الموضوع: اخــترت لـك
عرض المشاركة وحيدة
  #100  
قديم 20/05/2004, 01:22 PM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
الانسلاخ من لغة القرآن الكريم
أنور بن محمد الرواس
باحث وأكاديمي ــ جامعة السلطان قابوس

كنت أحسب ان الذين يحملون درجات علمية عليا أحرص على الحفاظ على ثقافتنا وهويتنا من غيرهم في ظل المتغيرات المتسارعة التي تشهدها المنطقة بسبب منظومة العولمة وتداخل الثقافات.
وكنت أحسب ان الذين يعملون في مواقع اقتصادية ومالية لديهم الحرص الكافي على تفعيل لغتنا العربية بين بعضهم البعض، ولكنني اكتشفت ومعي الكثيرون ممن لم تسمع أصواتهم بأن هناك تحركا خفيا يزحف بقوة للقضاء على ما تبقى من لغة القرآن الكريم أبطالها للأسف الشديد هم عرب أبناء حضارة عريقة.
ومما يدعو للاستغراب ان وسيلة التخاطب بين الأعضاء العمانيين في المجلس الأكاديمي بجامعة السلطان قابوس منذ افتتاحها في عام 1986 ولغاية يومنا هذا هي اللغة الانجليزية. ولا يقتصر الأمر على الأكاديميين العمانيين فحسب، فهناك الموظفون العمانيون في المصارف المحلية الذين يدفعون باللغة العربية الى طريق الهاوية والتمسك بما هو أبعد من ذلك من خلال فرض ثقافات جديدة على المجتمع العماني باستخدام لغات جديدة يفضلها هؤلاء كوسيلة تخاطب بين بعضهم البعض وهي اللغة السواحلية، واللغة القادمة من شبه القارة الهندية، عجيب أمر هؤلاء العمانيين الذين يفضلون لغات أخرى على لغتهم وهم الأكثر تقديسا واعتناقا وتمسكا بلغة القرآن الكريم.
إننا مصدومون من فلتان هؤلاء في تغريب الذات والعمل بطريقة منظمة على طمس الهوية الثقافية العربية بحجة ان العالم المتحضر يتجه الى تبني لغة عالمية لا مكان لمن لا يعتنق هذه اللغة ما لم ننسلخ من لغة القرآن، أمّا الأممُ الأخرى فنراها ترتقي سلّمَ التقدّم ومعها لغتها يقيناً منها انّ اللغة هي مفتاح التقدّم وشخصيّة الأمّة، ولا ينجح التقدّم مع الانسلاخ عن اللغة، لأنّ التقدّم لن يتأصّل في حياة الأمّة بلسانٍ غير لسانها مع ضعفها وزهدها بتراثها.وما هو أخطر على اللغة العربية في وقتنا الحاضر هو ان بعض الأكاديميين العمانيين وبعض العاملين في المجال المصرفي من أبناء هذا البلد يتبنون طرح التغريب ويروجون له بطريقة علنية للقضاء على اللغة العربية جملة وتفصيلا. والقارئ الفطن يستطيع ان يرى حقيقة مشهد انسلاخ مجموعة من الرموز العلمية والمالية وهم يحاولون تغيير ملامح ثقافتنا بطريقة مشينة تبعدهم عن جادة الطريق إكراما للغير وتحقيقا لرغبات مروجي العولمة دون الحاجة الى توجيه رسالة مكتوبة للقيام بذلك. وتحضرني في هذا الصدد مقولة للرئيس الفرنسي جاك شيراك بقوله "لن نكون عربا أكثر من العرب أنفسهم" في اشارة الى ان العرب باستطاعتهم فرض ثقافتهم بصورة حضارية مستمدة من روحانية القرآن الكريم.
وعلينا ان ننظر الى هذا الموضوع الخطير بجدية الحريص على مستقبل هويتنا، وان لا يمر مرور الكرام وكأنه نتاج طبيعي تمليه المتغيرات الدولية، فمن يظن نفسه أنه مدرك لمتطلبات العولمة باعتبارها الخلاص من التقوقع والتقليد، فإدراكه في حدود ضيقة وهو في غفلة من أمره وعليه ان يعيد حساباته. فعلى الرغم من ان العولمة تحمل جوانب مضيئة، الا أنها تحمل سموماً كثيرةً أهمها طمس الهوية الثقافية لكافة الشعوب، ولقد وجدت قلة ممن يدعون العلم وأصحاب الثقافة السطحية يقومون بترويج ثقافة العولمة بأسلوب هادئ دون الحاجة الى فرضها بالقوة على حضارة الشعوب. لقد تنبه العقلاء من العرب الأصيلين الى ان الخطر الحقيقي ليس ممن يروج للعولمة من الخارج، ولكن الخطر المحدق منبعه أساسا من بعض العرب الذين يظنون أنفسهم بأنهم وصلوا الى أعلى درجات الفهم والادراك في تغيير منظومة الثقافة التقليدية التي لا تستند الا الى واقع سحيق ساهم في تأخير العرب عن الوصول الى مصاف الدول المتقدمة.
واذا كانت هذه حسابات مروجي العولمة فهي حسابات خاطئة ولا يعتد بها، فالثقافة العربية التي تستمد قوتها وعطاءها من لغة القرآن الكريم، فهي لغة راقية وعظيمة بعظمة القرآن الذي قال عنه رب العزة والجلال (انّا أنزلناه قرآنا عربيّا لعلكم تعقلون)، وفي آية أخرى (قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون)، وفي أخرى (انّا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون)، وقال تعالى عنه في محكم كتابه (انّا نحن نزلنا الذكر وانّا له لحافظون). فاللغة العربية ليست بحاجة الى هؤلاء الذين يروجون لثقافة الغير بقصد أو بغير قصد، ولن تثنينا عزائمنا عن اغلاق المنافذ على هؤلاء، وفتح ملفات مشكلة العمانيين مع اللغة العربية كقضية وطنية حان الوقت لمناقشتها لإنقاذ ما يمكن انقاذه من خلال التجاوزات المستمرة لهؤلاء، حفاظا على ثقافتنا وهويتنا، وان يعاد النظر في السياسات والآليات التي ينتهجها المسؤولون في جامعاتنا ومدارسنا والمؤسسات الرسمية ومؤسسات القطاع الخاص وتحديدا المصارف المحلية دون خوف أو استحياء وان يقف الجميع موقفا موحدا من خطر طمس الهوية، و الا سوف يستشري هذا المرض السرطاني بطريقة سريعة وساعتها نفقد كل شيء، والساكت عن الحق شيطان أخرس.
وما نقصده من طرح أزمة اللغة العربية في مؤسساتنا الرسمية والخاصة للنقاش هو بمثابة جرس انذار هدفه الحفاظ على هويتنا من الانهيار التدريجي في ظل متغيرات العصر الذي تسيطر عليه اللغة الانجليزية وتفشي جنون العظمة بهذه اللغة التي فضلها بعض الناس على لغتهم العربية، بل وامتد الأمر بهم الى ما هو أخطر من ذلك وهو ان تتبنى الأسر العمانية لغة الخواجة في تربية أبنائهم وكأنها المنقذ من ويلات التخلف، مع العلم ان أرباب هذه الأسر تجهل حقيقة ان اللغة العربية هي مفتاح نجاح أبنائهم ووصولهم الى مستويات عالية في العلم والوظيفة. اننا أمام معضلة كبيرة، وعلينا جميعا ان نواجه أخطاءنا بشجاعة الحريص على تماسك اللغة العربية من الفلتان غير المبرر في عصر نحن في أشد الحاجة الى لغة القرآن من أي وقت مضى. اللهم اني بلغت اللهم فأشهد..