عرض المشاركة وحيدة
  #14  
قديم 11/09/2006, 03:19 PM
صورة عضوية بنت الشعب
بنت الشعب بنت الشعب غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ الانضمام: 16/02/2005
المشاركات: 277
بعد لحظات

سكن الجووو

و بدى كل شي عاديا..

سيطر مشعل على السيارة.. واخرجها من المسار الذي كان به.. وغادر بها على جناح السرعة.. مكملا الطريق ناحية المستشفى...

اما فاتن التي كانت تشد على قبضة يدها الناعمة.. احست بالخوف والرغبة لامساك مشعل من كتفيه عندما راته يتحرك بقوة من على الكرسي.. يا الهي.. كنا على وشك ان ... اعوذ بالله.. الحمد لله على نجاتنا وخروجنا سالمين..
سماء تكلم مشعل: علامك مشعل شوي وتذبحنا
مشعل بصوت مرتبك: مادري مرة وحده فقدت السيطرة.. و...

صمت مشعل عن اخته لنظرة قد التهمت ملامح وجهه.. كانت فاتن تنظر اليه بكل خوف.. وبعينيها اسألة متعددة.. ماذا جرى له؟؟ هل هو بخير؟؟ هل تأذى؟ او اصيب بشيء.؟ وكنداء او تلبية لكل هذه الاساله ...

مشعل: ما صار فيني شي.. بس ارتبكت شوي.. الحين اوكية..
سماء: الحمد لله.. يالله نروح..

ونظر مشعل بعينيه الى فاتن التي لم تفارق عيناها المرآة الامامية.. وتعانقت نظراتهما.. لتقشع كل غيمات الشك التي تبادرت في ذهن مشعل عن فاتن وخالد.. لكن.. موقف ما عاد الى ذاكرته.. جعله يبعد عينيه عن تلك العينين.. ولو ان حياته كانت منوطة بهما..

وعادت السيارة بالتحرك.. تاركة العاشقين في دوامة لا تنتهي من الشك والاسالة .. والحيرة..

عندما وصلت السيارة الى مواقف المستشفى.. لم تستطع فاتن ان تخرج.. كان قلبها يرغمها على البقاء في السيارة.. لكن سماء الطفلة الصغيرة امسكت بيدها لتخرجها من السيارة.. ويا ليتها لم تمسكها.. فبرود يد فاتن كان صاعقا.. ومخيفا.. وقطرات العرق مندية وجهها الجميل الحزين..

ابدت سماء دورا في تلك اللحظات لم يستطع احد ان يشكرها عليه.. لم تتكلم ولم تقل أي من تلك العبارات المواسية.. بل امساكها لفاتن كان اكبر مواساه.. ومشت الفتاتين خلف الرجل الى داخل المستشفى..

مشعل الذي كان يعرف الطريق قادهن.. وعندما دخلو الى المصعد.. تقدم مشعل وبقيت الاثنتان خلفه.. فاتن لم تكن ترى شيئا.. فالخوف والذعر دب في مفاصلها كلها.. والجزع قد اخذ مأخذه منها.. وسماء التي لم تفك يدها.. قوت قبضتها عليها لتسندها.. ففاتن في تلك اللحظه بدت واهنة.. وتعبة... وقد تذرها نسمة الهوا لو لم تجد من يمسكها..

وتوقف المصعد عند المحطه المنشودة... وخرج مشعل ولحقنه سماء وفاتن.. في كل خطوة مشتها فاتن كان قلبها يقدم مليون تضحية من الدقات.. القلب يدق ستين دقة في الدقيقة.. اما في توقيت فاتن فكانت كل خطوة بمليون دقة قلب.. وكم كانت هذه الضربات المتسارعة مؤثرة عليها.. يا رب ارحمني.. يا رب ابلغني الصبر والهدوء.. لا استطيع ان اتحمل اكثر... سانهار.. لا اريد ان انهار..
وعندما وصل مشعل الى الممر الذي كانت به ام جراح مع جراح.. سمع صرخة داوية رنت بالمكان...

ارتعد مشعل.. بحثت عيناه عن مصدر الصوت.. فلم يكن احدا بالممر.. وفاتن بعدها لم تصل.. التفت ورائه ليجدها قد وصلت اليه.. ومن ملامحها.. يبدو انها قد سمعت الصرخة المدوية.. واسرعت بخاطاها وتجاوزته لكن مشعل امسكها من يدها غير عابئا بشي..

مشعل: فاتن لا تروحين.. ظلي هني
فاتن وملامحها تتاكل وجهها بشكل فضيع: ليش؟
مشعل يبعدها من يدها.. الى بعد هذا الممر: ظلي هني ويا سماء.. انا بروح اشوف وراجع لكم..
فاتن تحاول ان تفلت يدها من يد مشعل: بروح انا.. الصوت مو غريب علي..
وتلت كلمتها هذه صرخة اخرى .. لم تكن متوحدة.. بل اشتبكت بعدد من الصرخات المتتالية.. يا الهي.. من هذا الذي يصرخ.. مشعل الذي انتفض من الصراخ المتوالي ارخى يده عن يد فاتن وافلتت الاخرى ناحية الصوت وهي تجري .. الى ان وقفت الى مصدر الصراخ....

وقفت عند الباب والدمعات مغرقة عينيها.. اغمضتهن لكي تسيل المياة التي تجمعت.. لتوضح لها الرؤية.. ورأت ما كان بالغرفة..

كانت امها بين يدي اخيها المتلوع.. وهي تتحرك بقوة.. وكانها تحاول الخلاص من يده.. يبدو وكانه يمنعها من شي.. اضطربت ملامح فاتن وهي ترى اخيها يبكي بلوعة وامه تتحرك كالمجنونة بين يديه.. و... ستار ابيض خلفهما مغلق.. يا الهي.. ماذا جرى..

نطقت بهذا السؤال : شصاير؟

التفت جراح لاخته الخائفة وامه التي استكانت عندما سمعت صوت ابنتها.. وما ان عرفوها.. حتى زادت وتيرة البكاء عند ام جراح وهي تصرخ لابنتها

ام جراح: يما فاتن انتخيتج.. روحي لابوج.. كلميييه.. عزيييزته انتي.. شوفيه حاجيه خليه يقووووم.. فاتن يمه طلبتج لا ترديني.. طلبتج بحليب صدري.. روحي شوفي ابووووووج.. ما يرد علي.. ما يرد علينا.. روحي له ..

انتفضت فاتن من صراخ امها وجراح الذي يهدئها فاقد للسيطرة تماما.. وتارة يوجه بصره الى امه وتارة اخرى الى اخته الذي تنظر اليه بتسائل محزن

جراح: فاتن خذي امي بره... هديها
فاتن: شصاير جراح.. ما تقول لي شصاير..
ام جراح وهي تصرخ: ردت هالدنيا ويااااااااك ما طلبتها بدوونك يا عبدالله... اويلي .. اويليييييييي اويلي...

سكنت الام بشهقة.. وسكنت حركتها.. لترتخي في حظن ابنها مغشي عليها.. جراح المسكين ارتعد من هول المصائب التي حلت على رأسه تباعا: يمه.. يمه... يمه... فتون.. شفيها امي.. علامها امييي.. يمهه ( يضرب على خد امه) يمه قومي.. تكفين يمه قومي مافيني والله مافيني..(يلتفت لاخته الجالسة قربه وهو ينتفض وصوته ينتفض معه) فتوون شوفي امييييي.. فتووووووون شوفيها..
فاتن تضرب على خد امها:.. يمه.. يمه... حبيبتي يمه.. قومي يمه.. تكفين يمه طلبتج... فجي عيونج يمه...
تلتفت الى مشعل برجاء: تكفييييي نادو على الطبيييييييييييييييييييب.. .

لم يعطل مشعل وركض ناحية أي مكتب استعلامات يراه... وسماء الخائفة واقفة والدمع يهدر من عينيها بحرارة.. ما هذا المصاب الجلل؟؟ لم هذه العائلة؟؟ لم؟.

مشعل الاخر ينادي احدا عند مكتب الاستعلامات: لو سمحتووووو.. خالتي طايحة شوفوووها لي
لم يكن احد يجيبه..
مشعل: هيييييي انتووووووووو نايمين.. اقوللكم خالتييييييييييييي طايحة...
ظهرت ممرضه من احد الممرات: علامك تصارخ؟
مشعل يتجه ناحيتها: خالتي طايحة وو.. اغمى عليها.. و... تعالو شوفوها
الممرضة تحركت بسرعة من مكانها واتجهت ناحية احد المكاتب.. وحملت معها صينية حديدية تحتوي على العديد من الادوية المختلفة.. ركضت مع مشعل ناحية الغرفة.. وعندما عاد لم يرى احد بالغرفة غير سماء اخته الواقفة عند الباب..

سماء وكانها تجيب اخيها: راحوو في الغرفة اللي هناك.. (تشير الى الغرفة المجاورة)

ذهب مشعل غير معطلا الى ناحية الغرفة.. وجد طبيبا ما مع ممرضة عند سرير ام جراح.. وجراح واقف عندهم وفاتن بجنبه.. يياااااااااااااااه كم كان يود لو يضمها الى صدره.. فجراح لم يكن مولنها أي اهتمام والاخرى تبدو كالضائعة.. والتفتت له عندما دخل الغرفة.. وكانت بعينيها نظرة.. لم يعرف ما سببها.. لم تكن نظرة عادية... بل كانت.. نظرة رجاااء.. فتقرب منهم.. او منها بالاخص.. من فاتن..

مشعل بتخوف: من وين يا الدكتور؟
جراح وهو يبكي ويديه عند فمه: كان في الغرفة ويا ابوي.. تحت الستار... ويوم طاحت امي طلع لنا..
مشعل نظر الى فاتن الملتزقة باخيها.. يا رباااه.. هدئ من روعها.. انها لا تستحق ان تترك هكذا فهي ستهلك من الحزن.. لا تبكي.. لا تبكي.. ولكن الالم الذي يطوف على وجهها اشد من البكاء.. يا الهي اعن قلب محبوبتي

الا ويد الطبيب تستقر على ذراع جراح وهو يطمأنه ويشير له بالخروج..

الطبيب: احنا عطيناها مهدئات راح تخليها تنام لفترة.. بس لازم ما تخلونا تكون عرضة للانهيار.. تراها ضعيفة ويمكن تنهار في أي لحظه..
جراح والدمع يسيل من عينيه المحمرتان: ان شاء الله دكتور
الدكتور يبتسم ابتسامة مواساة على شفتيه ويمسك بجراح من كتفيه بكلتا يديه: يا ولدي الاعمار بيد الله .. والانسان لازم يسترجع ويذكر ربه.. كل الناس مصيرها الموت.. وانت لازم تكون قوي عشان اهلك وامك اللي بتحتاجك..

هز جراح راسه بتفهم وهو يحاول ان يبلع الغصات التي تناولت حنجرته.. ويحاول ان يستمد القوة من يدي الطبيب الممسك به.. وفاتن الواقعة تغيرت نظرتها الى الاستغراب.. هل امي ستموت؟؟ هل امي على وشك ان تموت؟ وابي.. ما حاله يا ترى؟؟ لم يقل لي جراح شيئا..

وعند مغادرة الطبيب تقدمت اليه فاتن وهي تضم يديها الى صدرها وهي خائفة: جراح... وينه ابوي؟؟
رفع راسه جراح بكل مفاجاه؟؟؟ يا الهي.. فاتن لا تعرف..
فاتن وهي تنشر بصرها يمنة ويسره: انا من الخوف على امي ما حصل لي اسالك عنه.. وينه ابوي جراح.. شخباره شصار عليه؟
مسح جراح على وجهه وهو يبكي بهدوء وامتدت يديه الى فمه وهو يكممه كي لا يتكلم..
فاتن تمسك بتلك اليدين برجاء والدمع بدا يتساقط : جراح... وينه ابوي؟؟؟

امسك جراح بيديها: فاتن..........
وصمت...

يا الهي..

يا رب السماوات...

يا ربي...

يا ويلتي.. ابي....

لم تشأ فاتن ان تستمع اكثر وخرجت من الغرفة لناحية الغرفة الاخرى التي كانت امها قد سقطت فيها مذ قليل..

ولحقها جراح وهو يمسك بيدها: فاتن وين رايحة
فاتن تبعد يد اخيها الخفيفه بقوة: بروح لابوي...
وعندما خرجت من الباب اسرعت لتقف متجمدة مكانها....

كان الممرضان الاخران يجراح السرير ومن عليه لخارج الغرفة وهو مغطى الوجه... وبقع دمٍ متناثرة على ذلك الشرشف الابيض .. يعكر بياضه الصافي.. سارت القافلة امام عينيها وهي مشدوهة بهذا المظهر.. رباه... رباه من هذا؟

التفتت الى اخيها الواقف خلفها وهو مستند على جانب الباب المقابل للغرفة التي خرجت الجثه منها وهي لا تصدق ما راته عيناها.. تبحث عن نكران.. عن من ينكر لها ما راته عيناها ويكذبها.. لكن.. لم يفدها اخاها بشي.. وتهاملت روحها من جسدها.. وتراجعت للخلف وهي ترى الايجاب بدمع اخيها وعينيه اللتان اعتصرتا من شددة الالم.. وبدى جسده متداخلا من هول المصيبة وما راته عيناهما..

هزت راسها فاتن يمنه ويسره.. غير مصدقة.. لا ... لم يكن هو.. لم يكن والدي.. لم يكن والدي المغطى بالشراشف.. لم يكن هو... والدي.. والدي حي.. والدي .. والدي بالعمل.. انه يعمل في احدى المنازل.. يركب احد الابواب.. او .. يصلح احد الاعطال التصريفية.. انه.. نعم اعرف أين هو.. انه في منزل مريم...... يعاون أبو مساعد في التسليك .......للمصارف الجديدة في منزلهم... يا ويلي... ابي...
توالت تلك الصرخة الداخليه صرخة اخرى... لم تكن بالعنيفة.. ولكن.. مسموعة: يبـــــــــــا

تقدم لها جراح وهو يحتظنها عندما ترنحت امامه بخفة حظنها وهو يرفعها عن الارض والاخرى ميتة بين ذراعيه... سماء التي جن جنونها بحظن اخيها على منظر ام جراح قبلا والان فاتن ومشعل يهدئها ولكن لا مجال.. فالفتاة تبكي فقدان اب هذين الاخوين وكانه والدها.. ارحمهم يا ربي.. ارحمهم بواسع رحمتك..

**************************************** ***
مضت الايام حزينة على قلوب بيت ابو جراح.. وام جراح.. لم ترى الدنيا حتى الان.. فما ان تقوم حتى تصرخ صرخات مدوية تقلب عالي الدنيا بسافلها.. فتعطى مهدئات تسكن هذا الصراخ.. فاتن بعد بكائها في المستشفى لم تبكي.. اكراما لاختها المسكينة واخيها الصغير الذي هو الثاني لم يبكي حتى الان على ابيه.. بذل جراح الكبير في عزاء والده.. استقبل الجمع الهائل الذي اتاهم في الباحة الخلفية.. نظرا لصغر منزلهم... اعدها مع رفاقه كي تتناسب مع الحضور.. خالد تولى مهام الضيافة والمعاونة مقاسمة مع مشعل الذي بلغ دوره البلوغ في السمو.. فكان هو الذراع الايسر لجراح وخالد الايمن..

فاتن استقبلت النسوة مع مريم واختها نورة وخالتها عزيزة .. بدت شجاعة.. لا بل بدت فولاذية لولا عينيها المحمرتين وخديها المتوهجين.. كانت الحرارة مرتفعة في تلك الايام لكن.. نسيم الهوا البارد لم يبخل عليهم بالبروودة...

عزاء النسوة كان في بيت ابو مساعد .. والرجال في الباحة الخلفية لمنزل ابو جراح رحمة الله عليه..
لم يصدق احد الخبر عندما انتشر كانتشار الهواء في الارجاء المعتمة.. مساعد اكثرهم.. فمذ سمع الخبر فجع بطريقة لا توصف.. واحس وكان عالية توفت مرة اخرى.. هذه المرة لم تتوفى هي.. بل توفى اخاها الطيب المحترم المتواضع .. الذي بنى لنفسه المكانة العالية بين الناس بطيبته وبفزعه لكل اهالي الحي في الحاجة..

الكل تحسب على وفاته.. والكل شكى الحال الى الله.. وقالو.. كان يومه.. لكن كي يموت بهذه الطريقة البشعة.. لم يستطع احد ان يجيب على هذا السؤال.. الذي كان ينطرح في المرة الف مرة في بال جراح الذي كلما اغمض عينيه ترائت له صورة والده وهو ساقط والدم يسيل من راسه بحرارة..
فيفتحهما وكانه صحى من ***** مزعج.. ويستند لما خلفه ويريح رقبته...

في اخر يوم للعزا... بقيت مريم مع فاتن في غرفتها.. تتجاذبان الصمت من ارجاء الغرفة.. تعبتان لا بل منهكتان.. مسكينة فاتن.. هذا ما تبادر في ذهن مريم وهي تفكر.. اكان لها ان تعاني كل هذا مع اهلها.. مسكينة حقا.. تحب والدها بعنف.. فلم هذا الفراق تحتم عليهما.. رحمك الله يا عمي.. لقد كنت رجلا عظيما..

تنتبه فاتن الى مريم السارحة في وجهها.. وابتسمت لها بحزن عميق.. لا بل دفين.. وكانه يخرج من غياهب القلب..
فاتن: علامج؟
مريم تهز راسها:.. ولا شي..
فاتن: سارحة فيني.. (تغمز لها بخفه) معجبه؟
مريم تبتسم: هههه.. أي .. تقدرين تقولين.. (بمزاح تمد قميصها الاسود ناحيه وجه فاتن) لو سمحتي التوقيع..
فاتن تضحك وهي تريح راسها على الوسادة: هههههههه..
تنظر اليها مريم ولم تضحك.. بل اكتفت بالابتسام وهي تقلب ببصرها يمنة ويسرة
فاتن: علامج مريم؟؟ شفيج؟؟
مريم وهي تنهض من على السرير: مافيني شي..
فاتن: ليش ويهج منعفس وكان ولا شي عاجبج..
مريم وهي تلوح بيديها:.. برودج اهو اللي مو عاجبني..
فاتن تعقد حاجبيها: برودي؟؟ أي برود الله يهداج
مريم تلتفت لها: يعني انتي مستانسة على حالج؟؟؟ مستانسة كونج اقوى وحده وانج الوحيدة اللي مابجت..
تبتسم فاتن بحزن: وليش ابجي.. انا بجاي اعظم من الدموع..
مريم وهي تجلس بجنبها: بس بعد يا فاتن.. ترى ان حبستي الشي فيج بيرد لج اضعاف اضعاف..
تمسك فاتن بيد صديقتها الحميمة: لا تخافين.. ما بيصير فيني شي.. انا جبل.. ما سمعتي ام بدر شقالت عني اليوم...
اشاحت ببصرها عن رفيقتها وعادت واستلقت وهي تعبة.. وضعت ذراعها على عينيها والاخرى على بطنها.. وكانها ستناام..
قامت مريم من على السرير.. وهي تقلب بين اغراض فاتن.. التفتت الى صورة على رف المنضدة.. وابتسمت لها.. كانت صورة قديمة لهن.. فاتن وهي وسمية.. هي وفاتن كانتا متابطين ذراع بعضيهما وسمية عاقدة ذراعيها ولا تبتسم بالصورة.. تذكرت مناسبة هذه الصورة.. كانت يوم النظافة بالمدرسة.. وصفهم فاز بتلك الجائزة.. وصورتهن خالة فاتن .. ما اسعد ذلك اليوم..وما احزن هذه الايام..

وفتح الباب.. كانت مناير الحزينة
مناير بصوت مغاير عن طبيعته: فتون يبيج جراح تحت!!
لم تبطئ فاتن وارتدت حجابها تحسبن لابن خالتها.. وعندما تقدمت ناحية الباب التفتت الى مريم الواقفة عند المنضدة: تعالي؟
مريم باستغراب: وين؟؟ لا خليني.. روحي شوفي شيبي منج وتعالي
فاتن بتعب: مريوم والله مالي خلق تعالي معاي ..
مريم بحياء: فتوون..
امسكت فاتن يدها غير عابئة وسحبتها الى الخارج..

عندما نزلت فاتن مع مريم الى الصالة كانت خالتها لا تزال موجودة بالاضافة الى اخيها جراح الذي بدى كهلا في تلك اللحظات.. ولكن.. هناك شخصا اخرا.. من هو؟؟ لم يكن خالد.. كان موليا ظهره للدرج.. ولم تستطع فاتن ان تراه... وعندما سمع صوت وصولها .. التفتت كل الاعين.. والتفت الشخص ايضا...

في تلك اللحظة.. تجمدت قدما فاتن عن المسير... كان .. كان مساعد.. اخ مريم.. لم تعلمني مريم عن زيارة لاخيها...

فماذا يفعل اخاها هنا..؟؟

عينا مساعد كانتا تسبحان بوجهها النير.. ولكن الشاحب.. وعندما راى سربال الاسى على محياها.. امسك قلبه كيلا يقفز عليها مطبطبا عليها

فاتن وهي تسلم: السلام عليكم
الجمع يرد السلام: وعليكم السلام...
جراح وهو يشير لاخته..: فاتن تعالي هني عندي..

كانت حركة اخيها مشابهه لحركة ابيها عندما يريد محادثتها بموضوع هام.. يخصها..
تقدمت لبين يدي اخيها.. وهي تجلس عنده..

فاتن: شصاير؟
مريم التي جلست عند عزيزة خاله مريم.. ومساعد ظل واقفا..
جراح: ماصاير شي بس.. انتي تعرفين مساعد اخو مريم.. صح؟
فاتن وهي تنظر بسرعة ناحية مساعد: ايه...
الاستغراب كان هو سيد الموقف..
جراح الذي بدا هادئا: اهو عنده شي يبي يقوله لج.. يمكن اهوو سابق عن موعده لكن.. اهو لمصلحتج..
امسكت فاتن على قلبها.. لا تعرف لم طرأ موضوع الزواج في بالها.. لا تعرف لما احست ان مساعد لربما خطبها من اخيها.. مع ان علاقتهما بعيدة كل البعد عن تلك المخيلات.. لكن.. شيء ما نغص هدوء قلبها..
فاتن: شالسالفة؟
جراح يبتسم بليونة: شركة مساعد.. اسمها ..الوفا للمحاماة.. مقدمة لج منحة.. نظرا لمعدلج المرتفع بالمدرسة..
تذكرت فاتن ذلك الظرف الذي وقع نظر خالد عليه بذلك اليوم.. وكانت به الاوراق المتعددة.. ولكن مااسرع حتى ان تغلبت الذكريات الحزينة عليها.. فذلك اليوم هو يوم وفاة والدها.
اخفضت فاتن راسها بكل حزن الى حجرها: أي .. ادري

جراح باستغراب: شلون؟
تكلم هناك مساعد..: انا اقول لك شلون.. قبل جم يوم دزينا على عنوانكم اوراق و فيه جم شغلة جذي تبين لكم معلومات بسيطة عن المنحة..
جراح: اها... (يلتفت لفاتن) متى وصل الظرف..
هامت روح فاتن في جسدها: يوم... يوم وفاة اب... ابوي...

عم الصمت .. بتلك اللحظات بدى ان جراح على وشك البكاء.. لم يكن يخجل من اذراف الدمع ابدا.. لكنه عندما نظر الى امامة فوجد مريم تبتسم بخفة له.. وكانها تداوي جرحه النازف.. وتطلب منه ان يكون قويا .. لاجل نفسه.. ولاجل فاتن بهذه اللحظة..

جراح: .. شرايج انتي
فاتن بكل حزم: البعثه ما اتعوض.. لكن انا مضطرة ارفض..
جراح باندهاش: ليش؟؟
مساعد امتعض.. لم ترفض بعثة كهذه

فاتن: لان هذا مو وقته الحين.. لو كانت الظروف ثانية.. جان.. وافقت.. بس .. امي محتاجة احد يبقى معاها.. و.. و انا... ابي اكون وياها في كل شي... مابي اخليها لحالها.. وهذي البعثة دراسة خارجية.. وانا عمري مافكرت اني ادرس برة
عزيزة: لان الفرصة ما كانت موجودة انج تدرسين في بلاد برة.. لكن الحين الفرصة جدامج.. والبعثة بتتكفل فيج طول اربع سنوات..
فاتن بهدوء تهز راسها: ولو.. مابي اطلع.. ابي اهتم في اخواني..
جراح: فاتن.. مو كل يوم تنفتج لج هالابواب.
فاتن: ادري.. بس مابي... مابي..
القت ببصرها على مساعد الذي كان كجمود الحائط الذي خلفه: انا بصراحة اتشرف بهذه البعثه بس.. لو الظروف كانت مغايرة.. كنت قبلتها...
مساعد: وليش الحين.؟؟ علامها الظروف..
استغربت فاتن... ما بالها الظروف: اسفه؟؟
مساعد وهو يتحرك في مكانه: أنا أشوف إن حتى لو الوالد الله يرحمه غير موجود ما راح يعني هذا الشي نهاية العالم.. بالعكس.. أنا اللي اعرفه عن ابوج انه كان يفضلكم تدرسون على أي شي.. وكان يبذل المستحيل عشان دراستكم.. فالحين يوم انه الله توفاه برحمته أنتي ناويه توقفين مسيرة التعليم اللي اهو حاول الكثير عشانها؟.

انربط لسان فاتن.. كيف ترد عليه؟ لقد الجم لسانها بتلك الكلمات الصارمة.. ما قاله لم يكن كذبا ولا تاليفا.. كانت الحقيقة.. لكن.. طريقة سردها.. كانت مثيرة للاعصاب.. ليس لفاتن فقط.. بل حتى لجراح.. على الرغم من احتمال جراح وفاتن لكل الاعباء بالاونه الاخيرة الا ان هذا المتعجرف الكبير اتى لهم بدقيقة واحدة ليبين لهم انهما ما زالا صغيرين.. كم هو.......

مساعد يقطع الصمت بصوته المرعد: والله انا مكانج يا اختي ما خليت هالفرصة.. ما اتعوض.. وذهبية لو تقدرين تقولين.. جامعة ييل ما تستقبل العديد من الطلاب العرب.. وانتي راح تكونين من الفئة المميزة.. راح تقدرين تدرسين اللي تبينه..

لم تستطع فاتن ان تجيب.. ولكنها: ... بفكر..
مساعد احس لعنادها ولعدم ارتياحها من نبرته.. لكن.. قلما همه هذا.. فمصلحتها هي ما يتكلمون عنها.. ولا يهمه من ارائها الصبيانية حول هذه المسالة..

مساعد: يالله عيل انا الحين بقوم..
جراح: لا وين توك ما وصلت..
مساعد يبتسم: الله يخليك بس باجر عندي دوام من الصبح وابي ارتاح له .. (يلتفت لاخته) ها مريم.. بتطولين؟
مريم بانصياع تام: لا بروح وياك..
فاتنبصوت خافت تعترض: بس مريم؟؟
مريم تبتسم: باجر بيييج ما بشرد.. ( تلتفت الى جراح الذي بدى عليه ايضا الاعتراض على ذهابها) يالله تصبحون على خير
فاتن وهي تقف لهما: وانتي من اهله..
مريم بهمس: بتصل فيج.. اوكيه؟
لم ترد فاتن بل هزت راسها موافقة..

وعلى هكذا.. غادر العملاق مع اخته.. وقبيل مغادرته.. التفت الى جراح ولكن عينيه انصبت على البيضاء الواقفة وهي تناظرهما..
مساعد: باجر بتصل فيك وبتفاهم معاك على السالفة.. (لفاتن) وانتي بعد.. اتمنى لو انج تفكرين اكثر.. وبطريقة اوضح..
بانصياع: ان شاء الله..

وبعد هذه ال"تعليمات" غادر بابا مساعد مع اخته الصغيرة ليخلف من ورائه جماعة محتارة..

اول من تكلم كانت عزيزة: والله انا عمري ما شفت مثل هالريال.. صج انه متسلط ويفرض ارائه على الرايح والراد..
جراح وهو يجلس: صح.. له طبع غريب.. ويمكن غريب شوي.. لكن .. اهو اكبر منا وافهم..
يلتفت لاخته: ها فتون.. شقولج انتي..
فاتن: انا على قراري.. انا مستحيل طلع وادرس بره واخواني للحين صغار.. انت ما بتقدر ولا امي بتقدر.. يبيلكم ثالث..
جراح: مثل ما قال لج اونكل مساعد ( يبتسم لها) لازم تفكرين بطريقة واعية وواضحة..
تبتسم فاتن: ان شالله... يالله عن اذنكم.. تصبحون على خير
الخاله عزيزة التي اتخذت من المنزل مبات لها منذ وفاة المرحوم: وانتي من اهل الخير...

غادرت فاتن الصالة لغرفتها وهي تترنح من التعب.. انها لتعبة جدا.. اخر يوم للعزا كان متعبا.. جمع غفير من النسوة قد حضر اليوم.. وامها ما زالت في غرفتها .. عندما تذكرت امها... مال خاطرها لتذهب اليها.. وبالفعل.. ذهبت باتجاه غرفة والديها...

عندما مسكت الباب.. تخيلت ان والدها لابد وقد امسك بذلك المقبض دائما.. وبدت تمسح عليه بيديها. وهي تجاهد الدمع بعينيها... فتحت الباب بكل هدوء.. ومسحت بعينيها المكان الذي بدى كالقبر الكبير..

كل شي كان مرتبا.. الا ان البرود كان يلف الجسد عندما يمر به.. والدتها مضطجعة في سريرها وكانها متعبة.. مجهدة.. ولاول مرة.. الغرفة خلت من صور ابيها.. لابد وان جراح من قام بهذا.. تقربت من سرير والدتها.. ولاول مرة.. بكت فاتن بصحوة.. لقد صحت من تلك الغفوة التي رميت بها..
لقد مات ابي... مات ابي.. مااات
كل جزء وكل زاوية وكل قطعة من الاثاث.. تصرخ بتلك الحقيقة المرة.. غطت فمها كي لا تخرج اهاتها وتصحى امها من نومها المتعب.. اتجهت ناحية خزانة الملابس.. فتحت القسم المخصص لوالدها.. فلم تجد ولا قطعة من ملابسه.. اين هي الملابس كلها... ؟؟ أين اخذها جراح...

خرجت من الغرفة بنفس الهدوء الذي دخلت به.. واتجهت ناحية غرفة اخيها.. عله يكون فيها..
طرقت على الباب.. لكن.. ما من جواب..
نزلت بسرعة ناحية الصالة لتراه ان كان مازال موجودا هناك.. لكن.. لم يكن هنااك.. اين هو؟؟؟ اين ذهب؟؟

بحثت عنه في الباحة الخلفية فلم تجده.. اين هذب.. أين اختفى؟؟ توجهت ناحية المرأب.. لابد وانه هناك... وبالفعل كان هناك...

كان جالسا عند احدى الزوايا .. وامامه العديد من الصناديق الكرتونية يفتح احدها ويخرج شيئا منها .. ويفتح الاخر ويخرج شيئا اخرا.. ويبدو انه يبكي...

فاتن بنبرة مفجوعه: جراااااح؟؟

التفت لها اخيها بنظرة متفاجاه.. وكانه لص وكشف.. لكن عندما تقدمت ناحيته وهي تبكي.. عاد لما كان يقوم به... وشاركته هي بالاسى...

امسكت باحدى الصناديق وفتحته.. وجدت به ملابس ابيها التي كان يذهب الى العمل بها.. قربتها من فمها فشمت رائحته العطرة.. تلك الرائحة التي لم تكن لتذهب منه لو قامت امها بغسلها 1000 مرة .. وبحثت اكثر.. لتجد الغترة التي كان يلبسها على راسه بالشتاء.. دائما كان يرتديها وهو يجلس في الباحة الخلفية.. او عند ذهابهم الى الرحلات نحو المناطق الصحراوية.. اااااااااااااه يا والدي..
انت فاتن كانت ساحقة.. سحقت كلللل هالات الصبر التي البستها نفسها.. ولم تستطع الا ان تخرج كل ما في جوفها....
جراح لم يحاول ان يسكتها او شي.. ففاتن كانت محتاجة لتلك الصحوة..
فاتن بين دموعها: ليش يبا ليش؟؟؟؟؟ ليش انت؟؟؟؟؟ انا ما قدر اصدق... شلوووون يا جراح.. شلون صحينا الصبح طول هالايام بلا بسمة ابوي.... بلا يده الحانيه( وتمسد بيديها) تمسح على راسي... تباركني... تطمني... تخليني بامااااااااان.. الحين... الحين انا ... انا ضايعة..ضايعه بلا ابووي... ااااه يا بوووووووي..اه عليك يابووووووووووووووووووي.. رحت عني وخليتني.. يبا انا لمن اروووووووح.. اااه يا ابووووووووووووووووووووووو ي .. اااه يا ابووووووووووووي ..

جراح بكى بكاءا مريرا من بكاء اخته ونحيبها المتاخر.. كان يخاف من انتحابه فاتن لانها قاتلة..اعانك الله يا اختي... اعانك الله....

ويا ترى... هل ستمضي الايام ملئى بالاحزان عليهم .. ام ان ابواب السعادة قد تفتح بتلك العائلة؟؟ وفاتن.. ماذا قد يحدث معها.. هل ستبقى كما هي .. ام ان هذه الحادثة.. ستطري بعض من التغيرات عليها... طيبتها في خطر.. هل ستبقى؟؟ ام ستذهب كما ذهب والدها...
مشعل؟؟ ما مصيره من هذه الحادثة؟؟ ومساعد.. هل له امل في الدخول في قلب فاتن... وخالد؟؟؟ ما الذي سيجري عليه؟؟؟؟