الموضوع: اخــترت لـك
عرض المشاركة وحيدة
  #75  
قديم 13/03/2004, 11:00 AM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
قضايا و اراء
42831 ‏السنة 128-العدد 2004 مارس 13 ‏22 من محرم 1425 هـ السبت


نحو التعاون العربي المتكافل
بقلم‏:‏ الحسن بن طلال



إن التحديات التي تواجه الأمة العربية‏,‏ وكذلك التحديات التي يواجهها عرب المهجر‏,‏ والفساد بصوره المختلفة‏,‏ أدت لدعوة زعماء العالم لصياغة عبارات جديدة عن الشرق الأوسط الكبير‏.‏ فمحاولة الخروج العربي من دائرة التأثر إلي دائرة التأثير أوجدت ضرورة إصلاح توجه الجامعة العربية وتحصين مضمونها كما هو متوقع في طرح المبادرة السعودية‏-‏ المصرية‏-‏ السورية علي مؤتمر القمة العربي المنعقد في تونس نهاية شهرمارس‏.‏
إذا عدنا إلي البدايات فإن العمل العربي المشترك‏,‏ بدأ في بروتوكول الإسكندرية عام‏1944,‏ وتضمن مبادئ أدت إلي قيام جامعة الدول العربية‏,‏ لتحقيق التعاون في المجال الثقافي والاجتماعي والاقتصادي‏,‏ وفي عام‏1950‏ أقر مجلس الجامعة العربية معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي بين البلاد العربية‏,‏ الذي يعتبر الحد الأدني للتفاعل والمساندة المتبادلة‏,‏ كما أنه الخطوة الأولي علي طريق التكامل الاقتصادي العربي‏.‏ ولكن ضعف الإرادة السياسية العربية التي لم تصل إلي المستوي المطلوب لتنفيذ التزامات العمل القومي العربي بشتي الصعد‏,‏ مع غياب الفهم الدقيق لمعدلات العلاقات الدولية‏,‏ كشفت هشاشة النظام الإقليمي العربي وغيبت مفهوم الصالح العام في التعامل‏.‏ لقد كتب الكثير في سلبيات العمل العربي المشترك‏,‏ وفي عجز الجامعة ومؤسساتها عن تحقيق الأهداف التي تأسست من أجلها‏.‏ ولكن ما نحتاج إليه في ظل هذه الظروف‏,‏ هو النظرة الإيجابية لكيفية تطوير مؤسسات العمل الجماعي بما يخدم الإنسان العربي‏.‏

كما هو واضح من واقع الحال‏,‏ فإن تفعيل اتفاقيات العمل العربي المشترك‏,‏ تحتاج إلي إرادة سياسية جامعة من قبل الأنظمة العربية‏.‏ فعدم وجود تعريف لإقليمنا هذا المدعو بالشرق الأوسط‏,‏ وعدم التغيير في العلاقات البينية العربية بالرغم من أن النظرة العالمية للأمة العربية قد تغيرت وتحول مع هذا التغير مفهوم الحوار بين الحضارات إلي الهيمنة الحضارية من قبل الطرف الأقوي‏,‏ يستدعي توقفنا وقفة جادة للتعامل مع قضايانا الأساسية بشكل عملي ضمن الانفتاح علي العالم‏.‏ فمن الطبيعي إذا‏,‏ أن نبدأ من انتهاج الوسطية العقلانية‏,‏ التي يجب أن تكون سبيلنا الأوحد للإعلاء من الشوري والديمقراطية والتعددية‏,‏ والحيلولة دون الشرذمة الطائفية والمذهبية والإقليمية‏,‏ من خلال الاختلاف الواعي الذي يرسخ الصالح العام‏,‏ ونبذ الاجندات الخاصة وذلك للتلاقي مع القيم الإنسانية التي بقيت علي مر العصور جزءا من الوعي الإنساني الجماعي‏.‏ إننا نستطيع التكلم بإسهاب عن الكثير من الأنظمة‏,‏ أكانت منها السياسية أم الاقتصادية أم التكنولوجية‏,‏ ولكننا عندما يتعلق الأمر بالإنسان العربي‏,‏ نجد دائما صعوبة بالغة في إيجاد نظام يرتكز علي كرامة الإنسان وذلك لغياب القيم المشتركة وكذلك غياب الضمير العالمي‏,‏ ولكن لكي لا نبقي مع النظارة والمتفرجين‏,‏ بعيدين عن دائرة الفعل والتأثير‏,‏ علينا أن نتجه نحو التشبيك‏-‏ عربيا وعالميا‏-‏ مع تجمعات ومنظمات تهدف إلي ماتهدف إليه من خلال برامج عملية مدروسة تنأي عن التطرف وتكون جزءا من الحركة الوسطية العالمية‏.‏ لقد كنا كعرب وأعضاء في الجامعة العربية في السابق‏,‏ مع مفهوم عدم الانحياز إلي هذه القوة العظمي أو تلك‏,‏ وتعلمنا الكثير من الدروس والعبر من خلال نهجنا هذا‏,‏ ولكن تحديات هذا القرن تفرض علينا أن نكون مبادرين بحركة عالمية تنحاز من حيث المبدأ إلي السلام وثقافة السلام بإطلاق خريطة طريق اقتصادية واجتماعية محورها كرامة الإنسان واحتياجاته‏,‏ وغايتها صنع السلام المتجذر في الأفئدة والعقول‏.‏ سواء كان هنالك حديث عن شرق أوسط جديد أو كبير والذي لايزال حتي في هذه الصيغ غير معرف‏,‏ فلابد لنا من أن نكرس في مجتمعاتنا العربية ثقافة المشاركة التي تقوم علي احترام حقوق الإنسان‏,‏ ومشاركة الفرد في شئون مجتمعه‏.‏ فإن ثقافة كهذه تغري بالاستثمار من أجل التنمية‏,‏ وتعزز الثقة بالمناخ الاقتصادي والاجتماعي والسياسي في أقطارنا‏,‏ كما أنها تضمن سلامة المسيرة ال
إنمائية والاقتصادية المتسارعة‏,‏ وعدالة توزيع مردودها‏.‏ إن الأمن الأساسي الذي يجب أن نأخذه بالاعتبار من خلال أطروحاتنا لا يتعلق فقط بالحرمان‏,‏ والجوع‏,‏ وفقدان المؤن‏,‏ ولكن أيضا بالحرمان للمواطن من المشاركة في بناء مجتمعه‏.‏
إن الثقافة هي القاسم المشترك الأعظم الذي يحدد هوية الفرد الواحد منا‏,‏ وهوية الأمة علي حد سواء‏,‏ كما أن التنوع الثقافي مصدر قوة وإلهام إذا ما أحسن توظيفه‏,‏ وفي هذا السياق لطالما تذمرنا من أن النمط الغربي وعالمنا المعولم يملي إملاء علينا حتي عن طريق ما يسمي المجتمع المدني العولمي‏.‏ ولكن إذا لم ينم المجتمع المدني أو الأهلي في بلداننا من القاعدة إلي القمة عبر القناعات المحلية وقناعات الجماهير‏,‏ وأيضا من خلال تعدد الحداثات‏,‏ حينئذ سيكون من الصعب فعلا أن نناوئ بنجاح التيارات السلبية للعولمة‏,‏ قد لا نستطيع أن نغير مجري التاريخ‏,‏ إلا أننا مطالبون بأن يكون لنا قولنا في هذه الحقبة العصيبة ومطالبون أيضا لإطلاق طاقات الشباب العربي خارج أطر الانكفاء والعزلة والإقصاء‏,‏ للتعاون والحوار الفاعل المتفاعل مع شباب العالم من أجل توضيح وجهنا الإنساني والثقافي‏.‏ إنه مما لاشك فيه‏,‏ أن الشباب هم الذين سيرسمون صورة ثقافتنا في العقود القليلة القادمة‏.‏

علينا أن نعني بشكل جاد‏,‏ في عصر المعلوماتية هذا‏,‏ بتوفير قاعدة معلوماتية دقيقة مبنية علي أسس موضوعية وعلمية توضح بإسهاب احتياجات ومتطلبات الدول العربية‏,‏ وكذلك إنجازاتها‏.‏ وقد تنشأ هذه ضمن إطار يعني بحوار السياسات والسيناريوهات يكون معلما من معالم كل قطر من أقطارنا‏,‏ علي أن ينتظم عقدها في اتحادنا عبر القطري والممثل بالجامعة العربية‏.‏ كما أنه وفي رأينا‏,‏ قد حان الأوان لأن نبادر إلي تأسيس هيئات عبر قطرية للمياه والطاقة والبيئة‏,‏ بمفهومها الإنساني الواسع‏,‏ وذلك علي غرار ما أنجزه الاتحاد الأوروبي بالفحم والصلب‏.‏
إن الأقطار العربية الممثلة بالجامعة العربية تقع ضمن الرقعة الجغرافية التي اسميها الهلال المتأزم‏.‏ وهي ذلك الإقليم الممتد من شاطئ الأطلسي عند الطرف الشمال العربي لإفريقيا‏,‏ الذي يتجه إلي الجنوب الشرقي عبر الصحراء الكبري‏,‏ ثم ينحني إلي الشمال الشرقي‏,‏ شاملا الكونغو والسودان والقرن الأفريقي وشبه الجزيرة العربية وشمالي القارة الهندية‏,‏ ثم آسيا الوسطي‏,‏ إن معظم هذه الدول المجاورة لعالمنا العربي ذوات خلفية حضارية إسلامية واحدة وثقافات متقاربة‏.‏ وهو متأزم لأنه يكاد لا ينقضي عقد من الزمان من دون اندلاع أزمة فيه أو أزمات تشده إلي النزاع والصراع‏.‏ فما أحوجنا فيه إلي ما يشبه خطة مارشال لإعادة تأهيل شعوبه المسحوقة في فلسطين والعراق وكشمير والشيشان وغيرها‏,‏ إلي صناديق زكاة وصدقات لتمويل فيالق سلام‏,‏ إلي سياسات بعيدة المدي تستند إلي رؤي نافذة‏,‏ لا سياسات نفط أو أسلحة‏,‏ وإلي حوارات عربية عربية‏,‏ وإسلامية اسلامية‏,‏ إضافة إلي حوارات مع الآخر‏.‏ وفي هذا الصدد أود أن أنوه بالانجازات التي تم تحقيقها من خلال تجمع هلسنكي للمواطنين والاستفادة منها‏,‏ فبالرغم من العداوات القائمة كما الحال في البوسنة وكذلك بين أذربيجان
وأرمينيا‏,‏ فلقد نجحت هذه التجمعات بإيصال فكرة سبل العمل من أجل السلام بالطريق السلمية‏.‏
إن احترام قدسية الحياة هو أساس كل المعتقدات العظيمة‏.‏ فأعمال عنف تجعل من الأبرياء رجالا ونساء وأطفالا هدفا ومأربا‏,‏ هي أعمال لا يمكن تبريرها‏.‏ وليس هنالك من مفاهيم وتقاليد دينية تتسامح مع مثل هذا العمل‏,‏ لا بل أن جميعها تستنكره بصوت عال‏.‏ فالتعامل الجزئي في مكافحة الإرهاب لن ينفع‏,‏ ولن ينفع كذلك رد الفعل المبني علي الحدس‏.‏ ففي أوقات كهذه يسهل التصرف علي الفور‏,‏ ولكن يجب التفكير حاليا حين اتخاذ قرارات لا رجعة عنها‏.‏ إن جميع أتباع الديانات السماوية يشتركون في إرث واحد‏.‏ وعليه فإنه من الواجب عدم جعل سياسات الشرق الأوسط تحول دون قدرة المؤمنين علي أن يتعايشوا‏,‏ وأن يعملوا سويا‏.‏ فيجب علينا أن نتمسك دائما بالقيم الأخلاقية المستوحاة من إرثنا المشترك بغض النظر عن مبدأ الحقوق المتناقضة ونسبية عدم العدالة اللتين لا تزالان تفصلاننا عن بعضنا البعض‏,‏ إن سيل الدماء ليس بجواب‏.‏

هناك حاجة ماسة لإيضاح مجموعة القيم التي نؤمن بها لشعوبنا أولا وللناس كافة‏.‏ ولذلك لا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال إيجاد أرضيات مشتركة للحوار المؤسس علي قاعدة الحرية المسئولة‏.‏ فإن ما نحن بحاجة إليه جدول أعمال مشترك بعد عن الاستقطابات‏,‏ وإجماعي تعاقدي يرتكز بالأساس علي أهمية إعادة العدالة إلي المواطن العربي‏.‏






المصدر جريدة الاهرام