عرض المشاركة وحيدة
  #25  
قديم 18/05/2006, 11:00 AM
الزمن القادم الزمن القادم غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ الانضمام: 27/03/2006
المشاركات: 242
امريكا تخذل الليبراليين العرب
2006/05/18

عبد الباري عطوان
اصيبت الدعوات الامريكية المطالبة بالاصلاح الديمقراطي في المنطقة العربية بثلاث نكسات في الايام القليلة الماضية اضرت بما تبقي من مصداقيتها في اذهان عشرات الملايين من العرب والمسلمين. تمثلت الاولي في اعادة العلاقات الدبلوماسية كاملة مع ليبيا دون شروط، والثانية في استقبال السيد جمال مبارك نجل الرئيس المصري في واشنطن، فيما اعتبر مبايعة له علي عرش مصر، والثالثة في دعم الحرس الجمهوري الذي يقيمه حاليا الرئيس الفلسطيني محمود عباس ليكون ميليشيا رئاسية تتصدي لفوز حماس الديمقراطي في الانتخابات التشريعية الاخيرة، في اطار جبهة، وخطة محكمة لاسقاط حكومتها.
استئناف العلاقات الليبية الامريكية اصاب الاتجاهات الليبرالية العربية الجديدة المراهنة، علي الدعم الامريكي لتغيير الانظمة الديكتاتورية وادخال الاصلاحات الديمقراطية في مقتل.
فالليبراليون العرب الجدد، سيجدون انفسهم في وضع حرج للغاية، لانهم باتوا يعتمدون علي دولة عظمي لا يعتمد عليها، ويمكن ان تضحي بهم اذا حصلت علي ما تريده من الانظمة الدكتاتورية، مثلما كان عليه حال بعض فصائل المعارضة الليبية التي راهنت علي الدعم الامريكي.
فها هي الادارة الامريكية تكافئ نظاما عربيا دكتاتوريا باقامة علاقات كاملة معه، وترفعه من قائمة الدول الراعية للارهاب، لايصال رسالة الي ايران ونظامها، مفادها ان من يتخلي عن برامجه النووية والكيماوية والبيولوجية، ويشترك بفاعلية في الحرب علي الارهاب يصبح صديقا لواشنطن، تغفر له كل ذنوبه، ويستطيع ان يظل دكتاتوريا، ويواصل انتهاكات حقوق الانسان كيفما شاء.
الادارة الامريكية تستخدم الديمقراطية والليبراليين العرب الجدد، كورقة ضغط علي الانظمة الدكتاتورية العربية التي دعمتها، او غضت النظر عن تجاوزاتها، طوال خمسين عاما، من اجل تحقيق ثلاثة اهداف رئيسية: اولها الحفاظ علي بقاء اسرائيل قوة اقليمية عظمي، وتطبيع العلاقات معها، وثانيها استمرار تدفق النفط ومنع اي قوة اقليمية تهدد الهيمنة الامريكية علي امداداته واحتياطاته ومنابعه، وثالثها محاربة الارهاب، والمقصود به هنا الارهاب الاسلامي الاصولي، ومنع اي حركات اسلامية، معتدلة او متطرفة، من الوصول الي السلطة طالما انها لا تقبل بالمشروع الامريكي في المنطقة.
ويظل استقبال الادارة الامريكية، وعلي اعلي المستويات، وفرشها السجاد الاحمر للسيد جمال مبارك اكبر صفعة توجه للمعارضة الليبرالية المصرية امريكية الهوي. لان هذا الاستقبال من حيث توقيته ونتائجه، جاء اجهاضا لكل الآمال التي جري تعليقها علي هذه الادارة لممارسة ضغوط علي الحكومة المصرية لرفع قانون الطوارئ، واطلاق الحريات، وترسيخ التعددية السياسية، ومعارضة التوريث.
فالاستقبال جاء في ظل حال احتقان متنامية في مصر، واعتداءات صارخة علي القضاء ورجاله، ومنع حرية التظاهر للمحتجين علي قمع هذه المؤسسة العريضة في البلاد.
والقول بان السيد جمال مبارك ذهب الي واشنطن لشرح الاصلاحات الديمقراطية لادارتها غير مقنع ومردود عليه، فما دخل مستشار الامن القومي، ونائب الرئيس الامريكي، والرئيس بوش نفسه بهذا الشرح، وهل تحتاج الادارة الامريكية من يشرح لها هذه الاصلاحات غير الموجودة اساسا وهي التي لها سفارة تعتبر الاضخم في الشرق الاوسط في قلب القاهرة، ومكتب خاص لمكتب المباحث الفيدرالي (اف.بي.آي) وآخر للمخابرات المركزية (سي.اي.ايه) يعملان بشكل رسمي ومن مقرات معروفة؟
الادارة الامريكية استقبلت السيد جمال مبارك في اطار صفقة مبايعة له، خليفة لوالده، وتم خلالها الاتفاق علي جميع الشروط المطلوبة سياسيا وامنيا واقتصاديا، واعتماد الترتيبات الاقليمية، والدور المستقبلي لمصر علي صعيد الملف النووي الايراني، والصراع العربي ـ الاسرائيلي والحرب علي الارهاب.
فالضغوط الامريكية من اجل الاصلاح الديمقراطي في مصر انخفضت وتيرتها عندما وافق النظام علي تصدير الغاز لاسرائيل، واقامة المناطق الصناعية المشتركة الكويز وعدم الاعتراف بحكومة حماس طالما لم تعترف باسرائيل، وزاد هذا التراجع بعد فوز مرشحي حركة الأخوان المسلمين بربع المقاعد في الانتخابات البرلمانية المصرية، ووصول حركة حماس الي رئاسة الحكومة.
خطورة القبول بمسألة التوريث لا تكمن في كونها تعكس تراجعا عن الاصلاحات، وانما ايضا في ترجيح كفة الانظمة الدكتاتورية الحاكمة حاليا، والتخلي عن القوي الديمقراطية الحقيقية، وتركها فريسة لقمع الانظمة. مضافا الي ذلك، أنها ستؤدي الي تشجيع دول اخري تنتظر وتراقب باهتمام شديد التجربة المصرية في هذا الاطار مثل اليمن وليبيا، وهذا التوجه قد يؤدي الي زيادة حال الاحتقان الراهن في المنطقة، والعداء المتزايد لامريكا، مما يجعل القوي المطالبة بالتغيير او غالبيتها تذهب الي اقصي التطرف، وتجد نفسها امام احد خيارين، اما اتباع نموذج القاعدة ، او القوي اليسارية الناهضة في امريكا الجنوبية بقيادة الرئيس الفنزولي شافيز.
الاوضاع في فلسطين المحتلة تتجه الي الخيار الاول، ولا يوجد ما يوحي بان هناك اي امل بمنع ذلك. فالولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي وبعض بقايا السلطة الفاسدة تتحدث علنا عن اسقاط حكومة حماس المنتخبة، ويستخدم التجويع سلاحا في هذا الخصوص.
الادارة الامريكية تتحدث علنا عن دعم الرئيس الفلسطيني محمود عباس، والدول الاوروبية تمول ميليشيا رئاسية بمبلغ 55 مليون دولار، وتضع خططا لتدريبها وتسليحها لكي تكون قوة نخبوية تتولي نزع سلاح المقاومة الفلسطينية، وضبط الاوضاع امنيا. اي ان هذه الادارة التي عارضت تناسل الاجهزة الامنية الفلسطينية في زمن الرئيس الراحل ياسر عرفات، وطالبت بدمجها، تؤيد الان ما كانت تعارضه، وتتآمر من اجل اجهاض نتائج الديمقراطية الفلسطينية، ووصل الامر بها الي تحديد الفترة الزمنية لانهيار حكومة حماس هذه.
التطرف يتصاعد، والعالم سيصبح اقل امنا، وتنظيم القاعدة يقوي يوما بعد يوم، وايديولوجيته تنتشر، ولا نستبعد تبني بعض الفصائل الفلسطينية خيار شمشون ، وسنري اشرطة تلفزيونية لابو مصعب الفلسطيني، اذا ما استمر مسلسل الاخطاء الامريكية هذا، وعلي رأسه سياسات التجويع ودعم الدكتاتوريات وانتهاكات حقوق الانسان. وليس من قبيل الصدفة ان تهدد كتائب شهداء الاقصي، وهي فصيل انبثق من رحم حركة فتح بضرب المصالح الامريكية والاسرائيلية في الداخل والخارج.
الفلسطينيون فعلوها في السبعينات وكانوا روادا في خطف الطائرات. وعندما توقفوا كوفئوا بالمزيد من المستوطنات والطرد من لبنان، والحصار التجويعي في الداخل.
العالم الان يعاني من قاعدة واحدة فكيف سيكون عليه الحال لو ظهرت علي السطح قواعد اخري لا تقل شراسة، خاصة اذا ما توجهت الصواريخ الامريكية نحو ايران.