عرض المشاركة وحيدة
  #5  
قديم 28/08/2006, 12:34 PM
alhabsi2006 alhabsi2006 غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ الانضمام: 05/02/2006
المشاركات: 59
{ وَإِذِ ٱسْتَسْقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْحَجَرَ فَٱنفَجَرَتْ مِنْهُ ٱثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ ٱللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي ٱلأَرْضِ مُفْسِدِينَ } * { وَإِذْ قُلْتُمْ يَامُوسَىٰ لَن نَّصْبِرَ عَلَىٰ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ ٱلأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ ٱلَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِٱلَّذِي هُوَ خَيْرٌ ٱهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ مَّا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذِّلَّةُ وَٱلْمَسْكَنَةُ وَبَآءُو بِغَضَبٍ مِّنَ ٱللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَيَقْتُلُونَ ٱلنَّبِيِّينَ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ ذٰلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ }
قوله: { وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ }. كان هذا وهم في البرية، فاشتكوا إلى موسى الظمأ فسقوا من جبل الطور، أي: من حجر كان موسى عليه السلام يحمله معه؛ فكانوا إذا نزلوا ضربه موسى بعصاه، فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً قد علم كل أناس مشربهم، أي: لكل سبط منهم عين مستفيض ماؤها. وقال الحسن: كانت عصا اعترضها من الشجر.

قوله: { كُلُوا وَاشْرَبُوا مِن رِّزْقِ اللهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ }. قال بعض المفسرين: ولا تسيروا في الأرض مفسدين. وقال الحسن: لا تكونوا في الأرض مفسدين.

قوله: { وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نَّصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا. قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ } يعني بالذي هو خير، المنَّ والسلوى.

قال بعض المفسرين: لما أنزل الله عليهم المن والسلوى في التيه ملّوه، وذكروا عيشاً كان لهم بمصر، فقال الله: أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير. كان قد ظلل عليهم الغمام وأنزل عليهم المنّ والسلوى فطلبوا الذي هو أدنى مما هم فيه. والفوم الحَبُّ الذي يختبزه الناس.

قوله: { اهْبِطُوا مِصْراً } يعني مصراً من الأمصار. وتفسير الكلبي: اهبطوا مصرَ، بغير ألف، يعني مصر بعينها { فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ } إن رجعتم إلى مصر، فكرهوا ذلك. وهي عند الحسن مصرُ هذه.

قوله: { وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ } يعني بالذلة الجزية يستذلون بها. { وَالْمَسْكَنَةُ } ينبئك اليهودي أنه مسكين. { وَبَآؤوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللهِ } يعني استوجبوا غضباً من الله. { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللهِ } يقول: بدين الله. وقال بعضهم: كَانَ خُرُوجُهُمْ إِلَى مصر هذه بأمر الله { وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ }.
{ إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلنَّصَارَىٰ وَٱلصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } * { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ ٱلطُّورَ خُذُواْ مَآ ءَاتَيْنَٰكُم بِقُوَّةٍ وَٱذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }
قوله: { إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا } يعني تهوَّدوا { وَالنَّصَارَى } يعني تنصَّروا. وقال في آية أخرى:
{ وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى }
[المائدة:14] وإنما سمّوا نصارى لأنهم كانوا بقرية تسمى ناصرة، في تفسير بعضهم. { وَالصَّابِئِينَ } هم قوم يقرأون الزبور ويعبدون الملائكة. وقال مجاهد: قوم بين اليهود والمجوس، لا دين لهم. قوله: { مَنْ ءَامَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الأَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ } يعني الجنة عن ربهم { وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ } أي في الآخرة { وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } أي على الدنيا. يعني من آمن بمحمد وعمل بشرائعه. والإِيمان بمحمد أنه رسول الله إيمان بالله.

قوله: { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ } والطور الجبل. { خُذُوا مَا ءَاتَيْنَاكُم } أي ما أعطيناكم { بِقُوَّةٍ } أي بجِدّ. قال بعض المفسّرين: جبل كانوا بأصله. فاقتلع الجبل من أصله فأشرف عليهم به. فقال: لتأخذُنّ أمري أو لأرمينّكم به. وفي تفسير بعضهم: لأرمينّكم به فلأقتلنّكم. وقد فسّرناه قبل هذا الموضع.

قوله: { وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ } أي ما في الكتاب، يعني التوراة، أي احفظوا ما فيه [واعملوا به] { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } أي لكي تتقوا. ففعلوا.
{ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِّن بَعْدِ ذٰلِكَ فَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُم مِّنَ ٱلْخَاسِرِينَ } * { وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ ٱلَّذِينَ ٱعْتَدَواْ مِنْكُمْ فِي ٱلسَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ }
قال: { ثُمَّ تَوَلَّيْتُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ } فنقضتم الميثاق { فَلَوْلاَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ } بعد نقض الميثاق الأول حين اتخذوا العجل ثم عفا عنهم بالتوبة التي أمرهم أن يقتلوا أنفسهم [بها] { وَرَحْمَتُهُ } إذ لم يعجّل عليك بالعذاب { لَكُنتُم مِّنَ الْخَاسِرِينَ } أي من المعذَّبِينَ.

قوله: { وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدُوْا مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ }.

قال الكلبي: ذكر لنا أنهم كانوا في زمان داود بأرض يقال لها أَيْلَة وهو مكان من البحر تجتمع فيه الحيتان في شهر من السنة كهيئة العيد، تأتيهم فيها حتى لا يروا الماء. وتأتيهم في غير ذلك الشهر كل يوم سبت كما تأتيهم في ذلك الشهر. قال بعض أهل التفسير: وذلك بلاء من الله ليعلم من يطيعه ممن يعصيه. قال الكلبي: فإذا جاء السبت لم يمَسّوا منها شيئاً. فعمد رجال من سفهاء تلك المدينة فأخذوا من الحيتان ليلة السبت ويوم السبت. فأكثروا منها وملَّحوا وباعوا. ولم تنزل بهم عقوبة فاستبشَروا وقالوا: إنا نرى السبت قد حلَّ وذهبت حرمته، إنما كان يعاقَب به آباؤُنا في زمان موسى، ثم استَنَّ الأبناءُ سنةَ الآباء. وكانوا يخافون العقوبة، ولو أنهم فعلوا لم يضرَّهم شيءٌ. فعملوا بذلك حتى أَثْرَوا منه، وتزوّجوا النساء، واتخذوا الأموال.

فمشى إليهم طوائف من صالحيهم فقالوا: يا قوم، إنكم قد انتهتكم حرمة سبتكم، وعصيتم ربّكم، وخالفتم سنة نبيّكم، فانتهوا عن هذا العمل الرديء من قبل أن ينزل بكم العذاب؛ فإنا قد علمنا أن الله منزل بكم عذابه عاجلاً ونقمته. قالوا: فلم تعظوننا إن كنتم علمتم بهذا العمل منذ سنين منا، فما زادنا الله به إلا خيراً، وإن أطعتمونا لتفعلُنَّ كالذي فعلنا. وإنما حرّم هذا على من قبلنا. قالوا لهم: ويلكم لا تغتروا ولا تأمنوا بأس الله فإنه كأَنْ قد نزل. قالوا: فـ { لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً }. قال الذين آمنوا: { مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ }. إما أن تنتهوا فيكون لنا أجر، وإما أن تهلكوا فننجو من معصيتكم. قال الله:
{ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ }
[الأعراف: 164-165]، يعني فسق الشرك. فأصبح الذين استحلوا السبت قردة خاسئين.

وقال بعضهم: صاروا ثلاث فرق: فرقة اجترأت على المعصية، وفرقة نهت، وفرقة كفّت ولم تصنع ما صنعوا ولم تنههم، فقالوا للذين نهوا لم تعظون قوماً الله مهلكهم أو معذبهم عذاباً شديداً قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون.

قوله: { قِرَدَةً خَاسِئِينَ }. والخاسىء الذي لا يتكلم وقال بعضهم: فصاروا قروداً تعاوى لها أذناب بعدما كانت رجالاً ونساءً. وقال الحسن: خاسئين: صاغرين.


{ فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ }
قوله: { فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ } الذين بعدهم.


قراءة الآية

فتح صفحة القرآن

الانتقال الى صفحة القرآن

{ وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً قَالُوۤاْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أَعُوذُ بِٱللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْجَاهِلِينَ } * { قَالُواْ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذٰلِكَ فَٱفْعَلُواْ مَا تُؤْمَرونَ } * { قَالُواْ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَآءُ فَاقِـعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ ٱلنَّاظِرِينَ } * { قَالُواْ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ ٱلبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّآ إِن شَآءَ ٱللَّهُ لَمُهْتَدُونَ } * { قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ ذَلُولٌ تُثِيرُ ٱلأَرْضَ وَلاَ تَسْقِي ٱلْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لاَّ شِيَةَ فِيهَا قَالُواْ ٱلآنَ جِئْتَ بِٱلْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ }
قوله: { وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ }.... إلى قوله: { فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللهُ المَوْتَى وَيُرِيكُمْ ءَايَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } أي لكي تعقلوا.

ذكروا عن ابن عباس أنه قال: قتل رجل ابن عمه فألقاه بين قريتين، فأعطوه ديتين فأبى أن يأخذ. فأتوا موسى فأوحى الله إليه أن يذبحوا بقرة فيضربوه ببعضها فشدّدوا فشدّد الله عليهم. ولو أنهم اعترضوا البقر أول ما أمروا لأجزاهم ذلك، حتى أمروا ببقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث مسلّمة لا شية فيها، صفراء لا فارض ولا بكر، عوان. الفارض الكبيرة، والبكر الصغيرة، والعوان وسط بين ذلك. لا تثير الأرض ولا يُسنى عليها. فطلبوها أربعين سنة فوجدوها عند رجل بار بوالديه، والبقرة عليها باب مغلق، فبلغ ثمنها ملء مسكها دنانير. فذبحت، فضرب المقتول ببعضها فقام، فأخبر بقاتله، ثم مات.

وقال بعضهم: هو قتيل كان في بني إسرائيل من عظمائهم، فتفاقم به الشر فأوحى الله إلى موسى أن اذبحوا بقرة واضربوه ببعضها فإنه يحيا ويخبر بقاتله. ففعلوا فأحياه الله، فدل على قاتله ثم مات. وذكر لنا أنهم ضربوه بفخذها، وأن وليه الذي كان يطلب دمه هو الذي قتله من أجل ميراث كان بينهم، فلم يورث بعده قاتل.

وقال الكلبي: عمد رجلان أخوان من بني إسرائيل إلى ابن عمهما، أخي أبيهما، فقتلاه، وكان عقيماً، فأرادا أن يرثاه. وكانت لهما ابنة عم شابة مثلاً في بني إسرائيل، فخافا أن ينكحها ابن عمهما، فلذلك قتلاهُ.

قوله: { قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ } ذكروا عن الحسن قال: الفارض الهرِمة، والبكر الصغيرة والعوان بين ذلك. وقال بعضهم: العوان النصف بين الصغيرة والكبيرة. قال: { فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ }.

{ قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَآءُ فَاقِعٌ لَّوْنُهَا } عن الحسن قال: صافية الصّفرة. قال: { تَسُرُّ النَّاظِرِينَ }. قال بعضهم تعجب الناظرين.

{ قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِن شَآءَ اللهُ لَمُهْتَدُونَ }.

ذكروا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إنما أُمِر القوم بأدنى البقر، ولكنهم لما شدّدوا شدّد الله عليهم، والذي نفسي بيده لو لم يستثنوا ما بُيِّنَت لهم إلى آخر الأبد ".

قوله: { قَال إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ ذَلُولٌ } أي: صعبة لا ذلول { تُثِيرُ الأَرْضَ وَلاَ تَسْقِي الْحَرْثَ }. ذكروا عن ابن عباس قال: لا ذلول: لا يُحرث عليها ولا تسقي الحرث، أي: لا يُسقى عليها. ذكر بعض المفسرين أنه قال: شدَّدوا فشُدِّدَ عليهم، فكلِّفوها وحشية.

قوله: { مُسَلَّمَةٌ }. قال: سليمة من العيوب. قال الحسن: مسلّمة القوائم والجسد، ليس فيها أثر رجل ولا يد للعمل. قوله: { لاَّ شِيَةَ فِيهَا } أي: لا بياض فيها. وتفسير مجاهد: لا سواد فيها ولا بياض.

قوله: { قَالُوا الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ } أي الآن بيّنتَ. قال الله: { فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ }.



{ وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَٱدَّارَأْتُمْ فِيهَا وَٱللَّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } * { فَقُلْنَا ٱضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي ٱللَّهُ ٱلْمَوْتَىٰ وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } * { ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِّن بَعْدِ ذٰلِكَ فَهِيَ كَٱلْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ ٱلْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ ٱلأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ ٱلْمَآءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ ٱللَّهِ وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ }
قوله: { وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا } أي تدافعتم بعضكم على بعض، أي: يحيله بعضهم على بعض { وَاللهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ } وقد فسّرناه في قصة البقرة. ذكر قصة البقرة قبل تداريهم في قتل النفس.

قوله: { فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ ءَايَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } أي لكي تعقلوا. قال بعضهم: يريكم آياته أي عِبَرَه. وذكروا عن ابن عباس في قوله: اضربوه ببعضها، أي: بعضدها. وقال مجاهد: بفخذها. ففعلوا فقام فأخبرهم بقاتله، ثم مات.

قوله: { ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً } أو في هذا الموضع بل، أي بل هي أشد قسوة. وهو كقوله:
{ وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِاْئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُون }
[الصافات:147] أي: بل يزيدون.

ثم قال: { وَإِنَّ مِنَ الحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ }. واللام هاهنا صلة أي: من عيونها ما يكثر ماؤه. { وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ } يعني ما يتشقق فيخرج منه الماء حتى تجري منه الأنهار، ومن عيونها ما يقل ماؤه. { وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ }. واللام هاهنا صلة. قال الحسن: يعني سجودها. إن الجبل يسجد لله ويسبح، وإذا قطع منه شيء فالذي قطع لا يسجد ولا يسبح. { وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ }.

وقال بعضهم: { ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ } ، أي: من بعدما أراهم الله من إحياء الموتى ومن أمر العجائب فقست قلوبهم من بعد ذلك؛ فعذر الحجارة ولم يعذر شقي ابن آدم فقال: { وَإِنَّ مِنَ الحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ.... } إلى آخر الآية. { وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ }.


{ أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } * { وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قَالُوۤاْ آمَنَّا وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ قَالُوۤاْ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } * { أَوَلاَ يَعْلَمُونَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ }
قوله: { أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُوا لَكُمْ } يقول للنبي صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين أفتطمعون أن يصدقوكم، يعني به جماعة اليهود، وقد قال:
{ وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ بِكُلِّ ءَايَةٍ مَّا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ }
[البقرة:145]، يعنى به جماعتهم، لأن الخاصة قد تتبع قبلته. { وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }. قال الحسن: التوراة، حرّفوا كلام الله في محمد والإِسلام، يجعلونها قراطيس يبدونها ويخفون كثيراً. وقد فسّرنا قول الكلبي فيها قبل هذا الموضع. وقول الحسن أحبّ إلي، والله أعلم.

قوله: { وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ ءَامَنُوا قَالُوا ءَامَنَّا } وهم اليهود { وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللهُ عَلَيْكُمْ } أي بما بيّن الله لكم في كتابكم من بعث محمد عليه السلام. { لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِندَ رَبِّكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ. أَوَلاَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ }. فما يسرون: مما قال اليهود بعضهم لبعض، وما يعلنون: إذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا. وقال بعضهم: ما يسرّون كفرهم بمحمد وهم يجدونه مكتوباً عندهم.

وقال مجاهد: هذا حين شَتَمهم النبيُّ وقال: يا إخوة القردة والخنازير قالوا: من حدّثه بهذا؟.

قال الكلبي: قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم في كتابكم من أمر نبيهم ثم لا تتبعونهم ولا تدخلون في دينهم؟ فهذه حجة لهم عليكم ليحاجوكم بها عند ربكم. قالوا وهم يتلاومون: أفلا تعقلون. يقول الله لنبيه: أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون. وهذا قول علمائهم، وهم الذين كتموا وكذبوا فاتَّبَعتهم السوقة.


{ وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ ٱلْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ }
يقول الله: { وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ } أي: إلا أحاديث لا يعلمون إلا ما حُدِّثُوا. { وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ }. أي: هم على غير يقين، أي: إن صدقت قراؤهم صدقوا، وإن كذبت قراؤهم كذبوا.

وقال الحسن: إلا أماني. أي: إلا أن يتمنّوا فيه الكذب من قولهم:
{ لَن يَدْخُلَ الجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى }
[البقرة:111]. تقول اليهود: نحن الذين يدخلون الجنة. وقالت النصارى: نحن الذين يدخلون الجنة. وتمنوا أيضاً
{ وَقَالُوا لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً }
[البقرة:80].

وقال بعضهم: إلا أماني وإن هم إلا يظنون، يقول: لا يعلمون الكتاب ولا يدرون ما فيه إلا أماني، يتمنّون على الله ما ليس لهم، ويظنون الظنون بغير الحق.


{ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ ٱلْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـٰذَا مِنْ عِنْدِ ٱللَّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ } * { وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ ٱللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ ٱللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }
قوله: { فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً }. قال الكلبي: هم أحبار اليهود وعلماؤهم؛ عمدوا إلى نعت النبي عليه السلام في كتابهم، فزادوا فيه ونقصوا منه، ثم أخرجوه إلى سفلتهم فقالوا: هذا نعت النبي الذي يبعثه الله في آخر الزمان، ليس كنعت هذا الرجل. فلما نظر السفلة إلى محمد صلى الله عليه وسلم لم يروا فيه النعت الذي في كتابهم الذي كتبت أحبارهم. وكانت للأحبار مأكلة، فقال الله: { فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً }. أي: تلك المأكلة: { فَوَيْلٌ لَّهُم } في الآخرة { مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا يَكْسِبَونَ }.

{ وَقَالُوا لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً }. قال بعض المفسّرين: قالت اليهود: لن يدخلنا الله النار إلا تحلّة القسم، عدد الأيَّام التي عبدنا فيها العجل، فإذا انقضت عنا تلك الأيام انقطع عنا العذاب والشر.

قال الله للنبي عليه السلام: { قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللهِ عَهْداً فَلَن يُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ ِمَا لاَ تَعْلَمُونَ }. أي: إنكم لم تتخذوا عند الله عهداً وإنكم لتقولون على الله ما لا تعلمون.

وقوله: { أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللهِ عَهْداً } ، يعني التوحيد وهو مثل قوله:
{ أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ }
[سورة ن: 39]. وتفسير ذلك في سورة ن.

ذكروا عن عبادة بن الصامت قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " خمس صلوات كتبهن الله على عباده، من جاء بهن تامة فإن له عند الله عهداً أن يدخله الجنة. وإن لم يجىء بهن تامة فليس له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء رحمه ".

وتفسير مجاهد: { قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللهِ عَهْداً } أي: موثقاً بأنه كما تقولون: { لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً }.

وقال الكلبي: إن اليهود زعمت أنهم يعذَّبون أربعين يوماً عدد أيام العجل الذي عبدوه فيها. فقال الله: { قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللهِ عَهْداً فَلَن يُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ }. قال: فإذا أدخلهم الله النار عذّبهم عدد تلك الأيام لكل يوم سنة، فتلك أربعون سنة، ثم يُقال لهم: يا أعداء الله، هذه الأيام قد مضت والأجل الذي قلتم وبقي الأبد، لا تخرجون منها أبداً؛ فعند ذلك انقطع الرجاء، وأيقنوا بالخلود في النار، وقيل لهم:

{ بَلَىٰ مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـۤئَتُهُ فَأُوْلَـۤئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } * { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ أُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } * { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ ٱللَّهَ وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُّعْرِضُونَ }
{ بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً } يعني الشرك { وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ } ثم مات ولم يتب منه { فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }. { وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }. أي لا يموتون ولا يخرجون منها أبد الأبد. عن الحسن قال: بلى من كسب سيئة، سيئة الشرك. وأما قوله: { قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللهِ عَهْداً } ، إِنْ شاء عذَبه وإن شاء غفر له.

قوله: { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً } قال الحسن: تأمرونهم بما أمرهم الله به، وتنهونهم عما نهاهم الله عنه. قال: قال لهم نبيهم أمروهم أن يقولوا إن محمداً رسول الله.

قوله: { وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَءَاتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ } أي كفرتم وجحدتم { إِلاَّ قَلِيلاً مِّنكُمْ } القليل الذين اتبعوا النبي. { وَأَنتُم مُّعْرِضُونَ } عما جاءَ به النبي جاحدون له.

{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَآءَكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِّن دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ } * { ثُمَّ أَنْتُمْ هَـٰؤُلاۤءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنْكُمْ مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِٱلإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِن يَأتُوكُمْ أُسَارَىٰ تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ ٱلْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَآءُ مَن يَفْعَلُ ذٰلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ ٱلّعَذَابِ وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } * { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشْتَرَوُاْ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا بِٱلآخِرَةِ فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ ٱلْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ }
وقوله: { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ } [أي لا يخرج بعضكم بعضاً] { ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ } [أن هذا حق] { ثُمَّ أَنتُمْ هَؤُلاَءِ } [قيل أراد يا هؤلاء] { تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم } [أي تعاونون عليهم] { بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } [يعني الظلم] { وَإِن يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ }.

قال الحسن: فنكثوا فجعل يقتل بعضهم بعضاً ويخرج بعضهم بعضاً من ديارهم يظاهرون عليهم بالإِثم والعدوان، وإن أسِر من أصحابهم أحد فادوهم.

وكان ذلك الفداء مفروضاً عليهم، فاختلفت أحكامهم، فقال الله: { أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الكِتَابِ } أي الفداء { وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ } أي القتل والإِخراج من الدور.

قوله: { فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا } قال الكلبي: الخزي النفي والقتل. فقتلت قريظة ونفيت النضير، أخزاهم الله بما صنعوا. وقال الحسن: الخزي الجزية.

قال الله: { وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ العَذَابِ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } يعنيهم. وهي تقرأ على ثلاثة أوجه: بالتاء جميعاً: تُرَدُّون وتعملون، والوجه الآخر بالياء؛ يقول للنبي: يُرَدُّونَ ويَعْمَلُونَ. والوجه الثالث يقوله لهم: فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌّ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ العَذَابِ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ جَميعاً.

قوله: { أُوْلَئِكَ الَّذينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ } قال بعضهم: استحبّوا الحياة الدنيا على الآخرة؛ استحبوا قليل الدنيا، لأن ما فيها ذاهب، على كثير الآخرة الباقي. قال الحسن: اختاروا الحياة الدنيا على الآخرة.

قال: { فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ } أي ليس لهم ناصر ينصرهم من عذاب الله.

{ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ ٱلْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِٱلرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱلْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَآءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَىٰ أَنْفُسُكُمْ ٱسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ } * { وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَل لَّعَنَهُمُ ٱللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ }
قوله: { وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى الكِتَابَ } أي التوراة { وَقَفِّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ } أي اتبعناه بهم { وَءَاتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ البَيِّنَاتِ }. قال الكلبي: يعني الآيات التي كان يريهم عيسى من إحياء الموتى، وما سوى ذلك مما سمّاه الله: { وَأَيَّدْنَاهُ } أعنَّاهُ { بِرُوحِ الْقُدُسِ } يعني جبريل عليه السلام. الروح جبريل والقدس هو الله. وهو اسم به كان عيسى يحيي الموتى، وأيّده على عدوهم فأصبحوا ظاهرين على الكفار، وأيّده بما أتاه من العجائب والآيات.

قوله: { أَفَكُلَّمَا جَآءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ }.

قال الكلبي: لما أنزل الله وآتينا عيسى بن مريم البينات قالت اليهود عند ذلك للنبي عليه السلام: فلا مثل ما جاء به موسى جئتنا به، ولا مثل ما عمل موسى. كما زعمت عملت، ولا كما يقص علينا أنبياؤنا فعلت، قال الله: { أَفَكُلَّمَا جَآءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ } ، أي: قتلتم، فلما قال لهم النبي عليه السلام ذلك سكتوا وعرفوا أنه الوحي من الله عيّرهم بما صنعوا.

{ وَقَالُوا } يا محمد { قُلُوبُنَا غُلْفٌ } في أكنة لا تعقل ولا تفقه ما تقول، وكانت قلوبنا أوعية للعلم، فلو كنت صادقاً سمعنا ما تقول. ذكروا عن الحسن أنه قال: غُلْفٌ قلف لم تختن لقولك يا محمد. وقال ابن مجاهد عن أبيه: غلف أي: في أكنة.

قال الله: { بَل لَّعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ }. قال بعضهم: قلَّ من آمن من اليهود.

وقال الحسن: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لو آمن بي وصدّقني واتَّبعني عشرة من اليهود لم يبق على ظهرها يهودي إلاَّ اتَّبعني " قال كعب: اثنا عشر من اليهود، ومصداق ذلك في كتاب الله:
{ وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً }
[المائدة:12].

وقال بعض المفسِّرين: لا نعلم أحداً من اليهود أسلم على عهد النبي إلا رجل واحد. والحسن يذكر آخر، ولا ندري من هو.

وقال بعض المفسّرين: في قوله تعالى:
{ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ }
[القصص:52] ذكروا عن رِفاعة القُرَظي في قوله: { الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ } قال نزلت في عشرة من اليهود أنا أحدهم. وذكر بعضهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لو آمن بي واتبعني وصدَّقني عشرة من اليهود... " بعد ما أسلم الرجلان اللذان ذكر بعض أهل التفسير، فيكونون تمام اثني عشر كما قال كعب، والله أعلم.

{ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ ٱلْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِٱلرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱلْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَآءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَىٰ أَنْفُسُكُمْ ٱسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ } * { وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَل لَّعَنَهُمُ ٱللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ }
قوله: { وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى الكِتَابَ } أي التوراة { وَقَفِّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ } أي اتبعناه بهم { وَءَاتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ البَيِّنَاتِ }. قال الكلبي: يعني الآيات التي كان يريهم عيسى من إحياء الموتى، وما سوى ذلك مما سمّاه الله: { وَأَيَّدْنَاهُ } أعنَّاهُ { بِرُوحِ الْقُدُسِ } يعني جبريل عليه السلام. الروح جبريل والقدس هو الله. وهو اسم به كان عيسى يحيي الموتى، وأيّده على عدوهم فأصبحوا ظاهرين على الكفار، وأيّده بما أتاه من العجائب والآيات.

قوله: { أَفَكُلَّمَا جَآءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ }.

قال الكلبي: لما أنزل الله وآتينا عيسى بن مريم البينات قالت اليهود عند ذلك للنبي عليه السلام: فلا مثل ما جاء به موسى جئتنا به، ولا مثل ما عمل موسى. كما زعمت عملت، ولا كما يقص علينا أنبياؤنا فعلت، قال الله: { أَفَكُلَّمَا جَآءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ } ، أي: قتلتم، فلما قال لهم النبي عليه السلام ذلك سكتوا وعرفوا أنه الوحي من الله عيّرهم بما صنعوا.

{ وَقَالُوا } يا محمد { قُلُوبُنَا غُلْفٌ } في أكنة لا تعقل ولا تفقه ما تقول، وكانت قلوبنا أوعية للعلم، فلو كنت صادقاً سمعنا ما تقول. ذكروا عن الحسن أنه قال: غُلْفٌ قلف لم تختن لقولك يا محمد. وقال ابن مجاهد عن أبيه: غلف أي: في أكنة.

قال الله: { بَل لَّعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ }. قال بعضهم: قلَّ من آمن من اليهود.

وقال الحسن: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لو آمن بي وصدّقني واتَّبعني عشرة من اليهود لم يبق على ظهرها يهودي إلاَّ اتَّبعني " قال كعب: اثنا عشر من اليهود، ومصداق ذلك في كتاب الله:
{ وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً }
[المائدة:12].

وقال بعض المفسِّرين: لا نعلم أحداً من اليهود أسلم على عهد النبي إلا رجل واحد. والحسن يذكر آخر، ولا ندري من هو.

وقال بعض المفسّرين: في قوله تعالى:
{ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ }
[القصص:52] ذكروا عن رِفاعة القُرَظي في قوله: { الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ } قال نزلت في عشرة من اليهود أنا أحدهم. وذكر بعضهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لو آمن بي واتبعني وصدَّقني عشرة من اليهود... " بعد ما أسلم الرجلان اللذان ذكر بعض أهل التفسير، فيكونون تمام اثني عشر كما قال كعب، والله أعلم.

{ وَلَمَّا جَآءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَآءَهُمْ مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } * { بِئْسَمَا ٱشْتَرَوْاْ بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُواْ بِمَآ أنَزَلَ ٱللَّهُ بَغْياً أَن يُنَزِّلُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَآءُو بِغَضَبٍ عَلَىٰ غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ } * { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُواْ نُؤْمِنُ بِمَآ أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرونَ بِمَا وَرَآءَهُ وَهُوَ ٱلْحَقُّ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَآءَ ٱللَّهِ مِن قَبْلُ إِن كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ }
قوله: { وَلَمَّا جَآءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللهِ } أي القرآن { مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ } أي: التوراة والإِنجيل { وَكَانُوا مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا } والاستفتاح الدعاء { فَلَمَّا جَآءَهُم مَّا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكَافِرِينَ }.

قال بعض المفسّرين: كانت اليهود تستنصر بمحمد صلى الله عليه وسلم على كفار العرب. كانوا يقولون: اللهم ايت بهذا النبي الذي يقتل العرب ويذلهم. فلما رأوا أنه من غيرهم حسدوه وكفروا به. قال الله: { فَلَمَّا جَآءَهُمْ مَّا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكَافِرِينَ }.

قوله: { بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ } أي: باعوا به { أَنفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُوا بِمَا أَنزَلَ اللهُ بَغْياً } كفروا به حسداً { أَن يُنَزِّلَ اللهُ مِن فَضْلِهِ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَآؤوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ } أي: استوجبوا غضباً على غضب { وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ }. قال بعض المفسرين: غضب على غضب: غضب عليهم بكفرهم بالإِنجيل، وغضب عليهم بكفرهم بالقرآن.

وقال الكلبي: تفسير اشتروا به أنفسهم، يعني أحبارهم أن جحدوا نبي الله مخافة أن تذهب مأكلتهم فباعوا أنفسهم بما يصيبون فأهلكوا أنفسهم فصاروا في النار.

قوله: { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنزَلَ اللهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ } أي بما بعده. كفرت اليهود بالإِنجيل وبالقرآن. قال الله: { وَهُوَ الحَقُّ } ويعني القرآن { مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَهُمْ } أي التوراة والإِنجيل، موافقاً للذي في كتبهم. قالوا: فإنك لم تأتنا بمثل الذي أتى به نبينا. ولم يكن لنا نبي إلا يأتينا بقربان تأكله النار. وكان أعداء الله يتولون آباءهم الذين قتلوا أنبياء الله من قبل، فلذلك يقول: { قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنبِيَاءَ اللهِ مِن قَبْلُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ }.

قال الحسن: يعني به أوَّليهم: يقول إن كانوا يؤمنون بما أنزل الله عليهم فليس فيما أنزل الله عليهم قتل أنبيائهم. فكذَّبهم الله في قولهم: { نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا }.