عرض المشاركة وحيدة
  #19  
قديم 08/11/2006, 09:21 AM
ونيس الروح ونيس الروح غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ الانضمام: 30/09/2006
الإقامة: الأرض
المشاركات: 114
الإمام عبدالله بن إباض _ رحمه الله _

رغم أن المذهب الإباضي ينسب إلى عبد الله بن إباض لكن لا يوجد في المصادر الإباضية ولا في غيرها ما يمكن أن يعتبر سيرة تاريخية له إلا بعض المقتطفات المتناثرة في بعض الكتب التاريخية، حتى البدر الشماخي في كتاب السير لم يكتب عنه إلا عدة أسطر حيث قال ومنهم عبد الله بن إباض المري التميمي إمام أهل التحقيق والعمدة عند شغب أولى التفريق سلك بأصحابه محجة العدل وفارق سبل الضلالة والجهل وكان رحمه الله على ما حفظت ممن خرج الى مكة لمنع حرم الله من مسلم عامل يزيد الملقب بمسرف وكان كثيرا ما يبدى النصائح لعبد الملك بن مروان وفي حفظي أنه يصدر في أمره عن رأي جابر بن زيد وله مناظرات مع الخوارج وغيرهم)[1].

فكل ما يمكن أن يقال عنه أنه ينتمي إلى قبيلة تميم التي كانت تسكن في البصرة وهي القبيلة التي منها الأحنف بن قيس المشهور بحكمته وحسن تصرفه. لا يعرف تاريخ مولده ولا تاريخ وفاته بالتحديد ولكنه أدرك معاوية بن أبي سفيان وهو شاب وعاش إلى زمن عبد الملك بن مروان. وبذلك يكون قد عاش في نفس الفترة التاريخية التي وجد فيها أبوبلال وجابر بن زيد ونافع بن الأزرق وقد ظهر عبد الله بن إباض على مسرح الأحداث بعد موت أبي بلال ويبدو أنه كان من جماعته إلا أنه لم يخرج معه إلى آسك. ونظرا لمواقفه الجدلية مع الخوارج ولحركته النشطة في نقد سلوك الأمويين بابتعادهم عن منهج الخلفاء الراشدين ظهر بمظهر الزعيم ونسبت إليه الإباضية من قبل الأمويين ولم يعترف الإباضية بهذه التسمية إلا في وقت متأخر بعدما انتشرت على ألسنة الجميع، فتقبلوها تسليما بالأمر الواقع عند الآخرين. ولذا فهو يعتبر أحد أئمة الإباضية السياسيين حيث وقف معارضا بلسانه وقلمه لسلوك الأمويين ولم يشهر سيفه ضدهم إلا دفاعا عن الكعبة المشرفة مع عبد الله بن الزبير

أما ما اشتهر عند المؤرخين من نسبة المذهب الإباضي إلى عبد الله بن إباض الذي عاش في زمن عبد الملك بن مروان فهي نسبة عرضية سببها بعض المواقف الكلامية والسياسية التي اشتهر بها وتميز بها فنسبت الإباضية إليه من قبل الأمويين ثم نسب إليه المذهب من بعد. والحقيقة أن المذهب الإباضي من الناحية العلمية والتشريعية ينسب إلى الإمام جابر بن زيد، وهذه مسألة واضحة عند الإباضية ليس فيها غموض. أجمع عليها علماؤهم منذ بدايتهم، إذ لم يذكر أحد من علماء الإباضية لا قديما ولا حديثا أن الإباضية تنسب إلى عبد الله بن إباض، ومن يقرأ في كتب الإباضية لن يجد غير هذا. قال الشيخ نور الدين السالمي رحمه الله:

ونحن في الأصل وفي الفروع



على طريق السلف الرفيع



فما الإباضيون إلا علما



لخلفاء الحق منا فاعلما



وأصله أن فتى إباض



كان منافحا لنا وماضي



مدافعا أعداءنا بالحجة



وحاميا إخواننا بالشوكة



ونسبوا من كان في طريقته



إليه لاشتهار سيرته



من ذاك لا تلقى له في المذهب



مسألة نرسمها في الكتب



فنأخذ الحق متى نراه



لو كان مبغض لنا أتاه



إن المخالفين قد سمونا



بذاك غير أننا رضينا



ونحن الأولون لم يشرع لنا



نجل إباض مذهبا يحملنا



والباطل المردود عندنا ولو



أتى به الخل الذي له اصطفوا






ويقول الدكتور عوض خليفات : (إن المصادر الإباضية تُجمع على أن ابن إباض لم يكن إمامهم الحقيقي ومؤسس دعوتهم وإنْ كان من علمائهم ورجالهم البارزين في التقوى والصلاح)[2]

ولكونه يتبنى موقف المعارض للدولة الأموية نسبت إليه كلمة الخوارج كما نسبت إلى كل من عارض الدولة الأموية ومن ذلك أيضا نسبت الإباضية إلى الخوارج. والإباضية أبعد ما يكونون عن الخوارج ولا يجمعهم مع فكر الخوارج إلا إنكارهم للتحكيم ومعارضتهم للحكم الأموي.

ذكر البرادي ( أن المسلمين بعد قتل أبي بلال اجتمعوا بجامع البصرة وعزموا على الخروج وفيهم عبد الله بن إباض ونافع بن الأزرق ووجوه المسلمين فلما جن الليل سمع عبد الله دوي القراء والمؤذنين وحنين المسبحين فقال لأصحابه أعن هؤلاء أخرج. فرجع وكتم أمره واختفى)1. وكان هذا في سنة 64 هـ، وهو تاريخ مفارقة عبدالله بن إباض لنافع بن الأزرق، أي مفارقة الإباضية لمن يسمونهم بالخوارج. مع العلم بأن الخوارج لم يتطرفوا إلا بعد هذا التاريخ كما أن تسميتهم بالخوارج لم تقع إلا بعد تطرفهم.
وقد ذكر الطبري وغيره من المؤرخين رسالة نافع بن الأزرق إلى عبد الله بن إباض ورده عليها وذلك عندما اشتد إيذاء بعض ولاة الأمويين، فقد أرسل نافع بن الأزرق رسالة إلى عبد الله بن إباض يدعوه فيها للخروج وهذا نصها : (بسم الله الرحمن الرحيم . أما بعد فإن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون، والله إنكم لتعلمون أن الشريعة واحدة والدين واحد ففيم المقام بين أظهر الكفار، ترون الظلم ليلا ونهارا، وقد ندبكم الله إلى الجهاد فقال: (وقاتلوا المشركين كافة) ولم يجعل لكم في التخلف عذرا في حال من الأحوال. وقد رد عليه عبد الله بن إباض بما يلي: (قاتله الله ، أيّ رأيٍ رأى، صدق نافع بن الأزرق لو كان القوم مشركين كان أصوب الناس رأيا وحكما فيما يشير به وكانت سيرته كسيرة النبي (ص) في المشركين، ولكنه كذب وكذبنا فيما يقول. إن القوم كفار بالنعم والأحكام وهم براء من الشرك. وما سوى ذلك من أموالهم فهو حرام علينا).

ورغم وضوح هذه الرسالة وورودها في أغلب المصادر التاريخية واتفاق المؤرخين على مفارقة عبد الله بن إباض لنافع بن الأزرق ومن معه من الخوارج، فلا زالت كلمة الخوارج تلازم الإباضية في كل زمان ومكان، ويبدو أن الإعلام الأموي استطاع أن يقنع الناس أن كل من يعارضه ينتمي إلى الخوارج وخلط بين الخارجين على علي والخارجين على الحكم الأموي فجعلهم شيئا واحدا.

ولأن عبد الله بن إباض كان يمثل إحدى جبهات الرفض السياسية للدولة الأموية. فلم ينل المذهب الإباضي شهرة في دنيا المذاهب كشهرة الأئمة الأربعة لموقفه تجاه الدولة الأموية وموقف الأمويين تجاهه وتجاه أتباعه، لأن أمراء الأمويين والعباسيين حاربوا مذهبه وأتباعه، وحالوا بين الناس وبين معرفة حقيقة الإسلام.


--------------------------------------------------------------------------------

[1] السير، للشماخي

[2] عوض خليفات: نشأة الحركة الإباضية ص. 84