الموضوع: اخــترت لـك
عرض المشاركة وحيدة
  #66  
قديم 19/02/2004, 03:13 PM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
ظاهرة عمالة الأطفال
أنور بن محمد الرواس*


ما شدني للكتابة في هذا الموضوع هو ذلك الرقم الذي نشرته مجلة الطفولة والتنمية وهي مجلة علمية تعنى بالطفولة وتهتم تحديدا بعمالة الأطفال، حيث تشير المجلة من خلال دراسة أعدها باحثان عن المحددات الاجتماعية والاقتصادية لعمالة الأطفال إلى تقدير حجم الطفولة العاملة في دول مجلس التعاون الخليجي بحوالي 104 آلاف طفل، تتركز في الثقل السكاني في منطقة الخليج العربي، وهي المملكة العربية السعودية الذي قدر حجم عمالة الأطفال فيها بـ83 ألف وسلطنة عمان بـ11 ألف طفل، في حين يتوزع الباقي على الأقطار الخليجية الأخرى. والرقم الذي يعنينا في هذه العجالة السريعة عن عمالة الأطفال في السلطنة صادر عن تقرير لليونسيف عن عمالة الأطفال في يونيو عام 1997، أي هو تقرير دولي نشر بناء على تقديرات لمكتب اليونسيف في مسقط، ونحن هنا لا نطعن في هذا الرقم ولكن نتساءل عن منهجية التقرير، والجهات التي اشتركت في صياغته في ظل عدم توفر بيانات دقيقة في الوطن العربي بشكل عام، ولعدم توفر إحصاءات حول هذا الموضوع في الكثير من الأقطار العربية، إذ يتم إدماج الكثير من الأطفال في مؤسسة العمل التابعة للأسرة، وخصوصا في قطاعي الفلاحة والرعي، الأمر الذي قد لا يعتبر ضمن مدخلات عنصر العمل؟.
ونحن على يقين ان الأرقام التي تنشر بين الحين والآخر، لم تأت من فراغ، فهناك عوامل عدة ساهمت في انتشار ظاهرة عمالة الأطفال في البلدان النامية، فالبيئة الاجتماعية والاقتصادية وعناصرها التي تمثل المحيط الاجتماعي الذي يسمح بوجود هذه الظاهرة، كالنمو السكاني والتركيب العمري للسكان والنشاط الاقتصادي والعوامل التكنولوجية والاستقطاب الاجتماعي للثروة، إضافة إلى ما تحققه عمالة الأطفال لأصحاب العمل من مزايا تتمثل في انخفاض الأجور وعدم المسؤولية والالتزامات الحكومية، وربما كانت أسباب انتشار هذه الظاهرة هي الفقر ورغبة الأسرة في زيادة الدخل لمقابلة احتياجاتها، علاوة على التسرب الدراسي الذي يمثل المنبع الرئيسي لعمالة الأطفال في أغلب دول العالم النامي. ووفقا لتقارير اليونسيف عام 1996-1997 فإن عدد الأطفال العاملين يقترب من 200 مليون طفل في العالم، تتراوح أعمارهم بين 6-8 سنوات، وتشير الأرقام المتوفرة عن حجم الطفولة العاملة في المنطقة العربية الى حوالي 9 ملايين طفل عربي.
إننا أمام واقع جديد تمليه علينا موضوعيتنا في التعاطي مع الدراسات العلمية، فقد فتح الباب على مصراعيه للمنظمات التابعة للأمم المتحدة بأن تقوم بدراسة المجتمع العماني في كافة المجالات، وأتساءل كما يتساءل الكثيرون منكم، أما آن الأوان ان تكون لدينا مراكز دراسات وأبحاث مستقلة وحريصة على دراسة واقع المجتمع العماني، بدلا من ان نستسقي المعلومة من الغير. وفي هذا الصدد أريد ان أطرق بابا يخص جامعة السلطان قابوس بالتحديد، أين دور مركز الدراسات العمانية حيال ما يجري على الساحة العمانية؟ وما فائدة وجود مركز يحمل اسما للدراسات العمانية باستطاعته ان يكون منبراً علميا ورائدا في إثراء الساحة المعرفية في السلطنة وخارجها بدراسات متعمقة في كافة الجوانب الحياتية في بلادنا. ان مركز الدراسات العمانية بحاجة إلى مراجعة شاملة لأهدافه وخططه المستقبلية، كما أنه بحاجة إلى تقييم علمي وموضوعي، فما نراه حاليا ونحن لسنا بعيدين عن الجامعة ان المركز لا يتعدى كونه ارشيفا خاصا بالوثائق، مع العلم ان هناك مبالغ مخصصة للبحوث العلمية كان من الأفضل للقائمين على اللجنة التي تشرف على البحوث العلمية ان توازن تقييمها لكافة الدراسات المعروضة عليها للمصادقة، فإلى جانب النواحي العلمية التي لها علاقة مباشرة بالكليات العملية هناك حقل لا يقل شأنا عن الشأن العلمي، ويستطيع المختصون في العلوم الاجتماعية إجراء الدراسات الميدانية وتشخيص الواقع والتوصية بالحلول. فالدراسات الإنسانية والاجتماعية تعتبر بمثابة العمود الفقري لحركة وديمومة المجتمع المحلي. لقد حان الوقت إلى مواجهة بعضنا البعض كأكاديميين بأسلوب حضاري ينم عن وعي وإدراك للمتغيرات التي طرأت على المجتمع، وبالتالي فإن التحديات القادمة تكمن في دراسة الحراك المجتمعي على أساس من تفاعل المجتمع العماني مع تلك المتغيرات ومحاولة كشف مكامن الضعف وإيجاد الحلول لها، إضافة إلى دراسة أماكن القوة في المجتمع ومحاولة دعمها بما يخدم آلية العمل السياسي المستقبلي في البلاد.
إننا أمام مرحلة جديدة وهامة خاصة وان أفراد المجتمع باستطاعتهم الحصول على المعلومة بكل سهولة ويسر من خلال ما توفره الشبكة الدولية للمعلومات (الإنترنت) والفضائيات العربية والأجنبية، ولكن، ما هو متوفر أخطر بكثير مما يتصوره البعض منكم، فالمعلومة المتوفرة والواردة من مختلف المواقع تشكل فكرا وأيديولوجية مختلفة لم تكن يوما ضمن أجندة المواطن العماني، نظرا للواقع العماني الذي يعتمد كثيرا على التمسك بهويته كأساس في ممارسته حياته اليومية وليست كهوية معرفية يدافع عنها ويتمسك بها، وبتقاليده التي يرى فيها جيل الشباب أنها تعوق حركته نظرا لجمودها وعدم قدرتها على التجديد لمواكبة واقع العصر الجديد. هذا هو الخطر المحدق الذي يتنظرنا في المرحلة القادمة، وما أشرنا إليه لا يتعدى كونه النذر اليسير من التدافع القوي للشباب نحو وضع قبعة عصرية تبعدهم عن ثقافتهم وحضارتهم، وهاتان وللأسف الشديد تم تعليقهما في أرفف التاريخ الموثق. ما العمل إذا؟ سؤال أطرحه بصوت عال لكافة المؤسسات الرسمية والأكاديمية لعلنا نجد مخرجا يقينا عثرات المستقبل قبل فوات الأوان.
فدراسة أوضاع الطفولة في بلادنا أصبحت من الضروريات الملحة، فلا يمكن لنا ان نتجاهل الأرقام والإحصائيات التي تنشر عن واقع الطفولة في السلطنة بشكل عام، فالمسألة أعمق بكثير مما يتصوره البعض على أنه رقم وحسب ونسبته ضئيلة مقارنة بعدد السكان، وأتساءل هل ننتظر حتى تتفاقم المشكلة وتتبلور لتصبح ظاهرة مجتمعية، ومن ثم تمنح لها الموافقات لدراستها، أم نتصدى لهذه المشكلة ان لم تكن قد أصبحت ظاهرة، وإعطاء جهات الاختصاص بالاشتراك مع الباحثين الأكاديميين لتقييم حجمها، وبالتالي نكون قد تخطينا مشكلة مع أنفسنا ألا وهي التصدي للظواهر الاجتماعية في حينها بدلا من ان تتفاقم، من أجل ان تنعم عمان بمستقبل طموح لخير أبنائها؟

اما آن الاوان ان تكون لدينا مراكز دراسات وابحاث مستقلة وحريصة على دراسة واقع المجتمع العماني ومركز الدراسات العماني بجامعة السلطان قابوس بحاجة الى مراجعة شاملة لاهدافه وخططه المستقبلية لانه باستطاعته ان يكون منبرا ورائدا في اثراء الساحة المعرفية في السلطنة بدراسات متعمقة.


المصدر جريدة همان