عرض المشاركة وحيدة
  #22  
قديم 06/06/2006, 03:20 AM
myfrredom myfrredom غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ الانضمام: 20/07/2005
المشاركات: 86
انشقاق القمر والإسراء والمعراج... وأمور أخرى
GMT 21:00:00 2006 الإثنين 5 يونيو
الاتحاد الاماراتية




الثلاثاء: 2006.06.06

د. محمد عابد الجابري

تساءلنا في مقال سابق: "لماذا الإلحاح على أن النبي لم يكن يعرف القراءة والكتابة؟ وكان الجواب واضحاً من عنوان المقال: "الأمية ليست علامة على المعجزة" (25/05/2006). أما الآن فلنختم الكلام في هذا الموضوع بتوجيه هذا السؤال إلى أنفسنا: "ولماذا الإلحاح من جانبنا على أن النبي لم يكن يجهل القراءة والكتابة"؟

والجواب هو أن ذلك ما أدانا إليه البحث الموضوعي الذي لا تحركه أية أفكار مُسبقة. لقد أكدنا أنه، عندما يتعلق الأمر بالوحي، فالمعرفة بالقراءة والكتابة وعدم المعرفة بهما سيان. فالوحي إلهام خاص، لا يُكتسب لا بالقراءة ولا بالكتابة، وبالتالي فافتراض أنه عليه الصلاة والسلام كان يجهل القراءة والكتابة ليس ضرورياً في إثبات كون القرآن معجزة له، وبالتالي فلا شيء يفرض تأويل لفظ "الأمي" الوارد في القرآن –مفرداً وجمعاً- بعدم المعرفة بالقراءة والكتابة، خصوصاً وأن هذا التأويل لا يستقيم مع جميع الآيات التي ورد فيها ذلك اللفظ.

ولما كان مدار الأمر كله هو إثبات أن القرآن هو معجزة النبي عليه الصلاة والسلام، فإننا نؤكد فعلاً أن الشيء الوحيد، الذي يفهم من القرآن بأكمله أنه معجزة خاصة بالنبي محمد عليه الصلاة والسلام، هو القرآن لا غير. والدليل على ذلك هو أن كفار قريش قد أكثروا من مطالبة الرسول عليه الصلاة والسلام بالإتيان بآية (معجزة) تخرق نظام الكون كدليل على صدق نبوته، فكان جواب القرآن أن مهمة محمد بن عبدالله هي أن يبلغ لأهل مكة (أم القرى) ومن حولها رسالة الله إليهم (القرآن)، وليس من اختصاصه الإتيان بآيات معجزات خارقة للعادة.

ومن جملة الآيات التي كررت هذا المعنى ما ورد في سورة العنكبوت، وهي آخر سورة نزلت بمكة، وبالتالي يمكن اعتبارها ختماً للجدل مع قريش حول هذا الموضوع. قال تعالى: "وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ! قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ. أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ. قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا، يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ" (50/52).

وواضح أننا هنا أمام إغلاق نهائي لمسألة إمكانية تخصيص خاتم النبيين والمرسلين بمعجزة من جنس ما طالبت به قريش. لقد قررت الآية أن القرآن كافٍ وحده كمعجزة للنبي عليه الصلاة والسلام، ثم أنهت الجدل في الموضوع بأن خاطبت النبي أن: "قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا". وقد أفصح النبي عليه الصلاة والسلام عن هذا المعنى في حديث ورد في صحيح مسلم، قال فيه: "مَا مِنَ الأَنْبِيَاءِ مِنْ نَبِيَ إِلاَّ قَدْ أُعْطِيَ مِنَ الآيَاتِ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحْيا أَوْحَى الله إِلَيَّ، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعاً يَوْمَ الْقِيَامَةِ".

ولمعترض أن يقول هناك ظواهر من قبيل المعجزات الخارقة للعادة مروية عن بعض الصحابة. من ذلك ما قيل في تفسير قوله تعالى: "اقتربت الساعة وانشق القمر"، وما روي بشأن "الإسراء والمعراج". وهذه أمور ناقشها القدماء من العلماء والمفسرين، والآراء فيها مختلفة، وهي كلها تراث لنا، ومن حقنا، بل من واجبنا أن نختار منها ما لا يتعارض مع الفهم الذي ينسجم مع مبادئ العقل ومعطيات العلم في عصرنا.

وهكذا فقوله تعالى: "اقتربت الساعة وانشق القمر" (القمر/ 1) كان موضوع اجتهاد المفسرين، وقد أورد الطبري عدداً كبيراً من الروايات في شأنه. منها ما تذكر أن القمر انشق فعلاً وشاهده الناس في مكة وأن ذلك جاء عقب سؤال قريش النبي أن يأتيهم بآية. ومن المفسرين من فسر الآية بمعنى اقتربت الساعة وعندها "سينشق القمر"، حجتهم في ذلك أن القمر إذا انشق فعلاً رآه الناس في أماكن مختلفة، الشيء الذي لم يحدث. ومنهم من فسر عبارة "انشق القمر" بمعنى "وضح الأمر وظهر، استناداً إلى أن العرب تضرب بالقمر مثلاً فيما وضَحَ".

ومن المفسرين من قال إن ما حدث هو خسوف القمر أو شيء يشبهه، ومن جملة ما نسب إلى ابن عباس في هذا الموضوع قوله: "كُسِفَ القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: سحر القمر فنزلت "اقتربت الساعة". وإلى هذا ذهب ابن عاشور في تفسيره، ففسر رؤية من رأى القمر منشقاً بظواهر كونية طبيعية من شأنها أن تظهر القمر لمن ينظر إليه وكأنه قد انشق مثل "أن يكون قد حدث خسف عظيم في كرة القمر أحدث في وجهه هوة لاحت للناظرين في صورة شقه إلى نصفين"... الخ.

أما نحن فنرى أن عدم نزول آيات أخرى تؤكد "انشقاق القمر" دليل على أن ما حدث لم يكن من قبيل "خرق العادة". فلو كان الأمر استجابة لطلب قريش، كما ذكرت الروايات، لكان في القرآن ما يفيد ذلك، هذا في حين أن مطالب قريش التي من هذا القبيل قد قوبلت في القرآن بالرفض الصريح، بينما تكرر التصريح بالآيات (المعجزات) التي خص الله بها الأنبياء السابقين، وتكررت دعوة قريش إلى أخذ العبرة منها! كل هذا قد رجح لدينا أن ما حدث كان خسوفاً كما ورد ذلك في رواية ابن عباس المشار إليها قبل.

ومن قبيل مسألة "انشقاق القمر" مسألة "الإسراء والمعراج". وما يجب التنبيه إليه ابتداءً في هذه المسألة هو أن "المعراج" لم يرد ذكره في القرآن وإنما ذكر الإسراء وحده في قوله تعالى: "سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى..." (الإسراء 1). وقد اختلف الرواة في كيفية حدوثه: هل حدث في المنام (رؤيا) أم حدث في اليقظة؟ والظاهر من الروايات الأساسية في الموضوع أن ذلك حصل في المنام. فقد ذكروا أن أمّ هانئ بنت أبـي طالب "كانت تقول: ما أُسري برسول الله صلى الله عليه وسلم إلاَّ وهو فـي بـيتـي نائم عندي تلك اللـيـلة"، وفي رواية أنس بن مالك أن الإسراء حدث "والنبي بين النائم واليقظان في المسجد الحرام". هذا بينما ذهب كثيرون إلى القول إن الإسراء كان جسمانياً. وتذكر الروايات أن النبي لما أخبر الناس بما حدث ليلة الإسراء لم يصدقوه، "فـارتدّ ناس كثـير بعد ما أسلـموا". قالوا: وإلى ذلك يشير قوله تعالى "وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلا فِتْنَةً لِلنَّاسِ" (الإسراء 60)، وفي هذه الآية ما يشعِر بأن الإسراء حدث في المنام (الرؤيا التي أريناك). وقد قال بهذا الرأي كل من "عائشة ومعاوية والحسن البصري وابن إسحاق، قالوا كان إسراء بروحه في المنام، ورؤيا الأنبياء وحي".

ويمكن أن نعزز هذا الرأي بكون القرآن تعرض في سورة الإسراء نفسها إلى جملة من تحديات قريش، منها: "وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنْ الأَرْضِ يَنْبُوعًا (...) أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ، وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُه"، فكان جواب القرآن: "قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلا بَشَرًا رَسُولا" (الإسراء 90/93)، بمعنى أن طبيعتي البشرية لا تسمح لي بالرقي إلى السماء، فأنا بشر ولستُ ملاكاً...

هذا عن الإسراء. أما المعراج (وهو صعوده عليه الصلاة والسلام من بيت المقدس إلى السماء العليا) فلم يرد في القرآن، كما قلنا، ولكن ورد ذكره وتفصيله في الحديث، في البخاري ومسلم وغيرهما. وقد اختلف الرواة والمفسرون هل حدث بالروح وحده أم بالروح والجسد، مثل اختلافهم في الإسراء. والقول بالمعراج بالجسد يطرح عدة قضايا منها مسألة الرؤية: رؤية الله حين المعراج. فإذا قلنا إن المعراج كان بالجسم فإن ذلك يعني أن الرسول رأى الله رؤية بصرية، وهذا لا يمكن إلا مع الأجسام، والله منزَّهٌ عن الجسمية.

الإسراء والمعراج إذن حدثا على صورة رؤيا منامية. ذلك هو الرأي الذي نختاره من آراء العلماء السابقين. ونحن لا نناقش ما يتم للأنبياء أثناء الرؤيا، إذ هو لهم وحي، كما سبق القول، وهو خاص بهم وليس خرقاً لنظام الكون ولا مساً بسننه.

هناك روايات تحدثت عن أشياء كثيرة نسبت إلى النبي عليه الصلاة والسلام على أنها معجزات له من النوع الخارق للعادة، وكلها أحاديث آحاد، ومعظمها من النوع الذي يتساهل فيه رجال الحديث لكونه "يستعمل في الدعوات والترغيب والترهيب والتفسير والمغازي". قالوا: "إذا روينا في الثواب والعقاب وفضائل الأعمال تساهلنا في الأسانيد وتسامحنا في الرجال، وإذا روينا في الحلال والحرام والأحكام تشددنا في الأسانيد وانتقدنا الرجال".

والأحاديث المروية في هذا المجال ليس فيها أحكام.