عرض المشاركة وحيدة
  #32  
قديم 24/05/2006, 08:19 AM
الزمن القادم الزمن القادم غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ الانضمام: 27/03/2006
المشاركات: 242
موسم "الحج" إلى البيت الأبيض .............. صلاح الدين حافظ
الخليج الاماراتية

بدأ موسم السعي للحج إلى البيت الأبيض الأمريكي، في تسابق غريب تتميز به منطقتنا، ربما بحكم ما تزدحم به من المشكلات والصراعات، وكذلك المصالح الاستراتيجية الأمريكية الحيوية، والمزاحمات العربية خصوصاً للالتحاق بالولايات المتحدة، حليفاً وصديقاً، أو حامياً وضامناً.

ولقد بات معروفاً للعامة، أن الهيمنة الأمريكية على المنطقة، أصبحت شاملة كاملة، بعد أن دخل الكل بيت الطاعة والانصياع لهذه القوة العظمى الجبارة، التي ترفع شعاراً وحيداً، هو من ليس معنا فهو ضدنا، من ليس حليفنا فهو بالضرورة عدونا.

وفي ظل هذه الهيمنة الشاملة الكاملة، لم تعد أمريكا هي التي تسعى وتشقى وتبذل كل المجهود، لاسترضاء دولنا، لتكسب صداقتها وتحالفها، ولكن الذي يحدث هو العكس، حيث نسعى نحن بقضنا وقضيضنا، لاسترضاء أمريكا، وطلب الرضا السامي، والحج موسمياً إلى البيت الأبيض، بينما ساكنه يترفع ويتعالى، يرفض طلب الزيارة ومسعى الحج أحياناً، ويتمنع ويتباطأ في الموافقة والاستقبال أحياناً أخرى، وفي الحالين هو صاحب الأمر والنهي، المعتلي وحده عرش الاستعلاء والاستغناء.

الاستثناء الوحيد، يتعلق بالضرورة ب “إسرائيل”، التي هي في وضع استثنائي بالمنطقة العربية من ناحية، وفي وضع استثنائي عند أمريكا من ناحية أخرى، لأسباب تاريخية ودينية، وسياسية استراتيجية معروفة، ربطت بين الدولتين أمريكا و”إسرائيل”، برباط مقدس، رغم تغير الظروف والصراعات والرؤساء والمسؤولين هنا وهناك.

ولقد صار من التقاليد الأمريكية “الإسرائيلية” الراسخة والمتوارثة، أن يبادر رئيس الوزراء “الإسرائيلي” الجديد، إلى الحج إلى البيت الأبيض الأمريكي، مثلما يبادر أي رئيس أمريكي جديد فور انتخابه، بتأكيد ما أصبح يعرف في الأدبيات السياسية “بالعلاقات الاستراتيجية بين أقوى حليفين، أمريكا و”إسرائيل””.. لا يستطيع أحد أن يشذ عن القاعدة وإلا.

بالأمس، الثلاثاء، التقى الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن، في البيت الأبيض بواشنطن، بإيهود أولمرت رئيس الوزراء “الإسرائيلي” الجديد، في أول “طلعة” خارجية له، لأن هذا هو التقليد الراسخ، واليوم، الأربعاء، يعقد الكونجرس الأمريكي، بمجلسيه النواب والشيوخ، اجتماعاً مشتركاً لاستقبال أولمرت والترحيب به، والاستماع إلى خطابه السياسي الافتتاحي، التالي مباشرة لخطابه في الكنيست، بعد تشكيل حكومته الائتلافية، وبالمناسبة فإن مثل هذه الاحتفالية المشتركة لمجلسي النواب والشيوخ الأمريكيين، لا تحدث كثيراً، إلا لأقرب الأصدقاء والحلفاء، من عينة توني بلير وشارون ونتنياهو، في حين أننا لا نذكر أن ذلك قد حدث مع أي زعيم عربي، مهما علا شأنه، ومهما كانت علاقات تحالفه مع الصديق الأمريكي.

* * *

وقد يتصور البعض، أن هذه مجرد شكليات بروتوكولية، لكننا نثق أن ما يجري للقادة “الإسرائيليين”، خصوصاً، سياسة مقصودة ومتعمدة، تدخل من باب الإلحاح الدائم على “التحالف الوثيق بين دولتين متشابهتين من حيث النشأة القائمة على الهجرة”، وكذلك من حيث المعتقد الديني المتنامي في الولايات المتحدة، بفضل تنامي ما يعرف بمنظمات “المسيحية الصهيونية”، الذين يمثلون الآن القاعدة الصلبة للحكم في الولايات المتحدة.

وما إن يحج رئيس الوزراء “الإسرائيلي”، إلى البيت الأبيض، ويلتقي بنواب وشيوخ الكونجرس، وقادة اللوبي اليهودي ومنظماته القوية النافذة، حتى تنطلق وسائل الإعلام الجبارة في حملة الدعم والمساندة، لترسيخ المفهوم المقدس، في أعماق الشعب الأمريكي، بالتزامه تاريخياً ودينياً وسياسياً، بأمن “إسرائيل” وبقائها قوية قادرة على دحر أعدائها العرب مجتمعين، وهو أمر لم يستطع العرب تغييره أو تعديله، رغم بذلهم الغالي والرخيص لاسترضاء أمريكا.

وفي حين يسعى قادتنا للحج إلى البيت الأبيض، طمعا في الرضا ورغبة في تبادل المصافحات والابتسامات المظهرية مع الرئيس الأمريكي، لتنشر صورهم في الصفحات الأولى، وتلح في تكرراها شاشات التلفاز، ربما من باب الاستهلاك المحلي، فإن قادة “إسرائيل” حين يحجون إلى البيت الأبيض، فإنهم يقبضون الثمن مقدماً، ويضعون أولوياتهم السياسية والعسكرية والاقتصادية، على رأس جدول الأعمال المتفق عليه مسبقاً، ومن ثم يخرجون بنتائج محددة، وبإعادة تأكيد الالتزام الأمريكي بالأمن “الإسرائيلي”.

وها هو أولمرت في الولايات المتحدة، حاملاً جدول أعماله، ضامنا مسبقا الموافقة الأمريكية، أو حتى عدم الممانعة، على مشروعه السياسي، وخطة عمله خلال السنوات المقبلة، خليفة لواحد من أشهر وأخطر قادة “إسرائيل”، وهو ارييل شارون، المعلقة حياته الآن بين الحياة والموت، ربما الأكثر تردداً على واشنطن خلال سنوات حكمه، ليس طلبا لحفلات الاستقبال، ولكن اتفاقاً على نوع ومدى المساعدات الأمريكية ل “إسرائيل”.

أولمرت في الولايات المتحدة الآن، ليكسب الدعم الأمريكي “المعهود” لمشروعه الاستراتيجي، المسمى “خطة الانطواء”، القاضي بترسم الحدود الجديدة للدولة اليهودية “لأول مرة تاريخياً” بحلول عام ،2008 والفصل بين “إسرائيل” والفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية، بالإبقاء على المستعمرات الاستيطانية اليهودية الكبرى في الضفة الغربية والقدس وغور الأردن، والتخلي عن تلك المستوطنات الصغيرة، المسماة بالعشوائية، نظرا لصعوبة ضمها إلى “إسرائيل”، وعدم القدرة على حمايتها والدفاع عنها، في مواجهة الهجمات الفلسطينية، أو الكثافة السكانية الفلسطينية..

ولعلنا نذكر أن أولمرت قال في خطابه الافتتاحي بالكنيست قبل أسابيع، جملة ذات مغزى وهي “إننا نبدأ مع هذه الحكومة الجديدة، العام التاسع والخمسين من عمر دولة “إسرائيل”، ومعها نواجه تحديات خطيرة تتعلق بالأوضاع السياسية وبالسلام والأمن ل “إسرائيل”، ولذلك فإن التزامنا بتنفيذ خطة الانطواء وفرض الحدود من جانبنا، هو حبل النجاة لبقاء “إسرائيل” قوية ولاستمرار الصهيونية”.

* * *

والحقيقة أن نظرية الانطواء، أي فرض “إسرائيل” للحدود التي تراها هي، ومن جانب واحد، دون النظر للجانب الفلسطيني وحقوقه المشروعة، ودون الاعتبار لالتزامات “السلام واتفاقاته” من أوسلو إلى خريطة الطريق وتفاهمات شرم الشيخ، ليست اختراعاً جديداً من عبقريات أولمرت، لكنها جاءت بالاسم الجديد، استكمالاً لمشروع ارييل شارون القديم، الذي بدأه قبل أربع سنوات، حيث بدأ في بناء “الجدار العازل” مفتتاً الأرض الفلسطينية إلى شرائح وكانتونات مبعثرة، لا تصلح أساساً لقيام دولة فلسطينية مستقرة.

وطبقا للتصريحات “الإسرائيلية” الرسمية، فإنه تم بناء 42 في المائة من الجدار العازل في الضفة الغربية، حيث انتهى إنجاز بناء 336 كيلومتراً، من مجموع طوله الأصلي والمستهدف البالغ 790 كيلومتراً، وبالتالي تنوي حكومة أولمرت استكمال الجزء الباقي خلال عام على الأكثر، ليصبح هو خط الحدود الجديدة ل “إسرائيل”، والتي تضم الكتل الاستيطانية الكبرى، ومن ثم لا تترك للفلسطينيين إلا نحو 40 في المائة فقط من الضفة الغربية؛ مقسمة مبعثرة مشتتة.

ويسعى أولمرت خلال زيارته الحالية لواشنطن إلى تحقيق عدة مكاسب، وضمانات أمريكية محددة، أهمها بالطبع تأكيد التحالف الاستراتيجي التاريخي بين الدولتين، ثم الحصول على الموافقة الأمريكية على “خطة الانطواء” ورسم الحدود من جانب واحد، بحجة غياب الشريك الفلسطيني، خصوصاً في ظل وجود حكومة حماس الفلسطينية، وأخيراً وليس آخراً، التأكيد للقادة الأمريكيين على أن مشروعه السياسي، هو البديل الحقيقي لكل أوهام التسويات السياسية، بما في ذلك المشروع الأمريكي المعروف باسم خريطة الطريق.

ومثلما يسعى أولمرت لضمان التمويل الأمريكي لخطة الانطواء، وإعادة إحياء “الجيتو اليهودي التاريخي” فإنه يسعى لقطع الطريق على أي جهود عربية، مطروحة أو يمكن أن تطرح، لعرقلة خطته ومشروعه السياسي، أو لفك الحصار الحديدي غير الإنساني المفروض على الفلسطينيين الآن، من جانب الجميع، ناهيك عن محاولة إحياء التسويات السياسية العادلة والشاملة، تلك التي أصبحت من مخلفات الماضي غير المذكور، بل المنكور.

باختصار، أولمرت ذهب لأمريكا، وقد سبقته أجندته المحددة ومشروعه وخطته، هادفا إلى تحقيق أفضل المكاسب وأقوى الضمانات، وحتما سيحصل على ما يريد، من حجته هذه الأولى للبيت الأبيض، وهذا هو الفرق بين سياسي يحج إلى واشنطن ليصيب هدفا ويحصل على مكسب، وآخر يحج لأخذ البركة والتناول، أو للاستماع إلى النصائح والتحذيرات وقرص الأذن.

وأظن أن هذا الفرق، هو التحدي الحقيقي المطروح علينا.. لتغيير أوضاعنا على الأقل من البداية للنهاية.

* * *

** آخر الكلام: يقول ابن المقفع:

الملك ليس هو الملك، البلاط هو الملك!