الموضوع: اخــترت لـك
عرض المشاركة وحيدة
  #96  
قديم 05/05/2004, 01:05 PM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Smile أنظمة ملكية عسكرية وتقليدية

وجهة نظر حول الجيش والسياسة والسلطة في الوطن العربي
2004/04/19


د. منذر سليمان

أنظمة ملكية عسكرية وتقليدية

شهدت العقود الأخيرة نوعا من الاستقرار النسبي أو الانتقال السلمي للسلطة في العالم العربي وخاصة في الدول التي كانت مسرحا تقليديا للانقلابات العسكرية المتتالية في عقدي الخمسينيات والستينيات. ويبدو النظام الرسمي العربي محكوما بنوعين من الملكية مهما تنوعت التسميّات: الملكية التقليدية للأسر الحاكمة والملكية العسكرية للأنظمة التي تطلق علي نفسها غالبا لقب جمهورية.
و لكن غياب حدوث الانقلابات العسكرية لم يرافقه تراجع في سيطرة العسكريين علي زمام الحكم في معظم الدول العربية، حيث يتربع علي السلطة عسكريون أفرزتهم المؤسسة العسكرية نفسها، أو أغدقت عليهم بالتراضي رتبا عسكرية رفيعة بالإضافة إلي الجمع بين منصب الرئاسة والقيادة العليا للقوات المسلحة. وحتي في الأنظمة الملكية التقليدية يتبوأ الملك أو أمير البلاد منصب القائد العام للقوات المسلحة أيضا.
وفي العديد من الملكيات العسكرية تم إضفاء الطابع المدني والشرعي علي استمرار العسكريين في السلطة عبر إجراء الاستفتاءات أو الانتخابات التي تجري بطريقة لا تسمح عمليا بحدوث منافسة للحاكم المرشح الأوحد وتجاوز القوانين والدستور من خلال تجديد العمل بقانون الطوارئ والأحكام العرفية التي تجعل محاكم أمن الدولة أو المحاكم العسكرية المرجعية المهيمنة للبت في القضايا المدنية والجزائية بحجة أنها تمس أمن الدولة.
لقد تحول الجيش في معظم الدول العربية إلي العنصر الحاسم في ضمان استمرار الحكم وأضحت مهمته الرئيسية أمنية داخلية كرديف قوي للأجهزة الأمنية الداخلية الأخري وتزايدت الحالات التي يتم فيها الاعتماد علي الجيش في مهمات الأمن الداخلي لدرجة أن طبيعة تدريبه واختيار ثكناته وتمركز تشكيلاته مرهون بالهواجس الأمنية الداخلية وليس لهواجس المخاطر الخارجية مع بعض الاستثناءات في الدول التي لا تزال تحسب حساب المواجهة مع المشروع الصهيوني.

عوامل ساهمت في غياب الانقلابات العسكرية

علي أية حال يبدو السؤال المنطقي والمشروع طرحه هنا لماذا غابت الانقلابات العسكرية عن المسرح السياسي العربي لفترة طويلة؟
كي لا نقع في التعميم المخل هناك حالات من الانقلاب العسكري المباشر وغير المباشر قد جرت في عدة بلدان عربية في الفترة الماضية رغم أنها لم تحمل برمتها الطابع الكلاسيكي للانقلابات وتجدر الإشارة هنا إلي ما جري في اليمن والسودان وفي تونس والجزائر دون أن ننسي ما تردد من أنباء عن محاولات فاشلة أخري في عدة بلدان عربية خليجية. ويبقي الاتجاه الغالب في الساحة العربية هو استقرار الأنظمة التي نشأت في أحضان الانقلابات العسكرية وعدم انتقال العدوي للأنظمة الملكية التقليدية.
يبدو أن الأنظمة الرئاسية (العسكرية أصلا) تمكنت من إتقان فنون البقاء في السلطة ومنع الانقلابات عليها بتضافر عوامل عديدة أبرزها:
ـ تكوين ميليشياتها الخاصة تحت مسميات الحرس الجمهوري أو الوطني أو القوات الخاصة، وربطها بشبكة من العلاقات العائلية أو القبلية ومنحها صلاحيات واسعة لحماية النظام مما جعلها عنصر موازنة مع الجيش الرسمي الذي تمسكه بيد من حديد عبر المغريات أوالمناقلات المفاجئة لكبار الضباط أو الترقيات والاقالات وحتي التصفيات. ومارست الأنظمة الملكية التقليدية سياسة موازية لمثيلاتها في تكوين الحرس الوطني أو الأميري وأخضعته أيضا لشبكة الولاءات العائلية والقبلية وجعلته منافسا طبيعيا للجيش، وكانت اكثر اقتدارا في السخاء عليه.
ـ في ظل غياب السعي الجدي لبناء مؤسسات المجتمع المدني تحولت المؤسسة العسكرية إلي أهم قطاعات الدولة وأوسعها حجما، والمتلقي للقسط الرئيسي من الميزانية السنوية للإنفاق الحكومي بحجة الإعداد للمواجهة مع المشروع الصهيوني. ورعت السلطة أفراد المؤسسة العسكرية عبر الإنفاق غير العادي بمنح الزيادات المتكررة في الرواتب وتقديم التعويضات والخدمات وتسهيلات الرعاية الاجتماعية والصحية والتعليمية والسكنية وغيرها من المنافع التي ربطت الأفراد وعائلاتهم وجيش المتقاعدين في شبكة المصالح المشتركة، وهكذا تحولت الدولة إلي دولة الرفاه والرعاية الاجتماعية والاقتصادية للقوات المسلحة ومتقاعديها الذين يضمنون مداخيلهم ومنافعهم مدي الحياة طالما أن النظام قادر علي توفيرها وفي المقابل يضمن النظام ولاءهم.
ـ إن عدم انخراط المؤسسة العسكرية في معارك وطنية ضد العدو الخارجي حوّل النخبة العسكرية إلي مجموعة من الموظفين الإداريين بعيدين عن الاحتراف العسكري وإتقان العلوم العسكرية وفنون القتال وإدارة المعارك وحال دون بروز قيادات عسكرية تتمتع عبر خبرتها الميدانية في الصراع بمكانة خاصة لتكون رموزا وطنية تتجاوز بسمعتها وشعبيتها دائرة السلطة الحاكمة وتستجيب للمخيلة الشعبية الطامحة إلي الالتفاف حول أبطال وطنيين قادرين علي كسر الطوق المحكم حول الاستئثار بالسلطة وتحفزهم علي القيام بحركات إنقاذية داخلية انقلابية.
ـ واقع التجربة المريرة التي عانتها الحركات والأحزاب السياسية التي استلمت السلطة عبر جناحها العسكري الحزبي والتي وجدت نفسها ملحقة به ومهمشة جعلها تتراجع عن مجرد التفكير بالعمل الحزبي داخل القوات المسلحة كما تعلمت ذلك الأحزاب والحركات السياسية الثورية الأخري، وأحجمت أيضا عن توخي العمل مع العسكريين عبر الانقلابات العسكرية، من أجـــل إحـــداث التغيير المنشود. يضاف إلي ذلك تراجـــع العمل الحزبي المنظم في الساحة العربية نتيـــجة الـــهزائم المتكررة التي عانت منها فصائل حركة التحرر العربي بتياراتها المختلفة.
ـ مصادرة الحياة السياسية والفكرية والثقافية عمليا من قبل أنظمة الحكم وتطويع الحركات السياسية المعارضة والسماح لتيارات منها بالدخول إلي البرلمانات طالما أنها تشكل أقلية غير فاعلة وتضفي علي الحكم طابعا ديمقراطيا شكليا.
ـ سيادة المنطق الإقليمي في التعامل مع القضية القومية خاصة منذ عام 74 في مؤتمر الرباط، حيث تم تفويض منظمة التحرير الفلسطينية بالتمثيل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني وتكريس التنازل العربي رسميا من المشاركة الفعالة في القضية القومية وتكريس الفصل التعسفي بين الشأن الوطني الداخلي والشأن القومي وإزالة مفاعيل التأثير الطبيعي لقضية فلسطين المركزية في تثوير الواقع الداخلي لكل قطر عربي.
ـ انعدام الحاجة لدي الأطراف الخارجية الدولية بالتخطيط أو العمل علي إحداث انقلابات عسكرية كوسيلة مفضلة للإتيان بأنظمة حكم متعاونة أو تابعة لها. إذ أن التحولات الدولية والإقليمية أسهمت في جعل العديد من أنظمة الحكم في العالم العربي تتعاون بصورة طوعية معها. وتضمن عدم تعرض مصالحها للخطر.

دور المؤسسة العسكرية في الدولة الحديثة

هناك انطباع شائع وخاطئ باستقلالية وحياد المؤسسة العسكرية عن السلطة والنظام السياسي في الدول الغربية الحديثة. ويساهم في تعزيز هذا الانطباع ترسخ مؤسسات المجتمع المدني في هذه الدول وانحسار دور الزعماء العسكريين الذين تبوءوا السلطة في العديد من الدول الغربية الرئيسية بعد الحرب العالمية الثانية. ولكن بإلقاء نظرة فاحصة علي هذه الدول يتبين لنا أنها تشهد تدخلا واضحا ونفوذا متزايدا من قبل القوات المسلحة في السلطة السياسية بصورة مباشرة أو عبر ممثليها أو حلفائها في المجمع الصناعي الحربي الذي يحتل مرتبة الصدارة في توجيه الاستراتيجية العالمية لهذه الدول ومثال الولايات المتحدة الأمريكية شديد الدلالة علي تعاظم دور ونفوذ المجمع الصناعي الحربي في تعزيز اتجاه إدارة بوش الجمهورية لضمان التفوق العسكري الأمريكي المطلق للولايات المتحدة وفرض الهيمنة والسيطرة علي العالم. لقد أتقن العسكريون وحلفاؤهم السياسيون في العالم الغربي الصناعي اللعبة السياسية الداخلية لدرجة لا يحتاجون معها للقبض علي زمام السلطة السياسية مباشرة وبصورة مكشوفة، ويفضلون البقاء وراء الستار وخلف الواجهة المدنية التي تتحرك وفقا لمشيئتهم. ولقد أضحي الـــكونغرس الأمريكي مضربا للمثل في الارتهان لإرادة المجمع الصناعي الحربي عندما يصوت لزيادة الميزانية العسكرية بصورة دائمة ويضيف عليها اعتمادات جديدة تتجاوز ما يقترحه العسكريون.
سيطرة العقلية الانقلابية
في العمل السياسي العربي

بالطبع يختلف الأمر في العالم العربي غير الصناعي والذي ترعرعت في معظم دوله ـ وبنسب متفاوتة ـ المؤسسة العسكرية في ظل سلطات الانتداب الأجنبي قبل نيل الاستقلال السياسي الشكلي واستمرت المؤسسة في نمط تكوينها وتطورها تعتمد علي خبرات دول الانتداب الفرنسي والبريطاني ولاحقا الأمريكي، ولا تزال النخبة العسكرية تتلقي تعليمها وخبرتها العسكرية في المعاهد الغربية من خلال إرسال البعثات التعليمية والتدريبية إليها.
وشكلت تداعيات الصراع العربي ـ الصهيوني منذ قيام إسرائيل ـ الكيان الوظيفي الاستيطاني ـ في قلب العالم العربي حافزا إضافيا لتعزيز مكانة المؤسسة العسكرية في بلدان خط المواجهة أو حتي البعيدة جغرافيا عنه وبحجج الإعداد لمواجهة المشروع الصهيوني تلقت المؤسسة العسكرية القسط الأوفر من الإنفاق الداخلي كما ذكرنا سالفا. ولم يكن مفاجئا أن تندرج معظم الانقلابات العسكرية التي شهدها العالم العربي في إطار التبرير كردّ علي عجز الحكومات وتخاذلها في مواجهة المشروع الصهيوني، ولا تخلو بيانات الرقم واحد من التعرض لمحاربة للفساد الداخلي والتبعية للأجنبي والخيانة الوطنية والقومية تجاه قضية فلسطين المركزية. لقد نشأت الانقلابات العسكرية أيضا في ظل ترسخ العقلية الانقلابية داخل الأحزاب الثورية بكافة اتجاهاتها العقائدية وبررت اللجوء إلي العمل داخل المؤسسة العسكرية بذرائع مختلفة، ولكن الأمر الجوهري هو انعدام الممارسة الديمقراطية داخلها وعدم إيمانها العميق بحركة الجماهير المنظمة رغم خطابها الدعائي التحريضي الداعي إلي تأطير الجماهير وتوعيتها وتنظيمها في اتحادات ونقابات ومؤسسات. لقد توهمت هذه الأحزاب أن بإمكانها اختصار الطريق الطويل وتحقيق الثورة والتغيير من فوق. ولا شك أن تفضيل هذه الأحزاب والحركات للانقلابات العسكرية علي التحرك الجماهيري والانتفاضة الشعبية يعكس أيضا نزعتها النخبوية التسلطية وافتقارها إلي روح التضحية والاستعداد لتحمل تبعات ومشقات النضال الجماهيري الثوري الذي يستوجب الاستعداد للسجن والتعذيب والنفي وحتي الموت.

سيناريوهات التغيير في المستقبل

يبدو أن الشغف العربي بالعسكريتاريا مغروس في التكوين النفسي والثقافي للفرد في مجتمعاتنا العربية الريفية/الزراعية الطابع أساسا. لقد كان طموح الفتية بأن يصبحوا ضباطا أو طيارين عندما يبلغون، وحتي مع عملية التحديث والتمدن المشوهة للمجتمعات العربية ـ بحيث تحولت إلي مجتمعات مدينية كبري معظمها محاطة بأحزمة البؤس ـ بقيت هذه الطموحات طاغية رغم تحول الناشئة إلي إضافة مهنة المهندس والطبيب وموظف الحكومة إلي قائمة تمنياتهم المستقبلية. وربما ساعد إرث الانتداب الفرنسي والبريطاني العسكري وقبله الحكم العثماني العسكري في ترسيخ حفر صورة مبهرة للبذلة العسكرية والنجوم اللامعة التي ترافقها، وتدافعت هذه الصور عبر الأجيال المتعاقبة تمنح مرتدي البذلة مكانة خاصة تستوجب الاحترام والمهابة وترمز إلي السلطة والنفوذ والامتيازات وتنتزع الإعجاب والاعتزاز. وليس مستغربا في هذه الحالة أن يكون مفهوم النخبة أوالصفوة في المخيلة الشعبية العربية منذ أواسط القرن العشرين قد انحصر بمرتدي البذلة العسكرية اكثر من اقترانه بنخبة الفكر والثقافة والأدب والعلوم والطب والهندسة. وجاءت الانقلابات العسكرية علي أيدي الضباط لتزيد من ترسيخ هذه المخيلة. ولم يتم طرد هذه الانطباعات من الذهنية الجماعية العربية بصورة نهائية رغم فشل أنظمة الانقلابات العسكرية في تحقيق الإنجازات الداخلية التي وعدت بها الجماهير أو تحقيق الكرامة القومية والانتصار علي المشروع الصهيوني.
وليس مستغربا أيضا أن نسمع عن آراء تتردد في أوساط الشارع العربي تفيد بأنه سيتعاطف مع أي تغيير يحصل في العالم العربي حتي لو جاء علي صهوة دبابة، لأن الشارع يتحسر علي غياب الطليعة الحزبية المنظمة القادرة علي إحداث التغيير الثوري ويتألم لتشتتها وهامشية دورها، لكنه أيضا سئم من العجز والإفلاس العربي الرسمي ويرغب في رمي أي حجر من أحجار التغيير في هذه البحيرة العربية الراكدة والآسنة، علّه يجد سبيلا لوقف الانحدار إلي قعر الهاوية، وتذكّره يوميا المجازر الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني بحالة المهانة والإذلال التي يعيشها قوميا واقتصاديا ولا يجد أمامه من يحاول ردع الهجمة الصهيونية الشرسة غير الأجساد الفلسطينية المتفجرة. فبقدر ما يعبر عن سخطه الشديد لاستقالة المؤسسة العسكرية العربية عن الفعل القومي لن يكون مستاء من أي تحرك داخلي تقوم به لإحداث تغييرما في المعادلة الداخلية القائمة رغم تحفظه التقليدي علي تجربتها حتي الآن. قد يتهم البعض هذا الطرح بأنه انسجام مع المشاعر العفوية الجماهيرية وتسويق للتغيير بواسطة الانقلابات العسكرية، ولكن القراءة المتأنية لخريطة القوي السياسية العربية المرشحة لإحداث التغيير في العالم العربي في المرحلة الراهنة تدفع المرء إلي ترجيح احتمالات حدوث موجة جديدة من الانقلابات العسكرية في العشر سنوات القادمة وتستند هذه القراءة إلي الاعتبارات التالية:
ـ لا تزال المؤسسة العسكرية هي الإدارة الأكثر تنظيما وانضباطا وجاهزية بحكم موقعها الرئيسي في الهيكلية التنظيمية للمجتمعات العربية وبقدر ما هي ضامن أكيد واحتياطي حاسم لضبط الوضع الداخلي إلا أنها مرشحة للانقسام وعرضة للتململ الداخلي تحت وطأة مواجهة الأزمة العميقة الاقتصادية والمعيشية المرشحة للإنفجار الوشيك.
ـ عدم حل معظم النظم العربية لمسألة الخلافة والانتقال السلمي للسلطة والغياب المريب حتي الآن لتحديد هوية الرجل الثاني أو الخليف العتيد وعدم رضي وامتعاض المؤسسة العسكرية من إمكانية اللجوء إلي تأسيس حكم وراثي عائلي في العديد من النظم الملكية العسكرية (الجمهورية).
ـ لن تكون الأنظمة الملكية التقليدية بمأمن من تدخلات المؤسسة العسكرية خاصة في ظل أوضاع تنجم عن غياب القيادات التاريخية فيها وتنازع مراكز القوي داخل الأسر الحاكمة علي تركة الحكم وإمكانية لجوء أطراف منها للمؤسسة العسكرية لترجيح كفتها في السيطرة علي الحكم.
ـ سيبقي سلاح الطيران وكبار الضباط فيه المصدر الرئيسي والحاسم لتدخل المؤسسة العسكرية بحكم دوره المميز وتركيبته الفريدة في دول العالم الثالث والإمكانات الواسعة والامتيازات التي يتمتع بها قياسا ببقية فروع القوات المسلحة.
إن الوضع الاستثنائي للمؤسسة العسكرية والأمنية في العديد من البلدان العربية قد يتحول تدريجيا إلي المدخل الطبيعي وربما الوحيد المتاح لهز لأوضاع الرسمية إذا لاحت مؤشرات انهيار النظام وفقدان تماسكه تحت وطأة التحرك الجماهيري الغاضب والقادم من تفاقم الأحوال المعيشية وتفشي البطالة واستمرار توفر صاعق التفجير القومي بعدم التوصل إلي حل عادل ودائم للمسألة القومية المركزية. إن اشتداد الضغوط السياسية والاقتصادية علي الأنظمة العربية التي تعاني من المديونية واستمرار انعكاس النتائج السلبية للكونية/العولمة والركود الاقتصادي العالمي، وارتهان هذه الأنظمة لضوابط وقواعد صندوق النقد الدولي ومتطلباته سيفرض عليها عاجلا أم آجلا البدء باسترجاع العديد من المنافع والخدمات المميزة التي يتلقاها أفراد المؤسسة العسكرية والأمنية من جيشها الاحتياطي من الموظفين العسكريين والمدنيي كما أن الهزات النقدية التي ستنشأ بسبب التضخم وارتفاع أسعار المواد الأساسية وانخفاض القدرة الشرائية وقيمة العملة الوطنية ستؤدي إلي هز صورة الاستقرار وستكون صرخة أفراد المؤسسة العسكرية والأمنية أقوي واندماجهم أسرع في حركة الشارع الجماهيرية خاصة عندما يتعذر علي السلطات إحكام السيطرة علي المؤسسة العسكرية خلال فترة مستديمة من التحرك الشعبي.
ربما يكون هذا السيناريو مغرقا بالتفاؤل حيال إمكانية انتقال المؤسسة العسكرية إلي خيارات بعيدة عن حماية النظام القائم ولكنه يبقي احتمالا واردا يستوجب علي القوي والمنظمات والأحزاب السياسية التي تنشد التغيير الديمقراطي والجذري في العالم العربي أن تدخل في حساباتها الدور الحيوي الذي يمكن أن تلعبه المؤسسة العسكرية سلبا أو إيجابا في معركة التغيير وألا تدير ظهرها كليا لقطاع واسع من المجتمع وتصنفه بصورة أبدية في المعسكر العادي. إن عملية إخراج الجيش من المعادلة السياسية الداخلية هي محاولة غير واقعية أو منطقية وعملية الفصل بين الجيش والسلطة والسياسية في العالم العربي ستبقي محاولة لإحلال الرغبات الذاتية مكان الواقع العملي السائد، بانتظار أن يتم إعادة بناء حقيقية وتشكيل مؤسسات المجتمع المدني واعتماد التعددية السياسية والسماح بتشكيل الأحزاب وإصلاح الأنظمة الانتخابية واحترام الحريات والحقوق المدنية.



باحث وإعلامي مهتم بالشؤون السياسية والإستراتيجية مقيم في واشنطن
المصدر جريدة القدس العربى