عرض المشاركة وحيدة
  #1  
قديم 12/03/2004, 10:02 AM
راس المال راس المال غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ الانضمام: 10/01/2004
المشاركات: 977
سيد قطب يوضح أسباب تأخر النصر عن هذه الأمة

بتصرف من كتاب في ظلال القرآن الجزء الرابع:

يقول الله تبارك وتعالى ( إن الله يدافع عن الذين أمنوا أن الله لا يحب كل خوان كفور ) فقد ضمن للمؤمنين إذن أنه هو تعالي يدافع عنهم .. ومن يدافع الله عنه فهو ممنوع حتماً من عدوه ، ظاهر حتماً على عدوه .. ففيم إذن يأذن لهم بالقتال ؟
و فيم إذن يقاتلون فيصيبهم القتل والجرح ، والجهد والمشقة ، والتضحية والآلام ...والعاقبة معروفة ، والله قادر على تحقيق العاقبة لهم بلا جهد ولا مشقة

ولا تضحية ولا ألم ، ولا قتل ولا قتال ؟

والجواب : أن حكمة الله في هذا هي العليا ، وان لله الحجة البالغة .. والذي ندركه نحن البشر من تلك الحكمة ويظهر لعقولنا

ومداركنا من تجاربنا ومعارفنا : أن الله سبحانه لم يرد أن يكون حملة دعوته وحماتها

من (( التنابلة )) الكسالى الذين يجلسون في استرخاء ،

ثم يتنزل عليهم نصره سهلاً هيناً بلا عناء ولمجرد أنهم يقيمون الصلاة ويرتلون القرآن ويتوجهون إلى الله بالدعاء

كلما مسهم الأذى ووقع عليهم الاعتداء!

نعم انهم يجب أن يقيموا الصلاة وأن يرتلوا القرآن ،

وأن يتوجهوا إلى الله بالدعاء في السراء والضراء

ولكن هذه العبادة وحدها لا تؤهلهم لحمل دعوة الله وحمايتها إنما هي الزاد الذي يتزودونه للمعركة والذخيرة التي يدخرونها للموقعة

والسلاح الذي يطمئنون إليه وهم يواجهون الباطل بمثل سلاحه ويزيدون عنه سلاح التقوى والإيمان والاتصال بالله ......

والنصر السريع الذي لا يكلف عناء ، والذي يتنزل هيناً ليناً على القاعدين المستريحين ، يعطل كل الطاقات عن الظهور

لانه لا يحفزها ولا يدعوها . وأيضا :

النصر السريع الهين اللين ، سهل فقدانه وضياعه .

أولاً : لأنه رخيص الثمن لم تبذل فيه التضحيات عزيزة .

وثانياً :لأن الذين نالوه لم تدرب قواهم على الاحتفاظ به ولم تشحذ طاقاتهم وحشد لكسبه فهي لا تحفز ولا تحتشد للدفاع عنه.

إن النصر قد يبطيء على الذين ظلموا واخرجوا من ديارهم بغير حق .. لحكمة يريدها الله .

قد يبطيء النصر لأن بنية الأمة المؤمنة لم تنضج بعد نضجها ، ولم يتم بعد تمامها، ولم تحشد بعد طاقاتها، ولم تتحفز كل خلية وتتجمع لتعرف أقصى المذخور فيها من قوى واستعدادات . فلو نالت النصر حينئذ لفقدته وشيكاً لعدم قدرتها على حمايته طويلا !

وقد يبطيء النصر حتى تبذل الأمة المؤمنة آخر ما في طوقها من قوة ، وآخر ما تملكه من رصيد ، فلا تستبقى عزيزاً ولا غالباً ، ولا تبذله هيناً رخيصاً في سبيل الله .

وقد يبطيء النصر حتى تجرب الأمة المؤمنة آخر قواها فتدرك أن هذه القوى وحدها بدون سند من الله لا تكفل النصر. إنما يتنزل النصر من عند الله عندما تبذل آخر ما في طوقها، ثم تكل الأمر بعدها إلى الله . وقد يبطيء النصر لتزيد الأمة المؤمنة صلتها بالله ، وهى تعانى وتتألم وتبذل ، ولا تجد لها سنداً إلا الله ، ولا متوجهاً إلا إليه وحده في الضراء . وهذه الصلة هي الضمانة الأولى لاستقامتها على النهج بعد النصر عندما يتأذن به الله . فلا تطغى ولا تنحرف عن الحق والعدل والخير الذي نصرها به الله.

وقد يبطيء النصر : لأن الامة المؤمنة لم تتجرد بعد في كفاحها وبذلها وتضحياتها لله ولدعوته فهي تقاتل لمغنم تحققه، أو تقاتل حمية لذاتها أو تقاتل شجاعة أمام أعداءها . والله يريد ألا أن يكون الجهاد له وحده وفى سبيله ،

بريئاً من المشاعر الأخرى التي تلابسه . وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم – الرجل يقاتل حمية والرجل يقاتل شجاعة والرجل يقاتل ليرى . فأيها في سبيل الله فقال:

(( من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله )).

كما قد يبطيء النصر : لأن في الشر الذي تكافحه الامة المؤمنة بقية من خير ، يريد الله أن يجرد الشر منها ليتمخض خالصاً ، ويذهب وحده هالكاً ، ولا تتلبس به ذرة من خير تذهب في الغمار

وقد يبطيء النصر :

لأن الباطل الذي تحاربه الامة المؤمنة لم ينكشف زيفه للناس تماماً . فلو غلبه المؤمنون حينئذ فقد يجد له أنصاراً من المخدوعين فيه. لم يقتنعوا بعد بفساده وضرورة زواله فتظل له جذور في نفوس الأبرياء الذين لم تنكشف لهم الحقيقة ، فيشاء الله أن يبقى الباطل حتى يتكشف عارياً للناس ، ويذهب غير مأسوف علية من ذي قبل !

وقد يبطيء النصر : لان البيئة لا تصلح بعد لاستقبال الحق والخير والعدل

الذي تمثله الامة المؤمنة . فلو انتصرت حينئذ للقيت معارضة من البيئة لا يستقر لها معها قرار . فيظل الصراع قائماً حتى تتهيأ النفوس من حوله لاستقبال الحق الظافر ، واستبقائه! من أجل هذا كله ( ومن أجل غيره مما يعلمه الله ) قد يبطيء النصر ، فتتضاعف التضحيات ، وتتضاعف الآلام مع دفاع الله عن الذين آمنوا وتحقيق النصر لهم في النهاية . وللنصر تكاليفه وأعباؤه حين يتأذن الله به بعد استيفاء أسبابه وأداء ثمنه ، وتهيؤ الجو حوله لاستقباله واستبقاءه : (( ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوى عزيز . الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وأتوا الزكاة ، وأمروا بالمعروف ، ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور ))..

فوعد الله المؤكد الوثيق المتحقق الذي لا يتخلف هو أن ينصر من ينصره .. فمن هم هؤلاء الذين ينصرون الله ، فيستحقون نصر الله ، القوى العزيز الذي لا يهزم من يتولاه ؟ إنهم هؤلاء : (( إن الذين إن مكناهم في الأرض )).. فحققنا لهم النصر ، وثبتنا لهم الأمر ..((أقاموا الصلاة)) ..فعبدوا الله ووثقوا صلتهم به، واتجهوا إليه طائعين خاضعين مستسلمين .. ((وآتوا الزكاة)) .. فأدوا حق المال ، وانتصروا على شح النفس ، وتتطهروا من الحرص ، وغلبوا وسوسة الشيطان ، وسدوا خلة الجماعة ، وكفلوا الضعاف فيها والمحتاجين ، وحققوا لها صفة الجسم الحي – كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى .." (( وأمروا بالمعروف)) فدعوا إلى الخير والصلاح ودفعوا إليه الناس .. (( ونهوا عن المنكر )) .. فقاوموا الشر والفساد ، وحققوا بهذا وذاك صفة الامة المسلمة التي لا تبقى على منكر وهى قادرة على تغييره ، ولا تقعد عن معروف وهى قادرة على تحقيقه .. هؤلاء هم الذين ينصرون الله ، إذ ينصرون نهجه الذي أراده للناس في الحياة ، معتزين بالله وحده دون سواه وهؤلاء هم الذين يعدهم الله بالنصر على وجه التحقيق واليقين. فهو النصر القائم على أسبابه و مقتضايته. المشروط بتكاليفه وأعباءه .. والأمر بعد ذلك لله ، يصرفه كيف يشاء ، فيبدل الهزيمة نصراً والنصر هزيمة عندما تحتل القوائم أو تهمل التكاليف : (( ولله عاقبة الأمور)) ..

إنه النصر الذي يؤدي إلى تحقيق المنهج الإلهي في الحياة من انتصار الحق والعدل والحرية المتجهة إلى الخير والصلاح المنظور فيه إلى هذه الغاية التي تتواري في ظلها الأشخاص والذوات ، والمطامع والشهوات.. وهو نصر له سببه ، وله ثمنه ، وله تكاليفه . وله شروطه ، فلا يعطي لأحد جزافاً أو محاباة

===================
منقول