عرض المشاركة وحيدة
  #22  
قديم 17/09/2006, 11:40 AM
alhabsi2006 alhabsi2006 غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ الانضمام: 05/02/2006
المشاركات: 59
{ وَٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَـآءَ ٱلنَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلاَ بِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَمَن يَكُنِ ٱلشَّيْطَانُ لَهُ قَرِيناً فَسَآءَ قِرِيناً } * { وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَأَنْفَقُواْ مِمَّا رَزَقَهُمُ ٱللَّهُ وَكَانَ ٱللَّهُ بِهِم عَلِيماً } * { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً }
قوله: { وَالذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ }. قال بعضهم: هم اليهود، وقال بعضهم: هم المنافقون. { وَمَن يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِيناً فَسَاءَ قَرِيناً } أي فبئس القرين.

قوله: { وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ ءَامَنُوا بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللهُ } يعني الزكاة الواجبة { وَكَانَ اللهُ بِهِمْ عَلِيماً } فهو عليم بهم إذ هم مشركون.

قوله: { إِنَّ اللهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ } أي لا ينقص وزن مثقال ذرة. { وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ } أي: ويعط { مِن لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً } أي الجنة.

ذكر بعضهم قال: إذا حوسب المؤمن بحسناته وسيئاته، فإذا لم يفضل له إلا حسنة واحدة ضاعفها الله له. وهو قوله: { وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً }.

ذكروا عن ابن مسعود أنه قال: إن في سورة النساء آياتٍ هنَّ خير من الدنيا جميعاً: الأولى قوله: { إِنَّ اللهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً } [النساء:40]. والثانية قوله:
{ إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيماً }
[النساء:31]. والثالثة:
{ إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ }
[النساء:48]. والرابعة:
{ وَمَن يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُوراً رَّحِيماً }
[النساء:110]. والخامسة:
{ وَالذِينَ ءَامَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَّحِيماً }
[النساء:152].
{ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَـٰؤُلاۤءِ شَهِيداً } * { يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ ٱلرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّىٰ بِهِمُ ٱلأَرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ ٱللَّهَ حَدِيثاً }
قوله: { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ } أي يوم القيامة يشهد على قومه أنه قد بلغهم. قال بعضهم: شاهدها نبيُّها من كل أمة. { وَجِئْنَا بِكَ } يا محمد { عَلَى هَؤُلاَءِ شَهِيداً }. قال: { يُوْمَئِذٍ يَوَدُّ الذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ }. قال بعضهم: ودّوا لو أن الارض تخرّقت بهم فساخوا فيها.

وقال بعضهم: إن الله إذا حشر الخلائق يوم القيامة قصَّ لبعضهم من بعض حتى يقتص للشاة الجماء من الشاة القرناء، ثم قال: كوني تراباً، يطأ عليها أهل الجمع، هذا ما سوى الثقلين. فعند ذلك
{ وَيَقُولُ الكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَاباً }
[النبأ:40]. وهو قوله: { يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ }.

قوله: { وَلاَ يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً } ذكر أبو حازم عن ابن عباس في قوله:
{ وَاللهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ }
[الأنعام:23] فبألسنتهم، وأما قوله: { وَلاَ يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً } فبجوارحهم.

ذكروا عن أبي موسى الأشعري قال: { قَالُوا وَاللهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } فختم الله على أفواههم فقال للجوارح انطقي، فإن أول ما يتكلم من أحدهم لفخذه، قال الحسن: نسيت اليمنى قال أم اليسرى. وهذا في سورة يس:
{ اليَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ }
[يس:65]. وقال الحسن: في موطن لا يتكلمون ولا تسمع إلا همساً، أي وطء الأقدام، وفي موطن آخر يتكلمون فيكذبون، وَقَالُوا:
{ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوءٍ }
[النحل:28]، و
{ قَالُوا: وَاللهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ }
[الأنعام:23]. وفي موطن يعترفون على أنفسهم بالكفر، ويسألون الله أن يردّهم إلى الدنيا فيؤمنوا. وآخر تلك المواطن أن يختم على أفواههم، وتتكلم أيديهم وأرجلهم.
{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُواْ وَإِنْ كُنْتُمْ مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ مِّن ٱلْغَآئِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَٱمْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً }
قوله: { يَا أَيُّهَا الذِينَ ءَامَنُوا لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ }. ذكر بعضهم قال: لما نزلت { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الخَمْرِ وَالمَيْسِرِ } ـ والميسر القمار كله ـ
{ قُلْ فِيهمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا }
[البقرة: 219] فذمّها الله في هذه الآية ولم يحرّمها، وهي لهم يومئذ حلال. قال: فبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لما نزلت هذه الآية: إن الله قد يقرّب في تحريم الخمر. ثم أنزل في الخمر بعدها آية هي أشد منها: { يَا أَيُّهَا الذِينَ ءَامَنُوا لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ } فكان السكر عليهم منها حراماً، وأُحِل لهم ما سوى ذلك؛ فكانوا يشربونها، حتى إذا حضرت الصلاة أمسكوا عنها. ثم أنزل الله تحريمها في سورة المائدة:
{ يَا أَيُّهَا الذِينَ ءَامَنُوا إِنَّمَا الخَمْرُ وَالمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }
[المائدة:90]. فجاء تحريمها في هذه الآية قليلها وكثيرها، ما أسكر منها وما لم يسكر.

قوله: { وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا }. ذكروا عن ابن عباس قال: هو المسافر إذا لم يجد الماء تيمم وصلّى. وقال بعضهم: الجنب يعبر المسجد ولا يقعد فيه، ويتلوا هذه الآية: { وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ }.

قوله: { وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً } أي [تعمّدوا] تراباً نظيفاً.

والملامسة في قول علي وابن عباس والحسن وعبيد هو الجماع. وكان ابن مسعود يقول: هو اللمس باليد، ويرى منه الوضوء. ومن قال: إنه الجماع لم ير من اللمس باليد ولا من القبلة وضوءاً.

ذكروا عن عائشة قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ، ثم يقبّلها، ثم ينطلق إلى الصلاة ولا يتوضأ.

قوله: { فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ عَفُواً غَفُوراً }.

ذكروا عن عمار بن ياسر قال: أجنبت وأنا في الإِبل، فتمعّكتُ في الرمل كتمعُّكِ الدابة. ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وقد دخل الرمل في رأسي ولحيتي، فأخبرته فقال: " إنما كان يكفيك أن تقول هكذا، وضرب بكفيه إلى الأرض، ثم نفضهما، فمسح بهما وجهه وكفيه [ثم قال: كان يكفيك أن تصنع هكذا] ".

ذكروا عن عمار بن ياسر أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " التيمّم ضربة واحدة ".

ذكروا عن ابن عمر أنه كان يتيمم ضربتين: ضربة للوجه وضربة للذراعين. وذكروا عن الحسن مثل ذلك.

[ذكر سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال: الجريح، والمجدور، والمقروح إذا خشي على نفسه تيمّم].


{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ ٱلْكِتَابِ يَشْتَرُونَ ٱلضَّلاَلَةَ وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ ٱلسَّبِيلَ } * { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَلِيّاً وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ نَصِيراً } * { مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَٱسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي ٱلدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَٱسْمَعْ وَٱنْظُرْنَا لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِن لَّعَنَهُمُ ٱللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً }
قوله: { أَلَمْ تَرَ إِلَى الذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِّنَ الكِتَابِ } يعني اليهود { يَشْتَرُونَ الضّلاَلَةَ } أي يختارون الضلالة، في تفسير الحسن. وقال غيره يستحبون الضلالة على الهدى، حرَّفوا كتاب الله. { وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّوا السَّبِيلَ } يعني محمداً وأصحابه. وذلك أنهم دعوهم إلى دينهم. { وَاللهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ } يعني اليهود، وهو كقوله:
{ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ ءَامَنُوا اليَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا }
[المائدة: 82] قال: { وَكَفَى بِاللهِ وَلِيّاً وَكَفَى بِاللهِ نَصِيراً }.

قوله: { مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ }. قال مجاهد: تبديل اليهود التوراة. وقال الحسن: تحريفهم؛ حرَّفوا كلام الله، وهو الذي وضعوا من قِبَل أنفسهم من الكتاب، ثم ادَّعوا أنه من كتاب الله. قال:
{ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللهِ }
[البقرة:79].

قوله: { وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ } وهم اليهود. قال الكلبي: { غَيْرَ مُسْمَعٍ } أي: لا سمعت. وقال الحسن: غير مسمع منا ما تحب. وقال مجاهد: { سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا } أي: سمعنا ما تقول ولا نطيعك. { وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ } أي: غير مقبول ما تقول.

قوله: { وَرَاعِنَا } قال الكلبي: يلوي لسانه بالسبّ. وقد فسّرناه في سورة البقرة. وقال الحسن: (رَاعِنَا): السخريّ من القول: { لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ } يعني ما يلوون به ألسنتهم من كتمانهم محمداً والإِسلام. وقال مجاهد: كان أحدهم يقول: ارعني سمعك، يلوي بذلك لسانه. قال: { وَطَعْناً فِي الدِّينِ } أي في الإِسلام.

قوله: { وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا } حتى نتفهم { لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَقْوَمَ } لأمرهم. { وَلَكِن لَّعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً }.

قال بعضهم: قلَّ من آمن من اليهود. ذكر محمد بن سيرين قال: ما نعلم أحداً من اليهود أسلم على عهد النبي محمد عليه السلام غير عبد الله بن سلام، والحسن يذكر آخر، ما أدري من هو.

ذكروا عن رفاعة القرظي في قوله:
{ الذِينَ ءَاتَيْنَاهُمُ الكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ }
[القصص:52] قال: نزلت في عشرة ممن أسلم من اليهود أنا أحدهم.

ذكر أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لو آمن بي واتبعني وصدقني عشرة من اليهود لم يبق على ظهرها يهودي إلا اتبعني " فقال كعب: اثنا عشر. وفي حديث الحسن: عشرة. ومصداق ذلك في كتاب الله:
{ وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِّنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً }
[المائدة:12]. وقال بعض العلماء: إن لم يكن قال هذا النبي بعدما أسلم الاثنان اللذان قال محمد بن سيرين فما أدري ما هو.
{ يَا أَيُّهَآ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ آمِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَىٰ أَدْبَارِهَآ أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّآ أَصْحَابَ ٱلسَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ ٱللَّهِ مَفْعُولاً } * { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱفْتَرَىٰ إِثْماً عَظِيماً }
قوله: { يَا أَيُّهَا الذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ ءَامِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبْلِ أَن نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا }. قال بعضهم: فنردها من قِبَل أقفائها. وقال الحسن ومجاهد: فنردها على أدبارها في الضلالة. وقال الحسن: نطمسها عن الهدى.

قوله: { أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ }. مسخ أصحاب السبت قردة. { وَكَانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً } أي إذا أراد الله أمراً أن يقول له كن فيكون.

قوله: { إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُّشْرَكَ بِهِ } [أي أن يعدل به غيره] { وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ } { وَمَن يُّشْرِكُ باللهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً }.

ذكر عن جابر بن عبد الله قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الموجبتين فقال: " من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة، ومن مات وهو مشرك بالله دخل النار ".


{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ ٱللَّهُ يُزَكِّي مَن يَشَآءُ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً }
قوله: { أَلَمْ تَرَ إِلَى الذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُم بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ }. قال: بعضهم: هم اليهود، زكوا أنفسهم بأمر لم يبلغوه، وقالوا:
{ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ }
[المائدة:18] وقالوا: لا ذنوب لنا.

ذكروا عن مجاهد قال: هم يهود؛ كانوا يقدّمون صبيانهم فيؤمّونهم في الصلاة، يقولون: لا ذنوب لهم، تزيكة.

وقال الحسن: هم أهل الكتابين
{ وَقَالُوا لَن يَدْخُلَ الجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى }
[البقرة:111].

وقال الكلبي: هم اليهود جاءوا بأبنائهم أطفالاً إلى النبي عليه السلام فقالوا: يا محمد، هل على أولادنا من ذنوب فيما اقترفوا؟ قال: لا، أو كما قال، فقالوا: فوالذي يُحلَف به إن نحن إلا كهيئتهم، ما من ذنب نعمله بالنهار إلا كفِّر عنا بالليل، وما من ذنب نعمله بالليل إلا كفِّر عنا بالنهار، فهو الذي زكوا به أنفسهم.

قوله: { وَلاَ يُظْلَمُونَ } أي لا ينقصون { فَتِيلاً } الفتيل: الذي في بطن النواة. وهو تفسير العامة. وقال مجاهد: هو دلكك أصابعك بعضها ببعض، فما خرج منها فهو الفتيل.
{ انظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الكَذِبَ وَكَفَىٰ بِهِ إِثْماً مُّبِيناً } * { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ ٱلْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِٱلْجِبْتِ وَٱلطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاءِ أَهْدَىٰ مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً } * { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ وَمَن يَلْعَنِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيراً } * { أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ ٱلْمُلْكِ فَإِذاً لاَّ يُؤْتُونَ ٱلنَّاسَ نَقِيراً }
قوله: { انظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْماً مُّبِيناً } أي: بَيِّناً. قال الحسن: هم اليهود والنصارى حرّفوا كتاب الله وافترقوا عليه، وقالوا: هذا كلام الله.

قوله: { أَلَمْ تَرَ إِلَى الذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِّنَ الكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ } قال بعضهم: كنا نحدث أن الجبت هو الشيطان، والطاغوت الكاهن. وقال مجاهد: الطاغوت الشيطان في صورة إنسان. وقال مجاهد: الجبت الكاهن، والطاغوت الشيطان. وقال الحسن: الجبت: السحر.

قوله: { وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاَءِ أَهْدَى مِنَ الذِينَ ءَامَنُوا سَبِيلاً }. قال الحسن: يعنون به أصحابهم من اليهود أنهم أهدى من الذين آمنوا سبيلاً.

وقال الكلبي: هم قوم من اليهود، فيهم كعب بن الأشرف وحيي بن أخطب، أتوا مكة فسألتهم قريش وأناس من غطفان؛ فقالت قريش: نحن نعمر هذا المسجد، ونحجب هذا البيت، ونسقي الحاج، أفنحن أمثل أم محمد وأصحابه؟ فقالت اليهود: بل أنتم أمثل. فقال عيينة بن حصن وأصحابه الذين معه: أما قريش فقد عدّوا ما فيهم ففُضِّلوا على محمد وأصحابه، فناشدوهم: أنحن أهدى أم محمد وأصحابه؟ فقالوا: لا والله، بل أنتم والله أهدى. فقال الله: { أُولَئِكَ الذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ وَمَن يَلْعَنِ اللهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيراً }.

ذكر بعضهم قال: إنها نزلت في كعب بن الأشرف وحيي بن أخطب اليهوديين من بني النضير؛ لقيا قريشاً بالموسم، فقال لهم المشركون: أنحن أهدى أم محمد وأصحابه؟ فإنا أهل السدانة، وأهل السقاية، وأهل الحرم. فقالا: بل أنتم أهدى من محمد وأصحابه، وهما يعلمان أنهما كاذبان، وإنما حملهما على ذلك حسد محمد وأصحابه؛ فأنزل الله هذه الآية: { أُولَئِكَ الذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ }.

قوله: { أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ المُلْكِ فَإِذَا لاَّ يُؤتُونَ النَّاسَ نَقِيراً } والنقير النقرة تكون في ظهر النواة في تفسير مجاهد وغيره. [المعنى: أنهم لو أعطوا الملكَ ما أعطوا الناس مقدار النقير].


{ أَمْ يَحْسُدُونَ ٱلنَّاسَ عَلَىٰ مَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُّلْكاً عَظِيماً } * { فَمِنْهُمْ مَّنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَّن صَدَّ عَنْهُ وَكَفَىٰ بِجَهَنَّمَ سَعِيراً } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً }
قوله: { أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا ءَاتَاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ } قال الحسن: هم اليهود يحسدون محمداً وأصحابه على ما آتاهم الله من فضله في الدين.

قال الكلبي: الناس في هذه الآية محمد عليه السلام. قالت اليهود: انظروا إلى هذا الذي لا يشبع من الطعام. ولا والله ما له همٌّ إلا النساء؛ حسدوه لكثرة نسائه وعابوه بذلك، وقالوا: لو كان نبياً ما رغب في كثرة النساء. فأكذبهم الله فقال:

{ فَقَدْ ءَاتَيْنَا ءَالَ إِبْرَاهِيمَ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ } يعني النبوة { وَءَاتَيْنَاهُم مُّلْكاً عَظِيماً } فسليمان بن داود من آل إبراهيم؛ وقد كان عند سليمان ألف امرأة، وعند داود مائة، فكيف يحسدونك يا محمد على تسع نسوة.

وقال الحسن: { وَءَاتَيْنَاهُم مُّلْكاً عَظِيماً } ، ملك النبوّة.

قوله: { فَمِنْهُم مَّنْ ءَامَنَ بِهِ } أي بما أتاهم الله من النبوة والإِسلام. { وَمِنْهُم مَّن صَدَّ عَنْهُ } قال مجاهد: فمنهم من آمن به، أي: بما أنزل على محمد، ومنهم من صدَّ عنه. قال: { وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً } أي لمن صدَّ عنه. وتأويل صدّ عنه: جحدوه.

قوله: { إِنَّ الذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا } أي: كلما احترقت جلودهم جدد الله لهم جلوداً أخرى. قال: { لِيَذُوقُوا العَذَابَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً }. أي عزيزاً في نقمته، حكيماً في أمره.

قال بعضهم: تأكل كل شيء حتى تنتهي إلى الفؤاد، فينضج الفؤاد، فلا يريد الله أن تأكل أفئدتهم؛ فإذا لم تجد شيئاً تتعلق به منهم خبت، وخبّوها: سكونها. ثم يعادون خلقاً جديداً؛ فتأكلهم كلما أعيد خلقهم.
{ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً لَّهُمْ فِيهَآ أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِـلاًّ ظَلِيلاً } * { إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ ٱلأَمَانَاتِ إِلَىۤ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِٱلْعَدْلِ إِنَّ ٱللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً }
قوله: { وَالذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لَّهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ } أي لا يحضن ولا يلدن ولا يبلن ولا يقضين حاجة ولا يمتخطن؛ ليس فيها قذر. قال: { وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاًّ ظَلِيلاً }. قال الحسن: أي: دائماً. وقال بعضهم: لذلك الظل ظلال.

قوله: { إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا }.

لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة دعا عثمان بن طلحة فقال: أرنا المفتاح. فلما أتاه به قال العباس: يا رسول الله أجمعه لي مع السقاية، فكفَّ عثمان يده مخافة أن يدفعه إلى العباس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا عثمان إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر فأرنا المفتاح " فقال: هاك في أمانة الله. فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففتح باب الكعبة، فأفسد ما كان فيها من التماثيل، وأخرج مقام إبراهيم فوضعه حيث وضعه. ثم طاف بالبيت مرة أو مرتين. فنزل عليه جبريل، فأمره برد المفتاح إلى أهله. فدعا عثمان بن طلحة فقال: هاك المفتاح، إن الله يقول: أدوا الأمانات إلى أهلها.

قال: { وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالعَدْلِ إِنَّ اللهَ نِعِمَّاً يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً }.

ذكر بعضهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للحجبي يومئذ: هاك، ورمى إليه بالمفتاح، خذها فإن الله قد رضيكم لها في الجاهلية والإِسلام.

ذكروا عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كل مأثرة كانت في الجاهلية تحت قدمي إلا السدانة والسقاية، فإني قد أمضيتهما لأهلهما ".
{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ ذٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } * { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوۤاْ إِلَى ٱلطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوۤاْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ ٱلشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً } * { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَإِلَى ٱلرَّسُولِ رَأَيْتَ ٱلْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً }
قوله: { يَا أَيُّهَا الذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ } قال الحسن: أولو الأمر منكم: أهل الفقة والعلم والرأي. غير واحد أنه قال: أولو الأمر منكم: العلماء.

ذكروا عن عطاء أنه قال: يا أيها الذين ءَامنوا أطيعوا الله، يعني كتابة، وأطيعوا الرسول، يعني ما سَنَّ رسول الله، وأولي الأمر منكم: العلماء من كانوا، وحيثما كانوا. وتفسير مجاهد: أولو الفقه في الدين والعقل.

ذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " السنة سنتان: سنة في فريضة، الأخذ بها هدى وتركها ضلالة، وسنة في غير فريضة الأخذ بها فضيلة وتركها ليس بخطيئة ".

وكان الكلبي يقول: أولو الأمر منكم أمراء السرايا.

ذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من أطاعني فقد أطاع الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن عصى أميري فقد عصاني ".

قوله: { فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ } يعني فردوه إلى كتاب الله وسنة رسوله. قال: { إِن كُنتُمْ تُؤمِنُونَ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } أي أحسن ثواباً وخيرٌ عاقبةً.

وقال مجاهد: أحسن ثواباً أي: أحسن جزاءً. قال هو مثل قوله:
{ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ }
[الأعراف:53] أي ثوابه في الآخرة.

وقال الكلبي: فإن تنازعتم في شيء، يعني في السرية وأميرها فردوه إلى الله والرسول.

قوله: { أَلَمْ تَرَ إِلَى الذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ ءَامَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ }.

قال الحسن: إن رجلاً من المسلمين كان له على رجل من المنافقين حق فدعاه المسلم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعاه المنافق إلى وثن بني فلان الذي كان أهل الجاهلية يتحاكمون إليه، وعند ذلك الوثن رجل يقول للخصمين: قضى بينكما بكذا وكذا. وإنما عبادة الوثن عبادة الشيطان. والأوثان هي الطواغيت.

وقال الكلبي: إن رجلاً من المنافقين كان بينه وبين رجل من اليهود خصومة فقال اليهودي: انطلق بنا إلى محمد نختصم إليه. وقال المنافق: بل إلى كعب بن الأشرف، وهو الذي يُسمَّى [هاهنا] الطاغوت في قول الكلبي: وقال بعضهم: أراد أن يحاكمه إلى كاهن بالمدينة فقال الله: { يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ }.

قال تعالى: { وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ المُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً }. والطاغوت الشيطان. والكاهن من أمر الشيطان. والإِيمان بالشيطان كفر بالله، والإِيمان بالله كفر بالشيطان. قال الله:
{ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤمِنُ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الوُثْقَى }
[البقرة:256].

ذكروا عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" من أتى عرّافاً فصدّقه فيما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد ".

ذكروا أن عبد الله بن مسعود قال: من أتى كاهناً فصدّقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد.

قال الكلبي: فأبى المنافق أن يخاصمه إلى النبي، وأبى اليهودي إلا أن يخاصمه إلى النبي. فاختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقضى لليهودي. فلما خرجا من عنده قال المنافق لليهودي: انطلق بنا إلى عمر بن الخطاب أخاصمك إليه. فأقبل معه اليهودي، فدخلا على عمر، فقال اليهودي: يا عمر، إنا قد اختصمنا أنا وهذا إلى محمد فقضى لي عليه، فلم يرض هذا بقضائه، وزعم أنه يخاصمني إليه، فقال عمر للمنافق: أكذلك؟ قال: نعم. قال عمر: رويدكما حتى أخرج إليكما. فدخل البيت فاشتمل على سيفه، ثم خرج إلى المنافق فضربه حتى بَرَد. فأنزل الله على نبيه