الموضوع: اخــترت لـك
عرض المشاركة وحيدة
  #84  
قديم 09/04/2004, 12:09 AM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Thumbs up

مهنة تصيّد الأخطاء


أنور بن محمد الرواس


عجيب أمر مجتمعاتنا العربية، فهي تصور لنا مدى عجز الإنسان الواضح عن فهم أمور حياته، هذا الإنسان الذي قدر له العيش على هذه البسيطة، نجده يكيّف الدين على طريقته الخاصة، ويأتي بالحجج والبراهين التي تدعم رأيه، غير مبال بالقيم والأخلاق الحميدة، ولا يضع احتراما لآراء الآخرين.
في هذه العجالة السريعة أود أن أضع بين أيديكم قضية أو ظاهرة قد تكون طبيعية نظرا لطبيعة الإنسان في سعيه نحو المجد والشهرة وإن تطلب الأمر الالتفاف والتحايل على القانون. إن الهدف من فتح هذا الملف للنقاش ليس من باب التباهي بالشيء، ولكن ما نراه ونسمعه بشكل يومي يجعلنا نقف حائرين حيال ما يجري من تجاوزات غير حميدة في مجال نقل الأخبار بطريقة تدخل فيها المكيدة أحيانا، والخبث في أحايين كثيرة، أو نصب فخ سواء كان ذلك الفخ تقنيا من خلال الأجهزة الإلكترونية أو ورقيا من خلال تسجيل النقاط على الزملاء فيما يقولونه أو يكتبونه.
نحن نعرف أن هذه سنة بشرية، ولكن لماذا يمتهنها كثيرون من الناس، ويجعلونها جزءا عمليا من حياتهم؟، وإذا كنا نرى الأطفال يتصيدون أخطاء بعضهم البعض آملا في استرضاء والديهم، فيظل الأمر محصورا في عالم بريء لا يتعدى كونه دعابة وقتية تنتهي بتدخل الوالدين لإصلاح الاعوجاج، وإعادة الوضع إلى نصابه الصحيح. ولكن ما أن يصل الأمر إلى عالم الكبار، حتى نرى الخسائر كثيرة، فهذا العالم الذي غلبت عليه الماديات وحب الذات، وحب التملك، والتفنن بأساليب الحسد، لا يأبه بالقيم، ولا بالأخلاق، فالضمائر هنا تسيطر عليها الغرائز، وتمتلكها شهوة العبث بكل ما هو مقدس. حيث نجد الموظف الصغير يتصيد أخطاء زملائه، ولا يقتصر الأمر على الموظف الصغير فحسب، فهناك من هم في مراتب عليا وظيفيا يتصيدون أخطاء بعضهم البعض إلا من رحم ربي، وهؤلاء قلة في عالم الماديات. وبطبيعة الحال فالعاقل منا يعي تماما أن المدينة الفاضلة لا مكان لها على الخريطة، ومن يعتقد أن المجتمع باستطاعته تحديد معالمها على الخريطة، فإنما يطالب بإعادة عقارب الساعة إلى الوراء. ولكن هناك اسس ثابتة وشرائع سماوية تقتضيها الأمانة الخلقية أن نتمسك بها، ونطبقها على أرض الواقع، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، وكما هو معروف فالدين المعاملة، وأقرب الناس إلى الله أنفعهم للناس، فإذا طبق المجتمع القيم الدينية، فإنه يحفظ ما تبقى من كرامة للإنسانية جمعاء.
وعلى الرغم من كون مهنة تصيد الأخطاء مهنة رخيصة، إلا أن لها رواجا ومريدين في مجتمعاتنا، فهم وإن لبسوا ثوب الكياسة ودماثة الأخلاق، إلا أن البواطن تحمل جوانب سيئة ودنيئة، فهي مهنة تعشق الخبث وتروج لها بطريقة مريضة، وتهيم في ديباجة الغيرة وتسعى الى حرق القيم والأخلاق، وتناضل من أجل نصرة منطق الحسد لتدفن ما تبقى لمنطق التكافل والتعاضد. أمور كثيرة يناور فيها هؤلاء حبا في ذات مريضة تسعى الى تحقيق مكاسب لنفسها ومن معها لتشق به طريقها نحو المجد والشهرة على حساب روحانية القيم والأخلاق. فالمجد لا يأتي على أكتاف الآخرين، فهناك معايير كثيرة، فإلى جانب العلم والثقافة، هنالك الأخلاق واحترام الآخرين، والكفاءة المهنية التي تزيد من مكانة الإنسان إلى جانب الصفات التي ذكرت سابقا.
سبحان الله على أولئك الذين يقفزون الحواجز، ولا يبالون بالأعراف أو القيم ليصلوا على أكتاف الآخرين بأية وسيلة لتحقيق مصلحة ذاتية. فإذا رأوا شخصا ناجحا ومتميزا في مجال عمله، ويكسب رزقه بعرق جبينه، تقام الدنيا ولا تقعد، ولا يهنأ لهم مقام حتى يروه فاشلا، ويتصيدون له الأخطاء بطريقة أو بأخرى، فالنجاح عدو هؤلاء، وما دام هناك بشر يعشقون الحسد ومحاربة الناجحين حتى من داخل الأسرة الواحدة، فيجب علينا أن نواجههم ونفند مزاعمهم التي لا تستند إلا على سراب يبعدنا عن جوهر الحقيقة ألا وهي حب الذات مهما كان الثمن. إن محاولة الكشف عن الجانب الآخر للحقيقة فضيلة ربما لا يجرؤ الكثيرون على الاقتراب منها ، إيثارا للسلامة، ومسايرة للموجة الغالبة، أو خشية من وضعهم في القائمة السوداء على حساب وقوفهم العلني إلى جانب الحق والحقيقة. لا نزايد على بعض فكل واحد فينا لديه منظوره الخاص عن الحياة يفسرها بالطريقة التي يراها مناسبة لنفسه، ولكن عندما يتعلق الأمر بزرع بذور الشقة والحسد فعلينا التصدي لمثل هذه النوعية من الأعمال. وعندما يصل الأمر إلى مروجي الشائعات وهم الفئة التي تلقى رواجا كبيرا في المجتمع، نظرا لاعتمادهم على الثقافة السمعية ومعرفة سلبيات الآخرين، فعلينا أن نقف في وجههم ونتصدى لهم بالكلمة الصادقة، والعمل الدؤوب حفاظا على تماسك المجتمع، و إلا فسيجد هؤلاء ضالتهم ومن على شاكلتهم في تكثيف مهام عملهم المتخصص في الحسد، وإلصاق التهم والمكائد بالاشخاص الناجحين والمتميزين من أبناء المجتمع، إنها مهنة تدخل فيها المصالح وحب الذات بأسلوب إجرامي، حتى وإن تطلب الأمر قيادة أبرياء إلى حتفهم الوظيفي والحياتي معا. والله يحفظ الجميع.
المصدر جريدة عمان