الموضوع: اخــترت لـك
عرض المشاركة وحيدة
  #81  
قديم 31/03/2004, 11:55 AM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
متي يعلنون وفاة التليفزيون المصري؟!
2004/03/31


سليم عزوز

النقد الجاد لأداء التليفزيون المصري محفوف بالمخاطر، لان القائم علي امره هو الرجل القوي في مصر السيد الأستاذ الرائد متقاعد صفوت الشريف، وهو رجل مبدع.. وفي كل شيء، ويكون مبدعا غاية ما يكون الإبداع وهو ينتقم من خصومه، الذين يتصورون ان الديمقراطية المصرية الخلاقة تسمح بالاقتراب من رحابه.. الطاهرة طبعا !
وقد جربت هذا الاقتراب وتلقيت تحذيرا لم آبه به، وكان الرد رادعا وصاعقا، وعندما تلقيت عرضا من القدس العربي للكتابة في هذا الباب فضائيات وارضيات وجدتني اردد اغنية جرح تاني مع المطربة المصرية المستجدة التي يذكرنا نجاحها بالقول المأثور: وعزتي وجلالي لأرزقن من لا حيلة له حتي يتعجب من ذلك أصحاب الحيل !
وفي الواقع فان مشكلتي مع نفسي، لاني صعيدي الذي علي قلبي علي لساني، وشعاري في الحياة: ليس لدي ما اخسره ، وزاد الطينة بلة ان أصبحت تحت يدي مساحة متخصصة في النقد التليفزيوني، وانا من المتابعين للحال المائل للتليفزيون المصري العملاق، وان كنت لم اعد من مشاهديه كما كنت في السابق، لان من مشاهدته باستمرار خشيت ان يكون عقلي قد أصابه الخفيف !
التليفزيون المصري الباسل راحت عليه ، وقد اصبح وجوده في حياتنا نحن المصريين فيه اكبر إساءة لنا، ولن أتحدث عن حضارة آلاف السنين، ولا عن ان التليفزيون المصري بث إرساله بينما هناك دول كانت لا تعرف كيف تتعامل مع أحذيتها، وهل تضعها في الأقدام ام فوق الرؤوس، فهذا كلام لا يؤخر ولا يقدم، فالشاعر الذي لا يحضرني اسمه الان ولا شكله قال: ليس المرء من يقول كان ابي وجدي. فما يعنيني هنا انه بسبب حال تليفزيوننا الذي لا يسر عدوا ولا حبيبا، أصبحت النظرة الي الإعلامي المصري لا تتسق مع قدراته، ولهذا تتهافت الفضائيات الجديدة علي الشوام، لان أصحاب هذه المحطات معهم عذرهم ان تصوروا ان التليفزيون المذكور يعكس قدرات العاملين فيه!
وان كانت التجربة قد اثبتت ان هذه النظرة ليست في محلها ، فالمذكور لا يعكس الا قدرات قياداته بقيادة المهيب الرائد صفوت الشريف، فهناك كثيرون قد اثبتوا جدارة خارج أسواره، ولعلنا نذكر ان المسئول عن قطاع الأخبار في قناة الجزيرة كان مصريا، وقد عمل في مصر فلم يكن يعرفه أحد، ولم يكتشف نبوغه مخلوق، وهو الذي كاد سمو الرائد ان يسحب منه الجنسية ويقدمه للمحاكمة بتهمة الخيانة العظمي، بحجة انه يعمل في قناة تهاجم مصر، وقد ناشد سموه الكتاب والمفكرين المصريين الا يشاركوا في برامجها علي أساس انها لم تقم الا علي عاتقهم، ولم تثبت نجاحا الا بالاستعانة بهم، ولم يسأل أحد سيادته ما دام الامر كذلك فلماذا لم يستعن بهم تليفزيونه لعله ينجح ويصبح جديرا بمصر وبتاريخها، ولماذا تقتصر استضافته في البرامج علي الهاجع والناجع والنائم علي صرصوره، ومن ثبت ـ بحكم القضاء ـ انهم يدفعون مقابل ظهورهم، مع ان المتعارف عليه ان المصدر يحصل علي اتعاب مقابل ظهوره وليس العكس!
وفي الواقع ان هذه الغضبة التي بدت علي الوجه الكريم لسعادة الوزير وهو يهدد ويتوعد، وهو ايضا يستجدي ويستعدي الكتاب والمفكرين المصريين، لم يكن لمصر فيها نصيب، فقد كان المحرض عليها هي الغيرة من ان تتفوق علينا قطر بقناتها التي هي مثل علبة الكبريت . ويلاحظ هنا ان يسري فوده الذي اثبت وجوده ونجوميته في قناة الجزيرة كان يعمل في قطاع الأخبار بالتليفزيون المصري، ولم يكن يعرفه انس ولا جان، ولو ظل في وظيفته لمات دون ان يسمع به احد، الامر الذي يؤكد ان المشكلة ليست في الإعلاميين، ولكن في القيادات الفاشلة، والتي شاخت في مواقعها ـ وهو الامر الذي يؤكد أيضا ان الغضبة كان لها ما يبررها، فنجاح الجزيرة كان كاشفا عن ان الفشل يرجع الي أصحاب القرار (الذين لم تعد لديهم القدرة علي ان ينافسوا خصما او يكيدوا عزولا) وليس في العاملين في عزبتهم!
وقد سعوا الي المنافسة، وهم لا يملكون متطلباتها، ولان الرغبة وحدها لا تكفي فقد فشلوا، وتحولنا بسببهم الي مسخرة يتغني بها الركبان، فالمحاولة كانت كمن شرب كوبا من اللبن الحليب، وظن انه بذلك اصبح اقوي رجل في العالم ونزل ليصارع محمد علي كلاي في عز مجده.. انظر الي المشهد لو ان هذا قد حدث، حتي تعلم حال تليفزيوننا العملاق وهو ينافس ويدوحر ويحاول علي طريقة شد الحبل !
في الأحداث المهمة والمفاجئة فان التليفزيون يصبح في حال يصعب فيه علي الكافر، ففي الأسبوع الماضي عندما ارتكب العدو الإسرائيلي جريمة اغتيال الشيخ احمد ياسين، كان التليفزيون المذكور اخر من يعلم، وقد سقطنا في الامتحان بجدارة، ولم نكن نحتاج الي امتحان من أي نوع لنكتشف فيه ان القوم لم تعد لديهم القدرة علي ان يصلبوا طولهم ، ولعلنا نذكر ان حاله كان يثير الضحك ـ علي اعتبار ان شر البلية ما يضحك ـ عندما وقعت أحداث البرجين، فقد كان تصرف القائمين عليه كمن تتخبطهم الشياطين من المس، ويكفي ان ألفت النظر هنا، الي انهم كانوا ـ طبعا بعد ان ذهبت السكرة وحلت الفكرة ـ ينقلون من الـ سي ان ان بشكل مضحك، فلم يعد خافيا علي احد ان هذا الحدث كان تكريسا لمكانة الجزيرة ودليلا علي نجاحها، ولم يعد ينفع في الامر، ان يخرج أكاديمي كالنائحة المستأجرة او كاتب يخطب ود صاحب ماسبيرو ليؤكد ان الجزيرة قناة فاشلة وان أعجبت العوام والدهماء!
لقد كانت الـ سي ان ان تنقل عن الجزيرة ولم تجد في ذلك حرجا، ولان تليفزيوننا الباسل كان يري ان النقل عنها عيبة في حق اقدم تليفزيون اخرج للناس، فقد تم التحايل علي ذلك بحيلة تنتمي الي قبيلة الماسخر حماها الله ـ القبيلة وليس الماسخر ـ حيث كانت الأحداث يتم نقلها من الـ سي ان ان ، والتي تنقلها من الجزيرة، ولان المحطة الأمريكية كانت تترجم تعليق المذيع الي الإنجليزية، فقد كان القوم عندنا يترجمون الترجمة، لنسمع هيصة ، فالمذيع الجزيري يتحدث بالعربية، والأمريكي يترجم عربيته الي الإنجليزية، والمصري يترجم الإنجليزية الي العربية، ضوضاء ما بعدها ضوضاء وكأننا في مولد سيدي احمد البدوي!
ولم يكن اداء التليفزيون التاريخي بأحسن حالا في أحداث الحرب علي العراق، وان كانت هناك مفارقة واضحة الدلالة هنا!
ففي أحداث البرجين وملحقاتها كان هناك اعتراف ضمني بالعجز، وكانت هناك محاولة خائبة لتبريره، اما في أحداث العراق فقد اتحفنا احد كبار صغار المسئولين بقولـه الذي قطع قول كل خطيب: (اننا تفوقنا علي الجزيرة و العربية ).. وهي بجاحة أخرست الجميع، ولعل هذا هو السبب في ان أحدا لم يعلق علي وكستنا في حادث استشهاد الشيخ احمد ياسين!
وان كنت اعتقد ان هذا الصمت المريب راجعا الي اعتقاد الجميع ان التليفزيون المصري قد مات ولم يبق الا إعلان ذلك، فمتي يعلنون وفاته ـ يرحمه الله ـ حتي نستريح؟



كاتب وصحفى مصرى