عرض المشاركة وحيدة
  #15  
قديم 17/10/2006, 02:15 PM
السهم المسدد السهم المسدد غير متواجد حالياً
عضو متميز
 
تاريخ الانضمام: 08/09/2002
الإقامة: شواطئ الصحراء
المشاركات: 1,007
7- الإشكالات السياسية التي خلقتها الرواية (2-3):

كانت البداية باختراع فكرة وجوب أن يكون الحاكم قرشياً، فسكّ أهل الحديث الروايات في تأصيل هذه الفكرة وزعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن هذا الأمر في قريش، لا يعاديهم أحد إلا كبه الله في النار على وجهه ما أقاموا الدين)([58])،
وأنه قال: (الناس تبع لقريش في هذا الشأن، مسلمهم لمسلهم وكافرهم لكافرهم)([59])،

وهذه الروايات تعبر عن الأصل السياسي لأهل الحديث الذي يعبر عنه أحمد بن حنبل بالقول (والخلافة في قريش ما بقي من الناس اثنان، ليس لأحد من الناس أن ينازعهم فيها ولا يخرج عليهم، ولا نقرّ لغيرهم بها إلى قيام الساعة)([60]).

ثم تلى ذلك اختلاق روايات تحرم الاعتراض على أهل الظلم والاستبداد، فزعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر، فإنه ليس أحد يفارق الجماعة شبراً فيموت إلا مات ميتة جاهلية)([61])،

وأنه قال: (يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي، ولا يستنون بسنتي، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس. قال [الراوي] قلت: كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك؟ قال: تسمع وتطيع للأمير، وإن ضُرب ظهرك، واُخذ مالك، فاسمع وأطع)([62]).

فماذا كانت النتيجة سوى انتشار الاستبداد، وحرمان الأمة من من حقها في اختيار ممثليها طوال القروون المتطاولة الماضية إلى درجة تسممت فيها العقول الإسلامية وصار كبار مفكريها ينظرون إلى الشورى على أنها سلعة غربية أوربية غريبة عنهم، لا ذكر لها في تاريخهم، ولم يجدوها في تراثهم([63])!

والسبب في ذلك هو ذلك السيل الجارف من المرويات التي تثبط العزائم وتدعو إلى الخمول والهوان والدعة،

يقول محمد عابد الجابري: (والملاحظة التي تفرض نفسها في هذا الصدد هي أنه بينما تتكرر في القرآن –كما رأينا- الدعوة إلى إقامة العدل سواء على مستوى العلاقات بين الأشخاص أو على مستوى الحكم، فإننا لا نجده يهتم بمسألة الطاعة إلا بالنسبة لطاعة الله وطاعة الرسول، وما في معنى ذلك. هذا باستثناء تلك الآية الشهيرة بين الناس والتي تضيف إلى طاعة الله والرسول طاعة أولي الأمر. وسنرى مدى اختلاف المفسرين والفقهاء حول مفهوم أولي الأمر. هذا بينما نجد أنفسنا أمام كثرة كاثرة من الأحاديث التي تحث على طاعة الحكام والتي ينخرط كثير منها انخراطاً مباشراً في الصراعات السياسية التي عرفها القرن الأول من تاريخ الإسلام)([64]).


----الهامش----

[58] البخاري 7139.

[59] مسلم [4701]1-(1818).

[60] ابن أبي يعلى "طبقات الحنابلة" ج1ص30.

[61] البخاري 7143.

[62] مسلم [47850]52-(1847).

[63] رضوان السيد "سياسات الإسلام المعاصر" ص262.

[64] مجموعة من المؤلفين "حقوق الإنسان في الفكر العربي" ص40-41.



يتبع: