الموضوع: اخــترت لـك
عرض المشاركة وحيدة
  #87  
قديم 16/04/2004, 01:45 PM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
مواقع أخرىثقافة التمجيد وخرافة أدونيس!!
الأحد 04 أبريل 2004 06:19
كريم عبد








الثقافة العربية المعاصرة لم تخلق حقائق كبرى، بل هي لم تكتشف حقيقتها بعد. والسبب هي أنها لم تزل محدودة التجربة زمنياً في الأقل. ومقابل رطانة السلطات العربية التي ظلت تنعكس عليها بأشكال مختلفة، لم يتسن لهذه الثقافة أن تخلق تراكمات معرفية وخبرة نقدية تكفي لتحولها إلى مركز أو طرف جدي في الحوار الإنساني المعاصر. بل هي حيث بدأت تتلمس وجودها في العالم الحديث وجدت حولها ثقافات ناضجة وحيوية تكاد تسود العالم وتهيمن عليه، تلك هي ثقافات ولا أقول ثقافة الغرب. وقد انعكس ذلك على ( اللغة ) العربية المعاصرة ذاتها، فهي لغة مقطوعة عن تاريخها وذاكرتها بحكم انقطاعها الحضاري خلال قرون الهيمنة العثمانية، أي أنها بدأت تتأسس من جديد. فحين بدأت تستيقظ منذ نهاية القرن التاسع عشر، كان على الكتابة العربية أن تغير شكلها وأساليبها كل عقدين أو ثلاثة عقود !! ونستطيع أن نقارن بين لغة الكتابة في بداية القرن العشرين ولغتها أيام العقاد والمازني والرصافي والزهاوي وبين لغة الستينات وبين هذه الأخيرة وبين لغة التسعينات، لنجد اختلافاً بيناً بين هذه وتلك.
هذه التغيرات بقدر ما تدل على الحيوية والرغبة بالتجدد، إنما تدل أيضاً على كونها لغة تتأسس من جديد، مثلما تدل أيضاً عن البحث عن الذات وقلقها المشروع من تقدم العالم وتسارع أحداثه وإنجازاته الباهرة من حولها، بينما العالم العربي ظل يتراجع باستمرار، فحيث تنفق الدول العربية ستين مليار دولار على التسلح سنوياً فهي تنفق أثنين بالألف من الناتج القومي على البحث العلمي !! وإذا كانت نسبة البطالة تزيد على 25 بالمائة فإن ما يقارب 40 بالمائة من السكان يعيشون تحت خط الفقر، وهذا التراجع الحضاري ينعكس على وعي المثقفين ومشاعرهم بأشكال مختلفة ولكن بنتائج سلبية في الغالب، حيث لا دور مهماً للمثقف هنا، ولا إمكانية لأديب أن يعيش من قوة عمله أي من واردات كتبه وسط هذا الفقر والأمية، إذ أصبحت دور النشر لا تطبع في الغالب أكثر من ألف نسخة لفضل المؤلفين !! لذلك وجدنا نسبة كبير من المثقفين تندرج في اللعبة الإعلامية المربحة للأنظمة العربية التي أصبحت تستعمل المثقف استعمالاً أو تشتري صمته أحياناً، أو هو يتنازل عن مواقفه كي لا يخسر شيئاً حقيقياً أو مفترضاً. وكمثال ملائم هنا : هل سمع أحدكم موقفاً لأدونيس حول ما يدور في بلاده سوريا التي تعيش تحت وطأة حالة الطوارئ منذ أربعين سنة وما دار خلالها من ويلات ومآسٍ، بما في ذلك اعتقال زملائه من الأدباء والأكاديميين؟! وما ينطبق على أدونيس ينطبق على كثيرين سواه !!
لقد أصبح تنافس المثقفين العرب على الوجاهة والمهرجانات والمنافع هو السائد على غيره، بينما يدفع فقر الواقع العربي وخلوه من الحقائق ومن البهجة أيضاً الكثيرين إلى خلق الخرافات والإيمان بها والدفاع عنها، كتعويض نفسي عن هذا الفقر الذي لا يحتمل. أدونيس وآخرون خلقوا ( خرافة الشعر ) وعمموها على أجيال متتالية من الأدباء اللاحقين، على طريقة هذا ( زمن الشعر ) أو الشعر هو الخلاص أو ( تغيير العالم بالشعر ) ليتم تتويج كل ذلك ب ( خرافة الشاعر الكبير ) !!
أي أنهم جمعوا كل خرافات الثقافات الأخرى حول الشعر وحشروها في صناديق الثقافة العربية كي تمتلئ وتصبح ثقيلة الوطء على الرؤوس التي لكي تتخفف من هذا الحمل تبدأ بنسج خرافاتها وكلُُ ُ على طريقته.
في هذا الخضم وُلدت خرافة أدونيس، خرافة الشاعر الكبير، دون أن يعرف مريدوه بأن أهمية الشعر التي يقصدها أدونيس هي أهميته هو وأهمية شعره هو وليس الشعر لذاته أو بذاته، ليس شعر الآخرين الذي قلما يمر عليه أدونيس أو يتوقف عنده، لكن الكاتب العراقي علي حسن فواز يقول في مقاله في ( النهضة ) 23 – 3 – 2004 : ( يبدو أدونيس قد نزع آخر القشور عن جلده ليكون لصق ذاته الشعرية، فلم تعد تحتوي - عريه – المدن أو الأمكنة، لأن الشعر ألقى عليه غباره السحري فغاب في هيولى غرائبية أعطته إحساساً بالخلاص والحرية من نفاق الآخرين واللغة والسلطة، يحاول أن يؤسس مكوثه المقترح بشروط شعرية هو يختارها وليس إغواء الأمكنة التي تضغطنا في التاريخ والتابو والمهيمن.. وهذا دليل آخر على قوة الشعرية حيث تتخلص من الخيانات والأكاذيب )
وهذا كلام تحتاج كل عبارة فيه إلى وقفة. فهو خطاب يريد أن يدين التابو والمهيمن، دون أن يشعر صاحبه بأنه يكتب خاضعاً لهيمنة خرافة ( الشاعر الكبير ) وللغة السحرية ( = اللا علمية واللا واقعية ) التي لا بد منها للشعور بلذة هذا الخضوع للخرافة. فهو لا يكتب عن ظاهرة واقعية هي شاعر اسمه أدونيس له دور وحضور معينين في خريطة الشعر العربي المعاصر، لا يكتب بلغة نقدية منهجية تجعل القارىء يفهم ما يريده بالضبط، بل يريد فواز أن يفرض علينا خرافة دون أن يدرك أننا غير مضطرين لتصديق ما يقول، فنجده يستخدم لغة خرافية ( ألقى عليه الشعر غباره السحري فغاب في هيولى غرائبية ) لتمرير فكرة شخصية عن شاعر اسمه أدونيس أصبحنا نعرف جميعاً بأن حضوره الشعري بدأ ينخفض عقداً بعد عقد مع تطورات الثقافة العربية وظهور أسماء شعرية وثقافية جديدة لم يعد يهمها أدونيس كثيراً.
ولنتساءل الآن، ما معنى ( يحاول أن يؤسس مكوثه المقترح بشروط شعرية هو يختارها وليس إغواء الأمكنة التي تضغطنا في التاريخ والتابو والمهيمن )؟! وإذا اتفقنا على كون الشعر هو نتاج صراع الشاعر مع العالم والظروف المحيطة به، فهل هناك شاعر خارج الأمكنة؟ بمعنى هل بوسع شاعر أن ينتج لغة لا علاقة لها بمكان وتاريخ معينين؟! وهل هناك مكان بدون تاريخ؟! وهل هناك ثقافة بدون صراع مع تابو ومهيمن؟! وهل هناك تاريخ شخصي أو وطني بدون خيانات أو أكاذيب؟! وهل أدونيس لديه طاقة سحرية حقاً تجعله ما فوق بشري بحيث يمتلك كل هذه الصفات التي أغدقها عليه فواز؟!
عندما نكتب نقداً أو تعليقاً نقدياً ينبغي أن نكون دقيقين باستخدام الكلمات، فالحكمة تقول ( أوصيك بالدقة لا بالوضوح ) وهي حكمة شاعر وليست حكمة فيلسوف. وإذا كانت الحكمة والحقيقة تأتي من وقائع الواقع، ليتأسس المنهج عليها، فمن أجل الخيانات والأكاذيب، سأحيل فواز إلى بعض الوقائع : بعد وصولي إلى بيروت ربيع 1979 بأسابيع، ذهبت مع عدد من الأصدقاء إلى أمسية شعرية لأدونيس في قاعة ( جامعة بيروت العربية ) أعاد أدونيس قراءة قصيدته ( هذا هو اسمي ) المنشورة في كتاب قبل سنوات، وفي المقطع الذي يقول ( باسم يافا سمني قيساً وسمي الأرض ليلى / باسم شعب شردته البشرية ) قام أدونيس بتغيـير كلمة ( بشرية ) إلى ( بربرية ) !! ولأن أكثرية شعر أدونيس خاضع لهواجس ومواضيع سياسية على عكس ما يدعيه ويدعو إليه، ففي اليوم الثاني قرأنا في جريدة السفير مقالاً للشاعر عباس بيضون، وربما لكاتب آخر، أوضح فيه أن تغيـير الكلمة لم يأت اعتباطاً، بل أن جهات لبنانية ذات علاقة، كانت قد أخبرت أدونيس بأنه مرشح لجائزة ( لينين للسلام ) وما تعنيه هذه الجائزة أيام وجود الاتحاد السوفيتي آنذاك، لذلك تم تغيير الكلمة، ف( البشرية ) في المقطع المذكور تنطوي على إدانة للولايات المتحدة والغرب عموماً وكذلك للاتحاد السوفيتي الذي سبق الجميع بالاعتراف بقرار تقسيم فلسطين الذي تسبّبَ بتشريد شعبها. وبعد شهور على هذه الفضيحة التي لم يرد عليها أدونيس طبعاً، نشر أدونيس مقالاً بعنوان ( العقل المعتقل ) في السفير أيضاً، وبعد يومين نشرت السفير مقالاً للروائي الراحل غالب هلسا بيـّن فيه أن الأفكار الواردة في مقال أدونيس مأخوذة من مقال لكاتب غربي ذكر أسمه وقارن بين المقالين، لكن أدونيس لم يرد أيضاً !! ناهيك عن كتاب الشاعر كاظم جهاد ( أدونيس منتحلاً ) لكن أدونيس لا يرد على أحد، لأن الرد والمناقشة تعيدانه إلى الواقع وحقائقه، وهو رجل خبير في صنع الخرافات وخاصة خرافته هو، ومن حسن حظه أنه يجد دائماً من يصدق هذه الخرافات ويتبنى ترويجها، ولكن ليس مجاناً طبعاً !! فالزميل فواز لم يأت بجديد في الواقع، وعملية أو نسق صنع الخرافات ليس من ابتكاره، فمثل مقاله قرأنا الكثير في العديد من الصحف العربية. وتفسير هذا الولع بالخرافات ولغة التخريف، هو أن ثقافة التمجيد التي أوصلها شعراء صدام حسين ومادحوه إلى ذروتها التي هي الحضيض بعينه، ثقافة التمجيد هذه هي نتاج الواقع، ونحن إذ نسقط تحت وطأتها فلأننا جزء من هذا الواقع، الواقع العربي الفاشل الذي أصابنا ( بعقدة البحث عن بطل )، وبقدر ما تكون الكتابة عن الخرافة، خرافة ( الشاعر الكبير ) أو ( البطل القومي )، انغماساً بلغة الأوهام ذاتـها وخضوعاً لسطوتها، فهي تنطوي على رغبة الكاتب بالتشبه بالشاعر الكبير على أمل الالتحاق بعوالمه السحرية، وهي لذلك لا تستطيع تلمس حقيقة واقعية فتسقط خارج معنى المعرفة من حيث هي تطمح لتصدر الواجهة. والمشكلة الناتجة عن كل ذلك هي أن إدمان مجتمع ثقافي معين على الأوهام والخرافات يحولها إلى ( حقائق ) بالضبط مثل حقيقة ( البطل القومي ) صدام حسين والذي لم يستطع الكثيرون من الأشقاء العرب أن يصدقوا بعد، أنه مجرد مجرم جبان وتافه، ما أدى إلى تحويل الخرافات والأوهام إلى ( ثقافة عامة ) فلا يعود المتابع قادراً على التمييز بين الواقع وبين الوهم، أو بين الحقيقة وبين الخرافة !!
يقول فواز ( بما أن الثقافة في النسق العربي لم تتحول إلى – إنتاج – مؤسسي خارج إطار السلطة !! فإن هذه السلطة تنظر للمثقف / الشاعر / العراف / عالم الديانات / الراوي المؤرخ / كاتب السيرة / حافظ الحديث /.. بعين الريبة وتحاول دائماً تهميشه أو وضعه في مكونها ومتماهياً مع نظرها للملك والملكية. وهذا ما يجعل البعض من مثقفينا ممن أغواهم الولع ( التملكي ) الاندفاع لاستبدال موقعهم في الثقافة الحرة مع موقع هامشي في النسق السلطوي مقابل إيهامات بالتملك ومن ضمنها – ملكية الكتابة - ) أنه يدين هذه الظاهرة وهي إدانة تنطوي على إطراء ضمني لأدونيس باعتبار بعيداً عن هذه الظاهر ونقيضاً لها، لكن واقع أدونيس ومواقفه تقول عكس ذلك تماماً، ففي مقابلة في ( القدس العربي ) 11 – 10 – 97 أجراها معه شاكر نوري الذي عمل وسيطاً لمهرجانات النظام السابق لسنوات طويلة، يقول نوري في المقدمة ( أتذكر أيام كان يعمل في اليونسكو، وجهت له دعوة لحضور مهرجان المربد وقد كلفني أحد الشعراء المسؤولين بمفاتحة الشاعر أدونيس آنذاك لكنه رد عليَّ بكل وده ولباقته المعهودتين : إنني لا أشترك في مهرجان يحضره ألف شاعر. ثم سألني بدهشة : هل تعتقد يا أخ شاكر بأن هناك ألف شاعر في الوطن العربي )؟! أعرف أن شاكر نوري غير مؤهل ثقافياً لطرح أسئلة جادة، بالإضافة إلى كون ( مهمته ) لا تسمح بذلك، وإلا لسأله : لماذا لا تتوقع ألف شاعر في أمة تتكون من ثلاثمائة مليون إنسان، خاصة وأنك القائل بأن هذا الزمن هو ( زمن الشعر)؟! لماذا لا تتوقع وجود خمسين شاعرا في كل بلد عربي إذن؟! أم أنك تعتقد بأن الشعر ملكية خاصة لا يحق لأحد أن ينازعك عليها؟! ولماذا لا يكون الشعر مباحاً للجميع كالفرح والماء والهواء؟! أم أن حديثك عن وجود ألف شاعر هو كلام حق يراد به شيء آخر؟!
هذا من الناحية الثقافية أما من الناحية الأخلاقية، فكنا نتوقع من أدونيس أن يرد على شاكر نوري بالسؤال التالي : كيف أستطيع أن أشارك في مهرجان رسمي لنظام شرد كل هذا العدد من الأباء والفنان والكتاب والأكاديميين العراقيين؟!
أسئلة من هذا النوع لا تخطر على بال أدونيس أيضاً، لأن من لا يدافع عن حرية التعبير ومصير المثقفين في بلاده لا يمكن أن يدافع عن هذه القضية في بلدان عربية أخرى، وهذا يشمل الكثير من المثقفين العرب بمن فيهم سوريون وعراقيون من المقيمين في الخارج. فالمصالح الدنيوية الواقعية أو المتخيلة لا علاقة لها بغبار الشعر وسحره يا عزيزي فواز، لأن الواقع شيء والخرافات شيء آخر. ورداً على سؤال عن سبب رفضه لحضور مهرجان للشعر في تونس وقبوله لحضور مهرجان مماثل في الكويت آنذاك، يتحدث أدونيس عن سلبيات مهرجانات الشعر العربية، ثم يورد نص الرسالة التي بعثها لوزير الثقافة التونسي، ومما جاء فيها ( الشاعر عامل منتج باللغة ويعيش من عمله ونتاجه شأن المحامي والمغني والموسيقي...، لذلك لا بد حيث يُطلب منه أن يقدم نتاجه في حفل ما، من أن يُقدَّم له، بالمقابل مبلغ مالي يتوازى مع عمله ومكانته... لا أقدر شخصياً لظروف صحية ضاغطة أن أسافر في الطائرة بدرجة سياحية. هذه بالنسبة إلي ضرورات لا غنى عنها، يمليها الحرص على الحق والمبدأ والمساواة... ) وهذا موقف واقعي وصريح، وسواء اتفقنا معه أم لا، فهو يتعلق بالمُلكية لنـتاج معين وأرباح مالية محددة تترتب عليها، والكلام موجه لأي سلطة عربية تدعو أدونيس لأمسية شعرية، وهذا الموقف يا أخي فواز لا علاقة بينه وبين ما تقول أنت : ( يبدو أدونيس قد نزع آخر القشور عن جلده ليكون لصق ذاته الشعرية، فلم تعد تحتوي - عريه – المدن أو الأمكنة، لأن الشعر ألقى عليه غباره السحري ) بينما أدونيس يبحث عن المدن وإغواء الأمكنة وبالدرجة الأولى في الطائرة، لذلك ذهب إلى الكويت ولم يذهب إلى تونس. وهذا عكس الصورة التي رسمتها أنت لأدونيس وتريد أن تقنعنا بها !! أم أنك تعتقد بأن في الكويت ( هيولى غرائبية أعطته إحساساً بالخلاص والحرية من نفاق الآخرين واللغة والسلطة )؟!
هذه هي خلفية مواقف أدونيس من بيروت أو تونس أو الكويت أو القاهرة أو بغداد كما يعلنها هو بشكل واضح ومحدد، وهناك أشخاص ومؤسسات تشاطره الرأي والمصلحة، فلماذا نضفي عليه مسحة سحرية هو لا يدعيها؟!
أن الخرافات تُصنع عادةً بعد أن يتم الانفصال عن الواقع وحقائقه. وهدفي من كل ما تقدم هو السؤال التالي : هل الثقافة العراقية والمجتمع العراقي ما يزالان بحاجة للاستمرار بصناعة الخرافات مع استبدال شخوصها أم آن لنا أن نعود للواقع وحقائقه؟!
لا أشك بموهبة وكفاءة فواز الثقافية ولا بنواياه الطيبة، وأعرف أن الكثير من الأدباء العراقيين الشباب يقاسمونه نفس المشكلة أو الإشكالية المتعلقة بطريقة تفكير معينة، لكن المأساة العراقية الراهنة والمرحلة الجديد ومئات الآلاف من عيون الأرامل والأيتام تفرض علينا التخلص من وطأة الاستغراق في الخرافات حول دور الشعر وأسطورية الشاعر وما تجره من استهلاك للوقت والجهد ناهيك عن الخلافات والأحقاد والصغائر التي غالباً ما تتأسس على تلك الأوهام بينما تتطور البشرية من حولنا عبر ثقافة المؤسسات والبرامج المحددة وحقائق الحياة الملموسة وأفراح الجسد الواضحة وغنى الروح بتلك الأفراح، فنحن في عصر العلوم ووسائل الاتصال الحديثة والإنجازات الكبيرة الأخرى، التي غيرت النظرة للآداب والفنون ودورها وطريقة إنتاجها وتداولها، وطبيعة الأديب والفنان وطريقة حياته وحقيقته كونه لا يختلف عن بقية البشر، فهو له أخطاؤه وتناقضاته ونقاط ضعفه، والنظر له على هذا الأساس أنفع لنا وله سويةً، علينا أن نعود إلى الواقع، إلى العراق وحقائقه لنكتشف مأساتنا ولغتنا وأهمية وجودنا ومشروع مستقبلنا بعيداً عن الخرافات والأوهام حول أنفسنا أو حول الآخرين.


المصدر موقع ايلاف

آخر تحرير بواسطة صقر الخالدية : 18/04/2004 الساعة 04:27 PM