عرض المشاركة وحيدة
  #22  
قديم 17/05/2006, 02:45 PM
الزمن القادم الزمن القادم غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ الانضمام: 27/03/2006
المشاركات: 242
مستقبل الأمة والجزيرة في زمن الإحتكارات

أي مستقبل للأمة في زمن الاحتكارات
23-2-2006
بقلم د. عبد الله النفيسي

دول المركز ترى أن حقول النفط كلها لا بد أن تكون تحت يد دول المركز، والعراق من أهم الاستهدافات، فلم يكن إقصاء صدام هو الهدف من الحرب الأخيرة، فصدام لا يحتاج كل هذه الجيوش الجرارة للتخلص منه أبداً، ولكن وضع اليد على حقول النفط في العراق..نحن دول منتجة للنفط، وحتى الآن ليس لدينا أساطيل لناقلات النفط، حتى نقل نفطنا والاستفادة من هذا النقل لا يحق لنا أبداً، من التنقيب إلى النقل إلى التسويق إلى التسعير كله بيد الشركات السبع الغربية


النظام الدولي كما أتصوره يتكون من حلقتين، حلقة أُسميها دول المركز وهي الولايات المتحدة وأوروبا الغربية، وحلقة أوسع هي دول الأطراف التي تشمل كل العالم ما عدا دول المركز. فدول المركز تسيطر على دول الأطراف عبر أربع وسائل:
الوسيلة الأولى: احتكار التقنية العسكرية
احتكار صناعة السلاح بكل أنواعه التقليدي وغير التقليدي، فدول المركز تلح على حقها في احتكار التقنية العسكرية، والمشكلة التي بينهم وبين إيران —حاليا- تفصح عن هذه المشكلة، فممنوع على دول الأطراف أن تباشر في الولوج إلى ميدان التقنية العسكرية.
لقد ثارت ثائرة الأمريكان على نجم الدين أربكان في تركيا عندما كان وزيراً للصناعة في تركيا، وطرح على مجلس الوزراء أن يباشر في صناعة الذخيرة -فقط- لتزويد الجيش التركي، وثارت ثائرة الأوروبيين، وساهموا في الانقلاب العسكري لإقصاء نجم الدين أربكان من دواليب السلطة وإلقائه في غياهب السجن، وإحداث هذا التغيير عبر العسكر الترك الذين يتميزون بعمالة فائقة للأمريكان وللغرب الأوروبي. لقد انزعجوا من مبادرة أربكان ورأوا أن هذا مؤشر خطر.
السلاح تصنيعاً وتسويقاً وترويجاً ومنحاً ومنعاً يجب أن يكون حسب تصور دول المركز بيد أمريكا والغرب الأوروبي، وعلينا نحن في دول الأطراف أن نستهلك هذا السلاح.
ومعلوم بأن الذي يتحكم بالسلاح يتحكم بالحرب وبنتيجة الحرب وبتوقيت الحرب، ومن هنا كان من حق الكيان الصهيوني أن يتفوق علينا حسب نظرية دول المركز، من حق الكيان الصهيوني أن يتفوق على العرب عسكرياً، وأن تكون لديه ترسانة نووية -حسب التقديرات تفوق 250 رأسا نوويا- في مفاعل ديمونا بصحراء النقب، لكن ليس من حق العرب والمسلمين أن يفكروا مجرد تفكير، فضلا عن أن يبادروا بغشيان مجال التصنيع العسكري.
لقد بدأ العراق منذ فترة بدخول هذا المجال ونجح في بناء قاعدة من العلماء ولكن أوعزت الولايات المتحدة، ولا أقول بادر الكيان الصهيوني، للصهاينة بضرب المفاعل النووي العراقي سنة 1981، وتخريب كل الخطوات البناءة التي قام بها العراق لبناء تجربة علمية في العالم العربي في هذا المجال.
وعندنا تصور مؤسف للغاية أن هذا الكيان الصهيوني هو الذي يهيمن على أمريكا والغرب، وهذا تصور خاطئ، لأنه يخدم الكيان الصهيوني، فالكيان الصهيوني لا يسيطر على الغرب، إنه هراوة بيد الغرب، إنه هراوة صنعها الأمريكان والأوروبيين لضربنا وضرب الأمة متى شاءوا وكيف شاءوا وأين شاءوا. فالكيان الصهيوني أحقر من أن يسيطر على الغرب، بل الغرب الذي يستعمل الكيان الصهيوني لضربنا، ولقد ضرب الكيان الصهيوني عدة تجارب عربية حتى في الوحدة.
إن احتكار التقنية العسكرية وسيلة من وسائل السيطرة، لذلك نحن دول مكشوفة عسكرياً، يستطيع عدونا أن يضربنا في أي فترة، ففي سنة 1975م عندما أقدمت المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة على حظر النفط عن الولايات المتحدة أيام المرحوم فيصل بن عبد العزيز، بادر الأمريكان بتهديد دول الخليج في شتاء 1975م، بحيث يمكن احتلال شريط النفط من الكويت إلى سلطنة عمان، وقدمت ورقة إلى الكونجرس الأمريكي -وهي موجودة في مكتبة الكونجرس تستطيع شراءها بأقل من دولار واحد، ونشرت في بعض الكتب- تكشف عن الخطة التي عرضت على لجنة الدفاع والأمن في الكونجرس حول ضرورة احتلال شريط النفط من الكويت إلى السلطنة، وقد علق عليها كثير من المؤرخين والمحللين الاستراتيجيين في الولايات المتحدة.
وبعد مداولات خلص الكونجرس إلى أنه لا تحتاج الولايات المتحدة للدخول في مجال الاحتلال العسكري لدول الخليج، حيث إن هذه الدول تقدم النفط بالأسعار التي يقبل بها السوق في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية.
إذاً أول ضلع للتحكم هو التقنية العسكرية، ممنوع علينا أن ننتج السلاح، ممنوع علينا أن نفكر بإنتاج السلاح أو الذخيرة، ممنوع علينا أن ندخل في مجال التقنية العسكرية، وعلينا أن نبقى مستهلكين، نستورد السلاح بالطريقة وبالشروط التي تفرضها الولايات المتحدة وتفرضها أوروبا الغربية، والحلف الأطلسي يراقب هذه العملية، وله لجانه وله خبراؤه الذين يراقبون هذه العملية.
الوسيلة الثانية: احتكار الخامات: الضلع الثاني للتحكم في مقدراتنا، احتكار الخامات، وأقصد بالخامات النفط والقمح.
1ـ السيطرة على النفط:
دول المركز ترى أن حقول النفط كلها لا بد أن تكون تحت يد دول المركز، والعراق من أهم الاستهدافات، فلم يكن إقصاء صدام هو الهدف من الحرب الأخيرة، فصدام لا يحتاج كل هذه الجيوش الجرارة للتخلص منه أبداً، ولكن وضع اليد على حقول النفط في العراق. إذا من أهم الأسباب التي دفعت الولايات المتحدة لغزو العراق احتكار النفط: تنقيبا، نقلا، تسويقا وتسعيرا..
نحن دول منتجة للنفط، وحتى الآن ليس لدينا أساطيل لناقلات النفط، حتى نقل نفطنا والاستفادة من هذا النقل لا يحق لنا أبداً، من التنقيب إلى النقل إلى التسويق إلى التسعير كله بيد الشقيقات السبع، الشركات السبع الغربية التي تحتكر نفط المنطقة في الشمال الإفريقي، في الهلال الخصيب، في الجزيرة العربية، كل هذه الأرجاء خاضعة لهذه الميكانيكية في التعامل!
نفطنا إذاً لا زال يستعمل لصالح الاقتصاد في دول المركز، وليس لصالح التنمية في دول الأطراف. فالنفط الآن ليس مصدرا للطاقة فقط، بل هو مصدر للنفوذ الدولي، إذ بسيطرة دول المركز على حقول النفط تكسب دول المركز التي هي الولايات المتحدة وأوروبا الغربية نفوذها الدولي.
الصين الصناعية ***** للولايات المتحدة، لكنها بحاجة إلى مزيد من النفط، من نفط العراق والخليج والمنطقة العربية عموما، وحاجتها للنفط متصاعدة. ولأن الولايات المتحدة تجتاح للسيطرة على حقول النفط في المنطقة، معناه أنها تستطيع أن تتحكم في العلاقة بين الصين والمنطقة، وبالتالي تستطيع أن تحاصر الصين تنموياً، ولذلك تلاحظون أن معالجة الأمريكان لموضوع كوريا الشمالية، معالجة حذرة ومترددة، ليس بسبب خوفها من كوريا الشمالية؛ بل لأن الضامن الإستراتيجي لكوريا الشمالية هو الصين. فالأمريكان خائفين من أن تتطور النزاعات مع كوريا الشمالية فتدخل الصين على الخط، فتكون الواقعة. الأمريكان يريدون الصين مشغولة في السوق، في الاقتصاد، في التنمية، في الترويج لأفكارهم داخل الصين.
اليابان كذلك بحاجة ماسة إلى النفط، وليس لديها خامات تستطيع أن تنافس بها الدول الأخرى، هي تمتلك الموارد البشرية والتقنية، لكنها بحاجة إلى نفط، فكون الأمريكان يضعون أيديهم على حقول النفط في منطقتنا، فهذا يحول دون العلاقة الانسيابية بين اليابان والمنطقة العربية.
أوروبا الغربية بحاجة إلى نفطنا، بل بحاجة ماسة إلى نفطنا أكثر من حاجة الأمريكان إليه، فكون الأمريكان يضعون أيديهم على حقول النفط في العراق والجزيرة العربية وغيرها من أرجاء العالم العربي والإسلامي، فإنهم بهذا يحولون دون التنمية الأوروبية إلا بالقدر الذي يحقق لهم الفوائد في الميزان الإستراتيجي بينهم وبين الأوروبيين، وهناك خلاف كبير بين الأمريكيين والأوروبيين.
وكيسنجر -مهندس السياسة الخارجية الأمريكية- كتب كثيراً في هذا المجال —مجال الخلاف- داخل الأطلسي بين الأوروبيين والأمريكان، وكتب كتابه الضخم (الشراكة المضطربةThe trouble participation).
إن أوروبا لا تستطيع توفير رجال الأمن لحماية مدنها الرئيسية، وهناك أوضاع مضطربة كثيراً في أوروبا، لذلك لا زالوا يعيشون في ظل الأمريكان، ويتخوفون من الاصطدام معهم، وهناك خضوع إلى حد ما للإرادة الأمريكية داخل الحلف الأطلسي.
2ـ السيطرة على القمح:
أذكر أن كيسنجر زارنا في الجزيرة العربية سنة 1975م، وكان من ضمن الأجندة التي تحدث عنها مع المسئولين في المملكة العربية السعودية زراعة القمح، وتساءل منزعجا لماذا تزرعون القمح؟ نحن نستطيع أن نورد لكم القمح إلى ميناء جدة بسعر أرخص بكثير من تكلفة إنتاج الكيلو الواحد في السعودية، فلماذا تزرعون القمح؟
وقيل له حينها: إن هناك توجها لدى الملك فيصل بن عبد العزيز وحكومته لتحقيق شيء من الاكتفاء الذاتي الغذائي في الجزيرة العربية، وأن هناك قابلية للزراعة، وأن المملكة تريد استثمار هذه القابلية سواءً في أراضيها أو في غيرها من أرجاء الجزيرة العربية.
انزعج الأمريكان من هذا الكلام، وعقد كيسنجر مؤتمره الصحفي الشهير في مطار الرياض، وقال فيه كلاماً ساخنا مفاده: "افعلوا ما شئتم في الجزيرة العربية، وستكتشفون في المستقبل أنكم لن تستطيعوا شرب النفط"، كأنما يهدد بأنه إذا لم تقبلوا بسيطرتنا على النفط والقمح فسوف تندمون.
هذا هو الضلع الثاني؛ سيطرة على النفط وسيطرة على القمح، فمن يسيطر على النفط يسيطر على التنمية، ومن يسيطر على القمح يسيطر على المعدة، وعملية الجوع لدى دول الأطراف.
الوسيلة الثالثة: الشرعية الدولية:
أما الضلع الثالث، فهو ما يسمى اليوم زوراً وبهتاناً (الشرعية الدولية). فالشرعية الدولية تتمثل اليوم بالأمم المتحدة، والأمم المتحدة في نظر دول المركز هي الآلة أو الترسانة القانونية الدولية التي تتحكم في اتجاهات العالم، فهم مسيطرون على مجلس الأمن، ولهم فيه حق الفيتو، ليقرروا: هذه دولة مارقة، وهذه زعامة مارقة، وهذه دولة مسموح لها أن تبقى، وهذه دولة ينبغي أن تشطب من الوجود، فأصبحوا متحكمين بنا عبر (الشرعية الدولية). فأصبحت الأمم المتحدة سلاحاً بيد الأمريكان وبيد الأوروبيين الغربيين، رغم أن الولايات المتحدة تهدد الأمم المتحدة بأنها سوف تتوقف عن دفع التزاماتها المالية للأمم المتحدة.. يعني أنها تهدد كيان الأمم المتحدة كله.
لقد كانت معركة تجديد تنصيب بطرس غالي سنة 1996م أمرا كاشفا وفاضحا، فكل الدول بما فيها الأوروبية الغربية، بما فيها فرنسا، كانت تؤيد التجديد للمصري بطرس غالي الذي نجح في إدارة الأمم المتحدة، فأغلبية الجمعية العامة في الأمم المتحدة كانت متحمسة للتجديد له، وعدد من الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن كانوا متحمسين للتجديد وبالأخص فرنسا.. لأن بطرس غالي يعتبر من أقطاب الفرانكفونية، وسعى في إقامة مؤتمرات للفرانكفونية داخل إفريقيا مما أعاد لفرنسا شيئاً من الهيبة فيها، فكانت فرنسا تجد مصلحة كبيرة في وجوده، ولكن الأمريكان تحفظوا من الاتجاه اللاتيني داخل الإدارة العليا في الأمم المتحدة، فقالوا لا بد أن نقمع بطرس غالي وأفريقيا، فأتوا بهذا الرجل الباهت، كوفي عنان، وهو رجل أثبتت الأيام ضعفه، وأنه لا يرقى إلى مستوى المسئولية الضخمة التي تحملها. وسارت الأمور في الأمم المتحدة لمصلحة الولايات المتحدة منذ أن تولى كوفي عنان منصب الأمين العام للأمم المتحدة.
والملف النووي الإيراني أصبح بيد الولايات المتحدة الأمريكية، تستعين عليه بمجلس الأمن لمحاصرة إيران، وفرض العقوبات عليها، وإدخال المنطقة في توتر جديد. هذه هي سياسة واشنطن دائما.
فالعقيدة العسكرية للولايات المتحدة —والتي يتبعهم فيها الأوروبيون الغربيون- تقول بضرورة تصعيد النزاعات والتوترات المحدودة والمحكومة استراتيجيا. فالأمريكان يتدخلون في موضوع فلسطين منذ الخمسينات، وهم حريصون على ما يسمونه بـ(عملية السلام بين العرب والصهاينة). هم حريصون على العملية، ولكن ليس على السلام، حريصون على الـ(process) وليس على الـ(peace)، هم حريصون على أن تستمر العملية، وليسوا حريصين على السلام، لأنه في النهاية لا يخدم مصالحهم، بل الذي يخدم مصالحهم أن تظل المنطقة في حالة توتر، ولكن توتر محدود ومحكوم استراتيجيا، حتى لا يتحول إلى حرب كارثية تهدد المصالح الفعلية للأمريكان والأوروبيين في المنطقة.
إذا فلا بد من التفكير بكيفية معالجة هذا الضلع (الشرعية الدولية)، ومعالجة هذا الوضع، وهل يجب أن نخضع لمجلس الأمن والأمم المتحدة المفلسين، وإلى متى يظل العالم هكذا منذ سنة 1945م حتى الآن.. إنجليز، فرنسيون، أمريكان.. لديهم حق الفيتو ليتحكموا بالعالم، يقررون الحروب، ويقررون العقوبات الاقتصادية، ويحملوننا ما لا نطيق في هذه المنطقة.
* الوسيلة الرابعة: العولمة الثقافية والإعلامية:
أما الضلع الرابع فهو العولمة الثقافية والإعلامية، فمن فترة كانت منطقة الخليج (شريط النفط من الكويت إلى السلطنة) بكل أسف تستقبل "ليز تشيني" ابنة "ديك تشيني" وكأنها فاتح للمستقبل؟ وباب إليه؟ وتظهر في المؤتمرات الصحفية لتقول: "أنا غير متزوجة، ولن أتزوج، فأنا سحاقية.. وسأظل إلى الموت سحاقية"!
يستقبلها أناس عندهم لحى.. وزراء ومسئولون في دول الخليج، لتقول لهم: "يجب أن تعيدوا النظر في مناهجكم التعليمية، يجب أن لا تعلموا أولادكم هذا، ويجب أن تعلموا أولادكم هذا"، وطافت "ليز" على وزارات التربية والتعليم في دول مجلس التعاون الخليجي، والتقت بلجان المناهج، وقالت: هذا الكتاب يلغى وهذا يقرر! وأين أنتم من ثقافة المستقبل والحب والود بين الشعوب؟! وهذه الآيات في القرآن الكريم التي تتحدث عن اليهود آيات تبث الكراهية بين الشعوب، وبالتالي لا بد من إلغائها تماماً من الذاكرة العربية والإسلامية؟!
إن تعامل الولايات المتحدة معنا بهذه الغطرسة دليل كبير على أنه كما تكونوا يول عليكم، نحن نستحق هذا، لأننا تخلينا عن حقوقنا وتخلينا عن أمور كثيرة تمس بشكل عضوي هويتنا وصيرورتنا وعقيدتنا ومستقبلنا! فأصبحت هذه السحاقية تعلمنا ما ينبغي علينا أن نحفظ ومالا نحفظ، فإلى أي درجة من الهوان التاريخي بلغنا نحن؟! هذا دليل على أننا بلغنا درجة من الهوان الذي ينبغي التنبه إليه!
والآن في قطر هناك مؤسسة (راند كوربريشن) مظلة كبيرة للسي آي إيه، ومظلة كبيرة للعبث التعليمي والثقافي في شريط النفط، ولا أدل على ذلك من الدراسة التي نشرتها (راند كوربريشن) عن الإسلام الديمقراطي!
وتشرح لنا الباحثة والتي هي زوجة "زلماي خليل زاد" -السفير الأمريكي في بغداد حالياً، وهي نمساوية تقيم في الدوحة- كيف يجب أن نتعامل مع الإسلام، وأن هناك حركات إسلامية يجب أن تستبعد، وحركات إسلامية يجب أن تقرب، وحركات إسلامية يجب أن تستأصل. وأصبحت ورقة (راند) لدى أجهزة الأمن في الخليج مرجعاً لكيفية العمل! وباشرت كثير من أجهزة الأمن في الخليج في أخذ توصيات الباحثة "شاريل بنار" بعين الاعتبار وللتنفيذ. هذا هو واقع النظام الدولي الذي نعيش فيه: سيطرة على التقنية العسكرية، سيطرة على الخامات، سيطرة على الشرعية الدولية، عولمة ثقافية.
وقد أصدرت الولايات المتحدة في الكونجرس عدة قوانين لتأصيل هذه السيطرة، أصدرت قانون حماية الأقليات الدينية في العالم، فعلى الولايات المتحدة أن تتحرك لحماية الأقليات الدينية في العالم.. كل العالم، فرعت واشنطن مؤتمراً للأقباط المسيحيين ودعت إليه غلاة الأقباط.. مثل مايكل منير وغيره، وليس الذين لديهم اعتدال فكري، وأعطتهم المظلة ليفعلوا ما شاءوا، ليرهبوا ويرعبوا ويهددوا مصر في هذا المؤتمر! بينما الكل يعلم أن الأقباط يتمتعون في مصر بما لا يتمتع به الأقباط في دول الغرب.
يوجد لدي ورقة كتبها ماروني مسيحي في لبنان اسمه "فيكتور سحاب"، لديه كراسة صغيرة لطيفة جداً تحمل عنوان (من يحمي المسيحيين العرب)، وهو الذي أهداني هذا الكتاب. يقول فيكتور سحاب بأن الذي حمى المسيحيين العرب عبر التاريخ هو الإسلام والدولة الإسلامية، وليس الغرب ولا حتى الصليبيين الذين جاءوا إلينا من الغرب. بل على العكس، كان الصليبيون الذين جاءوا من الغرب هم من أثخن في المسيحيين العرب!. فهذه حقيقة تاريخية يجب ألا يرهبونا بها.
في الكويت لا يوجد كويتي مسيحي، لكن هناك مسيحيون حصلوا على الجنسية الكويتية، عددهم 192 شخصا فقط، ووفق أرشيف رسمي، فإن معظمهم من فلسطين والعراق والشام، جاءوا إلى الكويت منذ الثلاثينيات والأربعينيات، للعمل كأطباء وممرضين ومترجمين، واستوطنوا الكويت وطابت لهم الإقامة فيها، والكويتيون سلسون في العلاقات الثقافية، فأُعطوا الجنسية الكويتية. وقد شيدت 35 كنيسة، بمعدل كنيسة لكل خمسة!
ألا يدعو هذا الأمر إلى التساؤل: لماذا هذه الكنائس المنتشرة مثل الزعتر البري في الكويت؟! كل هذه وسائل للتدخل، فهذه ليست أماكن للعبادة كما يراها الأمريكان، ونحن لسنا ضد المسيحيين أبداً، لكن أن تنشأ 35 كنيسة، فهذا يعني وجود غرض سياسي وليس دينيا. لقد انتقل الأمريكان في الخليج من مرحلة الاحتلال إلى مرحلة الاستيطان، من عملية الـ(occupation) إلى عملية الـ(settlement).
كنا في السابق نستقبل الأمريكان في مطاراتنا، رجل ضخم.. يحمل حقيبة، أحمر اللون، أزرق العينين، يأتي إلينا ليعمل وِفق عقد وظيفي! الآن ينزلون في مطاراتنا أمريكان معهم زوجاتهم وأولادهم، في صورة استيطان!
وقد فعلوا الأفاعيل لتطويع الترسانة القانونية في شريط النفط من الكويت إلى سلطنة عمان ليكون لهم حق التملك وحق الإقامة الدائمة و..و.. إلخ.. وهذا يثير تساؤلاً لدينا: إلى ما تهدف هذه الموجات البشرية القادمة إلينا من أمريكا وأوروبا الغربية للاستيطان في الخليج؟ وهنا دعوني أذكِّركم بحالتين: سنغافورة وتيمور الشرقية.
سنغافورة الآن دولة، وُلدت سنة 1965م، فكيف تشكلت هذه الدولة؟
كانت هذه الدولة جزءاً من الفيدرالية الإسلامية الماليزية، وفي ماليزيا -كما تعلمون- يوجد عنصران قوميان (المايليه) والصينيون، فعندما أدرك الإنجليز بأنهم حتماً سيغادرون سنغافورة شجعوا العنصر الصيني للهجرة إلى سنغافورة، فهاجروا بكثافة، وكانت سنغافورة تحت الحكم البريطاني الذي فتح كل الأبواب للهجرة الصينية، وعندما تكثفت الهجرة الصينية بدأت آلية أخرى، "أنتم الآن أغلبية ومن حقكم وفق ميثاق الأمم المتحدة حق تقرير المصير"، فاتصل الإنجليز بالأمم المتحدة، وأوعزوا لها، وأتوا بها إلى ساحة ماليزيا.. لاستفتاء الأغلبية الصينية! وبالفعل قرر الصينيون الانفصال عن الفيدرالية الإسلامية، وأصبحت هناك دولة جديدة سنة 1965م اسمها سنغافورة ورئيس الوزراء (ليكوان يو) صيني الأصل، وأنا التقيت به شخصياً؛ لأنه من خريجي كلية تشرشل في كامبريدج، وأنا خريج نفس الكلية، وتداولت معه الحديث، وكانت العملية واضحة من كلامه أن الإنجليز هم الذين صنعوا هذه الدولة.
أما تيمور الشرقية، فهي تقع وسط الأرخبيل الإسلامي الإندونيسي، وإندونيسيا أكبر دولة في العالم الإسلامي عموما من حيث عدد السكان، فعمل الغرب على هندسة الأمور، وحركوا الكنائس ومجلس الكنائس العالمي ومجلس الأمن، وافتعلوا أحاديث وأحداث داخل تيمور الشرقية، إلى أن صارت دولة مستقلة عن أندونيسيا وفي قلب الأرخبيل الإسلامي. وهي الآن كيان له حماية دولية.
هناك الآن حالة في الخليج وفي الجزيرة العربية نحذر منها، أن الأمريكان والأوروبيين انتقلوا من حالة الاحتلال -الخليج حالياً كله محتل، إذ إن القرار الإستراتيجي بيد الأمريكان وليس بيد الخليجيين- إلى حالة الاستيطان. الآن توجد موجات استيطانية، فما الذي يمنع أن يحدث في دبي كما حدث في سنغافورة؟ خاصة وأنك إذا مشيت في شوارع دبي-وقد درّست في الإمارات لمدة ثلاث سنوات منذ عام 1981م إلى العام 1984م- ستشعر بأنك تمشي في لندن، أو بلد غير عربي، نظرا لكثرة الأجانب فيها!
نعم ما الذي يمنع أن يحدث في دبي كالذي حدث في سنغافورا؟، لقد ذهبت مرة لشراء سيارة ومنذ الخطوة الأولى إلى استلام السيارة، لم ألتق بعربي واحد في عملية الشراء في مؤسسة كبيرة، فكل شيء في دبي أصبح بيد غير أهل المنطقة!
ويقال بأن نسبة المواطنين في إمارة دبي لا تتعدى نسبة الخمسة أو السبعة بالمائة، وهذه مشكلة أمنية، فلو خرج الأجانب وأمسكوا أهل الإمارة باليد وليس بالسلاح لاستطاعوا القضاء عليهم، فنحن الآن إزاء سيناريو خطير!
واليمن والمملكة العربية السعودية لا زالتا قلاعاً، لأن ثمة موانع ومعيقات ثقافية، تاريخية، ليس ضد التغلغل، لأن التغلغل قد حصل، ولكن ضد الصياغة الثقافية للمجتمع وصياغة العلاقات، فهذان المجتمعان لا زال فيهما تمنُّع كبير. وقد أدرك الأمريكان أنه لا بد من ابتكار وسيلة ما للاختراق الثقافي والنفسي لشعوب الجزيرة العربية، فشعوب الجزيرة العربية متدينة بالسليقة، فحتى الفاسق في الجزيرة العربية يصلي، فالدين محور حياة الفرد ومركز التحكم بأفعاله وأقواله.
وأدركت الولايات المتحدة عبر (راند كوربريشن) بأن خلخلة وتفكيك التدين في الجزيرة العربية يأتي من خلال ملف المرأة، وتحريض المرأة على الدور الكبير في المجتمع ألا وهو الدور السياسي، ولذلك فجأة وبدون مقدمات نجد بعض المسئولين في الخليج -الذين يعيش بعضهم في العصر العباسي، وحولهم الجواري- يتكلم عن حقوق المرأة، ويقول في مؤتمر صحفي: "حقوق المرأة"، وهو لا يعترف بشرعية الشعب كله، فضلا عن الرجال، ومع ذلك يتكلم عن حقوق المرأة.
عندنا في الكويت بمجلس الأمة –وكنت عضواً ومستشاراً سياسياً في المجلس- بدأت عملية مشبوهة، ناقشنا الأمر بتفصيل.. فدخلت الحكومة فيه بمالها ودينارها لكي تمرر مشروعاً مشبوهاً، ونحن غير موافقين عليه، ونقلت الصحافة الكويتية كثيراً من تفاصيل الرشاوى، ونحن في تاريخ البداوة والقبائل في الجزيرة، الحكم سيف ومال، فالذي من الصعب أن تطوعه بالسيف تطوعه بالمال، وهذا مطبق عندنا في دول الخليج. لقد أصبح الناس ميالين إلى الحل السلمي في هذه المرحلة، ويفضلون المال على السيف، والمال فيه مكاسب فردية، لكن على مدى بعيد فيه خسائر إستراتيجية.
ونحن نحذر من هذا النمو المتسارع للأمريكان والغربيين في الجزيرة العربية/ ونتمنى أن تبرز قوى دولية أخرى، تزاحم الأمريكان وتصارعهم، فقد خسرنا بسقوط الاتحاد السوفيتي خسارة إستراتيجية في العالم العربي، والآن يطرح في روسيا كما نقرأ ونتابع فكرة صاحبها –فيما أعلم- وزير الخارجية السابق للاتحاد السوفيتي بريماكوف، هذا الرجل لديه خبرة سياسية كبيرة، ومسئول سابق عن الـ(كي بي جي)، واتصالات واسعة بالعالم العربي، وصداقات تجمعه بزعماء كان لهم شأن في العالم العربي، وعلى إطلاع واسع بشئون المنطقة، ولعل فكرته تنقذنا من هذا الكابوس الأمريكي الذي نعيشه في الجزيرة العربية، فهو يطرح: أنه لا بد من نشوء مثلث إستراتيجي في آسيا، يجمع الصين والهند وروسيا، وإذا تمكن هذا المثلث -بما يرمز إليه من طاقة اقتصادية وعسكرية وبشرية- فسوف يكون مثلثاً صادا للهجمة الأمريكية على آسيا على أقل تقدير.
وبما أن روسيا والصين والهند تحاذي أفغانستان، فاحتلال الولايات المتحدة لأفغانستان في بعض أوجهه ليس من باب مكافحة ما تسميه "الإرهاب"، لكنه من باب مواجهة هذه الفكرة، لأن أفغانستان في قلب هذا المثلث.
إننا في مفترق طرق وأمام محك تاريخي في الجزيرة العربية. ومنظمة التجارة العالمية تنص -فيما تنص- على فتح كل الأراضي في الجزيرة العربية والعالم لتداول السلع والبيع والشراء، فمشروع الأمريكان مشروع سوق، توحيد السوق في العالم وفق مفاعيل المصلحة الذاتية الأمريكية، وكلنا في العالم لابد أن نخضع لهذا المشروع، وفق إرادة واشنطن!
في بوليفيا تحرك الفقراء، فلماذا لا نتحرك نحن؟ بوليفيا بلد الفقر والعوز والإقصاء الجغرافي والتاريخي، يصعد للحكم فيها "موراليس"، رجل رفض حتى لبس البذلة الغربية، في خضم التردي والضعف العالمي أمام الأمريكان، وفي فنزويلا هناك "شافيز"، و"كاسترو" صامد منذ 1958م حتى الآن أمام الولايات المتحدة الأمريكية قبالة سواحل فلوريدا.
ولدينا في الجزيرة العربية مقومات الصمود في وجهه أكثر بكثير، مما لدى "موراليس" أو "شافيز" أو "كاسترو" وهم من أعلام أمريكا اللاتينية. ونحن نعيش على آبار النفط ذات القيمة الإستراتيجية للعالم كله، وموقعنا من أهم المواقع العالمية إستراتيجية، فما بالنا ندع أمثال "زلماي خليل زاده" يخططون لمستقبلنا ويتحكمون في مصائرنا؟