الموضوع: اخــترت لـك
عرض المشاركة وحيدة
  #70  
قديم 26/02/2004, 04:36 PM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
البكاء امام جثة التراث بين العلمانية وبعبع الديمقراطية
2004/02/13

عبد العزيز بن محمد الخاطر


عبر التجربة التاريخية التي انتجت ما يسمي بالديمقراطية ثمة ارتباط بين هذا المفهوم ومفهوم اخر هو العلمانية او علي الاقل احد مضامينها او تفسيراتها. والملاحظ اليوم ان محاولات اقلمة هذا المفهوم وهو الديمقراطية عربيا واسلاميا باءت بالفشل او في طريقها الي ذلك، الامر الذي ادي ويؤدي الي ازدياد تناول واستخدام المفهوم الثاني وهو العلمانية كشرط لابد منه لتمكين المفهوم الاول وهو الديمقراطية من الاستيطان في البيئة العربية والاسلامية. لعل احد تفسيرات العلمانية هو ما يلزم لقيام الديمقراطية وهو المتضمن حيادية الدولة امام الاديان في المجتمع. لان التفسيرات الاخري التي تصفها بمعاداة الدين او توصمها بالالحاد لا يمكن بحال من الاحوال استيعابها ضمنيا داخل مجتمعات هي متدينة بالفطرة كما ان التفسير القائل بحيادية الدولة امام الاديان يعني من ناحية اخري قيام المواطنة الحقة لافراد المجتمع دون تمييز. حتي مع هذا التفسير المتعلق بمفهوم العلمانية تبرز تحديات لا يمكن معها وبسهولة استيعابه في عالمنا العربي والاسلامي اول هذه التحديات هي مع الاكثرية ذات الدين الواحد وهو الاسلام في عالمنا العربي والاسلامي حول الصياغة الدستورية لمحتوي حيادية الدولة والتحدي الاخر هو مع النخب الحاكمة التي لن تقبل مبدأ المواطنة الحقة بين جميع افراد المجتمع وان صرحت بذلك علنا الا انها تعني في الاساس ما دونها كطبقة متعالية لا يمكن المساس بها فهي فوقية ذات ارث تاريخي الهي مكتسب. من هنا تأتي صعوبة التأصيل لمفهوم الديمقراطية في عالمنا العربي والاسلامي رغم ما قيل وما يقال وما يكتب ليلا ونهارا عنه. ما يخيف الغرب اليوم ليس هو غياب الديمقراطية حيث يمكن اعتبار ذلك مدخلا لكثير من التدخلات وفرض الحلول وتغيير الديمغرافيا والجغرافيا في هذه المنطقة او تلك من هذا العالم العربي الاسلامي، ولكن الذي يخيفه فعلا هو تطبيق الديمقراطية الاجرائية دون وجود او تطبيق لقيمها ومبادئها التي قامت عليها هذه الاجراءات، فما الذي يمكن ان يحمله تطبيق الديمقراطية الاجرائية من انتخابات وصناديق اقتراع في ظل الفشل التنموي في هذا العالم؟ ولعل ما حصل في الجزائر في اول التسعينيات يعتبر مثالا واضحا لما سيكون عليه الامر في حالة عدم توافق اساسي اولي بين مفهوم العلمانية والديمقراطية كما فهمها وطبقها الغرب. سيكون الاكتساح كبيرا للقوي الاسلامية وللمد الاسلامي الجارف بعد فشل المشاريع السياسية الاخري. والغرب علي ادراك كامل بهذا، لذلك يشرع اليوم لتوطين مفهوم او مصطلح الديمقراطية من خلال ربطه بمفهوم العلمانية الملازم له والضروري لانباته صحيا طبقا للمواصفات الغربية التاريخية. في ظل هذا الوضع يجد العالم العربي والاسلامي نفسه عاجزا عن ايجاد البديل الخاص به بالرغم من طرح مفهوم الشوري الا انه لم يتفق علي آلية واضحة عصرية تأخذ بامتزاج الثقافات المعاصرة بشكل لم يسبق له مثيل في التاريخ بعد سقوط الاسوار وتحطم الجدران وتآكل الحدود. فالامة اليوم بين خيارات محدودة فقط اما الاخذ بالديمقراطية الغربية ممزوجة بشكل من اشكال العلمانية الذي ينص علي حيادية الدولة وقيام المواطنة الحقة لجميع افراد المجتمع او ايجاد البديل الحضاري الاسلامي الذي يتفق ومتطلبات العصر فعليا ويسمح بالتعدد والتجدد وقابلية الانسياب مع حركة التاريخ.
فزرع التربة الديمقراطية في هذه المنطقة يتطلب اقامة وعاء ثقافي وفكري جديد هو بالضرورة ذو علاقة بفكرة العلمانية من حيث هي حالة من التسامح والمساواة بين افراد المجتمع وبين ما يعتنقونه من عقائد واديان وليس ادل علي ذلك من مراجعة المناهج التعليمية لان الغرب يعلم انه بدون ذلك وبالاكتفاء باجراءات الديمقراطية فقط سيعيد انتاج كتل تتصادم معه منتخبة ديمقراطيا فأزمته هناك ستكون اعم واشمل. اما من جانبنا فالاكثار من الحديث عن الديمقراطية وكأنها طوق النجاة دونما التنبه والوعي باساسها التي تقوم وترتكز عليه وهو العلمانية من حيث هي ـ مفهوم عريض ومتشعب يمكن التعامل معه بلطف او بحدية ـ ولكن لا بديل عن وجوده بشكل او بآخر، فذلك يدل علي عدم فهم تاريخي لنشأة هذا المفهوم.
ومن المعروف ان صور الديمقراطية في العالم الراهن تختلف من مجتمع الي آخر ولكنها جميعا تتفق علي اساسها العلماني. ان عدم ايجاد صورة عصرية لمصطلح الشوري وتطويره بشكل يستوعب مفاهيم العصر من مواطنة ومساواة جعل الامة في وضع لا تحسد عليه بين الاستيراد الناقص لمستلزمات العصر الفكرية بعد ان اوغلت في استيرادها لمستلزماته ماديا وبين ضياع تراث كان الممكن ان يغنيها لو احسنت استغلاله بدلا من الاقتتال حوله وهو جثة هامدة.


ہ كاتب من قطر

القدس العربى
8