عرض المشاركة وحيدة
  #1  
قديم 19/06/2006, 03:54 PM
صورة عضوية الحكيم العماني
الحكيم العماني الحكيم العماني غير متواجد حالياً
مـشــــــــرف
 
تاريخ الانضمام: 21/06/2002
المشاركات: 1,918
من صلاح الدين وطارق بن زياد .. إلى بن لادن والزرقاوي : هل "الأبطال" هم سبب الهزيمة؟

السلام عليكم

باديء ذي بدء أنوه إلى خطأ مقصود في العنوان: فالأصح السؤال :"هل كان مفهوم البطولة سببا في الهزيمة؟" لأن المقصود هنا ليس الشخوص والأفراد بعينهم وإنما مفهوم المصطلح المنسوب إليهم!

ما أثار لدي الهاجس لهذا الطرح –وهو كان لما يخمد بعد- شائعة وفاة الشيخ أحمد الخليلي حفظه الله، فقد أعادتني تلك الشائعة وما صاحبها من قلق ومرج شديدين إلى فكرة أرقتني –ولا تزال- زمنا ليس بالقصير ألا وهي مفهوم البطولة في مجتمعاتنا.



القضية

لماذا يتمحور مفهوم البطولة في مجتمعاتنا حول أفراد بعينهم وأشخاص محددين؟ لماذا كل إنجازاتنا وإخفاقاتنا يتحملها أشخاص أفراد: لماذا يصبح صلاح الدين محرر القدس وطارق بن زياد فاتح الأندلس بينما عبدالله الصغير سبب سقوط الأندلس!

أليس ذلك تسطيحا بينا لتلك الإنجازات والإخفاقات وهروبا من تحمل الجماعة لمسؤوليتها في كلتي الحالتين؟ هل حرر صلاح الدين القدس بنفسه؟ وهل سقطت الأندلس بسبب عبدالله الصغير وحده؟

هل إنجازات بن لادن (لمن يراه بطلا) أو إخفاقاته (لمن يراه إرهابيا) هي نتاجات أعمال فردية أم أنها نتيجة جهد جماعي منظم؟

إننا جميعا نعيش حلم المخلص المنتظر، من لم يصوت لعبد الناصر أو تشيه غيفارا أو بن لادن أو الزرقاوي فإنه لا يعدو واحدا من إثنين: إما أنه صوت لآخرين على القائمة أو أنه بانتظار من يصوت له!

حتى لا يساء فهم الفكرة يجب علي أن أوضح أن القادة والأبطال الذين يقودون الأمم والحضارات شرط لازم لقيامها وتقدمها، ولكن هذا لا يعني إغفال المجتمع والمحيط الذي يكونون فيه ويقومون بأمره!

إن القائد وجمهوره –كما أراهما- هما وجهان لعملة واحدة، فلئن كان القائد هو الصورة على جانب العملة التي تعطيها مظهرا ورونقا، فإن جمهوره هو الجانب الآخر للعملة الذي يحمل القيمة الحقيقية لها، ولا يمكن لأي منا أن يذهب ليشتري بضاعة بعملة ذات وجه واحد، وكذلك سلعة الحضارة بحاجة ماسة إلى كلا وجهي العملة: القائد ومن يقودهم!

لماذا تتجه أمة شعارها "وأمرهم شورى بينهم" إلى الفردية؟ ولماذا تمجد فلانا وعلانا ورسولها الكريم صلى الله عليه وسلم يعتبر إطراءه عملا منافيا للشرع وتشبها بالنصارى؟ لماذا ينحرف قوم كان خليفتهم يقول : "إن أخطأت فقوموني" فيرد عليه شخص لا نعرف من هو في ميزان طبقات المجتمع : "والله لو أخطأت لقومناك بحد السيف"!

ولا زلنا حتى اليوم يحدونا أمل عارم لنعيد استنساخ أولئك "الأبطال": فوامعتصماه ما زالت تتردد على مسامعنا من على المنابر، ولا زال القوم
"كلهم ينادي أن يا صلاح الدين قم،
دعوا صلاح الدين نائما في قبره واحترموا سكونه،
فإنه لو قام بينكم مرة فسوف تقتلونه"!

نعم إنها الحقيقة، لو قام بيننا فسيقتل لا محالة لأنه لن يجد جيشه ذاك، لن يجد ما يزيد على 25 مدرسة في القرى والأرياف تخرج له الجنود، لن يجد العلماء الذين كانوا يحشدون له الهمم والنفوس قبل أن تحشد الأجساد! سيكون حال صلاح الدين لو قام بيننا اليوم كحال بطل نيتشه في "هكذا تكلم زرادشت" حين نزل من الجبل ميقنا أن الجمهور بانتظاره ثم فوجيء بانشغال الناس بالمهرج وألاعيبه!


أسبابها:

تتعدد الأسباب هنا، ولعل من بينها:
•غياب حاضرنا كأمة يلجئنا إلى الهروب إلى ماض مجتزء يسمح بالتخدير والغياب عن بؤس الواقع المعاش
•تهميش دور الجماعة وضعفها أدى إلى محاولة الهروب من تحت عباءتها وتحميل مسؤوليتها لأفراد
•فكرة البطل والقائد ليست بدعا في تاريخ الأمم والحضارات ولكن المشكلة –في وضع مجتمعاتنا- أنها شكلت بديلا نظريا عن الواقع العملي المرتجى


ولماذا هي مشكلة؟

•أفقدت المجتمع التوازن المطلوب بين وجهي العملة، ! وصرنا نحاول الشراء بعملة مزورة ذات وجه واحد لم يقبلها حتى الآن أي من محلات بيع الحضارة والتقدم!
•صرنا نعيش في عالم الأحلام الذي صنعته قصص ألف ليلة وليلة بذلك الملك الذي تدور حوله الحياة ويصنع مركز الدائرة! فطال ليل أحلامنا ولما يبزغ الفجر علينا بعد!
•التركيبة الحضارية لأي مجتمع تتطلب ولاء إما لفكرة أو أشخاص في موقع السلطة أو لمحيط المجتمع وبيئته! والعامل الذي يحظى بالولاء يدور العاملان الآخران في فلكه! فإن كان الولاء للفكرة فإن الأشخاص ومحيط المجتمع سيكونون أتباعا للفكرة، أما إذا ما كان الولاء لأشخاص –كما حدث في موضوع نقاشنا- فإن الفكرة والمحيط يصبحان أتباعا لأولئك الأشخاص، ويتشكلان بما يرضيهم –إن خيرا أو شرا-!
•مما فاقم المشكلة لدينا ارتباط البطولة بمفاهيم أقرب إلى السلبية منها إلى الإيجابية! وليس السلب والايجاب هنا رديفين للخطأ والصواب وإنما تعبير عن الناتج الفقدي مقابل الفاعلية العملية! فمثلا ترتبط البطولة في إرثنا الفكري والثقافي بالموت (الشهادة) والفقر (الزهد)! فهذا خالد بن الوليد يتحسر على موته على فراشه كما تموت العير بدلا من أن يفخر بنصره وإنجازاته للأمة! ولي عودة لاحقا –إن شاء المولى- للتوسع في هذا في موضوع مستقل. وهذه السلبية :
oأدت أن تصبح هذه المفاهيم –رغم سلبيتها- فرصة للتعويض –السلبي- عن ضرورة الإنجاز والانتصار بل وهروبا من الواقع الذي لا يحمل إلا الهزيمة.
o تشير إلى فشل في العمق لنظام الدولة أو الأمة في إعمار الأرض كما هو مطلوب منها
•توفر فكرة البطل الفرد الفرصة للانتهازيين والدجالين ليتقمصوا شخصية البطل المنتظر، وقسم كبير من الجمهور –للأسف- كثيرا ما يحب من يخدعه ويلبس عليه بمعسول الأمنيات ويكره من يوجهه بالحقائق كما يذكر ذلك غوستاف لوبون في "سيكولوجية الجماهير". وكم رأينا لذلك من الأمثلة الكثيرة عبر السنين!
•عادة ما سيكون أثر فكرة البطل الفرد في ظل غياب تأثير الجماعة مدمرا، مثلما هي حال السوبرمان الذي بشر به نيتشه والذي –كما يرى البعض- كان شرارة ظهور الفكر النازي!


هل عاد دون كيخوته بيننا؟

ما زال يحيرني لماذا اختار سرفانتس مؤلف "دون كيخوته" أو "دون كيشوت" أن ينسب الرواية إلى راو عربي مشرقي هو حامد بن النجيلي؟ هل كان يستشرف أننا سنصنع الكثيرين من الـ"دون كيخوته" في فكرنا وثقافتنا؟ هل كان يستشرف أن هذه الـمجتمعات ستصنع آلافا من طواحين الهواء ليذهبوا بعدها خلف دون كيخوته لمحاربتها؟ هل كان يستشعر أن بعضا من دون كيخوتاتنا يرون في بائعات الهوى رمزا للعفة والطهارة! هل رأى حينها كيف أن دون كيخوته بيننا يجند ألف سنشو منا ليكونوا جيشه في حرب طواحين الهواء؟

لا أدري مجرد تشابه لم أستطع مقاومته بين رواية دون كيخوته وبين حالنا!


أين الطريق؟

إن جل المطلب هنا أن نعيد التوازن المطلوب إلى جانبي العملة:

نحن بحاجة إلى قادة يمضون بالجماهير في ركب الحضارة، ولكن حاجتنا أشد إلى مؤسسات تصنع أولئك القادة من رحم الجماهير، مؤسسات تستطيع أن تواصل سلسلة البناء بغض النظر عن وجود الأفراد أو غيابهم! مؤسسات تبني الولاء الجماعي للفكرة التي تحملها لا للشخص الذي يقودها!

ليس المطلوب، في المقابل، أن يتماهى الأفراد ويذوبون في الجماعة حتى لا تميز بينهم، وإنما لكل فرد أن يعمل جهده واستطاعته فـ"لكل مجتهد نصيب".


دمتم بعافية

آخر تحرير بواسطة الحكيم العماني : 19/06/2006 الساعة 04:48 PM