الموضوع: اخــترت لـك
عرض المشاركة وحيدة
  #53  
قديم 03/02/2004, 11:23 PM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
بدأت رشوة حكومية وانتهت تقليداً اجتماعياً:
"العيدية" ابتكرها المعزلدين الله وشربها الآباء
الاثنين 02 فبراير 2004 11:53
نبيل شرف الدين من القاهرة: يعرف الكثيرون أن "العيدية" هي كلمة السر بين أطفال مصر ـ وبلاد عربية أخرى ـ الذين يترقبون العيدين من أجل الحصول عليها، لكن ما قد لا يعلمه الكثيرون أنها بدأت بالأساس كـ "رشوة حكومية" مقننة، أطلقها الناس على ما كانت توزعه الدولة من نقود خلال موسمي عيد الفطر وعيد الأضحى لمستخدميها من أرباب الوظائف المختلفة، وكانت هذه العيدية تعرف "بالرسوم" في أضابير دواوين الدولة ، ويطلق عليها "التوسعة" في وثائق الوقف الفاطمية والمملوكية، كما يقول باحثون متخصصون في تاريخ مصر الحديث.
وترتبط جذور "العيدية" بسياسة "ذَهبِ المعز وسيفه" الشهيرة، فمما يروى عن الخليفة الفاطمي المعز لدين الله، أنه عند دخوله مصر بعد فتحها على يد جوهر الصقلي، وجد الناس في جدل ونقاش بين مؤيد ومشكك في صحة نسبه إلى البيت النبوي، فوقف وسط الناس وهو يلوح بسيفه قائلاً: "هذا نسبي". ثم أعقب ذلك بإخراج بعض الذهب ونثره على رؤوس الناس وقال: "وهذا حسبي".
وقد أثبتت الأحداث أن المعز لدين الله أحسن إلى حد كبير في استخدام "حسبه ونسبه" في توطيد دعائم خلافته، فجرد الجيوش لتهاجم مناهضيه وغمر رعاياه في كل مناسبة بالأعطيات ومظاهر الترف والبهجة.
وحرص الفاطميون على توزيع "العيدية" مع كسوة العيد، فضلاً عما كان يوزع على الفقهاء والمقرئين بمناسبة ختم القرآن ليلة العيد من الدراهم الفضية.
وعندما كان الرعية يذهبون إلى قصر الخليفة صباح يوم العيد للتهنئة كان الخليفة ينثر عليهم الدراهم والدنانير الذهبية من منظرته بأعلى أحد أبواب قصر الخلافة.
وبزوال دولة الفاطميين ، توقفت الدولة التي تعاقبت بعد ذلك عن صرف العيدية لأرباب الوظائف المدنية ، واكتفت بصرفها للجنود المماليك خاصة في عيد الأضحى كما كان الحال زمن الفاطميين، وكثيراً ما تعرض بعض السلاطين لاعتداءات المماليك بسبب قلة أو تأخر نفقة العيد ، وربما أدى تذمر المماليك إلى عزل السلطان عند عجزه عن دفع العيدية.
أما النقود التي كانت تصرف بها العيدية فكانت ثلاثة أنواع هي : الدنانير الذهبية، والدراهم الفضية، والفلوس النحاسية ، وكان الفاطميون يضربون دنانيراً خاصة بغرة العام الهجري تعرف بدنانير "الغرة" ويضربون أيضاً قطعاً ذهبية تعرف بالخراريب جمع خروبة، والخروبة تساوي 192 جراماً، وكانت الخراريب توزع على موظفي الدولة والأمراء في الأعياد كل حسب مكانته.
ودالت الدول وتبدلت أنظمة الحكم التي تعاقبت على مصر، وتنوعت مسميات العملات على مدى العصور حتى كاد يصعب حصرها خاصة في زمن العثمانيين، غير أن كل هذا لم يكن كافياً لينسى الناس عيدية الفاطميين الذين أرسوا وقواعدها وأصبحت عادة مصرية صميمة يتوارثها الأبناء عن الآباء والأجداد، وبعد أن خرجت الدولة الحديثة من عملية توزيع العيدية "أو الرشا" على الموظفين بهذه الصورة الصريحة، إذ اتخذت صوراً أكثر "حداثة" وتعقيداً، ليحل الآباء والأعمام والخئولة محل "دولة الفاطميين" ويتحملوا مسئولية "بذل العيدية" للأطفال الذين باتوا ينتظرون العيد بفارغ الصبر كي يحصلوا على "العيدية".

المصدر موقع ايلاف