الموضوع: اخــترت لـك
عرض المشاركة وحيدة
  #95  
قديم 01/05/2004, 08:22 PM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Wink

الصحافة بين حرية التعبير وحرية التشهير
2004/05/01

أحمد السطاتي
من الحريات التي تميز مجتمعات التقدم حرية التعبير، فالتقدم في جانب مهم منه يقوم علي الحوار والتواصل وتبادل الرأي، إذ كل إنسان محمّل بطاقات شعورية تريد أن تعبر عن نفسها بالكلمة والكتابة والصورة والحركة وما إلي ذلك من صنوف التعبير وأشكاله. وكل تعطيل لهذه الطاقات بفعل إرادي أو إجباري يحد من إبداع الانسان وقدرته علي العطاء والابتكار ويدنيه من مملكة الحيوان.
من تجليات حرية التعبير الكلمة المنطوقة والمكتوبة.
ومن الثابت أن الانسان في خلواته وتوحده يكلم نفسه ويحدثها بحرية، فلا قيود إطلاقا علي عالمنا الداخلي، لكن الأمر يختلف عندما نهم بمخاطبة غيرنا أو نحدثه بما يجول في خاطرنا حيث نقيم وزنا للرقابة السياسية والاجتماعية ولقواعد التربية والاخلاق السائدة، والتي تحدد ما يجب، وما لا يجب أن نبوح به. وغني عن البيان أن التقدم لا يتحقق في مجالات البحث والمعرفة ومختلف النشاطات الاقتصادية والاجتماعية وغيرها، إلا إذا رفعت الرقابة والقيود عن حرية الفكر والتعبير. وقد ناضل الانسان طويلا للفوز لهذه الحرية. ففي مراحل قاسية من تاريخ البشرية لم يكن حق الحرية في التعبير متاحا ومشاعا للجميع، كان للكلام كواحد من تجليات التعبير ملوك وأباطرة وكنهوت يحتكرونه، لهم وحدهم أن يتكلموا وعلي الآخرين أن يسمعوا.
في العالم الحر باتت حرية الكلمة والتعبير حتما حقا مشاعا أنشئت لها قنوات ومنابر ومؤسسات من خلالها يمكن للأفراد والجماعات أن يعبروا عن آرائهم وهمومهم واهتماماتهم ومن أهم هذه المنابر الصحافة، وأقصد بذلك الصحافة الحرة التي أخذت تشكل في العالم الحرب سلطة رابعة لا يحيلها بالطبع إلي سلطة مطلقة، فالحرية لا تعني التحرر من كل القيود، تحرير الانسان من الاكراه والالزام لا يعني تحلله من أي التزام.
أنت حر فأنت مسؤول عن الفعل الذي صدر عنك وأضرّ بغيرك، لأنك كنت قادرا علي تركه بمقتضي الحرية التي تتمتع بها، وقبل أن يكون الانسان مسؤولا أمام القانون، الذي هو تعبير حر عن إرادة الأمة، هو مسؤول بدرجة أكبر إزاء ضميره الاخلاقي والمهني، والذي يشكل الضمانة الكبري ضد طيش الأصم ووساوس النفس الأمّارة.
يكمن دور الصحافة في التوعية والتنوير وتزويد المواطن بالاخبار الصحيحة التي لا يُراد إخباره بها وفتح بصره وبصيرته علي ما يراد له وما يراد به من طرف القائمين علي تدبير الشأن العام. لها أن تفضح الفساد والرشوة والتبذير وسوء التسيير والشطط في استعمال السلطة. فمن حق المواطن أن يعرف الحقيقة دون وصاية وأن يتواصل مع العالم بدون رقابة.
الحقيقة لا تؤلم ولا تضر إلا أهل الباطل، وفضح الفساد لا يتأذي منه سوي الفاسدين، بيد أن الصحافة تزلّ وتخطئ طريقها إذا اعتمدت الكذب والتضليل والقذف وأباحت لنفسها الخوض في أعراض الناس والمس بشرفهم.
قد يدعي الصحافي أن الحقيقة هي ضالته المنشودة يركض وراءها ركضا دائما، لكن ثمة حقائق لا تستحق الركض ولا الكشف مادامت لا تضر ولا تنفع، من حقي مثلا أن أكره زيدا أو أحب عمرو، لكن ليس من واجبي، أن أعلن هذه الكراهية علي الملأ وأطالب بتعميمها. فتلك عاطفة لا تخص أحدا سواي يمكن أن أتداولها مع من يحسون نفس إحساسي لكي لا أرفعها إلي درجة الحقيقة المطلقة، إلا إذا اعتبرت نفسي مقياسا مطلقا للحقيقة، ذلك أن الحقيقة في الحكم علي الناس هي ما يقع عليه إجماع الناس، وإن كان الأمر لا يخلو من تجوّز.
قد يقال ليس من الظلم ولا من القذف أن تنعت الانسان بأوصافه التي هو عليها، فمن المؤكد أن الظلم صفة مكروهة وفعل ضار مع ثبوت المحبة. التنديد بها مطلوب وواجب، لكن ليس من الخلق ولا من الواجب أن تقول للأعمي أو الاعرج أو المعوق عموما : إليك عني وتسخر منه بحجة أنك لا تنعته إلا ماهو عليه، وأن تلك هي حقيقة التي لا ينبغي أن يضجر منها. الكشف عن مثل هذه الحقائق يكشف نية خبيثة ورغبة وإيذاء الغير وإهانته ليس إلا.
الصحافة التي يرمي الجميع إلي حمايتها من شطط السلطة وتعسفاتها يجب ألا تسقط في الكذب وتخريب البيوت والتعريض بأعراض الناس وكذلك الحرمات وتشويه الحقائق لقاء ربح سياسي رخيص أو مكافأة دنيئة. علي الصحافي أن يدرك يوما أن ثمة خيطا رفيعا مثل الشعرة بين حرية التعبير وحرية التشهير، وأن يتذكر قول المتنبي :
جراحات السنان لها التئام
ولا يلتئم ما جرح اللسان.

كاتب من المغرب

القدس العربى 1/5/2004