فنجان قهوة
السعادة والمال ............................ أبو خلدون
عندما نقول إن المال نقمة لا نعمة، وأن صاحبه يظل دائما مشغول البال، يضحك الفقراء ويقولون: من هو الذي يعاني من انشغال البال؟ الفقير الذي يمضي وقته بالتفكير بوسيلة للهروب من وجه البقال وتأمين قسط المدارس لأولاده، وينام وهو يتساءل: كيف أدبر رغيف الخبز لعائلتي غدا؟ أم الغني صاحب المال الذي ينام هانئاً على فراش من حرير، لأن كل حاجاته ومتطلباته متوافرة؟ ثم يردفون: “يا سيدي أعطنا مالا وأشغل بالنا كما تريد” ولكن الأمريكي الفقير جاك وايتيكر اكتشف بالدليل الملموس أن المال يفسد الحياة بالفعل، ويشغل الفكر، ويجلب كل المتاعب لصاحبه. وجاك وايتيكر كان عاملا بسيطا لا يملك شروى نقير، كما يقولون، ولكن حياته تغيرت عندما فاز بالجائزة الكبرى في اليانصيب، التي تقدر بما يزيد على 300 مليون دولار، وعندما نشرت الصحف خبر فوزه وصفته بأنه “أسعد الناس حظا في العالم”، ولكن الرجل يقول ان حظه السعيد بدأ يريه الجانب الآخر من الحياة، الجانب الأكثر سوءا مما كان يتصور، فقد تغيرت تصرفاته، وتغيرت تصرفات الناس معه، وبعدما كان هادئ البال، مرتاحاً، ومحبوباً من الجميع، صار الكل إليه بتوجس، وينتظر فرصة لسرقته واستغلاله. وجاك وايتيكر، او جاك الطيب، كما يدعو أصدقاؤه، متزوج، وكان سعيداً في حياته العائلية، وبعد الفوز بالجائزة قرر الحصول على قيمتها دفعة واحدة. وعندما دخل المبلغ حسابه في البنك، تغيرت حياته تماما، فقد انصرف الى اللهو والشراب والحفلات والقمار وملاحقة فتيات أصغر من أصغر بناته، كما دخل في إشكالات قانونية كثيرة.
وفي مارس/ آذار الماضي، رفعت عاملة في احدى المحلات قضية ضده اتهمته فيها بأنه وجه اليها عبارات مهينة، كما اتهمته مندوبة إحدى الجمعيات الخيرية بمحاولة التحرش بها، والتهمتان غير صحيحتين بالطبع، والهدف منهما هو الحصول على بعض المال فقط، وقبل ذلك سرق اللصوص مبلغ 85 ألف دولار وساعة ذهبية ومعطفا من جلد النعام من سيارته، عندما كانت السيارة مركونة أمام منزله، وعندما سألته مندوبة إحدى الشبكات التلفزيونية المحلية: “لماذا تترك مثل هذا المبلغ الكبير في سيارتك؟ أجاب: منذ أجريت عملية جراحية في القولون صرت أحس بالتعب إذا قمت بأي مجهود، ولذلك أبقي مبلغا كبيرا لكي لا أضطر للعودة الى المنزل كلما احتجت الى مال”.
ومع ذلك تظل كل هذه الاشياء بسيطة بالنسبة لما حدث بعد ذلك. فقد اتهمه عامل ملهى بتهديده بالقتل، في محاولة لابتزازه والحصول على بعض المال منه، وبالفعل حصل عامل المقهى على مليوني دولار مقابل التنازل عن القضية وتسوية الأمر خارج المحكمة، وأصيبت شركته بخسائر كبيرة، وفي أغسطس/ آب الماضي، قدم شكوى قال فيها إنه سهر في احد النوادي الليلية، واضطر الى النوم في النادي، فاستغل اللصوص ذلك وسرقوا من سيارته مبلغ 545 ألف دولار، واكتشف السرقة عندما غادر النادي في الساعة الخامسة صباحا، وقد تمكنت الشرطة من استعادة المبلغ، حيث وجدته مخبأ في برميل للقمامة داخل الملهى، ووجهت تهمة محاولة سرقته الى اثنين من العمال.
وباختصار، تحولت حياة الرجل الى سلسلة متصلة من المشكلات، ليس أقلها أن زوجته التي كانت تحبه ويحبها انفصلت عنه وطالبت بنصف ثروته. وأهله يتأمرون باستمرار عليه من أجل الحصول على مال منه، ولكن أصدقاءه يقولون إنه لم يخل تماما من الطيبة، رغم مشكلاته، فقد أنشأ بعد فوزه بجائزة اليانصيب شركة تدر عليه ما يزيد على 17 مليون دولار يوزع قسما كبيرا من أرباحها على الفقراء والمحتاجين، كما تبرع بمبلغ خمسة ملايين دولار لانشاء مرافق اجتماعية في مدينته وأنشأ جمعية للأعمال الخيرية ومساعدة الطلاب الفقراء بتسديد أقساطهم الدراسية، وهو يساعد الذين يبحثون عن عمل بإيجاد وظائف لهم، ويقول ضابط الشرطة في المدينة: إننا نشعر بالامتعاض من تصرفاته، ولكن حسناته أكثر من سيئاته. وعندما يستعيد الرجل حياته الماضية يقول: لقد كنت أكثر سعادة عندما كنت فقيرا.
الخليج