عرض المشاركة وحيدة
  #14  
قديم 28/08/2006, 12:47 PM
alhabsi2006 alhabsi2006 غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ الانضمام: 05/02/2006
المشاركات: 59
{ أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ ٱلْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَآءُ فَأَصَابَهَآ إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَٱحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَنْفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّآ أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ ٱلأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُواْ ٱلْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ }
قوله: { أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ } والإِعصار الريح الشديدة التي فيها النار { فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الأَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ }.

يقول: هل منكم من يود ذلك؟ على وجه الاستفهام، أي: ليس منكم من يود ذلك، يقول: فاحذروا ألا تكون منزلتكم عند الله كذلك، أحوج ما تكونون إلى أعمالكم يحبطها ويبطلها، فلا تقدرون منها على شيء؛ فكما لا يسرّكم ذلك في حياتكم، فكذلك لا يسرّكم ذلك في الآخرة. وهذا مثل ضربه الله لكم لعلكم تتفكرون.

ذكروا عن الحسن قرأ هذه الآية فقرأ: مثلٌ واللهِ قلَّ من يعقله من الناس، حين كبرت سنة، وكثر عياله، وأحوج ما يكون إلى جنته. وإن أحدكم والله أحوج ما يكون إلى عمله إذا انقضت الدنيا ومضت لحال بالها.

وقال مجاهد: هذا مثل المفرّط في طاعة الله حتى يموت.

قوله: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُوا الخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ }. قال الحسن: هذا في النفقة الواجبة؛ كانوا يتصدّقون بأردإ درهمهم، وأردإ فضتهم، وأردإ طعامهم، فنهاهم الله عن ذلك فقال: ولا تيمّموا [يعني ولا تقصدوا] الخبيث، وهو الرديء، منه تنفقون. أي: منه تزكون.

وقال مجاهد: { مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ }. أي من التجارة.

قال: { وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُوا فِيهِ } يقول: ولستم بآخذي هذا الرديء بثمن هذا الجيّد إلاَ أن يُهضَم لكم منه.

قال بعضهم: كان الرجل يكون له حائطان عل عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيعمد إلى أردئهما، فيتصدق به، ويخلطه بالحشف، فنهاهم الله عن ذلك. قال: { ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه }؛ أي: ولستم بآخذي هذا الرديء بسعر هذا الطيب إلا أن يهضم لكم منه. قال الحسن: فكما لا يستوي عندكم هذا الجيّد والرديء فكذلك لا يستوي عند الله في الآخرة.

وقال الكلبي: ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه، قال: لو كان لبعضكم على بعض حق فأعطِيَ دون حقه لم يأخذه منه إلا أن يرى أنه قد تغامض له عن بعض حقه، وكذلك الله، إلا أن يتراحم عليكم، لا تستكملون به الأجر له، إلا أن يتغمّدكم الله برحمته.

وقال مجاهد: إلا أن تغمضوا فيه: إلا أن تأخذوه من غرمائكم بزيادة على الطيّب في الكيل.

قوله: { وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ } أي غني عما عندكم لمن بخل بصدقته، حميد لمن احتسب بصدقته.


{ ٱلشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ ٱلْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِٱلْفَحْشَآءِ وَٱللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } * { يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَآءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ } * { وَمَآ أَنفَقْتُمْ مِّن نَّفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِّن نَّذْرٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ }
ثم قال: { الشَّيطَانُ يَعِدُكُمُ الفَقْرَ } يخبرهم أنهم حين ينفقون الرديء إنما هو ما يلقي الشيطان في قلوبهم من الفقر. { وَيَأْمُرُكُم بِالفَحْشَاءِ وَاللهُ يَعِدُكُم } على ما تنفقون { مَّغْفِرَةً } منه لذنوبكم { وَفَضْلاً } أي الجنة.

ذكروا أن عبد الله بن مسعود كان يقول: لابن آدم لَمّتان كلَّ صباح: لَمَّة من المَلَك، ولَمَّة من الشيطان: فأما لمّة الملك فإيعاد بالخير، وتصديق بالحق، وتطييب للنفس، وأما لمّة الشيطان فإيعاد بالفقر، وتكذيب بالحق، وتخبيث للنفس، وهو قوله: { الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالفَحْشَاءِ وَاللهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً }

قوله: { وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } أي واسع لخلقه عليهم بأمرهم.

قوله: { يُؤْتِي الحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُّؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً } ذكر بعض المفسّرين قال: الحكمة الفقه في القرآن. قوله: { وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ } أي أولو العقول، وهم المؤمنون.

قوله: { وَمَا أَنفَقْتُم مِّن نَّفَقَةٍ أََوْ نَذَرْتُم مِّن نَّذْرٍ فَإِنَّ اللهَ يَعْلَمُهُ } أي فلم تريدوا به الله، فإن الله لا يتقبله منكم إلا أن تريدوه به. وقال مجاهد: فإن الله يعلمه أي: يحصيه.

ذكر بعض أصحاب النبي، عن النبي عليه السلام أنه قال: " إن النذر لا يأتي بشيء لم يقدره الله، وقد يوافق النذر القدر ليستخرج به من البخيل، فيؤتى على يديه في الشيء لم يأت عليه قبل ذلك ".

قال: { وَمَا لِلظَّالِمِينَ } أي للمشركين { مِنْ أَنْصَارٍ }.
{ إِن تُبْدُواْ ٱلصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا ٱلْفُقَرَآءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } * { لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلاَّ ٱبْتِغَآءَ وَجْهِ ٱللَّهِ وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ }
قوله: { إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }. أجمعت العلماء أنه يُستحب أن تكون الزكاة علانية، وصدقة التطوع سراً؛ فإذا كانت سرّاً كانت أفضل منها في العلانية.

ذكر الحسن عن كعب بن عجرة أنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا كعب بن عجرة، الصلاة برهان، والصوم جنة، والصدقة تطفىء الخطيئة كما يطفىء الماء النار، يا كعب، الناس غاديان: فغاد فمشتر رقبته فمعتقها، وغاد فبائع رقبته فموبقها ".

قوله: { لَّيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ } قال بعض المفسّرين: ذكر لنا أن رجلاً من أصحاب النبي عليه السلام قال: أتصدق على من ليس من أهل ديننا؛ فأنزل الله: { لَّيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ }.

قال: { وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلأَنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللهِ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ }.

وقال بعض المفسّرين: هذه الصدقة التي هي على غير المسلمين إنما هي تطوع، ولا يعطَون من الواجب شيئاً: لا من زكاة، ولا من كفارة، ولا في فداء من صوم أو حج ولا كل واجب، ولا يطعمون من النسك. ذكروا عن عطاء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تطعموا المشركين من نسككم شيئاً ".
{ لِلْفُقَرَآءِ ٱلَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي ٱلأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ ٱلْجَاهِلُ أَغْنِيَآءَ مِنَ ٱلتَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ ٱلنَّاسَ إِلْحَافاً وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ } * { ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }
قوله: { لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الأَرْضِ } قال الحسن: أحصرهم الفقر وهم أهل تعفف. { يَحْسَبُهُمُ الجَاهِلُ } بفقرهم { أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ } أي بتعففهم، أي فأعطوهم من نفقاتكم.

قال مجاهد: هم مهاجرو قريش بالمدينة مع النبي عليه السلام، أمر الله بالصدقة عليهم.

وقال الكلبي: هم أصحاب صُفّة مسجد النبي عليه السلام، قوم لم تكن لهم مساكن بالمدينة ولا عشائر، وكانوا يلتمسون الرزق بالنهار بالمدينة، ويأوون إلى صفة مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن كان عنده فضل أتاهم به إذا أمسوا، وهم الذين أحصروا في سبيل الله.

قال: { تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ } أي: بعلاماتهم { لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً } [أي إلحاحاً] ذكروا عن أبي ذر أنه قال: من كانت له أربعون ثم سأل فقد ألحف، يعني أربعين درهماً: وبعض الفقهاء يقول: إذا كانت له خمسون درهماً لم تحل له الصدقة.

عامة فقهائنا: أبو عبيدة وغيره، يقولون: صاحب الخادم والمسكن والغلام وصاحب المائة والمائتين يعطى من الزكاة إذا كان لا تقوتهم ولا يبلغ ما في يديه قوتهم. وقد يستحب لصاحب المائتين والخادم والمسكن والغلام أن يستعفف عن المسألة وعن الأخذ، وإن أخذ فلا بأس. ذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن المسكين ليس بالطواف الذي ترده التمرة والتمرتان والأكلة والأكلتان، ولكن المسكين الذي لا يجد غناء يغنيه ولا يسأل الناس إلحافاً ".

قوله: { وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ } من مال { فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ } أي يحفظه لكم حتى يجازيكم به.

قوله: { الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْْوَالَهُم بِالَّيْلِ والنَّهَارِ سِرّاً وَعَلاَنِيةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ } أي: في الآخرة { وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } أي على الدنيا.

ذكر بعضهم أنها نزلت في علف الخيل.

وذكروا أن هذه الآية لما نزلت عمد رجل من فقراء المسلمين إلى أربعة دراهم، لا يملك غيرها، فقال: إن الله يقول: { الذين ينفقون أموالهم باليل والنهار سراً وعلانية }. فتصدّق بدرهم بالليل ودرهم بالنهار، وبدرهم في السر ودرهم في العلانية؛ فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: " أأنت الذي أنفقت درهماً بالليل ودرهماً بالنهار، ودرهماً في السر ودرهماً في العلانية؟ فقال الرجل: الله ورسوله أعلم؛ إن كان الله أطلع رسوله على شيء فهو ما أطلعه عليه؛ فقال له رسول الله: نعم، قد أطلعني الله على فعلك، والذي نفسي بيده ما تركت للخير مطلباً إلا وقد طلبته، ولا من الشر مهرباً إلا وقد هربت منه؛ اذهب فقد أعطاك الله ما طلبت، وآمنك مما تخوفت ".
{ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ ٱلرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ ٱلَّذِي يَتَخَبَّطُهُ ٱلشَّيْطَانُ مِنَ ٱلْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوۤاْ إِنَّمَا ٱلْبَيْعُ مِثْلُ ٱلرِّبَا وَأَحَلَّ ٱللَّهُ ٱلْبَيْعَ وَحَرَّمَ ٱلرِّبَا فَمَن جَآءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّنْ رَّبِّهِ فَٱنْتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى ٱللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } * { يَمْحَقُ ٱللَّهُ ٱلْرِّبَا وَيُرْبِي ٱلصَّدَقَاتِ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتَوُاْ ٱلزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }
قوله: { الَّذِينَ يأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ المَسِّ }. ذكروا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه حدّث عن ليلةِ أسرِيَ به فكان في حديثه أنه أتى على سابلة آل فرعون حيث ينطلق بهم إلى النار، يعرضون عليها غدواً وعشياً؛ فإذا رأوها قالوا: ربنا لا تقومن الساعة، مما يرون من عذاب الله. قال: فإذا أنا برجال بطونهم كالبيوت، يقومون فيقعون لظهورهم ولبطونهم، فيأتي عليهم آل فرعون فيثردونهم بأرجلهم ثرداً. قلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء أكلة الربا، ثم تلا هذه الآية: { الَّذِينَ يأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ المَسِّ }.

وقال الحسن: إن لأَِكَلَةِ الربا عَلَماً يعرفون به يوم القيامة أنهم أكلة الربا، يأخذهم خبل؛ فشبه الخبل الذي يأخذهم في الآخرة بالجنون الذي يكون في الدنيا.

وقال مجاهد: { يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ المَسِّ } ، يوم القيامة في أكل الربا في الدنيا.

{ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا البَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا } هو الذي كانوا يعملون به في الجاهلية؛ إذا حل مال أحدهم على صاحبه قال المطلوب: إن هذا ربا قالوا، لا، سواء علينا زدنا في أول البيع أو عند محل الأجل. فأكذبهم الله فقال: { وَأَحَلَّ اللهُ البَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا }.

ذكروا عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شرطين في بيع، وعن بيع وسلف، وعن بيع ما ليس عندك، وربح ما لم تضمن.

ذكروا عن الحسن أنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر.

وذكروا عن الحسن أنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع البسر حتى يحمر، وعن بيع العنب حتى يسود، وعن بيع الحب حتى يبيض.

قوله: { فَمَن جَآءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ } يعني البيان الذي في القرآن في تحريم الربا { فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ } أي غفر الله له ما سلف.

ذكروا عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كل ربا في الجاهلية فهو موضوع ".

ذكروا عن عروة بن الزبير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أسلم على شيء فهو له ".

وقال الحسن في قوله: فله ما سلف { وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ }: غفر لَهُ ما سلف من ذلك، ووقع أجره على الله لقبوله الموعظة. وقال السدي: وأمره إلى الله: إن شاء عصمه من بعد، وإن شاء لم يفعل.

قوله: { وَمَنْ عَادَ } أي ومن عاد فاستحل الربا بعد تحريمه { فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }.

قوله: { يَمْحَقُ اللهُ الرِّبَا } أي: يمحقه يوم القيامة فيبسط له { وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ } لأهلها أي: يضاعفها.
[يحيى عن عثمان عن سعيد المقبُري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " والذي نفسي بيده ما تصدق عبد بصدقة فتقع في يد السائل حتى تقع في يد الله، ثم يربّيها لصاحبها كما يربّي أحدكم فَلُوَّه أو فصيله، حتى تصير اللقمة مثل أحد] " { وَاللهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ }. أثيم لأكله الربا، والكفر أعظم الإثم.

قوله: { إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } يعني ما افترض الله عليهم { وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَءَاتُوا الزَّكَاةَ } وهما فريضتان واجبتان { لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ } أي الجنة { وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }.
{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ ٱلرِّبَا إِن كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ } * { فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ } * { وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ }
قوله: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } أي إذ كنتم مؤمنين. نزلت هذه الآية فيما بقي مما أربوا فيه في الجاهلية ألا يأخذوه، وما أخذوه قبل إسلامهم فهو لهم حلال. ذكروا عن عروة بن الزبير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أسلم على شيء فهو له ".

قوله: { فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ } أي فاشعروا أنكم بحرب من الله ورسوله { وَإِن تُبْتُمْ } أي أسلمتم { فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ } يقول يبطل الفضل إذا كان قد بقي ديناً على المطلوب { لاَ تَظْلِمُونَ } فتأخذون الفضل { وَلاَ تُظْلَمُونَ } من رؤوس أموالكم شيئاً.

ذكروا عن الحسن أنه كان يقول: من أربى في شيء فلا يأخذ إلا رأس ماله. تفسير ذلك أنه إذا فات البيع ولم يقدرا على أن يردّاه. ومن كان في يده ربا لم يقدر على رد تلك السلعة تصدّق بها على المساكين.

قوله: { وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ } ذكر الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " رحم الله من يسر على معسر أو محا عنه ".

ذكر يعلى بن شداد بن أوس قال: كنت مع أبي إذ أبصر غريماً له، فلما رآه الغريم أسرع حتى دخل بيته وأغلق بابه. فجئنا فقمنا على بابه فطلبناه. فقالوا: ليس هاهنا. فقال أبي أنا أنظر إليه آنفاً حتى دخل. فلما سمع الغريم خرج. فقال له أبي: ما حملك على ما صنعت؟ قال: العسرة. قال: آللهِ فقال: اللهم إني أشهدك وأشهد ملائكتك أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من أنظر معسراً أو تصدق عليه، وأشهدك يا رب أني تصدقت عليه ".

ذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من أنظر معسراً أو وضع عنه أظلّه الله يوم القيامة في ظله ".

قوله: { وَأَن تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } أي إن علمتم أن الصدقة خير لكم من أخذها.
{ وَٱتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَٱكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِٱلْعَدْلِ وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ ٱللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ ٱلَّذِي عَلَيْهِ ٱلْحَقُّ وَلْيَتَّقِ ٱللَّهَ رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإن كَانَ ٱلَّذِي عَلَيْهِ ٱلْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِٱلْعَدْلِ وَٱسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ مِّن رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَٱمْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ ٱلشُّهَدَآءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا ٱلأُخْرَىٰ وَلاَ يَأْبَ ٱلشُّهَدَآءُ إِذَا مَا دُعُواْ وَلاَ تَسْأَمُوۤاْ أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَو كَبِيراً إِلَىٰ أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ ٱللَّهِ وَأَقْومُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَىٰ أَلاَّ تَرْتَابُوۤاْ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوۤاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ وَإِن تَفْعَلُواْ فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ ٱللَّهُ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }
قوله: { وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ } قال الحسن: خير لكم في يوم ترجعون فيه إلى الله: { ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } أي لا يُنْقَصُون، يعني المؤمنين، يُوَفَّون حسناتهم يوم القيامة. قال الحسن: هي موعظة يعظ بها المسلمين.

قوله: { يَا أَيُّهَا الذِينَ ءَامَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ } بين البائع والمشتري، يعدل بينهما في كتابه، لا يزيد على المطلوب ولا ينقص من حق الطالب.

{ وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَن يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللهُ } الكتابة وترك غيره فلم يعلمه. { فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الحَقُّ } يعني المطلوب. وقال الحسن: فإن كان الطالب يقدر على من يكتب فهو واسع. قال: { وَلْيَتِّقِ اللهَ رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً } أي لا ينقص من حق الطالب.

ثم قال: { فَإِن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً } يعني جاهلاً بالأموال أو عاجزاً أو أخرق أو أحمق. { أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُّمِلَّ هُوَ } يعني الذي عليه الحق لا يحسن أن يمل { فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ } أي ولي الحق، يعني الطالب { بِالْعَدْلِ } أي لا يزدد شيئاً. وقال بعضهم: السفيه: المرأة الضعيفة والأحمق الذي لا يحسن أن يملّ.

قوله: { وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ } أي من أحراركم { فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَـ } ليكن { رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَونَ مِنَ الشُّهَدَاءِ }.

ذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تجوز شهادة ذي الظِّنة وذي الحِنّة وذي الجِنة " وتفسير ذي الظنة المتهم، والحنة العداوة بين الرجلين، والجنة الجنون.

ذكروا عن شريح أنه قال: لا أجيز شهادة الخصم، ولا الشريك، ولا دافع المغرم، ولا شهادة الأجير لمن استأجره في تلك الضيعة بعينها.

قوله: { أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا } أي أن تنسى إحداهما الشهادة { فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى } أي تذكر التي حفظت شهادتها الأخرى. وهي تقرأ بالتخفيف والتثقيل؛ فمن قرأها بالتخفيف فهي قد ذكر لها فذكرت. وقد يكون أن يذكر الإِنسان صاحبه فلا يذكر، ولكن هذه قد ذكرت، فهي في كلا الوجهين قد ذكرت.

قوله: { وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا }. قال بعضهم: كان الرجل يأتي الحِواء العظيم يطلب من يشهد له فلا يتبعه منهم رجل واحد، فنهى الله عن ذلك. وقال الحسن إذا وجد غيره فهو واسع.

ذكروا عن الحسن أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تقوم الساعة حتى يفيض المال ويظهر العلم ويكثر التجار " قال الحسن: لقد أتى على الناس زمان وما يقال إلا تاجر بني فلان، وكاتب بني فلان، ما يكون في الحي إلا التاجر الواحد والكاتب الواحد.

قوله: { وَلاَ تَسْأَمُوا } ولا تمَلوا { أَن تَكْتُبُوهُ } يعني الحق { صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ } أي أعدل { عِندَ اللهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ } أي أصوب للشهادة { وَأَدْنَى أَلاَّ تَرْتَابُوا } أي أجدر ألا تشكوا في الحق والأجل والشهادة إذا كان مكتوباً.
قال: { إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً } أي حالة { تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ } ليس فيها أجل { فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ } أي حرج { أَلاَّ تَكْتُبُوهَا } يعني التجارة الحاضرة.

قوله: { وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ } أي أشهدوا على حقكم، كان فيه أجل أو لم يكن فيه أجل. ذكروا عن الحسن أنه قال: نسخها
{ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضاً }
[البقرة: 283]. قال الحسن: فأنا أشك، ذكر الكتاب وحده أنه ذكر الكتاب والشهادة بغير كاتب. ذكروا عن ابن عمر أنه كان إذا اشترى بنقد أو بنسئة أشهد عليه.

قوله: { وَلاَ يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ }. قال بعضهم: لا يجيء يقيمه في حال شغله. وقال بعضهم: هي في الكاتب والشاهد يدعوهما إلى الكتاب والشهادة عند البيع، ولهما حاجة فيشغلهما عن حاجتهما، يضارّهما بذلك، وهو يجد غيرهما، فيقول لهما: قد أمركما الله بالشهادة، فلْيَدَعْهما لحاجتهما، وليلتمس غيرَهما. وقال مجاهد: لا يُقامُ عن شغله وحاجته في نفسه أو يخرج.

قال: { وَإِن تَفْعَلُوا } أي تضاروا الكاتب والشهيد { فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ } أي معصية لكم. وبلغنا عن عطاء أنه قال قال: هي في الوجهين جميعاً: إذا دعي ليُشهَد أو ليَشهَد بما عنده من الشهادة.

قال: { وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيءٍ عَلِيمٌ } أي فاتقوا الله ولا تعصوه فيهما.

{ وَإِن كُنتُمْ عَلَىٰ سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِباً فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ ٱلَّذِي ٱؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ ٱللَّهَ رَبَّهُ وَلاَ تَكْتُمُواْ ٱلشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } * { للَّهِ ما فِي ٱلسَّمَاواتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِيۤ أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ ٱللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }
قال: { وَإِن كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِباً فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ }.

ذكروا أن شريحاً والحسن قالا: الرهن بما فيه. ذكروا عن علي بن أبي طالب قال: يتراددان الزيادة والنقصان.

ذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الرهن لا يغلق من صاحبه الذي رهنه، له غنمه وعليه غرمه ".

ذكروا عن جابر بن زيد وأبي عبيدة أنهما قالا: إن كان بأقل مما فيه فهو بما فيه، وإن كان بأكثر مما فيه فإنه يرد الفضل.

قوله: { فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضاً } يعني فإن كان الذي عليه الحق أميناً عند صاحب الحق، فلم يرتهن منه في السفر لثقته به وحسن ظنه بوفاء الذي عليه، قال: { فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ } أي ليؤد الحق الذي عليه إلى صاحبه { وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ }. وكان الحسن يقول: نسخت هذه الشهادة، أو قال: الكتابَ والشهادة.

قوله: { وَلاَ تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ } أي عند الحاكم، إذا دعي إليها فليُقِمها على وجهها. { وَمَن يَكْتُمْهَا } فلا يشهد إذا دعي إليها { فَإِنَّهُ ءَاثِمٌ قَلْبُهُ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ } أي من كتمان الشهادة وإقامتها { عَلِيمٌ }.

ذكر الحسن قال: سمعت أبا سعيد الخدري يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يمنعَنَّ أحدَكم مخافةُ الناسِ أن يقول الحق إذا شهده أو علمه ".

ذكروا عن الحسن عن النبي عليه السلام مثل ذلك. قال الحسن: أما والله ما هو بالرجل يوانب السلطان. ولكن الرجل تكون عنده الشهادة فيشهد بها.

ذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن خير الشهداء الذي يأتي بشهادته قبل أن يُسْأَلَهَا ".

قوله: { لِّلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللهُ فِيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }.

قال بعض المفسّرين: نزلت هذه الآية فجهدتهم، وكبرت عليهم، فأنزل الله بعدها آية فيها يسر وتخفيف وعافية، فنسختها:
{ لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا }
[البقرة:286].

ذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله تجاوز لأمتي عمَّا حدثت به أنفسَها ما لم تعمل أو تتكلم به ".

وتفسير مجاهد: { وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ } ، أي: من اليقين أو الشك.
{ آمَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَٱلْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِٱللَّهِ وَمَلاۤئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ ٱلْمَصِيرُ } * { لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا ٱكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَٱعْفُ عَنَّا وَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا فَٱنْصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِينَ }
قوله: { ءَامَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالمُؤْمِنُونَ كُلٌّ ءَامَنَ بِاللهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ المَصِيرُ }.

قال الحسن: هذا دعاء أمر الله رسوله والمؤمنين أن يدعوا به.

ذكر بعضهم أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله كتب كتاباً قبل أن يخلق السماوات والأرض بألفي سنة، فوضعه تحت العرش، فأنزل الله منه آيتين ختم بها سورة البقرة، لا تقرآن في بيت فيقربه الشيطان ثلاث ليال: { آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه }... إلى آخر السورة ".

ذكروا عن الحسن قال: كان فيما منّ الله به على النبي عليه السلام: ألم أعلمك خواتم سورة البقرة؟.

قوله: { لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } أي إلا طاقتها. وهذا في حديث النفس. { لَهَا مَا كَسَبَتْ } أي من خير { وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ } أي من شر.

قوله: { رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا } هذا فيا يتخوّف فيه العبد المأثم، أن ينسى أن يعمل بما أمر به، أو ينسى فيعمل بما نُهي عنه.

{ أَوْ أَخْطَأْنَا } هذا فيما يتخوّف فيه العبد المأثم، أن يخطىء فيكون منه أمر يخاف فيه المأثم لم يتعمّده، فوضع الله ذلك عنه، كقوله:
{ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ }
[البقرة:225] أي: ما تعمّدت فيه المأثم.

قوله: { رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا } يعني ما كان شدِّدَ به على بني إسرائيل، والإِصر العهد، فيما كانوا نهوا عنه. وهذا دعاء أمر الله المؤمنين أن يدعوا به. وقد وضع الله على المؤمنين ما كان شدّد على بني إسرائيل. فقال: { الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ } أي يجدونه مكتوباً عند أهل الكتاب في كتابهم
{ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ المُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ }
[الأعراف:157] وقال:
{ وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ }
[الأنعام:155] أي اتبعوا ما أحل فيه { وَاتَّقُوا } أي ما حرّم فيه. وكان من ذلك الإِصر ما حرّم عليهم من الشحوم، وكل ذي ظفر وأمر السبت، وكل ما عهد إليهم ألا يفعلوه مما أحلّ لنا.

قوله: { رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ } وهو الوسوسة في تفسير ابن عباس.

ذكروا عن الحسن أن رجلاً قال: يا رسول الله، إني لأحدث نفسي بالشيء ما يسرّني أني تكلّمت به وأن لي الدنيا. قال: ذلك محض الإِيمان.

قوله: { وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الكَافِرِينَ }. قال الحسن: هذا دعاء أمر الله به النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين في هاتين الآيتين: { آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ }... إلى آخر السورة. وقد أخبر الله النبي عليه السلام أنه قد غفر له.


تم تفسير البقرة بحمد الله

آخر تحرير بواسطة alhabsi2006 : 28/08/2006 الساعة 12:52 PM