سبلة العرب
سبلة عُمان الصحيفة الإلكترونية الأسئلة الشائعة التقويم البحث مواضيع اليوم جعل المنتديات كمقروءة

العودة   سبلة العرب > سبلة الثقافة والفكر

ملاحظات

 
 
أدوات الموضوع البحث في الموضوع تقييم الموضوع
  #1  
قديم 09/08/2006, 01:32 PM
سويري سويري غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ الانضمام: 13/02/2003
الإقامة: فى عمان الحبيبة
المشاركات: 837
Smile عيد ميلاد الدكتور بقلم :يونس الأخزمي

عيد ميلاد الدكتور





يونس الأخزمي




اقتادني أبي وأختي ليلى التي تكبرني بعام إلى حفلة عيد ميلاد الدكتور الذي يعمل مع أبي فـي مستشفى الإرسالية الأمريكية الذي تسميه أمي وجدتي «مستشفى طومس».
هذا الصباح أخذني أبي إلى سوق مطرح واشترى لي قميصا بأكمام طويلة وأزرار فضية كبيرة لامعة لأرتديها فـي حفلة عيد الميلاد التي ستقام بالمساء. بعدها اقتادني إلى الحلاق ومن ثم اشترى زجاجة عطر من أحد المحلات بالسوق ليسكبها بعد ذلك على ملابسي وملابس أختي «حتى تخرج منا أجمل الروائح» كما يقول.
لم يكن منزل الدكتور يبعد عنا كثيرا. كانت الشمس قد غابت تماما خلف الأفق وبقيت ذيلوها راسمة ذلك اللون البرتقالي الحزين، الذي لا أدري لماذا يذكرني بقرب بدء يوم دراسي كريه آخر. اختار أبي أن يسلك بنا طريقا مطولا لنصل إلى المستشفى. عبرنا بوابة المثاعيب ثم من أمام مخزن مهدي متحاشين المرور على ما يبدو من أمام بقالة المعسري، خوفا من أن ينتبه المعسري لوالدي فيذكره بالدين الذي عليه.
مررنا بعد ذلك من أمام مصنع اللبن والزبادي ومن ثم سور مدرستي الذي تتناثر فـي وسطه خيم الدراسة. هكذا فكرت حينها: أبي والشمس تحالفا علي ليذكراني بالمدرسة التي لن تتأخر بالتأكيد عن الغد. سرنا بعد ذلك فـي خط مستقيم قاصدين المستشفى من بوابته الخلفية حيث تقع المساكن والتي من بينها بيت الدكتور، وحين اقتربنا من بيته أستوقفني منظر شجرة الجهنمية بزهورها الوردية الكثيفة، وثمة أشجار بزهور ملونة تسلقت جدران بيته الذي لا يشبه بيوت مطرح فـي شيء على الإطلاق. وما أن طرق أبي الباب حتى خرج لنا ومعه زوجته. لأول مرة كنت أرى وأختي ليلى هذه الوجوه المحمرة عادة والتي لا تشبه وجوهنا. حدود رؤيتنا لها كان يتمثل فـي شاشة التلفزيون خصوصا ذلك المسلسل الذي لا نفوت منه حلقة واحدة والذي نسميه «دكتري». كنا نتابعه بشغف لأجل خاطر عيون الحيوانات التي نشاهدها من خلاله، خصوصا الأسد.
حملني الدكتور من بين ذراعي وقبلني مرحبا. كان يتحدث مع أبي بلغته الإنجليزية فـي البداية إلا انه سرعان ما أبدلها إلى اللغة التي أفهمها. كان يتحدث العربية بشكل جيد لا يجيدها أبي نفسه. إن هذه الأمور لا تعنيني فـي شيء البتة. لست هنا لأسمع حديثه بل كان كل همي حينها أن ألتقي بأولاده لنلعب معهم، كنت متشوقا لمعرفة الألعاب التي يمتلكونها فلا ريب بأنها تختلف كثيرا عمّا نعرفه من ألعاب. ما نراه فـي التلفزيون يبهرنا ونتمنى لو أننا نعيش حيث يعيشون هم. لكن أبي قال بأن الدكتور لم يكن يملك أطفالا، وأن أطفال مطرح ومسكد الذين يعالجهم هم جميعا أطفال الدكتور، وأنه يحب الأطفال بشكل كبير.
من الخارج، لا يوجد على جدار البيت ما يدل على وجود حفلة لعيد الميلاد، لا أضواء ملونة ولا بالونات مختلفة، إلا أنه بالداخل كانت الجدران قد زينت بقليل من الورق الملون اللامع وعدد بسيط من البالونات وباقات من الورود صفت فوق الطاولة الدائرية التي توسطت المجلس.
ليلى انتابها غيض بدا واضحا بجلاء على وجهها وهي تلمح اهتمام الدكتور بي وتركها مع أبي دون اهتمام. إلا أن زوجته التي كانت ملتهية بإعداد المائدة لنا سرعان ما انتبهت إلى ليلى وشرعت فـي الحديث معها. ترك الدكتور كل شيء وتفرغ للعب معي طوال الوقت. كان قد جلب ألعاباً عديدة كما يبدو لأجلي، سيارات وطائرات وألعاب بلاستيكية على شكل أدوات طبية مختلفة. كان يضحك لي بملء شدقيه، كنت سعيدا جدا بما أحسه من اهتمام كبير بي. لقد أحببت الدكتور وتمنيت لو أن يكون لدينا بيت يشبه بيته أو أن يكون فـي بيتنا ألعاب كثيرة كما فـي بيته. أخبرت أبي بإحساسي ذاك ونحن نعود أدراجنا إلى البيت، حيث وعدني بأخذي معه ثانية كلما سنحت الفرصة. قلت لأمي ذلك أيضا إلا أنها لم تعلق. ليلى بقيت طوال الأمسية عابسة وصدرت منها نبرة احتجاج لم يكترث لها أبي كثيرا.ليلتها، بقيت ساهرا مبتسما، أعيد شريط الساعات القليلة التي قضيتها بصحبة الدكتور. متمنيا لو كنت قد أخبرته بأنني أحببته جدا وأحببت اللعب معه، لكنني خجلت وأجلت ذلك البوح للمرة القادمة. تركزت كل أمنياتي فـي تلك اللحظة فـي أن يأتي اليوم الذي أذهب فيه إلى بيت الدكتور بسرعة فائقة، وتمنيت لو أن اتجاهي غدا صباحا سيكون لبيته بدلا من المدرسة.
ولم يكذب إحساسي، فها هو أبي يأتي إلى المدرسة بعد الحصة الثانية ليقلني معه إلى بيت الدكتور ثانية لألعب مع زوجته فـي انتظار أن ينهي الدكتور عمله ويعود إلى البيت بعد انتصاف النهار بقليل. كان على ما يبدو قد جهز لي إحدى الغرف بالبيت وكتب على بابها الأبيض اسمي ووضع فـي داخلها سريرا جميلا والألعاب الكثيرة التي لعبت بها الليلة الماضية وأخرى لم أرها من قبل. سررت بالمفاجأة كثيرا، وقد بدا لي بأن زوجته قد أحبتني كذلك فبقيت تلعب معي وهي تبتسم لي طوال الساعات التي قضيتها بصحبتها قبل أن يعود الدكتور من عمله.
لم أنم تلك الليلة أيضا، بقيت ساهرا مبتسما حالما بأن يتكرر اليوم غدا وبعد غد وبعد بعد غد. كانت الصور أمامي جميلة ممتلئة بالألعاب والنشاط وصورة الدكتور وزوجته وهما يترجيان أبي أن يبقيني معهما تلك الليلة. «لو كنت حملت ملابس إضافية معك لتركتك تبيت عندهم الليلة»، يقول أبي وهو يرمق نظرات الحزن المرتسمة فـي عيني. لكنني قررت فـي أعماقي بأنني وابتداء من الغد سأخبئ دشداشة أو قميصا إضافيا فـي حقيبتي حتى لا يكون لدى أبي عذر لعدم تركي أنام معهم. كانت الأحلام تلك الليلة رائعة وكان قلبي يخفق كثيرا ووجهي مبتسما بشكل لا إرادي طوال الليل. تذكرت الغرفة الجميلة التي قال عنها الدكتور بأنها مخصصة لي وأن بإمكاني الدخول فيها فـي أي وقت أشاء. وفكرت: كان بمقدور أبي أن يتركني أنام معهم وكان بإمكانه أن يأتيني بالقميص المطلوب قبل قدوم المساء، فالمشي إلى بيتنا لا يستغرق أكثر من خمس دقائق. وكان بمقدور أبي أن يذعن لتوسلات الدكتور ووعده لنا بأنه سيشتري لي «قمصانا عديدة وملونة» من السوق.
مضت ثلاثة أيام بعد ذلك اليوم وأبي لم يأت إلى المدرسة لاصطحابي إلى بيت الدكتور، وكان يرد علي حين اسأله إذا ما كان الدكتور قد طلب منه أن يحضرني إلى بيته بأن الدكتور مسافر ولن يرجع إلا بعد شهر. ساورني الشك فيما يقول أبي، واعتقدت بأن الدكتور وزوجته ربما لم يعودا فـي حاجة إلى رؤيتي مجددا، أو أن أبي لا يرغب فـي اصطحابي إلى هناك خوفا من أن أتسبب فـي إزعاج الدكتور وزوجته، أو ربما أنه يخشى أن أرسب فـي المدرسة بسبب كثرة ذهابي إلى بيت الدكتور وانشغالي بالألعاب دون الالتفات إلى دروسي. حزنت وبقيت الدشداشة الإضافية فـي الحقيبة وصور الألعاب وابتسامة الدكتور وزوجته أمامي فـي كل مكان وفـي كل كتاب مدرسي أفتحه.
فـي اليوم الرابع برحت البيت باتجاه المدرسة عبرت سور المثاعيب ومشيت من قدام دكان المعسري الذي سألني عن صحة أبي طالبا مني أن أخبره برغبته فـي أن يلتقيه بعد صلاة العشاء. ثم من أمام دكان الحاج «دعدع» ومصنع اللبن والزبادي فـي طريقي للمدرسة. لا أدري لماذا، وأنا أمام سور المدرسة، توقفت لبرهة من الزمن قبل أن أشعر بخطواتي وهي تتجه بي وبشكل مستقيم بعيدا عن بابها. خطواتي كانت تتجه وباتجاه مستقيم ناحية المدخل الخلفي للمستشفى حيث الدكتور وزوجته. كان اليقين يملأني بأن الدكتور قد طلب من أبي - وربما ألح فـي طلبه - إحضاري إلى بيتهم وأن أبي قد أخفى عني ذلك.
هزني شعور فرح وأنا اقترب من البيت، فابتسمت. كم ستكون فرحتهما كبيرة برؤيتي. وتذكرت غرفتي الجميلة المملوءة بالألعاب وابتسامة الدكتور وزوجته وفرحتهما بوجودي معهما. كان باب البيت مفتوحا على مصراعيه، وأنا أضم يدي داخل حقيبتي متحسسا القميص الذي بداخلها.

ضمن مجموعة قصصية
بعنوان نقوش ستصدر قريبا

ملحق شرفات
9/8/2006

آخر تحرير بواسطة سويري : 11/08/2006 الساعة 11:21 AM
  مادة إعلانية
  #2  
قديم 10/08/2006, 08:40 AM
صورة عضوية أخزمية طموحه
أخزمية طموحه أخزمية طموحه غير متواجد حالياً
خــــــاطر
 
تاريخ الانضمام: 19/06/2006
الإقامة: القمم
المشاركات: 17
رائعة........................................ ...
  #3  
قديم 13/08/2006, 01:31 AM
صورة عضوية فيلق الاهوال
فيلق الاهوال فيلق الاهوال غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ الانضمام: 07/02/2006
الإقامة: &* تحت ظلال السيوف *&
المشاركات: 253
بصراحة .. القصة ممتعة ورائعة .
  #4  
قديم 19/08/2006, 09:13 PM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Thumbs up

جمبلة اعادتنا الى ايام زمان
  #5  
قديم 25/08/2006, 03:03 PM
سويري سويري غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ الانضمام: 13/02/2003
الإقامة: فى عمان الحبيبة
المشاركات: 837
Thumbs up

لولم تكن رائعة لما حظيت بكل هذا العدد من القرا ءالذى ربما نافس عدد قرائها فى الجريدة

شكرا لكل من مر واطلع على القصة
  #6  
قديم 25/08/2006, 03:36 PM
المجبور المجبور غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ الانضمام: 09/12/2005
الإقامة: في بلاد العز (( عمان ))
المشاركات: 642
بصراحة .. القصة ممتعة ورائعة .
 

أدوات الموضوع البحث في الموضوع
البحث في الموضوع:

بحث متقدم
تقييم هذا الموضوع
تقييم هذا الموضوع:

قواعد المشاركة
ليس بإمكانك إضافة مواضيع جديدة
ليس بإمكانك إضافة ردود
ليس بإمكانك رفع مرفقات
ليس بإمكانك تحرير مشاركاتك

رموز لغة HTML لا تعمل

الانتقال إلى


جميع الأوقات بتوقيت مسقط. الساعة الآن 06:59 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions Inc.
سبلة العرب :: السنة 25، اليوم 117
لا تتحمل إدارة سبلة العرب أي مسئولية حول المواضيع المنشورة لأنها تعبر عن رأي كاتبها.