الموضوع: اخــترت لـك
عرض المشاركة وحيدة
  #92  
قديم 22/04/2004, 01:43 PM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Thumbs up

التعليم العربي وتحديات القرن الحادي والعشرين

محمد بن خلفان الشكيلي

المقالة الفائزة بالمركز(( الاول )) فـي مسابقة المنتدى الادبي لهذا العام..



تعالت خلال السنوات القليلة الماضية العديد من الاصوات - الداخلية والخارجية - مطالبة الدول العربية باعادة النظر فـي مجالات التعليم العربي على وجه العموم، منطلقين فـي ذلك من عدة توجهات - كل حسب توجهاته ورغباته التي يسعى اليها - فالاصوات الداخلية تسعى الى ان يكون التعليم مسايرا للتغيرات العلمية والتكنولوجية المتسارعة بشكل لا مثيل له، فـي حين يرى العديد من المنادين باصلاح التعليم من خارج الوطن العربي على اعتبار ان التعليم كان سببا رئيسا فـي التحولات التي شهدها العالم اجمع بعد ان احداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م، حيث ترى هذه الاصوات ان تعليمنا العربي وخاصة التعليم الديني هو المحرك الرئيسي للارهاب وما صاحبه من شد بين العديد من الدول.
وعلى الرغم من ذلك .. لنا ان نتساءل - ما الاسباب الرئيسة التي تجعل المطالبة باصلاح التعليم العربي فـي هذا الوقت بالذات تتعالى؟ وهل تعليمنا بهذا السوء حتى يراه العديد من المعنيين بانه تعليم تقليدي غير قادر على تلبية احتياجات مجتمعة؟ .. ما هي التوجهات المستقبلية التي تسعى اليها الدول العربية - مجتمعة او منفردة - لتحقيقها من خلال التعليم وتطويره؟ .. هذه الاسئلة وغيرها الكثير غالبا ما يتبادر الى ذهن المواطن العربي عندما يسمع هذه الاصوات المتعالية من كل حدب وصوب. وسنحاول من خلال هذا المقال - بمشيئة الله - التعرف على جدوى اصلاح التعليم، وكيف لنا نحن العرب ان نستفيد من الثورة التكنولوجية بالشكل الصحيح حتى نستطيع ان نصحح من وضعنا بين الامم والشعوب الساعية للرقي الحضاري.
***
يعد التعليم هاجسا مؤرقا للكثير من الامم والشعوب على اختلاف توجهاتها ورؤاها السياسية والاجتماعية والاقتصادية، نظرا لما للتعليم من اهمية بالغة فـي المجتمعات ولدوره اللامحدود فـي تحقيق الرقي والتطور لاي مجتمع كان، فالتعليم هو قطب الرحى والمحرك لجميع المجالات، ونستطيع القول انه اساس الاساسيات لصناعة المستقبل بكل اطيافه وتشكيلاته، وهو اكبر وأهم الصناعات التي تؤثر على موارد الدول وانتاجها، كما يؤثر على حضارتهاوتقدمها بين دول العالم؛ ذلك ان التعليم يهتم فـي المقام الاول بتكوين الانسان وصياغته وفق النمط الذي تسعى اليه الدولة، وبالتالي ايجاد الموارد البشرية القادرة على تلبية احتياجات المجتمع فـي جميع الميادين.
ولا يزال التعليم فـي الوطن العربي - بتعدد تسمياته ومجالاته - دون الطموحات الكبرى التي يأملها منه المجتمع والتربويون رغم ما يصرف حاليا من مبالغ باهظة فـي العديد من المجالات، فالكثير من المؤسسات التعليمية العربية عفى الزمن عليها ولم تستطع ان تساير التطورات التي يعيشها عالمنا المعاصر، واصبحت تدار بعقلية القرن التاسع عشر، فالبيروقراطية والروتين الممل اصبح ممسكا بكثير من خيوط تطوير التعليم فـي الوطن العربي. فهل السبب فـي ذلك قلة الانفاق على التعليم ام سبب آخر غير ذلك؟!
تشير الكثير من الدراسات ان الانفاق على التعليم العربي لا يقل عما تنفقه الدول الاخرى، فاذا كانت الولايات المتحدة الامريكية تنفق على التعليم (5.5%) من ناتجها القومي، والسويد تصرف 8.5% من ميزانيتها على التربية والتعليم، فان الدول العربية تنفق ما يقرب من 5.8% على قطاع التربية والتعليم، كما وجد فـي دراسة نشرتها احدى المجلات التربوية المتخصصة ان ما يصرف على الطالب المصري يعادل او يوازي تماما ما ينفق على الطالب الامريكي.(1)
ومما يدعو الى الاسف انه رغم هذا الانفاق العربي على التعليم إلا ان هناك فرقا شاسعا فـي المستويات التعليمية العربية والاجنبية، وكذلك الحال مع المخرجات التعليمية، ولعل السبب فـي ذلك يرجع الى عدة اسباب منها نوعية التعليم المقدم، وانتشار الامية بشكل رهيب فـي الوطن العربي التي تصل الى 50% من السكان، هذا بالاضافة الى عدم تحديد الاولويات بشكل صحيح فـي عالمنا العربي وكيفية إدارتها وتوجيهها الوجهة الصحيحة، وهذا يقودنا الى القول ان غياب الاستراتيجية الوطنية بعيدة المدى، والواضحة فـي الاهداف والمجالات هو ما ينقصنا فـي عالمنا العربي، فغالبية الأمور تدار بطريقة ارتجالية اكثر منها بطريقة علمية ومنظمة تحقق الهدف الاول الذي تسعى اليه الدولة - اي دولة - لتحقيقه، فخطط التعليم فـي بلادنا لا تبنى على الاستراتيجية العامة لمتطلبات الدولة واحتياجاتها المستقبلية، وانما تبنى كخطة قطاعية مستقلة، غير متصلة مع القطاعات الاخرى كالقطاع الصناعي والقطاع التجاري والقطاع الصحي والقطاع الاقتصادي. فكل قطاع يضع استراتيجية بعيدا عن الاخر، وهذا بالطبع ادى الى تخبط الجهود وازدواجية التخطيط وعشوائيته والى تضخم فـي بعض الاحتياجات ونقص فـي احتياجات اخرى.(2)
ولن تستطيع الدول العربية - والحالة كهذه - ان تحلق بالتطورات المتنامية والمتلاحقة فـي كل المجالات ومنها مجال التربية والتعليم اذا ظلت الجهود عشوائية وغير مركزة او مستندة على رؤية وطنية واضحة لما يجب ان تكون عليه الدولة فـي المنظورين القريب او البعيد، وستبقى الجهود متناثرة ليس لها تأثير على حياة الافراد، وليس ادل على سوء التنظيم والتخبط فـي الادارة انه على الرغم من معقولية الانفاق على التعليم بشكل عام 5.8%، كما اشرنا سابقا إلا ان نصيب الفرد فـي الوطن العربي من هذا الانفاق على التعليم لا يتجاوز 340 دولارا سنويا، فـي حين يصل نصيب الفرد فـي اسرائيل الى 2500 دولار سنويا. فالحاجة ماسة الى استراتيجية عامة تتبلور من خلالها جميع الرؤى والتوجهات الوطنية وصياغتها مجتمعة من قبل جميع الجهات المعنية بها.
ولعل ابلغ مثال على نجاح مثل هذه الاستراتيجية هو ما قامت به الجمهورية الماليزية عام 1985م عندما قررت ان تصبح دولة صناعية، فأقامت لذلك المؤتمرات والندوات التي تهدف الى مراجعة برامجها ونظمها التربوية واعادة تصميمها وتنفيذها بما يتواءم واحتياجاتها المستقبلية فـي ان تصبح دولة صناعية، وهكذا استطاعت فـي سنوات وجيزة مكللة بالعمل المدروس والمخطط فـي ان تحقق ما طمحت اليه، وأصبحت احدى الدول الصناعية المهمة فـي شرق آسيا التي اطلق عليها مجموعة (النمور الآسيوية).
ويواجه التعليم العربي فـي الوقت الراهن العديد من الصعوبات والتحديات المتجددة فـي عصرنا عصر الانترنت والتكنولوجيا الرقمية التي باتت تتدفق بكل لافت للنظر، الى جانب الضغوط الخارجية التي تتعرض لها الدول العربية من الخارج والمتمثلة فـي نظام العولمة والسوق المفتوحة واعلام الفضاء المفتوح بمصراعيه لاستقبال المعلومات والثقافات المتعددة والمتضاربة فـي آن واحد، والدعوات المتعالية من الولايات المتحدة الامريكية من اجل نشر الديمقراطية فـي الشرق الاوسط عامة والدول العربية على وجه الخصوص والمتمثلة فـي المشروع الامريكي المعنون (بالشرق الاوسط الكبير) الذي سوف يناقش فـي يونيو القادم فـي قمة الدول الصناعية الثماني الذي سيعقد فـي ولاية جورجيا الامريكية.
ونظرا لتسارع المعلومات فانه لزاما على الدول العربية. اذا ما ارادت ان يكون لها موطئ قدم فـي عالم متغير الاتجاهات. ان تبدأ من الآن فـي بلورة الاهداف، واعداد الخطط والموازنات المالية اللازمة لذلك واعتمادها بما يضمن ايجاد موارد مالية قادرة على تلبية وتغطية التكاليف الباهظة لارتفاع التعليم ونفقاته المعتمد على تقنية المعلومات بشكل كلي، ففيما يتعلق باستخدام الحاسوب يوجد فـي اسرائيل 217 جهاز حاسوب لكل الف شخص، فـي حين يوجد فـي الاردن 52 جهازا لكل الف شخص، و39 جهازا فـي لبنان و9 اجهزة فقط فـي مصر.
ولن تستطيع الدول بمفردها توفير النفقات المرتفعة اذا ظلت مقتصرة على الموارد المالية للدولة، وكمثال على ارتفاع النفقات فـي تطوير التعليم بما يتوافق مع متطلبات العصر الرقمي فاننا نجد ان الولايات المتحدة الامريكية قد صرفت فـي عام 1999م حوالي 6.9 بليون دولار فـي عام واحد فقط؛ وذلك لتوفير الشبكات والحواسيب فـي مدارس التعليم العام (3)، وفـي بريطانيا تسعى الحكومة هناك الانفاق (400) مليون جنيه استرليني بحلول عام 2006م لانشاء ما يسمى بمناهج الدراسة الشبكية التي تعتمد على شبكة الانترنت ولاتاحة سرعة اتصال المدارس بالانترنت. هذا الى جانب بليون جنيه استرليني تم انفاقها بالفعل من اجل وضع تقنية المعلومات والاتصال فـي العملية التعليمية. (4).
وللتغلب على ارتفاع نفقات التعليم لا بد على الدول العربية ان تجعل من التعليم قضية وطنية يتم التعامل معها على اعلى مستوى من صناعة القرار السياسي بمشاركة جميع القطاعات والفئات الخاصة والحكومية. وهي الدول التي تنظر للتعليم كاستثمار طويل الاجل وليس كخدمة اجتماعية تقدم للافراد فـي المحتمع، وهي الدول التي لديها رؤية واضحة وخطة شاملة تسير عليها ويؤدي التعليم فيها دورا مهما وهو تحمل عبء توفير الطاقات البشرية اللازمة لقيادة وتنفيذ خطط التنمية الشاملة وضمان عملها ونجاحها وهي الدول التي تعيش تحديات واضحة ولديها اهداف محددة ووسائل لتحقيق هذه الاهداف (5)، ولا بد للقطاع الخاص ان ينهض بدوره الوطني فـي المساهمة بتحمل اعباء قطاع التعليم فمخرجات التعليم ذات المهارة والكفاءة العالية ستعود بالنفع على جميع المؤسسات بما فيها مؤسسات القطاع الخاص على وجه التحديد، وهو ما سيقلل من نفقات التدريب والتأهيل التي تنفقها هذه المؤسسات من اجل إعادة تأهيل مخرجات التعليم بما يتناسب واحتياجاتها الفعلية.
ولكي يستطيع التعليم مستقبلا ان يلبي احتياجات المجتمع فلا بد ان تنقل العملية التعليمية من دور الحفظ والتلقين وتكدس المعلومات فـي المناهج الدراسية الى دور آخر اكثر جدوى، دور يتمثل فـي الارشاد والتوجيه الى مصادر المعرفة المختلفة وان يكون الطالب هو محور العملية التعليمية بجميع جوانبها، وعلى العملية التلعيمية ان تقيس جميع القدرات الشخصية للمتعلم بكافة ابعادها بدلا من قياس الجوانب التحصيلية له مع الاعتراف بالقدرات الفردية لكل متعلم ومراعاتها والعمل على تلبيتها بوسائل واستراتيجيات وانشطة مختلفة وان يتوافق هذا التعليم مع اعمدة المعرفة الاربعة التي حددتها اللجنة الدولية للتعليم فـي القرن الحادي والعشرين والمتمثلة فـي التعليم للعلم والتعليم للعمل والتعليم للعيش مع الاخرين والتعليم للكينونة وهي التي تحقق فـي ذات الوقت مبدأ التعليم مدى الحياة والتعليم المستمر الذي تنادي به العديد من المنظمات والهيئات الدولية.
اننا كشعوب عربية امام تحديات جمة لا نستطيع مواجهتها الا من خلال ايجاد بيئة تعليمية قادرة على الايفاء بمتطلبات هذاالعصر الآنية والمستقبلية، واعداد الطاقات والامكانيات البشرية المؤهلة والمدربة التدريب الذي يضمن لها المنافسة والابتكار فـي سوق المعلومات وتقنياته، وهذا لن يتأتى الا من خلال الاهتمام بالتعليم واعطائه الاهمية القصوى فـي سلم الاولويات بل على رأسها جميعا. فبالتعليم سنصل بمشيئة الله الى ما نطمح اليه من تقدم وازدهار لمجتمعاتنا.. وليكن شعارنا دائما (التعليم.. التعليم.. التعليم).
المصدر جريدة عمان

آخر تحرير بواسطة صقر الخالدية : 22/04/2004 الساعة 01:48 PM