عرض المشاركة وحيدة
  #30  
قديم 22/05/2006, 08:51 AM
الزمن القادم الزمن القادم غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ الانضمام: 27/03/2006
المشاركات: 242
ابن خلدون بعد ستة قرون
2006/05/22

في هذا العام 2006 تكون قد مرت ستة قرون كاملة علي وفاة عبد الرحمن بن خلدون، ذلك العبقري الفذ الذي اكتشف بالهام عجيب النظام الذي عاشت في ظله كل الأمم التي استوطنت الصحراء الكبري، و ما يعرف بالشرق الأوسط، وشمال افريقيا، وأيضا في وسط آسيا، وهي الأمم الوحيدة في العالم التي لم تتمكن من طرد القبلية خارج تاريخها، ولم تستطع حتي الآن ارسال الطاغية الشرقي الي جحيمه التاريخي، وحتي الآن لا تستطيع هذه الأمم من التحول الي الحداثة بكل مفاهيمها السياسية والثقافية والاجتماعية والعلمية.
ليست عبقرية أبن خلدون هي التي طفت علي سطح التاريخ وتمكنت من الابحار من القرن الرابع عشر حتي مطلع القرن الحالي، وانما الانغلاق الشديد للنظام الذي درسه ابن خلدون في مقدمته الشهيرة هو الذي تمكن من مراوغة التاريخ، والانبعاث من الرماد مثل طائر الفينيق، حتي كارل ماركس الذي جاء بعد ابن خلدون بخمسة قرون تحاشي دراسة هذا النظام الغريب، ولم يجد له مكانا في نظريته، فأطلق عليه اسم الاستبداد الشرقي وابتدأ من النظام الاقطاعي.
في النظام المغلق تظهر الدول وتختفي بنفس الطريقة التي وصفها ابن خلدون، وذلك بتحالف بين الدعوة الدينية والعصبية القبلية.الدعوة الدينية مهمتها تحويل الولاء القبلي الي ولاء أكثر سموا، فمن المستحيل توحيد قبائل متصارعة دون تحويل وجهتهم الي السماء .هكذا فعل اخناتون الذي كان أول من نادي بالتوحيد، وعبادة اله واحد، والذي في عهده توحدت مصر التي عاشت مقسمة قبله بزمن طويل، ولهذا تميزت كل الديانات التي ظهرت في المنطقة بعقيدة التوحيد ثم اختلفت في التفاصيل الأخري، بينما لم تتوقف الديانات التي ظهرت في بيئات أخري أمام مبدأ التوحيد طويلا.
ووفقا لما لاحظه ابن خلدون فان هذا النظام يدور في حلقة مغلقة، ففي كل مرة تصل فيها موجة جديدة من الصحراء، وتتمكن من اسقاط الدولة المركزية، فانها تبدأ بتدمير كل شيء، ثم تشرع في اعادة بناء ما تم هدمه، وخلال خمسة أجيال تتحول الموجة الجديدة الي الحضارة والعمران، وتتلاشي عصبيتها، وعندها تكون موجة أخري قد انتهت من بناء دعوتها الدينية حول قبيلة مركزية، فتأتي مثل ريح عاصف وتدمر كل شيء، وهذا بالضبط ما حدث مع كل الدول التي ظهرت في المنطقة، ويتساوي في هذا العرب والأمازيغ والنوبيين، والأفارقة شمال الصحراء، والأكراد والترك، وشعوب آسيا الوسطي بما في ذلك المغول، وبالتالي فان هذا النظام ليس له القدرة علي الاستفادة من التراكم كما حدث في أوروبا، فكل ما تبنيه وتشيده احدي الدول يكون عرضة للدمار والهدم علي يد الدولة التي ستعقبها.

عمر الكدي
القدس العربي