عرض المشاركة وحيدة
  #8  
قديم 16/05/2006, 11:34 AM
الزمن القادم الزمن القادم غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ الانضمام: 27/03/2006
المشاركات: 242
من ضآلة التعليم العالي
الى البطالة

المستقبل (اللبنانية) - الثلاثاء 16 أيار 2006 - العدد 2266 - رأي و فكر - صفحة 17


الياس جوادي (*)
لا شك أن سوق العمل العربي لا يمثل السوق الحقيقية للعملية التعليمية أو التدريبية، إذ أن العاملين فيه أحياناً يعجزون عن تحديد احتياجاتهم التدريبية أو قد يعبرون عن احتياجات غير دقيقة، مما ينتج عنها بناء المناهج على مثل هذه الاحتياجات، إضافة الى عدم متابعة السوق للمستجدات على الساحة العالمية والقدرات المطلوبة للوظيفة في عصر العولمة. لكن بناء المناهج أساساً ينبغي أن يتبع متطلبات المجتمع التي تعتبر احتياجات سوق العمل جزءاً منها مع ضرورة الأخذ في الاعتبار احتياجات المجتمع وكذلك الاحتياجات العالمية لتحلل كل هذه الاحتياجات وصولاً الى المتطلبات النهائية لبناء المناهج. إن مثل هذه العمليات لا يستطيع سوق العمل العربي القيام بها إنما ينبغي على الجامعات المشاركة في ذلك إن أرادت أن توجد فرصاً وظيفية أكبر لخريجيها.
وإذا نظرنا الى أهداف معظم الجامعات في البلدان العربية، فإن دور الجامعة ينتهي بانتهاء مرحلة الدراسة ويغادر الطالب الجامعة للبحث عن وظيفة في سوق العمل ليصطدم باحتياجات الوظيفة التي ستسند اليه من صاحب العمل وتوقعاته بجاهزية الخريج للبدء بالوظيفة حال تخرجه. وبالطبع يكون الفشل مصير العديد من الخريجين حيث لا يتمكنون من ذلك، ومن هنا خرجت علينا مقولة عدم توافق مخرجات التعليم مع احتياجات سوق العمل خصوصاً في المؤسسات المتوسطة والصغيرة التي تمثل الشريحة الكبرى من اقتصادات العالم العربي وفي نفس الوقت لا توجد لديها الإمكانات التدريبية أو المادية التي تعينها على تأهيل الخريجين مهنياً ووظيفياً طبقاً لاحتياجات الوظائف التي ستسند اليهم. ولايجاد فرص وظيفية أكبر للخريجين، لذلك ينبغي أن تأخذ الجامعة دوراً في عمليات التدريب وتجعل منه مكملاً للتعليم.
وبالرغم من أن التدريب يرتبط ارتباطاً مباشراً بالتعليم ويعتبر عنصراً مكملاً لإعداد الكوادر البشرية، لذلك لا بد من مسايرة التدريب جنباً الى جنب مع التعليم لأنهما يمثلان تكاملاً لإعداد الكوادر البشرية. فإذا نظرنا الى معظم الجامعات في البلدان العربية نجدها لا تولي اهتماماً بتأهيل خريجيها على الوظائف المتاحة بالسوق لعدة أسباب، من أهمها: ضعف العلاقة بين الخريجين والجامعة من جانب وسوق العمل والجامعة من جانب آخر. وفي المقابل يتجه القليل من المؤسسات الكبيرة داخل سوق العمل في بعض البلدان العربية الى إنشاء مراكز تدريبية متخصصة داخل هذه المؤسسات ويستعان عادة بخبرات من خارج هذه الدول لتأهيل الخريجين الجدد مهنياً ومن ثم إعادة تأهيلهم تبعاً لمتطلبات الوظائف التي ستسند اليهم. ولعلنا نعتبر مثل هذا التوجه ناتجاً عن انخفاض مستوى خريجي بعض الجامعات في البلدان العربية. فلو أخذت الجامعات على عاتقها مسؤولية التأهيل المهني من خلال تحديد الاحتياجات التدريبية لكل مهنة وتصميم البرامج التدريبية تحت مظلة خدمة المجتمع لقامت مؤسسات السوق بعمليات التأهيل الوظيفي المتخصصة.
لكن المشكلة الحقيقية تحديداً تتجسد في طريقة التعليم الجامعي ذاته، وهي تكمن في عدم التناسب بين التعليم والعمل في برامج تعليمية كثيرة، خصوصاً التقنية منها، إذ يتم إعداد الطالب في قاعات المحاضرات وأمام طاولات المعامل والمختبرات وبين أرفف الكتب مع غياب الاتصال شبه الكامل مع واقع العمل الفعلي، زيادة على ذلك اهتمام الطالب فقط بالامتحان وكأن الامر لا يهمه، مما يزيد الهوة في التعليم بين النظري والتطبيقي.
غير أن هناك بعض الجامعات تحاول أن تخلق بيئات عمل داخل أسوارها إلا أن ذلك بالطبع يختلف كماً وكيفاً عن واقع العمل الفعلي، وقد تسبب ضعف العلاقة بين الجامعات ومؤسسات سوق العمل في حرمان الطالب من عرض معارفه ومهاراته على صاحب العمل المستقبلي، كما يفوت عليه الفرصة لتطبيق ما اكتسبه من معرفة في الواقع العملي الفعلي، إضافة الى ما يسببه ذلك في عدم وجود شراكات تعليمية تزيد ترابطاً بين الجانبين، فالمسؤولية إذن يتقاسمها الطرفان، المؤسسة التعليمية ونقص القدرات والإمكانات العملية والتطبيقية، والطالب المعني الذي ينتظر دائماً من يوجهه متجاهلاً التكوين الذاتي رغم أن الأخير هو جوهر النطاق العملي فلا وجود لإبداع ما لم يوجد جهد شخصي مرير.
(*) كاتب جزائري