، في واقعة شبيهة بما حدث لملك بريطانيا الأسبق ادوارد الثامن· ولأن الأمير ''بهوميبول'' كان وقتها طالبا في المرحلة الجامعية في سويسرا التي كان قد انتقل إليها مع والدته في أعقاب وفاة والده الأمير ماهيدول شاباً في الولايات المتحدة، فإن تتويجه تأخر لمدة أربعة أعوام، كي ينهي الأمير دراسته في كلية القانون والعلوم السياسية في جامعة لوزان· والملك ''بهوميبول''، الذي ولد في عام 1927 في مدينة كامبردج بولاية ماساتشويتس الأميركية حيث كان أبوه و أمه يدرسان الطب في جامعة هارفارد وكلية سومونس على التوالي، يستمد جزءا من احترام شعبه له من كونه حارس الديانة البوذية التي يدين بها غالبية السكان، ويستمد الجزء الآخر من نبوغه وتميزه في جملة من المعارف والعلوم، على اعتبار أن التميز والفرادة رديفان لصفة الملك· ففضلا على إطلاعه الواسع في مجال السياسة والقانون والعلاقات الدولية، يولي الملك اهتماماً خاصاً بعلوم البيئة وشؤونها إلى الدرجة التي حول معها جزءاً من مكتبة القصر الملكي وقاعاته للبحوث المتعلقة بهذا المجال· إلى ذلك فهو عازف ماهر على آلة السكسفون وله مؤلفات موسيقية كثيرة في فن ''الجاز''، وكاتب رواية، وخبير في فنون التصوير الفوتوغرافي وتقنياته، وفنان تشكيلي مبدع·
أما شعبيته الطاغية فقد لعبت فيها عوامل كثيرة أبرزنا بعضها فيما تقدم، فيما البعض الآخر يتعلق بايلائه اهتماماً خاصاً وفريداً منذ شبابه بعملية تنمية قدرات وأحوال مواطنيه الأقل دخلاً، وذلك وفق فلسفة تقوم على تحقيق الاكتفاء الذاتي بمعنى الإدارة الصحيحة والفعالة لموارد محدودة من أجل خلق أكبر قدر من المنفعة للجميع· وفي سبيل تحقيق هذا الهدف تجاوز الملك جهود حكومته ومؤسساتها، فتبنى شخصياً آلاف البرامج والمشاريع التنموية الصغيرة وانفق عليها من مخصصاته الملكية وذلك في مجالات مثل تنمية الاقتصاد الريفي، وحماية الغابات ومصائد الأسماك، وتطوير آليات الري، ومكافحة الأمراض وزراعة المخدرات، وتعليم المهارات الجديدة·


الاتحاد الاماراتية
الأحد:11. 12. 2005
 

أدوات الموضوع البحث في الموضوع
البحث في الموضوع:

بحث متقدم
تقييم هذا الموضوع
تقييم هذا الموضوع:

قواعد المشاركة
ليس بإمكانك إضافة مواضيع جديدة
ليس بإمكانك إضافة ردود
ليس بإمكانك رفع مرفقات
ليس بإمكانك تحرير مشاركاتك

رموز لغة HTML لا تعمل

الانتقال إلى


جميع الأوقات بتوقيت مسقط. الساعة الآن 09:45 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions Inc.
سبلة العرب :: السنة 25، اليوم 126
لا تتحمل إدارة سبلة العرب أي مسئولية حول المواضيع المنشورة لأنها تعبر عن رأي كاتبها.