عرض المشاركة وحيدة
  #28  
قديم 21/05/2006, 01:20 PM
الزمن القادم الزمن القادم غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ الانضمام: 27/03/2006
المشاركات: 242
كتاب: كاسرو العظام - القصة كما يرويها ضابط المخابرات الذي قاد الحصار .. كيف أفلت بن لادن من حصار تورا بورا ؟


تأليف: جاري برنتسن


القبائل الباكستانية المتعاطفة مع القاعدة دافعت عن بن لادن


واشنطن - أحمد محسن :


أحاطت قصص كثيرة بمعركة تورا بورا التي أعقبت الحرب الافغانية والتي حوصر فيها اسامة بن لادن ومساعدوه في ثنايا تلك الجبال التي تجعل من شرق افغانستان منطقة لا يسكنها بشر، وها هو ضابط المخابرات المركزية جاري برنتسن الذي قاد القوة الامريكية في هذه المواجهة التي ما تزال محلاً للجدل يكشف حقائق ما حدث، او بالأحرى قدراً كبيراً منها ذلك ان المخابرات المركزية عرقلت بعناد نشر كتاب برنتسن، وبعد شهور من المفاوضات الصعبة اجازت الوكالة نشر الكتاب الذي صدر بعنوان «كاسرو العظام» الهجوم على بن لادن والقاعدة ولكن بعد شطب الكثير من مقاطعة، واصر برنتسن ان يصدر الكتاب متضمناً المقاطع التي حذفتها الوكالة بعد أن وضع مكانها - لها طالت - اشارات متجاورة في دلالة على انها حذفت، واوضح في مقدمة كتابة انه فعل ذلك كاحتجاج مهذب على الشطب.

وواقع الأمر ان برنتسن هو واحد من قلائل ممن يستطيعون الحديث عن قصة مطاردة بن لادن، ذلك انه كان على رأس القوة التي طاردت زعيم القاعدة قبل احداث 11 سبتمبر، ثم انه كان على رأس المجموعة التي حاصرته في تورا بورا، وهي مجموعة اطلق عليها الاسم الحركي «كاسرو العظام» الذي استمد منه برنتسن اسم الكتاب.

والكتاب يحكي قصة برنتسن وعمله في الوكالة وكيف تحول من طالب فاشل إلى جندي محترف في سلاح الجو ثم إلى ضابط بالمخابرات المركزية، وما يعنينا في كتاب «كاسرو العظام» هو الاجزاء التي تتعلق بصفة خاصة بمطاردة بن لادن، وهي أجزاء تبدأ من مكالمة هاتفية.

في تلك المكالمة ابلغ برنتسن بأن القوات الامريكية ذاهبة إلى افغانستان وان عليه ان يتأهب لقيادة وحدة من القوات الخاصة التابعة للوكالة لإنجاز مهمة واحدة لخصها رئيسه المباشر المسؤول عن مكتب مكافحة الارهاب كوفو بلاك في كلمات قليلة «عليك احضار رأس بن لادن في صندوق مليء بالثلج لأن علي أن احملها إلي مكتب الرئيس في البيت الأبيض.

آنذاك لم يكن برنتسن يعلم انه سيجد نفسه على بعد كيلو مترات قليلة من بن لادن وصفوة قيادات القاعدة خلال رحلتهم المستحيلة عبر جبال تورا بورا إلى باكستان، ولم يكن يعلم أنه سيسمح بمرور الطعام والماء للمختفين في كهوف تورا بورا، ثم لم يكن يعلم ان البنتاجون سيخذله، وان بن لادن سيفلت وهو الذي قضى سنوات يطارد زعيم القاعدة في أرجاء العالم.

ذلك أن تلك لم تكن الواقعة الأولى التي تربط بين برنتسن وبن لادن على نحو ما، فهو يذكر في كتباه لحظة ان تلقى مكالمة هاتفية مشابهة ولكن في الرابعة والنصف صباحا في منزلة في ريستون بولاية فيرجينيا، وعلى الهاتف قالت له مساعدته قبل ان يفيق تماما من نومه «جاري.. لقد نسفوا سفارتينا في نيروبي ودار السلام». وكان الخبر كافياً لايقاظ برنتسن الذي سأل «هل هناك ضحايا؟» واجابت المساعدة «نعم» فقال «انا في الطريق».

وبعد قليل كان برنتسن في غرفة الأزمات بمبنى وكالة المخابرات المركزية في لانجلي جالساً مع حفنة من ضباط ادارة العمليات فيما كان قائد فرع مكافحة الارهاب الميداني جيف اوكونيل يتحدث مع البيت الابيض على الهاتف، وعلى الحائط كان هناك شاشة كبيرة ظهر فوقها البث الحي لشبكة سي. إن. إن مون موقعي الانفجار.

كان اوكونيل معروفاً بخبرته الواسعة بالشرق الأوسط، وباجادته اللغة العربية كأهلها، وقد التقى به برنتسن في مطلع عمله بالوكالة حين تمكن حزب الله من تفجير السفارة الامريكية في بيروت في 18 ابريل 1983 وفي الانفجار حسب قول المؤلف، قتل صفوة ضباط الوكالة المتخصصين في الشرق الأوسط، ولم يفلت الا واحد فقط تخلف عن الاجتماع الذي كان منعقداً وقت الانفجار الذي اودى بحاية 63 شخصاً.

وارسلت الوكالة مديراً جديدا لمكتبها في بيروت وهو ويليام بكلي الذي كان يعد شخصية اسطورية في المخابرات المركزية غير أن حزب الله اختطف بكلي مطالباً بالافراج عن مصطفى بدر الدين الذي كان معتقلاً في الكويت، وبدر الدين هو زوج شقيقة عماد مغنيه الذي كان بدوره ارهابياً اسطورياً في حزب الله، وعذب بكلي تعذيباً شديداً إلى أن مات، وكان الشاب جاري برنتسن يتعرف للمرة الاولى على طبيعة المهام التي سيواجهها في المهنة التي اختارها.

وتابع برنتسن اغلب من اجتمعوا في غرفة الازمات وفي تلك الساعة المبكرة كانوا قد فقدوا صديقاً او زميلاً في انفجار بيروت عام 1983، وقال اوكونيل: اعتقد أننا جميعاً نشعر بأن حزب الله له بصمات في هذا، مشيراً إلى شاشاة سي إن إن بعد أن خفض صوتها، واضاف: ولكن علينا ان نبقي عقولنا مفتوحة، وأخذ بعد ذلك يقرأ مقاطع مختارة من التقرير النهائي عن تفجير في الظهران بالمملكة العربية السعودية عام 1996 وكان التقرير يشير إلي أن حزب الله والحكومة الايرانية «يقفان خلف الهجوم».

بعد ذلك ووسط الانطباع الأول بأن حزب الله هو المشتبه الاول في قيامه بالهجوم - قال اوكونيل: جاري، ستقود انت فريق الانتشار الطارئ في دار السلام، وتيد «نائب جاري» سيقود الفريق في نيروبي، إن كلا منكما يفهم جيداً حزب الله، ولكنني سأترك كل الاحتمالات المفتوحة اذ سوف اعطي كل منكما ضابطاً من قسم متابعة بن لادن في حالة ما اذا كان بن لادن قد قرر ان يضرب ضربات كبيرة.. اي اذا ما كان هو الفاعل».

كان برنتسن قد التقى بيكلي في مطلع عمله بالوكالة عام 1983، حيث تلقى تدريباً مباشراً منه، ويقول في ذلك «كنت اشعر ان الفرصة قد أتت لتصفية هذا الحساب القديم، فقد كنا جميعاً نفترض في البداية ان حزب الله هو الذي فجر السفارتين في افريقيا، إلا أن مهمتي تلك ادت إلى أمر آخر، ذلك هو التشابك بين طريقينا، بن لادن وانا».

كان ذلك عام 1998، اي خلال ادارة بيل كلينتون التي يوجه لها برنتسن انتقادات حادة واصفا حالة الفوضى التي ادت إليها قرارات خفض عدد الضباط العاملين في فرع العمليات الخاصة، ان الضباط الميدانيين الذين يقومون بمهام سرية ذات طابع عملي، ويخص المؤلف بالنقد مدير الوكالة خلال فترة رئاسة كلينتون جون دويتش ونائبه جورج تينت الذي تولى المنصب بعد مغادرة دويتش.

ويقول برنتسن إن المهم بالنسبة لدويتش ثم بعد ذلك لتينت كان المعادلات السياسية لواشنطن ومناورات الكونجرس والادارة، ويضيف «كنت اراقب باحباط كامل ترقبه الضباط العاملين في مواقع ادارية لانهم على علاقة طيبة بالطابق السابع، اي طابق ادارة الوكالة، وتجاوز الضباط الميدانيين الذين يواجهون الاخطار العملية، كان وضع الوكالة «انذاك محزناً».

وعند وصول برنتسن إلى دار السلام اكتشف ان مدير المحطة كان يقضي عطلة في الشرق الأوسط، وانه لم يعد بعد من عطلته، فضلاً عن ذلك فقد كان مدير المحطة ضابط تحليلات وليس ضابط عمليات، ويقول برنتسن انه شعر بالصدمة لإن ذلك «يشبه وضع عمدة مدينة في موقع المسؤولية على حاملة طائرات» اي ان ضابط التحليلات ليس له ولا ينبغي ان يكون له في رأي المؤلف، اي علاقة بادارة محطة مهمتها الأولى جمع المعلومات وليس تحليلها.

ولم تسفر مهمة برنتسن عن نتائج جوهرية الا الحصول على دلائل قاطعة بأن المسؤول عن التفجيرات كان بن لادن ومنظمته وليس حزب الله، والا وضع القاعدة تحت مجهر الوكالة، ومن ثم «نقل» برنتسن إلى باكستان بعد فترة وجيزة، الا ان اسلوبه الذي يتسم بقدر من العنف ادى إلى حدوث صدام بينه وبين رئيس محطة الوكالة في باكتسان مما اسفر عن اعادته لواشنطن، ثم ارساله إلى امريكا اللاتينية.

وما لبث هذا «الضابط المشكلة» ان تلقى المكالمة الهاتفية التي توقعها بعد احداث 11 سبتمبر، فعاد إلى واشنطن، ومنها إلى افغانستان التي وصلها في اكتوبر 2001، لتبدأ بعد ذلك مطاردة القاعدة وقياداتها، وصولا إلي حصار بن لادن في تورا بورا.

عاصر برنتسن سقوط كابول في نوفمبر من ذلك العام، غير انه لا يكشف اي معلومات عما كان يفعله في افغانستان قبل سقوط كابل، وفي كل الاحوال فان سقوط كابل ادى إلى فرار بن لادن الذي كان يعيش انذاك في مدينة جلال آباد حيث وصل إلى محافظة نانجهار في جنوب شرقي افغانستان، ويقول المؤلف في ذلك وصل بن لادن ومعه نحو الف شخص من قيادات القاعدة إلى نانجهار ومنها إلى جبال تورا بورا، وبدا واضحاً انه يحاول اما البقاء في تلك الجبال الوعرة التي يكسوها الجليد، واما ان يتقدم نحو مناطق القبائل في باكستان، وفي كل الاحوال فقد قررت التحرك بسرعة لحصاره في تورا بورا ثم القضاء عليه وعلى رجاله».

وطبقاً لما يقول المؤلف فإن بن لادن نشر قوة من المقاتلين تتشكل اساسا من الشيشان لحماية خطوط الاتصال بينه وبين انصاره ممن بقوا في جلال آباد وكانوا اساساً من الافغان والباكستانيين وبعض العرب، وذلك للحفاظ على امداداته من الطعام والماء، وارسل برنتسن فريقاً استطلاعياً من 9 من ضباط الوكالة إلى نانجهار حيث نظم تحركهم احد زعماء القبائل المتعاونين مع الوكالة.

ويقول برنتسن «لم يكن هذا الزعيم القبلي من تحالف الشمال، وانما كان زعيم حرب، اذ كان لديه ميليشيا مسلمة من ابناء قبيلته، وذهبت بعد ذلك إلى نقطة لا تبعد كثيراً عن جلال اباد مع المجموعة المكلفة بقتل بن لادن، وكان عدد افراد هذه المجموعة لا يزيد عن 52 رجلا، منهم 40 من قسم العمليات الخاصة في الوكالة، ونحو 12 من القوات الخاصة التابعة للبنتاجون، وسرعان ما تبين ان الخصوم يفوقوننا عدداً بنسبة كبيرة رغم ذلك فقد قررنا التقدم نحو تورا بورا اعتماداً على المعلومات - التي تبين بعد ذلك انها كانت دقيقة - التي حصلنا عليها حول المسار الذي سلكه بن لادن ورجاله».

كان برنتسن يوزع رجاله فوق القسم الذي يحيط بالمواقع التي يشتبه وجود رجال القاعدة فيها، وفي نهاية اليوم تلقى رسالة باللاسلكي تفيد بأن فريقاً من اربعة من رجاله ونحو عشرة من رجال القبائل رصدوا الموقع الذي يوجد به زعيم القاعدة واتباعه، ويقول برنتسن ان قلبه اخذ يخفق بشدة وطلب من المجموعة التأكد بما لايدع مجالا للشك بأن «الهدف» يتواجد في الموقع الذي حدده، واستخدم رجال الوكالة اجهزة الرصد الحراري والرؤية الليلية، وجاء الرد بالايجابي.

اصدر برنتسن انذاك أمراً بتسليط شعاع من اشعة الليزر على الموقف، واتصل بقيادة القوات في افغانستان حيث طلبت «تدخلاً ثقيلاً» من سلاح الجو لقصف تلك المواقع، ويقول المؤلف ان الطلعات الجوية» بدأت ولم تتوقف «حسب قوله، اي ان سلاح الجو ارسل طلعات لا حصر لها حيث تم قصف المنطقة بكافة انواع القنابل المتاحة، لاسيما تلك المتخصصة لتديمر الكهوف.

ويقول برنتسن انه بدأ يرسل رجاله بصحبة ابناء القبائل المتعاونة إلى مواقع مختارة يمكن منها رصد ما يحدث، ويضيف: «كانت خطوط الحراسة الامامية لبن لادن قد تهاوت تحت ثقل الضربات الجوية» اذ قتل عدد كبير من المجموعة التي كانت ترافق زعيم القاعدة وعثرنا خلال تمشيط تلك المنطقة على جثة احد افراد المجموعة وكان ممسكاً بجهاز اتصال لاسلكي يبث بصورة دائمه، وامسك بالجهاز واحد من رجالنا وكان يجيد التحدث باللغة العربية واخذ يترجم ما يقال، وذهل الجميع حين تبين ان من يتحدث هو بن لادن نفسه، كان يشد من اذر رجاله بل انه اخذ يعتذر عن الزج بهم في مواقع يطالها القصف العنيف لطائراتنا، وبدا ان هذا القصف كان يحدث اثراً مؤلماً في صفوف جماعة القاعدة».

واوضح المؤلف جانباً آخر من صورة تلك اللحظات الدرامية حيث قال إنه كان يحمل حقيبة كبيرة بها 11 مليون دولار على هيئة عملات ورقية، وانه كان يوزع الاموال على قيادات القبائل في المنطقة لشراء تعاونهم، وفي نهاية المهمة كانت حقيبة برنتسن قد فرغت تماماً.

بعد ذلك ينتقل برنتسن إلى النقطة التي اثارت لغطاً كبيراً حول كتابه، اذ يقول انه بدا واضحا ان مجموعة القاعدة الهاربة تسعى إلى شق طريقها نحو باكستان، ويوضح ذلك بقوله «سمحنا في البداية بمرور الطعام من جلال اباد إلى تورا بورا قبل بدء القصف الجوي لان ذلك ساعدنا في تحديد اماكن المجموعة الفارة.

بعد ذلك احكمنا الحصار إلا من ناحية باكستان، ذلك أنه لم يكن يوجد عدد كاف من الرجال للتقدم بهدف قطع الطريق، فقد كان الفارق العددي بينهم وبيننا كبيراً، وارسلت الرسالة الأولى العاجلة إلى قيادتي في لانجلي باتخاذ اللازم لارسال 800 من رجال قوات ال« رينجز» المتخصصة في قتال الجبال، وبعد ساعات مرت كالدهر جاءني الرد مقتضباً: لا يمكن ارسال هذه القوات.. تصرف».

ولكن لماذا لم يكن ارسال الـ 800 جندي، برنتسن يقول إن مدير محطة المخابرات المركزية في باكستان قال إن ذلك سيسبب ازمة مع حكومة اسلام اباد وسيستفز قبائل المنطقة التي تعيش على الحدود وتمتد بين البلدين، اما الجنرال توم فرانكس الذي قاد الحرب الافغانية فقد انكر لاحقاً انه كان لدى القوات الامريكية اي تحديد دقيق لمكان وجود بن لادن.

ويرد برنتسن على ذلك بقوله إن فرانكس «امريكي عظيم ولكنه لم يكن على الارض هناك» من كان على الارض هو أنا».

وعاد برنتسن إلى ارسال النداءات بارسال القوات، وهو يقول في هذا كنا نتابع تقدم قوات القاعدة بين الدروب الجبلية والكهوف، وكانت القارات الجوية غير كافية لوقف هذا الهروب الكبير ولكنها كانت تعرقله بعض الشيء، وبدا أن من المستحيل وقف الهروب، بدون الاستعانة بقوات ارضية، ولكن وزير الدفاع دونالد رامسفيلد والجنرال تومي فرانكس تمسكا بعدم ارسال قوات وشعرت مع رجالي بحالة هائلة من الغضب، بل ان واحداً منهم اخذ يطلق النار في الهواء في نوبة غضب عارم».

ويضيف رأينا بن لادن ورجاله يهربون إلى الاراضي الباكستانية وتم ذلك امام أعيينا، ولم نتمكن من وقف الهروب، لقد كان بالامكان انهاء هذه القصة بأكملها هناك، في تورا بورا، لو ارسلوا 800 جندي فقط، إلا أنهم تركوه يهرب».