الموضوع: اخــترت لـك
عرض المشاركة وحيدة
  #97  
قديم 09/05/2004, 04:00 PM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Smile

نقد الذات في سبيل ترتيب البيت السعودي فكريا
2004/04/24


د. الطاهر بن عبد السلام حافظ

ادعو المثقفين السعوديين الي التفكر بعمق في معاني قول الله تعالي: (ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور) (النور ـ 40)، وفي مقتضياتها وآثارها في حياتهم الشخصية والاجتماعية والسياسية! لندرك اننا بحاجة الي إعادة ترتيب البيت السعودي من حيث الفكر بنفس الأهمية التي تشعر الدول العربية بحاجتها الي إعادة ترتيب البيت العربي من حيث العلاقات السياسية. ومن اكثر قضايا بيتنا السعودي اهمية الجيل الذي يهيمن علي مواقع التفكير في السعودية، اذ ينتظر منه الاسهام في تقدم البلاد والحفاظ عليها.
لدينا اليوم عدد كبير من اساتذة الجامعات السعوديين يجوبون طرقاتها واقسامها العلمية بتكويناتهم العقلية والنفسية التي نشأت في عصر البترودولار فختم عليهم بصماته ولم ينج منها الا القليل. وان اردنا نهضة حقيقية بمجتمعنا لا بد ان نتعود علي نقد الذات ونقبله نبراسا للتحرك نحو الأفضل والأسلم. لو فكرنا في سمات عصرنا مليا لأدركنا ان عقول كثير من اساتذة الجامعات السعودية نشأت منذ عمرها المبكر علي الفوضي الفكرية والكسل الذهني والتخاذل النفسي والانهزامية والاتكالية، وهذه من اخطر سمات عصر البترودولار التي اضرت بمجتمعنا ايما ضرر. ويكمن خطره الأكبر في تخديره للعقول الي درجة رفض مجرد التفكير في الانتقاد ودراسة الذات. وهي صفات مضرة حتي للعوام ولكنها مهلكة ان كانت في اساتذة المجتمع. وان احتاج قارئ هذا المقال دليلا علي ذلك فلينظر ماذا يجول في قلبه هذه اللحظة من نفور وفي عقله من رفض واستغناء. تعودنا ان نسمع من معظم الاساتذة والمتعلمين العصريين ان كل شيء علي ما يرام وان ليس بالامكان خير مما كان رغم كل المشاكل من حولهم والتي يعجزون عن ايجاد حلول جذرية لها. وتعودنا في معالجاتنا لقضايانا العلمية والفكرية علي مبادئ عاجزة مثل بكرة يحلها الحلال واحلال البيروقراطية المنهكة محل التفكير المنطقي والتفكير العملي. وفهمنا ان الدبلوماسية في العمل هي مجاراة التيار الفاسد لا بذل الجهد بالحكمة علي اصلاحه. ولم نتعود علي التفكير بعمق والتركيز في الاتجاه الواحد، كما لم نتعود علي التخطيط الدقيق لأن عقولنا لم تتعلم معني الدقة.
فأما الفوضي الفكرية فقد اكتسبها جيل اساتذة جامعاتنا من نشأتهم علي الفوضي الأسرية منذ نعومة اظفارهم، حتي اذا كبر الابن واصبح استاذا اخذ ينظم عاداته شيئا ما ولكنه لا يستطيع ان يغير من الفوضي في غرف فكره، اذ الفكر امر تجريدي لم يتمرس علي نهج التعامل معه، ولن يستطيع من شكلت الفوضي عقله في الصغر ان يخرج من سجن التخبط الفكري. وأما الكسل الذهني فناجم عن أمرين: اولهما توجيه آباء هذا الجيل لأبنائهم (الاساتذة) نحو تأجيل التفكير في الامور التي تطرأ فطريا علي عقولهم في الصغر، وثانيا احاطتهم بمحيط اسري سطحي فلا يرد علي اذهانهم ما يشد خيالهم نحو الامور الاعلي شأنا من حاجاتهم البدائية، ويصل الابن الي مرحلة الشباب وقد كسلت ملكات عقله عن التفكير الجاد حتي اصبح استاذا يبحث عمن يكتب له ابحاثه او يفكر عنه ليقدم اليه افكارا جاهزة وربما احتاج الي من يصوغها عنه. ومن مظاهره كذلك الكسل عن قراءة ما يفيد والاقتصاد علي ما يمتع الشهوات الحسية، والكسل عن الخلوة بالنفس للتفكير مليا في معاني الحياة ومقصدها وفي قضايا المجتمع والامة والانسانية، ومن ثم الكسل عن العمل علي تنفيذ أي افكار ايجابية.
واما التخاذل النفسي فمرجعه الي نشوء هذا الجيل علي الانانية وحب الذات بما يحجب الفرد عن الاقدام والتضحية بملذاته فضلا عن ضروراته في سبيل المجتمع والأمة والحضارة، فيغدو كل واحد منهم وهو يقول امام قضايا الامة: ولماذا اكلف نفسي واتعب نفسي؟ . ولم يدركوا ان هذا قول العوام وليس قول الاساتذة! بل ان الاسلام لا يجيز حتي للعامي ان يكون متخاذلا عن مجتمعه. واما الانهزامية فتتبع التخاذل، اذ يتوجس الاستاذ خيفة من كل ما يضر بمصالحه الخاصة فيتراجع عما يمكن ان يفعله من اجل الناس، او ينهزم امام مشكلة لأنه يراها اكبر من دوره او طاقته. وكم من الاساتذة اليوم من يبقي علي فساد طلابه علميا وفكريا بسبب انهزامه امام علاج المشكلة ويتخاذل عن العلاج بالجراحة اذا احتيج اليها خوفا من الامها! وكم منهم ينهزم انتظارا منه لصلاح النظام التعليمي بنفسه اولا وينظر الي الطالب المدان علميا علي انه ضحية، فيضيف بذلك الي الفساد العلمي والفكري للمجتمع مصائب اخري! وأما الاتكالية فمرجعها الي الترف الذي عاشه هذا الجيل ماديا وفكريا وعاطفيا، وقد أدي هذا الترف الي نمو شعور باللامبالاة و ليحدث ما يحدث ، وحتي ان كان الامر من احتياجاته الشخصية يتوجه عقله الي ان هناك من يؤديها له عنه! ولنعلم ان التوبة من مظاهر الفساد قد تكون سببا في مغفرة ما لحقها من ذنوب ولكنها لا يمكن ان تعيد قوي العقل الذي حباه الله اساسا بنوره ثم انطفأ.
رأينا عبر العقود الخمسة الماضية تركيزا علي الكم لا علي الكيف: كم طالب يتخرج من الجامعات؟ وكم استاذا سعوديا يعين فيها؟ واعتقدنا (ايضا بسبب ظلام الفكر) ان سعودة الكم ستغطي علي سلبيات الكيف المفقود! فأصبح لدينا كم هائل من اساتذة سعوديين لكنهم يخلقون من المشاكل الفكرية والعلمية والاجتماعية والسياسية اكثر مما يحلون. الدولة اليوم تحتاجهم للوقوف الي جوارها في هذه الظروف الخطيرة فلا تجد منهم من يستطيع ان يكون فاعلا حقا الا القليل، وهم يشيرون علي الدولة بأفكار من نفس منطلق سمات الفوضوية والكسل والتخاذل والانهزامية والاتكالية التي نشأوا عليها فتنقلب نصائحهم اضرارا وشرورا. فما هي علاقة كل هذا بقوله تعالي (ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور) العلاقة مباشرة وقوية! اذ كيف يمكن للمجتمع ان يرجع بالتاريخ القهقري ليعيد تربية الجيل المعاصر علي غير سماته المضرة؟ ولأن الله تعالي يعلم ان من المجتمعات المسلمة من ستفسد مناهجه ويقع في مصائب اجتماعية عامة تعرضه للهلاك فقد جعل عز وجل ابوابا للخروج من هذه المآزق دون الحاجة الي الرجوع بالتاريخ الي الوراء ـ وهو امر مستحيل.
واول فتح الباب ان يقر الاساتذة في انفسهم بوجود سمات العصر الضارة فيهم وان تعتقد قلوبهم بأهمية استبدالها بسمات نبوية يكمن فيها النجاح العقلي الباهر الذي نجح به اسلافهم والذي يمكن لهم ادراكه بوضوح اذا قارنوا انفسهم بسمات اساتذة الأمة من قبل سواء في علوم الاسلام او في علوم اللغة والطب والفلسفة والكيمياء والرياضيات وغيرها. كلهم اشتركوا في صفة نور الحكمة الإلهية فاشتركوا في سمات صفاء الفكر والنظام والدقة والعزيمة والاقدام والتضحية والعالمية والاعتماد علي النفس، وفهموا حقيقة معني ان كانت النفوس كبارا تعبت في مرادها الاجسام ، وليس ان كانت الشهوات كبيرة كما يفهمها كثير منهم اليوم. فاذا تمكن الاساتذة من فتح الباب بهذا، استطاعوا ان يعيدوا تكوين عقولهم ونفوسهم بما يضيئه نور الله تعالي الذي يمنحه تعالي لمن يطلبه بصدق، فنور العقل اساسا من نور الله، ولكن البيئة تظلم نور العقل احيانا فيسير في غرف الفكر كما يسير الاعمي في غرف قصر مظلم سرعان ما تهلكه مداخله ومخارجه. ولا يمكن للعقل البشري ان يري خيرا حتي لنفسه الا بنور الله تعالي، وهذه الآية الكريمة صريحة في حصر النور في اعطاء الله له، وفي هذا السياق يفهم قول رسول الله صلي الله عليه وسلم (اللهم لا تكلنا الي انفسنا طرفة عين). أما المستغني عنه والمكتفي بعقله فليس له من نور يري به، ومشورته لا تقدم لمجتمعه خيرا بل تقدم خداعا حتي ان ما يراه خيرا يتحول فجأة الي مشكلة اخري او يخرق منفذا آخر للأعداء المتربصين. فأين عقول الاساتذة السعوديين عن قضايا الأمة الخطيرة؟ أين منتجاتهم الفكرية وجهودهم العملية عن تفشي ضعف الايمان بالله؟ وعن استبدال الحياة النبوية بالحياة الغربية الكافرة؟ وعن انحطاط التعليم حتي غدت الجامعات تخرج ثيرانا معممة؟ وعن انحلال الشباب وتدهور الاسرة؟ وعن تمرد المرأة وتسيب الرجل؟ وعن انتشار الرذيلة وتراجع الفضيلة؟ وعن تطرف الافكار والعواطف حتي اصابنا الارهاب الذي كنا نشاهده في غيرنا؟ وعن تفشي الشذوذ؟ والفساد الاخلاقي والاداري؟ وعن اختراق الاعداء للمجتمع؟ وعن الالحاد المغلف بالعصرنة والحداثة؟ وعن التشكيك في ماهية الاسلام ـ حتي اختلط المعتدل بالمتطرف؟ وعن فتن حقوق الانسان و حرية المرأة و الديمقراطية ، وغير ذلك كثير من القضايا الفكرية المصيرية يتركها الاساتذة السعوديون لغيرهم يفتون فيها بأهوائهم الفاسدة بينما هم يقبعون في دهاليز السلبية الباردة... فلا بد ايها الاخوة الكرماء من وقفة ناقدة جادة بدلا من المكابرة التي تهزم صاحبها.. وخير لنا ان نعيد حساباتنا قبل ان يزحف الغير علينا ليرينا مهالك هذه السمات السلبية التي تكون شخصياتنا.. ومن صدق الله في الطلب صدقه في العطاء.

ہ كاتب من السعودية


المصدر القدس العربى