عرض المشاركة وحيدة
  #10  
قديم 28/08/2006, 12:40 PM
alhabsi2006 alhabsi2006 غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ الانضمام: 05/02/2006
المشاركات: 59
وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي ٱلأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ ٱلْحَرْثَ وَٱلنَّسْلَ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلفَسَادَ } * { وَإِذَا قِيلَ لَهُ ٱتَّقِ ٱللَّهَ أَخَذَتْهُ ٱلْعِزَّةُ بِٱلإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ }
قوله: { وَإِذَا تَوَلَّى } [أي: فارقك] { سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ } ذكروا أن رجلاً من بني تميم سأل ابن عباس عن قوله: { وَيُهْلِكَ الحَرْثَ والنَّسْلَ } فقال: نسل كل دابة.

وتفسير الكلبي: إنها نزلت في الأخنَس بن شَرِيق الثقفي. وإنما سمّيَ الأخنس لأنه خنس يوم بدر. وكان شديد الخصام. فأما إهلاكه الحرث والنسل فإنه قطع الرحم التي بينه وبين ثقيف؛ أتاهم ليلاً فأهلك مواشيهم، وأحرق حروثهم، وقطع الرحم. وكان سَيّء السريرة سيء العلانية.

وقال بعضهم: إذا تولى: إذا ولِّي عمل بالظلم والعدا فأمسك الله المطر، فأهلك الحرث والنسل. وهذا شبيه بقول ابن عباس: نسل كل دابة.

قوله: { وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ أَخَذَتْهُ العِزَّةُ بِالإِثْمِ } أي فكفاه جهنم. { وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ } وهو كقوله:
{ لَهُم مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ }
[الأعراف:41] ومثل قوله: { لَهُم مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ }. والمهاد والفراش واحد.

وذكر بعضهم قال: { وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ أَخَذَتْهُ العِزَّةُ بِالإِثْمِ } يقول: إني لأزداد بهذا عند الله قربة.


{ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ رَؤُوفٌ بِٱلْعِبَادِ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱدْخُلُواْ فِي ٱلسِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ ٱلشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } * { فَإِن زَلَلْتُمْ مِّن بَعْدِ مَا جَآءَتْكُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ فَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }
قوله: { وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ وَاللهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ } أي بالمؤمنين من عباده. قال: إن المؤمن دعا الكافر إلى طاعة الله فأبى، فشرى المؤمن نفسه بالجنة، أي باع نفسه بالجنة فاشتراها. قال: { ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ } بالجهاد في قتال المشركين. وهو مثل قوله:
{ إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ المُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ }
[التوبة:111].

وقال بعضهم: إن أصحاب النبي من المهاجرين والأنصار، لما رأوا المشركين يدعون مع الله إِلهاً آخر، شروا بأنفسهم غضب الله، وجاهدوا في سبيل الله حتى أظهر الله دينَه.

قوله: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً } والسلم: الإِسلام قال الحسن: هو مثل قوله:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَءَامِنُوا بِرَسُولِهِ }
[الحديد:28]، ومثل قوله:
{ اتَّقُوا اللهَ وكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ }
[التوبة:119] أي المؤمنين الذين صدقوا في قلولهم وفعلهم، أي أَكمِلوا الدين ولا تنقصوه فإنكم لا تستوجبون ثوابه إلا بالإِكمال والوفاء. وقال الحسن: هو كقوله:
{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ }
[الأحزاب: 1] ولا يجعلها من هذا الوجه.

وقال الكلبي: { ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً } ، يعني شرائع الإِسلام، كأنه يقول: استكملوا الإِيمان.

قوله: { وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ } أي أمر الشيطان. وهو أن يأخذوا شرائع دينهم الأول. { إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } أخبرهم أن الشيطان لهم عدو مبين، أي بيّن العداوة.

{ فَإِن زَلَلْتُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ } يعني بالزلل الكفر قال بعض المفسّرين: أنزلها الله وقد علم أنه سيزلّ زالّون.

وقال بعضهم في تأويل خطوات الشيطان قال: هي العداوة والمعاصي. وقال بعضهم { ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً } أي: في الإِسلام جميعاً.

قوله: { فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ } أي: في نقمته { حَكِيمٌ } أي: في أمره. وقال السدي: تفسير العزيز: هو المنيع في نقمته.
{ هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ ٱللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ ٱلْغَمَامِ وَٱلْمَلاۤئِكَةُ وَقُضِيَ ٱلأَمْرُ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ }
وقلة: { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللهُ } [يوم القيامة] { فِي ظُلَلٍ مِّنَ الغَمَامِ وَالمَلاَئِكَةُ } [أي: وتأتيهم الملائكة] { وَقُضِيَ الأَمْرُ } [يعني الموت] { وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ } يعني عواقبها.

قال بعض المفسّرين: { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللهُ } أي بأمره { فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلاَئِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ }. أي: الموت.

ذكر بعضهم قال: إذا كان يوم القيامة مُدَّت الأرض مدَّ الأديم العكاظي، ثم يحشر الله فيها الخلائق من الجن والأنس. ثم أخذوا مصافهم من الأرض، ثم ينادي منادٍ:
{ الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لاَ ظُلْمَ الْيَوْمَ }
[غافر:17]، ثم أتت عنقاء من النار تسمع وتبصر وتكلّم، حتى إذا أشرفت على رُءُوس الخلائق نادت بصوتها: ألا إني قد وكلت بثلاثة: بمن دعا مع الله إلهاً آخر، ومن ادعى أن لله ولداً، ومن زعم أنه العزيز الكريم. ثم صوبت رأسها وسط الخلائق فالتقطتهم كما يلتقط الحمام حبّ السمسم، ثم غاصت بهم في جهنم فألقتهم في النار. ثم عادت، حتى إذا كانت بمكانها نادت: إني قد وكلت بثلاثة: بمن نسب الله، وبمن كذب على الله، وبمن آذى الله. فأما الذي نسب الله، فالذين زعم أنه اتخذ صاحبة وولداً، وهو الواحد الصمد الذي
{ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ }
[الإِخلاص:3-4]. وأما الذي كذب على الله فالذي قال الله فيهم:
{ وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ اللهُ مَن يَمُوتُ بَلَى وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ }
[النحل:38] وأما الذي آذى الله فالذي يصنع الصور. فتلتقطهم كما يلتقط الطير الحب حتى تغوص بهم في النار.

ذكروا عن الحسن أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بادروا بالأعمال ستاً: طلوع الشمس من مغربها، والدجال، والدخان، والدابة، وخويصة أحدكم، يعني موته، وأمر العامة " ، يعني النفخة التي يميت الله بها كل حي.

{ سَلْ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُ فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } * { زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ فَوْقَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَٱللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ }
قوله: { سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ ءَاتَيْنَاهُم مِّنْ ءَايَةٍ بَيِّنَةٍ } قال الحسن يعني ما نجاهم الله من آل فرعون، وفلق لهم البحر، وظلل عليهم الغمام وآتاهم بيّنات من الهدى، أي: بيّن لهم الهدى من الكفر. وقال بعضهم: أراهم الله عصا موسى ويده، وأقطعهم البحر، وأغرق عدوّهم وظلّل عليهم الغمام، وأنزل عليهم المنّ والسلوى.

قال: { وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ } أي يكفرها، يقول: بدّلوا ذلك واتخذوا اليهودية والنصرانية. { فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ } يخبر الله أنه ستشتد نقمته على اليهود والنصارى الذين بدَّلوا دين الله، وكل من يفعل ذلك.

قوله: { زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الحَيَاةَ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ ءَامَنُوا } في طلبهم الآخرة؛ يقول بعضهم لبعض: انظروا إلى هؤلاء الذين تركوا الشهوات يطلبون بذلك، زعموا، نعيماً في الآخرة.

قال الله: { وَالَّذِينَ اتَّقَوْا } وهم المؤمنون { فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } أي: خير منهم يوم القيامة. وقال الحسن: أعطاهم الله الدولة عليهم فيسخرون منهم ويضحكون كما كان الكفار يضحكون منهم في الدنيا. وهو قوله: { إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ ءَامَنُوا يَضْحَكُونَ }.... إلى آخر الآية. قال:
{ فَالْيَوْمَ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنَ الكُفَّارِ يَضْحَكُونَ }
[المطففين:29-34]. بلغنا أن هذا في أصحاب الأنبياء. وبعضهم يقول: أصحاب النبي.

ذكر بعضهم أن كعباً قال: إِن بين الجنة وبين النار كوى؛ فإذا أراد الرجل من أهل الجنة أن ينظر إلى عدو له كان في الدنيا من أهل النار اطلع فرآه، وهو قوله: { إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا } أي أشركوا { كَانُوا مِنَ الَّذِينَ ءَامَنُوا يَضْحَكُونَ }... إلى آخر الآيات. قال بعض المفسّرين: هي مثل قوله في الصّافّات: { قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ } أي صاحب { يَقُولُ } لصاحبه المؤمن في الدنيا: " إِنَّكَ لَمِنَ المُصَدِّقِينَ أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَءِنَّا لَمَدِينُونَ قَالَ هَلْ أَنتُم مُّطَّلِعُونَ فَاطَّلَعَ فَرَءَاهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ " [الصافات:51-55]. قال بعضهم: كان شريكه، وقال بعضهم: كان أخاه، ورثا مالاً. وتفسير أمرهما في سورة الكهف.

قوله: { وَاللهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ } أي لا ينقص ما عند الله كما ينقص ما في أيدي العباد.


{ كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ فِيمَا ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا ٱخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ ٱلَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ ٱلْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَٱللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } * { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ ٱلْبَأْسَآءُ وَٱلضَّرَّآءُ وَزُلْزِلُواْ حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ ٱللَّهِ أَلاۤ إِنَّ نَصْرَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ }
قوله: { كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً } أي: على الإِسلام. كانوا على شريعة واحدة من الحق كلهم.

ذكر لنا أنه كان بين آدم ونوح عشرة قرون، يعني عشرة آباء، كلهم يعمل بطاعة الله على الهدى وعلى شريعة الحق. ثم اختلفوا بعد ذلك، فبعث الله نوحاً؛ وكان أول رسول أرسله الله إلى أهل الأرض.

وقال بعضهم: ما قسم الله للعبد من رزق فلا يستطيع أحد صرفه.

وقال الكلبي: كانوا أمة واحدة في زمان نوح الذين ركبوا معه في السفينة وأبناؤهم فاختلفوا بعد.

قوله: { فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ البَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ } أي: حسداً بينهم؛ فكان في الناس مسلمون فيما بين نوح إلى صالح. ثم اختلفوا، فولد إبراهيم في جاهلية؛ فكان إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط ويوسف وموسى وهم النبيون الذين بشروا وأنذورا. قال: { وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ } قال بعض المفسّرين: بلغنا أن أول كتاب أنزل فيه الحلال والحرام التوراة, كتاب موسى. قال: { وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ } أي: حسداً بينهم.

قوله: { فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الحَقِّ بِإِذْنِهِ } [أي بأمره]. ذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نحن الآخرون ونحن السابقون؛ وذلك أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم. ثم هذا يومهم الذي عرض عليهم، يعني يوم الجمعة، فاختلفوا فيه، فهدانا الله له. فاليوم لنا، وغداً لليهود، وبعد غد للنصارى.

قوله: { وَاللهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } أي: إلى الجنة، والطريق: الإِيمان.

قوله: { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم } أي سنن الذين مضوا من قبلكم. { مَّسَّتْهُمُ البَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ } البأساء: البؤس، وهو الحاجة، والضراء: المرض والجراح. وقال بعضهم: الضرّاء: الشدة والبلاء. { وَزُلْزِلُوا } أي أصابتهم الشدة { حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللهِ }. قال الله: { أَلاَ إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ }.

ذكروا عن الحسن أنه قال: لما نزلت هذه الآية جعل أصحاب النبي عليه السلام يقولون: ما أصابنا هذا بعد. فلما كان يوم الأحزاب وأصابهم ما أصابهم من الجهد أنزل الله:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً إِذْ جَاءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا هُنَالِكَ ابْتُلِيَ المُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً }
[الأحزاب:9-11]. وقال:
{ وَلَمَّا رَءَا المُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُم إِلاَّ إِيمَاناً وَتَسْلِيماً }
[الأحزاب:22].

وقال بعضهم عن الحسن في قوله: { وَزُلْزِلُوا } أي: وحُرِّكوا بالخوف. { حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللهِ }. وذلك أن الله وعدهم النصر والظفر، فاستبطأوا ذلك لما وصل إليهم من الشدة. فأخبر الله النبي عليه السلام والمؤمنين بأن من مضى من قبلهم من الأنبياء والمؤمنين كان إذا بلغ البلاء بهم هذا عجلتُ لهم نصري. فإذا ابتليتم أنتم بذلك فأبشروا، فإن نصري قريب.



{ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَآ أَنْفَقْتُمْ مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَٱلأَقْرَبِينَ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ }
قوله: { يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ }. نزلت هذه الآية قبل أن تنزل آية الزكاة، ولم يكن ذلك يومئذ شيئاً موقوتاً.

ذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ألا أنبئكم بخمسة الدنانير أفضلها ديناراً وأحسنها ديناراً؟ أفضل الخمسة دنانير الذي تنفقه على والدتك، وإن أفضل الأربعة دنانير الذي تنفقه على والدك، وأن أفضل الثلاثة دنانير الذي تنفقه على ولدك وزوجتك وعيالك. وإن أفضل الدينارين الباقيين الذي تنفقه على ذي قرابتك. وإن أخسها وأقلها أجراً الذي تنفقه في سبيل الله ".
{ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } * { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ ٱللَّهِ وَٱلْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ ٱلْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِن اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلۤـٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَأُوْلۤـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }
قوله: { كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِتَالُ } أي فرض عليكم القتال { وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }.

قال الحسن: إذا أتيت ما أمر الله من طاعته فهو خير لك، وإذا كرهت ما نهاك الله عن معصيته فهو خير لك. وإذا أصبت ما نهى الله عنه من معصيته فهو شرّ لك، وإذا كرهت ما أمر الله به من طاعته فهو شر لك. وكان أصل هذا في الجهاد. كان المؤمنون كرهوا الجهاد في سبيل الله وكان ذلك خيراً لهم عند الله.

قال الكلبي: وكان هذا حين كان الجهاد فريضة، فلم يقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أظهر الله الإِسلام فصار الجهاد تطوّعاً. فإن جاء المسلمين عدو لا طاقة لهم بهم تحيزوا إلى البصرة. وإنما قالوا تحيزوا إلى البصرة، لأنه كان بالبصرة. فإن جاءهم عدو لا طاقة لهم به تحيزوا إلى الشام، فإن جاءهم عدوّ لا طاقة لهم به تحيّزوا إلى المدينة. فإن جاءهم عدو لا طاقة لهم به فليس ثَم تحيّز وصار الجهاد فريضة.

ذكروا أن رجلاً سأل بعض السلف أيام الكرك، وكانوا قد دخلوا يومئذ في جدة فقال: إن لي والدة أفأخرج إلى قتال الكرك. قال: كنا نقول: إذا هجم عليكم العدو فقد وجب عليك القتال.

وقال الكلبي في قوله: { وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } أي: علم أنه سيكون منكم من يقاتل في سبيل الله فيستشهد.

قوله: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ } قال الحسن: إنما سألوا عن قتال فيه. وهذا تقديم وتأخير: يقول: يسألونك عن الشهر الحرام وعن المسجد الحرام عن قتال فيه. وذلك أن مشركي العرب سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشهر الحرام عن قتال فيه، ليعلموا أهو على تحريمه ذلك أم لا؛ فقالوا: يا محمد، أنهيت عن قتالنا في الشهر الحرام؟ فقال: " نعم " ،فأرادوا إن كان على تحريمه اغتزوه فقاتلوه. فقال الله: { قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ } وهذا منسوخ، كان قبل أن يؤمر بقتالهم عامة. { وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللهِ وَكُفْرٌ بِهِ } أي كفر بالله { وَالمَسْجِدِ الحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللهِ } اي: إخراج أهل المسجد الحرام، وهو الحرم كله، يعني إخراج النبي والمؤمنين ـ أخرجهم المشركون ـ أكبر من قتالهم. فقال الله:
{ الشَّهْرُ الحَرَامُ بِالشَّهْرِ الحَرَامِ وَالحُرُمَاتُ قِصَاصٌ }
[البقرة:194]. ذكر الحسن قال: { فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ } فاسْتَحَلّوا منكم القتل { فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ } أي: فاستحِلوا منهم، أي جاوزوا ما كنتم تحرِّمون منهم قبل ذلك.

قال بعض المفسّرين: ذكر لنا أن واقد بن عبد الله التميمي، وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قتل عمرو بن الحضرمي، رجلاً من المشركين، في أول يوم رجب، فعيّر المشركون أصحاب النبي عليه السلام، فأنزل الله { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللهِ }.

يقول الصد عن سبيل الله والكفر بالله أشد من القتل في الشهر الحرام. وإخراج أهله، يعني محمداً صلى الله عليه وسلم وأصحابه أكبر عند الله.

ثم عيَّر المشركون بأعمالهم، أعمال السوء، فقال: { وَالفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ القَتْلِ }.

قال مجاهد: أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً في سرية، فمرّ بابن الحضرمي وهو يحمل خمراً من الطائف إلى مكة، فرماه بسهم فقتله. وكان بين نبي الله وبين قريش عهد، فقتله آخِرَ ليلة من جمادى الثانية وأول ليلة من رجب؛ فقالت قريش: أفي الشهر الحرام ولنا عليكم عهد؟ فأنزل الله: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالمَسْجِدِ الحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْه } ، يعني النبي وأصحابه، فهذا كله أكبر من قتل ابن الحضرمي، والفتنة، أي: الكفر بالله وعبادة الأوثان، أكبر من هذا كله.

وقد كان المسلمون أخذوا بعض من كان مع ابن الحضرمي أخذا، وأفلت أحدهم، وهو نوفل بن عبد الله، فسبقهم إلى مكة فأخبرهم بالذي صنع أصحاب محمد، فأمسوا فنظروا إلى هلال رجب، فلم يستطيعوا الطلب. ومضى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قدموا المدينة بأسراهم وبالذي أصابوا. فلما أمسى أصحاب رسول الله من يوم أصابوا ابن الحضرمي نظروا إلى هلال رجب، فكانوا في شك: في جمادى أصابوه أو في رجب. وأقبل المشركون من أهل مكة على من كان بها من المسلمين يعيِّرونهم بالذي فعل إخوانهم من قتل ابن الحضرمي، وأخذهم الأموال والأسارى، وقالوا: عمدتم إلى شهر يأمن فيه الخائف، وتربط فيه الخيل، وتوضع فيه الأسنة، ويتفرغ فيه الناس إلى معايشهم، فسفكتم فيه الدماء، وأخذتم الأسارى، وذهبتم بالأموال، وأنتم ـ زعمتم ـ أنكم على دين الله. فكتب المسلمون من أهل مكة إلى عبد الله بن جحش بالذي عيّرهم به المشركون، فكلموا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: قتلنا ابن الحضرمي، فلما أمسينا نظرنا إلى هلال رجب، فلا ندري أفي رجب قتلناه أم في جمادى الأخيرة. وقد عيّرنا المشركون بذلك، أفحلال ما أصبنا أم حرام؟ فنزلت: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ }... إلى قوله: { وَالفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ القَتْلِ } أي: أكبر عند الله من قتل ابن الحضرمي. وقال: الفتنة الشرك. وكان هذا قبل أن يؤمر بقتالهم عامة.

قال: { وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا } ولن يستطيعوا. قال: { وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ } أي بطلت، { أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ } أي: أهل النار { هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }.

ذكروا عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من بدل دينه فاقتلوه ".
{ إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أُوْلۤـٰئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ ٱلْعَفْوَ كَذٰلِكَ يُبيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ }
قوله: { إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللهِ } أي يطمعون في رحمة الله، يعني الجنة { وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } قال الحسن: هو على الإِيجاب، يقول: يفعل ذلك بهم.

[قال بعض المفسّرين] ذكر في الآية الأولى قصة قتل ابن الحضرمي، وما قال المشركون، وما أنزل الله في ذلك، ثم أثنى الله على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الثناء فقال: { إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا }... إلى آخر الآية.

قوله: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الخَمْرِ وَالمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا }. والميسر: القمار كله.

قوله: { فِيهمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ } كانوا إذا شربوا الخمر فسكروا عدا بعضهم على بعض. وكانوا يتقامرون حتى لا يبقى لأحدهم شيء. فكانوا يتوارثون العداوة.

قوله: { وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ }: أي ما كانوا ينتفعون به من شربها وبيعها ومن القمار قبل أن يحرمهما الله.

قال بعضهم: بلغنا أن رسول الله لما نزلت هذه الآية قال: إن الله يقرّب في تحريم الخمر. ثم أنزل الله بعد ذلك في الخمر آية هي أشد منها:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ }
[النساء:43] فكانوا يشربونها حتى إذا حضرت الصلاة أمسكوا. وكان السكر عليهم منها حراماً، وأحل لهم ما سوى ذلك.

ثم أنزل الله تحريمها في سورة المائدة:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِنَّمَا الخَمْرُ وَالمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }
[المائدة:90] فجاء تحريمها في هذه الآية، قليلها وكثيرها، ما أسكر منها وما لم يسكر.

ذكر بعضهم عن أنس بن مالك أنه سئل عن خليط البسر والتمر، فقال: أهرقناه مع الخمر حين حرمت.

ذكروا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إن الخمر من هاتين الشجرتين العنبة والنخلة ".

ذكروا أن عمر بن الخطاب قال: إن هذه الأنبذة تنبذ من خمسة أشياء: التمر والزبيب والبر والشعير والعسل. فما عتقتم فخمّرتم فهو خمر.

والعامة عندنا على أن ما عتق من الأنبذة كلها فازداد جودة في إنائه كلما ترك فيه فلا خير فيه. وكل نبيذ له حد ينتهي إليه ثم يفسد فلا بأس به إذا كان في سقاء.

قوله: { وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ } يعني الصدقة. { قُلِ العَفْوَ } ، كان هذا قبل أن تنزل آية الزكاة.

وكان الحسن يقول: { قُلِ العَفْوَ } قل: الفضل، أي ما فضل عن نفقتك ونفقة عيالك. ثم يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى، وابدأ بمن تعول، واليد العليا خير من اليد السفلى، ولا يلوم الله على الكفاف " وكذلك ذكروا عن الحسن عن النبي عليه السلام.
وقال الكلبي في قوله: { قُلِ العَفْوَ }: كان الرجل حين نزلت هذه الآية إن كان من أصحاب الذهب والفضة أمسك منه ما يكفيه سنةً، ويتصدق بسائره، فنسخ ذلك في آية الزكاة.

ذكروا عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا كان أحدكم فقيراً فليبدأ بنفسه، ثم ليبدأ مع نفسه بمن يعول، ثم يبدأ بقرابته، فإن فضل شيء فهاهنا وهاهنا وهاهنا، وما بين يديه، وعن يمينه وعن يساره، ومن خلفه ".

قوله: { كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ } قال بعض المفسّرين: أي: لعلكم تتفكرون أن الدنيا دار بلاء وفناء، وأن الآخرة دار جزاء وبقاء.