الموضوع: اخــترت لـك
عرض المشاركة وحيدة
  #74  
قديم 10/03/2004, 11:15 AM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
أميركا والإعلام العربي: حزمة أغاليط وادعاءات
فهمي هويدي
نواجه هذه الأيام بحزمة أغاليط تنتقد موقف الاعلام العربي من الولايات المتحدة، وتساق تلك الأغاليط في معرض تسويغ الحملة الاعلامية المضادة التي تشنها واشنطن، موجهة الى الادراك العربي، بهدف «تصحيح الصورة» و«انصاف» السياسة الاميركية «المظلومة» في المنطقة. ومع اطلاق القناة الاميركية الجديدة «الحرة» الموجهة باللغة العربية، ارتفعت وتيرة ذلك الانتقاد، الذي تردد على ألسنة مسؤولي المحطة التلفزيونية وضيوفهم على مدار يومها الأول (السبت الماضي 2/14). وكنا قد سمعنا الكلام ذاته في أوقات سابقة، حينما وجهت الولايات المتحدة محطة اذاعة جديدة للشباب «سَوَا» ثم أصدرت مجلة «هاي». إذ قيل في كل مرة ان هذه المنابر يراد بها تعويض التوازن المختل في الخطاب الاعلامي العربي، بحيث تطرح وجهة النظر الأخرى في قراءة الأحداث الجارية بالمنطقة.
لست في معرض الدفاع عن الاعلام العربي الذي أزعم ان السياسة تضغط عليه بأكثر مما ينبغي، حتى حولته في أغلب الأحيان الى تابع أو بوق لها، ولي كتابات سابقة في هذا المعنى لا محل لاستعادة مضمونها. من ثم فلدي ـ ولدى غيري بكل تأكيد ـ الكثير من المآخذ التي يمكن أن نسجلها على الاعلام العربي، لكن ليس من بينها تلك الحجج التي تساق لتبرير اطلاق الحملة الاعلامية الاميركية، التي تطرق أسماعنا وأبوابنا في إطار ما أسماه وزيرا الدفاع والخارجية الاميركية «حرب الأفكار»، التي تستهدف التأثير على عقول الناس ومداركهم في العالم العربي والاسلامي.
بل لعلي لا أبالغ اذا ما قلت انه اذا كان للاعلام العربي من حسنات ـ وهي قليلة ـ فلعل موقف بعض منابره الكاشف للسياسة الاميركية هو أحد تلك الحسنات، حتى يخالجني شك كبير في أن يكون الهدف من الحملة الاعلامية المضادة هو ستر عورات السياسة الاميركية ومداراة ذلك الانكشاف، ومن ثم التشويش على الحقائق وليس تبيان وجهها الآخر كما يدعي، ولا أريد أن أستبق، لأن التجربة ما زالت في بداياتها، لكنني ألفت النظر الى أن الأبواق الاميركية الجديدة ستواجه امتحانا مهما في تعاطيها للشأن العراقي الفلسطيني بوجه أخص، وسنرى اذا كانوا سيعتبرون الوجود الاميركي في العراق احتلالا أم تحريرا، ودفاع الشعب الفلسطيني عن حقه وأرضه مقاومة أم إرهابا، ورئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون «رجل سلام» كما قال الرئيس بوش، أم سفاحا ومجرم حرب كما يقول سجله المبسوط بين أيدي الكافة.
حزمة الأغاليط التي أشرت إليها تتضمن انتقادات وادعاءات عدة في مقدمتها مايلي:
* ان الاعلام العربي «متحامل» على الولايات المتحدة كأنما يتعامل معها بحسبانها «الشيطان الأكبر» والمصدر الأول للشرور في العالم، وهي حجة تفهم اذا كان ما تنشره أو تبثه وسائل الاعلام العربية من قبيل الافتراء وليس تسجيل الحقيقة. من هذه الزاوية فأحسب أن السؤال المهم الذي تثيره الملاحظة هو ما اذا كانت المعلومات التي يقدمها الاعلام العربي صحيحة أم لا، ذلك ان المشكلة لا تكمن في تحامل الاعلام العربي على الولايات المتحدة، بقدر ما تكمن في طبيعة السياسات والممارسات الاميركية ذاتها، التي أدت الى «تقبيح» الصورة الاميركية في الخارج، وهذا القبح يبلغ ذروته في موقف الادارة الاميركية من الجرائم الاسرائيلية في الأرض المحتلة، وهو موقف لايشجع على أي احسان للظن بالسياسة الاميركية ناهيك عن التعاطف معها.
* ان الاعلام العربي ينقل رأيا واحدا، ولا يتيح الفرصة لتسجيل وجهات النظر الأخرى في السياسة الاميركية. وهذا ادعاء غير صحيح بالمرة، ليس فقط لان 80 بالمائة من التقارير الاخبارية التي يبثها الاعلام العربي مصدرها وكالات الانباء الاميركية، ولكن أيضا لأن أغلب الصحف العربية المهمة شهدت في أعقاب 11 سبتمبر ما يمكن أن نسميه غزوا اميركيا واسع النطاق، فأغلب التحليلات الخارجية أصبحت تعتمد على الخدمات الصحفية التي تسوقها الصحف الاميركية (واشنطن بوست، نيويورك تايمز، لوس انجيليس تايمز...إلخ)، وعدد غير قليل من كبار الكتاب الاميركيين أصبحوا ينشرون مقالاتهم في كبريات الصحف العربية، ذلك بالاضافة الى الكتاب العرب الذين أصبحوا أبواقا للسياسة الاميركية في المنطقة، هؤلاء جميعا لهم حضور قوي الآن في الصحافة العربية خاصة (لا تنس ان الوجود الاميركي بل والاسرائيلي دائم في أغلب البرامج التلفزيونية الحوارية والتحليلية)، حتى ان أحد أساتذة الجامعة الاميركية في القاهرة قال لي ضاحكا ذات مرة انه أصبح يقرأ بعض الصحف العربية مستعيضا بها عن قراءة نيويورك تايمز، ليس فقط لكي يقوي لغته العربية، ولكن أيضا لأنها أصبحت حافلة بالأخبار والتعليقات والتحليلات الاميركية.
* ان الاعلام العربي عبأ الناس ضد الولايات المتحدة حتى شاعت بينهم مشاعر الكراهية لها، وهي حجة غير صحيحة من وجهين، الأول ان الحقائق التي تجسد السياسة الاميركية على أرض الواقع لا تدع مجالا لزرع بذور الود إزاء الولايات المتحدة، واذا كانت تلك الكراهية قد تضاعفت في ظل الادارة الاميركية الحالية ـ وهو صحيح ونص ـ فمن غير المعقول ان يفسر ذلك باعتبار ان الناس قد تغيروا، وينبغي الاعتراف بأن السياسة الاميركية هي التي تغيرت حتى نفرت الناس منها.
أما الوجه الثاني، فيتمثل في اننا اذا صدقنا ان الاعلام العربي هو الذي عبأ الناس ضد الولايات المتحدة، فان ذلك لا ينسحب على مجتمعات أخرى في العديد من أنحاء العالم، وبوجه أخص في أوروبا، ذلك ان أحدا لا يستطيع القول إن المشاعر الرافضة للسياسة الاميركية والناقمة عليها في أوروبا متأثرة «بتميزات» الاعلام العربي، واذا لاحظنا في هذا الصدد ما أسفرت عنه نتائج استطلاع الرأي الذي أجرته المفوضية الأوروبية، واعتبر ان الولايات المتحدة تأتي ـ مع دول أخرى ـ في المرتبة الثانية لمصادر تهديد السلام العالمي (اسرائيل احتلت المرتبة الأولى)، فان هذه الملاحظة تشير بقوة الى أن النفور من السياسة الاميركية ليس مقصورا على العرب وحدهم، وهو ما يبرىء ساحة الاعلام العربي من التهمة، كما تشير بذات الدرجة من القوة الى أن ثمة شيئا غلطا في السياسة الاميركية ذاتها يجب تصويبه.
* ان الاعلام العربي يشوه وعي الناس من جراء القصور في ادراكه بخريطة الواقع الاميركي، فهو يخلط بين السياسة الاميركية والشعب الاميركي، ثم انه غير مدرك للتمايزات الحاصلة في المجتمع، أو تلك الواقعة داخل الادارة الاميركية ذاتها تلك لعمري حجة واهية لا دليل عليها، بل ان الشواهد تدل على أنها حجة ضد الاعلام الاميركي وليس الاعلام العربي، ذلك اننا اذا قارنا كم حوادث الاعتداء على الاميركيين في العالم العربي، بحجم الاعتداءات التي يتعرض لها العرب في الولايات المتحدة، فان تلك المقارنة ستبين لنا بوضوح على أي جانب يجري الخلط بين السياسة والمجتمع، ذلك اننا لا نعرف ان مواطنين اميركيين عاديين تعرضوا للاعتداء في العالم العربي من أقصاه الى أقصاه خلال السنوات الثلاث الماضية (بعد احداث 11 سبتمبر)، وان وجدت تلك الحالات فهي لا تكاد تذكر رغم علم العرب أجمعين بالمواقف والممارسات الاميركية في فلسطين وأفغانستان والعراق بوجه أخص، بالمقابل فان العرب والمسلمين المقيمين في الولايات المتحدة تعرضوا في عام 2002 الى 602 اعتداء، بزيادة 46 بالمائة عن عام 2001، أما حوادث الاعتداء التي تعرضوا لها في عام 2003، طبقا لتقرير منظمة «كير» ـ المجلس الاسلامي الاميركي ـ الذي هو تحت الطباعة الآن يتجاوز الألف حالة، علما بأن هذه هي الحوادث التي تم الابلاغ عنها، ولابد أن تكون هناك حالات أخرى لم يبلغ عنها. وذلك كله بخلاف سبل الإهانات والملاحقات ومظاهر التمييز الجارحة التي يتعرض لها العرب والمسلمون المقيمون والوافدون الى الولايات المتحدة.
ان الحقيقة التي لا يريد أهل القرار في واشنطن الاعتراف بها هي أن ما يحتاج الى تغيير حقا هو السياسة الاميركية، التي لا تكف عن زراعة الشوك والمر في بلادنا، واستمرار تلك السياسة له معنى واحد هو أن تتسع رقعة المر والشوك، حيث ينبغي ألا يتوقعوا أن يكون الحصاد من غير جنس الزرع.
بطبيعة الحال، هم أحرار في ملايينهم التي يبعثرونها هنا وهناك آملين في أن يحصدوا شيئا على النقيض مما زرعوه، ولئن خصصوا ثلاثين مليون دولار لتمويل البث التلفزيوني الأخير، فإننا لا نرى في هذه الخطوة سوى أنها حلقة جديدة في سياسة الحرث في البحر التي أدمنوها في تعاملهم مع العالم العربي والاسلامي، ولو ان الأمر ظل تعلقا بوهم تغيير المنطقة لهان، لكن المشكلة ان ذلك يعبر عن غفلة شديدة عن حقيقة استمرار تنامي مشاعر الكراهية ضد السياسة الاميركية في العالم العربي والاسلامي، الأمر الذي يبقي على باب المفاجآت مفتوحا، وإزاء الاصرار على تجاهل تلك الحقيقة فإننا لا نملك إلا أن نرفع أكف الدعاء الى الله راجين منه اللطف في المقادير.





المصدر الشرق الاوسط