الموضوع: اخــترت لـك
عرض المشاركة وحيدة
  #52  
قديم 03/02/2004, 11:20 PM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
لنسقط إرث المعوقات الثقيل عن ظهورنا أولا
د. رحمة بورقية*

يقاس مستوى التنمية في المجمعات، بالمسافة التي تفصلها عن النمو الشامل، وبالنقص الذي تعرفه هذه المجتمعات في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ومن الملاحظ أن مشروع النهوض العربي على مستوى التأهيل الحقوقي والاقتصادي والاجتماعي، ما زال يتعثر كما تفصح عنه مؤشرات التنمية البشرية. ويعتبر وضع النساء مؤشرا أساسيا من مؤشرات تلك التنمية البشرية.
لا يمكن أن نحدد مكانة النساء فقط بوضع المجتمعات التي تنتمي إليها كمجتمعات تصنف بالسير في طريق النمو، وإنما بوضعهن المزدوج، باعتبارهن يخضعن لوضعهن الدوني في القوانين، ولضعف حضورهن في المجالات السياسة والاقتصادية، وفي نفس الوقت باعتبارهن يتحملن كالرجال واقع بلدانهن وهي تصارع للوصول للتنمية.
مما لا شك فيه أن ضعف اندماج النساء في مسار التنمية يجعل المجتمع يتحمل هدر نصف طاقاته وما قد يواكب تلك الطاقات من قوة خلاقة.
إن المجتمعات العربية، وبدرجة متفاوتة، تحمل إرثا ثقيلا من المعوقات تحول دون تحقيق سريع للتنمية الشاملة وللرقي بأوضاع النساء. تبين الإحصائيات والمؤشرات الاجتماعية والاقتصادية، أن أوضاع النساء في العالم العربي تضع معظم بلدانه في أسفل القائمة من حيث التنمية البشرية. وتفصح عن كون تلك الأوضاع لم تحقق تقدما كبيرا، على الرغم من وجود بعض الاختلافات بين المجتمعات العربية، من حيث درجة انخراط النساء في الإنتاج الاقتصادي، ومن حيث المشاركة السياسية، ومن حيث الصورة التي تعكسها قوانينها عن المرأة والعلاقات الأسرية. كما أن النسبة المرتفعة للأمية بين النساء في كثير من البلدان العربية، تعكس ضعف انخراط النساء في ديناميكية السير نحو التنمية. ولهذا تواجه البلدان العربية تحديات عدة لا يمكن تجاوزها بدون الوعي بها وإدراجها في السياسات والاستراتيجيات المتبعة، وبضرورة الدخول في سيرورة لمواجهتها.
إن مداخل التنمية الاجتماعية وتأهيل النساء متعددة، أساسها الانكباب على الذات العربية لتحليل مكوناتها ومكامن القوة والضعف فيها، وذلك بالمعرفة وبالفكر النقدي الموضوعي الذي يجعلها تفكك طلاسم ذاتها ورموز واقعها الاجتماعي. وفي هذا السياق، تحضر ضرورة التخلص من الرواسب الكامنة في التراث الفكري الذي شيد حول مركزية ذكورية وجهة نظرته للعالم وللمجتمع.
لقد حول المجتمع عبر التنشئة الاجتماعية، وخلال حقب طويلة من الزمن، الاختلافات البيولوجية بين الذكر والأنثى إلى ترتيب بينهما، وإلى تصورات لوضع هرمي تحضر بقوة في التراث المكتوب والشفاهي وتنتصب كحقيقة ثابتة، تستهلك كما لو كانت من طبائع لا تتغير، وتقاوم التاريخ والتحولات الاجتماعية التي طرأت على مكانة النساء في المجتمع وعلى العلاقة بين الرجل والمرأة.
إن المخيال الثقافي العربي تسكنه مركزية ذكورية تطبع نظرة المجتمع لعلاقات يتقاسمها الرجال و النساء على حد سواء، وتحدد منطق الهرمية بينهما. يضع المجتمع المرأة إلى جانب اللين والعطف والضعف والوجدان. ويضع الرجل إلى جانب الإقدام و المسؤولية والقوة والتفكير. ولقد أضفيت على العلاقات بين الرجال والنساء، في معظم المجتمعات العربية، قيم عشائرية تناقلت عبر الأزمنة والأجيال، ويعاد إنتاجها عبر قوانين الأسرة وعبر الممارسات والتصورات التي تترسخ في العقليات. ولقد أثقلت بعض الخطابات جسد المرأة بالتقاليد وبالرداء السميك للذاكرة العشائرية. وجعلت ذلك الجسد فضاء لرهانات وحروب وهمية تصرف الانتباه وتحول مجرى الجهود عن الحروب التنموية والاقتصادية الكفيلة بالرقي بالإنسان العربي.
وإذا كانت النساء في الماضي يستهلكن قيما أنتجتها الثقافة والوعي الجماعي، فإن شريحة عريضة من النساء تطالب اليوم، عبر الحركات الحقوقية والنسائية، بالمساهمة في إنتاج القيم وبالمشاركة في مختلف مجالات الحياة العامة، وتدعو إلى ضرورة إحداث إصلاحات، أهمها الإصلاح القانوني.
إن تغيير القوانين يعتبر من أهم خطوات تأهيل النساء. ولقد جاءت الخطوة التي أقدم عليها المغرب بوضع مشروع جديد لقانون الأسرة (مدونة الأسرة)، بمثابة ثورة هادئة أجمع عليها المجتمع المغربي بعد نقاش واسع، كاستجابة للتحولات التي عرفها المجتمع وعرفتها الأسرة ووضع النساء. وفي هذا السياق تلعب الدولة دور المحرك للإصلاحات الكبرى في المجتمع. فالإرادة السياسية للملك محمد السادس، جاءت للدفع بالمشروع نحو تعديل شامل وجوهري. كما أن التجربة المغربية في هذا المجال، تبين أن الإصلاح في المجتمع العربي الإسلامي كاستجابة للمتطلبات المجتمعية وللحركات الحقوقية والنسائية وللحتمية التاريخية للإقرار بحقوق وواجبات الأفراد داخل الأسرة هو أمر ممكن، بل وأنه يقوي الدولة والمجتمع، وينقل النساء من وضع دوني كانت تعكسه قوانين الأحوال الشخصية، إلى وضع مواطنات لهن حقوق وعليهن واجبات، ويفتح الأفق لتعديل قوانين الأسرة كلما تغيرت الأحوال المجتمعية. فتأهيل النساء من الناحية القانونية والاقتصادية والاجتماعية هو جزء من المشروع الديمقراطي الحداثي. فإصلاح قانون الأسرة في المغرب يفتح المجال لمعالجة القضايا الجوهرية في التنمية البشرية، وكل ما يتعلق بها كالمسألة النسائية والأسرية.
إن مؤسسة الأسرة هي المؤسسة التي تمر عبرها التنشئة الاجتماعية لتنتج الإنسان الذي سيعيش في المجتمع. فأسرة متوازنة، تصان فيها الحقوق وكرامة الزوج والزوجة والأطفال، هي الإطار الملائم لتلك التنشئة. كما أن بناء المشروع الديمقراطي الحداثي في حاجة إلى وضع الأسس الاجتماعية له. ومن بين تلك الأسس الإصلاح القانوني للأسرة. وهو المدخل للإصلاحات الأخرى التي من شأنها أن تدفع بالنمو الاقتصادي لإحداث فرص العمل للنساء والرجال، وبالتربية على الروح الديمقراطية وعلى المساواة واحترام الحقوق. وبإعلام ذي أبعاد تربوية يساهم بفعالية في تأطير المواطن وتلقينه قيم التشارك في المسؤولية. إن ترسيخ قيم التشارك والمسؤولية والمساواة وحفظ الحقوق وتحديد الواجبات بين المواطنين وبين الرجال والنساء في المؤسسات الاجتماعية والسياسية، لمن شأنه أن يدخل المجتمعات العربية في فلك الحداثة. من المعلوم، أن الحداثة لا تنفي الدين الإسلامي كما يردد البعض، وإنما تحفظ له مكانته وتجعل المجتمعات العربية تراجع خطابها التمجيدي حول نفسها، وتمنحها الدعامة اللازمة لكي تتحرر من قبضة مد إنتاج واستهلاك الأساطير. كما أن الحداثة الفكرية تعمل على كبح الاندفاع وراء المشاعر الجاهزة وتوجيه التعبئة نحو إنجاز المشاريع التنموية لإيجاد مكانة في عالم أصبحت تتحكم فيه عولمة عارمة.
لقد أصبح التحديث حتمية تاريخية، والمجتمعات العربية أضحت مجبرة على السير في ركب الحداثة وليس لديها الاختيار بين أن ترافق الركب أو لا ترافقه، باعتبار أن قطار الحداثة حتمية تاريخية تستدعي إيجاد أجوبة ناجعة على الأسئلة والقضايا التي يطرحها العصر الراهن. سبق وأن كتبت، ليس للمجتمعات العربية ان تختار بين أن تركب قطار الحداثة أو لا تركبه، فالاختيار الوحيد هو هل تركبه وهي مقحمة في عرباته، وفي زخم الإقحام تترك أمتعتها على الرصيف، أم تركبه عن طواعية محملة بأمتعتها وعلى وعي بالانضمام إليه وبالاتجاه الذي تقصده. من المؤكد، أن الوصول إلى محطة التنمية وتحقيق الديمقراطية لن يتما إلا بمرافقة النساء لذلك الركب.

* أستاذة علم الاجتماع رئيسة جامعة الحسن الثاني بالمحمدية ـ المغرب

المصدر حريدة الشرق الاوسط





All