عرض المشاركة وحيدة
  #7  
قديم 15/10/2006, 02:00 PM
السهم المسدد السهم المسدد غير متواجد حالياً
عضو متميز
 
تاريخ الانضمام: 08/09/2002
الإقامة: شواطئ الصحراء
المشاركات: 1,007
3- إزاحة النص القرآني:

نكون متفائلين جداً إن زعمنا أن مكانة النص القرآني لم يتم اغتصابها وتسليمها إلى أطنان المرويات التي تم سكها وتعليبها ونسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والتي عرفت فيما بعد باسم "السنة النبوية"، ووااقع الأمة يشهد أن هذا التفاؤل ليس في محله وأن الذي حدث على حين غفلة من الأمة أن القرآن الكريم قد فقد مكانته التشريعية في ضمير الأمة تدريجياً،

والعجيب أن هذا الأمر الجلل مر على الأمة مروراً عابراً وهي في سبات الرواية المخدّر للعقول والمعطّل للألباب إلى أن أضحى هذا الأمر جزءاً من ثقافة الأمة التي لم يستفزها قول البربهاري المحدث الحنبلي (إن القرآن أحوج إلى السنة من السنة إلى القرآن)([16])!

وقد ابتدأت محاولات إزاحة النص القرآني مع تلفيق روايات جمع وتدوين القرآن الكريم حيث زعم أهل الحديث أن القرآن الكريم جمعه رجل واحد وهو زيد بن ثابت، وأن زيداً رفض بدايةً اقتراح أبي بكر وعمر له بجمع القرآن وقال: (كيف تفعلون شيئاً لم يفعله رسول الله r؟)([17])،

بل إن أهل الحديث قد فتحوا باباً للطعن في القرآن الكريم حين رووا في قصة جمع زيد بن ثابت القرآن قول زيد (فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدها مع غيره {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ}التوبة: 128، حتى خاتمة براءة، فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثم عند عمر حياته، ثم عند حفصة بنت عمر رضي الله عنه)([18]). وفي رواية أخرى أن الآية التي فقدها كانت من سورة الأحزاب([19])!

فالقرآن حسب أهل الحديث جمعه شخص واحد، وأن بعض آياته لم توجد إلا عند رجل واحد، وأن المصحف أودع عند رجل واحد، وورثه عنه رجل واحد، ثم ورثته عنه امرأة!، فانتفى عن القرآن صفة التواتر، وسقطت حجيته، وانتهز أعداء الإسلام الفرصة ليطعنوا في القرآن وآياته ويشككوا في عصمته عن التحريف والتغيير والتبديل.

وزعم أهل الحديث أيضاً أن القرآن الكريم كان متناثر الآيات مبعثر السور مات النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يعلم الأمة كيفية مواضع آياته وترتيب سوره!

وقد نسب هؤلاء إلى أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر أنه جاءها رجل عراقي (فقال: أي الكفن خيرٌ؟ قالت: ويحك، وما يضرّك؟ قال: يا أم المؤمنين أريني مصحفك، قالت: لم؟ قال: لعلي أولف القرآن عليه، فإنه يقرأ غير مؤلف. قالت: وما يضرك أيه قرأت قبل)([20])،

ورووا أيضاً أن الزبير بن العوام قال: (أتى الحارث بن خزيمة بهاتين الآيتين من آخر سورة براءة، فقال أشهد أني سمعتها من رسول الله r ووعيتها. فقال عمر: وأنا أشهد، لقد سمعتها. ثم قال: لو كانت ثلاث آيات لجعلتها سورة على حدة، فانظروا آخر سورة من القرآن، فألحقوها في آخرها. قال ابن حجر: ظاهر هذا أنهم كانوا يؤلفون آيات السور باجتهادهم)([21]).

وقال ابن حجر أيضاً: (كان القرآن كله كتب في عهد النبي r لكن غير مجموع في موضع واحد ولا مرتب السور)([22])،
وقال السيوطي: (وأما ترتيب السور: فهل هو توقيفي أيضاً، أو هو باجتهاد من الصحابة؟ خلاف. فجمهور العلماء على الثاني)([23]).

بل قد وصل الأمر بأهل الحديث إلى رواية روايات تزعم وقوع الزيادة والنقصان في القرآن الكريم، وبمصطلح تقني أدق "تحريف القرآن

فقد زعموا أن "بسم الله الرحمن الرحيم" ليست آية من القرآن الكريم وإنما هي زيادة من الصحابة في أوائل سور القرآن الكريم([24])!،

وزعموا كذلك أن قوله تعالى {وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنثَى}الليل:2-3، إنما أصلها هكذا (والنهار إذا تجلى والذكر والأنثى)، فقد رروا ان أبا الدرداء جاء إلى أصحاب عبدالله بن مسعود فسألهم عن قراءة عبدالله بن مسعود لقوله تعالى {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى}الليل: 1، فقال علقمة: (والذكر والأنثى). قال أبو الدراداء: أشهد أني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ هكذا، وهؤلاء يريدونني على أن أقرأ {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنثَى}الليل: 3، والله لا أتابعهم)([25]).

وزعموا كذلك أن عبدالله بن عباس كان يقرأ القرآن يزيد ويغير آياته! حيث زعموا أنه كان يقرأ قوله تعالى {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا}الكهف: 79. بتغير كلمة {وَرَاءهُم} بكلمة (أمامهم، وزيادة كلمة "صالحة" قبل {غَصْبًا} فقد زعموا أن سعيد بن جبير قال: (كان ابن عباس يقرأ "وَكَانَ أمامهم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ صالحة غَصْبًا") ([26]). وأنه كان يزيد عبارة "كافراً وكان" في قوله تعالى {وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا}الكهف: 80. فقد زعموا أن سعيد بن جبير قال أن عباس (كان يقرأ "وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ كافراً وكان أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ")([27]).

وزعموا كذلك أن هناك آيات من القرآن الكريم قد تم حذفها من المصحف! حيث نسبو إلى عمر بن الخطاب القول: (كان مما أنزل الله آية الرجم فقرأناها وعقلاناها ووعيناها، رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله)([28]).

وقد جاء تفصيل هذه الآية في رواية أخرى نسبوها إلى أبي بن كعب وأنه قال: (كانت سورة الأحزاب توازي سورة البقرة، وكان فيها (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة))([29]).

آية أخرى زعموا أنها حذفت من القرآن الكريم هي ما نسبوه إلى عمر وأنه قال: (ثم إنا كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله أن لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم)([30]).

آية أخرى يروي أهل الحديث أنه تم مصادرتها من المصحف الشريف وهي ما نسبوه إلى أم المؤمنين عائشة وأنها قالت: (كان فيما أنزل من القرآن: عشر رضعات معلومات يُحرّمن، ثم نسخن: بخمس معلومات، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهن مما يقرأ في القرآن)([31]).

بل أنهم زعموا ان عبدالله بن الزبير كان يحرض عثمان على تغيير القرآن الكريم بحذف أحد آيات سورة البقرة! فرووا أن ابن الزبير قال: (قلت لعثمان بن عفان {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} البقرة: 240، قال: قد نسختها الآية الأخرى، فلم تكتبها أو تدعها؟ قال: يا ابن أخي، لا أغير شيئاً منه من مكانه)([32]).

ومن غرائب ما يروونه في حق القرآن الكريم زعمهم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينسى القرآن ويتعلمه مرة أخرى من الصحابة!، حيث زعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع (رجلاً يقرأ في المسجد، فقال: يرحمه الله لقد أذكرني آية كذا وكذا كنت أنسيتها من سورة كذا وكذا)([33]).

وزعموا كذلك أن أفضل الصحابة قراءة للقرآن كان كثير اللحن فيه، وأنه تعلم اللحن في القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم! حيث رووا عن عمر أنه قال: (أبيٌّ أقرؤُنا وإنا لندع من لحن أبيّ، وأبيٌّ يقول: أخذته من في رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا أتركه لشيء)([34]).

______الهامش_________
[16] حسن البربهاري "شرح السنة" ص89.

[17] البخاري 4986.

[18] البخاري 4986.

[19] البخاري 2807.

[20] البخاري 4993.

[21] السيوطي "الإتقان" ج1ص123.

[22] ابن حجر العسقلاني "فتح الباري" شرح الحديث 4986، ج10ص15.

[23] السيوطي "الإتقان" ج1ص124.

[24] ابن كثير "التفسير" ج1ص28 في تفسير آية البسملة من سورة الفاتحة.

[25] البخاري 4944، ومسلم [1916 ]282-(824).

[26] البخاري 4725.

[27] البخاري 4725.

[28] البخاري 6830.

[29] الحاكم "المستدرك" 3554/691 وقال الحاكم: (هذا حديث صحيح ولم يخرجاه)، وقال الذهبي في التلخيص: (صحيح). انظر "المستدرك" ج2ص450.

[30] البخاري 6830.

[31] مسلم [3597]24-(1452).

[32] البخاري 4530.

[33] البخاري 5038.

[34] البخاري 5005.


يتبع: