عرض المشاركة وحيدة
  #33  
قديم 24/05/2006, 08:47 AM
الزمن القادم الزمن القادم غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ الانضمام: 27/03/2006
المشاركات: 242
من أسرار القرآن الكريم

"عجب الذنب".. سجل شامل لأعمال الإنسان وخصائصه (1-2)

خزن الله تعالى وصف الانسان وخصائصه وملامحه الخلقية وجميع مقدراته في عظمة صغيرة توجد في نهاية السلسلة الفقرية القطنية في وسط الجسد البشري تسمى (عظمة عجب الذنب) وبذلك تكون هذه العظمة صندوق الأسرار للانسان أو “دسك المعلومات”. إن تلك العظمة الصغيرة المسماة “عجب الذنب” هي جزء صغير جداً لا يرى بالعين المجردة، ومع ذلك فإنها تحتوي على التوثيقات الرسمية لما يحدث داخل جسم الانسان وما يصدر عنه وما يحدث فيه ويشمل ذلك ثوابته التقديرية ومستجداته اليومية (اللحظية) ومواصفاته كلها وهي لا تبلى ببلاء الجسد ولكن تظل بما هو مخزن فيها من معلومات ومقدرات.



عزت عبد الحميد الحنفي

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: “قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ينزل الله من السماء ماء، فينبتون كما ينبت البقل، ليس من الانسان شيء إلا يبلى، إلا عظماً واحداً وهو عجب الذنب، ومنه يركب الخلق يوم القيامة”. البخاري

وعن أبي سعيد الخدري، قال: “قال النبي صلى الله عليه وسلم: “يأكل التراب كل شيء من الانسان إلا عجب ذنبه” قيل: وما هو يا رسول الله؟ قال: “مثل حبة خردل، منه ينشأ” ابن حبان.

وعن أبي هريرة، ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “كل ابن آدم تأكل الأرض إلا عجب الذنب منه خلق وفيه يركب”.


الأصل الأول

وتلك العظمة تشبه الحب والنوى في أنها بذرة الأصل، فأنت إذا غرست البذرة التي أخذتها من الشجرة الأم فإنها تنبت شجرة أخرى مثل شجرتها الأولى تماماً بوصفها وشكلها وهيأتها أي أنها صورة طبق الأصل لأن الله تعالى وضع فيها الخصائص الجينية والصفات الوراثية.

وإنني ألمح علاقة واضحة بين هذه العظمة والذراري التي جمعها الله تعالى من ظهر آدم والتي اشارت اليها هذه الآية: “وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا ان تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين” (الاعراف: 172)

عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: “أخذ الله الميثاق من ظهر آدم بنعمان” يعني عرفة “فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها، فنثرهم بين يديه كالذر، ثم كلمهم فتلا فقال: ألست بربكم؟ قالوا: بلى شهدنا ان تقولوا...” الآية إلى قوله تعالى: “بما فعل المبطلون”.

هذه النصوص الثابتة تقرر وجود عجب الذنب التي تمثل نقطة معلومات ومواصفات الجسد تماما، ويمكنني ان اقرب لك الصورة اكثر بالمعلومات التي تخزنها طابعة الحاسوب قبل أمر الطباعة، فلو انك اعطيت الأمر ألف مرة أو اكثر لأخرجت لك الطابعة المعلومات المخزنة بالمواصفات نفسها في كل مرة وتكون في كل مرة هي الأصل الأول وليست صورا عنه، وتكون أصلا في أي زمن تخرج فيه فليست لها أية علاقة بالزمن ولا تتقادم بتقادمه، وهذه النقطة شغلت العلماء قديما وخاصة فلاسفة المسلمين الذين قال بعضهم إن الانسان لا يبعث يوم القيامة بنفس الوجود الاول له عند الميلاد لأن الزمن في يوم البعث يكون مغايراً لزمن الميلاد ولقد حدث بينهم جدال كبير جعل بعضهم يكفر البعض الآخر ويتهمهم بالتهافت لأن ظاهر الآية يصادر أقوالهم بالمغايرة “كما بدأكم تعودون” (الأعراف: 29) وقد اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: “كما بدأكم تعودون” فقال بعضهم: كما بدأكم أشقياء وسعداء، كذلك تبعثون يوم القيامة.

وحول قوله تعالى: “كما بدأكم تعودون، فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة”. قال ابن عباس: “ان الله سبحانه بدأ خلق ابن آدم مؤمنا وكافرا، كما قال جل ثناؤه: “هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن”، ثم يعيدهم يوم القيامة كما بدأ خلقهم مؤمنا وكافرا”.

وعن جابر، ان النبي صلى الله عليه وسلم، قال: “تبعث كل نفس على ما كانت عليه” وعن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: “يحشر الناس عراة غرلا، وأول من يكسى ابراهيم صلى الله عليه وسلم” ثم قرأ: “كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين”. وعن ابن عباس قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بموعظة، فقال: يا أيها الناس إنكم تحشرون إلى الله حفاة غرلا “كما بدأنا أول خلق نعيده وعداً علينا إنا كنا فاعلين” (الانبياء: 104).

وقال آخرون: كما خلقكم ولم تكونوا شيئاً تعودون بعد الفناء كما بدأكم أول مرة.


الفهم والحجم

ويجب ألا تشغلنا عملية الأحجام المجسمة، فإننا نتحدث عن كم هائل من المعلومات لا يحتاج إلى أحجام ولا إلى أجسام لتحويه، ولا يلزمنا ربط الحجم بالمعلومة لأن هذا صنع الله تعالى الذي أتقن كل شيء، ولنا ان نتصور “عجب الذنب” كما وردت في القرآن الكريم ونسلم بها فلسوف يأتي زمن بيانها علمياً ان شاء الله تعالى فمن كان من المفسرين القدامى يعلم ان الجسد البشري به ما يقرب من تسع غدد تحمل على عاتقها القوة والنشاط والحركة والحيوية في هذا الجسد مع ان مجموع وزنها مجتمعة يعادل عشرة جرامات تقريبا ومن دونها لا يكون للجسد البشري قوام ولا فكر ولا حركة ولا حياة بالمرة؟

وكثير من الأمور لا يرتبط فهمها بكبر صورتها أو ضخامة حجمها سواء كانت حسية مادية أو كانت (ميتافيزيقية) وأغلب التقنيات والالكترونيات تثبت برامجها في حاوية مادية صغيرة ربما تعادل رأس الدبوس في الحجم ولكن ما بداخلها من برامج ومعلومات يعادل ما هو موجود في اكبر المكتبات على صفحات الكتب والأبحاث. هذه العظمة استعمل الانسان شبيها الكترونيا لها في صور متعددة مثل (الإم بي ثري) و(الدسك الحاسوبي) ومواقع الانترنت (الايميل) والقرص الصلب (D) و(C).. إلخ.

ولقد تسارعت المكتشفات العلمية التي اتاح الله تعالى ظهورها في هذا العصر، ولم يحدد لها الانسان مجسما مصورا ولا تشيبها محددا إلى الآن وحتى الأسس التي تتكون منها مكونات الذرة الأساسية وغيرها التي تفجر الأرض وتهدم الجبال لا يجسمها حجم منظور فلا يرى الانسان الذرة ولا النواة ولا الانشطار النووي ولا الالكترون ولا النيترون ولا المجال الكهربي داخل الذرة وكل هذا غير منظور للعين المجردة وتحتاج العين في تصورها له إلى أجهزة لقياسه فالانسان قد ألغى عملية التجسيم وآمن بالغيب في المادة وآمن بالغيب فيما وراءها (الميتافيزيقا) وكفر بالله أليس هذا غريبا؟


تأثير العلم الحديث

عظمة “عجب الذنب” يشبهها ذلك الصندوق الأسود في الطائرة بجزء من عمله، فهو يسجل كل ما يدور في كابينة الطائرة من حديث الطاقم ومن حركة الآلات الميكانيكية فيها، وعظمة “عجب الذنب” تقوم بهذا العمل بالاضافة إلى اعمال اخرى كثيرة فهي تحمل الميراث الثابت للبشر الذين كانوا قبل الانسان وهو من اصلابهم والمعلومات التي جرت من قبل، وكذلك تخزن فيها الأوامر المرصودة (ثوابته الأساسية التي وضعها الله تعالى فيه) فهي اشبه بجهاز الحاسوب الذي تخزن فيه معلوماتنا وبرامجنا. ولقد اسهم العلم الحديث بدور كبير في ايجاد التصورات وفهم الأمور المعروضة في القرآن الكريم والتي كانت مبهمة على المفسرين القدامى ومروا عليها مرور الكرام حيث فسروها تفسيرا لفظيا مثل: “الزجاجة كأنها كوكب دري” (35: النور)

ونحن نرى اثر العلم في تقريب الصورة بأن كشف لنا عن وجود كوكب من الألماس الخالص من دون صخور أو رمال أو تراب أو أي شيء غير الألماس. ولقد اعطى هذا التصور لنا امكانية فهم الوجود الفعلي للكوكب الذي ورد في سورة النور مما نقل تفسير الآية إلى الوجود الحقيقي من دون اللجوء إلى إلحاقها بالتصوير البلاغي والتأويل اللفظي فقط، وغيرها الكثير مثل “فلا أقسم بالخنس. الجوار الكنس” مما لا يسمح المقام هنا بعرضه، فهناك المئات من المواضع القرآنية التي لم يتح لنا فهمها إلا بعد ان كشف الله تعالى مخازن الاسرار القرآنية عن طريق العلم الحديث.

ان الأشياء التي لم يتمكن السابقون من تصورها أو حتى تخيلها بدأ العلم الحديث يقوم بدور المفسر الجديد لها، وتقديم التصور المقنع لفهمها، وإنه لا دور اليوم لمفسر لا يعتمد على آخر التطورات العلمية والمكتشفات الحديثة، ولذلك يجب على القائمين على أمور التعليم ان يعنوا بالعلوم التقنية إلى جانب العلوم النظرية لأنها ستوفر عليهم الجهد والوقت في دراسة النظريات الصحيحة وكيفية تطبيقها عملياً وإن القرآن الكريم نفسه أصبح الآن واضحاً اكثر من ذي قبل عندما اعتمد المفسرون النتائج والصور التي قدمها العلم الحديث كوسيلة آمنة في بيانه وتحليله “ثم إن علينا بيانه”.

ولقد حقق الله تعالى وعده للمسلمين بهذا العلم الحديث الذي بيّن المبهم بتطبيق القاعدة العلمية حيث أصبح في دائرة التصور والتخيل الواقعي له، وأضحى التطابق بين الكتاب المقروء (القرآن الكريم) والكتاب المنظور (الكون) ممكناً ومنطقياً اكثر من احالته إلى التشبيهات والصور البديعية لفظاً فحسب، وكان ذلك من خلال القواعد العلمية الحديثة التي انتجت ما يقرب لنا الفهم الجيد للآيات الكريمة والتعرف إلى الخالق العظيم.


تقريب البعيد

ولقد أسهمت الأبحاث العلمية الحديثة ايضاً في انتاج التقنيات الفنية الدقيقة التي دخلت مجالات الحياة اليومية بشكل واسع مما جعلها وسائل معرفية تقرب لنا البعيد، والعجيب في ذلك هو عدم استغلال مكتشفيها الفرصة التي تقربهم من الله تعالى، اللهم إلا القليل النادر من العلماء الذين استجابوا لذلك وآمنوا بالخالق سبحانه وتعالى.

ولقد اتاح الله تعالى لهذه المكتشفات بالظهور على السطح وما سماه العلماء اليوم بعلوم الاعجاز العلمي في القرآن الكريم انطلاقا من الوعد القرآني “سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم” وهذا الاعجاز يعتمد على الصور الحديثة في فهم الصور القرآنية.

ومن خلال البحوث العلمية الحديثة والدراسات التشريحية والتحليلية للخلايا والدم والبلازما ومكونات الجسد التشريحية توصل العلماء إلى ما يسمى اليوم الجينوم البشري أو الهندسة الوراثية، كما تمكنوا من حل الشيفرات السرية للجينات، ودرسوا حالة السائل الذي سموه ال DNA، وهذا غير المعلومات المخزنة داخل عظمة “عجب الذنب” حيث لم يتوصل العلم الحديث إليها بعد علماً بأن معلومات ال “DNA” حتى الآن غير يقينية وتمثل 96% فقط إلا انها تثبت بشكل أو بآخر عن وجود هذه العظمة يقينا لا شك فيه، ويكون عمل الانسان يوم الحشر هو التدقيق والتحقيق والمراجعة والتطابق بين ما هو مسجل في كتاب صحائف الأعمال وفي عظمة “عجب الذنب” وفي الكتاب المختوم الذي يفضه ملك الموت عند قبض الروح ويبقى اللوح المحفوظ عند الله تعالى بما يحمل من الأعمال التي لم يخلق صاحبها بعد ولم يطلع عليها، وفي هذا أوضح الدلائل على القدرة الإلهية وعظمة الخالق سبحانه وتعالى، وتقول هذه العملية القدرية: ان الإله الأعظم يعلم الأشياء قبل حدوثها بتفاصيلها ودقتها، وعلمه بها اكبر من علمنا نحن، فعلمه سبحانه كلي محيط وعلمنا نحن استكشافي متلق فنحن نعرف المعلومات بعد حدوثها تلقيناً أو رؤية أو وصفاً.... إلخ. أما علم الله تعالى فهو علم من خلال الايجاد، أي علم مسبق وليس بعد الحدوث وانتظار النتائج، فعلم البشر ناقص ينتظر الحدوث ويبنى على النتائج وقد يزيف ويغير ويدلس عليه ويحرف وتتغير النتائج في حالة الاخبار عنها، وذلك لأن طريقة توصيل المعلومات قد تتغير حسب ظروف الاعلام عنها، أما علم الله تعالى فهو كامل تام شامل عام يقيني منشئ وحق مقدر.