قضايا و اراء
42831 السنة 128-العدد 2004 مارس 13 22 من محرم 1425 هـ السبت
نحو التعاون العربي المتكافل
بقلم: الحسن بن طلال
إن التحديات التي تواجه الأمة العربية, وكذلك التحديات التي يواجهها عرب المهجر, والفساد بصوره المختلفة, أدت لدعوة زعماء العالم لصياغة عبارات جديدة عن الشرق الأوسط الكبير. فمحاولة الخروج العربي من دائرة التأثر إلي دائرة التأثير أوجدت ضرورة إصلاح توجه الجامعة العربية وتحصين مضمونها كما هو متوقع في طرح المبادرة السعودية- المصرية- السورية علي مؤتمر القمة العربي المنعقد في تونس نهاية شهرمارس.
إذا عدنا إلي البدايات فإن العمل العربي المشترك, بدأ في بروتوكول الإسكندرية عام1944, وتضمن مبادئ أدت إلي قيام جامعة الدول العربية, لتحقيق التعاون في المجال الثقافي والاجتماعي والاقتصادي, وفي عام1950 أقر مجلس الجامعة العربية معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي بين البلاد العربية, الذي يعتبر الحد الأدني للتفاعل والمساندة المتبادلة, كما أنه الخطوة الأولي علي طريق التكامل الاقتصادي العربي. ولكن ضعف الإرادة السياسية العربية التي لم تصل إلي المستوي المطلوب لتنفيذ التزامات العمل القومي العربي بشتي الصعد, مع غياب الفهم الدقيق لمعدلات العلاقات الدولية, كشفت هشاشة النظام الإقليمي العربي وغيبت مفهوم الصالح العام في التعامل. لقد كتب الكثير في سلبيات العمل العربي المشترك, وفي عجز الجامعة ومؤسساتها عن تحقيق الأهداف التي تأسست من أجلها. ولكن ما نحتاج إليه في ظل هذه الظروف, هو النظرة الإيجابية لكيفية تطوير مؤسسات العمل الجماعي بما يخدم الإنسان العربي.
كما هو واضح من واقع الحال, فإن تفعيل اتفاقيات العمل العربي المشترك, تحتاج إلي إرادة سياسية جامعة من قبل الأنظمة العربية. فعدم وجود تعريف لإقليمنا هذا المدعو بالشرق الأوسط, وعدم التغيير في العلاقات البينية العربية بالرغم من أن النظرة العالمية للأمة العربية قد تغيرت وتحول مع هذا التغير مفهوم الحوار بين الحضارات إلي الهيمنة الحضارية من قبل الطرف الأقوي, يستدعي توقفنا وقفة جادة للتعامل مع قضايانا الأساسية بشكل عملي ضمن الانفتاح علي العالم. فمن الطبيعي إذا, أن نبدأ من انتهاج الوسطية العقلانية, التي يجب أن تكون سبيلنا الأوحد للإعلاء من الشوري والديمقراطية والتعددية, والحيلولة دون الشرذمة الطائفية والمذهبية والإقليمية, من خلال الاختلاف الواعي الذي يرسخ الصالح العام, ونبذ الاجندات الخاصة وذلك للتلاقي مع القيم الإنسانية التي بقيت علي مر العصور جزءا من الوعي الإنساني الجماعي. إننا نستطيع التكلم بإسهاب عن الكثير من الأنظمة, أكانت منها السياسية أم الاقتصادية أم التكنولوجية, ولكننا عندما يتعلق الأمر بالإنسان العربي, نجد دائما صعوبة بالغة في إيجاد نظام يرتكز علي كرامة الإنسان وذلك لغياب القيم المشتركة وكذلك غياب الضمير العالمي, ولكن لكي لا نبقي مع النظارة والمتفرجين, بعيدين عن دائرة الفعل والتأثير, علينا أن نتجه نحو التشبيك- عربيا وعالميا- مع تجمعات ومنظمات تهدف إلي ماتهدف إليه من خلال برامج عملية مدروسة تنأي عن التطرف وتكون جزءا من الحركة الوسطية العالمية. لقد كنا كعرب وأعضاء في الجامعة العربية في السابق, مع مفهوم عدم الانحياز إلي هذه القوة العظمي أو تلك, وتعلمنا الكثير من الدروس والعبر من خلال نهجنا هذا, ولكن تحديات هذا القرن تفرض علينا أن نكون مبادرين بحركة عالمية تنحاز من حيث المبدأ إلي السلام وثقافة السلام بإطلاق خريطة طريق اقتصادية واجتماعية محورها كرامة الإنسان واحتياجاته, وغايتها صنع السلام المتجذر في الأفئدة والعقول. سواء كان هنالك حديث عن شرق أوسط جديد أو كبير والذي لايزال حتي في هذه الصيغ غير معرف, فلابد لنا من أن نكرس في مجتمعاتنا العربية ثقافة المشاركة التي تقوم علي احترام حقوق الإنسان, ومشاركة الفرد في شئون مجتمعه. فإن ثقافة كهذه تغري بالاستثمار من أجل التنمية, وتعزز الثقة بالمناخ الاقتصادي والاجتماعي والسياسي في أقطارنا, كما أنها تضمن سلامة المسيرة ال
إنمائية والاقتصادية المتسارعة, وعدالة توزيع مردودها. إن الأمن الأساسي الذي يجب أن نأخذه بالاعتبار من خلال أطروحاتنا لا يتعلق فقط بالحرمان, والجوع, وفقدان المؤن, ولكن أيضا بالحرمان للمواطن من المشاركة في بناء مجتمعه.
إن الثقافة هي القاسم المشترك الأعظم الذي يحدد هوية الفرد الواحد منا, وهوية الأمة علي حد سواء, كما أن التنوع الثقافي مصدر قوة وإلهام إذا ما أحسن توظيفه, وفي هذا السياق لطالما تذمرنا من أن النمط الغربي وعالمنا المعولم يملي إملاء علينا حتي عن طريق ما يسمي المجتمع المدني العولمي. ولكن إذا لم ينم المجتمع المدني أو الأهلي في بلداننا من القاعدة إلي القمة عبر القناعات المحلية وقناعات الجماهير, وأيضا من خلال تعدد الحداثات, حينئذ سيكون من الصعب فعلا أن نناوئ بنجاح التيارات السلبية للعولمة, قد لا نستطيع أن نغير مجري التاريخ, إلا أننا مطالبون بأن يكون لنا قولنا في هذه الحقبة العصيبة ومطالبون أيضا لإطلاق طاقات الشباب العربي خارج أطر الانكفاء والعزلة والإقصاء, للتعاون والحوار الفاعل المتفاعل مع شباب العالم من أجل توضيح وجهنا الإنساني والثقافي. إنه مما لاشك فيه, أن الشباب هم الذين سيرسمون صورة ثقافتنا في العقود القليلة القادمة.
علينا أن نعني بشكل جاد, في عصر المعلوماتية هذا, بتوفير قاعدة معلوماتية دقيقة مبنية علي أسس موضوعية وعلمية توضح بإسهاب احتياجات ومتطلبات الدول العربية, وكذلك إنجازاتها. وقد تنشأ هذه ضمن إطار يعني بحوار السياسات والسيناريوهات يكون معلما من معالم كل قطر من أقطارنا, علي أن ينتظم عقدها في اتحادنا عبر القطري والممثل بالجامعة العربية. كما أنه وفي رأينا, قد حان الأوان لأن نبادر إلي تأسيس هيئات عبر قطرية للمياه والطاقة والبيئة, بمفهومها الإنساني الواسع, وذلك علي غرار ما أنجزه الاتحاد الأوروبي بالفحم والصلب.
إن الأقطار العربية الممثلة بالجامعة العربية تقع ضمن الرقعة الجغرافية التي اسميها الهلال المتأزم. وهي ذلك الإقليم الممتد من شاطئ الأطلسي عند الطرف الشمال العربي لإفريقيا, الذي يتجه إلي الجنوب الشرقي عبر الصحراء الكبري, ثم ينحني إلي الشمال الشرقي, شاملا الكونغو والسودان والقرن الأفريقي وشبه الجزيرة العربية وشمالي القارة الهندية, ثم آسيا الوسطي, إن معظم هذه الدول المجاورة لعالمنا العربي ذوات خلفية حضارية إسلامية واحدة وثقافات متقاربة. وهو متأزم لأنه يكاد لا ينقضي عقد من الزمان من دون اندلاع أزمة فيه أو أزمات تشده إلي النزاع والصراع. فما أحوجنا فيه إلي ما يشبه خطة مارشال لإعادة تأهيل شعوبه المسحوقة في فلسطين والعراق وكشمير والشيشان وغيرها, إلي صناديق زكاة وصدقات لتمويل فيالق سلام, إلي سياسات بعيدة المدي تستند إلي رؤي نافذة, لا سياسات نفط أو أسلحة, وإلي حوارات عربية عربية, وإسلامية اسلامية, إضافة إلي حوارات مع الآخر. وفي هذا الصدد أود أن أنوه بالانجازات التي تم تحقيقها من خلال تجمع هلسنكي للمواطنين والاستفادة منها, فبالرغم من العداوات القائمة كما الحال في البوسنة وكذلك بين أذربيجان
وأرمينيا, فلقد نجحت هذه التجمعات بإيصال فكرة سبل العمل من أجل السلام بالطريق السلمية.
إن احترام قدسية الحياة هو أساس كل المعتقدات العظيمة. فأعمال عنف تجعل من الأبرياء رجالا ونساء وأطفالا هدفا ومأربا, هي أعمال لا يمكن تبريرها. وليس هنالك من مفاهيم وتقاليد دينية تتسامح مع مثل هذا العمل, لا بل أن جميعها تستنكره بصوت عال. فالتعامل الجزئي في مكافحة الإرهاب لن ينفع, ولن ينفع كذلك رد الفعل المبني علي الحدس. ففي أوقات كهذه يسهل التصرف علي الفور, ولكن يجب التفكير حاليا حين اتخاذ قرارات لا رجعة عنها. إن جميع أتباع الديانات السماوية يشتركون في إرث واحد. وعليه فإنه من الواجب عدم جعل سياسات الشرق الأوسط تحول دون قدرة المؤمنين علي أن يتعايشوا, وأن يعملوا سويا. فيجب علينا أن نتمسك دائما بالقيم الأخلاقية المستوحاة من إرثنا المشترك بغض النظر عن مبدأ الحقوق المتناقضة ونسبية عدم العدالة اللتين لا تزالان تفصلاننا عن بعضنا البعض, إن سيل الدماء ليس بجواب.
هناك حاجة ماسة لإيضاح مجموعة القيم التي نؤمن بها لشعوبنا أولا وللناس كافة. ولذلك لا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال إيجاد أرضيات مشتركة للحوار المؤسس علي قاعدة الحرية المسئولة. فإن ما نحن بحاجة إليه جدول أعمال مشترك بعد عن الاستقطابات, وإجماعي تعاقدي يرتكز بالأساس علي أهمية إعادة العدالة إلي المواطن العربي.
المصدر جريدة الاهرام
|