عرض المشاركة وحيدة
  #1  
قديم 10/11/2006, 01:25 PM
السفير الحزين السفير الحزين غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 20/06/2002
الإقامة: في قلوب الأوفياء
المشاركات: 2,678
Arrow أحيانا تكره أنك إنسان..

مساء الخير في سبلة التفكير والإبداع .. هذه القصة التي سوف أكتبها لك اليوم ربما تبدو غريبة بعض الشيء على البعض لأنها تروي طمع الأنسان وجشعه حتى لا يعترف بالموت .. ,أتمنى أن أرىء نقدكم عليها ..

أحيانا تكره أنك إنسان

كان البلبل يأتي كل فجر إلى حديقة الفيلا لأن شجيرات الورد فيها كانت تفتنه ... وكانت هناك نافورة يستهويه أن يتلقى رذاذها على جناحه وهو يحوم حولها عبثا أن يلتقط بمنقاره حصاها الملون ... وكان في الفيلا طفل جميل من أجله كان البلبل يتسلق الأغصان لكي يراه وهو يمرح في الشرفة الكبيرة ... وكان الطفل يروقه أن يسمع تغريد البلبل ... ولكن الحديقة في ذلك الصباح كانت صامتة .. الطفل وهو في العاشرة من عمره جلس واجما في الشرفة ... لا مرح في عينيه البراقتين... لا رغبة له في سماع صوت البلبل .... والبستاني لم يفتح النافورة وكأنه يظن عليه بالرذاذ اليومي الذي يستحم فيه ... والسيد صاحب الفيلا لم يخرج مبكرا كدأبه ولم يقطف الوردة التي كان من عادته أن يدسها في جيب سترته وهو في طريقه إلى سيارته ... وأخذ البلبل يحوم في الحديقة حتى عثر على غصن أمام نافذة مفتوحة ... وعرف سبب الصمت ... أن السيد طريح الفراش ... يعلو صدره ويهبط وهو في كرب شديد .... وزوجته جالسة إلى جوار السرير تضع على جبينه منشفة باردة وتسأله عن حاله في لهفة ... ثم اندفع إلى الحجرة في عجلة ثلاثة رجال في أيديهم حقائب صغيرة , فتحوها .. أخرجوا السماعات وجعلوا يفحصون المريض .. إنهم أطباء... ويحقنونه ويقيسون نبضه ... ولكنهم كانوا يتبادلون طوال الوقت نظرات قـلقه, ويهزون رؤوسهم في أسف ... وعندما غادروا الحجرة تبعتهم السيدة وقد شحب وجهها شحوبا شديدا .

ورآهم البلبل عندما ظهروا في الحديقة في طريقهم إلى باب الطريق , وقد بداوا في إشعال سجائرهم ... وانفرجت أساريرهم وتسائل أحدهم " كم من الملايين سيتركها هذا السيد الثري " ؟؟ وقال الثاني " كان طوال حياته قاسما مشتركا في مجالس إدارة شركات ضخمه وكل مؤسسة ناجحة كانت له فيها أسهم " ... وعندما انطلقت سيارة الأطباء وضع كل منهم في نفس الوقت تقريبا يده في جيبه وأخرج المظروف الذي قدمته السيدة ... بينما السيارة تضاعف من سرعتها قال أحدهم " لم يبق لي في ذمته إلا أجر شهادة الوفاة التي سأكتبها غدا أو بعد غد " !!؟ وعاد البلبل إلى غرفة المريض ورأى السيدة وقد شاب حنانها اضطرابا وتوترا وهي تحاول أن تضع القلم بين أنامل المريض ليوقع على ورقة ...؟! والأنامل متخاذلة ترتعش ... والسيدة تقول له بلطف وحزن " دفنت شبابي في شيخوختك ... والأعمار بيد الله والحذر واجب .. كنت تقول لي دائما أنك ستعوضني في التركة .. بعد عمر مديد ... ثم ينفذ صبرها وتلفح في أذنه ... وقع الآن على الوصية ... وتجعل يومي قبل يومك .. لكن الحذر واجب ... " ويلتقط المحتضر أنفاسه ..ويخشى أن تطبق بيدها الرقيقة على أنفاسه .. ويوقع ... ثم يسقط القلم من يده ويميل رأسه على الوسادة ... وتغطي السيدة وجهه بملاءة السرير والارتياح باد على وجهها ... ثم ترفع سماعة التلفون وتدير الأرقام بأنامل ترتعش وتقول لمحاميها وهي تلقي على الورقة نظرة فاحصة " حدثت المعجزة ... لقد وقع قبل أن يموت ؟؟؟!! تعال حالا لتوقع أنت أيضا أنك حضرت التوقيع .. تعال قبل أن يصل ابنه الكبير وبناته من الأقاليم ... أنت تعرف ما تتعرض له زوجة الأب في مثل هذه الظروف من ظنون واتهامات .. بعد أن أعادت السماعة إلى مكانها رفعت صوتها بالبكاء فجأة وانسالت دموعها غريزة ... وقالت وهو تتجه إلى الوجه المغطى " سامحني كنت جاريتك وأنت حي , عشر سنوات وأنا جاريتك , ولكن بعد أن ذهبت من العدل أن اقبض على أجري " ؟؟ ... وارتفع صوتها بالبكاء من جديد مما أدى إلى تجمع الخدم والوصيفات وملاء النحيب الحجرة ... واضطرب قلب البلبل في صدره وروّعه هذا الصراخ في وجه الموت وطار عن غصنه وأخذ يضرب الهواء بجناحيه في كآبة ... ثم تعب من التحليق وحط على شجرة في الطرف الأخر من المدينة ... وكانت الشجرة تواجه صفا من البيوت المتداعية والمساكن العشوائية وفجأة نظر إلى نافذة محطمة وفوجئ ... وهزته المفاجأة ... أن الموت الذي تركته المليونير قد سبقه إلى هنا ... ودخل الحجرة الصغيرة العادية .. الجدران هنا ليست محلاة بالصور واللوحات .. لا نقوش عليها إلا غمامات سوداء حماها الهواء من غرفة مصباح البترول .. ولا يوجد في الحجرة إلا كرسي واحد فقد أحد سيقانه ومائدة خشبية وبعض الأواني ... وخشبه بالية ينام عليها كهل محموم طالت لحيته البيضاء وطال شعره بشئ ينبئ عن خصام مع الحلاق ... وخصام مع الطعام .. ولم يكن مع المحموم أحد لا طبيب ولا جرعة دواء .... ثلاثة أيام وهو عاجز عن مغادرة حجرته .