عرض المشاركة وحيدة
  #43  
قديم 03/06/2006, 11:51 AM
الزمن القادم الزمن القادم غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ الانضمام: 27/03/2006
المشاركات: 242
خيار الوحدة الخليجية.. هل يصبح مستحيلاً..؟!

** لا يوجد شعب على وجه الأرض.. لايتطلع للحصول على المزيد من الحقوق.. أو المكاسب.. سواء كانت هذه الحقوق سياسية.. أو ذات طبيعة اقتصادية أو اجتماعية.. أو إنسانية..
** كما لا يوجد شعب -على مر التاريخ- قبل بمبدأ مساومته مقابل الحصول على تلك الحقوق.. سواء من قبل الأنظمة الحاكمة أو من قبل أطراف أخرى لوحت له براية نشر الحريات.. وبسط أعلام الديمقراطية في أرجاء بلاده..
** ذلك أن الحقوق المكتسبة.. لا تخضع -في العادة- لأمزجة المتنفذين.. أو لأهواء الآخرين.. أو لطبيعة السياسات القائمة على «المقايضة» والتهديد أو الضغوط..
** كما أن القبول بمبدأ دفع الثمن مقابل الحصول على تلك الحقوق، ليس خطيراً فحسب، وإنما يمثل أسوأ أنواع الابتزاز لإرادة الشعوب ومقدراتها..
** وعندما يرهن شعب من الشعوب إرادته.. لأي كان.. مقابل حصوله على بعض حقوقه، فإنه يفرط في أكبر حقوقه ومكتسباته.. بل وفي مقوِّم وجوده الأساسي.. وينتزع منه أعظم استحقاقاته..
** هذه المقدمة ضرورية.. قبل تناول قضية الديمقراطية في منطقة الخليج الحساسة.. والمتعطشة إليها..
** وعلينا أن نقرر قبل هذا الاستغراق في هذه القضية مجموعة من الحقائق الأساسية الهامة التي تحياها المنطقة.. وشعوبها والتي يرد في مقدمتها:
** أولاً : إنها منطقة مصالح معقدة.. وأن هذه المصالح تفرض عليها أن تستوعب حقوق الآخرين بنفس الدرجة التي تحرص فيها على الحفاظ على حقوقها ومكتسباتها.
** ثانياً: أن دول المنطقة ضعيفة في مجمل مقوماتها، سواء من الناحية الديمغرافية.. أو من حيث البنية العسكرية والأمنية، وتحديداً من حيث متانة القدرة الذاتية للحماية والدفاع عن الذات أو المكتسبات.
** ثالثاً: غياب أو ضعف المؤسساتية من حيث هي قيمة فكرية.. وتنظيمية.. وشراكة حقيقية في التصدي للمسؤوليات وتقاسمها بين المواطن والدولة، سواء أكان ذاك بفعل تنازع السلطات الثلاث- بدرجات متفاوتة- داخل كل دولة.. أو نتيجة لغياب التوعية السياسية المبكرة بالدور الكامل للفرد في قيام المجتمعات المدنية..
** هذه الحقائق الثلاث -من وجهة نظري- دفعت الملك عبدالله بن عبدالعزيز.. إلى التأكيد مؤخراً على أهمية دخول مجلس التعاون مرحلة العمل الجاد من أجل قيام الوحدة بدلاً من صيغة التعاون.. التي تجاوزتها المتغيرات الراهنة كثيراً.. وفرضت تطويرها بصورة أساسية وجذرية، وذلك بالدخول في مرحلة تدارس قضية الوحدة بين مجموعة دول تتضخم ثرواتها.. وتتعاظم مشكلاتها السكانية.. وتتعثر خططها وبرامجها السياسية نحو مزيد من الإصلاح الشامل، فضلاً عن عدم تطور مفهوم التعاون الأمني والعسكري الشامل.. نتيجة عدم توقيع البعض على الاتفاقية الأمنية، أو تعثر قيام قوة عسكرية مشتركة تطور قوة درع الجزيرة، رغم خطورة التحديات الأمنية وتعاظم هذه الحقائق دفعت الملك عبدالله الى التأكيد على أهمية دخول المجلس مرحلة الوحدة احتمالات تعرض دول المنطقة لأي مغامرات مرتقبة، سواء باقتضام مزيد من أراضيها.. أو حتى باجتياح كياناتها.. ولاسيما في ظل التوجه الإيراني الموجود الآن لإنتاج وتطوير برامج أسلحة الدمار الشامل.
** ولو عدنا إلى الفقرة (1) من المادة (الرابعة) المحددة لأهداف المجلس عند إنشائه.. فإننا سنجد أنها تنص على: «تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء في جميع الميادين وصولاً إلى وحدتها».. فإن علينا أن نتساءل:
إذا كانت خمسة وعشرون عاماً غير كافية للوصول إلى الهدف الرئيس من قيام المجلس.. فمتى سيتحقق هدف الوحدة؟!
** إن طرح السؤال ليس منفصلاً عن الحديث الذي بدأناه عن المتغير الجديد بضرورة دخول المنطقة في مرحلة جديدة من التغيير السياسي والإداري والثقافي في إطار التوجهات الراهنة في العالم نحو الإصلاح الشامل.. بل إنه سؤال جوهري ستحدد الإجابة عليه مدى جاهزيتنا كدول وشعوب لاستكمال شروط الاندماج، وبالتالي الانتقال من صيغة التعاون والتنسيق إلى الصيغة النهائية بتحقيق الوحدة التي نوّه بها الملك عبدالله.. وتحث شعوب المنطقة بضرورة الإقدام عليها..
** وإلا.. فكيف يمكن الوصول إلى الإصلاح الشامل في نطاق خطط وبرامج قطرية تحكمها رؤى ومصالح محدودة.. في الوقت الذي يتوجب علينا أن نقدم على خطوة أوسع وأبعد.. تبررها أسباب الضعف السابق الإشارة إليها.. وتوجبها الأخطار والتحديات المحيطة بنا من كل جانب..
** إن الواقع الذي تعيشه دول الخليج العربية.. لا يعطينا مؤشرات إيجابية تشير إلى أن دولنا وشعوبنا باتت جاهزة لتبني المشروع لاسيما في ظل مشاريع التجزئة والتفتيت التي تحياها المنطقة.. وتغذي معها الشعور بضرورة الانسلاخ.. والتفكك.. والبحث عن صيغ مختلفة مثل (الكونفيدرالية) و(الكانتونات المستقلة) و(أنظمة الإدارة المحلية المستقلة) وما في حكمها.. كما هو حاصل الآن في العراق.. والصومال.. والسودان.. وكما هو مطروح من مشاريع خارجية في أكثر من دولة عربية وخليجية بصورة أكثر تحديداً..
** إن هذه الإشكالية الكبرى.. بين أن تطالب شعوب المنطقة دولها بالتوحّد.. وبين أن تجد هذه الدول نفسها منشغلة بما يُحاك ضدها.. أو يراد لها أن تتجه إليه.. تمثل تحدياً خطيراً.. نغفل عنه.. أو نتحاشى الدخول في بحثه وتطارحه.. مع أنه قضية مصيرية لا يجب أن يتقدم عليها أي هم آخر.. بما في ذلك هم نشر الديمقراطية.. وسرعة الانتقال بمجتمعنا الخليجي إلى المؤسساتية وتفعيل دور المواطن بدمجه في مؤسسات الدولة وخططها وبرامجها وضمان مشاركته الفاعلة في اتخاذ قراراتها..
** هذه الحقيقة.. لابد أن تمثل بالنسبة لنا جميعاً.. دولاً وشعوبا وأصحاب رأي.. هاجساً.. يدفعنا إلى أهمية الإيمان بتسريع مشروع الوحدة الخليجية إن كنا جادين حقيقة في المحافظة على كياناتنا وتأمين مصيرنا.. وتحقيق طموحات شعوبنا..
** وكما قلت في البداية.. فإن علينا أن نتأكّد من توفر إرادة حقيقية مشتركة لتحقيق هذه الغاية وإلا فإن المشروع برمته لن يكون سوى مجرد طموح غير قابل للتنفيذ مادام أن لكل دولة سياساتها.. وأولوياتها.. وخططها.. وبرامجها.. وقرارها المستقل..
** وبنظرة سريعة فقط إلى عدد سكان دول مجلس التعاون ونصيب الفرد من الناتج المحلي لكل دولة.. فإننا سندرك أن هناك وضعاً غير طبيعي يجب معالجته أولاً وقبل طرح مشروع أكبر للوحدة.. لأن أول مقوّم للاستقلال والاستقرار يعاني من خلل كبير..
** ذلك أن سكان المملكة (حسب آخر إحصائية معلنة عام 2004م هو (22.673.538) ونصيب الفرد هو (9745) دولاراً، فيما بلغ سكان الإمارات (850.000) نسمة ونصيب الفرد (21674) دولاراً، وعُمان (2.145.000) نسمة ونصيب الفرد (9308) دولارات، والكويت (1.430.000) نسمة ونصيب الفرد (14946) دولاراً، وقطر (700.000) نسمة ونصيب الفرد (32115) دولاراً، والبحرين (425.000) نسمة ونصيب الفرد (13933) دولاراً.
** أي أن مجموع سكان دول المجلس الست هو (28.223.538) نسمة وهو عدد ضئيل للغاية.. قياساً إلى أهمية المنطقة الاستراتيجية ومقارنة بحجم الأخطار الأمنية المحدقة بها.. وكذلك حجم المصالح الدولية المتشابكة معها..
** هذه الحقيقة لا تسمح بأي إبطاء في التفكير الجاد.. في تحقيق مشروع الوحدة، ليس بالصيغة الشعارية التي شهدتها المرحلة القومية السابقة، وإنما بحكم الحاجة إليها كضامن حقيقي لبقاء هذه الدول واستمرار شعوبها في الحلم بمستقبل أفضل يتحقق لها معه الأمن والرخاء والنماء والاستقرار.. بدلاً من أن تظل هدفاً للأطماع.. ولسياسات الابتزاز.. والاستفراد بنا.. وفرض المزيد من الضغوط وإحياء روح ووهم الاستقلال وحق كل دولة في اتخاذ ما تراه محققاً لمصالحها من قرارات حتى وإن تعارضت مع المصلحة الكلية لدول المجلس..
** إن البداية الطبيعية للتوجه لمشروع الحماية لمصائر دولنا وشعوبنا لابد أن تنطلق من أهمية التخلي عن حق كل دولة في أن تتخذ ما تراه محققاً لمصالحها.. إذا كنا راغبين حقاً في أن نعمل معاً من أجل التكامل والتعاون والتنسيق المؤدي إلى الوحدة..
** وبدون هذا فإننا سنحتاج إلى خمس وعشرين سنة أخرى.. ولا ندري إن كانت هذه المدة الإضافية كافية للوصول إلى ذلك الهدف أم أنها ستخلق لنا مشاكل عميقة.. وربما تؤدي بنا إلى واقع مختلف تماماً.. نصبح معه أكثر من ست دول.. بعد أن كنّا نسعى لأن تكون دولنا الست دولة واحدة.. تحكمها ضرورة الحفاظ على المصير المشترك.. بدلاً من أن تتحكم فيها حساسيات صغيرة نعتقد بأنها ستعمّق الفجوات بدلاً من أن توحّد وتُصهر جميع الجهود المؤدية إلى التوحد..

د. هاشم عبده هاشم

جريدة عكاظ